موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: (الانباء بنصح الابناء للعلامه الحاج احمد سكيرج)
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 22, 2008 12:07 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت نوفمبر 03, 2007 12:16 pm
مشاركات: 974
[align=center][font=Tahoma]بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة علي المبعوث رحمه للعالمين الحببيب المصطفى علي الصلاة و اجل التسليم وعلي اله

وصحبه و سلم و من اتبعه و اهتدا بهديه الي يوم الدين اما بعد

هذه هي الانباء بنصح الابناء للعلامه سيدي الحاج احمد العياشي سكيرج

الأنباء بنصح الأبناء

مقدمة

الحمد لله الذي أوصى بالتقوى، ولم يكلف نفسا فوق ما تقوى والحمد لله الذي حمد نفسه في

سابق الأزل، وأنطق الألسنة بحمده على ما به تفضل، ومازال سبحانه يزيد العباد نعما ويمنحهم

كرما، حتى صرح سيد الخلق عليه السلام بالعجز عن الوفاء بشكره تعالى فقال (لا أحصي ثناء

عليك أنت كما أثنيت على نفسك )

فنشكره سبحانه بلسان هذا النبي الكريم الذي نقر بالعجز عن الوفاء بما استحق قدره من

التعظيم فصل اللهم عليه صلاة تناسب قدره العظيم، وتشمل جميع الآل والأصحاب والتابعين لهم

في سلوك نهجه القويـم. أما بعـد: فهذه كلمات غير مُنَسَّقة، ولا بزخرف الأحرف مزوقة وإنما

أكتبها طبق ما تأتى لي بحسب الوارد، من أعذب الموارد، وأقدمها تحفة لابني، ومن كان مثله من

طلبة العلم رزقهم الله سلامة الإدراك والفهم، وأسأل الله لي ولهم الفتح اللدني، والتوفيق

للسلوك بالجميع على المنهج السني وسميتها ه(بالأنباء بنصح الأبناء) نفع الله بها الجميع في

الدارين ولا جعلها حجة علينا في حالتي القرب والبين ، إنه رب ذلك والقادر عليه. وهذا أوان

الشروع فيما أورد الوارد، على لسان الوالد، فقال راجيا منك أن تعيره سمعا

الأنباء بنصح الأبناء
1

يا بنـي إني أخاطبك مخاطبة الوالد المشفق على أضعف بنيه حين يراه محتفا بما يسؤه، ولا قدرة

له على انتشاله، من أوحاله، فيقول مرشدا له بما تحصل به نجاته من الشرور إن عمل بمقتضى

ما يشير به عليه طبق ما يهمه من حالـه؛ يا بنـي أريد بك النجاة، وأرشدك إلى طريقها، ولا قدرة

لي على دفع ما قدر لك في الأزل، ولا حيلة لي في جلب ما لم يقدر لك من خير كثر أو قل، ولكن

إن لم أشر عليك بما فيه النفع لديك، أعدّ مقصرا في حق رعايتك، ولا ينبغي الإحتجاج بالقدر مع

عدم قدرتي على نفع نفسي، فأحرى ما ينفع غيري، وليس لي من الأمر من شيء، ولكن الحق

تعالى يوفق لما فيه خير العبد في الدارين بفضله، وله أن يقابله بعدله. يا بنـي: لم أر نافعا لك أكثر

من صفاء مرآة باطنك مما يصديها من حقد على أحد من خلق الله، ومن حسد يزيد في ظلمة

النفس، وضيق النفس، فسس نفسك برياضة سلامة الصدر، وخذ حذرك من اتخاذ أي شخص

عدوا في الظاهر فإن عدواة العلانية تعجل بالعطب، وصاحبها دائما لا ينظر عند عدوه بعين

الرضى، وإنما ينظر بمقلة الغضب

يا بنـي أوجب عليك الحق الإيمان والتصديق، فكن مؤمنا مصدقا، ولا تعترض على خواص خلقه،

واعتقد في كل مؤمن أنه الخضر فتعد من الخواص . فإن كنت ذا اعتقاد سليم، فماذا يضرك؟

فلعمري أن كل معتقد لقريب من السلامة من المنتقد، والإنتقاد أقرب من الخطر الجلل في كل

مقام سرا وجهرا. فحذار من سوء الظن في أهل الله، ولمقتضى البشرية التي أنت من طينتها،

أخشى عليك أن تستولي عليك العصبية فتكون في حيز التنافس والدفاع عما يوافقك، سيان

كنت فيه على خطأ أو على صواب، وما أخالك إلا متعصبا في كل ما تجادل فيه في بساط

المعتقدات، وقلّ من سلم في المحاورات والمناظرات

يا بنـي: منحك الحق نور الإيمان بعد أن أودع فيك نور العقل، فخذ من النورين قبس الأدب، لتسلك

به في مضايق المسالك، فتنجو غالبا من العطب، واعقل نفسك بحبل العقل المنور عن الخوض

في الباطل في الباطن والظاهر، فإن النفس إذا أطلقت وهواها أسرعت بالتلف لصاحبها، ولا تلف

أكبر من تلف الدين، وهو أسرع ما يكون عندما يمس بجانبه أدنى اهتضام. فحذار من التلف، وتلاف

أمر نفسك قبل السقوط للحضيض من أعلى الشرف، ولا تعتمد على ما ينوهك به أهل الشرف،

وما أظنك تنجو إن لم توطد نفسك على السيرة المحمودة باجتناب ما يذم

الأنباء بنصح الأبناء
2

يا بنـي: إن الأدب الديني ما سنه الرسول، وجماعه التقوى وإن الأدب الدنيوي لا تنافيه التقوى،

وجماعه حسن الخلق وطريقه المباششة مع الأدون بغير سقوط همة، فقوّ نفسك عند ملاقاة

العبيد بمعجون التواضع، الممزوج بعسل نحل الأدب ولين الخطاب، وأخشى عليك إن لم تعط

المقامات حقها من الردى، فكن عند الظن بك إذا لم تصادف محلا لجميلك ومجاملتك أن لا تعمل

على مقتضى الهوى ، فإن الضرر سريع الخطا، لمن إليه خطأ، في صواب وخطا

يا بنـي: إن زمانك الذي وجدت فيه يقضي عليك بأن تكون لابسا حلة قومك في الظاهر، وتكون

متحليا بسيرة نبيك وصحابته وتابيعهم في الباطن، فلا تخرق سفينة العادة وأنت راكب فيها على

لجج تنافس نفسك، والأهواء ترمي بك أمواجها لما لا تحمده بين أبناء جنسك. وأراك تحمل كلامي

على غير المقصود منه، فتطلق نفسك من حبل الدين، أو تتغافل عن مداراة من تدري، فتعامل

بنقيض القصد، فحذار من تركك لما تطلب بالنهوض به في كل مظهر، والخلق كلهم مظاهر الحق،

فكن من الكل على بال، مع التمسك بحبل الديانة

الأنباء بنصح الأبناء
3

يا بنـي: تعلم العلم لتعمل به إن وفقك الحق، واصرف الوجهة إليه لتعلمه لغيرك، فتعليمه والعمل

به سيان، والتعلم طريق العمل، ومنهاج لفتح أبواب العلم اللدني، وأن مفتاح كنزه بالعمل

المشروع، فما نال مفتاح كنز المعرفة من لم يظفر سر العمل بالإخلاص، ولا أنفع من نظرة كامل،

أوحب محبوب للعالم، بل وللجاهل. وحذار من أنفة العلم أن تخر بها رغما على الأنف عند ما ترى

غيرك ليس له ما عندك بزعمك بين القوم. فالعالم إن طرد يطرد بعنف بمقتضى الحال، ويزج به

في سجن الأهوال، واعتبر بقضية إبليس فهي لكل عالم عبرة، يحق بها ما دام عالما أن تفيض

عيناه عبرة. وإني أخشى أن تظن أنك صرت عالما فتكتفي عن طلب العلم، فتعد من الجاهلين،

فإياك أن تعدّ نفسك عالما وكن دائما متعلما، فتعدّ عند الخلق والله عالما

يا بنـي: إن منحت لذة التعلم تنسى بها لذة الدنيا، وإن حرمت لذة العمل لم ينفعك علمك في

الأخرى، ولكن تجد في الدارين العلم أحسن من الجهل، فالعالم جلّ قدرا، وقد ألبسه الحق حلة

من الوصف الذي يخشى، وإنما يخشى الله من عباده العلماء تكريما لوصفه، وتعظيما لذلك

العنوان، فالعار كل العار على اللابس لحلة العلم وهو عار عنها في مواقف بين أهل صنفه فيا لله

عليك إلا ما عملت بمقتضى العلم، وعامل نفسك في العمل بموجب العنف والحلم. وإني

أخشى عليك أن تكلفها ما لا تطيق فتمل، والملل غير محمود ، وغالبا صاحبه لا يصل للمقصود،

فكن منشرح الصدر بعلمك المقرون بالعمل واحذر من عمل غير مصحوب بعلم، أو بعلم ممزوج

بكسل، واعتبر بمقيم الصلاة، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ، وليس كل مصل بمقيم

. يا بنـي: لا يهمنك إن اعتدت من نفسك ترك العمل بالعلم فتدع طلب العلم، فإن العلم يجذب

لحضرة الفضل، ويكسوك حلة البهاء، وبه تتجلى عنك الغمة، ويسمو بك بقدر مالك من همة، وأن

المتجمل لتربأ به نفسه عن المجالسة في صف بني غبراء، وهم في الدنس والوسخ، كما أن

المتسخ ينظر لحالته بنفسه، فيتنفس الصعداء إن جالس المتجملين في بساط المباهاة. فاربأ

بنفسك عن تلطيخ علمك بالفعل القبيح، وكن عند الظن بك، في استنهاض نفسك، لما تحمده

في العاجل والآجل، واحذر في هذا المقام من التكبر فإنه حلية الجاهل وبلية للمتجاهل ،

وأخشى أن تكون من الجاهلين، الرافلين في أذيال العالمين. يا بنـي: لا تظن أن هناك رتبة شريفة

أكبر من رتبة العلم بين المكتسبين للفضائل، فإنه لا أفضل ولا أجمل ولا أكمل طريقة للفضل

المكتسب من فضل العلم فساقط النسب وهو عالم يزاحم الشريف الطيني في علاه الحقيقي

عند مولاه، وإن كان الشريف الطيني لا يساويه شيء، ولكن العلم يدرك به مدارك تقاصر عنها

أهل الخصوصية لخاصية مودعة فيه في الدنيا وفي الآخرة. وحيث كان الشرف الذاتي غير

مكتسب، وهو النسبة المحمدية، والعلم شرفه مكتسب يعين على غير الشريف الذاتي أن

يبذل في إحرازه النفس والنفيس، ولا يرضى لنفسه الجهل الذي لا يعدّ صاحبه من أهل الفضل،

حتى إذا ظفر بنصيب من العلم عدّ شريفا، ولكن شرفه مكتسب، ولو بلغ في العلم الغاية

القصوى، فغاية الأمر أنه عالم، والشريف الذاتي في كمال مقام بمحض ما منحه المولى. فإياك

والزلق في هذا المقام، بما تسوله الأوهام، فغير الشريف الذاتي في قلبه حزازة تظهر دائما في

فلتات اللسان فيقع في قذف نفسه من حيث لا يشعر بإذاية آل البيت عليهم السلام

الأنباء بنصح الأبناء
4

يا بنـي: إن العالم إذا استولت عليه أنفة العلم وقع في مهواة الردى، وعد كل الناس ممن لا

يستعبدهم من العدا، خصوصا إن كان له بين العامة صولة، أو أدناه أحد الأمراء لمجلسه أو اتخذه

الأمير أنيسا أو سميرا، أو معلما أو ملحوظا عنده بكمال الإعتبار. فكن بمن هو بهذه الحالة على

حذر، لأنه حل محل الضرر، ولا يرجى له نجاح في غالب أعماله القلبية في الغالب، مادام معجبا

بذلك، ويرى له المزية على الغير في هذه الطرق سالك، وأخشى أن تكون مغرما بحب الظهور ،

فترضى لنفسك هذه الأمور، فالله الله في دين من يعلم ويعمل لنيل المراتب عند الأمراء، وأنا

منهم، فياليتني حيل بيني وبينهم بسور النوى، فلم يعرفوني ولم أعرفهم، ولله عاقبة الأمور. يا

بنـي: لا يغرنك إقبال العامة على العالم فتحب أن تكون بينهم عالما، ولكن كن عالما لخصوص

نفسك، فإذا تعلمت كثيرا فعد ذلك قليلا، وقل رب زدني علما وعلم الناس ليكونوا في ميزانك، لا

أنك تكون في ميزانهم فالعالم في ميزان المنفق عليه، ولو كان المنفق من أجهل الجهلة. وقد

خفى عن العالم أنه إن أكل بعلمه كان هو وعلمه في ميزان المأكول منهم، فضاع عند الحق

علمه من حيث لا يشعر، وعد عند أهل الله ممن باع دينه بالدنيا. فحذار من التشوف للرئاسة

بالعلم بين العامة، فهي الطامة الكبرى في الأخرى. وإني أخشى أن تكون مغرما بهذه الحالة،

فتقع فيما وقعت فيه، فلا أنت ظافر بها، ولا أنت بالغ من العلم ما تحمده دنيا وأخرى، فانشل

نفسك بالتعلم دائما، وعدم الإكتفاء بما تعلمته، فإن من شغل نفسه، وعمر أوقاته بالتعلم لا يحل

في هذه البلية غالبا، ومن اشتغل بالتعليم، واكتفى عن التعلم وقع في هذه المهامه المردية

يا بنـي: لا تجعل علمك وسيلة للدنيا، فالدنيا دنية، وعلمك عالي القدر، عرفت منزلته أو لم

تعرفها، فإنه في نفسه فوق قدرك، إن لم تقدر قدره، فكيف تبذل نفيسا أفنيت فيه نفائس نفسك

فيما لا يزن عند الله جناح بعوضة، فتنحط قدرا عند العبيد ومولاهم، وتلحظ بلحظ البغض عند الكل

أو عند البعض. وما أراك تعرض عن هذه الفخفخة النفسانية، إن لم تقصد بعلمك وتعلمك

وتعليمك وجه الله، وهو المقصود من فطرتك ونشأتك، فبالله عليك لا تعتضها ببدل غير مرضي

وإني لأخشى أن تُدْعَى في هذا المقام بالصوفي، فتأكل مال المعتقدين فيك بالباطل، فتضيع

أعمالك الماضية، وما أخالك صوفيا بعـد ذلك. يا بنـي: إذا تعلمت وعلمت بعلمك المحمود فأنت ا

الصوفي الذي يرجى له بلوغ المقصود. وليس بصوفي من خرق عادة قومه، فلبس مرقعات

الصوف وهو جاهل وإنما الصوفي عند من تزيّ بزيّ الوقت في ظاهره، وتجرد عن خواطره،

وأوهامه، وكل ما يوجب له الشهرة بين الخواص والعوام. ولك أن تقول: الصوفي الحقيقي في آخر

الزمان، وهو زماننا فما بعده، هو المتجرد عن لباس الصوف، فلا يلبس الصوف، ولا يقتات في

العمل بمقتضى علمه السوف. فالعالم يكاد أن يكون صوفيا ولو لبس الكتان والجاهل غير صوفي

ولو لبس الصوف، وادعى ما ادعاه من مراتب رفيعة الشأن من مقامات الإحسان. وإني أخشى أن

تفهم من كلامي ما لا اقصده، فتسارع على المتجردين في هذا الزمان بالإنكار وتقول: الصوفي

هو من كانت هذه حالته، فتقع فيما نهيت عنه، وترجع القهقرى، وأنت مأمور بحسن الظن، وترك

الإعتراض، لكن في نفسك كن متحكما وكن لها بعمل الخير ملزما، ولفمك بلجام النطق بالحق

ملجما، واتهم نفسك في هذا المقام فتريح وتستريح علما منك بأن المتهم في غالب أموره يكون

منكسر القلب، يحذر من تحقق ما اتهم به

الأنباء بنصح الأبناء
5

يا بنـي: لا تعتمد على فضيلة العلم فتترك العمل، ولا تحتفل بالعمل، بغير علم، ولا تترك طلب

العلم، إن علمت من نفسك الكسل عن صالح الأعمال، أو علمت منها ترك القيام بمقتضاه،

خشية الوعيد الذي وعد به من لم يعمل بعلمه ، فإن الشيطان يفرح بهذه الحالة، ويغري نفسك

على ما تسوله لك من حيث تظن أنك وفقت للخير، وهي تظهر الشر بذلك النهي والأمر. فتعلم

العلم على أي حالة كنت عليها، وعسى أن يكون لك في العمل النصيب الأوفر، ولقد قال بعض

العارفين: تعلمنا العلم لغير الله، فأبى العلم أن لا يكون إلا لله فاعمل على هذه الطريقة،

والتوفيق بيد الله. يا بنـي: إن العلم على أنواع مختلفة الأوضاع، فإذا تعلمت منه فنا واحدا أو

فنونا، فلا تنسب لنفسك كبير إطلاع، ولا طول باع، فإن العلم فسيح المجال، وعالي المنال، وغاية

ما حصلته إن تعلمت ذلك أنك على بصيرة مما أنت له مدرك من تلك المدارك ولربما تكون في فن

من الفنون موصوفا بين العامة بتحصيله، وأنت لم تشم له رائحة، ولم تحصل منه مسألة فارجع

لنفسك واختبرها تجد الأمر طبق ما ذكرته لك. فكيف يليق بك أن تدعي الوصول، لغايةٍ قدرُك دونها

في النزول فعجيب من الشخص يعرف ما هو عليه من الجهل ويدعي المعرفة، أو يغتر بوصف من

وصفه بذلك، فيظن أنه من أهل الفضل، وهو في الحقيقة ساقط من علو لسفل، وإني أخشى

عليك أن تقنع بما تحصل لديك، والقناعة من الله حرمان في كل شيء في سائر الأحيان، فشمر

عن ساعد الجد بصدق الطلب للعلم، واستكثر منه، ولا تفرق بين محمود منه أو مذموم إلا من

حيثية العمل، فإن العلم من حيث كونه علما محمود، ومن حيثية العمل فيه تفصيل، والجهل أقبح

الخصلتين بين ذوي التحصيل

يا بنـي: إذا تعلمت علما وفتحت أبواب كنوزه، فاطلب علما بعد علم، واغتنم الأخذ عمن له تحصيل

أي علم لم تعلمه وتفهم على يديه ما لم تفهمه، ولو كنت في ضيق حال، وشغل بال، فلربما

تفرغت بعد مفارقته للطلب ولم تجد من تأخذ عنه قواعد ذلك الفن الذي كان صاحبه موجودا في

وقت صار بعده مفقودا، فتتأسف على ما فاتك من انتهاز فرصة التعلم فتعد نفسك محروما من

ذلك، حيث بيتت الحكمة برأس من يموت، أو في وقت منك أو منه يفوت، فيقال: في الصيف

ضيعت اللبن، والعلم إنما هو كما علمت بالتعلم، وهو كيفما كان لا ينتزع انتزاعا، وإنما ينتزع

بقبض أهله . ثم إنك لا تجد أحدا يتأسف على تعلم أي علم كان، وإنما تجده متأسفا على عدم

معرفته للعلم بين الأقران، وهذا هو الغالب، ولا يستدل بالنادر، ورب علم رفع صاحبه بين أقوام،

والحال أنه وضيع، ورب إكرام كان بسبب عالم علم بين فئة عدوّه كرامة في حقه، فأنزلوه بذلك

في منزل رفيع، ولكن أخشى عليك أن تعمل بما هو مذموم إن تعلمته، غير أنه إن صلحت نيتك

فلا أخشى عليك، ولو تعلمت علم الشطرنج، وعلم السحر، فما دون ذلك

يا بنـي: لا تكن مدعيا في العلم حصول كفايتك عن الغير ولو بلغت فيه ما بلغت، فإن بضاعتك فيه

مجزاة، وكفى بالمدعي إهانة حقد النفوس عليه، وتوغر الصدور ببطره، وإحصاء فلتاته عليه،

ولربما كابره قومه فقطعوه وانقطعوا عنه، فكان من المعتزلين المهملين. فحذار من ادعائك لذلك،

واجهد في تحصيل ما فاتك من مسائل العلم الذي لك فيه قواعد واحفظها بالتكرار و المراجعة،

وحافظ عليها من الضياع. فالعلم بحر لا ساحل له، فقف عند حده، وفوق كل ذي علم عليم. يا

بنـي لا تعتمد على ما تستحضره من الفنون المحررة لديك فتدع تقييدها، فإن مرآة الفكر قد تمر

عليها سِنَةُ النسيان، فتمحو من لوح حافتها ما حفظته في سنه، فأحرى ما خطر بالبال فقد ترى

في نفسك استحضار بعض المسائل فتأخذ منها الثقة حتى إذا كنت في مجال الإفادة أو

الإستفادة وجدتها إن لم تأخذ باحتياط فيها في اضمحال أو اضطراب، أو كأنها لم تمر منك على

بال، ولهذا تجد أهل الخبرة يعدون للمحاضرات كتابة ما يملون، والخطيب الداهية يصاحب معه

نسخة الخطبة التي يريد إملاءها في الجماعة، وإن كانت عن ظهر قلب منه، فيقيد ما تستفيد

تقييدا، لا يكون قريب التلف ولا بعيد التناول، فلربما قيدت شيئا بغير تثبت، فكان تقييده فيه عند

مراجعته أكبر تعب ومشقة عليك، وعلى من يراه بعدك، فتندم على قلقك وضجرك، ولات حين

مندم، ولو كنت حسنت خطك وانتقيت له ظرفا ظريفا لانتفعت به ونفعت به غيرك، فخذ بحظ وافر

من التثبت في مثل هذا البساط، ليكون لك فيه ولغيرك بمراجعته كمال انبساط

الأنباء بنصح الأبناء
6

يا بنـي: لا شيء أحلى من كلام الله، ومن ذكر الله، والصلاة على نبي الله، وتعلم العلم وتعليمه،

فتمتع بالإستكثار من ذلك في جل أوقاتك، وأعمرها بهذه المحامد التي لا تنال الولاية إلا بها، فهي

مفتاح المواهب اللدنية، وباب الدخول للحضرة القدسية. فلا تصرف نفس أنفاسك في غيرها، وإن

لذة الدنيا مشوبة بكدر، ولا كدر في هذه النعم، فهي قوت الأرواح ودور الأشباح، و لا تكن ممن

استلذ بطلب الدنيا حتى استولت عليه بما أبدته له من سحرها، ولكن قابل زخارفها التي تموه بها

عليك بجميل الصبر، وعزيمة العفة، فالقليل منها يكفيك، ولا يكفيك كثير العلم والمعرفة في

خاصة نفسك فأحرى مع غيرك، بين أبناء جنسك، فاربح هذه التجارة فإنها موافقة لضعفك، ولا تكن

من الغافلين

يا بنـي: لا تنظر لأهل الدنيا من حيثية ما بيدهم فيتطاولون عليك، ولا يكبر بين عينيك ما يجمعون،

فتخضع لهم فيتوهمون أنك فيما لديهم طامح فيلحظونك شزرا بعين الإحتقار فتلوم نفسك، لأنهم

عاملوك بما اعتادوه، وأنت لم تعمل على ما لديك، فإن كان ولابد، فعاملهم كما تعامل غيرهم من

الفقراء، واستعظم أمر الفقر بتعظيم شأنه عند المولى، خصوصا أهل النسبة فباه بهم في

المجالس والمواقف، غير أنه يتعين عليك أن تجامل أهل الدنيا بالرفق لتستميلهم لسماع كلامك،

وكن من خيارهم على حذر، حتى تخرج من بينهم، وليس في قلوبهم عليك حزازة، فكلهم شربوا

من عين واحدة، فلا يعتبرون علم عالم، وإنما يعظمون المُعْرِضَ عنهم مُظْهِرًا لهم الغنى

فينحاشون إليه ليزدادوا دنيا، وقَلَّ من يتواضع له دينا، حيث أنهم إنما يعتبرون ما حل بيدهم وما

ضاهاه، فكيف لا يعتبر العالم ما لديه، ويحوط ما حلّ بيده من نفيس العلم، فيرفع عنهم نفسه،

ويعظم جانبه وجانب حملته في جلب ودفع، ولكن لا بد أن تعطي المناصب حقها، وتلاحظ حظ

المجالس، فرُبَّ مجلس لا يليق فيه ذكر الفقر و لا ذكر أهله، صونا لسره، ومحافظة على نخوة

رفعته بين الجاهلين، وإن لكل مقام مقال، فلا تكن من المُنَفِّرين بين القوم ببخس ما لديهم، والله

يتولى هداك

يا بنـي: إن الدنيا تسحر النفوس، وتستعبدها بما تبديه من اللذات والشهوات، والنفوس مجبولة

على استحسان ذلك، مع أن أقل حظ في الشهوة يكفي، والشهوة قتالة للهمم، توقع صاحبها

فيما لا ينفع فيه الندم، فلا تتبع الشهوة، فإنها بنت الهوى، و الهوى لن يفلح تابعه. ولقد جربت

في خاصة نفسي أني لما لم أخض في القبض والدفع كنت سالي البال، لا يهمني شيء في

إقامة وترحال، فلما قيدتني الدنيا بما تقضيه الخدمة التي بُليت بها شغلت أفكاري، فلم أجد فراغ

قلب لعبادة، ولا وجدت لذة كانت عندي قبل الخدمة معتادة، ولست بمزهد لك في حظ من الدنيا

تعول به نفسك وأهلك، ولكن أحذرك من الإستكثار، وتقييد النفس بخدمة لا تجد معها فراغ قلب

فتبلى بما بُليتُ به، سيما إن تشوفت لمحمدة الناس وتلذذت بالوهم الذي يتوهمه أولوا الإمارة

بما لهم من الغفلة من هادم اللذات، فالله الله في نفسك، إن استولى عليك ذلك وأنت لو

اجتهدت ما اجتهدت لتدرك الغاية ما وصلت إليها لكون المنهوم لا يشبع ، وعبد الدرهم والدينار لا

يقنع ، فكن حرا بالقناعة، وما أراك تنجح فيك نصيحتي إن خشيت الفقر وبلواه، وما تشاهد من

تعظيم الناس لذوي الغنى، ولو لم يمنحوهم مما لديهم، والفقير لا يزن عندهم شيئا، فأعرض

عن هذه التوهمات، فإنك إن قنعت كنت فوق كل ذي مال وتقدمت في حضرة الحق على كل ذي

بال، وملكت ما لم يملكه السلطان، سائلا من المولى أن يؤيدك ويحفظك من نزغات الشيطان

. يا بنـي: لا تكن عالة على غيرك، فيما تنفقه على نفسك وعلى أهلك، بل اتخذ لنفسك حرفة

تحترف بها فتستعين بروجانها على الضروريات، وإذا خسرت مرة في سلعة فترقب الربح بعده،

فلا تترك الحركة متيقنا بما قدر لك، فقد علمت أنه لا بد لك من تعاطي الأسباب، ولو بأخس الحرف

فإن امتُحِنْتَ بعدم الوجد، فإنك لن تموت حتى تستكمل رزقك ولا يموت أحد من أهلك، ومن هو

تحت نظرك إلا بعد استيفاء رزقهم، وانقضاء أجلهم المكتوب. فإن أبيت إلا الإهتمام، وفرط الضجر

فانظر إلى من في قدرتك إيصال رزقك إليهم، واقطع مادة الرزق عنهم، فلا تجد لذلك سبيلا وكيف

يكون لك من الأمر شيء في ذلك، والمولى هو قاسم الرزق قهرا عليك، لا يصلك إلا ما كتب الله

لك، فكن راضيا بحكمه، تكن مومنا موفقا، مستريح الخاطر، من الهواجس والخواطر، فما قدر لك

ياتيك مع ضعفك، وما لم يقدر لك لا تصل إليه، ولو استعملت مع حولك وقوتك من الحيل ما قدرت

عليه، واستعرت جميع حيل المحتالين كلهم فأعاروك حيلهم فلا ينفعك ذلك في جلب أو دفع،

فكن عند الظن بك ملقي السلم والسلب لمولاك، وما أراه إلا رازقا لك مغنيا لك كافيا لك عن

سواه، فخذ ما قدر لك بعز، ولا تأخذه بذل، والله يلهمك لم فيه رضاه

يا بنـي: إن مرارة الفقر أمرّ من كل مُرّ، فإن ابتليت به مرة فتجرع ما يسهل مرتها من الصبر، ولا

تجزع من اضطراب أحوالك عند صدمتها، وتلق ما يقابلك به من عهدت مودتهم في الدعة من

الجفاء والغلظة وتغير الأحوال بجميل المعاملة ولا تلمهم على ما ترى منهم، فإن الفقير مرموق

بعين لا يرى بها الغني، ولو كان الفقير أعلم أهل وقته، والغني من أجهل الناس، ذلك طبعٌ جُبِلَت

عليه جل النفوس. فلذلك يتعين عليك أن تلبس حلة الجمال، وتعتني بلباسك مع كمال النظاف

ورفع الهمة عن كل قريب وبعيد، مظهرا لهم الغنى عنهم وعن أمثالهم، ولو بِتَّ جائعا، وظلت

طاويا، فإنهم يهابونك ويحترمونك، ولا تشتكي لأحد ما أضر بك من ذلك غير المولى البصير

بأحوالك. ولا تقطع يأسك منه في كشف ما أهمك وأغمك، وجار أهلك على قدر عقولهم

بالمواعيد فيما يؤملونه من الأمور التي يتجملون بها ويتمتعون، فإنهم يكتفون منك بالوعد ولو إلى

حين، وأدخل عليهم السرور في منحك إياهم بما تقدر عليه من جبر خاطرهم إنفاقا، فترغم بذلك

أهل النفاق. فإن كنت مع أهلك بخير فإنك لا تهتم أبدا بحال المال قَلَّ أو كَثُر. وأخشى عليك أن

تكون ملولا عند مصادمة هذه الحالة فتُظْهِرَ الجزع، فلا أنت بمال تطفي به لهيب التلهف، ولا أنت

بإرغام أنوف عداك وحسادك. وأرجو من المولى أن يغنيك به عمن سواه، فلا يذيقك هذه المرارة

الأنباء بنصح الأبناء
7

يا بنـي: استكثر من أصحاب الخير في السر والجهر، ولا تعاد في الظاهر أحدا من أهل الشر، ولو

كافرا، فأنت في زمان يقضي عليك بالمداراة ، وكن قابضا على حبل دينك ما دمت حيا، فالدين قد

يفتتن فيه من لا يداري، ولا ينجو من إذاية الخلق أحد، فإذا ابتليت بمؤذ فاجتهد في الإحسان إليه

بقدر الامكان، وأظهر له أنك لم تشعر بما أذاك به، حتى كأنه لم يصدر منه إلا الجميل إليك، وهو

في الحقيقة إن نظرت إلى ذلك بعين الاستبصار وجدت إذايته من الجميل المُسْدَى إليك، فإن

عرفت من حاله أنه يزيده تواضعك له حقدا عليك فخذ بخاطره، بإظهار الضعف والمسكنة، وأنه هو

أفضل منك بلسان الحال، وبلسان المقال، واثن عليه في ظهر الغيب إن ذكر في مجمع، فإنه يصله

ذلك، فإن زاد في إذايتك فاجعله في حل وآو إلى ركن شديد، وهو اعتصامك بحبل الله بانكسار

قلب، وادع له في ظهر الغيب بما توفق له، فإن أخذت منك البشرية حظها، وحركت إذايته منك

الدم، فلا تسرع بما تُذَمّ على فعله فتندم، واتخذ بينك وبينه حصن النوى، مع عدم التعرض لذكره

لا بخير ولا بشر. وإن حضرت بمجمع حضر فيه أو ذكر فيه فاجتهد أن لا يكون لك ذكر ولا صوت، ولا

تنطق إلا بخير، فإن عارضك فلا تجبه إلا بالتسليم، وخير ما تدخره لنجاتك من أهل وقتك هو أن لا

تذكر أحدا منهم بسوء، وإن أساء إليك. وكل من تظاهر بشيء فلا تزاحمه فيه إلا أن يكون خيرا،

فخذ منه حظا وافرا، وانسب المزية له عليك فيه، حتى يرى منك أنك تعتقد أنه هو الذي تسبب

لك فيه، وحذار من معارضته في شيء إلا إذا ضل أو أضل فقل الحق في صورة المستفهم له فيه

كأنك هو الذي أفادك، فإن أصر على الضلال فدع عنك الجدال، وأخشى أن تجادله بحق فيحقد

عليك، والحقود أخو الحسود في علته، ولا يرجى برد إلا بما تصاب به من السوء حالا أو استقبالا.

ولعلك تقول: أنتصر للحق ولا أبالي، فأقول لك: إن اتهمت نفسك بما جبلت عليه النفوس، من

كونها لا تخرج من حظها النفسائي، فلا تفه ببنت شفه، ولا ترمي بنفسك في السفه، واعتبر

في هذا المقام، بقوله عليه السلام ه(إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي

برأيه، فعليك بخويصة نفسك )ه

يا بنـي: إذا حضرت بمجلس فيه أهل الدنيا، وطفقوا يتذاكرون فيها فأظهر لهم من نفسك الغنى،

حتى كأنك أغناهم، ولا تنغص عليهم تلذذهم بحديثهم، ولكن اخرج من بينهم في حلة نسجت

بالعفة، وخيطت بحرير الليونة، غير مظهر احتياجا إليهم، ولا مضمر سوءا، فإن توقف لك غرض في

معاملتهم فتصارف معهم مصارفة ذي نفس أبية لا ترضى بدنية التعاطل عند أداء ما بالذمة، ولا

تدع عليك فلسا دينا، ولو بأن تبيع ثيابك التي على ظهرك، وعولة أهلك، فإن الدين مقراض

العرض، والدين والمديان دائما في مذلة عند المدين، فلا تهتم بشيء غير أداء ما بذمتك قبل

الطلب، فذلك كفيل لك بأن تسمو بين ذوي المعاملة إلى أعلى الرتب. ولا تكن شخصا مسوفا

لغيره، عند طلب خيره، فالتسويف سيف المقاطعة بين العامة والخاصة. وأخشى أن تقف مع الجد

وقفة الإتقباض، فتكون موصوفا بما يستثقله منك بعض ذوي الأغراض، ولا يحملك خفض الجناح

منك في الأمور على مركب الإتهام عند الناس، فإن سوء الظن سريع لتشويش الصدور، ولكن

اسلك مسالك التوسط، أخذا وعطاء وبيعا وشراء، وكن على حذر تام، في هذا المقام، فإن جل

التجار فجار، والناس ذئاب، في ثياب. فلا تلم من أساء الظن بك ولا تثق بمن استأمنك على أن لا

يخونك، فَرُبَّ أمينٍ صار خائن وما أراك تنجو إن لم تعمل على الإحتياط فيما تحاوله بنفسك أو بنائبك

في النوب، وادفع بالتي هي أحسن فيما لا تقدر على تحمله من كل طلب. واحذر كل الحذر من

قول أو فعل أو حال، تقضي بأوحال، أو غضب، والله يؤيدك بمنه في سائر الأحوال

يا بنـي: إذا كنت في محضر الأعلام، فاجتهد أن تكون دائما مستفيدا، ولا تتكلم إلا عند الضرورة،

ولو كنت في تحصيل ما لم يحصلوا عليه بلغت المرام فيما تسمعه منهم تزداد تحققا وتحقيقا،

وتعرف قدر نعمة الله عليك إن فقت عليهم في الإدراك. فإن استنطقوك فأقلل من الكلام ولا

تطلق عنان الخطاب، فإن الخطأ أقرب من المكثار من الصواب، فإن استزادوا منك قولا فلا تخرج عن

الموضع بقيل وقال، إلا إذا استطابوا منك المقال، فراع المقام، ولا تكن مثل مغني دار الدباغة، ولا

مثل المعجب بصوته في الحمام بغنة الغناء، فإن الثقيل يستحسن ذلك من نفسه، والنفوس

تتضرع من هوسه وعلامة استثقال الحاضرين لمقالك اشتغالهم عنك بالتخاطب فيما بينهم في

موضع آخر، أو كثرة الإعتراض عليك، أو تناومهم، أو تثاؤبهم، أو قيام جلهم ونحو ذلك، فلا تحوجهم

إلى شيء من هذه الأحوال، وأنت البصير بأن بعض الناس يستحسن منك النطق، وبعضهم

لبغضهم أو حسدهم لك يستبشع ذلك منك، واعمل على قول القائل

في جو باطنك العلوم الشرد تغتاظ أنت ويستفيد ويجحــــد

وإذا جلست إلى الرجال وأشرقت فاحذر مــذاكرة الـجحـود فـإنـمـــا

ولا تلم من لم يحتفل بكلامك إذا تكلمت، ولكن لُمْ نَفْسَكَ على مكالمته، وحذار من قطعك لحديث

غيرك بحديثك، فإن نفسه تواخذك، فتكون قد غيرت خاطرا لم تجد لتصفية مرآته عنك سبيلا إلا

بكثرة استعطافه لمسامحتك في ذلك المحضر. وما أخال أحدا يسامح في ذلك إلا النادر الذي لم

يقف مع حظ النفس، واتخذ له عندك أعذارا بعد اعتذارك لما صدر منك فإنك ما قطعت حديثه

بحديثك إلا لعظيم غفلتك، أو سوء تربيتك، أو عجلتك بالوقوف عند حد حظ نفسك، وأنت الملوم

على ذلك، في معناك وحسك، ولا لوم عليّ في ذلك، حيث بالغت في تحذيرك، ولم تعمل عليه،

وما أراك إلا بلغت منالك مما بلغتك من النصح، فعملت ما تحمد عليه، ودعوت لي بالرحمة. والله

المسئول أن يثمر غرسك

الأنباء بنصح الأبناء
8

يا بني: إذا خالطت أهل الدنيا فخالطهم في الظاهر، وكن مع الفقراء بالقلب، وإياك أن يشموا منك

رائحة الإحتياج إليهم أو يلوح عليك أمارة الفقر، فإن نفوسهم جبلت على إهانة من قعد به دهره،

ولو كان في عفة يوسف، وزهد عيسى، وخصوصا أهل الإمارة منهم، فإنهم لا يبالون بالفقير إلا إذا

توسموا فيه كونه من أهل السيمياء، أو تخيل لهم فيه أنه من أهل الصلاح، فإنهم يستميلون قلبه

ببعض مودة تظهر بين أعينهم أنهم وفوا حقه بها، ويؤملون منه قضاء ما يحبون من إدراك دنيا أو

رياسة، أو خدمة، فيها كلمة وجاه، فإن ظفروا بمقصودهم اتخذوه وثنا، وقد يُجْعَلُ بينهم أضحوكة

يستهزأ به في حضرات أنسهم إذا خلا الجو فيها لهم، فكيف يرضى من له همة عالية بهذه الحالة،

فلا تجالسهم إلا عند الضرورة ولا تبسط معهم في بساط إهانة أحد، فالله يغار على حرمة

مهتضم الجناب. وإياك أن تعمر وقت الفراغ معهم بإطلاق اللسان فيما يمس بجانب أحد بإذاية،

بغيبة أو نميمة، حتى بقولك: فلان ربح أو خسر، فمالك ولهذا؟ وإن بارت لك بضاعة فارصد لها وقتا

ومكانا يحصل فيه الروجان، ولا تسلك طريقة الغش، فإنه مشتت للعش، فإن افتقرت، ولا بد لثمن

تلك البضاعة فبعها أقساما في أوقات وأمكنة مختلفة ولا يأخذ الأسف منك اطمئنان بال، ولو

حصلت عشر عشر ثمنك، بل ولو خسرت رأس المال. فلا تكون ممن اجتمع لديه حسرتا الموت

والرزية، وتذكر رأس مالك عند خروجك من بطن أمك وأنت عار، وخض في سبب الكسب لجج

البحار فما على متعاطي حرفة من عار، وأقبح خصلة البطالة ولو تساوت الأسعار، سائلا من

المولى أن يأخذ بيدك

يا بني: لا تكن غنيا متكبرا، ولا فقيرا يهين نفسـه، أو يفرط فـي تعظيم نفسه، فيجتمع لديه -كما

قالت العامة (الزلط والفرعنة) ولكن خير الأمور التوسط فيها، فإن كنت غنيا كنت بخفض الجناح من

الملحوظين المحفوظين، ولو لم تبسط يدك بالعطاء، وإن كنت فقيرا كنت بعزة النفس غنيا عن غير

مولاك، ولو مددت يديك للاستعطاء، ولكن لا أرض لك ذل السؤال، فإنها معرة الرجال . فأين همتك

التي تربأ بك عن المذمات؟ فاختر من الحرف ما تعيش به، ولو بنقل الأحمال على ظهرك، وخرز

النعال، ورمي الأزبال، فذلك أهون عليك من السؤال، فدع عنك الأوهام التي زادت في تكبرك

حتى رضيت لنفسك بأن تكون طاوى الأضلع على نار التحسر على المال، وعدم مساعدة الحال.

وإني لأخاف عليك إن تشوفت للرفاهية، فلا تبال من أين اكتسبت الأموال فتتعاطى التكسب

بوظيفة المكس ، ولست براض عنك إذا استخدمت فيه فمت جوعا ولا تقرب ساحته، فأنت ابني

حقا وقد نهيت عنه وعن مهر البغي ، ولست بقابض يديك عن تناول الحرام، إن لم توفق بإلهام من

الله، أو خوف بلاء عاجل أو آجل، ولكن لا تخض في بحره إن كنت سعيدا وعجل بالتوبة إن امتحنت

بشيء من ذلك، فإنك غير معصوم. وأرجو من الله لك التوفيق للتوبة النصوح

يا بني حافظ على أداء الزكاة، فإن الحق يربي مالها وأصلها، وإياك والربا، فإن الله يمحقه كما أوعد

على ذلك فقال وهو أصدق القائلين يمحق الله الربا ويربي الصدقات وهل يكون في ممحوق نفع؟

لا والله، مالك فيه خير ولا لأهلك ونسلك، وهو وإن كان في الظاهر يكبر التكاثر به فهو ممحوق

البركة في الباطن، فلا تقرب ساحته. ولا أراك إلا متعاطيا له، إن اعتذرت بفساد الوقت، وما بنيت

التجارة عليه، مع أنه ملحوظ عند الشارع بلحظ المقت، إلا إذا اعتقدت أن النفع بيد الله، والإنتفاع

بالقليل بدون ربا أجل قدرا من النفع العاجل الذي تعظم فيه الحسرة مع طول التعب، وما تراه نفعا،

وإنما هو فتنة، فإنك قد تعرض عن تعاطيه، فإن وفقك الله لترك الخوض فيه فأكثر من حمده. فقد

شاهدنا كثيرا ممن استغرقوا عمرهم في التجارة التي دخلها الربا، وفتحت كنوز الأرباح عليهم

فيها فماتوا في أسوء حال، ولم ينجح لهم سعي في المآل، مازالت عائلتهم في أوحال، في إقامة

وترحال. فحذار من هذا الداء العضال الذي حلا لمتعاطيه وليس بحلال، وتستحسن المماطلة به

نفوس الغافلين، وما أراهم متمتعين بلذيذ الراحة، وإن ضحكت في وجوههم الدنيا، فعما قريب

تجدهم من الباكين. فالله الله في هؤلاء المساكين الذين ظهر لهم الربح به، وهم في الحقيقة من

الخاسرين، ومالهم في الآخرة من خلاق، وعما قريب ليصبحن نادمين، ولات حين مندم

يا بنـي: البس لباس التقوى في الظاهر والباطن بقدر الاستطاعة، وتخل عن الرذائل وسفاسف

الأمور، فذلك من أعظم القربات والطاعة، وتَحَلَّ بزينة الحياء من الله ومن خلقه، فإنه لا خير فيمن

لا حياء له، وليس من الحياء ترك السؤال عما يهمك من أمور الدين، وإنما تركه من صفة المتهورين،

أو المتكبرين. فاسأل عن أمور دينك، ولا حياء في ذلك، والحياء الحقيقي هو ترك المحرمات،

وتعظيم الحرمات، وذلك كله على سبيل الإجمال، فإن أردت التفصيل، فيحتاج فيه إلى تطويل، و

لكن عيون أقسامه تدلك على طريق التحصيل، وذلك حفظ الجوارح من استعمالها في ما يذم

شرعا، ولا تخرق العادة بما تلام عليه جلبا ودفعا وإياك إرخاء جلباب الخلاعة بين جنسك عن

نفسك، فتكون ممن لا يبالون بما يصدر منهم من قول وفعل في حال الإنقباض والإنبساط،

فاستحضر إن تكلمت أن الناس كلهم يسمعون ما تلام عليه، والناس كلهم لديك معتبرون، وعليك

في فلتاتك مواخذون، والله فوق ذلك، وحفظتك يحصون ما هنالك. وإني أخشى عليك أن تقارن

قرناء السوء فتكون في زمرتهم معدودا ، وتسقط من أعين أهل الفضل، فلا تصاحب الأردى

فتردى معهم في رداهم، وتكون عند أهل الاعتبار مرتديا برداهم، فلا تُحْسَبُ إلا منهم، ولو

أعرضت بعد حين عنهم. فاختر لنفسك أصحاب الخير ، والأولى أن لا تتعارف إلا من لا بد لك منه،

وإن كان ولابد من اتخاذ صاحب فلا تجعل معه رابطة اتحاد في ماليتك ومعلوماتك إلا عند الضرورة،

فما لابُدّ منه فلا تزد عليه، وخذ حذرك من المتداخلين معك

واحذر صديقك ألف مرة واحذر عدوك مرة

فلربــــما انقلب الصـــــــــــــــــــــــديق فكــان أعرف بالمضرة

الأنباء بنصح الأبناء
9

يا بنـي: إن المصارفة مع المسلمين أسلم لك من جهة الدين واحذر كل الحذر من مصارفة

الذميين، وإن المصارفة مع النصارى رأسا بدون واسطة لقريبة من السلامة الدنيوية في المعاملة

ونحوها، فهم كما هم: وأنت على بال منهم، بخلاف المتنصرين الذين لهم بهم خلطة، وهم في

زي المسلمين واعتبر ما قلته لك في المستخدمين معهم غالبا، فإنهم من أخشن الناس طبعا،

وأقبح ملاقاة مع أحسن خلق الله ما لم يقدم لهم نفعا، ولا تجد النادر إن عثرت عليه هينا لينا إلا

إذا امتحن بالزجر على سوء المعاملة مع العباد، أو أنذر بالطرد عنهم بوصية منهم، إن لم يحسن

السيرة. فإذا توقف لك عند مخدوميهم غرض، أو جمعتك الضرورة بأحد منهم فاحذره كل الحذر،

وعامله بمقتضى هواه، واصبر لخشونة طبعه حتى تخرج منه سالما، وإن وجدت سبيلا

للمسامحة في ذلك الغرض واجتناب ما يجمعك بأحد منهم فهو أليق بدينك وعرضك. وأرجو أن لا

يحوجك الدهر إلى الوقوف على من هذه حالته، فيكفيك الله مئونة المداراة والمداهنة، ولكن

الليالي حبلى تلد العجائب، والدهر ما هو لأحد بصاحب، وفساد الزمان وأهله يقضي على ابن

الوقت أن تكون له يد بيضاء عند الحكام، يقي بها طوارئ الحوادث بين العوام، فالعامة لا يحترمون

إلا من له صولة وكلمة، أو مال، ودليل ذلك المشاهدة. وقد كان شيخنا الولي الصالح مولاي عبد

الله بن إدريس البدراوي يقول لنا عندما يذكر وصية الإمام مالك ليحيى التي قال فيها (ليكن لك

سند تستند عليه) إلخ.. لا يغرنكم تعظيم العامة لي، فإنهم لو لم يكن لي اعتبار عند الأمراء ما

احتفلوا بي، ولكنهم يرون الأمراء، وخصوصا الوزير فلانا يأتون لداري لزيارتي، فيستعظمون ذلك،

وليس تعظيمهم لي من أجل علمي وصلاحي، وإنما ذلك من أجل ذلك. فاعتبر قدر هذا المقال،

واجعله على أحسن المحامل ولا تفهم منه ما يحملك على التعلق بأَذيال الأمراء والحكام والتملق

لهم، والتوسل بأحسن الوسائل للتوصل إلى إقبالهم عليك، وهم ليسوا بمقيمين على حال، وما

أراك إذا فعلت هذا إلا مهضوم الجناب، ما دمت عن غير إقبالهم عليك مترددا بالأبواب، وأخس بها

من حال. وإذا أسعدك الحظ بأن لم تعرفهم ولم يعرفوك، ولم يتوقف لك غرض منهم فأنت سعيد

رشيد، وإلا فكن على حذر من كثرة التردد عليهم، والتداخل معهم في فضول، أو في وشاية

بأحد، فتعد من الجواسيس ويتطرق في عرضك المقول. وقد كنت حفظت قول القائل

ولا تخش ممن بغى أوحسـد لباب الأمير فكن لازما

تصرغ يوما ببـاب الأســد فإن الذئاب تهاب الذي

وما عملت بضمنه حتى دعيت للخدمة، ومع ذلك فإني أرجو أن تكون أحسن مني حالة، لينفعني

الله بك في اجتناب الظلمة وأعوانهم، حتى لا تكتب في ديوانهم

يا بنـي: إن الناس ينظرون أولا لهيئة الرجل، فأول ما يعظم قدره لديهم لباسه، فكن دائما معتنيا

بالزي الحسن، مع النظافة التامة، واجتنب الدنس ما أمكنك، وأظهر نعمة الله عليك من غير تبجح

ولا افتخار. وإياك وأنفة التكبر التي يشمخ بها أنف المتجملين بالثياب، ولا يعظم بين عينك لباس

الشخص أكثر من جثته، وما انطوت عليه من المعارف وضدها، فقد قال الإمام الشافعي

بفلس لكان الفلس فيهن أكثرا علي ثياب لو يباع جميعـــها

نفوس الورى كانت أعز وأكبرا وفيهن نفس لو يقاس ببعضها

فإن قدرت أن لا تلبس من اللباس إلا الرفيع فافعل، إلا فلا تخرج عن النظافة ما أمكنك، وخير الأمور

التوسط، والزيادة في الشيء نقصان. وكن متحليا بحلية الجمال، ولا تنس الجميل المعمول معك،

ولا تستحضر جميلك مع أحد على وجه التبجح ولا تذكره، فإن المنة لغير الحق مذمومة لديه وعند

الخلق. وإياك أن يعظم بين عينيك بياض حليتك من الرأس للقدم فتتقدم بها على غيرك في

نفسك، ولكن ليكن لديك اعتناء بحلية الباطن، فقَدِّم أهل الفضل في مقام التقديم حتى تقدم بيد

العز، وتواضع مع كل أحد على قدر ما يجعله ذلك منك على عدم إهانتك. فرب تواضع في غير

محله موجب للإهانة عند من لا تربية له، ولا مرؤة ولا دين. ولقد أجاد من قال

يـرى ذاك للفضـل لا للبلـه تذلل لمن إن تواضعت له

على كل حال يرى الفضل له وجانب مودة من لم يزل

واعتبر ذلك في المجالس، فلا تقم من موضعك لمن لا يعتبر أنك قمت إجلالا له، فيجعلك من أجل

ذلك، فإن لم يعتبر ذلك فلا تقوم له، خصوصا في محافل الأجانب، فلا تجلس إلا حيث لا يقيمك

أحد، ولا تقوم فيه لأحد، فإن الجلوس في محافلهم، والحضور فيها معهم، لا دخل له في التواضع،

ولو كانت لك عفة فلا تقرب ساحتهم، وكن دائما مجتنبا تلك المحافل، إلا إذا خفت على نفسك

من إذاية أحد وقلبك مطمئن بالإيمان. فكن مراعيا لما لا تعاب عليه، ولا يهضم به جانبك دينا ودنيا،

ولا تتأمر على أحد بمحضر الناس، فربما هتك ستر إمارتك ومروتك، وتلطف دائما في أوامرك التي

يسند إليك الصدع بها، ولا تكلف أحدا بقضاء غرض لك خصوصا الضروريات، فلا تكن عاجزا عن

قيامك بنفسك بها، وإن كان ولابد من التكلف، فاسلك طريق اللينة مع الرفق التام ومراعاة

المقام. ولا تلم أحدا على تركه للنهوض لما كلفته به، والتمس له المعذرة، إلا فأنت الملوم،

لكونك رضيت لنفسك ما لم ترضه لغيرك، ورضيت لغيرك ما لم ترضه لنفسك، و إلا فمن أين لك

تكليف الغير، وذاته إن نظرت إليها أحسن من ذاتك، وعقله أحسن من عقلك، وقدرك لا يذكر في

جنب فضله شيئا عنده، فإن كل من فيه نقص في خاصة نفسه لا أحد يساويه، فاعتبر تفضيل

الناس عليك، والمفضول لا يتأمر على الفاضل، فكن مكبا على اقتناء الفضائل، حتى تكون مخدوما

بطيب نفس، والله يحفظ

الأنباء بنصح الأبناء
10

يا بنـي: إن النفوس دائما تميل للراحة، وتتشوف لنيل المحمدة، والحصول على الرفاهية، أكلا

وشربا ولباسا ومسكنا ونحو ذلك مما يرجع للشهوات التي جبلت على حبها وأضر شيء بالقلب

الوقوف في هذا المقام، الذي يكبر بين أعين العوام، ولا يرضاه لأنفسهم الكرام. فإن أجهدت

نفسك في المبادئ وجدت في النهاية كفاية المئونة، وإن واظبت على المجاهدة في قُوَّتِكَ

حمدت ذلك عند ضعفك فاعمل على أنك دائما في مباديك، ولا تتوهم أنك بلغت النهاية في

شيء فتلج لجة الكسل، ولا يقوم لك عمل، إلا أنه ينبغي لك أن تتيقن بأنك في كل يوم بالغ في

آخره نهاية الضعف منك فكلما شممت من نفسك رائحة القدرة على فعل ما يحمد منك فعَجِّل

بالنهوض به فتكون قد غنمت قوة شبابك، فإذا تكاملت وسوفت نفسك من يوم لغد فإني أخشى

عليك أن تعتاد التسويف وتقتاته، فلا تحمده عند عجزك، وذهاب وقت فروسيتك، فتضيع منك

انتهاز الفرصة من نفسك، ولا تجد عاذرا في ذلك فتلوم نفسك، وحق لها أن تلام. والذي يليق بك

أن تقطع حبل تشوفها للمحامد، وهي تعمل بموجب الحمد أحرى إذا كانت تحب المحمدة، وهي

لم تفعل، فتعد ممن يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، ولا تحمد منها أعمالها فتدخل بك من باب

المفخرة والتبجح إلى حضرة التقاعد من كل محمود، فلا تصل للمقصود، سيما إن كنت لا تعبأ بما

يصدر منك من هذا القبيل، ولا تحاسبها على الكثير والقليل فإنها لاتبالي بفعل ما تصر عليه مما

تسره أو تعلنه، ولا تقدر بعد ذلك على رد جماحها من غوايتها، حتى تقع في مهواة الردى، وفي

ذلك شفاية العدا. فلا ترض لنفسك بهذه الحالة وقد أوقفتك على قولي

فـإن لذاتهـا بالـذات فتاكــــــــــه لا تترك النفس في اللذات هائمة
في الفتك حتى يحل الشرك اشراكه فالنفس من دأبها تسعى لصاحبها
وعلـى قولـي

فـإن هي لم تردع علـيك تجبــرت عليك بردع النفس عن طغيانها
إذا أبصرت منك انتصارا تنصرت ولا تنتصر يومـا لنفسك إنهـــا

فاعمل على سوء ظنك معها بالحذر، حتى لا يستولي عليك سلطانها، ويقيدك بقيد الغفلة

شيطانها، فلا يرجى خلاصك من شبكة أهوائها، إلا بعد التي واللتيا، إن أيقظ منك الإتعاظ نائما،

وأوقدت بيد التوفيق منك ما كان كامنا، وحركت ساكنا، وإلا فأنت المغرور الذي أقام على شفا

جرف هار والبلاء محيط به من كل جانب، وعليك في ذلك العار. فكن أبيّ النفس لا تقف في حد

حظها، ولا تعودها الترفه والرفاهية، فإن ذلك لا يتأتى في كل وقت، و قد قال من نصح: تبدوا و

اخشنوا، فإن الحاضرة لا تدوم، وإن اعتادت ذلك ولم تجده قاست معها شدة لا تذوق أمر منها، كما

ذاق من جرب، وتنغص عليه ما تمتع به، ولا ترى نفسك عند ذلك وبعده إلا ملوما متحسرا، غير

راض بما لديك حتى ترمي بك في بحبوحة الضلال، ولا تبالي بما حل لديك من حرام وحلال، ولا

تعبأ بما تصادفه مما يسقط مراتب الرجال، وتلك هي البلية التي تدوم فيها الحسرة، ويعظم

الخسران بها في كل مرة. فبالله عليك كن لما نصحت به لك واعيا، واعمل عليه تكن ابنا مرضيا،

والله يرضي عنك

يا بنـي: كل ذي شعور نفساني، تتشوف نفسه أن يكون من أجل أهل عصره، وأكمل أهل قطره،

حتى يكون هو الوحيد الذي يشار له بالبنان، في سائر الأزمان، فإن نهض لاقتناء المحامد، ولم

يتكل منها على ما خلده له نسبه أو حسبه فهو غير مخذول، سيما إن ساعدته الأقدار، فحصل

منها على حظ وافر، ولم يقنع من المعارف بما حصله، فعن قريب تفتخر به الرتب، ويتم له ما

طلب. وإن تقاعد عن اكتساب المعالي، ورام إدراكها بالهوينا من غير تعاني ، فهو المغرور الذي

قيده الكسل بحبل الهوى، وعما قريب يقع في مهواة الردى، ويكون شماتة للعدا، ولا يفلح ما دام

على هذه الحال أبدا. فإياك ثم إياك والأماني من غير نهوض لاكتسابها والقناعة بما حزته من

الخيرات بعد أن دخلت لرحابها من أبوابها، فالقناعة من الله حرمان، إلا ما كان من الدنيا وشهواتها،

فاقنع بما يكفيك، والقناعة في نفسها لك عنها كفاية. وإياك وإماتة نفسك، في معناك وحسك،

فأنت نفسك حية فاحذرها من أن تلدغك من حيث لا تراها، فإن الغفلة عن المؤذي حتى يؤذي

لمن أكبر الحسرات التي لا يفيد التأسف فيها، سوى غم على غم. فإن وفقك الله للأخذ بزمام

الخير، وقدت نفسك لاقتناء الذخائر النافعة دنيا وأخرى، فلا تظن أنك فقت غيرك، فإن ذلك حجاب

لك، عن تمام مرادك وعدم انتفاعك، بمن تزعم أنه أقل منك مالا مثلا، فضلا عن كمال رشادك. ولا

يقود لك الهلع إلى طلب ما ليس من شأنك فمثلك إذا طمع في الملك مثلا عد مختل العقل

والدين، وهو في الحقيقة من الضالين المضلين، وكان كمن طلب أن يكون نبيا في هذه الأمة، فلا

تطمع في مرتبة الملك، ولا في مرتبة النبوة، و إلا فأنت أكثر من فرعون الذي ادعى الألوهية صان

الله نفسك عن مثل هذه الترهات، ولا جعلك ممن يتشوف لها. وأرجو من المولى أن لا يشمت

فيك عدوا، وأن لا يجعلك في حزب من سعى في الأرض الفساد، فساد أو باد، في خزي أو عناد

بين العباد، وأخذ الله بيدك، إن زلت بك القدم

يا بنـي: إذا نافست المتنافسين في إحراز المحامد فلا تظهر لهم منك ما يوجب نفورهم عنك، ولا

تقنع بالقليل من الفضل كيف ما كان، إلا إذا رأيت من حال من منحكه أنه يحب إقناعك به، فكن

مظهرا له شكرا، واستزد منه خيرا وعرفه من نفسك أنه أرفع منك قدرا. وأظهر احتياجك دائما

للمزيد من العرفان، وأعمل بكليتك ما يحمده منك الحق والخلق وتشكر على فعله عند كل محق.

وكن مقتديا بي في محبة أهل الفضل، وتعظيم أهل الله، والتسليم لكل من انتسب لحضرته، من

غير إساءة لأحد بسوء الظن فيه، وسس نفسك حتى تراها فوق كل فائق بحسن تواضعك، ولا

تقتد بي في التكاسل عن الإستكثار من الخير، فأنت تراني في الخير مجزى البضاعة، قليل

الطاعة، سيئ الأخلاق في أهلي وداري، بخلاف ما يعتقده الناس في مما بيني وبينه بعد

المشرقين، فلا تفضح سر والدك، بسوء فعلك، وإساءتك لغيرك، فإن الولد سر أبيه، وصلاح حاله

يدل على صلاح باطن والده، إن كان معه في عشرته، وتربى في حجره، وإلا فهو على كل حال

مشبه لأبيه، ومن يشابه أباه فما ظلم. فكن فرعا طيبا تكن أصلا ثابتا في الخير، ويكون فرعك نابتا

في رياض البر، فينتفع منك ومنه الغير. وإني وإن كنت مقصرا في تربيتك بما يعتريني من الجلال

في مخاطبتك، فإني أدعو لك في ظهر الغيب، بما تجد بحول الله فيه لك النفع الكثير في حضرتي

وغيبتي، وإن دعائي لك لكثير، فلا تنسني من دعائك لي بالرحمة بلسانك، ولسان من تحسن

له، ولو بكف إذايتك عنه، فكف الأذى عن الناس منك موجب لك منهم الدعاء لك ولوالديك، والله

يرضي عنك .

الأنباء بنصح الأبناء
11

يا بنـي: إني رأيت كثيرا من الأجلة ممن يشار لهم بالبنان نصحوا أبناءهم، فلم يلتفت جلهم

لنصيحتهم، وهي من أجل مما ينتفع بها الشخص في خاصة نفسه، وينفع بها غيره، فلا تهمل ما

تقف عليه من نصائحهم، ولا تضيع نصيحتي بالإعراض عن العمل بمضمنها، فإنها زبدة طرية بعسل

خالص، فلا تقدمها لغيرك وأنت محتاج إليها، وما أراك في غنى عنها، ما تتخلق بالأوصاف

المحمودة، وتردّ بالك عند بغيتك المقصودة، فتفتح بصرك في أمور الدين، فقد قال ناصح لابنـه

في صورة الرجل السميع المبصر أبني إن من الرجال بهيمة

وإذا تصبه بدينـه لـم يشعـــــــــــــر فطن بكل مصيبة في ماله

وقد سنح لي أن أنقل لك هنا نصائح بعض الحكماء السالفين لتقف عليها. وكأني أخاطبك بها على

لسانهم لتعمل بها، فقد قال أبو حنيفة لابنـه: يا بني: أرشدك الله تعالى وأيدك أوصيك بوصايا،

حفظتها وحافظت عليها، رجوت لك السعادة في دينك ودنياك إن شاء الله تعالى. أولها: مراعاة

التقوى بحفظ جوارحك عن ارتكاب المعاصي خوفا من الله تعالى. والقيام بأوامره، عبودية له

تعالى. والثاني: أن لا تستقر على جهل ما تحتاج إلى علمه. والثالث: أن لا تعاشر إلا من تحتاج

إليه في دينك أو دنياك. والرابع: أن تنصف من نفسك، ولا تنتصف لها إلا لضرورة. والخامس: أن لا

تعادي مسلما ولا ذميا . والسادس: أن تقنع من الله تعالى بما رزقك الله تعالى من جاه ومال.

والسابع: أن تحسن التدبير فيما في يدك استغناء عن الناس. والثامن: أن لا تستهين عين الناس

عليك. والتاسع: أن تقمع نفسك من الخوض في الفضول والعاشر: أن تلقى الناس مبتدئا

بالسلام، محسنا في الكلام متحببا إلى أهل الخير، مداريا لأهل الشر. وقال لقمان لابنه في

وصيته وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا

الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّ

المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا

معروفا، واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون

يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يات بها

الله إن الله لطيف خبير يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، واصبر على ما أصابك،

إن ذلك من عزم الأمور. ولا تصاعر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا، إن الله لا يحب كل

مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير

الأنباء بنصح الأبناء
خاتمة

وأختم وصيتي لك بهذه الأبيات المنسوبة لأمير المومنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فإنه

قال لابنـه

فافهم فإن العاقل المتـــــــأدب أبنيّ إني واعظ متــــــــــأدب
يغذوك بالآداب لا يتغضــــــب واحفظ وصية والد متحنــــــن

فعليك بالإجمال فيما يطلــــــب أبني إن الرزق مكفول بــــــه
وتقى إلاهك فاجعلن ما تكسـب لا تجعلن المال كسبك مـــفردا
فيمن يدوم به هناك وينصــــب واتل الكتاب كتاب ربك مــوقنا
إن المقرب عنـــده يتقـــــــرب بتدبر وتـفكــــر وتقـــــــــرب

وانظر إلى الأمثال فيما تضرب واعبد إلاهك بالإنابة مخلـــصا
ب فقل وعينك بالتخوف تسكب وإذا مررت بآية تصف العــذا

لا تجعلني في الذين تعـــــــذب يا من يعذب من يشاء بــــقدرة
هربا وهل إلا إليك المهـــــرب إني أبوء بعثرتي وخطيئتـــــي
وتجنب الأمر الذي يتجنـــــــب بادر هواك إذا هممت بـصالح

إن الزمان بـأهــله يتقلــــــــــب واعمل لنفسك إن أردت حباءها
فإذا صحبت فانظرن من تصحب أبني كم صاحبت من ذي غـدرة
حفظ الإخاء وكان دونك يضـرب واعمل صديقك من إذا آخــيتـه
واحذر ذوي المــلق اللئام فإنــــــــــــــــهم في النائبات عليك فيمن يخطب
[/font]
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 24 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط