بعض ما جاء في حضرة الإشهاد حيث كانت الأرواح مخلوقة قبل الأجساد, وموضوع النيابة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (ومما يجدر بنا ذكره قبل الدخول في تنقل النور المحمدي في الأصلاب عرض بعض ما جاء في حضرة الإشهاد حيث كانت الأرواح مخلوقة قبل الأجساد, وموضوع النيابة. أما في عالم الروح والذر والتصوير عند الإشهاد فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أول من قال بلى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, «في قول اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف 172 - 173) ، قَالَ: جَمَعَهُمْ, ثُمَّ جَعَلَهُمْ أَرْوَاحًا, (وفي رواية الحاكم ثُمَّ صَوَّرَهُمْ) فَاسْتَنْطَقَهُمْ, فَتَكَلَّمُوا, وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ, وَالْمِيثَاقَ: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) إلى قوله (الْمُبْطِلُونَ) , قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ, وَالْأَرَضِيَنَ السَّبْعَ, وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ, أَنْ تَقُولُوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أَنَّهُ لَا إِلَهَ غَيْرِي وَلَا رَبَّ غَيْرِي، فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، فَإِنِّي سَأُرْسِلُ إِلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي، وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كِتَابِي، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَبُّنَا وَإِلَهُنَا, لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُكَ, وَلَا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ، فَأَقَرُّوا يَوْمَئِذٍ بِالطَّاعَةِ، وَرُفِعَ عَلَيْهِمْ أَبَاهُمْ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَأَى فِيهِمُ الْغَنِيَّ, وَالْفَقِيرَ, وَحَسَنَ الصُّورَةِ, وَدُونَ ذَلِكَ فَقَالَ: رَبِّ لَوْ سَوَّيْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ، فَرَأَى فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِمُ النُّورُ، وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ بِالرِّسَالَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (الأحزاب 7)، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم 30)، وَكَانَ رُوحُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أَخَذَ عَلَيْهَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَأَرْسَلَ تِلْكَ الرُّوحَ إِلَى مَرْيمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، قَالَ: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا) (مريم 17 - 19) حَتَّى بَلَغَ: (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) (مريم 21) قَالَ: حَمَلَتْ بِالَّذِي خَاطَبَهَا , وَهُوَ رُوحُ عِيسَى قَالَ، فَسَأَلْتُ مُقَاتِلَ بْنَ حَيَّانَ: مِنْ أَيْنَ دَخَلَ الرُّوحُ, فَذَكَرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ, عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا. وفي رواية الحاكم: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَحَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: دَخَلَ مِنْ فِيهَا». وما قاله سيدنا أبي بن كعب لا يقال من قبل نفسه, فله حكم المرفوع لسيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم. ويستفاد منه: 1 ـ الدلالة على أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد, وعلى ذلك جمهور العلماء إن لم يكن إجماعهم. 2 ـ أن نور الأنبياء مثل السرج, أما سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلّم فقد وصفه الله بأنه سراج منير (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) (الأحزاب 46) , والسراج منير بذاته, كالشمس, (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) (نوح 16) فجمع له بين النور والضياء كما سيأتي في جزئية تنقل الأنوار, إن شاء الله تعالى. 3 ـ ويستفاد من قوله: «فَرَأَى فِيهِمُ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ عَلَيْهِمُ النُّورُ» أن الأنوار كانت قبل الأرواح, كما كانت الأرواح قبل الأجساد (كما في الاستفادة رقم 1 ـ ... ثم جعلهم أرواحاً) , والقسمة في كتابة المقادير كانت قبل خلق أنوار الأنبياء. 4 ـ أن الميثاق الذى أخذه الله من الأنبياء في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران 81). من الجائز جداً أن يكون في هذا الموطن, ولو أن بعض الآثار الضعيفة وردت في تحديد الميثاق قبل ذلك, فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ وَقَضَى الْقَضِيَّةَ وَأَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ فَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَهْلُهَا وَأَهْلُ النَّارِ أَهْلُهَا». وهذا إن صح يدل على خلق النبيين أو أرواحهم قبل بقية البشر, وعلى إظهار ما كتبه الله على خلقه من قضاء وقدر, ويدل أيضاً على صحة ما في حديث جابر: «إن أول ما خلق الله نور نبيك .. يا جابر» من أن خلق أنوار الأنبياء بعد خلق نور النبي صلى الله عليه وآله وسلّم , ومن بعد أنوار الأنبياء خلق أنوار الأولياء والموحدين. قال السادة العلماء: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هو أول من قال بلى في هذه الحضرة مستدلين بما أخرجه أبو سهل القطان في جزء من أماليه عن سهل بن صالح الهمداني قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي كيف صار محمد صلى الله عليه وآله وسلّم يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث؟ قال: إن الله تعالى لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد صلى الله عليه وآله وسلّم أول من قال بلى؛ ولذلك صار يتقدم الأنبياء وهو آخر من بعث". وردت أحاديث كثيرة في أن الإشهاد على الخلق بأن الله ربهم في آية الميثاق كان وهم في صلب سيدنا آدم, منها ما جاء عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم قَالَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ: لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا، وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا، فَأَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تُشْرِكَ بِي». وعن عمر بن الخطاب قَالَ, قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ. فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً. فَقَالَ: خَلَقْتُ هؤُلاَءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ, ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً. فَقَالَ: خَلَقْتُ هؤُلاَءِ لِلنَّارِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ». فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ اللهَ إِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَيُدْخِلُهُ بِهِ الْجَنَّةَ. وَإِذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلنَّارِ، اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ. حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ. فَيُدْخِلُهُ بِهِ النَّارَ». ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من كتاب / على أعتاب الحضرة المحمدية / للأستاذ الدكتور السيد الشريف محمود صبيح حفظه الله ـــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد النور وآله وسلم
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|