روي عن الأصمعي أنه قال: بينما أنا أسير في طريق اليمن، إذا أنا بغلام واقف قي الطريق، في أذنيه قرطان، في كل قرط جوهرة، يضيء وجهه من ضوء الجوهرة، وهو يمجد ربه بأبيات من الشعر وهي هذه:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
يا فاطر الخلق البديع وكافلا = رزق الجميع سحاب جودك هاطل
يا مسبغ البر الجزيل ومسبل ال = ستر الجميل عميم طولك طائل
يا عالم السر الخفي ومنجز ال = وعد الوفي قضاء حكمك عادل
عظمت صفاتك يا عظيم فجل أن = يحصيى الثناء عليك فيها قائل
الذنب أنت له بمنك غافر = ولتوبة العاصي بحلمك قابل
رب يربي العالمين ببره = ونواله أبداً إليهم واصل
تعصيه وهو يسوق نحوك دائماً = ما لا تكون لبعضه تستاهل
متفضل أبداً وأنت لجوده = بقبائح العصيان منك تقابل
وإذا دجا ليل الخطوب وأظلمت = سبل الخلاص وخاب فيها الآمل
وأيست من وجه النجاة فما لها = سبب ولا يدنو لها متناول
يأتيك من ألطافه الفرج الذي = لم تحتسبه وأنت عنه غافل
يا موجد الأشياء من ألقى إلى = أبواب غيرك فهو غر جاهل
ومن استراح بغير ذكرك أو رجا = أحداً سواك فذاك ظل زائل
رأي يلم إذا عرته ملمة = بسوى جنابك فهو رأي مائل
عمل أريد به سواك فإنه = عمل وإن زعم المرائي باطل
وإذا رضيت فكل شيء هين = وإذا حصلت فكل شيء حاصل
أنا عبد سوء آبق كل على = مولاه أوزار الكبائر حامل
قد أثقلت ظهري الذنوب وسودت = صحفي العيوب وستر عفوك شامل
ها قد أتيت وحسن ظني شافعي = ووسائلي ندم ودمع سائل
فاغفر لعبدك ما مضى وارزقه تو = فيقاً لما ترضى ففضلك كامل
وافعل به ما أنت أهل جميله = والظن كل الظن أنك فاعل
[/poet]
قال: فدنوت منه وسلمت عليه فقال: ما أنا براد عليك حتى تؤدي من حقي الذي يجب لي عليك! قلت: وما حقك؟ قال: أنا غلام على مذهب إبراهيم الخليل عليه السلام، لا أتغدى ولا أتعشى كل يوم، حتى أسير الميل والميلين في طلب الضيف. فأجبته إلى ذلك، فرحب بي، وسرت معه حتى قربنا من خيمته، فصاح: يا أختاه فأجابته جارية من الخيمة بالبكاء، فقال: قومي إلى ضيفنا فقالت الجارية: حتى أبدأ بشكر الله الذي ساق لنا هذا الضيف، ثم قامت فصلت ركعتين شكراً لله تعالى. قال: فأدخلني الشاب الخيمة، وأجلسني ثم أخذ الغلام الشفرة وعمد إلى عناق فذبحها، قال: فلما جلست في الخيمة، نظرت إلى الجارية، فإذا هي أحسن الناس وجهاً، فكنت أسارقها النظر، ففطنت لبعض لحظاتي إليها، فقالت لي: مه أما علمت أنه نقل عن صاحب طيبة عليه السلام، أنه قال: إن زنا العينين النظر، أما إني ما أردت بهذا أن أوبخك، ولكني أردت أن أؤدبك لكي لا تعود إلى مثل هذا. قال: فلما كان النوم بت أنا والغلام خارج الخيمة، وباتت الجارية عن داخلها، فكنت أسمع دوي القرآن إلى السحر، بأحسن صوت يكون وأرقه، ثم سمعت أبياتاً من الشعر بأعذب لفظ، وأشجى نغمة وهي هذه:
[poet font="Tahoma,5,green,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=350% align=center use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
أبى الحب أن يخفى وكم قد كتمته = فأصبح عندي قد أناح وطنبا
إذا اشتد شوقي هام قلبي بذكره = وإن رمت قرباً من حبيبي تقربا
[/poet]
ويبدو فأفنى ثم أحيا بذكره ... ويسعدني حتى ألذ وأطربا قال: فلا أصبحت قلت للغلام: صوت من كان ذلك؟ قال: تلك أختي، وهذا شأنها كل ليلة، فقلت: يا غلام كنت أنت أحق بهذا العمل من أختك، إذ أنت رجل وهي امرأة.
قال: فتبسم وقال: ويحك أما علمت أنه موفق ومخذول ومقرب ومبعد!
قال الأصمعي: فودعتهما وانصرفت.
من كتاب حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين الدميري
_________________
ما خاب بين الورى يوما ولا عثرت***في حالة السير بالبلوى مطيته من كان لله رب العرش ملتجأ***ومن تكن برسول الله نصرته
|