موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 94 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 09, 2015 2:21 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

سورة الشعراء (26) : الآيات78 الى 82

الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82)


وصف الربّ تعالى بقوله: الَّذِي خَلَقَنِي بالتكوين في القرار المكين، فَهُوَ يَهْدِينِ وحده إلى كل ما يُهمني ويُصلحني من أمور الدين والدنيا، هداية متصلة بحين الخلق ونفخ الروح، متجددة على الاستمرار، كما ينبئ عنه صيغة المضارع. وعبَّر بالاستقبال، مع سبق الهداية في الأزل لأن المراد ما ينشأ عنها، وهو الاهتداء لما هو الأهم والأفضل والأتم الأكمل، أو: والذي خلقني لأسباب خدمته فهو يهدين إلى آداب خُلَّتِهِ. ولما كان الخلق لا يمكن أن يدعيه أحد لم يؤكد فيه بهو، بخلاف الهداية والإطعام والسقي، فإنه يكون على سبيل المجاز من المخلوقين، ولذلك أكده بهو ليخصه به تعالى.
وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي لا غيره، أضاف الإطعام إلى مُولي الإنعام لأن الركون إلى الأسباب عادة الأنعام.
وَهو أيضاً الذي يَسْقِينِ أي: يرويني بمائه. وتكرير الموصول في المواضع الثلاثة للإيذان بأن كل واحدة من تلك الصلات نعت جليل له تعالى، مستقل في استيجاب الحكم. وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ: عطف على يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، ونظم معهما في سلك الصلة بموصول واحد لأن الصحة والمرض من متبوعات الأكل والشرب في العادة، غالباً.
وقال في الحاشية: ثم ذكر بعد نعمة الخلق والهداية ما تدوم به الحياة وتستمر، وهو الغذاء والشراب، ولمَّا كان ذلك مبنياُ على غلبة إحدى الكيفيات على الآخر، بزيادة الغذاء أو نقصانه، فيحدث بعد ذلك مرض، ذكر نعمته بإزالة ما حدث من السقم. هـ. ونسبة المرض إلى نفسه والشفاء إلى الله تعالى، مع أنهما منه تعالى لمراعاة حسن الأدب، كما قال الخضر عليه السلام: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها «1» ، فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما «2» .
وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ، ولم يقل: وإذا مت لأن الإماتة والإحياء من خصائصه تعالى. وأيضاً: الموت والإحياء من كمال الكمال لأنه الخروج من سجن الدنيا إلى السرور والهناء، أو: الخروج من دار البلاء والفناء إلى دار الهناء والبقاء. وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي أي: في مغفرته لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ، ذكره عليه السلام هضماً لنفسه، وتعليماً للأمة أن يجتنبوا المعاصي، ويكونوا على حذر منها، وطلب مغفرته لما يفرط منهم. وقال أبو عثمان: أخرج سؤاله على حد الأدب، لم يحكم على ربه بالمغفرة، ولكنه طَمِعَ طَمَعَ العبيد في مواليهم، وإن لم يكونوا يستحقون عليهم شيئاً إذ العبد لا يستحق على مولاه شيئاً، وما يأتيه يأتيه من فضل مولاه. هـ.
---الإشارة: ينبغي لك أيها العبد أن تكون إبراهيمياً حنيفياً، فتنبذ جميعَ الأرباب، وتعادي كل من يشغلك عن محبة الحبيب، من العشائر والأصحاب، وتقول لمن عكف على متابعة هواه، ولزم الحرص على جمع دنياه، هو ومن تقدمه: أفرأيتم ما كنتم تعبدون، أنتم وآباؤكم الأقدمون، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين، الذي خلقني لعبوديته، فهو يهدين إلى معرفته، والذي هو يطعمني طعم الإيمان واليقين والإحسان، ويسقيني من شراب خمرة العيان،
--- وإذا مرضتُ بالذنوب فهو يشفين بالتوبة، أو: وإذا مرضت بشيء من العيوب فهو يشفين بالتطهير منها. أو:
إذا مرضت برؤية السِّوى، فهو يشفين بالغيبة عنه، والذي أطمع أن يطهرني من البقايا، ويجعلني من المقربين يوم الدين. وقال ذو النون رضي الله عنه: يطعمني طعام المعرفة، ويسقيني شراب المحبة، ثم قال:

---شَرَابُ المَحَبَّةِ خَيْرُ الشَّرابْ ... وكُلُّ شرابٍ سواه سَرَابْ
وقال الشيخ أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه: إن لله شراباً، يقال له: شراب المحبة، ادخره لأفاضل عباده، فإذا شربوا سكروا، وإذا سكروا طاشوا، وإذا طاشوا طاروا، وإذا طاروا وصلوا، وإذا وصلوا اتصلوا، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر. هـ. قلت: شراب المحبة هو خمرة الفناء والغيبة فى الله، بدليل قول ---ابن الفارض رضي الله عنه:
فلم تَهْوَني ما لم تكن فيَّ فانياً ... ولم تَفْنَ ما لم تجْتَل فيكَ صورتي.
وقال الجنيد رضي الله عنه: يُحشر الناس يوم القيامةِ عراة، إلا من لبس ثياب التقوى، وجياعاً إلا من أكل طعام المعرفة، وعطاشاً إلا من شرب شراب المحبة. هـ. وقد يستغني صاحب طعام المعرفة وشراب المحبة عن الطعام والشراب الحسيين،

---كما قال صلى الله عليه وسلم، حين كان يواصل: «إني أبَيتُ عند ربي يُطعمني ويسقين» «3» .
---قال أبو بكر الوراق في قوله تعالى: الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ أي: يُطعمني بلا طعام، ويسقيني بلا شراب. قال
----: ويدل عليه حديث السَّقَّاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ ثلاثة أيام: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها، فرمى بِقِرْبَتِهِ، فأتاه آتٍ في منامه بقدح من شراب الجنة، فسقاه، قال أنس:
فعاش بعد ذلك نيفا وعشرين سنة، لم يأكل ولم يشرب على شهوة. هـ.


---وكان عبد الرحمن بن أبي نعيم لا يأكل في الشهر إلا مرة، فأدخله الحجاج بيتاً، وأغلق عليه بابه، ثم فتحه بعد خمسة عشر يوماً، ولم يشك أنه مات، فوجده قائماً يُصلي، فقال: يا فاسق، تصلي بغير وضوء؟ فقال: إنما يحتاج الوضوء من يأكل ويشرب، وأنا على الطهارة التي أدخلتني عليها. هـ. ومكث سفيان الثوري بمكة دهراً، وكان يَسفُّ من السبت إلى السبت كفاً من الرمل. هـ. وهذا من باب الكرامة، فلا يجب طردها، وقد تكون بالرياضة، وطريق المعرفة لا تتوقف على هذا. والله تعالى أعلم.

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 09, 2015 3:05 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 15, 2013 5:39 pm
مشاركات: 7973
الله الله الله احلي طعام وأحلي شراب المحبة
اللهم أطعمتنا وأسقينا منها جميعا يارب

_________________
وابيض يستسقى الغمامُ بوجههِ...ُثمال اليتامى ِعصم الأراملِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 10, 2015 3:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
[size=200][b]
سكينة كتب:
[b]الله الله الله احلي طعام وأحلي شراب المحبة
اللهم أطعمتنا وأسقينا منها جميعا يارب


اللهم آمين اللهم آمين لا حرمنى الله منك أختى الكريمة سكينة وجمعنا مع من نحب فى الله وسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه و على آله و سلم تسليما كثيرا شرفنى مرورك الجميلصورة

صورة




البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة النمل (27) : الآيات 1 الى 5]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (1) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ( 5)



يقول الحق جلّ جلاله:--- طس أي: يا طاهر يا سيد. قال ابن عباس: «هو اسم من أسماء الله تعالى» ، أقسم به أن هذه السورة آياتها القرآن وكتاب مبين. قلت: ولعلها مختصرة من اسمه «اللطيف والسميع» .
--- وقيل: إشارة إلى طهارة سر حبيبه. تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ، الإشارة إلى نفس السورة، وما في معنى الإشارة من معنى البُعد، مع قرب العهد بالمشار إليه، للإيذان ببُعد منزلته في الفضل والشرف، أي: تلك السورة الكريمة التي نتلوها عليك هي آيات القرآن، المعروف بعلو الشأن. وَآيات كِتابٍ عظيم الشأن مُبِينٍ مظهر بما في تضاعيفه من الحِكَم، والأحكام، وأحوال الآخرة، أو: مبين: مُفرق بين الرشد والغي، والحلال والحرام

وما قيل من أن الكتاب هو اللوح المحفوظ، وإبانته أنه خُطَّ فيه ما هو كائن، لا يساعده إضافة الآيات إليه.
والوصف بالهداية والبشارة في قوله: هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أي: حال كون تلك الآيات هادية ومبشرة للمؤمنين، أي: هي هدى وبشرى للمؤمنين خاصة إذ لا هداية لغيرهم بها.
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يُديمون على إقامة فرائضها وسننها، ويحافظون على خشوعها وإتقانها، وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي: يؤدون زكاة أموالهم، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ حق الإيقان. إما من جملة الموصول، وإما استئناف، كأنه قيل: هؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة حق الإيقان، لا من عداهم لأن من تحمل مشاق العبادات، إنما يكون لخوف العقاب، ورجاء الثواب، أولاً، ثم عبودية آخراً، لمن كمل إخلاصه.
ثم ذكر ضدهم، فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي: لا يُصدّقون بها، وبما فيها من الثواب والعقاب، زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ الخبيثة، حيث جعلناها مشتهية للطبع، محبوبة للنفس، حتى رأوها حسنة، كقوله: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ، فَهُمْ يَعْمَهُونَ يترددون في ضلالتهم. كما يكون حال الضال عن الطريق.
أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ في الدنيا بالقتل والأسر يوم بدر، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أشدّ الناس خسراناً لأنهم لو آمنوا لكانوا من أكرم الناس، شهداء على جميع الأمم يوم القيامة، فخسروا ذلك مع خسران ثواب الله والنظر إليه. عائذاً بالله من جميع ذلك.
---الإشارة: طس: طهر سرك أيها الإنسان، لتكون من أهل العيان، طهر سرك من الأغيار لتشاهد سر الأسرار، وحينئذٍ تذوق أسرار القرآن والكتاب المبين، وتصير هداية وبشارة للمؤمنين. فإنَّ من قرأ القرآن وعمل به فقد أدرج النبوة بين كتفيه، كما في الخبر. ثم ذكر من امتلأ قلبه بالأكدار فقال: إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ.. إلخ، قال القشيري: أغشيناهم فهم لا يُبصِرون، وعَمَّيْنَا عليهم المسالك، فهم عن الطريقة المُثْلَى يَصدون. أولئك الذين في ضلالتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون. أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ هو أن يجد الألم ولا يجد شهود المُبْتَلِي ، ولو وجدوه تحمل عنهم ثِقَله، بخلاف المؤمنين. هـ.

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد



[سورة القصص (28) : الآيات 68 الى 70]
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70)


يقول الحق جلّ جلاله: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ، لا موجب عليه، ولا مانع له، وفيه دلالة على خلق الأفعال. وَيَخْتارُ ما يشاء، لا اختيار لأحد مع اختياره. قال البيضاوي: وظاهره: نفي الاختيار عنهم رأساً،
---الإشارة: في الآية تحضيض على ترك التدبير والاختيار، مع تدبير الواحد القهار، وهو أصل كبير عند أهل التصوف، أفرد بالتأليف، وفي الحِكَم: «أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك لا تقم به أنت عن نفسك» .
وقال سهل رضي الله عنه: ذروا التدبير والاختيار، فإنهما يكدران على الناس عيشهم.

--- وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلى رضي الله عنه: ذروا التدبير، وإن كان ولا بد من التدبير، فدبروا ألا تدبروا. هـ.
والتدبير المذموم: هو ما فيه للنفس حظ، كتدبير أسباب الدنيا، وما تحصل بها من شهواتها، إذا صحبه عزم أو تكرير، وأمَّا ما كان فيما يقرب إلى الله تعالى فهو النية الصالحة، أو لم يصحبه تصميم بأن كان عَزْمه محلولا،


قال تعالى: ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ. هـ.
--- وقال آخر في هذا المعنى:
العبدُ ذو ضَجَرٍ، والربُّ ذو قُدَرٍ ... والدهرُ ذو دُوَلٍ، والرزقُ مقسومُ
والخيرُ أجمعُ: فيما اختار خالقنا ... وفي اختيارِ سواه: اللومُ والشُّومُ.
فإذا علمت، أيها العبدُ، أن الحق تعالى هو الذي يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ، لم يبق لك مع الله اختيار، فالحالة التي أقامك فيها هي التي تليق بك، ولذلك قيل: العارف لا يعارض ما حلّ به، فقراً كان أو غنى
قال اللجائي فى كتاب قطب العارفين

--- الراضي شبه ميت، لا نفس له، يختار لها، فالفقر والغنى حكمان من حكيم واحد، وهو أعلم سبحانه بعبيده، وما يصلحون به، فمنهم من يصلح للفقر ولا يصلح للغنى، ومنهم من يصلح للغنى ولا يصلح للفقر، ومنهم من يصلح بالمنع ولا يصلح بالعطاء، ومنهم من يصلح بالعطاء ولا يصلح بالمنع، ومنهم من يصلح بالبلاء ولا يصلح بالصحة، ومنهم من يصلح بالصحة ولا يصلح بالبلاء، ومنهم من يصلح بالوجهين جميعا، وهى أعلى رُتبة يشار إليها في غاية هذا الشأن، وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ.. الآية، ففي هذه الآية كفاية وتعزية لكل سالك راض عن الله تعالى، لكن لا يعقْلُها ولا يتلذذ بها إلا مشايخ العارفين. هـ. وبالله التوفيق.




_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 11, 2015 5:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة العنكبوت (29) : الآيات 1 الى 3
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3)



يقول الحق جلّ جلاله: الم الألف: لوحدة أسرار الجبروت، واللام: لفيضان أنوار الملكوت، والميم: لاتصال المادة بعالم الملك. فكأنه تعالى أقسم بوحدة جبروته وأنوار ملكوته واتصال مادته بملكه وخليقته، أنه لا يدع دعوة مدع إلا ويختبره ليظهر صدقه أو كذبه، وهذا معنى قوله: أَحَسِبَ النَّاسُ أي: أظن الناس أَنْ يُتْرَكُوا غير- مفتونين ومختَبَرِين، أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أظنوا أن يَدَّعوا الإيمان ولا يُختبرون عليه ليظهر الصادق من الكاذب، بل يمتحنهم الله بمشاق التكليف من مفارقة الأوطان، ومجاهدة الأعداء، ورفض الشهوات، ووظائف الطاعات، وبالفقر، والقحط، وأنواع المصائب في الأموال والأنفس، وإذاية الخلق ليتميز المخلص من المنافق، والثابت في الدين من المضطرب فيه، ولينالوا بالصبر على ذلك عوالي الدرجات، فإن مجرد الإيمان، وإن كان عن خلوص قلب، لا يقتضي غير الخلاصينال العبدَ من المكاره يسمو به إلى أعلى الدرجات وأعظم المقامات، مع ما في ذلك من تصفية النفس وتهذيبها، لتتهيأ لإشراق أنوار مقام الإحسان.
رُوي أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد جزعوا من أذى المشركين، وضاقت صدورهم من ذلك، وربما استنكر بعضهم أن يُمكِّن اللهُ الكفرةَ من المؤمنين. فنزلت مُسلِّية ومعِلْمة أن هذه هي سيرة الله في عباده اختباراً لهم.
قال تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بأنواع المحن فمنهم من كان يُوضع المنشار على رأسه، فَيُفْرَقُ فرقتين، وما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من كان يمشط بأمشاط الحديد، ومنهم من كان يُطرح في النار، وما يصده ذلك عن دينه. فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ بذلك الامتحان الَّذِينَ صَدَقُوا في الإيمان بالثبات، وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ بالرجوع عنه.
ومعنى علمه تعالى به، أي: علم ظهور وتمييز. والمعنى: ولَيُمَيِّزَنَّ الصادق منهم من الكاذب، في الدنيا والآخرة
---. قال ابن عطاء: يَتَبَيَّن صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء، وصبر في أيام البلاء، فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الدنيا، وجزع في أيام البلاء، فهو من الكاذبين. هـ.
---الإشارة: سُنَّة الله تعالى في أوليائه: أن يمتحنهم في البدايات، فإذا تمكنوا من معرفة الله، وكمل تهذيبهم، أعزهم ونصرهم، وأظهرهم لعباده. ومنهم من يتركهم تحت أستار الخمول، حتى يلقوه على ذلك وهم عرائس الملكوت، ضنَّ بهم أن يظهرهم لخلقه. والامتحان يكون على قدر المقام، وفي الحديث: «أشدُّ الناس بلاء: الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثلُ، يُبْتَلَى الرجلُ على قدر ديِنهِ، فإن كان في دينه صُلْباً، اشتد بلاؤُهُ، وإن كان في دينِه رقَّةٌ، ابتلى على قَدرِ دينِه، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يَتْرُكَهُ يَمْشِي على الأرْضِ وما عليه مِنْ خَطِيئة» » .
وقال صلى الله عليه وسلم: «أشدُّ الناسِِ بلاءً في الدنيا: نبي أو صفي» . وقال صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء: الأنبياء، ثم الصالحون. لقد كان أحدهم يُبْتَلى بالفقر، حتى ما يَجَدَ إلا العباءَةَ يُحَوِّيهَا فيلبسها، ويُبْتَلى بالقَمَلِ حتى يَقْتُلَهُ، ولأَحَدُهُمْ كان أشدَّ فرحاً بالبلاء من أحَدِكُم بالعطاء» «» . من الجامع. والله تعالى أعلم. من الخلود فى العذاب، وما


_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 12, 2015 5:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة الروم (30) : الآيات 17 الى 19]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ) 19)


قول الحق جلّ جلاله: فَسُبْحانَ اللَّهِ أي: فسبّحوا الله ونزّهوه تنزيهاً يليق به في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتجدد فيها نعَمه، وهي حِينَ تُمْسُونَ تدخلون فى السماء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ تدخلون في الصباح. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وله، على المميّزين كلّهم، من أهل السموات والأرض، أن يحمدوه، وَعَشِيًّا أي: وسبحوه عشياً آخر النهار، وَحِينَ تُظْهِرُونَ تدخلون في وقت الظهيرة.
قال البيضاوي: وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار العظمة والقدرة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي- الذي هو آخر النهار، من عشى العين إذا نقص نورها- والظهيرة- التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيها أكثر. ويجوز أن يكون عَشِيًّا معطوفا على حِينَ تُمْسُونَ، وقوله: وَلَهُ الْحَمْدُ.. إلخ- اعتراضاً.
----وعن ابن عباس: الآيةُ جامعة للصلوات الخمس، (تُمسون) : صلاتا المغرب والعشاء، (تصبحون) : صلاة الفجر، (وعشياً) : صلاة العصر، (وتُظهرون) : صلاة الظهر » . ولذلك قال الحسن أنها مَدَنِيَّةٌلأنه كان يقول
كان الواجب عليه بمكة ركعتين، في أي وقت اتفقت، وإنما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنها فرضت بمكة. هـ.
ثم ذكر وجه استحقاقه للحمد والتنزيه بقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، الطائر من البيضة، والإنسان من النطفة، أو: المؤمن من الكافر، والعالم من الجاهل. وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، البيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، أو: الكافر من المؤمن، والجاهل من العالم. وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها بيبسها، وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ، والمعنى: أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة مَن هو قادر على إخراج الحي من الميت، وعكسه.
---رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى الثلاث آيات، وآخر سورة الصافات: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ.. إلخ.. دُبُرَ كُلّ صلاة، كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، وتراب الأرض. فإذا مات أجرى له بكل لفظ عشر حسنات في قبره» نقله الثعلبي والنسفي.
-----وعنه- عليه الصلاة والسلام: «مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى قوله:
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته في يوْمِهِ، ومن قاله حين يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ». رواه ابو داود.
وقال الضحاك: من قال: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلخ كان له كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل. هـ
.
---زاد كعب: ولم يفته خَيْرٌ كان في يومه، ولا يدركه شر كان فيه. وإن قالها فى المساء فكذلك. وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يقرأها ست مرات في كل يوم وليلة. هـ.
الإشارة: أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي فلأنه وقت غفلة الناس فى جمع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة فلأن جهنم تشتعل فيه كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت لما غمره من النِعَم الظاهرة والباطنة.
--قال القشيري: فمن كان صباحُه بالله بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله بورك له في ليلته، وأنشدوا:
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه ... صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيب
شتَّان بين عبد: صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ: صباحه مُفتتح بمشاهدته، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته. قلت: الأول من عامة الأبرار، والثاني من خاصة العارفين الكبار، وبقي مقام الغافلين، وهو:
من كان صباحه مفتتح بهم نفسه، ومساؤه مختتم برؤية حسه، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية، كما تقدم- ثم قال: وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات، فيقف على بساط المناجاة، ويستدرك مافاته بين الصلاتين من صوارف الزلات. هـ.

وقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على مامتم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يوليو 12, 2015 5:14 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة الروم (30) : الآيات 17 الى 19]
فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ) 19)


قول الحق جلّ جلاله: فَسُبْحانَ اللَّهِ أي: فسبّحوا الله ونزّهوه تنزيهاً يليق به في هذه الأوقات التي تظهر فيها قدرته، وتجدد فيها نعَمه، وهي حِينَ تُمْسُونَ تدخلون فى السماء، وَحِينَ تُصْبِحُونَ تدخلون في الصباح. وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: وله، على المميّزين كلّهم، من أهل السموات والأرض، أن يحمدوه، وَعَشِيًّا أي: وسبحوه عشياً آخر النهار، وَحِينَ تُظْهِرُونَ تدخلون في وقت الظهيرة.
قال البيضاوي: وتخصيص التسبيح بالمساء والصباح لأن آثار العظمة والقدرة فيهما أظهر، وتخصيص الحمد بالعشي- الذي هو آخر النهار، من عشى العين إذا نقص نورها- والظهيرة- التي هي وسطه لأن تجدد النعم فيها أكثر. ويجوز أن يكون عَشِيًّا معطوفا على حِينَ تُمْسُونَ، وقوله: وَلَهُ الْحَمْدُ.. إلخ- اعتراضاً.
----وعن ابن عباس: الآيةُ جامعة للصلوات الخمس، (تُمسون) : صلاتا المغرب والعشاء، (تصبحون) : صلاة الفجر، (وعشياً) : صلاة العصر، (وتُظهرون) : صلاة الظهر » . ولذلك قال الحسن أنها مَدَنِيَّةٌلأنه كان يقول
كان الواجب عليه بمكة ركعتين، في أي وقت اتفقت، وإنما فرضت الخمس بالمدينة. والأكثر على أنها فرضت بمكة. هـ.
ثم ذكر وجه استحقاقه للحمد والتنزيه بقوله: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، الطائر من البيضة، والإنسان من النطفة، أو: المؤمن من الكافر، والعالم من الجاهل. وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ، البيضة من الطائر، والنطفة من الإنسان، أو: الكافر من المؤمن، والجاهل من العالم. وَيُحْيِ الْأَرْضَ بالنبات بَعْدَ مَوْتِها بيبسها، وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ، والمعنى: أن الإبداء والإعادة متساويان في قدرة مَن هو قادر على إخراج الحي من الميت، وعكسه.
---رُوِي عن ابن عباس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى الثلاث آيات، وآخر سورة الصافات: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ.. إلخ.. دُبُرَ كُلّ صلاة، كتب له من الحسنات عدد نجوم السماء، وقطر الأمطار، وورق الأشجار، وتراب الأرض. فإذا مات أجرى له بكل لفظ عشر حسنات في قبره» نقله الثعلبي والنسفي.
-----وعنه- عليه الصلاة والسلام: «مَن قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلى قوله:
وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ أدرك ما فاته في يوْمِهِ، ومن قاله حين يُمْسِي أَدْرَكَ مَا فَاتَهُ فِي لَيْلَتِهِ». رواه ابو داود.
وقال الضحاك: من قال: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ.. إلخ كان له كعدل مائتي رقبة من ولد إسماعيل. هـ
.
---زاد كعب: ولم يفته خَيْرٌ كان في يومه، ولا يدركه شر كان فيه. وإن قالها فى المساء فكذلك. وكان إبراهيم الخليل عليه السلام يقرأها ست مرات في كل يوم وليلة. هـ.
الإشارة: أما وجه الأمر بالتنزيه حين المساء والصباح فلأنَّ المجوس كانوا يسجدون للشمس في هذين الوقتين تسليماً وتوديعاً، فأمر الحق تعالى المؤمنين أن ينزهوه عمن يستحق العبادة معه، وأما العشي فلأنه وقت غفلة الناس فى جمع حوائجهم، وأما وقت الظهيرة فلأن جهنم تشتعل فيه كما في الحديث، وأمر بحمده والثناء عليه في كل وقت لما غمره من النِعَم الظاهرة والباطنة.
--قال القشيري: فمن كان صباحُه بالله بُوركَ له في يومه، ومن كان مساؤه بالله بورك له في ليلته، وأنشدوا:
وإنَّ صَبَاحاً نلتقي في مسائه ... صَبَاحٌ على قلب الغريب حبيب
شتَّان بين عبد: صباحُه مُفْتَتَحٌ بعبادته، ومساؤه مُخْتَتَمٌ بطاعته، وبين عبدٍ: صباحه مُفتتح بمشاهدته، ورواحه مختتم بعزيز رؤيته. قلت: الأول من عامة الأبرار، والثاني من خاصة العارفين الكبار، وبقي مقام الغافلين، وهو:
من كان صباحه مفتتح بهم نفسه، ومساؤه مختتم برؤية حسه، ثم ذكر احتمال الصلوات الخمس في الآية، كما تقدم- ثم قال: وأراد الحق من أوليائه أن يجددوا العبودية في اليوم والليلة خمس مرات، فيقف على بساط المناجاة، ويستدرك مافاته بين الصلاتين من صوارف الزلات. هـ.

وقوله تعالى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يُخرج الذاكر من الغافل، والغافل من الذاكر، والعارف من الجاهل، والجاهل من العارف، ويُحيي أرض النفوس باليقظة والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، وكذلك تُخرجون من قبوركم على مامتم عليه، من معرفة أو جهل، من يقظة أو غفلة، يموت المرء على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه. والله تعالى أعلم.



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يوليو 13, 2015 4:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة الأحزاب (33) : آية 35]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35)


يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ أي: الداخلين في الإسلام، المنقادين لأحكام الله قولاً وفعلاً، فالمسلم: هو الداخل في السلم بعد الحرب، المنقاد الذي لا يُعاند، أو: المفوِّض أمره إلى الله، المتوكل عليه، مِن: أسلم وجهه إلى الله، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ المصدِّقين بالله ورسوله، وبما يجب أن يصدّق به، وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ المداومين على الطاعة، وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ في النيات، والأقوال، والأفعال، وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ على الطاعات وترك السيئات، وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ المتواضعين لله بالقلوب والجوارح، أو: الخائفين، وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ فرضاً ونفلاً، وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ فرضاً ونفلاً. وقيل: مَن تصدّق في أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين، ومَن صام البيض من كل شهر، فهو من
الصائمين، وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ عما لا يحلّ، وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ بقلوبهم وألسنتهم، بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، وتلاوة القرآن، وغير ذلك من الأذكار، والاشتغال بالعلم لله، ومطالعة الكتب من الذكر. وحذف «كثيراً» في حق الذاكرات لدلالة ما تقدم عليه.
وقال عطاء: من فوض أمره إلى الله فهو داخل في قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ، ومَن أقرّ بأن الله ربه، وأن محمداً رسوله، ولم يخالف قلبُه لسانَه، فهو من المؤمنين والمؤمنات، ومَن أطاع الله في الفرض، والرسول في السُنَّة، فهو داخل في قوله: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ، ومَن صلّى فلم يعرف مَنْ عن يمينه وعن شماله، فهو داخل في قوله: وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ، ومَن صبر على الطاعة وعن المعصية، وعلى الذرية، فهو من الصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ، ومَن تصدّق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين والمتصدقات، ومَن صام في كل شهر أيام البيض، الثالث عشر وما بعده، فهو من الصائمين والصائمات، ومَن حفظ فرجه عما لا يحل فهو من الحافظين فروجهم والحافظات، ومَن صلّى الصلوات الخمس بحقوقها فهو من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات «1» .
---قال ابن عباس: (جاء إسرافيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عدد ما علم، وزنة ما علم، وملءَ ما علم. مَن قالهن كُتبت له ست خصال كتب من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وكان أفضل ممن ذكره في الليل والنهار، وكان له عرش في الجنة، وتحاتت عنه ذنوبه، كما تحات ورق الشجر اليابس، وينظر الله إليه، ومَن نظر إليه لم يعذبه) .
---- وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضجعاً. هـ. من الثعلبي.
---وسُئل ابنُ الصلاح عن القَدْر الذي يصير به العبد من الذاكرين الله كثيراً؟ فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة صباحاً ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، كان من الذاكرين كثيراً. هـ. قلت: وقد تتبعت ذلك في تأليف مختصر سميته: «الأنوار السنية في الأذكار النبوية» .
هذا وعطف الإناث على الذكور لاختلاف الجنسين. وهو ضروري كقوله: ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً «2» . وعطف الزوجين على الزوجين لتغاير الوصفين، وليس بضروري، ولو قال: «إن المسلمين والمسلمات المؤمنين والمؤمنات» بغير واو لجاز، كقوله: مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ ... الخ. وهو مِن عطف الصفة، ومعناه: إن الجامعين والجامعات

لهذه الصفات. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً لما اقترفوا من السيئات، وَأَجْراً عَظِيماً على طاعتهم. قال البيضاوي: والآية وعد لهن، ولأمثالهن، على الطاعة والتدرّعُ بهذه الخصال.
---- رُوي أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن: ذكر الرجال في القرآن بخير فما فينا خير، فنزلت
-----الإشارة: اعلم أن اصطلاح الصوفية أن ما يتعلق بعمل الجوارح الظاهرة يُسمى إسلاماً، وما يتعلق بعمل القلوب الباطنية يُسمى إيماناً، وما يتعلق بعمل الأرواح والأسرار يُسمى إحساناً.
قال في البغية: فالإسلام يشتمل على وظائف الظاهر، وهي الغالبة عليه، وذلك من عالم الشهادة، والإيمان يشتمل على وظائف الباطن، وهي الغالبة عليه، وذلك من عالم الغيب، وهي الأعمال الغيبية، ولمّا انفتح لها باب من الأعمال الظاهرة للعبادة، وأشرقت عليها من ذلك أنوار، وتعلقت همتها بعالم الغيب، مالت إلى الوفاء بالأعمال الباطنة، ثم لمّا تمكنت في الأعمال الباطنة، واطلعت على عالَمها، وأشرفت على طهارتها، وتعلقت همتها بعالم الملكوت، مالت إلى الوفاء بالأسرار الإحسانية، ومن هناك تدرك غاية طهارتها وتصفيتها، والاطلاع على معارف الحقائق الإلهية. ثم قال: فإذا تبين هذا، فالإسلام له معنى يخصه، وهو انقياد الظاهر بما تكلف به من وظائف الدين، مع ما لا بد منه من التصديق.
والإيمان له معنى يخصه، وهو تصديق القلب بجميع ما تضمنه الدين من الأخبار الغيبية، مع ما لا بد منه من شُعبه. والإحسان له معنى يخصه، وهو تحسين جميع وظائف الدين الإسلامية والإيمانية، بالإتيان بها على أكمل شروطها، وأتم وظائفها، خالصة من جميع شوائب عِللها، سالمة من طوارق آفاتها. هـ.
قلت: ولا يكفي في مقام الإحسان تحسين الوظائف فقط، بل لا بد فيه من كشف حجاب الكائنات، حتى يُفضي إلى شهود المكوِّن، فيعبد الله على العيان. كما في الحديث: «إنَّ تعبد الله كأنك تراه» . فإذا تقرّر هذا فالآية مشتملة على تدريج السلوك فأول مقامات المريد: الإسلام، ثم الإيمان، كما في الآية، ثم يكون من القانتين المداومين على الطاعة، ثم يكون من الصادقين في أقواله، وأفعاله، وأحواله، صادقاً في طلب مولاه، غائباً عن كل ما سواه، ثم من الصابرين على مجاهدة النفس، ومقاساة الأحوال، وقطع المقامات والمفاوز. وقال القشيري: من الصابرين على الخصال الحميدة وعن الخصال الذميمة، وعند جريان مفاجآت القضية. هـ. ثم من الخاشعين الخاضعين لهيبة الجلال، مشاهداً لكمال أنوار الجمال. قال القشيري: الخشوعُ: إطراق الثم يتحقق بأوصاف الكمال كالسخاء والكرم، فيبذل ما عنده فى مرضات ربه، فيكون من المتصدقين بأموالهم وأنفسهم، حتى لا يكون لأحد معهم خصومة فيما أخذوا منهم وقالوا فيهم، ثم يصوم عن شهود السِّوى، ثم يحفظ فرجه عن وِقاع الشهوة والهوى، فلا ينزل إلى سماء الحقوق، أو أرض الحظوظ، إلا بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين. ثم يكون من المُسْتَهتَرين بذكر الله، أعني ذكر الروح والسر، وهو مقام الإحسان، الذي هو محل العيان، فيكون ذاكراً بالله، مذكوراً في حضرة الله، مشهوراً في ملكوت الله. جعلنا الله منهم بمنِّه وكرمه.سريرة عند بواده الحقيقة. هـ.



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء يوليو 14, 2015 4:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

سورة سبإ (34) : آية 39
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)


يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ، إنما كرره تزهيداً في المال، وحضًّا على إنفاقه في سبيل الله. ولذلك عقبه بقوله: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ، إما عاجلاً في الدنيا إذا شاء، أو آجلاً في الآخرة، ما لم يكن إسرافاً، كنزهة لهو، أو في بنيان، أو معصية. وذكر الكواشي هنا أحاديث منها: «كُلُّ معروفٍ صدقةً، وكل ما أنفق الرجلُ على نفسِه وأهلِه صدقةٌ، وما وَقَى به الرجلُ عِرْضَهُ كُتِبت له بها صدقةً- وهو ما أعطى لشاعر، أو لذي اللسان المتَّقَى- وما أنفق المؤمنُ صدقة فعلى الله خلفها ضامناً، إلا ما كان من نفقةٍ في بُنيانٍ أو معصيةٍ» «1» . قلتُ: يُقيد النفقة في البنيان بما زاد على الحاجة والضرورة، وإلا فهو مأمور به، فيؤجر عليه. والله تعالى أعلم.
وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ المطعمين لأن كل مَن رزق غيره من سلطان، أو سيّد، أو زوج، أو غيره، فهو من رزق الله، أجراه على يد هؤلاء، وهو خالقُ الرزق، والأسباب التي بها ينتفع المرزوق بالرزق. وعن -----بعضهم قال:الحمد لله الذي أوجده، وجعلني ممن يشتهي، فكم من مشتَهٍ لا يجد، وواجد لا يشتهي!.
الإشارة: في الآية إشارة إلى منقبة السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء، وهو من علامة اليقين، وخروج الدنيا من القلب. وذكر الترمذي الحكيم حديثاً طويلاً عن الزبير رضي الله عنه رأيت أن أذكره لكثرة فوائد مع مناسبة لهذا المعنى.
---قال: جئتُ حتى جلستُ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بطرف عمامتي من ورائي، ثم قال: «يا زبير إني رسول الله إليك خاصة، وإلى الناس عامة. أتدرون ما قال ربكم؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال. قال ربكم حين استوى على
عرشه ونظر إلى خلقه: عبادي أنتم خلقي وأنا ربكم، أرزاقكم بيدي، فلا تتعبوا فيما تكفلتُ لكم به، فاطلبوا مني أرزاقكم، وإليّ فارفعوا حوائجكم، انصُبُوا إليَّ أنفسَكم أصُبُّ عليكم أرزاقكم. أتدرون ما قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أَنفق أُنفق عليك، وأوسع أُوسع عليك، ولا تضيق فأضيق عليك، ولا تَصُرّ فأصر عليك، ولا تخزُنُ فأخزنُ عليك، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سموات، متواصل إلى العرش، لا يغلق ليلاً ولا نهاراً، ينزل الله منه الرزق، على كل امرئ بقدر نيته، وعطيته، وصدقته، ونفقته، مَنْ أكثر أكثر عليه، ومَنْ أقل أقل عليه، ومَنْ أمسك أمسك عليه. يا زبير فكُل وأَطعم، ولا تُوك فيُوك عليك «1» ، ولا تحْصِ فيُحصَ عليك، ولا تقترّ فيقترْ عليك، ولا تعسر فيعسرْ عليك. يا زبير، إن الله يحب الإنفاق، ويبعض الإقتار، وإن السخاء من اليقين، والبخل من الشك، فلا يدخل النار مَن أيقن، ولا يدخل الجنة مَن شك. يا زبير إن الله يُحب السخاوة، ولو بفلق تمرة، والشجاعة، ولو بقتل عقرب أو حية. يا زبير إن الله يُحب الصبر عند زلزلة الزلازل، واليقين النافذ عند مجيء الشهوات، والعقل الكامل عند نزول الشبهات. والورع الصادق عند الحرام والخبيثات. يا زبير عظِّم الإخوان، وأجلّ الأبرار، ووقر الأخيار، وصل الجار، ولا تماشِ الفجار، تدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، هذه وصية الله إليّ، ووصيتي إليك»

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

سورة فاطر (35) : آية 2
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)


يقول الحق جلّ جلاله: مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ أي: ما يطلق ويرسل من رحمة، كنعمة، ومطر، وأمن، وعافية، ورزق، وعلم، ومعرفة، ونبوة، وغيرها، فَلا مُمْسِكَ لَها فلا أحد يقدر على إمساكها وردها، واستعير الفتح للإطلاق لأنه مسبب عنه. ونكّر الرحمة للإشاعة والإبهام، كأنه قال: من أيّ رحمة كانت، فتشمل نعمة الدفع والجلب، كدفع المحن وجلب المنن. والاعترافُ بالمنعم من تمام النعمة، والأمران مدرجان في الفتح والإمساك، وَما يُمْسِكْ أي: يمنع ويحبس من ذلك فَلا مُرْسِلَ لَهُ فلا مُطلق له مِنْ بَعْدِهِ من بعد إمساكه. وأنث الضمير الراجع إلى الاسم المتضمِّن معنى الشرط على معنى الرحمة، وذكّره حملاً على لفظ المرجوع إليه إذ لا تأنيث فيه لأن الأول فسّر بالرحمة، فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فتُرك على أصل التذكير.
----وعن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً: «لا تزال يدُ الله مبسوطة على هذه الأمة ما لم يرفُقْ خيارُهم بشرارهم، ويُعظّمْ بَرُّهُم فاجرهم، وتعن قراؤهم على أمراءهم على معصية الله. فإذا فعلوا ذلك نزع الله يده عنهم» «1» قال ابن عرفة: يُؤخذ من قوله تعالى: وَما يُمْسِكْ.. أن العدم السابق الإضافي متعلق للقدرة، وجعله بعض الأصوليين متعلقاً للإرادة أيضاً، وذلك لأن المصحح للتعلُّق الإمكان. هـ. قال الأُبي: لا دليل في الآية لاحتمال أن يكون التقدير: وما يريد إمساكه، فيكون من متعلقات الإرادة،--- ويحتمل: وما يُمسك عن الإرسال بعد وجوده، كإمساك الماء عن النزول بعد خلقه في السحاب. هـ. وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب، القادر على الإرسال والإمساك. الْحَكِيمُ الذي يُرسل ويُمسك، بما تقتضي الحكمة إرساله، أو إمساكه.
---الإشارة: ما يفتح الله لقلوب عباده من نفحات، وواردات، وإلهامات، وعلوم لدنية، وحِكَم ربانية، وتعرفات جمالية وجلالية، فلا ممسك لها، بل الله يفتح على مَن يشاء، ويسد الباب في وجه مَن شاء. وسدُّ الباب في وجه العبد عن معرفته الخاصة، علامته: عدم إيصاله إلى أوليائه. فكل مَن وصله إليهم، وصَحِبهم، وعظَّمهم، وخدمهم،


---فقد فتح الله له الباب في وصوله إليه، وكل مَن نكبه عنهم، ولم يصحبهم، كما ذكر، فقد سُدّ الباب في وجهه عن معرفته العيانية. وفي الحكم: «سبحان مَن لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا مَن أراد أن يوصله إليه» «1» . وما يُمسك من ذلك فَلاَ مُرسِلَ لَهُ مِن بعده، ولو صلّى وصام ألف عام.


---- قال القشيري: ما يلوح لقلوب العارفين من أنوار التحقيق لا سحاب يستره، ولا ضباب يقهره. ويقال: ما يلزم قلوبَ أوليائه وأحوالهم من التيسير فلا مُمسك له، والذي يمنع من أعدائه- بسبب ما يُلقيهم فيه من انغلاق الأمور واستصعابها- فلا مُيَسِّرَ له من دونه. هـ. وبالله التوفيق.







_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 15, 2015 4:22 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

[سورة يس (36) : الآيات 77 الى 83]
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81)
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)


يقول الحق جلّ جلاله: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ مَذِرة، خارجة من الإحليل، الذي هو قناة النجاسة، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ بيّن الخصومة، أي: فهو على مهانة أصله، ودناءة أوله، يتصدّى لمخاصمة ربه، ويُنكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمّت عظامه. وهي تسلية ثانية له صلى الله عليه وسلم، وتهوين ما يقولونه في جانب الحشر، وهو توبيخ بليغ حيث عجّب منه، وجعله إفراطاً في الخصومة بيّناً فيها.
---رُوي أنَّ أُبيّ بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بالٍ، ففتَّه بيده، وقال: يا محمد أترَى الله يُحيِي هذا بعد ما رمّ؟
فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» «1» فنزلت الآية.

وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا، أمراً عجيباً، بأن جَعَلنا مثل الخلق العاجزين، فنعجز عما عجزوا عنه من إحياء الموتى، وَنَسِيَ خَلْقَهُ من المنيّ المهين، فهو أغرب من إحياء العظم الرميم. و «خلقه» : مصدر مضاف للمفعول، أي: خلقنا إياه، قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ بالٍ مفتت، وهو اسم لما بَلِيَ من العظام، لا صفة، ولذلك لم يؤنّث. وقد وقع خبراً لمؤنث، وقيل: صفة بمعنى مفعول، من: رممته، فيكون كقتيل وجريح. وفيه
دليل على أن العظم تحله الحياة، فإذا مات صار نجساً، وهو مذهب مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تحلّه الحياة، فهو طاهر كالشعر والعصب.
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها خلقها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي: ابتداء، وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ مخلوق عَلِيمٌ لا يخفى عليه أجزاؤه، وإن تفرقت في البر أو البحر، فيجمعه، ويُعيده كما كان.
ثم ذكر برهان إحيائه الموتى بقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ، كالمَرْخ والعَفَار، ناراً، فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ تقدحون، ولا تشكون أنها نار خرجت منه، فمَن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر، مع ما فيه من المائية، المضادة للنار، كان أقدر على إيجاد الحياة والغضاضة فيما غضا ويبس، وهي الزناد عند العرب، وأكثرها من المَرْخ والعَفار، وفي أمثالهم: ----«في كل شجر نار، واستمجد المرخُ والعفار» أي:
استكثر في هذين الصنفين. وكان الرجل يقطع منهما غصنين مثل السوَاكين، وهما خضراوان، يقطر منهما الماء، فيسحق المرخ- وهو ذكر- على العفار- وهي أنثى، فينقدح النار بإذن الله تعالى. وعن ابن عباس رضي الله عنه:
ليس من الشجر شجرة إلا وفيها نار، إلا العناب لمصلحة الدقّ للثياب.

والمرخُ- ككتف: شجر سريع الورى. قاله في الصحاح. وهو المسمى عندنا بالكُلخ. وفي القاموس: عَفار كسحاب: شجر يتخذ منه الزناد. قال ابن عطية: النار موجودة في كل عود، غير أنها في المتحلحَل، المفتوح المسام، أوجد، وكذلك هو المَرْخ والعَفار. هـ.
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مع كبر جرمهما، وعظم شأنهما بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ مثل أجسامهم في الصِّغر والحقارة، بالإضافة إلى السموات والأرض، أو: أن يعيدهم مثل ما كانوا عليه في الذات والصفات لأن المعاد مثل المبْدأ، بل أسهل، بَلى أي: قُل: بَلى هو قادر على ذلك، وَهُوَ الْخَلَّاقُ كثير الخلق والاختراع، الْعَلِيمُ بأحوال خلقه، أو: كثير المخلوقات والمعلومات.
إِنَّما أَمْرُهُ شأنه إِذا أَرادَ شَيْئاً يكونه أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فيحدث، أي: فهو كائن موجود، لا محالة. وهو تمثيل لتأثير قدرته في الأشياء، بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور، من غير امتناع وتوقف، من غير أن يحتاج إلى كاف ولا نون، وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد، كأنه يقول: كما لا يثقل عليكم قول «كن» ، فكذلك لا يصعب على الله إنشاؤكم وإعادتكم. قال الكواشي: ثم أومأ إلى كيفية خلقه الأشياء المختلفة في الزمان المتحد، وذلك ممتنع على غيره، فقال: إِنَّما أَمْرُهُ ... الآية، فيحدث من غير توقف، فمَن رفع «فيكونُ»
، فلأنه جملة من مبتدأ وخبر، أي: فهو يكون. ومَن نصب فللعطف على «يقول» . والمعنى: أنه ليس ممن يلحقه نصَب ولا مشقة، ولا يتعاظمه أمر، بل إيجاد المعدومات، وإعدام الموجودات، عليه أسرع من لمح البصر هـ.
فَسُبْحانَ تنزيهاً له مما وصفه به المشركون، وتعجيب مما قالوا، الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ أي: ملك كُلِّ شَيْءٍ والتصرُّف فيه على الإطلاق. وزيادة الواو والتاء للمبالغة، أي: مالك كلّ شيء، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ بالبعث للجزاء والحساب.
الإشارة: أوَ لَم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة مهينة، فإذا هو خصيم لنا في تدبيرنا واختيارنا، ويُنازعنا في مُرادنا من خلقنا، ومرادنا منهم: ما هم عليه. فاستحي أيها الإنسان أن تُخاصم الله في حكمه، أو تنازعه في تقديره وتدبيره، وسلِّم الأمور لمَن بيده الخلق والأمر
----. بكى بعضُ الصالحين أربعين سنة على ذنب أذنبه. قيل له: وما هو؟
قال: (قلت لشيء كان: ليته لم يكن) . فارْضَ بما يختاره الحق لك، جلاليًّا كان أو جماليًّا ولا تختر من أمرك شيئاً، والله يعلم وأنتم لا تعلمون. وكل مَن اهتم بأمر نفسه، واشتغل بتدبير شئونها، فقد ضرب لله مثلاً، بأن أشرك نفسه معه، ونَسِي خلقه، ولو فكر في ضعف أصله، وحاله، لاستحيا أن يُدبِّر لنفسه مع ربه، وفي الإشارات عن الله تعالى: أيها العبد لو أَذِنْتُ لك أن تدبر لنفسك لكنت تستحيي مني أن تدبر لها، فكيف وقد نهيتك عن الندية!.

----وكما قَدَرَ على إحياء العظام الرميمة، يَقْدر على إحياء القلوب الميتة، ومَن قَدَرَ على استخراج النار من محل الماء، يقدر على استخراج العلم من الجهل، واليقظة من الغفلة، ومَن كان أمره بين الكاف والنون، بل أسرع من لحظ العيون، ينبغي أن يُرجع إليه في جميع الشئون. قال القشيري: فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء، فلا يحدث شيء- قلَّ أو كثر- إلا بإبداعه وإنشائه، ولا يبقى منها شيء إلا بإبقائه، فمنه ظهر ما يحدث، وإليه يصير ما يخلق. هـ.
----قال النسفي: قال صلى الله عليه وسلم: «مَن قرأ يس يريد بها وجه الله غفر اللهُ له، وأُعطي من الأجر كمَن قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة» وبالله التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وآله وصحبه، وسلم.

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يوليو 15, 2015 4:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 15, 2013 5:39 pm
مشاركات: 7973
الله الله الله يا اختى العزيزة ملهمة ربنا يفتح عليكى
جميل جميل هذا الموضوع
ربنا يتقبل منا يارب وعيد سعيد عليكى وعلى اسرتك

_________________
وابيض يستسقى الغمامُ بوجههِ...ُثمال اليتامى ِعصم الأراملِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يوليو 16, 2015 4:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
سكينة كتب:
الله الله الله يا اختى العزيزة ملهمة ربنا يفتح عليكى
جميل جميل هذا الموضوع
ربنا يتقبل منا يارب وعيد سعيد عليكى وعلى اسرتك

الله يسعدك و يكرمك أختى الكريمة سكينة و يعيد عليكى و على أسرتك الكريمة الأعياد باليمن و البركات و كل سنة و أنتى طيبة شرفنى مرورك الجميل



البحر المديد في تفسير القرآن المجيد

سورة الزمر (39) : آية 9]
أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ )9)


يقول الحق جلّ جلاله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ أي: مطيع، قائم بواجب الطاعات، دائم على أداء وظائف العبادات، آناءَ اللَّيْلِ أي: في ساعات الليل، حالتي السراء والضراء، كمَن ليس كذلك، بل إنما يفزع إلى الله
في الضراء فقط، فإذا كشف عنه نسي ما كان يدعو إليه من قبلُ، وحذفه لدلالة ما قبله عليه. ومَن قرأ بالتشديد، ف «أم» إما متصلة، حُذف مقابلها، أي: أنت خير حالاً ومآلاً أم مَن هو قائم بوظائف العبادات، أو: منقطعة، والإضراب للانتقال من التهديد إلى التبكيت بالجواب الملجئ إلى الاعتراف بما بينهما، كأنه قيل: أم مَن هو قانت أفضل، أم مَن هو كافر مثلك؟.
حال كون القانت ساجِداً وَقائِماً أي: جامعاً بين الوصفين المحمودين. وتقديم السجود على القيام لكونه أدخل في معنى العبادة. يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي: عذاب الآخرة، حال أخرى، أو: استئناف، جواب عما نشأ من حكاية حاله من القنوت والسجود، كأنه قيل: فما باله يفعل ذلك؟ فيقل: يحذر الآخرة، وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ أي:
الجنة، فينجو بذلك مما يحذره، ويفوز بما يرجوه، كما ينبئ عنه التعرُّض لعنوان الربوبية، المنبئة عن التبليغ إلى الكمال، مع الإضافة إلى ضمير الراجي.
ودلّت الآية على أن المؤمن يجب أن يكون بين الخوف والرجاء، يرجو رحمته، لا عمله، ويحذر عقابه لتقصيره في عمله، ثم الرجاء إذا جاوز حدّه يكون أمناً. والخوف إذا جاوز حدّه يكون إياساً، وقد قال تعالى: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ ، ولا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ فيجب ألا يجاوز أحدهما حدَّه بل يكون كالطائر بين جناحيه،
----إلا في حالة المرض، فيغلب الرجاء، ليحسن ظنه بالله. ومذهب محققي الصوفية: تغليب الرجاء مطلقاً، لهم ولعباد الله لغلبة حسن ظنهم بربهم.
والآية، قيل: نزلت في عثمان رضي الله عنه كان يحيي الليل، وقيل: في عمار وأبي حذيفة ، وهي عامة لمَن سواهم.

قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ حقائق الأحوال، فيعلمون بموجب علمهم، كالقانت المذكور، وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ شيئاً فيعلمون بمقتضى جهلهم، كدأب الكافر المتقدم. والاستفهام للتنبيه على أن يكون الأولين في أعلى معارج الخير، وكون الآخرين في أقصى مدارج الشر من الظهور، بحيث لا يكاد يخفى على أحد.
قال النسفي: أي: يعلمون ويعملون به، كأنه جعل مَن لا يعمل غير عالم، وفيه ازدراءٌ عظيمٌ بالذين يقْتَنون- أي: يدخرون- العلوم، ثم لا يَقْنُتون، ويَتفننون فيها، ثم يُفتنون بالدنيا، فهم عند الله جهلة، حيث جعل القانتين هم العلماء. أو: يريد به التشبيه، أي: كما لا يستوي العالم والجاهل، كذلك لا يستوي المطيع والعاصي. هـ.

---الإشارة: القنوت هو القيام بآداب الخدمة، ظاهراً وباطناً، من غير فتور ولا تقصير، قاله القشيري. وهو على قسمين،
--- قنوت العارفين، وهي عبادة القلوب، كالفكرة والنظرة، ساعة منها أفضل من عبادة سبعين سنة، وثمرتها:
التمكُّن من شهود الذات الأقدس، عاجلاً وآجلاً، وقنوت الصالحين، وهي عبادة الجوارح، كالركوع والسجود والتلاوة، وغيرها من أعمال الجوارح، وثمرتها نعيم الجنان بالحور والولدان، مع الرضا والرضوان، ورؤية وجه الرحمن.
---رُوي عن قبيصة بن سفيان، قال: رأيت سفيان الثوري في المنام بعد موته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ ---فأنشأ يقول:
نظرتُ إِلَى ربِّي عِياناً فقال لي ... هنيئاً رضائي عنك يا ابنَ سعيدِ
لقد كنتَ قوَّاماً إذا الليلُ قد دَجا ... بِعَبْرة محزونٍ وقلب عميدِ
فدونك فاختر أيّ قصر تريدُه ... وزرني فإني منك غيرُ بعيدِ

----وكان شعبةُ ومِسْعَر رجلين صالحين، وكانا من ثقة المحدِّثين، فماتا، قال أبو أحمد اليزيدي: فرأيتهما في المنام، وكنتُ إلى شعبة أميل مني إلى مسعر، فقلت لشعبة: يا أبا بسطام ما فعل الله بك؟ فقال: يا بني احفظ ما أقول لك:
حَباني إلهي في الجِنان بقُبة ... لها ألفُ باب من لجَيْن وجوهرا
وقال لي الجبارُ: يا شعبة الذي ... تبحَّر في جمع العلوم وأكثرا
تمتعْ بقربي، إنني عنك ذو رضا ... وعن عبديَ القوَّام في الليل مِسعرا
كفى مسعراً عزّاً بأنْ سيزورُني ... وأكشفُ عن وجهي ويدنو لينظروا
وهذا فَعالي بالذين تنسَّكوا ... ولم يألفوا في سالف الدهر منكرا.

وقوله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ أي: لا يستوي العالم بالله مع الجاهل به، العالم يعبده على العيان، والجاهل به في مقام الاستدلال والبرهان. العالم بالله يستدل بالله على غيره، والجاهل يستدل بالأشياء على الله، وشتّان بين مَن يستدل به أو يستدل عليه، المستدل به عرف الحق لأهله، وأثبت الأمر

من وجود أصله، والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، كما في الحِكَم» . العالم بالله من السابقين المقربين، والجاهل به من عامة أهل اليمين، ولو تبحّر فى العلوم الرسمية غاية التبحُّر. قال الورتجبي: وصف تعالى أحوال أهل الوجود والكشوفات، المستأنسين به، وبلذائذ خطابه ومناجاته، وتحمّلوا من لطائف خطابه مكنونَ أسرار غيبه، من العلوم الغريبة، والأنباء العجيبة، لذلك وصفهم بالعلم الإلهي، الذي استفادوا من قُربه ووصاله، وكشف جماله بقوله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ كيف يستوي الشاهد والغائب، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟. هـ.
قال القشيري: العلم المخلوق على ضربين: علم مجلوبٌ بكسب العبد، وموهوبٌ من قِبَلِ الربِّ.. انظر تمامه.



_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 17, 2015 5:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
[سورة الشورى (42) : آية 23]
ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لآَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)


يقول الحق جلّ جلاله: قُلْ يا محمد لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ على التبليغ أَجْراً. رُوي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم، فقال بعضهم لبعض: أترون أن محمداً يسأل على ما يتعاطاه أجراً؟ فنزلت. أي:
لا أسألكم على التبليغ والبشارة أجراً، أي: نفعاً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى إلا أن تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً، أي: لا أسألكم أجراً قط، ولكن أسألُكم أن تودُّوا قرابتي الذي هم قرابتكم، ولا تؤذوهم. ولم يقل: إلا مودّة القربى، أو: المودة للقربى لأنهم جُعلوا مكاناً للمودة، ومقرّاً لها، مبالغة، كقولك: لي في مال فلان مودة، ولي فيهم حبّ شديد، تريد: أحبهم، وهم مكان حبي ومحله. وليست «في» بصلة للمودة كاللام، إذا قلت:
إلا المودة للقربى، وإنما هي متعلقة بمحذوف، تعلُّق الظرف. به والتقدير: إلا المودة ثابتة في القربى، ومتمكنة فيها. والقربى: مصدر، كالزلفى والبشرى، بمعنى القرابة. والمراد: في أهل القربى.
----رُوِي أنه لما نزلت قيل: يا رسول الله! مَن أهل قرابتك هؤلاء، الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «عليّ وفاطمة وابناهما». وقيل: معناه: إلا أن تودّوني لقرابتي فيكم، ولا تؤذوني، إذ لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة. وقيل: القربى: التقرُّب إلى الله تعالى، أي: إلا أن تحبُّوا الله ورسوله في تقرُّبكم إليه بالطاعة والعمل الصالح.
وَمَنْ يَقْتَرِفْ أي: يكتسب حَسَنَةً أيّ حسنة كانت، فيتناول مودة ذي القربى تناولاً أولياً. وعن السدي: أنها المرادة، قيل: نزلت فى الصدّيق رضي الله عنه ومودته فيهم، والظاهر: العموم، نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي:
نضاعفها له في الجنة. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لمَن أذنب [بِطَوْلِه] «2» شَكُورٌ لمَن أطاع بفضله، بتوفية الثواب والزيادة، أو: غفور: قابل التوبة، شكور: حامل عليها.
الإشارة: محبة أهل البيت واجبة على البشر، حرمةً وتعظيماً لسيد البشر، ----وقد قال: «مَن أَحبهم فبحبي أُحبهم، ومَن أبغضهم فببغضي أبغضهم» «3» فمحبة الرسول صلّى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان، وعقد من عقوده، لا يتم الإيمان إلا بها، وكذلك محبة أهل بيته
---. وفى الحديث صلّى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يحبني، ولا يحبني حتى يحب ذوي قرابتي، أنا حرْب لمَن حاربهم، وسلْم لمَن سالمهم، وعدوٌّ لمَن عاداهم، ألا مَن آذى قرابتي فقد آذاني، ومَن آذاني
فقد آذى الله تعالى»

---. وقال أيضا- عليه الصلاة والسّلام: «إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلُّوا، كتابُ الله تعالى وعترتي» ، فانظر كيف قرنهم بالقرآن في كون التمسُّك بهم يمنع الضلال.
----وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومَن مات على حب آل محمد بدّل الله له زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات على السنّة والجماعة،@ ألا ومَن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينية: آيس من رحمة الله».
انظر الثعلبي.
----- زاد بعضهم: ولو عصوا وغيّروا في المذهب فنكره فعلَهم ونحب ذاتهم. قال الشيخ زروق في نصيحته: وما ينزل بنا من ناحيتهم نعدّه من القضاء النازل. هـ.
وفي همزية البوصيري- رحمه الله:
----آلَ بيتِ النبيِّ إِنَّ فؤادِي ... ليسَ يُسْلِيهِ عَنكم التَّأسَاء
وقال آخر:
----آلَ بيتِ رسولِ اللهِ حُبَّكُمُ ... فَرْضٌ من الله في القرآنِ أَنْزَلَهُ
يَكْفِيكُمُ من عظيمِ المجدِ أَنَّكُم ... مَنْ لَم يُصَلِّ عليكم لا صَلاَةَ لَهُ

وقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، الزيادة في الدنيا بالهداية والتوفيق، وفي الآخرة بتضعيف الثواب وحسن الرفيق. قال القشيري: إذا أتانا بالمجاهدة زدناه بفضلنا تحقيق المشاهدة. ويقال: مَن يقترفْ حسنةَ الوظائف نَزِدْ له حُسْنَ اللطائف. ويقال: الزيادة ما لا يصل إليه العبد بوسيلة، مما لا يدخل تحت طوق البشر. هـ.

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 17, 2015 5:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 15, 2013 5:39 pm
مشاركات: 7973
اختي العزيزة ملهمة بارك الله فيك
واللهم ديم علينا النعمة حب سيدنا النبى وآل بيت النبي وكل إللى يحب النبى
كامل الاوصاف فتوى والعيون السود خدوني من هواهم رحت أغنى آه يا ليل آه يا عين
اللهم صلى وسلم وَبَارِكْ عليه وعلى اله

_________________
وابيض يستسقى الغمامُ بوجههِ...ُثمال اليتامى ِعصم الأراملِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 18, 2015 6:18 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
[سورة الجاثية (45) : آية 23]
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23



يقول الحق جلّ جلاله: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أي: أباح لنفسه كل ما تهواه، سواء كان مباحاً أو غير مباح، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه، وإليه أشار في المباحث بقوله:
ومَن أباح النفس ما تهواه ... فإنما معبوده هواه
فالآية وإن نزلت في هوى الكفر فهي متناولة لكل هوى النفس الأمَّارة، قال ابن جبير: نزلت في قريش والعرب، كانوا يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا شيئاً أحسن أَلْقَوه وعبدوا غيره «1» . هـ. ومتابعة الهوى كلها مذمومة، فإن كان ما هوته مُحرّماً أفضى بصاحبه إلى العقاب، وإن كان مباحاً بقي صاحبه في غم الحجاب وسوء الحساب، وأسْرِ نفسه وكدِّ طبعه. وفي الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم: «ما عُبد تحت السماء أبغض إلى الله تعالى من
هوى» «1» ، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ مهلكات شحٌّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجابُ المرء بنفسه» «2» وقال أيضاً: «الكِّيسُ من دانَ نَفْسَه، وعَمِلَ لِما بعد الموت، والعاجز من أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنَّى على الله» «3» ، وسيأتي في الإشارة تمامه.
ثم قال تعالى: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أي: خذله على علم منه، باختياره الضلالة، أي: عالماً بضلاله، وتبديله لفطرة الله التي فطر الناس عليها. وقيل: نزلت في أمية بن أبي الصلت، وكان عنده علم بالكتب المتقدمة، فكان ينتظر بعثة الرّسول صلّى الله عليه وسلم، فلما ظهر، قال: ما كنتُ لأومن لرسول ليس من ثقيف، وأشعاره محشوة بالتوحيد، ولكن سبق له الشقاء، فلم يؤمن، وختم على سمعه فلا يقبل وعظاً وقلبه، فلا يعتقد حقاً، أي: لا يتأثر بالمواعظ، ولا يتفكر في الآيات والنُذر. وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً أي: ظلمة مانعة من الاعتبار والاستبصار، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ من بعد إضلال الله إياه؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أفلا تتعظون، فتُسلمون الأمور إلى مولاها، يُضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء.
الإشارة: حقيقة الهوى كل ما تعشقه النفس، وتميل إليه من الحظوظ العاجلة، ويجري ذلك في المآكل، والمشارب، والملابس، والمناكح، والجاه، ورفع المنزلة، فليجاهد العبد نفسه في ترك ذلك كله، حتى لا تحب إلا ما هو طاعة يقرب إلى الله، كما قال صلّى الله عليه وسلم: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يكُون هواه تابعاً لما جئتُ به» «4» فإن كان في طريق الإرادة والتربية ترك كل ما تميل إليه نفسه وتسكن إليه، ولو كان طاعة، كما قال البوصيرى رضي الله عنه:
وَراعِها وهْيَ في الأعْمَالِ سَائِمَةٌ ... وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المرعى فلا تُسِمِ

فإنَّ حلاوة الطاعة سموم قاتلة، يمنع الوقوف معها من الترقي إلى حلاوة الشهود ولذة المعرفة، وكذلك الركون إلى الكرامات، والوقوف مع المقامات، كلها أهوية تمنع مما هو أعلى منها من مقام العيان، فلا يزل المريد يُجاهد نفسه، ويرحلها عن هذه الحظوظ، حتى تتمحّض محبتها في الحق تعالى، فلا يشتهي إلا شهود ذاته الأقدس، أو ما يقضيه عليه، فإذا ظهر بهذا المقام لم تبقَ له مجاهدة ولا رياضة، وكان ملكاً حرّاً، فيقال له حينئذ:
لك الدهر طوع، والأنام عبيد ... فعش، كل يوم من أيامك «1» عيد.
وطريق السير في هذا أن يُساس نفسه شيئاً فشيئاً، يمنعها من المكروهات، ثم من المباحات شيئاً فشيئاً، حتى تستأنس، يترك شهوة ثم أخرى، وهكذا، وأما لو منعها الكل دفعة واحدة فربما تمل وتسقط، وقد قال عليه الصلاة والسّلام: «لا يكن أحدكم كالمنبت، لا أرضا قطع، ولا ظهراً أبقى» «2» . وإلى هذا أشار في المباحث، حيث قال:
واحْتَلْ عَلَى النَّفْسِ فَرُبَّ حِيله ... أنفعُ في النُّصْرة مِن قبيلهْ
وأعظم الحظوظ حُب الجاه والتقدُّم، فلا يسامحها المريد في شيء من ذلك قط، ولينزل بها إلى الخمول والسفليات، وأما شهوة البطن والفرج فما تشوّفت إليه النفس من ذلك فليمنعها منها كليّاً، وما أتاها من غير حرص ولا تشوُّف فليأخذ منه قدر الحاجة، مع الشكر عليه، هكذا يسير حتى يتحقق وصوله، ويتمكن من معرفة الحق، وحينئذ فلا كلام معه، كما تقدّم، ولا بد من صُحبة شيخ عارف كامل، يلقيه زمام نفسه، فيحمله بهمته، وإلا فلا طاقة على مجاهدتها أصلاً، وجَرَّب ففي التجريب علم الحقائق.
قال القشيري: مَن لم يَسْلك سبيلَ الاتباع، ولم يستوفِ أحكام الرياضة، ولم ينسلخ عن هواه بالكلية، ولم يؤدبَه إمامٌ مُقتدًى به، فهو ينحرفُ في كل وَهْدةٍ، ويهيمُ في كل ضلالة، ويضلُّ في كل فجٍّ، خسرانه أكثر من ربحه، ونقصانه أوفر من رجحانه، أولئك في ضلال بعيد، زِمامُهم بيد هواهم، أولئك أهل المكر، استدرجوا وما يشعرون. هـ. وفي الحِكَم: «لا يُخَافُ أن تلتبس الطرقُ عليك، وإنما يُخَافُ من غلبة الهوى عليك» «3» . فمَن غَلَبَه الهوى غَلَبَه الوجود بأسره، وتصرّف فيه، أحبَّ أم كَرِهَ، ومَن غلب هواه غلب الوجود بأسره، وتصرف فيه بهمته كيف شاء.
حكي عن أبي عمران الواسطي، قال: انكسرت بنا السفينة، فبقيت أنا وامرأتي على ألواح، وقد وَلَدَتْ في تلك الليلة صبية، فصاحت بي، وقالت: يقتلني العطش، فقلت: هو ذا يرى حالنا، فرفعتُ رأسي، فإذا رجل جالس في يده سلسلة من ذهب، فيها كوز من ياقوت أحمر، فقال: هاك اشربا، فأخذتُ الكوز، فشربنا، فإذا هو أطيب من
لمسك، وأبرد من الثلج، وأحلى من العسل، فقلتُ: مَن أنتَ؟ فقال: أنا عبد لمولاك، فقلت: بِمَ وصلتَ إلى هذا؟
فقال: تركت هواي لمرضاته، فأجلسني في الهواء، ثم غاب ولم أره. هـ. وقال سهل رضي الله عنه: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك، وقال وهب: إذا عرض لك أمران، وشككت في خيرهما، فانظر أبعدهما من هواك فأته. هـ. ومثله في الحِكَم: «إذا التبس عليك أمران، فانظر أثقلهما على النفس، فاتبعه، فإنه لا يَثْقُل عليها إلا ما كان حقاً»
. فالعز كله في مخالفة الهوى، والذل والهوان كله في متابعة الهوى، فنُونُ الهوان سُرقت من الهوى، كما قال الشاعر:
لون الهوانِ من الهوَى مسروقةٌ ... أسير كل هوى أسير هوان.
وقال آخر:
إن الهوَى لهو الهوانُ بعينه ... فإذا هوَيْتَ فقد لَقِيتَ هَوانَا
وإذا هَوِيتَ فقد تعبَّدكَ الهوَى ... فاخضعْ لحِبّك كائناً مَنْ كانا
وقال ابن المبارك:
ومن البلاءِ للبلاءِ علامةٌ ... ألاّ يُرى لك عن هَوَاكَ نُزُوعُ
العبدُ أعنَى النفسَ في شهواتها ... والحرُّ يَشبَعُ تارةً ويجوعُ. «1»
ولابن دُريد:
إذا طالبتك النفسُ يوماً بشهوةٍ ... وكان إليها للخلافِ طريقُ
فدعْها وخالِفْ ما هويتَ فإنما ... هَواك عدوٌ والخلاف صديقُ
وقال أبو عُبيد الطوسي:
والنفسً إن أعطيتها مُنَاها ... فاغِرَةٌ نحوَ هواها فَاهَا
هذا، وللآية إشارة أخرى، رُويت عن بعض مشايخنا، قال: يمكن أن تكون الآية مدحاً، يقول تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ، وهو الله تعالى، ومحبوبَه وهواه، لا يهوى معه غيره، وأضله الله، في محبته، على علم منه بالله، وختم على سمعه وقلبه بمحبته، فلا يسمع إلا منه، ولا يُحب غيره، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى سواه، فمن

يهديه هذه الهداية العظمى من بعد الله، «1» وهذا يُسلّم في طريق الإشارة، لأنها خارجة عن سياق العبارة، وللقرآن أسرار باطنة، يعرفها أهل الباطن فقط، فسلّم تسلم.

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: لطائف شفاء الصدور فى الصوفية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يوليو 18, 2015 11:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
سكينة كتب:
اختي العزيزة ملهمة بارك الله فيك
واللهم ديم علينا النعمة حب سيدنا النبى وآل بيت النبي وكل إللى يحب النبى
كامل الاوصاف فتوى والعيون السود خدوني من هواهم رحت أغنى آه يا ليل آه يا عين
اللهم صلى وسلم وَبَارِكْ عليه وعلى اله


اللهم آمين كل سنة و انتى طيبة أختى الحبيبة سكينة ربنا يكرمك ودايما نبقى عشاق لسيدنا النبى و آل بيته صل الله على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليما كثيرا شرفنى مرورك الجميل

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 94 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 17 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط