الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
نكمل بإذن الله ما سبق
واعلم أنه قد فرق العارفون رضى الله عنهم ونفع بهم بين هواجس النفس وهى خواطرها الطالبة حظوظها وبين وساوس الشيطان مع أنهما مشتركان فى الشر , وقالوا : إن النفس إذا ألقت الخاطر لطلب شىء تقيم عليه – حتى تصل الى مرادها , ولا ترضى بدون الوصول الى ذلك الأمر المعين وإن الشيطان إذا دعاه الى زلة ولم يجب يوسوس بأخرى من غير إلحاح على الأولى ولا الأخرى , إذ لا غرض له فى تخصيص زلة دون أخرى حتى يلج فى زلة معينة , بل مراده الإغواء كيف أمكن , فإذا لم يمكن بواحدة وسوس بأخرى .
ويقاس على هذا الفرق بين خاطر الحق وخاطر الملك فإن الملك كان غرضه الإرشاد , فإذا لم يمكنه تحصيله أخذ يلهم بأخرى , وأما الحق فإنه فى إلقاء الخاطر لعلمه بصلاح العبد وعنايته يلح عليه , لا كإلحاح النفس , بل يعقب بخاطر آخر .
وتكلم العارفون رضى الله عنهم فى الخاطرين إذا كانا من الحق بأن كانا خاطرى خير , وكان عليها نورع إلحاح أيهما يتبع الأول أم الأخر ؟
فقيل : يتبع الأول . لأنه لما كان خاطر الحق فلابد أن يبقى الى حضور الثانى وبعد الثانى , فيكون محل التأمل فيحصل فيه العلم بأنه إلهى بخلاف الثانى فإنه قل التأمل فيه فلا ينم العلم به إذا شرط العلم التأمل .
وقيل : يتبع الثانى لأنه لما ورد عليه الخاطر الأول تنور به لكن لم يعمل به لما رأى فيه من الرخصة , وهو صاحب همة فى العزيمة فهو أقوى بنور الأول .
وقيل : هما سواء لأنهما من الحق , وكما يحتمل كون الثانى عزيمة يحتمل كونه رخصة عند رؤية ضعف العبد بالأول . فلا ترجيح بالأولية , ولا يحتاج الى التمييز بينهما بأن أيهما عزيمة فيمضى وأيهما رخصة فيترك لأن الخاطر قد يراد به الرفق فالرخصة فيه أولى من العزيمة , إذ ربما يعقب الرخصة وارد سرور أو بسط والعزيمة وارد حزن أو قبض أ هـ .
قال العارفون قدس الله اسرارهم : والواردات أعم من الخواطر , لأن الخواطر لكونها كلاماً نفسياً تختص أى تتعلق بذات صاحب الخواطر بنوع خطاب مما يتعلق به صاحب الخواطر أو بغيره أو مطالبة منه , والوارد كل ما ينزل من جهة الحق على القلب -خواطر أو غيرها – كوارد السرور عند مشاهدة الجمال , ووارد الحزن عند مشاهدة الجلال ووارد القبض عند توقع الحجاب , ووارد البسط عند توقع الكشف . وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
|