موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: تسبيح الكائنات
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء مايو 15, 2012 3:16 am 
غير متصل

اشترك في: الخميس مارس 29, 2012 9:53 pm
مشاركات: 46781
نطل اليوم على نافذة جديدة من نوافذ الإيمان ، يفتحها لنا بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله وهي النافذة التاسعة عشرة ، وقد بدأها بقول الله تعالى :

( تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَواتُ السَّبْعُ وَالارضُ وَمَنْ فيهِنَّ وَاِنْ مِنْ شَيءٍ اِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِه ) ويقف بنا بديع الزمان النورسي رحمه الله على جوانب من تسبيح الأشياء لله رب العالمين ولكنه تسبيح ليس بألسنة كألسنتنا ولا صوت كأصواتنا بل هي كلمات تتجلى لنا في جو السماء في الشموس والأقمار والنجوم كما تتجلى في الظواهر الطبيعية المتجددة في الرعد والبرق والمطر ، فهذه الآيات هي كلمات لله وهي ناطقة بحمدخ وتسبيحه يقول الأستاذ النورسي رحمه الله :" نعم، مثلما أودع الصانع الجليل حكماً لا تُعَدُّ، ومعاني ساميةً لا تحصى في الأجرام السماوية، فزيَّن تلك السماوات بكلمات الشموس والأقمار والنجوم لتعبّر عن جلاله وجماله سبحانه.. كذلك ركّب جلَّ وعلا في موجودات جو السماء حِكَماً عالية، وعلّق عليها معاني سامية، ومقاصد عظمى، وأنطق جو السماء بكلمات الرعود والبروق وقطرات الأمطار ليُعْلَمَ بها، ويُعَرّفَ عن طريقها كمال حكمته، وجمال رحمته. "

وكما تتجلى الآيات الناطقة بحمد الله وتسبيحه في جو السماء تتجلى على الأرض في آفاق النباتات والحيوانات ، ولكن إدراكها والاستماع إليها يحتاج إلى تفكر وتدبر ، وإنصات بالعقل الواعي والقلب الصافي النقي ، يقول النورسي : " ومثلما جعل سبحانه وتعالى كرة الأرض تتكلم بكلماتٍ ذات مغزى، وأنطَقَها بما بثَّ فيها من الحيوانات والنباتات التي هي كلمات بليغة، مبيّناً بذلك كمال صنعته للوجود.. كذلك جعل النباتات والأشجار نفسها تنطق بلسان أوراقها وأزهارها وثمارها، معلنةً كمال صنعته سبحانه، وجمال رحمته جلَّ جلاله.. وجعل الزهرة ايضاً، والثمرة كذلك وهي كلمة واحدة من تلك الكلمات.. جعلها البارئ المصور تتكلم بلسان بُذيراتها الدقيقة فأشار بها سبحانه إلى دقائق صنعته، وكمال ربوبيته، لمن يُحسن الرؤية من ذوي الاحساس والشعور.

فدونك إنْ شئتَ الاستماع إلى ما لا يحد من كلمات التسبيح والأذكار في الكون."

ويقرب إلينا النورسي تسبيح زهرة وسنبلة ليكشف لنا من خلال هذا التسبيح تجليات آيات الله في ما هو قريب منا ماثل بين أيدينا فيقول :

" وسنستمع الآن الى ذلك النمط من الكلام متمثلاً في كلام زهرة واحدة من بين أزهار العالم، وسنصغي الى أفادة سنبلة واحدة من بين سنابل الأرض، لنزداد يقيناً كيف أن هذا كله يشهد شهادة صادقة على مصداقية التوحيد.

نعم، إن كل نبات وكل شجر، دليل واضح على صانعه، وشاهد صدق على وحدانية خالقه بمختلف الألسنة، بحيث إن تلك الشهادة تجعل المدقق المتمعن فيها في حيرة وذهول، فيقول: يا سبحان الله.. ما أجمل شهادة هذا على أحقية التوحيد!

نعم، إنه واضح جلي كوضوح النبات نفسه، وجميل كذلك كجمال النبات نفسه، تلك التسبيحات التي يهمس بها كل نبات في إشراق تبسمه، عند تفتح زهره، ونضج ثمره، وتسنبل سنبله، لأنه بالثغر الباسم لكل زهرة، وباللسان الدقيق للسنبل المنتظم، وبكلمات البذور الموزونة، والحبوب المنسقة، يظهر (النظام) الذي يدل على (الحكمة)..

وهذا النظام كما هو مشاهد، في ثنايا (ميزان) دقيق حسّاس، يدل على (العِلم) ويبينه ويبرزه، وذلك (الميزان) هو ضمن (الصنعة الدقيقة) التي تدل على (المهارة الفائقة). وتلك الصنعة الدقيقة والنقوش البديعة هي الأخرى ضمن الزينة الرائعة التي تبين (اللطف والكرم). وتلك الزينة البهيجة هي بدورها معبّقة بالروائح الطيبة الفواحة، والعطور الزكية اللطيفة التي تظهر (الرحمة والإحسان).

فتلك الأوضاع والحالات، التي لها معانٍ عميقة متداخلة، ومكتنفة بعضها ببعض، لسان شهادة عظمى للتوحيد، بحيث تعرِّف الصانع ذا الجلال بأسمائه المقدسة الحسنى، وتصفه باوصافه الجليلة السامية، وتشرح وتفسر أنوار تجليات أسمائه الحسنى، وتعبّر عن تودّده وتحبّبه سبحانه وتعالى."

هذا الاستماع من خلال هذه النافذة يفتح لنا نوافذ للاستماع إلى الأزهار التي تملأ الوجود ، والسنابل التي تملأ الحقول ، بل وتفتح لنا النوافذ إلى تسبيحات كل شيء ، وشرط تحقق هذا شق حجاب الغفلة ، وفتح أدوات الحس لتسمع ما وراء الظاهر ، وتدرك آيات الله التي لا حصر لها وليدخل الإنسان في حلقة الذكر الكبيرة التي تعمر الكون كله .يقول الأستاذ النورسي :

" فلئن استمعتَ إلى شهادة كهذه من زهرة واحدة فقط، وتمكنت من الأصغاء إلى الشهادة العظمى الصادرة من جميع الأزهار في جميع البساتين الربانية على سطح الأرض، واستمعت إلى ذلك الإعلان المدوي الهائل الذي تعلنه تلك الازهار في وجوب وجوده سبحانه ووحدانيته، فهل تبقى لديك ثمة غفلة! أو أية شبهة؟ وإنْ بقيتْ لديك غفلة، فهل يمكن أن يطلق عليك بأنك إنسان ذو شعور سامٍ متجاوب مع مشاعر الكون وأحاسيسه؟!.

وينتقل بنا النورسي من تسبيح زهرة وسنبلة إلى تسبيح شجرة لتكون نموذجا لتسبيح الأشجار كلها : "

فتعالَ لنتأمل شجرة.. نحن أمام نشوء الأوراق ونموها في الربيع بانتظام ودقة متناهية، وأمام تفتح الأزهار وخروجها من اكمامها بشكل موزون، وأمام نمو الثمار بحكمة ورحمة..

فهلاَّ أمعنت النظر في منظر ملاعبة النسيم للأوراق برقة وبراءة كبراءة الطفولة النقية الرقيقة.

وشاهد من فم الشجرة، كيف تنطق هذه الألسن وتفصح عن حالها؛لسان الأوراق المخضرة بيد الكرم.. ولسان الأزهار المبتسمة بنشوة اللطف.. ولسان الثمار الفرحة بتجلي الرحمة.. كُلٌ منها يعبّر عن ذلك (الميزان) الدقيق العادل الذي هو ضمن (النظام) البديع المحكم، وفي هذا الميزان الدقيق الذي يدل على (العدل) نقوشُ صنعةٍ دقيقة بديعة، وزينة فائقة تضم مذاقات متنوعة، وروائح مختلفة طيبة لطيفة، تدل على الرحمة والاحسان، وفي تلك المذاقات اللطيفة بذور ونوى هي بحد ذاتها معجزة من معجزات القدرة الإلهية، ألا يدل ذلك بوضوح، ويظهر بجلاء وجوب وجود خالق كريم ورحيم، محسن، منعم، مُجمِّل، مُفضِّلٍ، واحد، أحد، ويشهد كذلك على جمال رحمته سبحانه وكمال ربوبيته؟"

ويتخذ الأستاذ النورسي من هذا التسبيح للشجرة نافذة إلى تسبيح الكون كله فيقول :

"فإن استطعت أن تسمع هذا من لسان حال جميع الأشجار على سطح الأرض معاً، فستفهم، بل سترى؛ كم من الجواهر الجميلة النفيسة الرائعة في خزينة الآية الكريمة: ( يُسَبِّحُ لله مَا فىِ السّمواتِ وَالاَرضِ) (الحشر:24)."

ويوجه الخطاب في نهاية هذه النافذة إلى الغارق في عالم المادة الغافل عن حقيقة الوجود ناصحا له كاشفا للغشاوة عن بصره وبصيرته فيقول :

" فيا أيها الغافل المسكين، ويا مَنْ يظن نفسَه هملاً دون حساب، ويا مَنْ يغرق في نكران الجميل والكفران!.

ان الكريم ذا الجمال يعرّف نفسه ويحبّبُها اليك بهذا الحشد من الألسنة التي لا تعد ولا تحصى، وإن أردت أن تصرف نفسك عن ذلك التعريف، فما عليك الاّ أن تكمم جميع هذه الأفواه، وتسكت تلك الألسنة كافة.

وأنّى لك هذا!!

فما دام إسكات تلك الألسنة الناطقة بالتوحيد غير ممكن، فما عليك إلاّ الإصغاء والإنصات اليها. وإلاّ فلن تنجو بمجرد سد الأذن بأصابع الغفلة، لأن عملك هذا لا يسكت الكون. فالكون جميعاً، والموجودات كافة ناطقة بالتوحيد. فدلائل التوحيد وأصداؤه شواهد عدل لا تنقطع ولا تنتهي أبداً. فلا بد أنها ستُدينك."

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المسبحين وأن يجعلنا من المدركين لتسبيح ما حولنا من الكائنات .

http://mamofj.maktoobblog.com/1612927/1612927/

_________________
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه
أستغفر الله العلى العظيم الذى لا اله الاّ هو الحى القيوم وأتوب اليه


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 19 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط