موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الله الله يا بدوى - مقال لسناء البيسى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 24, 2009 4:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مارس 09, 2004 7:41 pm
مشاركات: 1586
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مقال جميل أردت مشاركتكم إياه
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp?CurFN=writ1.htm&DID=10075

اللـه اللـه يا بـدوي
بقلم‏:‏ ســنـاء البيـــسي


فروا إلي الله‏..‏ فروا منه إليه‏..‏ والفرار منه إليه هو فرار الأولياء‏..‏ الفرار إلي الله يعني توحيده وتمجيده والتخلي في سبيله عن شهوات النفس وأهوائها‏,‏ وفي ذلك أعلي مراحل التدين والعبادة والولي بحق وبصدق له بصيرة يري بها من آيات ربه ما لا يراه سواه‏..‏ وهو المعني بقول الله عز وجل في حديثه القدسي‏:‏ كنت سمعه الذي يسمع به‏..‏ وبصره الذي يبصر به‏,‏ ويده التي يبطش بها‏,‏ وساقه التي يمشي بها‏,‏ ولئن سألني لأعطينه‏,‏ ولئن استعاذ بي لأعيذنه‏..‏ وإذا مشي إلي شبرا‏,‏ مشيت له ذراعا‏..‏ وإذا مشي إلي ذراعا‏,‏ مشيت إليه باعا‏..‏ وإن أتاني يمشي أتيته هرولة‏..‏ وهل هناك أعظم من هذا وأكرم؟‏!!‏

والتصوف صدق التوجه إلي الله وعدم الإفتتان والإستعلاء بما تأتيه من عبادة ونسك مما يهب صاحبه تلك البصيرة‏..‏ والبصيرة ما خلصك من الحيرة‏..‏ والبصيرة تهب الفراسة‏..‏ والفراسة نور من الله يشع به القلب‏,‏ وفي ذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله‏..‏ والتصوف فن الروح وجوهر الضمير ونور العقل صاغ له أساتذته وشيوخه فلسفة ومنهاجا ومراحل ومنازل ومقامات‏,‏ وكل من كان أصلح عملا كان أعلي مقاما‏..‏ وعذوبة التعبير في التصوف تأتي في منهاجه خل نفسك وتعال‏..‏ تأتي لتكون منهاجا وعظة ودليلا وسلوكا وسفرا إلي الله‏..‏

وفي درب التصوف من ذاق عرف وفي ذلك وصف للصوفيين لما تحويه قلوبهم عندما كملت أحوالهم‏:‏ والله إننا لفي لذة لو علمها الملوك لجادلونا عليها بالسيوف‏..‏ وفي التصوف تري جوهر الأشياء في كل شيء تراه‏..‏ تري الجوهر في الصلاة‏..‏ في ذكر الله‏..‏ في تلاوة القرآن‏..‏ في الدعاء‏..‏ في طريق إلي صديق‏..‏ أو لعيادة مريض‏,‏ أو رحم تصله‏,‏ أو علم تطلبه‏,‏ أو عمل تعمله‏..‏ في كل الأشياء‏..‏ تري جوهرها‏..‏ ذلك أنك مع التصوف الحق النقي تعلم علم اليقين أن لله جل جلاله في كل شيء مشيئة وعلما وتقديرا‏..‏ أنت تري الله في البرعم الصاعد‏,‏ والقطرة الندية‏,‏ والكلمة الطيبة‏,‏ والصدقة الجارية‏..‏

وفي الشمس وضحاها‏,‏ والقمر إذا تلاها‏,‏ والنهار إذا جلاها‏,‏ والليل إذا يغشاها‏..‏ وتراه في السماء وما بناها‏..‏ والأرض وما طحاها‏..‏ ونفس وما سواها‏..‏ كذلك تراه في وجوه الأتقياء الصالحين وقلوب العارفين‏..‏ أهل الله‏..‏ المسافرين إلي رضوانه‏..‏ المسافرين إليه‏.‏ الذين من أشواقهم إليه يبدأون وإلي مثواهم بين يديه ينتهون‏..‏ الملك الحي القيوم‏..‏ الأقرب إلينا منا‏..‏




وها هو ابن عطاء الله يقول‏:‏
كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو الذي أظهر كل شيء؟‏!‏
كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو الذي ظهر بكل شيء؟‏!‏

كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو الذي ظهر في كل شيء؟‏!‏
كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو الذي ظهر لكل شيء؟‏!‏

كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء؟‏!‏
كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو أظهر من كل شيء؟‏!‏

كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو الأحد الذي ليس معه شيء؟‏!‏
كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ وهو أقرب إليك من كل شيء؟‏!‏

كيف يتصور أن يحجبه شيء‏,‏ ولولاه ما كان وجود أي شيء؟‏!‏

وجوهر التصوف في الاستقامة فهي حقيقته ووجهته‏,‏ وكان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول‏:‏ شيبتني هود وأخواتها ــ سورة هود ــ ويسأله الصحابة‏:‏ وما الذي شيبك منها يا رسول الله؟ فيجيب‏:‏ في قوله تعالي‏:‏ فاستقم كما أمرت‏,‏ ويصف العارفون ما هم فيه من نور بقولهم كما جاء علي لسان الإمام الغزالي نور يقذفه الله ويمنحه‏..‏ وكما قال الإمام ابن الفارض‏:‏

أنتم فروضي ونفليأنتم حديثي وشغلي
يا قبلتي في صلاتيإذا وقــفــت أصــــلـي

جلالكم نصــب عينيإليــه وجــهــت كـــلي
وسـركم في ضـميريوالقـلب طور التجـلي

والتصوف ليس مهربا ولا منفي اختياريا يحمي العجزة والكسالي واللاهين‏,‏ وإنما هو‏:‏ عبادة تضبط العمل‏,‏ وعمل يزكي العبادة‏,‏ والدين سلوك لا مظاهر‏,‏ وخاتم الأنبياء يقول‏:‏ الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل‏..‏ و‏..‏ إطلاق اللحية سهل‏..‏ ولبس الجلباب الأبيض وتقصيره سهل‏..‏ وقراءة كتب الدين والعناوين واقتناؤها سهل‏..‏ والوعظ والكلام بالآية والحديث سهل‏..‏

ولكن العمل بأقل قدر منها هو الصعب‏..‏ الصعب هو أن يبدل الواحد منا خلقا سيئا فيه بآخر حسن‏,‏ ويبدل الكبر بالتواضع‏,‏ والفظاظة باللين‏,‏ والانتقام بالعفو‏,‏ والغضب بالحلم‏,‏ والاندفاع بالتروي‏,‏ والشراهة بالزهد‏..‏ من الصعب أن يغير أحدنا إعجابه بنفسه إلي معرفته بها حتي تصبح نفسه العدو الأكبر بعد أن كانت المعبود الأكبر‏,‏

وفي ذلك جاء قول الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ إن الله لا ينظر إلي صوركم‏,‏ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم‏,‏ والشيخ والداعية ليس كل من لبس العمامة وتكلم في الدين ولكن الشيخ والداعية من اتقي الله في علمه‏,‏ لهذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم‏:‏ خذ الدين عن الذين استقاموا‏,‏ ولا تأخذه عن الذين قالوا‏.‏

وكما أساء كثير من المسلمين إلي الإسلام‏,‏ فقد أساء إلي التصوف كثير ممن ينسبون أنفسهم إليه‏,‏ ليظل الشغل الشاغل لكثير من أئمة الصوفية تنقية بستان التصوف المثمر الوارف الظلال مما ينمو من جوانبه ــ طوال الوقت ــ من نباتات طفيلية وحشائش ضارة‏,‏ وإذا عدنا إلي عام‏437‏ هـ نجد للإمام الشقيري رسالته المشهورة إلي جماعة الصوفية ببلدان الإسلام التي جاء فيها تصحيحا لبعض الانحرافات التي ظهرت علي المنتسبين إلي التصوف في زمانه‏..‏

قال في سطورها‏:‏ حصلت في الفترة الأخيرة في هذه الطريقة ــ الصوفية ــ أن مضي وولي الشيوخ الذين كان بهم اهتداء‏,‏ وقل الشباب الذين لهم بسيرتهم اقتداء‏,‏ وزال الورع وطوي بساطه‏,‏ واشتد الطمع وقوي رباطه‏,‏ ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام‏,‏ واستخفوا بأداء العبادات‏,‏ واستهانوا بالصوم والصلاة‏,‏ وركنوا إلي قلة المبالاة والانتفاع مما يأخذونه من السوقة والنسوان وأصحاب السلطان‏..‏

ولما طال الابتلاء أشفقت علي القلوب أن تحسب التصوف قد بنيت قواعده علي هذا الفساد فكان علي القيام بتصحيح الشهادة‏..‏ ذلك ما كتبه الإمام القشيري في أوائل القرن الخامس الهجري عن الفساد الذي اعتري طوائف من المنتسبين للصوفية في عصره‏,‏

ونفس الكلام ينطبق علي سائر الأوقات ليحق ماجاء فيهم
تعصي الاله وأنت تزعم حبه
هذا لعمري في القياس بديع

لوكان حبك صادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع

ولا يخلو زمان ولا مكان من المدعين والكذابين والمتاجرين بالدين‏..‏ ويقابلهم أيضا بفضل الله رجال علي الطريق الصحيح‏..‏ رجال أفشوا السلام‏..‏ رجال صدقوا يبذلون حياتهم في سبيل الحق والإصلاح‏..‏ رجال مسيرة خل نفسك وتعال‏..‏ رجال الصوفية الحقة أمثال الشيخ أبي الحسن الشاذلي ومحيي الدين عربي وإبراهيم الدسوقي‏..‏ و‏..‏ و‏..‏ والسيد أحمد البدوي‏..‏

السيد‏..‏ لقب إذا ما أطلق مجردا لا ينصرف إلا علي السيد البدوي وحده‏..‏ شيخ العرب أحمد العارف بالله‏..‏ البدوي‏.‏ البدري‏.‏ الملثم‏.‏ الزاهد‏.‏ الفتي‏.‏ العطاب لفظ مغربي معناه الفارس المقدام‏.‏ محرش الحرب‏.‏ أبوالعباس العباس من أسماء الأسد‏.‏ الأسد الكاظم‏.‏ جياب الأسير الذي شاع غناء المصريين له‏:‏ الله الله يا بدوي جاب اليسري‏,‏ أي الذي أتي بالأسري بفضل كراماته بقيودهم من أسر الإفرنج‏..‏ أبو فراج‏.‏ ندهة المضام‏.‏ ولي الله‏.‏ الصامت‏.‏ الزاهد‏.‏ بحر العلوم‏.‏ باب النبي‏.‏

العارف بالله‏.‏ السطوحي نسبة لأنه أقام بالسطح ببيت الشيخ ركن الدين ليجعله مركزا لجامعته‏.‏ العيسوي نسبة إلي سيدنا عيسي‏,‏ الصالح‏,‏ الصامت شيخ العرب‏...‏ تلك ألقابه‏..‏ أما اسمه الحقيقي فهو أحمد بن علي بن إبراهيم وينتهي نسبه إلي الإمام الحسين‏,‏ وكان أجداده قد رحلوا من الحجاز سنة‏73‏ هـ‏.‏ في عصر الدولة الأموية عندما زاد اضطهاد الحجاج بن يوسف الثقفي للعلويين‏,‏ واستقروا بمدينة فاس ليتزوج إبراهيم جد أحمد بابنة شقيق السلطان واسمها أسماء لتلد عليا الذي تزوج بدوره فاطمة المزينة ــ بنت محمد بن عبدالله بن مدين بن شعيب من بني مزينة من زقاق البحر بغرب مراكش‏,‏

وكان عم أمها سلطان المغرب ــ فولدت له ثمانية من الأبناء‏:‏ حسن ومحمد وأحمد وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم وفضة‏,‏ وكان مولد أحمد البدوي في نهاية عام‏596‏ هـ بمدينة فاس بعد سقوط الدولة الفاطمية وقيام الأيوبية علي يد صلاح الدين بنحو‏29‏ سنة‏..‏ وكانت فاس منتجع القاصدين والعلماء وبها جامع القرويين مركز إشعاع الفكر الإسلامي حتي قيل فيها يكاد العلم يتفجر من حيطان فاس‏,‏ وهناك حفظ البدوي القرآن وشرع في علم القراءات والتفقه علي مذهب الإمام مالك‏,‏ ومع بلوغه هاجرت أسرته إلي مكة المكرمة عام‏609‏ هـ مرورا بمصر حيث استقرت بها خمس سنوات تسكن القرافة ــ وهو اسم بلدة كبيرة بأسواقها ومساجدها وليست منطقة للمقابر ــ وذلك في عهد الملك العادل سيف الدين شقيق صلاح الدين الأيوبي‏.‏

وإذا ما كان أحمد البدوي قد تفقه في المغرب علي مذهب الإمام مالك لسيادة المذهب المالكي في بلاد المغرب والأندلس فإنه لما قدم مع أسرته إلي مصر كان المذهب الشافعي هو السائد فيها فاستهواه ليتفقه علي المذهبين المالكي والشافعي‏,‏ وفي مكة مكث ينهل العلم ويختلط بالناس ويتقن الفروسية ليلقب باسم أبوالفتيان ولازم الصيام‏,‏ وداوم علي القيام‏,‏ واتخذ من جبل أبي قبيس خلوة له‏..‏ وقرر الرحيل إلي العراق عام‏634‏ هـ ليزور بغداد ثم أم عبيدة بلدة الرفاعي‏..‏ وأفاض الله عليه أنواره وأمر بالسير إلي مصر حيث وصلها عام‏637‏ هـ ليميل وجهه تجاه طنطا التي كانت تعرف وقتها باسم طندتا كما أتاه الهاتف في المنام سر إلي طندتا فإنك تقيم بها وتعطي وتربي رجالا وأي رجال وهم عبدالعال وعبدالرحمن وعبدالمجيد وعبدالمحسن وعبدالوهاب الجوهري وكلهم أصحاب رأس مال‏.‏

إلي طندتا دخل السيد البدوي في عهد الملك الكامل بن العادل ابن شقيق صلاح الدين الأيوبي وكانت تعرف قبل الفتح الإسلامي باسم طنثتا وكانت تابعة لـسبرباي‏,‏ وتحرف الاسم من طنثتا إلي طنبول ثم إلي طندتا التي عني بها الفاطميون ليتخذونها عاصمة لأحد أقاليم مصر عرف باسم الطندتاوية وكانت طندتا في عهد الإمام البدوي تتبع إداريا المحلة الكبري وزمامها‏2790‏ فدانا‏,‏ ثم عدل اسمها في عهد المماليك البحرية إلي طنت لتكون أحد أقاليم الدلتا الأحد عشر لتعرف أثناء الحملة الفرنسية باسم طنط تابعة لإقليم المنوفية‏,‏ وأخيرا جاءت طنطا عاصمة الغربية بأسرها عام‏1836‏ م‏,‏ وكان أول مدير لها هو عباس باشا حفيد محمد علي الكبير‏..‏ طنطا وطندتا وطنت التي قال عنها السيد البدوي‏:‏ أنا أحمد البدوي فارس مكة وساكن طنت‏..‏

نزل البدوي في طنطا بدار الشيخ ركين التاجر وأقام بسطحها ما يقرب من‏12‏ سنة نال فيها الشيخ خيرا عميما بفضل بركات ونفحات البدوي‏,‏ وقد اختار الإمام السطح لعدة اعتبارات منها رفع المشقة والحرج عن الداخل إلي المنزل والخارج منه‏,‏ والمحافظة علي الوقت بحيث لا يعطله متطفل دون مبرر‏,‏ ومراعاة أوقات الصلاة والدعاء‏,‏ وإطلاق عنان الفكر مع السماء الواسعة في الاستغراق والتأمل‏,‏ إلي جانب أن السطح رمز للقمة والسمو وللارتقاء في ذروة كماله واتصاله‏,‏ ومن هنا أطلق علي دعوته السطوحية‏..‏ ومن بعد وفاة الشيخ ركين انتقل السيد البدوي إلي دار ابن شحيط ــ شيخ الناحية ــ فأقام بها‏28‏ سنة حتي لقي ربه‏,‏ وهذه الدار تقع في داخل المسجد الأحمدي الحالي‏,‏

وكانت بالقرب من مسجد البوصة أقدم مساجد طنطا والذي عرف في القرن الثالث عشر الهجري باسم مسجد البهي‏,‏ الذي كان له شأن عظيم في تاريخ البدوي‏,‏ فقد سكن بالقرب منه وكان يتعبد فيه ويقيم صلواته‏,‏ وكان له إمامان يصليان به‏,‏ وإذا جن الليل يقرأ القرآن إلي الصباح‏..‏ وفي أكثر أوقاته كان شاخصا إلي السماء‏,‏ ويسألون خليفته عبدالعال الأنصاري‏:‏ كيف كان حال الشيخ علي السطح؟ وهل كان كثير الغياب كما يقولون؟ فيجيب المريد بأن حضوره أكثر من غيابه‏..‏ وكانت جامعة السطح منتجعا للعلم والمعرفة يؤمه العلماء والمجادلون من كل درب‏,‏ وكان قاضي القضاة بالديار المصرية يبعث بمندوبه ــ من كبار العلماء ــ ليسأل الإمام البدوي عما يندر الإلمام به من ضروب المعرفة‏,‏ فيستفيض في الجواب حتي يستغرق رده علي مسألة علمية في علوم التصوف ما بين الظهر والعصر‏..‏

ومن أبرز تلاميذ البدوي الذين تخرجوا في جامعة السطح الأحمدية علي مدي ثمانية قرون وتولوا الدعوة والهداية داخل مصر وخارجها الإمام عبدالوهاب الشعراني والإمام نورالدين الحلبي وأيضا الدكتور عبدالحليم محمود الذي جاء في كتابه السيد أحمد البدوي في ص‏46‏ عن علاقة البدوي بالقرآن‏:‏ بمجرد الاستقرار بمكة بدأت الدراسة المنتظمة‏,‏ فقد أجاد القرآن‏,‏ وأجاد فن التجويد‏,‏ وأتقن تعلم القراءات‏,‏ فكان يقرأ القرآن بالقراءات السبع‏..‏ ويشير الشيخ الأحمدي الظواهري في مذكراته بمناسبة زيارة الخديوي عباس حلمي الثاني لطنطا إلي أن البدوي قد بلغ من الأهلية العلمية مبلغا كبيرا‏,‏ فإنه قد عثر علي مؤلف في مذهب الإمام الشافعي منسوب إلي سيدي أحمد البدوي‏..‏

هذا وإن كان انشغال البدوي في الدعوة وتربية النفوس لم يتح له الوقت للكتب والتأليف فكان ممن يردد لسان حالهم كتبي صدور أصحابي مع أن التاريخ قد حفظ بعض مؤلفاته وضاع البعض الآخر منها لعوامل سياسية مثل فتح السلطان سليم الأول العثماني لمصر‏923‏ هـ ــ‏1517‏ م ونقله معه للأستانة كل ما عثر عليه من مؤلفات وتحف ونفائس من بينها مؤلفات البدوي‏..‏ نقلها سليم إلي متاحف الأستانة ومنها للمتاحف الأوروبية ومكتبات برلين وليبزج وباريس وجوتا وغيرها‏,‏ كما أشارت بذلك دائرة المعارف الإسلامية‏..‏ ومن مؤلفات البدوي الموجودة في مصر حزب الإمام البدوي‏,‏ ومجموعة من الأدعية والصلوات علي النبي التي صنفها عبدالرحمن بن مصطفي عيدروس في القرن الثاني عشر الهجري وسماها فتح الرحمن‏,‏ ووصايا من تعاليمه الصوفية إلي خليفته عبدالعال الأنصاري‏,‏ وكتاب الأخبار في حل ألفاظ غاية الاختصار في الفقه الشافعي‏,‏ هذا إلي جانب من الأشعار الصوفية في علم الحقائق والمناجاة والابتهالات أودعها الشاعر المعاصر المتسامي فاروق شوشة في مجموعته الشعرية أحلي عشرين قصيدة في الحب الإلهي‏..‏

وأبدا لم يكن البدوي منعزلا عن قضايا مجتمعه‏..‏ كان بين الحرب والمحراب فقد اشترك وأتباعه في حروب الصليبيين في المنصورة أمام لويس التاسع عشر فكان لهم النصر‏,‏ وفي ذلك ذكر الإمام الحلبي في سيرته ولم يكن في فرسان مكة والمدينة أشجع ولا أفرس منه حتي سمي محرش الحرب‏,‏ وفي أكثر من مرجع أن السيد أحمد البدوي كان أحد رجال الفتوة الصوفية في مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي‏,‏ وكان لها دورها البطولي في صد الحملة الصليبية السابقة‏,‏والاشتراك في اصطياد الصليبيين كأسري في طلعات فدائية‏,‏ وفي كتاب شذرات الذهب لابن العماد‏:‏ إنه بوصول السيد البدوي إلي مصر قادما من المغرب تلقاه الظاهر بيبرس بعسكره‏,‏ وأكرمه وعظمه‏,‏ وكان البدوي محل إعظام الملك قاهر التتار وموجها له‏..‏

ومن صفات البدوي أنه كان ضخما طويل القامة غليظ الساقين عظيم الوجه خفيف العارضين كث اللحية قمحي اللون أكحل العينين أقني الأنف طويل الذراعين بوجهه ثلاث حبات من أثر الجدري‏,‏ في خده الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتان‏,‏ وعلي أنفه شامتان في كل ناحية شامة سوداء‏,‏ وندبة بين عينيه من طعنة بموس إثر جرح تسبب فيه ولد أخيه الحسن بالأبطح حين كان بمكة‏,‏ يعلو وجهه الكبير مسحة من الهيبة والجلال‏,‏ ولصوته غير الجهير نبرات حادة حاسمة‏..‏ مرحا إذا شاء المرح‏.‏ جادا إذا شاء الجد‏.‏ ضنينا في أخباره حريصا في عباراته‏.‏ يستخدم اللغة العامية البحتة‏,‏ ومن عاداته محبة أن يسأله الناس وغضبه إذا تركوا سؤاله‏..‏ ويسألون لماذا لم يتزوج السيد البدوي فتأتي الإجابة لانصرافه إلي العبادة‏,‏ وقد يكون من عوامل إعراضه عن الزواج ما رواه المؤرخون من أن أخاه الحسن تزوج سنة‏617‏ وتزوج أخاه محمد سنة‏626‏ ولكون أحمد يليهما في السن‏,‏

فقد كان من المفترض أن يليهما في الزواج‏,‏ إلا أن والده توفي سنة‏627‏ وبعدها لحق به محمد عام‏631‏ فتفككت الأسرة ليعزف البدوي عن الزواج عندما عرضه عليه أخوه الحسن قائلا له أنا موعود بألا أتزوج إلا حور العين‏..‏ وتبرز في سيرة البدوي قصته مع فاطمة بنت بري التي وثقها المؤرخون وكان من أبرز المثبتين لها الإمام الشعراني والدكتور عبدالحليم محمود والشيخ نورالدين الحلبي‏,‏ ويختصر الشعراني القصة بقوله‏:‏ كانت بنت بري امرأة لها حال عظيم وجمال بديع وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد البدوي حالها وتابت علي يديه وتفرقت القبائل التي كانت قد اجتمعت حولها أعواما وكان شرط البدوي في العفو عنها ألا تعود للتعرض للرجال وأن تعيش برأس مالها‏..‏ وقد أشاد بهذه القصة المستشرق فولرز في صدر ترجمته عن الإمام البدوي إشادة رائعة حيث قال‏:‏ ثم إنه انتصر علي فاطمة بنت بري التي كانت تسلب الرجال أموالهم ورفض الزواج منها‏..‏

في حين وصف المؤرخان ليمتان وماينز في دائرة المعارف الإسلامية قصة فاطمة بأنها مغرقة في الخيال والعاطفة وأنها تعود إلي الأساطير المصرية القديمة‏..‏ هذا رغم ثبوت أن فاطمة من عشيرة بري إحدي العشائر البدوية التي كانت تقطن في شمال العراق قرب الموصل‏,‏ وكانت من بيت أحد شيوخ السيد البدوي في الطريق وهو الشيخ بري العراقي الذي أخذ الطريق عن الإمام أحمد الرفاعي مباشرة‏,‏ ومن هنا كان لابد من تأديبها كواجب علي أبي الفتيان لأنه لا يرتضي أن تظل مثل هذه الفتنة في بيت شيخه مطلقا‏!‏

ويسجل التاريخ أشعار فاطمة في حكايتها مع السيد البدوي والتي منها‏:‏
كتبت في دفتر التأويل قصتنا
لكونها فاقت الأخبار والسيرا

لما ركبت وجئناه لننظره
رنا إلي ولي قد طول النظرا

لما أتانا عرفناه بحليته
قلت اكرموه ولا تبدوا له ضررا

ونهضت قمت علي الأقدام قائمة
وقلت خذ مهجتي والسمع والبصرا

شلت الخمار عن وجهي لأفتنه
ثم السوالف قد أسدلت والشعرا

شال اللثامين عن وجهه وبينه
كأن عينيه جمر يقدح الشررا

ناديته باسمه جهرا وكنية
فلم يجبني ولم يبد لنا خبرا

وتأتي وصية السيد البدوي لخليفته عبدالعال‏:‏ يا ولدي أوصيك بتقوي الله في السر والعلانية‏,‏ وإياك والاستغراق في حب الدنيا واعلم يا عبدالله أن أحسنكم خلقا أكثركم إيمانا‏..‏

ولا‏..‏ يصلح الناس إلا إمام‏,‏ ولا يصلح الإمام إلا بالناس‏!‏


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 89 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط