العوالم : الملك / الملكوت : ــــــــــــــــــــــــــــــ (العوالم اعلم أيدنا الله وإياكم بمدد رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم الذي بعثه الله للعالمين رحمة وكرامة ومدداً وفيضاً, أن العوالم المذكورة في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة 2) , لا تنحصر في ما يعرفه ابن آدم, فالمخلوقات منها أمم معروفة وأمم غير معروفة, والعوالم كذلك, فمن العوالم: عالم الخلق، عالم الأمر, عالم الملك, عالم الملكوت, عالم الجبروت, عالم البرزخ, عالم الغيب, عالم الشهادة, عالم الأرواح, عالم الصور, عالم الذر, عالم المثال ..... عوالم كثيرة قد يندرج بعضها تحت بعض, كاندراج عالم الشهادة تحت عالم الملك, وعالم الغيب تحت عالم الملكوت, وعالم الخيال وعالم البرزخ تحت عالم الجبروت عند بعض القوم. عالم الملك: عالم الملك: هو ظاهر الكون وما ما ظهر منه, وتدركه الحواس الخمس وخاصة البصر, وهو عالم الشهادة, حيث الأجسام والمحسوسات والمدركات. المُلك تراه بنفسك, قال تعالى: (الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنون 78) وعالم الملك هو ظاهر عالم الملكوت, وكما تكون الترقية من مقامات الإسلام إلى مقامات الإيمان بالسلوك والتربية والنظرة والمدد يكون الترقي والارتقاء من عالم الملك إلى عالم الملكوت. عالم الملكوت: عالم الملكوت لغة هو مبالغة من عالم الملك, فزيدت الواو والتاء فقيل ملكوت, وهو الملك المقترن بالتصرف في مختلف الأنواع والعوالم, وهو الملك العظيم والسلطان القاهر. إلا أن فيه أمراً زائداً عن معنى الملك, فعالم الملكوت هو باطن الكون وهو عالم الغيب, وعالم المعاني, ولا يدرك بالحواس الخمس, ولا يدرك بالبصر وإنما يدرك بالبصائر, وكما مر فإن عالم الملك يدرك بالبصر, أما عالم الملكوت فليس بيدك, والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام 75) , فلا بد من إراءة من الله عز وجل: (نُرِي) فالملك ما ظهر والملكوت ما بطن, وهو عالم الأرواح والنفوس وما دق. والقلب محل رؤيته والاطلاع عليه. والفرق بين الملك والملكوت واضح بين, فدع عنك كلام أصحاب فقه جهاد النكاح وتكفير المسلمين, وهم خدم للدجال, لا يرفعون صوتاً فيه ولا فيمن يمثله, سيوفهم فقط على المسلمين, فما من محجوب عن عالم الملكوت إلا وادعى أن الملك هو الملكوت, وينفي ما سوى ذلك, فجعل عالم الغيب هو عالم الشهادة, حتى يخفي عجزه, فإذا قلت له: أدخلني إلى عالم الملكوت, قال لك: أنت فيه, لا يوجد شيء غير ما تراه! وعالم الملكوت وإن كان فيه نوع مشابهة من عالم الملك, إلا أنه أكبر منه وأعظم, ومشتمل عليه, وقد وردت أحاديث وروايات فيها فصل كلمة ملك عن ملكوت: كما جاء في حديث طويل, فيه تسبيح حملة العرش, فعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: « .... يَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْقُوَّةِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحَانَ الْأَعْلَى الَّذِي يُمِيتُ الْخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ». وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ». وعَنْ أَبِي حَمْزَةَ, مَوْلَى الأَنْصَارِ, عَنْ رَجُلٍ مِنْ عَبْسٍ, عَنْ حُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلّم كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكَبَّرَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ ذُو الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، وَالْجَبَرُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعَظَمَةِ». والرجل المبهم في هذه الرواية هو طلحة بن يزيد الأنصاري, قال الحافظ مغلطاي: "حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم كان إذا صلى من الليل وكبّر، فقال: "الله أكبر ذا الملك والملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ". رواه الكجي في سننه من حديث رجل من عبس، وذكره أبو نعيم في كتاب الصلاة بسند صحيح على شرط البخاري عن إبراهيم عن العلاء بن المسيب عن طلحة بن يزيد الأنصاري عن حذيفة". انتهى قلت: أو هو صلة بن زفر, كما في رواية للنسائي. وفي حديث طويل عن الفاروق عمر بن الخطاب قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «إِنَّ لِلَّهِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا مَلَائِكَةً خُشُوعًا لَا يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ثُمَّ قَالُوا: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ» , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَا يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، وَأَمَّا أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، فَقُلْهَا يَا عُمَرُ فِي صَلَاتِكَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالَّذِي عَلَّمْتَنِي وَأَمَرَتْنِي أَنْ أَقُولَهُ فِي صَلَاتِي، قَالَ: «قُلْ هَذِهِ مَرَّةً، وَهَذِهِ مَرَّةً، وَكَانَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ أَنْ قَالَ: أَعُوذُ بِكَ بِعَفْوِكَ مِنْ عِقَابِكَ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ جَلَّ وَجْهُكُ». وعَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «ارْتَفَعَ إِلَيْكَ ثُغَاءُ التَّسْبِيحِ، وَارْتَفَعَ إِلَيْكَ وَقَارُ التَّقْدِيسِ سُبْحَانَكَ ذَا الْجَبَرُوتِ بِيَدِكَ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ، وَالْمَفَاتِيحُ، وَالْمَقَادِيرُ، وَمُلْكُكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ تَعَالَيْتَ، وَتَجَبَّرْتَ فِي مَجْلِسِ وَقَارِ كُرْسِيِّ عَرْشِكَ، تَرَى كُلَّ عَيْنٍ وَعَيْنٌ لَا تَرَاكَ، تُدْرِكُ كُلَّ شَيْءٍ وَشَيْءٌ لَا يُدْرِكُكَ». وشريح بن عبيد روى عما يقرب من عشرين من الصحابة أو أكثر. وقال أَبُو صَالِحٍ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ سَلْمٌ الْخَوَّاصُ: بَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ لَيْلَةً فِي بِلَادِ الرُّومِ، وَكُنْتُ أَمْشِي أَمَامَ النَّاسِ؛ فَإِذَا بَيْنَ يَدِيَ شَخْصٌ، فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرِي عَلَيْهِ اقْشَعَرَّ بَدَنِي هَيْبَةً لَهُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ! سُبْحَانَ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ! سُبْحَانَ ذِي الْحُجُبِ وَالنُّورِ! سُبْحَانَ ذِي الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ! سبحان خالق السماوات وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِمَا! سُبْحَانَ مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خافية في السماوات وَالْأَرْضِ! سُبْحَانَ مُبِيدِ الْخَلْقِ وَوَارِثِ الْأَرْضِ وَمَنْ عَلَيْهَا! سُبْحَانَ الْأَبَدِيِّ الْأَزَلِيِّ الذي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَبَانَ مِنْهَا وَبَانَتِ الْأَشْيَاءُ مِنْهُ! سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ! قَالَ سَلْمٌ: فَخُيِّلَ إِلَيَّ أَنَّهُ الْخِضْرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: صَلَّى الله عَلَى الْخِضْرِ. فَنَظَرْتُ؛ فَلَيْسَ أَرَى شَيْئًا، فَمَا دَعَوْتُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي غَمٍّ وَلَا كُرْبَةٍ إِلَّا فُرِّجَ عَنِّي. ولو لم يكن غير ما جاء في حديث الكفارات, لكفى ... فلو كان عالم الملك هو عالم الملكوت ما قال صلى الله عليه وآله وسلّم: «فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ» وفي رواية: «فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» وفي رواية أخرى: «حَتَّى تَجَلَّى لِي مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» , وحديث الكفارات رواه الترمذي وغيره عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «احْتُبِسَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى عَيْنَ الشَّمْسِ، فَخَرَجَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ دَعَا بِصَوْتِهِ فَقَالَ لَنَا: «عَلَى مَصَافِّكُمْ كَمَا أَنْتُمْ» ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ: "أَمَا إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمُ الغَدَاةَ: أَنِّي قُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأْتُ فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ، فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي رَبِّ، قَالَهَا ثَلَاثًا" قَالَ: "فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ، فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ، قَالَ: ثُمَّ فِيمَ؟ قُلْتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَلِينُ الكَلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ. قَالَ: سَلْ. قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى حُبِّكَ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا». فتمعن في قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ» وفي رواية: «فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ» وفي رواية أخرى: «حَتَّى تَجَلَّى لِي مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» , ففيها فروق واضحة في معنى عالم الملك عن الملكوت, وإلا ما كان التجلي, وما زالت الأمة طبقة عن طبقة تقول سبحان ذي الملك والملكوت, أو مالك الملك والملكوت, وما شابه ذلك من ألفاظ, إلا عند طائفة ما عندها إلا الخلاف والشقاق والنزاع في كل مفهوم. وفي قول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام 75) شفاء, فلولا أنه منة من الله وفضل عظيم لقال: "ملك السماوات والأرض" فلولا أنها كانت معجزة وكرامة وولاية من الله للخليل ما قال: (مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) . ) ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليما بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|