البحر المسجور , والرفرف , وإشارة القسطلاني , وتعقيب مولانا الصبيح الرباني : ــــــــــــــــــــــــــــ ( عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلّم حتى علا مستوى يسمع فيه صرير أو صريف الأقلام, أي صوتها, ثم كان الارتقاء لعبور البحر المسجور . البحر المسجور : ورأى صلى الله عليه وآله وسلّم البحر المسجور وهو: بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَ الْعَرْشِ فقد جاء عن باب مدينة العلم سيدنا علي كرم الله وجهه: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (الطور 6) قَالَ: «بَحْرٌ فِي السَّمَاءِ تَحْتَ الْعَرْشِ». ويتقوى بما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (الطور 6) قَالَ: «بَحْرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ». وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ: «هُوَ بَحْرٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، غَمْرُهُ كَمَا بَيْنَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ إِلَى سَبْعِ أَرْضِينَ، فِيهِ مَاءٌ غَلِيظٌ يُقَالُ لَهُ: بَحْرُ الْحَيَوَانِ. يُمْطِرُ الْعِبَادَ بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى مِنْهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَيَنْبُتُونَ فِي قُبُورِهِمْ. وقال مقاتل وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ, تحت العرش الممتلئ من الماء يسمى بحر الحيوان يحيي الله به الموتى فيما بين النفختين». مازالت الملائكة تعمر هذه الأمكنة, والنبي صلى الله عليه وآله وسلّم يتابع سيره فيما فوق الملكوت, فما كان شيء ليستوقفه, إلا أن جبريل ناداه فقال له: قف يا محمد, فإن ربك يُصلي! روى عبد الرزاق عَن عطاء: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ كَانَ كُلَّمَا مَرَّ قِسْمًا سَلَّمَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى إِذَا جَاءَ السَّمَاءَ السَّادِسَةَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا مَلَكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَبَدَرَهُ الْمَلَكَ فَبَدَأَهُ بِالسَّلَامِ"، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلّم: «وَدِدْتُ لَوْ أَنِّي سَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيَّ، فَلَمَّا جَاءَ السَّمَاءَ السَّابِعَةَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلّم: أَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَمَا صَلَاتُهُ؟ قَالَ: يَقُولُ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، فَأَتَّبِعُ ذَلِكَ قَالَ: قُلْتُ: أُقَدِّمُ بَعْضَ ذَلِكَ قَبْلَ بَعْضٍ قَالَ: إِنْ شِئْتَ». وقد رواه الخطيب مختصراً عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: «لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلّم إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: رُوَيْدًا رُوَيْدًا فَإِنَّ رَبَّكَ يُصَلِّي، قَالَ: «وَهُوَ يُصَلِّي؟»! قَالَ نَعَمْ. قَالَ: «وَمَا يَقُولُ؟» قَالَ يَقُولُ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، سَبَقَتْ رحمتي غضبى». وعَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) (الأحزاب 43): «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلُوا مُوسَى هَلْ يُصَلِّي رَبُّكَ؟ فَكَأَنَّ ذَلِكَ كَبُرَ فِي صَدْرِهِ, فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَخْبِرْهُمْ أَنِّي أُصَلِّي وَأَنَّ صَلَاتِي أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي». أما في هذا الموقف فما نعرفه هو (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (الأحزاب 56) صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً. ثم سد الأفق رفرف أخضر ثم قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم تقدم يا محمد, يا محمد تقدم. عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قَالَ لِي جبريل: تقدم يا محمد فو الله مَا نَالَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ, فَوَعَدَ إِلَيَّ رَبِّي شَيْئًا, فَلَمَّا أَنْ رَجَعْتُ نَادَانِي مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ نِعْمَ الأَبُ أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ وَنِعْمَ الأَخُ أَخُوكَ عَلِيٌّ فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا, فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ أخبر قُرَيْشًا أَنِّي زُرْتُ رَبِّي ؟ , قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: تُكَذِّبُنِي قُرَيْشٌ. قَالَ جِبْرِيلُ: كَلا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ الصِّدِّيقُ وَهُوَ يُصَدِّقُكَ, يَا مُحَمَّدُ أقريء عُمَرَ مِنِّي السَّلامَ». قلت: محجوب ممنوع مطرود من آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في أهل بيته وفي صحابته, وخاصة العشرة الكبار. ارتقى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم بالرفرف, وهو المحفة, وسيأتى الكلام على ذلك بإذن الله, وما بقي الإ الحجب الأخيرة .... والعرش والكرسي, جل جلال الله أن يحده زمان أو أن يحتويه مكان.
قال العلامة القسطلاني: "ولبعض أهل الإشارات: كأن الله تعالى قال له: يا محمد، قد أعطيتك نوراً تنظر به جمالي، وسمعاً تسمع به كلامي، يا محمد، إنى أعرفك بلسان الحال معنى عروجك إلى، يا محمد، أرسلتك إلى الناس شاهداً ومبشراً ونذيراً، والشاهد مطالب بحقيقة ما يشهد به، فأريك جنتي لتشاهد ما أعددت فيها لأوليائي، وأريك ناري لتشاهد ما أعددت فيها لأعدائي، ثم أشهدك جلالي، وأكشف لك جمالي لتعلم أني منزه فى كمالي عن الشبيه والنظير، والوزير والمشير، فرآه صلى الله عليه وآله وسلّم بالنور الذى قواه من غير إدراك ولا إحاطة فرداً صمداً، لا فى شيء، ولا من شيء، ولا قائماً بشيء، ولا على شيء، ولا مفتقراً إلى شيء، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فلما كلمه شفاهاً، وشاهده كفاحاً، فقيل له: يا محمد لا بد لهذه الخلوة من سر لا يذاع ورمز لا يشاع، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) فكان سراً من سر، لم يقف عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وأنشد لسان الحال: بين المحبين سر ليس يفشيه *قول ولا قلم فى الكون يحكيه سر يمازجه أنس يقابله * نور تحير فى بحر من التيه ولما انتهى إلى العرش تمسك العرش بأذياله، وناداه بلسان حاله: يا محمد: أنت فى صفاء وقتك من مقتك أشهدك جمال أحديته، وأطلعك على جلال صمديته، وأنا الظمآن إليه اللهفان عليه المتحير فيه لا أدري من أي وجه آتيه، جعلني أعظم خلقه، فكنت أعظمهم منه هيبة، وأكثرهم فيه حيرة، وأشدهم منه خوفاً. يا محمد، خلقني فكنت أرعد لهيبة جلاله، فكتب على قائمتي، لا إله إلا الله فازددت لهيبة اسمه ارتعاداً وارتعاشاً، فكتب محمد رسول الله، فسكن لذلك قلقي، وهدأ روعي، فكان اسمك لقاحاً لقلبي، وطمأنينة لسري، فهذه بركة كتابة اسمك علي، فكيف إذا وقع جميل نظرك إلي، يا محمد أنت المرسل رحمة للعالمين، ولا بد لي من نصيب من هذه الرحمة، ونصيبي يا حبيبي أن تشهد لي بالبراءة مما نسبه أهل الزور إلي، وتقوله أهل الغرور علي، زعموا: أني أسع من لا مثيل له، وأحيط بمن لا كيفية له. يا محمد، من لا حد لذاته، ولا عد لصفاته كيف يكون مفتقراً إلي؟ أو محمولاً علي؟ إذا كان الرحمن اسمه، والاستواء صفته وصفته متصلة بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني؟ يا محمد، وعزته، لست بالقريب منه وصلاً، ولا بالبعيد عنه فصلاً، ولا بالمطيق له حملاً، أوجدني رحمة منه وفضلاً، ولو محقني لكان حقاً منه وعدلاً، يا محمد، من لا حد لذاته، ولا عد لصفاته كيف يكون مفتقراً إلي؟ أو محمولاً علي؟ إذا كان الرحمن اسمه، والاستواء صفته وصفته متصلة بذاته فكيف يتصل بي أو ينفصل عني؟ يا محمد، وعزته، لست بالقريب منه وصلاً، ولا بالبعيد عنه فصلاً، ولا بالمطيق له حملاً، أوجدني رحمة منه وفضلاً، ولو محقني لكان حقاً منه وعدلاً، يا محمد، أنا محمول قدرته، ومعمول حكمته. فأجاب لسان حال سيدي، زاده الله فضلاً وشرفاً لديه، ووالى صلاته وسلامه عليه: أيها العرش إليك عني، أنا مشغول عنك، فلا تكدر علي صفوتي، ولا تشوش علي خلوتي، فما أعاره صلى الله عليه وآله وسلّم منه طرفاً، ولا أقرأه من مسطور ما أوحى إليه حرفاً، (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) " انتهى. قلت: كلام رائع عظيم, إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم من عظمته لا يكسر بخاطر أي خلق من خلق الله أبداً, كما أن (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) كان عند السدرة. ) ـــــــــــــــــــــ من كتاب : على أعتاب الحضرة المحمدية للأستاذ الدكتور السيد الشريف / محمود صبيح حفظه الله ونفع به ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (( اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق والناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم ))
_________________ صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله
|