النيل الخالد كتب:
فتبين بهذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإقامة الجمعة بالمدينة ، ولم يقمها بمكة ، وهذا يدل على أنه كان قد فرضت عليه الجمعة بمكة .
وممن قال : إن الجمعة فرضت بمكة قبل الهجرة : أبو حامد الاسفراييني من الشافعية ، والقاضي أبو يعلى في (( خلافه الكبير )) من أصحابنا ، وابن عقيل في (( عمد الأدلة )) ، وكذلك ذكره طائفة من المالكية ، منهم: السهيلي وغيره .
وأما كونه لم يفعله بمكة ، فيحمل أنه إنما أمر بها أن يقيمها في دار الهجرة ، لا في دار الحرب ، وكانت مكة إذ ذاك دار حربٍ ، ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم ، وكانوا خائفين على أنفسهم ، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة ، والجمعة تسقط بأعذارٍ كثيرةٍ منها الخوف على النفس والمال .
وقد روي عن ابن سيرين ، أن تجميع الأنصار بالمدينة إنما كان عن رأيهم ، من غير أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية ، وأن ذلك كان قبل فرض الجمعة .
قال عبد الله ابن الإمام أحمد في (( مسائله )) : ثنا أبي : ثنا إسماعيل - هو: ابن علية - : ثنا أيوب ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم المدينة قالوا : لو نظرنا يوماً فاجتمعنا فيه، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله علينا به ، فقالوا : يوم السبت ، ثم قالوا : لا نجامع اليهود في يومهم ، قالوا : يوم الأحد ، قالوا : لا نجامع النصارى في يومهم .
قالوا : فيوم العروبة : قال : وكانوا يسمون يوم الجمعة : يوم العروبة ، فاجتمعوا في بيت أبي أمامة أسعد بن زرارة ، فذبحت لهم شاةٌ ، فكفتهم .
وروى عبد الرزاق في (( كتابه )) عم معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين، قال : جمع أهل المدينة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن تنزل الجمعة ، وهم الذين سموها الجمعة ، فقالت الأنصار : لليهود يومٌ يجتمعون فيه كل ستة أيامٍ ، وللنصارى - أيضاً - مثل ذلك ، فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه ، ونذكر الله عز وجل ، ونصلي ونشكره - أو كما فقالوا - ، فقالوا : يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى ، فاجعلوا يوم العروبة ، وكانوا يسمون يوم الجمعة : يوم العروبة ، فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة ، فصلى بهم وذكرهم ، فسموه : يوم الجمعة حين اجتمعوا اليه ، فذبح أسعد بن زراره لهم شاة ، فتغدوا وتعشوا من شاة واحدة ليلتهم ، فأنزل الله بعد ذلك : ( إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ) [ الجمعة : 9 ] .
فوقع في كلام الإمام أحمد : أن هذه هي الجمعة التي جمعها مصعب بن عميرٍ، وهي التي ذكرها كعب بن مالكٍ في حديثه ، أنهم كانوا أربعين رجلاً .
وفي هذا نظرٌ .
ويحتمل أن يكون هذا الاجتماع من الأنصار كان باجتهادهم قبل قدوم مصعبٍ إليهم ، ثم لما قدم مصعب عليهم جمع بهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام حينئذ قد ظهر وفشا ، وكان يمكن إقامة شعار الإسلام في المدينة ، وأما اجتماع الأنصار قبل ذلك ، فكان في بيت أسعد بن زرارة قبل ظهور الإسلام بالمدينة وفشوه ، وكان باجتهاد منهم ، لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم . والله سبحانه وتعالى أعلم .
المعذزة يا مولانا احضرت الأجابة من النت سريعا
وفى المصدر أن سعد بن زرارة هو اول جمع الناس للجمعة كما أشرت فضيلتك