موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: القول الوهاج فى ذكر بعض لطائف حديث الإسراء والمعراج
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 30, 2004 6:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 25, 2004 12:52 pm
مشاركات: 170
القارئ الكريم :
الملف يقارب الثلاثين ورقة :
انسخ الملف إلى جهازك لتقرأه على مهلٍ ، أسال الله تعالى أن يكون فيه ما هو جديد لك بإذن الله تعالى .
وإن كان فلا تنسنا فى صالح دعائك .
القول الوهاج فى ذكر بعض لطائف حديث الإسراء والمعراج
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ .
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ واَلأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا .
أما بعد فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله ، وخيرَ الهدى هدى محمدٍ صلى الله تعالى عليه وسلم ، وشرَ الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
ـ بين يديك أخى فى الله رسالة قد حوت بين دفتيها تعليق على حديث معجزة الإسراء والمعراج ، ذلك الحدث الفريد فى نوعه فى حياة البشر والذى اختص الله تعالى به رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم خليل الرحمن وحبيبه فرفعه إلى ما هو فوق السموات السبع حتى وصل إلى سدرة المنتهى حيث يسمع صرير الاقلام ، يصل إلى ما لم يصل إليه أعلم علماء الأرض فى عصر طغى فيه العلم واستوى على سوقه حتى أصبح هو الحاكم المتحكم فى حياة البشر ، وصاحبه يقف على رأس القائمة ويتصدرها ، وفاقد العلم يتذيل القائمة يتعلق بها خشية السقوط ، وتهوى به الريح فى مكان سحيق ، تتخطفه الأمم عبداً لها .
ورغم ما وصل إليه العلم من التقدم إلا أنه ما زال حتى اليوم يدور فى فلك الكواكب المحيطة بالمجموعة الشمسية التى تحيط به ، بل لم يصل بعد إلى الإحاطة بمفردات تلك المجموعة الشمسية .
ـ وتأتى معجزة الإسراء والمعراج لتقف مثالاً رائعاً عظيماً أمام جهل الإنسان وما عتى وطغى به وتفاخر بالعلم وتقدمه ، تأنى معجزة الإسراء والمعراج حدثاً ربانياً يبرهن للبشر جميعاً " وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً" فأين أنتم يا حكمتم وتحاكمتم إلى العلم أين أنتم من قدرة رب السموات والأرض الذى خرق بحبيبه ورسوله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الفضاء ثم السماء تلو السماء .
تصور لرحلة الإسراء والمعراج
ـ وقبل أن نتعرض لحديث الإسراء والمعراج بالشرح والتعليق دعنا نتخيل ما جرى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بشر مخلوق يأخذ جبريل عليه السلام بيديه ليركبه البراق الذى يخترق الفضاء وتكون خطوته مدّ بصره ويضع حافره عند منتهى بصره ـ فى صحراء واسعة شاسعة ـ لك أن تتخيل أخى الكريم سرعة هذا البراق ـ من البرق ـ وقوته وحال مَن يركبه ، وهو ينظر فيرى جبريل  يأخذ بخطام ذلك البراق ، طائراً فى الهواء مخترقاً ذلك الفضاء ، حتى يهبط به بالأرض المقدسة فيقول جبريل  لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : أنزل ين محمد فصلى هنا ركعتين ، فينزل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليصلى الركعتين ليستزيد سكينة وراحة بالصلاة تأهباً لما سيجرى بعد قليل .
ـ يأخذ جبريل  بيد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويريه المعراج ، سُلم : درجاته من ذهب وفضة ـ ويقول له هيا بنا نصعد إلى السماء .
ـ ولك أن تتخيل أخى الكريم رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجبريل يمسك بيده ويرتفع به إلى أعلى وهو يطير فى الهواء ، لك أن تتخيل رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يرتفع عن الأرض قليلاً قليلاً ويغادرها ، وهو ينظر أسفل منه فيرى الأرض تقلص وتنقص من تحته وهو معلق فى الهواء ، ثم يرتفع إلى أعلى حتى يرى المسجد الأقصى وهو ينظر إليه من أعلى وقد كان منذ قليل بداخله يصلى ، ثم يرتفع حتى تظهر له تلك الأرض المقدسة كاملة يتوسطها المسجد الحرام ، ثم يرتفع إلى أعلى وهو يري أرض الشام كاملة أمام عينيه ، ثم يرتفع ليرى أرض الجزيرة العربية ، ثم ينظر فيرى القارة الأسيوية كلها ، ثم البحر الأحمر ثم قارة إفريقيا ثم القارات جميعها ، ثم يرتفع فيرى الكواكب المحيطة المجموعة الشمسية الأرضية ثم يرى الشمس والقمر ثم يخرج عن دائرة المجموعة الشمسية الأرضية فيرى دورانها حتى شمسها وما فيها من كواكب ونجوم ، ثم يخرج ويرتفع ليرى مجموعة أخرى من الكواكب والنجوم ، ينظر صلى الله تعالى عليه وسلم أسفله فلا يرى إلى الفضاء ، وينظر أعلاه فلا يرى إلى الفضاء ـ ويبقى التنفس النبوى كما هو لا يضيق الصدر ولا يختنق رسول الله كلما ارتفع إلى السماء وعلا ـ ثم ينظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيرى مجموعات من الكواكب والنجوم آلاف بل ملايين النجوم والكواكب التى لا يحصيها إلا رب خالقها ، فيقع فى قلب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من التعظيم والإجلال لخالق هذه النجوم والكواكب ومسيرها ومسخرها ومسيرها فى نظام بديع عجيب زيادة على ما فى قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم من التعظيم والإجلال "نور على نور" ثم يصعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليخرج عن دائرة الكواكب والنجوم بعد أن خرج عن دائرة الكرة الأرضية كلها بل المجموعة الشمسية كلها ، فيرى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من النجوم المنيرة والمطمسة ما يحير الألباب ويأخذ بالعقول ، ويقترب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من السماء الأولى ويقف جبريل عليه السلام ليطرق باب السماء الأولى ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجد نفسه طائراً معلقاً فى الهواء ، ينظر تحته فلا يرى إلا الفضاء الواسع العريض إلذى لا يعلم مداه إلا خلقه سبحانه وتعالى وعز وجل .
ـ لك أخى الكريم أن الكبرى تتخيل حال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى تلك الحال وما هو حاله وهو يرى هذا النظام الكونى البديع الفريد ، قال تعالى سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حول لنريه من آياتنا " لقد رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من آيات ربه ما يعجز لسان البشر عن وصفه وبيان حاله وصفته ، والحمد لله رب العالمين .
حال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قبل الإسراء والمعراج
ـ لا شك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عانى كثيراً مع قومه وأهله ودعوتهم إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة الأوثان ، ولا شك أن معادة قريش لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد تزداد يوماً بعد يوم ، وكان عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يدافع عنه ويصد عنه أذى المشركين ، وكانت أمنا أم المؤمنين خديجة رضى الله تعالى نعم الزوج والصاحب والأهل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تواسيه وتخفف عناء ما يلاقيه من قريش من عنت وعداء ، فكانا نصيرا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، هذا يدافع عنه ، وهذه تواسيه وتشد من أزره ، فلما قضى الله تعالى بموت عمه وزوجه شعر رسول الله تعالى بفقد الناصر البشرى والمعاون الزوجى ، فحزن لذلك أشد الحزن حتى سُمى ذلك العام ـ كما ورد فى بعض كتب السيرة ـ عام الحزن .
شق الصدر الشريف
ـ جاء فى بعض الروايات أن ملكين نزلا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل الإسراء به والعروج فأخذاه وشقا صدره فغسلوه فى طست من ذهب بماء زمزم(1) ـ وفى بعض الروايات بالثلج والبَرَد ـ ثم حشوه إيماناً وحكمة ، زيادة فى التطهير والتقديس لرحلة الإسراء والمعراج وسمع الوحى فى السماء وفرض الصلاة .
ـ وقال كثير من أهل العلم أن معجزة شق الصدر الشريف وقعت له صلى الله تعالى عليه وسلم عندما كان صغيراً فى بنى سعد لدى حليمة السعدية ـ ليقدس ويطهر من كل خلق ذميم حتى لا يتلبس بشئ مما يعاب على الرجال وحتى لا يكون فى قلبه شئ إلا التوحيد ـ وقيل : تكرر الشق مرة أخرى قبل رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج ـ ليناسب تلك المعجزة وما يلقاه فيها وملاقاة الملائكة المطهرين والأنبياء والمرسلين والصلاة بهم فى عالم آخر وحال جديد ـ وقال بعضهم : بل وقع شق الصدر الشريف ثلاث مرات ، فالله أعلم .
ـ روى الإمام البخارى فى صحيحه (3\1173) : عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال قال النبي  بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر يعني رجلا بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملئ حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا …الحديث .
ـ قوله  : بطست من ذهب : الناظر للوهلة الأولى فى هذا الحديث الشريف يلفت نظره قوله : فأُتيتً بطست من ذهب ، يعنى أن الملَكين جاءا بهذا الطست من الذهب لغسل قلب رسول الله  ، وإنما كان الطست من الذهب دون غيره من المعادن لمناسبات عدة ، منها :
ـ إنْ نظرتَ إلى لفظ "الذهب "تجده مطابقاً ومناسباً للفظ الإذهاب ، يعنى أن الله تعالى أراد أن يُذهب عن رسول الله  الرجس ويطهره تطهيراً .
ـ وإنْ نظرتَ إلى معنى الذهب وأوصافه وجدته أنقى المعادن ـ والقلوب معادن ـ وأصفاه ، يقال : أنقى من الذهب ، فتجد المطابقة بين الذهب وبين قلب رسول الله  وما أريد به من النقاء والصفاء .
ـ كما أن من أوصاف الذهب أنه ثقيل ، وهو مناسب للوحى " إنا سنلقى عليك قولاً ثقيلاً" ، وكان رسول الله  إذا نزل عليه الوحى وعلى ظهر دابته ساخت أرجل الدابة فى الأرض من ثِقل الوحى على رسول الله  .
ـ كما أن من أوصاف الذهب أنه لا يأكله النار ، والله تعالى وعد صاحب القرآن أن لا تأكله النار ، فالنار يوم القيامة لا تأكل قلباً وعى القرآن ولا بدناً عمل به .
ـ كما أن من أوصاف الذهب أن الأرض لا تبليه والثرى لا يذريه ، وكذلك القرآن لا يُبدل ولا يخلق على كثرة الرد .
ـ كما أن من أوصاف الذهب أنه عزيز بين الناس نفيس عندهم ،وكذلك القرآن "وإنه لكتاب عزيز" .
ـ كما أن من أوصاف الذهب أيضاً أن زخرف الحياة الدنيا وزينتها ، بل وأهل الجنة يحلون أساور من ذهب ، ويطاف عليهم بصحاف من ذهب .
ـ فإذا كان ذلك كذلك ناسب أن يكون الطست الذى يُغسل فيه قلب سيد ولد آدم من الذهب لا من الحديد أو النحاس(1) .
ـ ثم جاء الملكين بهذا الطست الذهبى وقد ملء إيماناً وحكمة ، فشقا صدر رسول الله  من النحر إلى السرة ، ثم استخرج أحدهما قلب رسول الله  واستخرج منه علقة سوداء فطرحها وقال لصاحبه : هذا حظ الشيطان منه ، وهو المدخل الذى قال فيه رسول الله  " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه "(1) فصار قلباً سليماً حتى من وسوسة الشيطان ، ثم ختما على قلبه بعد أن غسلوه بماء زمزم ، وحشوه إيماناً وحكمة ، فلا يدخل إليه الشيطان ولا يخرج منه الإيمان والحكمة .
ـ ولئن كان إسماعيل  قد وضع إبراهيم على رقبته السكين ليذبحه تنفيذاً لأمر الله تعالى كما جاءته الرؤيا ، ثم جاءه الفداء من الله تعالى كما فى سورة الصافات ، فهذا رسول الله  يمسك الملَك بالسكين ويضجع رسول الله  ويضع السكين على نحره ويش نحره إلى موضع سرته  بل ويستخرج قلب رسول الله  ويُخرج منه تلك العلقة السوداء التى هى حظ الشيطان من ابن آدم ، ثم يضع ويعيد القلب إلى موضعه ومكانه ثم يخيط صدر رسول الله  مرة أخرى ، كل هذا ورسول الله  حى يرى ويسمع ما يجرى ، والحمد لله رب العالمين الذى بنعمته تتم الصالحات ، الذى جمع لرسول الله  معجزات من سبقه من الرسل والأنبياء صلوات ربى وسلامه عليهم أجمعين .
ـ وفى ختم الملَكين على قلب رسول الله  بعد غسله وحشوه إيماناً وحكمة ما يذكرنا بقول الله تعالى فى وصف رسوله  مادحاً له " ولكن خاتم النبيين" وخاتم النبيين لا يعنى أنه  هو آخر النبين ، فهذا فَهم قاصر ، فما موضع المدح فى نبى جاء آخر الأنبياء ، فإن كان ثمّ مدح كان الأولى أن يكون الممدوح هو السابق الأول من النبيين ، فالمدح يكون للأول لا للأخير ، ولكن المراد بقوله تعالى وبكون رسول الله "خاتم النبيين" أنه  الذى ختمت الملائكة على قلبه بذلك الختم فلا ينفذ إليه الشيطان ولا بقليل الوسوسة ، كما أن الخاتم هو الشئ الموضع على الموضع النفيس ، كالختام الذى يضعه العبد على صندوق امتلأ بالذهب والجواهر مثلاً ، فإذا أراد صاحب الكنز إلا يطلع أحد على صندوقه وكنزه ختمه بالخاتم فى يطلع أحد على ما فى الصندوق إلا بعد أن يفض الخاتم ، وكذا هو رسول الله  كما جاء فى حديث الشفاعة والاستغاثة يوم القيامة ، حيث يذهب الناس إلى آدم  فيسألونه أن يخفف الله تعالى كرب يوم القيامة ، فيقول : لست لها ، اذهبوا إلى نوح ، فيذهب الناس إلى نوح  فيسألونه أن يسأل ربه التخفيف ، فيقول : لسن لها ، اذهبوا إلى إبراهيم ، وهكذا حتى يأتوا النبى الخاتم محمد  فيسألونه الشفاعة فيقول : أنا لها ، أنا لها ، فيشفع فى الناس يوم القيامة ، فإذا شفع رسول الله  شفع بعده الأنبياء ، أى يُفتتح باب الشفاعة المغلق المختوم بفض الخاتم بشفاعة النبى الخاتم  ، ـ فإذا فُض الخاتم ، اطلع الناس على ما فى الصندوق ـ فإذا شفع رسول الله  فُتح الباب لشفاعة النبيين والمرسلين ، فتأمل .
ـ قوله  : فشق من النحر إلى مراق البطن : يعنى من أعلى الصدر إلى السرة ، وفى الشق إشارة إلى شق الفضاء والسموات لرسول الله  .
ـ قوله  : ثم غسل : أى ذلك القلب الطاهر الشريف زيادة فى التقديس لتناسب تلك الرحلة العلوية والمعجزة الربانية ، ثم ملئ قلب رسول الله  إيماناً وحكمة ، فلا يبقى فيه إلا الإيمان ، والحكمة : والحكيم الذى يضع الأشياء فى مواضعها الصحيحة ، ويرى ما لا يراه غيره من الإشارات والدلالات ، كما سيمر به  من لقاء أنبياء مخصوصين دون غيرهم وفى لقاء كل واحد منهم من الإشارة والدلالة التي يعيها رسول الله ويفهمها ويضعها موضعها .
ـ عود على بدء : روى مسلم فى صحيحه (1\145) : عن أنس بن مالك  أن رسول الله قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل  بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل  اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل  فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد  قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف  إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل  قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون  فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل  قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى  فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد  قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم  مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى  فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل ارجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى  حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى  فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله  فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه .

فوائد فى حديث الإسراء
ـ قوله  : البراق : من البرق : أى السرعة والقوة ، وهو دابة بيضاء يضع حافره عند منتهى بصره ، فلك أخى الكريم أن تتخيل سرعة هذا البراق والمسافة التى يقطعها .
ـ جاء فى بعض الروايات قول جبريل  للبراق : أما تستحيى يا براق ، فما ركبك عبد لله قبل محمد هو أكرم عليه منه ، مما يدل على ركوب الأنبياء للبراق قبل سيدنا محمد  ، وإلا أن محمداً  هو أفضل وأكرم من ركب البراق  .
ـ قوله  : فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء : يدلك على مجئ الأنبياء قبل رسول الله محمد  بيت المقدس .
ـ ثم قوله  : فربطته بالحلقة التى يربط بها الأنبياء : يعنى أن تلك الحلقة مخصوصة ـ وكأنها معدة ـ لربط البراق ، وفى ربطه  للبراق وإن كان مسخراً له من قِبل رب العزة : تطبيق عملى لقوله  لمن جاء باب المسجد النبوى وهو يمسك بخطام ناقته ويقول : يا رسول الله : هل أدخل المسجد أصلى وأترك الناقة متوكلاً على ربى ، أم أربطها ثم أدخل أصلى ؟ فقال له رسول الله  : أعقلها ـ أى اربطها ـ وتوكل ، أى عليك بالأسباب ثم بعدها قل توكلت على ربى ، فجاء هذا التطبيق العملى لقوله  السابق للحدث .
ـ قوله  : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين : قيل : على هيئة الصلاة التى كان  يصليها ـ ركعتين صباحاً ومثلها مساء ـ قبل أن تفرض عليه الصلاة بهيئتها المعروفة وأركانها ـ فصلى رسول الله  بالمسجد الأقصى ركعتين على تلك الهيئة والكيفية .
ـ ورد فى بعض الروايات أنه  صلى بالأنبياء قبل العروج ، والظاهر ـ والله أعلم ـ أنه  صلى بهم بعد النزول من المعراج ليوافق ما ورد من سؤال النبى  جبريل  عنهم فى كل سماء ـ كما سيأتى ـ ولو كان  صلى بهم بالمسجد أولاً لعرفهم وما كانت هناك حاجة لسؤاله  لجبريل فى كل سماء : من هذا يا أخى يا جبريل ؟ فتأمل .
ـ وجاء فى بعض الروايات : فلما حانت الصلاة أممتهم : ولم تكن قد فرضت الصلاة بعد ولا وقتها ، اللهم إلا صلاة الفجر بعد النزول لتوديعه  فصلى بهم على أمر جبريل  .
ـ وفى صلاته  فى المسجد الاقصى أولاً وقبل العروج إشارة إلى تحويل ذلك الموضع إلى مسجد يُصلى فيه ، ودخوله إلى حظيرة الإسلام .
ـ وفى صلاته  بالأنبياء السابقين إشارة إلى فضله  وتفضيله وتقدمه وتقديمه عليهم جميعاً ، وميراثه  للرسالات السابقة وهيمنة دينه  على ما سبقه .
ـ قوله  : فجاءني جبريل  بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل  اخترت الفطرة : لكون اللبن يخرج من بطن البهيمة فلا يحتاج إلى خلط شئ آخر معه ليُشرب ـ بل يُشرب كما هو دون أن يخالطه شئ .
ـ وفى رواية أن جبريل  جاءه بإناء فيه لبن وإناء فيه خمر ، فلما اختار رسول الله  إناءَ اللبن قال له جبيرل  : هُديت للفطرة ، ولو اخترت الخمر لغوت أمتك ، وفى رواية : وحرمت الخمر على أمتك ، وفى رواية : إناء من لبن وإناء من خمر وإناء من ماء ، فقال : لو اخترتَ الماء لغرقت أمتك .
ـ قوله  : ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل : مما يدل على أن أبواب السماء كانت مغلقة قبل استفتاح جبريل  لها ، وفى هذا دلالة على كون السماء من العظمة بحيث أن أبوابها مغلقة فلا يدخلها إلا مأذون له بالدخول .
ـ وفى استفتاح جبريل  من الأدب الملائكى الذى علمه رسول الله  أمته ، فقال من طرق الباب : مَن ؟ قال الطارق : أنا ، فقال رسول الله  من الداخل : أنا ، أنا ، كأنه كرهها ، وعلم أمته  أن الطارق إذا طرق ، ولو باب أهله ـ فسئل : مَن ؟ يرد الطارق ويقول : فلان ، ولا يقول : أنا .
ـ وكذا فيه من الأدب : الاستئذان ولو كان الطارق يدخل على أهله ، وأن أبواب المنازل مغلقة لا تُفتح إلا لمأذون له ـ ولا تُقتحم عنوة ـ وأن مَن بالداخل يسئل الطارق والباب مغلق .
ـ قوله  : فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا : فى سؤال الملائكة عليهم السلام لجبريل  ورده عليهم ثم سؤالهم ثم رده ثم سؤالهم ثم رده مما يعطى رسولَ الله  الفسحة من الوقت ليتأمل فى آيات ربه الكبرى "لنريه من آياتنا الكبرى" من كواكب وشموس ومجموعات شمسية وفضاء واسع عريض لا تدرك له نهاية ، ويتكرر نفس المشهد فى كل سماء لنفس الغرض وليرى من جنود الله عز وجل الذين وصفهم  أنه ما من موضع أربع أصابع إلا وعليه مَلَك إما راكع وإما قائم وإما ساجد لله منذ خلقه الله عز وجل ، وفيه تأمله  ونظره إلى الملائكة على تلك الهيئات تعليم أولى لهيئات الصلاة التى ستُفرض بعدُ ، كان رسول الله  يقول لأصحابه فى الصلاة : "تصافوا كما تصاف الملائكة فى السماء " .
ـ وقوله  أنه ما من موضع أربع أصابع إلا وعليه ملَك إما راكع أو ساجد أو قائم ، على كل ما تراه العين وما لا تحيطك به من عرض السماء الأولى ، فما بالنا بالسموات السبع وعدد ما فيها من ملائكة الله تعالى وقوتهم وشدتهم ، وما ورد فى نهاية الحديث أن عدد من يدخل البيت المعمور فى كل يوم ثم لا يعودون إليه من الملائكة سبعون ألفاً ، فسبحان الله العظيم القوى الكبير المتكبر الجبار " وما يعلم جنود ربك إلا هو" .
ـ وإذا كانت الصلاة هى الفريضة الوحيدة التى فُرضت من فوق السموات فى رحلة الإسراء والمعراج ، فهى معراج العبد إلى ربه ، وإذا كانت الصلاة هدية الله تعالى لعباده المؤمنين ، فيجب على المسلم حسن القبول والأداء .
ـ وفيه من التواضع الملائكى أن جبريل  وهو مَن هو من أكابر وعظماء الملائكة لا يستنكف أن يرد بنفسه ويقول اسمه ، ثم هو لا يأمر بعض ملائكة السماء أن يستفتح له أبواب السموات التالية ، بل فى كل مرة يُسئل فيجيب .
ـ أما قول الملائكة الكرام لجبريل : ومَن معك : قيل إنما علمت الملائكة برفيق لجبريل  لما رأوه من زيادة فى النور الملائكى على أبواب كل سماء ، وهو نور محمد  .
ـ أما قولهم : و قد بُعث إليه ـ يعنى محمداً  ـ المراد : أنه هل بُعث إليه ليصعد إلى السماء ، وليس المراد الاستفهام عن البَعثة النبوية ـ أى البعث بالرسالة ـ وإلا فهم يعلمون ويرون جبريل ينزل ويصعد بالوحى ليل نهار على رسول الله  .
ـ وفى رواية البخارى : وقد أرسل إليه : أى للصعود إلى هذا الموضع ، وهذا التكريم الذى لم يسبقه إليه نبى أو رسول .
اختصاص هؤلاء الأنبياء دون غيرهم ومواضعهم فى كل سماء
ـ ومما يلفت نظر القارئ لحديث الإسراء والمعراج : أن رسول الله  لم يرَ فى السموات السبع كل الأنبياء ، وإنما رأى آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام ، ولم يرَ غيرهم ، وفى هذا من الحكمة والإشارة ما على رسول الله  أن يعلمه.
ـ قوله  : فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير : كذا رآه  فى السماء الأولى ، وفى رؤيته  لآدم  فى السماء الأولى دون غيره من بث الأنس والراحة فى نفس رسول الله  ، كالمسافر ـ وأى سفر سافره رسول الله  فى تلك الرحلة العجيبة ـ يرى فى سفره قريب أو صديق فإنه يفرح بع أيما فرح ويسعر بالراحة والسكينة والحنين لما ألفه وتركه خلفه ، فما بالك لو كان أباه .
ـ وفى البخارى قوله  : مرحبا بك من بن ونبي .
ـ وكذا كانت البداية بآدم  فى الرؤية كما كانت بخلق البشر ، فهو أبو البشر جميعاً .
ـ وجاء فى بعض الروايات صفة آدم  وأنه : آدم أى أسمر ، طوَّال : طويل القامة ـ كما ورد فى صفة خلقه  طوله ستون ذراعاً ، وفى بعض الروايات أنه رأى على يمين آدم أسودة وعن شماله أسودة ، والأسودة : الجماعة ، وأنه  إذا نظر عن يمينه ضحك ، وإذا نظر عن شماله بكى ، وأن الذين عن يمينه هم أصحاب الجنة : المؤمنون من ذرية آدم  ، وأن الذين عن شماله هم أهل النار من ذريته  ، وناسب مكانه  فى السماء الأولى لرؤيته أرواح ذريته من المؤمنين والكافرين ، وأرواح الكافرين لا تصعد ولا تخترق السماء الأولى كما ورد فى بعض الروايات ، فناسب مكانه السماء الأولى ليطلع على كل أرواح ذريته ، التى تصعد إلى عليين ، والتى لا تفتح لها أبواب السماء .
ـ والحكمة فى لقاء آدم  فى السماء الأولى : ما تقدم بيانه من الأنس والفرحة من لقاء الأب وفرح الابن بلقاء أبيه ، وفيه من الإشارة لرسول الله  : أن آدم  كان يعيش فى جنة ربه حتى ألف المكان واعتاده ، ثم جاءه إبليس اللعين فوسوس إليه بالأكل من الشجرة المحرمة عليه ، فعصى أدمُ ربَه فأخرجه من الجنة التى أحبها وألفها ، وكذلك أنت يا محمد  : سيخرجك قومك من المكان ـ مكة ـ الذى ولدت فيه وأحببته وألفته ـ كما قال رسول الله  عند هجرته وهو ينظر إلى أرض مكة : إنك أحب بلاد الله إلى الله وأحب البلاد إلى نفسى ولولا أن قومك أخرجونى منكِ ما خرجتُ ـ وكما عاد آدم  إلى المكان الذى أحبه ـ جنة ربه ـ كذلك ستعود أنت يا محمد  إلى المكان الذى خرجت منه دون رغبتك منصوراً عزيزاً مكرماً .
ـ قوله  : ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل  فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه : تقدم الكلام فى الاستفتاح والسؤال ليُعطى رسولَ الله  الوقت لينظر فى آيات ربه الكبرى .
ـ قوله  : ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير : فيه من الأدب النبوى : الترحيب بالزائر والدعاء له .
ـ وفى رواية البخارى قوله  : مرحبا بك من أخ ونبي ، وكذا مع كل نبى عليهم الصلاة والسلام ، إلا آدم وإبراهيم عليها السلام فقالا : مرحباً بالابن الصالح والنبى الصالح .
ـ وجاء فى بعض الرويات أنه  وصف عيسى  فقال : رأيت عيسى بن مريم  مربوع الخَلق ، إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس كأنه خرج من ديماس ، يعنى حمام .
ـ وفى لقاء عيسى  من الإشارة لرسول الله  أنه سيجرى عليه مثلما جرى على عيسى  من عداوة اليهود له وتكذيبهم له ، وهمهم بقتله ، كما فعلوا مع رسول الله  لما هاجر إلى المدينة المنورة وأبدت اليهود عن وجهها القبيح وكراهيتها لرسول الله  ومحاولتهم قتله بإلقاء الصخرة عليه ، وبدسهم السم فى الشاة التى نطقت لرسول الله  وقالت له : إنى مسمومة فلا تأكلنى بعد أن نهس منها نهسة كان  يجد أثرها حتى مات ، بأبى أنت وأمى ونفسى وأهلى يا رسول الله  .
ـ وكما أيد الله تعالى نبيه ورسوله عيسى  ونصره على اليهود وأتباعه كذلك سيكون لك يا رسول الله  .
ـ قوله  : ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد  ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف  إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير : وفى قوله  فى يوسف  أنه قد أعطى شطر ـ نصف ـ الحُسن ـ فقد أعطى رسولَ الله  الحسن كله ، إلا أنه كساه ربه الهيبة والإجلال ، فكان من يراه بداهة يهابه ، فإذا خالطه  أحبه .
ـ وفى لقاء يوسف  إيذان بحالة جديدة لرسول الله  : فكما كاد إخوة يوسف له وهم أهله وعشيرته ، كذلك سيجرى عليه يا رسول الله من كيد الأقارب والعشيرة والأهل ، وقد كان ما كان من عمه وعشيرته من استهزاء وسخرية وعداوة ـ كما فُعل بيوسف  حتى انتصاره عليهم وخضوعهم له فى نهاية الأمر ـ حتى نصره الله تعالى عليهم يوم بدر فأسر منهم من أسر ، فلما قال لهم : ماذا تظنون أنى فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : أقول لكم ما قاله يوسف  : لا تثريب عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاء .
ـ قوله  : ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل  قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قال : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل "ورفعناه مكاناً علياً" : وإن كان إدريس قد رُفع مكاناً علياًـ وهو السماء الرابعة فسيرفعك الله يا رسول الله إلى ما هو أعلى من من ذلك ـ حتى السماء السابعة ـ بل حتى سدرة المنتهى ليكون الوصل بين الرب تعالى والخلق ، صلوات ربى وسلامه عليه .
ـ وفى لقاء إدريس  : وهو أول من آتاه الله تعالى الخط بالقلم ، فكان ذلك مؤذناً لرسول الله  بعلو شأنه ، حتى كتب رسول الله  إلى الملوك والقياصرة يدعوهم إلى الدخول فى طاعته ، حتى قال أبو سفيان وهو عند ملك الروم حين جاءه كتاب رسول الله  يدعوه إلى الإسلام : لقد أَمِرَ ـ ارتفع شأن ـ أمْرُ ابن أبى كبشة حتى أصبح يخافه ملك بنى الأصفر .
ـ قوله  : ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل : من هذا ؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بهارون  فرحب ودعا لي بخير : وهارون  كان محبباً إلى قومه كما كان رسول الله  محبباً إلى قومه حتى سموه بالصادق الأمين ، فلما أخبرهم باصطفاء الله تعالى له بالنبوة والرسالة كان من حالهم ما حكاه القرآن الكريم وما دونته كتب السيرة من العداء والبغض والحرب .
ـ وفى لقاءه  بهارون : إشارة إلى ما كان من قوم رسول الله  من محبة له ، ثم بغض وكراهية وحرب وعداوة ، ثم عودتهم إلى محبته  والدخول فى طاعته .
ـ قوله  : ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل  قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى  فرحب ودعا لي بخير : وموسى  نبى بنى إسرائيل وقد عانى كثيراً فى دعوته إلى التوحيد لقوم غلب عليهم التشبيه والتجسيم ، حتى صيروا الإله صنماً ، يريدونه ملموساً محسوساً " لا نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" ولعل فى هذا إشارة إلى وقوع مثل هذا فى بعض هذه الأمة المحمدية من الذين يصفون الله تعالى بما ورد فى كتابه العزيز وفى سنة رسوله  من صفات جعلوها صفات حقيقة لله تعالى ـ أعضاء وجوارح ، وقالوا أن له حداً وحيزاً وطولاً وعرضاً وارتفاعاً وأبعاضاً حتى وقعوا فى التشبيه والتجسيم اليهودى كما ورد فى وصف الكرامية من كتب الفِرق والملل .
ـ وفى رواية البخارى : فلما جاوزت بكى فقيل ما أبكاك قال يا رب هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتى .
ـ وجاء فى بعض الروايات وصف موسى  أنه " رجل طوال جعد الشعر .
ـ وقيل : لماذا قال موسى  على رسول الله  : غلام ، وكان رسول الله  قد بلغ سن الكهولة ؟ ـ قيل : غلام : يعنى قوى البنية مستحكم القوة ، وقيل : لأن موسى  كان متقدماً على رسول الله  بزمن طويل .
ـ وفى لقاءه  بموسى  : إشارة إلى معانته  فى دعوته لقومه كما وقع لموسى  ، وكذا إشارة لغزو موسى  أرض الشام ودخولهم البلد الذى خرجوا منه ، كذلك غزا رسول الله  تبوك بأرض الشام وظهر على صاحب دومة حتى صالحه على الجزية ، وكذا افتتاحه  لمكة المكرمة ودخول أصحابه فيها بعد خروجهم منها .
ـ قوله  : ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد  قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم  مسنداً ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه : وفى اختصاص إبراهيم  بالسماء السابعة أنه الأب الثانى للأنبياء والرسل فكثير من الأنبياء والرسل خرجوا من نسله  ، وكما كانت البداية بأبى البشر ـ أو لكونه أباً للعرب ـ جاءت النهاية بأبى الأنبياء .
ـ وجاء فى بعض الروايات أن البيت المعمور بحيال ـ فوق ـ البيت الحرام ، وقد أقسم الله تعالى به فى سورة الطور فقال تعالى" والطور وكتاب مسطور فى رق منشور والبيت المعمور".
ـ وجاء فى بعض الروايات وصف رسول الله  لإبراهيم  أن أكثر الناس شبهاً به هو رسول الله  .
ـ وفيه إشارة إلى علو مكانة رسولَ الله  ونهاية رحلته البعثية النبوية من التمكين والغلَبة ، ورؤيته  مسنداً ظهره إلى البيت المعمور ـ وهو قبلة ملائكة السماء ـ إشارة إلى رسول الله  أنه سيأتى اليوم الذى تسند أنت أيضاً فيه ظهرك إلى بيت الله الحرام ـ كعبة المؤمنين ـ آمناً مطمئناً كحال أبيك إبراهيم  ـ الذى بنى الكعبة المشرفة فكان مكانه بجوار كعبة الملائكة ـ والجزاء من جنس العمل ، وكذا فيه إشارة إلى حج النبى  للكعبة وطوافه بها تصلى ملائكة السماء إلى كعبتهم ويطوفون بها ، وفيه إشارة أيضاً إلى أن ذلك هو نهاية رحلة رسول الله  ، فكانت حجة الوداع وحج معه  نحو من سبعين ألفاً من المسلمين كعدد من يدخل البيت المعمور . والحمد لله رب العالمين(1) .
ـ قوله  : ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى : السدرة : هى شجرة السدر ـ النبق ـ وإنما اختيرت تلك الشجرة دون غيرها لأن شجر السدر يختص بالظل المديد والطعم اللذيذ والرائحة الطيبة ، قيل : إنما سميت بهذا الاسم لأن روح المؤمن ينتهى به إليها فتصلى عليه الملائكة المقربون ، وقيل : لأن عندها ينتهى علم الملائكة .
ـ قوله  : وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال : قيل : أو غطيت بورقة من ورقها هذه الأمة لغطتهم .
ـ وفى رواية البخارى : ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران النيل والفرات .
ـ وفيه رؤيته  للنهرين إشارة إلى اتساع الرقعة الإسلامية .
ـ قوله  : فأوحى الله إليّ ما أوحى : إشارة إلى سماع النبى  الوحى ـ دون واسطة جبريل  ـ وفيه أيضاً إشارة إلى تنزيه الله تعالى عن الزمان والمكان والحدّ ، وليس كما يقول بعض الجهلة أن الله تعالى فوق عباده بمسافة معينة إذا قطعها العبد وصل إلى ربه ، وأن من فوق ذروة الجبل أقبب إلى الله تعالى ممن هو فى أسفل الجبل ،والذين يقولون من المجسمة الجهلة أن الله تعالى فوق العرش بذاته حقيقة وأنه السماء مكان له ـ تبارك وتعالى لا يحده زمان ولا يحويه مكان ـ ولو كانت السماء مكاناً له تعالى لأصبح متحيزاً محوطاً بذلك المكان ، ثم يقال لكل من يثبت لله تعالى مكاناً فى السماء أو عليها أو على العرش : ما ثمّ إى خالق أو مخلوق ، فأين كان ربنا قبل خلق المكان ؟ كان تعالى ولا مكان ، وهو على مكان بعد خلق المكان ، فهو تعالى لا يحده زمان ولا يحويه مكان ، ولئن سلمنا جدلاً لهم بأن الله تعالى له مكان بعينه يحويه ويحيزه فهل لهم أن يجيبونا : كيف حلَّ ـ الخالق تعالى ـ فى المخلوق ـ وهو المكان ، ثم يقال للذين يثبتون لله المكان الحقيقى : هلا استطعت أن تثبت لنا مكان الروح التى بين جنبيك فى جسدك ، فإن لم تستطع فكيف أن تثبت لنا مكان الروح فى جسدك فكيف تطلب منا أن نثبت مكاناً حقيقياً لرب السموات والأرض .
ـ قوله  : فنزلت إلى موسى  : يعنى من المكان الذى سمع فيه الوحى عند سدرة المنتهى إلى السماء السادسة حيث موسى  كما مرّ آنفاً .
ـ قوله  : فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم : قول موسى  لرسول الله  : ارجع إلى ربك ليس معناه : ارجع إلى مكان ربك ، فالله تعالى كما قال أهل العلم لا يحده ولا يحويه مكان ـ وإلا لأصبح المكان أكبر من ربنا سبحانه وتعالى وعز وجل ـ إنما المراد : ارجع إلى المكان الذى ناجيت فيه ربك ، أو راجع الأمر مرة أخرى لعل ربك يخفف عن أمتك .
ـ قوله  : قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل ارجع بين ربي تبارك وتعالى وبين  .
ـ وفى رواية البخارى ما يشير إلى أن الله تعالى حط عنه عشراً عشراً ، ويمكن الجمع بين الروايتين بأن الخمس داخلة فى العشر .
ـ قوله  : حتى قال ـ أى رب العزة سبحانه وتعالى وعز وجل ـ ، وفيه إشارة إلى سماع النبى  الوحى وهو مع موسى  وليس فى مكان بعينه يحيط برب العزة ، يؤيده ما رواه البخارى فى صحيحه (3\1173) : قلت سلمت بخير فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، أى نودى وهو فى موضعه مع موسى  ، فتأمل .
ـ قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى  فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله  فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه .إلى هنا انتهت رواية الإمام مسلم .
هل رأى رسول الله  ربه
ـ وقد تكلم أهل العلم فى رؤية رسول الله  ربه ليلة الإسراء والمعراج ، واختلفوا فى ذلك ، فقال بعضهم : رآه بفؤاده مرتين ، قاله ابن عباس وطائفة ، وأطلق ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد ، وأطلق الرؤية أيضاً أبو هريرة وأحمد  ، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره الإمام ابن جرير الطبرى رحمه الله تعالى وتبعه عليه آخرون ، ونص على الرؤية بالعين أيضاَ الإمام أبو الحسن الأشعرى فيما نقله عنه الإمام السهيلى رحمهما الله تعالى ، واختاره النووى فى فتاويه ، وقالت طائفة : لم تقع الرؤية بالعين ، فروى مسروق عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها أنكرت أن يكون رسول الله  رأى ربه فى تلك الليلة ، وقالت : مَن زعم أن محمداً ـ  ـ رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ، واحتجت بقوله تعالى "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير" ، وروى مسلم فى صحيحه عن أبى ذر  : قلت : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟قال : رأيتُ نوراً ، وفى رواية أخرى عنده : نوراً أنّى أراه ، وهذا هو المعتمد عند كثير من أهل العلم ، والله تعالى أعلى وأعلم .
صبيحة المعجزة الإلهية الإسراء والمعراج
ـ فلما أصبح رسول الله  وحدَّت عمه ، ذلك أن أبا جهل الجهول لعنه الله رأى رسولَ الله  فى المسجد الحرام وهو جالس واجم ، فقال له : هل من خبر ؟ فقال رسول الله  : نعم ، فقال أبو جهل الملعون : وما هو ؟ قال رسول الله  : إنى أسرى بى الليلة إلى بيت المقدس ، فرد عليه أبو جهل مستهزأ فى سخرية : إلى بيت المقدس ! ، فقال رسول الله  : نعم ، قال أبو جهل : أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم ، أتخبرهم بما أخبرتنى به؟ قال  : نعم ، فأراد أبو جهل الجهول جمع قريش ليسمعوا ذلك ، وأراد رسول الله  جمعهم ليخبرهم بنعمة ربه عليه ويبلغهم ، فقال أبو جهل : هيا معشر قريش وقد اجتمعوا من أنديتهم فقال : أخبر قومك بما أخبرتنى به ، فقص عليهم رسول الله  خبر ما رأى وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه ، والناس بين مصفق وبين مصفر تكذيباً واستبعاداً لخبره .
ـ وطار الخبر وانتشر فى ربوع مكة المكرمة حتى وصل إلى سمع أبى بكر ، فلما أخبروه الخبر وأن صاحبك يقول كذا وكذا ، قال  : إنكم تكذبون عليه ، فقالوا : والله إنه ليقوله ، فقال : إن كان قاله فلقد صدق ، ثم جاء إلى رسول الله  وحوله مشركى قريش ، فسأله عن ذلك فأخبره رسول الله  بما كان ، فاستعلمه أبو بكر  عن صفات بيت المقدس ـ وكان قد زراه من قبل ـ ليسمع المشركون ويعلموا صدق رسول الله  فيما أخبرهم ، وفى الصحيح أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله  عن ذلك ، قال  : فجعلت أخبرهم عن آياته ، فالتبس علىَّ بعض الشئ ، فجلى الله لى بيتَ المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته ـ أصفه ـ لهم .
ـ وقال لهم رسول الله  : وآية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادى كذا وكذا ، فانفرهم حس الدابة ، فندَّ ـ شرد وابتعد ـ لهم بعير ، فدللتهم عيه وأنا متوجه إلى الشام ، ثم أقبلت حتى إذا كنت بصحنان ـ اسم موضع ـ مررت بعير بنى فلان فوجدت القوم نياماً ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشئ ، فكشفت الغطاء وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ، وآية ذلك أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها ـ يتقدمها ـ جمل أورق عليه غرارتان إحدهما سوداء والأخرى برقاء ، فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذى وصف لهم ، وسألهم عن الإناء وعن البعير فأخبروهم كما ذكر صلوات ربى وسلامه عليه .
ومن المشاهد التى رآها رسول الله  فى معراجه
ـ ورد فى كثير من الأحاديث أن رسول الله  رأى عدة مشاهد ، وقع في رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي في " الدلائل " أنه مر بشيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال له جبريل: سر، وأنه مر على عجوز فقال: ما هذه: فقال سر، وأنه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل اردد عليهم وفي آخره فقال له: الذي دعاك إبليس، والعجوز الدنيا، والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى.
ـ وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار أنه " مر بقوم يزرعون ويحصدون، كلما حصدوا عاد كما كان، قال جبريل: هؤلاء المجاهدون.
ـ ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت، قال: هؤلاء الذين تثاقل رءوسهم عن الصلاة.
ـ ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأنعام، قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة.
ـ ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال: هؤلاء الزناة.
ـ ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها، قال: هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى .
ـ ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم، كلما قرضت عادت ، قال : هؤلاء خطباء الفتنة .
ـ ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد أن يرجع فلا يستطيع ، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد أن يردها فلا يستطيع .

الآيات التى نزلت فى معجزة الإسراء والمعراج
سورة النجم
ـ قال تعالى :"والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق ال‘لى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذا يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى" (1ـ18) .
ـ وبداية وقبل بيان معانى كلمات آيات سورة النجم وآية الإسراء نقول : من المقرر أنه ما من سورة فى كتاب الله تعالى إلا وهى وثيقة الصلة بالسورة التى سبقتها وبالسورة التى تليها ، وما من نهاية سورة إلا وهى متصلة متناسبة بأول آيات السورة التى تليها ، وكذا فى آيات كل سورة ، مثال ذلك فى سورة المائدة والتى جاءت آخر الآيات فيها تدور حول سؤال الله تعالى لعيسى  يوم القيامة ـ وهو أعلم ـ وهل أمر أمته أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله تعالى ، وتسبيح عيسى  وأنه ما أمر أمته إلا ليعبدوا الله تعالى وحده ، ثم أول الآيات فى سورة الأنعام والتى بدأت بقوله تعالى " الحمد الله الذى خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " أى يميلون عن خالق السموات والأرض فيعبدون غيره ، أو "يعدلون" برب السموات والأرض ويساوونه تعالى بالمخلوق فيبعدوه من دون الله تعالى ، وكذا فى أول آيات كل سورة ونهايتها كما فى سورة الأعلى والتى بدأت بقوله تعالى "سبح اسم ربك الأعلى " وجاءت آخر آياتها " إن ذلك لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى " أى هذا التسبيح .والله أعلم .
ـ أما سورة النجم فقد سبقتها سورة الطور والتى جاء فيها قول الله تعالى حكاية عن الكافرين "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين أن تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" فجاءت الآيات الأولى من سورة النجم "والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى علمه شديد القوى" فنفى تعالى عن نبيه  الضلال والنطق عن الهوى ، وأن هذا القرآن من لدن رب العالمين وليس بكلام الشعراء ، ثم جاءت الآيات الأخيرة فيها بقوله " وإدبار النجوم" فناسبت قسم الله تعالى "والنجم إذا هوى" .
ـ كما ناسب مطلع سورة النجم " والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى" يعنى محمداً  ، آخرها " هذا نذير من النذر الأولى" وهو محمد صلوات ربى وسلامه عليه .
ـ أما سورة الإسراء فقد سبقتها سورة النحل والتى جاءت أخر الآيات بذكر إبراهيم  فناسب أن تأتى أول آيات سورة الإسراء وهى تتحدث عما أكرم الله تعالى به أفضل الأنبياء من ذرية إبراهيم  وهما موسى ومحمد صلوات ربى عليهما وتسليماته ، فجاءت بذكر النبى الخاتم "سبحان الذى أسرى بعبده " محمد  ، ثم ذكر موسى  ، وأيضاً : جاء فى نهايات سورة النحل قوله تعالى " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون" فناسبت تلك المعية الباء الواردة فى قوله تعالى " بعبده " .
آيات سورة النجم
ـ قوله تعالى : والنجم إذا هوى: أقسم تعالى بالنجم عند هويه على تنزيه رسول الله  وبراءته مما نسبه إليه أهل الشرك من الضلال والغى .
ـ والنجم : أما أن يُراد به القرآن إذ نزل منجماً أى مفرقاً ، وهوى : أى نزل ، أو هو النجم فى السماء ، الثريا ، أو النجوم التى تُرمى بها الشياطين إذا استرقت السمع .
ـ والصلة أو المناسبة بين القسم بالنجم الذى تُرمى به الشياطين ، وبين القرآن العظيم وما فيه من لآيات بيانات تخنس منها الشياطين مناسبة ظاهرة واضحة .
ـ ما ضل صاحبكم : يعنى رسول الله  إذ هو من قريش يعرفهم ويعرفونه ، فلهذا لم يقل تعالى : محمداً ، تأكيداً لقيام الحجة عليهم بكونهم يعرفونه حق المعرفة حتى لقبوه بالصادق الأمين .
ـ وما ينطق عن الهوى : تنزيه لرسول الله  أن يكون ما يقوله من تلقاء نفسه أو ينطق به عن هوى ، يل :
ـ أن هو إلا وحى يوحى : من قِبل رب السموات والأرض .
ـ روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى فى مسنده (2\162) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله  ورسول الله  بشر يتكلم فى الغضب ، فأمسكت عن الكتاب ـ يعنى الكتابة ـ فذكرت ذلك لرسول الله  فقال : اكتب ، فوالذى نفسى بيده ما خرج منى إلا الحق .
ـ علمه شديد القوى : جبريل  ، وهو كقوله تعالى "إنه لقول رسول كريم ذى قوة عند ذى العرش مكين" يعنى جبريل  .
ـ ذو مرة فاستوى : المرة : المنظر الجميل والخلق الحسن ، والقوة العظيمة ، فوصف تعالى عبده ورسوله جبريل  بأنه جميل المنظر شديد القوة ، أى جميل المنظر عليه من الجلالة والمهابة ، فليس هو بالشيطان القبيح المشوه الخِلقة ، وفى هذا تزكية لرسول الله  أن ما يتلقاه إنما يتلقاه عن مَلك سماوى وليس عن شيطان أرضى ، قوى شديد
ـ وهو بالأفق الأعلى : السماء ، قال رسول الله  : رأيت جبريل فى صورته مرتين ، أما الواحدة فإنه  سأله أن يراه فى صورته الحقيقة ، فرآه  له ستمائة جناح قد سد الأفق ، وأما الثانية ففى هذه الحالة فى رحلة الإسراء والمعراج
ـ ثم دنا فتدلى : أى جبريل  ، وقربه من رسول الله  على الأرض .
ـ فكان قاب قوسين أو أدنى : إشارة إلى مدى اقتراب جبريل  من رسول الله  ، حتى كأنه بُعد ما بين وتر القوس وكبده ، وسطه .
ـ فأوحى إلى عبده ما أوحى : أى أوحى جبريل  إلى ـ عبد الله ـ محمد  ما شاء الله تعالى أن يوحيه إلى نبيه  ، أو : فأحوى الله تعالى إلى عبده محمد  ما أوحى بواسطة جبريل  .
ـ ما كذب الفؤاد ما رأى : الفؤاد من فئد ، والقلب من التقلب ، والفؤاد هو لب القلب وسويداءه قال تعالى" وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً لولا أن ربطنا على قلبها" ، والفؤاد يدل على شدة فيه وحرارة ، والمراد أن فؤاد النبى  صدّق ما رأته عيناه ، وليس كمن رأى شيئاً على خلاف ما هو عليه ، بل ما رآه ببصره صدقه القلب أو الفؤاد .
ـ أفتمارونه على ما يرى : الممارة : الجحد والدفع والمكابرة والمجادلة ، أى أفتجادلونه  على ما رآه وشاهده وجاء به تدفعون الحق وتجحدونه .
ـ ولقد رآه نزلة أخرى : أى رأى جبريل  مرة أخرى ، والضمير فى "رآه" يعود على جبريل  .
ـ عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى : عند شجرة السدر ، والتى نعتها رسول الله  فقال : إذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، وهى كما تقدم فى شرح معانى ألفاظ الحديث : السدرة : هى شجرة السدر ـ النبق ـ وإنما اختيرت تلك الشجرة دون غيرها لأن شجر السدر يختص بالظل المديد والطعم اللذيذ والرائحة الطيبة ، قيل : إنما سميت بهذا الاسم لأن روح المؤمن ينتهى به إليها فتصلى عليه الملائكة المقربون ، وقيل : لأن عندها ينتهى علم الملائكة .
ـ عندها جنة المأوى : اسم من أسماء جنات الله تعالى ، وقيل : هى الجنة التى يأوى إليها جبريل والملائكة وأرواح الشهداء .
ـ ما زاغ البصر وما طغى : أى ما التفت رسول الله  يميناً ولا يساراً ـ كعادة بعض من يقف بين يدي الملوك ـ وما جاوز ما أُمر به  ، ولا امتد بصره إلى ما أمر به ، وفيه من تزكية رسول الله  وبيان أدبه  بين يدي ربه حين يستمع للوحى .
ـ لقد رأى من آيات ربه الكبرى : من إسراء ومعراج فى جزء يسير من الليل ، واختراقه  للسبع الطباق ، وملائكة الله تعالى والسموات السبع وما فيها ومن فيها ، والجنة والنار ومشاهد وأمور غاية فى الإبداع .
سبحان الذى أسرى بعبده
ـ قوله تعالى "سبحان" : السين والحاء والباء : تفيد فى اللغة العربية : البعد ، وقول العبد : سبحان الله : أى تنزيه الله تعالى والمباعدة بين الله تعالى وبين كل صفة نقص أو عيب فى ذات الرب عز وجل .
ـ وبدأ سبحانه وتعالى هذه السورة الكريمة بهذا التسبيح تمهيداً لما يأتى بعد التسبيح من خرقٍ لرسول الله  للعادة من اختراق للفضاء وصولاً إلى السماء ، فالآية قد مهدت لك أيها السامع أو القارى أن ما سيأتى بعد هذا التسبيح هو من عمل المنزه عن صفات النقص والعيب ، الكامل فى صفاته الذى يفعل ما يشاء وقتما يشاء بالكيفية التى يشاءها تعالى .
ـ قول تعالى : اسم موصول ، ولعل فيه إشارة إلى صلة الرسول  بربه ، والتى سيأتى دليلها العظيم من قِبل الرب تعالى بمعجزة الإسراء والمعراج ، والله تعالى أعلم .
ـ أسرى بعبده : أسرى من السرى وهو السير بالليل ،وقيل بالنهار أيضاً ، ولهذا جاء البيان والتوضيح فى قوله تعالى"ليلاً" ، ولم يقل تعالى : سرى عبدُه : لأن هذا اللفظ يعنى هو من سرى بنفسه ، وكذا لم يقل تعالى : سرى بعبده " لأن هذا اللفظ يفيد المصاحبة الحقيقية أى بذات الرب تعالى ، وكذا لم يقل : أسرى عبدَه : لأن هذا الفظ يفيد نفى صاحب السبب .
ـ بعبده : العبد تطلق على الجسد والروح معاً ، فهذا اللفظ يرد على الذين يقولون إنما كان الإسراء بالروج دون الجسد ، وكذا يرد عليهم افتتاح السورة بقوله تعالى "سبحان" التى تفيد الدلالة على الشئ العجيب الفريد ، ولو كان الإسراء بالروح فقط ما كانت هناك حاجة إلى هذا التسبيح من قِبل الرب تعالى ، وما تهكم المتهكمون وسخر الساخرون من قول رسول الله  صبيحة الإسراء والمعراج لأأنه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، لأن الإسراء بالروح أو ـ مناماً ـ لا عجب فيه ، فالعبد يرى نفسه يطير فى الهواء ويصعد الجبال فى المنام ، فإذا حدَّث غيره بهذا المنام ما وقع التعجب ، وما كانت معجزة .
ـ قوله تعالى"ليلاً ": ظرف للزمان الذى وقع فيه هذا الحدث العظيم ، تقول : سرى فلان ليلاً أى فى جزء من الليل وليس الليل كله ، وسرى فلان ليلة أى ليلة بكاملها ، والإسراء كان فى جزء يسير من الليل ، وهذا فيه من الإعجاز زيادة على ما تقدم أن ما رآه رسول الله  من إسراء ومعراج ومشاهدات للجنة والنار وأحوال المؤمنين والعصاة ونحو هذا لم يستغرق إلا جزء يسيراً من الليل ، وليس الليل بطوله .
ـ أما لماذا قوله تعالى"ليلاً" والإسراء لا يكون إلا ليلاً ؟ لأن معرفة الإسراء وكونه لا يكون إلا ليلاً لا يعرفه إلا أهل التخصص ، أما العامة الذين لا يعرفون دلالات ألفاظ اللغة العربية ـ كحالنا اليوم ـ قد لا يعلون أن الإسراء لا يكون إلا ليلاً ، فجاءت اللفظة لمزيد بيان وإيضاح تناسب أهل الفصاحة والسيقة العربية ، كما تناسب من أصابت لسانه العُجمة كحال الكثير اليوم .
ـ قوله تعالى "من المسجد الحرام" ولم يكن ثمّ مسجد بعد ، بل كان رسول الله  وأصحابه يعيشون حالة من الاضطهاد من قِبل قريش ومن عاونهم ، ففى قوله تعالى "من المسجد الحرام" بشارة وإشارة إلى تحويل الكعبة إلى مسجد وقبلة للمسلمين .
ـ قوله تعالى "إلى المسجد الأقصى" ولم يكن ثمّ مسجد أيضاً فيه ما فى البشارة والإشارة السابقة ، وفيه أيضاً بشارة وإشارة إلى اتساع الرقعة الإسلامية حتى تشمل أرض المقدس ، وفيه أيضاً إشارة إلى ميراث رسول الله  وهيمنة دينه على الأديان السابقة له .
ـ وكما كانت البداية من المسجد الحرام كانت نهاية الرحلة عند المسجد الحرام ، ولعل فى هذا إشارة إلى التوجه إلى المسجد الأقصى ـ لفترة وجيزة من الزمان ـ ثم ينتهى بك المطاف مستقبلاً بيت الله الحرام : الكعبة ، أى فى مسألة تحويل القبلة بعد استقبال المسجد الأقصى برهة من الزمن .
ـ قوله تعالى " لنريه من آياتنا الكبرى" هذه هى الغاية من تلك الرحلة العجيبة والمعجزة الفريدة التى تفرد بها رسول الله  على سائر البشر والخلق إلى قيام الساعة ، فلم ولن يصل عبد إلى ما وصل إليه رسول الله  لا ملَك مقرب ولا نبى مرسل .
ـ فائدة : وإذا كانت تلك هى الغاية من تلك المعجزة الفريدة فلا يُلتفت إلى قول بعض الجهلة أن رسول الله  ذهب لملاقاة ربه فى مكان بعينه فوق سبع سموات .
"ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون"


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: القول الوهاج فى ذكر بعض لطائف حديث الإسراء والمعراج
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مايو 24, 2014 6:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 7636
اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 136 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط