موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: كتاب الصيام من الإحياء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 10, 2016 12:36 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
إحياء علوم الدين 1\230-232 :
(كتاب أسرار الصوم
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أعظم عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ بِمَا دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْدَ الشيطان وفنه ورد أمله وَخَيَّبَ ظَنَّهُ؛ إِذْ جَعَلَ الصَّوْمَ حِصْنًا لِأَوْلِيَائِهِ وجنة، وفتح لهم به أبواب الجنة، وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة، وأن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة. والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد :

فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ". وبمقتضى قَوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّبْرُ نِصْفُ الإيمان".

ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: "كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".

وقد قال الله تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} والصوم نصف الصبر فقد جاوز ثوابه قَانُونَ التَّقْدِيرِ وَالْحِسَابِ وَنَاهِيكَ فِي مَعْرِفَةِ فَضْلِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوف فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به".

وقال صلى الله عليه وسلم: "للجنة باب يقال له الريال لا يدخله إلا الصائمون ".
وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزاء صومه وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه".
وقال صلى الله عليه وسلم: "لكل شيء باب وباب العبادة الصوم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "نوم الصائم عبادة".
وروي أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر".
وقال وكيع في قوله تعالى {كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية} هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب.
وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال: "إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي".
وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم: "يقول الله عز وجل انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي".
وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بما كانوا يعملون} قيل: كَانَ عَمَلُهُمُ الصِّيَامَ لِأَنَّهُ قَالَ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب} فَيُفْرَغُ لِلصَّائِمِ جَزَاؤُهُ إِفْرَاغًا وَيُجَازَفُ جُزَافًا فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ وَهْمٍ وَتَقْدِيرٍ وَجَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ إِنَّمَا كَانَ لَهُ وَمُشَرفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا لَهُ كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كُلُّهَا لَهُ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّوْمَ كَفٌّ وَتَرْكٌ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ سِرٌّ لَيْسَ فِيهِ عمل يشاهد، وجميع أعمال الطَّاعَاتِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَلْقِ وَمَرْأًى وَالصَّوْمُ لَا يَرَاهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ عَمَلٌ فِي الْبَاطِنِ بِالصَّبْرِ الْمُجَرَّدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَهْرٌ لِعَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ وَسِيلَةَ الشَّيْطَانِ - لعنه الله -الشهوات وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع}؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "داومي قرع باب الجنة" قالت: بماذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "بالجوع". وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام وعلاجه من ربع المهلكات.
فلما كان الصوم على الخصوص قمعاً للشيطان وسداً لمسالكه وتضييقاً لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سُبْحَانَهُ وَنَاصِرُ اللَّهِ تَعَالَى مَوْقُوفٌ عَلَى النُّصْرَةِ له قال الله تَعَالَى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل؛ ولذلك قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، وقال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوباً عن لقائه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات". فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ صَارَ الصَّوْمُ بَابَ الْعِبَادَةِ وَصَارَ جُنَّةً وَإِذَا عَظُمَتْ فَضِيلَتُهُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ شُرُوطِهِ الظَّاهِرَةِ والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ونبين ذلك بثلاثة فصول ) اهـ

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب الصيام من الإحياء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 10, 2016 12:52 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
1\232-234 :

(الفصل الأول في الْوَاجِبَات وَالسُّنَن الظَّاهِرَة وَاللَّوَازِم بِإِفْسَادِهِ
أَمَّا الْوَاجِبَاتُ الظَّاهِرَةُ فَسِتَّةٌ :

الْأَوَّلُ : مُرَاقَبَةُ أَوَّلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَإِنْ غَمَّ فَاسْتِكْمَالُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ .
وَنَعْنِي بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمَ وَيَحْصُلُ ذلك بقول عَدْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَثْبُتُ هِلَالُ شَوَّالَ إِلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ .
وَمَنْ سَمِعَ عَدْلًا وَوَثَقَ بِقَوْلِهِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه .

وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب .

الثَّانِي: النِّيَّةُ ، وَلَا بُدَّ لِكُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ نية مبيتة معينة جازمة، فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه وهو الذي عنينا بقولنا كل ليلة، ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا مبيتة، ولو نوى الصوم مطلقاً أو الفرض مطلقاً لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان، ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غداً إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل، واحتمال غلط العدل أو كذبه لايبطل الجزم، أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان فذلك لا يمنع جزم النية، أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية.

ومهما كان شاكاً ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غداً إن كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد بل هو قاطع بأنه من رمضان، ومن نوى ليلاً ثم أكل لم تفسد نيته، ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها.


الثَّالِثُ: الْإِمْسَاكُ عَنْ إِيصَالِ شَيْءٍ إِلَى الْجَوْفِ عَمْدًا مَعَ ذِكْرِ الصَّوْمِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالسُّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ.
وَلَا يَفْسُدُ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ والاكتحال وإدخال الميل في الأذن والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة، وَمَا يَصِلُ بِغَيْرِ قَصْدٍ مِنْ غُبَارِ الطَّرِيقِ أَوْ ذُبَابَةٍ تَسْبِقُ إِلَى جَوْفِهِ أَوْ مَا يَسْبِقُ إِلَى جَوْفِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ فَلَا يُفْطِرُ إِلَّا إِذَا بَالَغَ فِي الْمَضْمَضَةِ فَيُفْطِرُ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَهُوَ الَّذِي أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا عَمْدًا، فَأَمَّا ذِكْرُ الصَّوْمِ فَأَرَدْنَا بِهِ الِاحْتِرَازَ عَنِ النَّاسِي فإنه لايفطر.
أما من أكل عامداً في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهاراً بالتحقيق فعليه القضاء، وإن بقي على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه، ولا ينبغي أن يأكل في طرفي النهار إلا بنظر واجتهاد.


الرابع: الإمساك عن الجماع وحده مغيب الحشفة، وإن جَامَعَ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِرْ، وَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أو احتلم فأصبح جنباً لم يفطر، وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه، فإن صبر فسد ولزمته الكفارة .


الْخَامِسُ : الْإِمْسَاكُ عَنِ الِاسْتِمْنَاءِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ قَصْدًا بِجِمَاعٍ أَوْ بِغَيْرِ جِمَاعٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُ، وَلَا يُفْطِرُ بِقُبْلَةِ زَوْجَتِهِ وَلَا بِمُضَاجَعَتِهَا مَا لَمْ يُنْزِلْ، لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا أَوْ مَالِكًا لِإِرْبِهِ فَلَا بأس بالتقبيل، وتركه أولى.

وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره.


السَّادِسُ : الْإِمْسَاكُ عَنْ إِخْرَاجِ الْقَيْءِ، فَالِاسْتِقَاءُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَإِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، وَإِذَا ابْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ حَلْقِهِ أَوْ صَدْرِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ رُخْصَةً لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ إِلَّا أَنْ يَبْتَلِعَهُ بَعْدَ وُصُولِهِ إِلَى فِيهِ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ عِنْدَ ذَلِكَ.


وَأَمَّا لَوَازِمُ الْإِفْطَارِ فَأَرْبَعَةٌ:
الْقَضَاءُ ،
وَالْكَفَّارَةُ ،
وَالْفِدْيَةُ ،
وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ تشبيهاً بِالصَّائِمِينَ.

أَمَّا الْقَضَاءُ: فَوُجُوبُهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ تَرَكَ الصَّوْمَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عذر، فالحائض تقضي الصوم، وكذا المرتد، وأما الْكَافِرُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ التَّتَابُعُ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَلَكِنْ يَقْضِي كَيْفَ شَاءَ مُتَفَرِّقًا وَمَجْمُوعًا.

وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ : فَلَا تجب إلا بالجماع، وأما الاستمناء ،والأكل والشرب، وما عدا الجماع لا يجب به كفارة.
فالكفارة عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ أَعْسَرَ فَصَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، وَإِنْ عَجَزَ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا مُدًّا مُدًّا.

وَأَمَّا إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ : فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عصى بالفطر، أو قصر فيه، ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها، ولا على المسافر إذا قدم مفطراً من سفر بلغ مرحلتين.
وَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ إِذَا شَهِدَ بِالْهِلَالِ عَدْلٌ وَاحِدٌ يَوْمَ الشَّكِّ، وَالصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الفطر إلا إذا لم يطق، ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيماً في أوله، ولا يوم يقدم إذا قدم صائماً.

وَأَمَّا الْفِدْيَةُ: فَتَجِبُ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى وَلَدَيْهِمَا، لِكُلِّ يَوْمٍ مُدُّ حِنْطَةٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ مَعَ الْقَضَاءِ، وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ إِذَا لَمْ يَصُمْ تَصَدَّقَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مداً.


وأما السنن فست :
تأخير السحور ، وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة، وترك السواك بعد الزوال، والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ، ومدارسة القرآن، والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عَادَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله" أي: أداموا النصب في العبادة؛ إذ فيها ليلة القدر، والأغلب أنها في أوتارها، وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع.

والتتابع في هذا الاعتكاف أولى، فإن نذر اعتكافاً متتابعاً أو نواه انقطع تتابعه بالخروج من غير ضرورة، كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع، وله أن يتوضأ في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر، كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا ماراً".

ويقطع التتابع بالجماع، ولا ينقطع بالتقبيل، وَلَا بَأْسَ فِي الْمَسْجِدِ بِالطِّيبِ وَعَقْدِ النِّكَاحِ وَبِالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ وَغَسْلِ الْيَدِ فِي الطَّسْتِ فَكُلُّ ذلك قد يحتاج إليه في التتابع، ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه، "كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة". ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولاً عشرة أيام مثلاً، والأفضل مع ذلك التجديد) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب الصيام من الإحياء
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت يونيو 11, 2016 5:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
1\234-237 :

(الفصل الثاني : في أسرار الصوم وشروطه الباطنة:

اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ : صَوْمُ الْعُمُومِ ، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.

وأما صَوْمُ الْعُمُومِ: فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة كما سبق تفصيله.

وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ: فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْآثَامِ .

وما صوم خصوص الخصوص : فصوم القلب عن الهضم الدَّنِيَّةِ وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا، حتى قال أرباب القلوب: من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين، ولا يطول النظر في تفصيلها قولاً، ولكن في تحقيقها عملاً فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل، وانصراف عن غير الله سبحانه، وتلبس بمعنى قوله عز وجل: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}.


وأما صوم الخصوص: وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أُمُورٍ:

الْأَوَّلُ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّهُ عَنِ الِاتِّسَاعِ فِي النَّظَرِ إِلَى كُلِّ مَا يُذَمُّ وَيُكْرَهُ وَإِلَى كُلِّ مَا يُشْغِلُ الْقَلْبَ وَيُلْهِي عَنْ ذكر الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله فمن تركها خوفاً من الله أتاه الله عز وجل إيماناً يجد حلاوته في قلبه".
وروى جابر عن أنس عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "خمس يفطرن الصائم الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة".


الثاني : حفظ اللسان عن الهذيان وَالْكَذِبِ وَالْغيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْفُحْشِ وَالْجَفَاءِ وَالْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ، وإلزامه السكوت، وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان.
وقد قال سفيان الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه
وروى ليث عن مجاهد خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب.

وقال صلى الله عليه وسلم : "إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم".

وجاء في الخبر أن امرأتين صامتا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحاً وقال صلى الله عليه وسلم قل لهما قيئا فيه ما أكلتما فقاءت إحداهما نصفه دماً عبيطاً ولحماً غريضاً وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم".


الثَّالِثُ : كَفُّ السَّمْعِ عَنِ الْإِصْغَاءِ إِلَى كُلِّ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا حُرِّمَ قَوْلُهُ حُرِّمَ الْإِصْغَاءُ إِلَيْهِ وَلِذَلِكَ سَوَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بين المستمع وَأَكْلِ السُّحْتِ فَقَالَ تَعَالَى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ للسحت} وقال عز وجل: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وأكلهم السحت}، فالسكوت على الغيبة حرام، وقال تعالى: {إنكم إذاً مثلهم}؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم ".


الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن الْمَكَارِهِ وَكَفُّ الْبَطْنِ عَنِ الشُّبُهَاتِ وَقْتَ الْإِفْطَارِ، فلا معنى للصوم وهو الكف عَنِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ ثُمَّ الْإِفْطَارِ عَلَى الْحَرَامِ، فَمِثَالُ هَذَا الصَّائِمِ مِثَالُ مَنْ يَبْنِي قَصْرًا ويهدم مصراً، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه، فالصوم لتقليله، وتارك الاستكثار من الدواء خوفاً من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيهاً، والحرام سم مهلك للدين، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره وقصد الصوم تقليله، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ" فَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُفْطِرُ عَلَى الْحَرَامِ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُمْسِكُ عَنِ الطَّعَامِ الْحَلَالِ وَيُفْطِرُ عَلَى لُحُومِ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا يَحْفَظُ جَوَارِحَهُ عَنِ الْآثَامِ.


الْخَامِسُ : أَنْ لَا يَسْتَكْثِرَ مِنَ الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه، فَمَا مِنْ وِعَاءٍ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجل من بطن مليء مِنْ حَلَالٍ،
وَكَيْفَ يُسْتَفَادُ مِنَ الصَّوْمِ قَهْرُ عَدُوِّ اللَّهِ وَكَسْرُ الشَّهْوَةِ إِذَا تَدَارَكَ الصَّائِمُ عِنْدَ فِطْرِهِ مَا فَاتَهُ ضَحْوَةَ نَهَارِهِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي أَلْوَانِ الطَّعَامِ، حَتَّى اسْتَمَرَّتِ العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان، فيؤكل من الأطعمة فِيهِ مَا لَا يُؤْكَلُ فِي عِدَّةِ أَشْهُرٍ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَقْصُودَ الصَّوْمِ الْخَوَاءُ وَكَسْرُ الْهَوَى لِتَقْوَى النَّفْسُ عَلَى التَّقْوَى، وَإِذَا دُفِعَتِ الْمَعِدَةُ مِنْ ضَحْوَةِ نَهَارٍ إِلَى الْعِشَاءِ حَتَّى هَاجَتْ شَهْوَتُهَا وَقَوِيَتْ رَغْبَتُهَا ثُمَّ أُطْعِمَتْ مِنَ اللَّذَّاتِ وَأُشْبِعَتْ زَادَتْ لَذَّتُهَا وَتَضَاعَفَتْ قُوَّتُهَا وَانْبَعَثَ مِنَ الشَّهَوَاتِ مَا عَسَاهَا كَانَتْ رَاكِدَةً لَوْ تُرِكَتْ عَلَى عَادَتِهَا.

فَرُوحُ الصَّوْمِ وَسِرُّهُ تَضْعِيفُ الْقُوَى الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ الشَّيْطَانِ فِي الْعَوْدِ إِلَى الشرور، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل، وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم، فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلم ينتفع بصومه، بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش، ويستشعر ضعف القوي، فيصفو عند ذلك قلبه، ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء.


وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت وهو المراد بقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر وَمَنْ جَعَلَ بَيْنَ قَلْبِهِ وَبَيْنَ صَدْرِهِ مِخْلَاةً من الطعام فهو عنه محجوب ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همته عن غير الله عز وجل وذلك هو الأمر كله ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام وسيأتي له مزيد بيان في كتاب الأطعمة إن شاء الله عز وجل.

السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مُضْطَرِبًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ إِذْ لَيْسَ يَدْرِي أَيُقْبَلُ صَوْمُهُ فَهُوَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أَوْ يُرَدُّ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنَ الْمَمْقُوتِينَ وَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فِي آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روي عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون
أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك فقال إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم
فإن قلت فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني فقد قال الفقهاء: صومه صحيح فما معناه فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لا سيما الغيبة وأمثالها ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته.

فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات.

والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة.

والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدي بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم فإن الشبيه من القريب قريب وليس القريب ثم بالمكان بل بالصفات.

وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الانهماك في الشهوات الأخر طول النهار ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَوْمِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ ولهذا قال أبو الدرداء يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغتربين ولذلك قال بعض العلماء كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم.

والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه
ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاؤه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل.

ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال وقد قال صلى الله عليه وسلم إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته ولما تلا قوله عز وجل إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره فقال السمع أمانة والبصر أمانة ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم فليقل إني صائم أي إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهراً وباطنا وقشراً ولباً ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب) اهـ .

_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب الصيام من الإحياء
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 29, 2017 1:14 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2011 10:41 am
مشاركات: 2778
(الفصل الثالث في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيه:

اعْلَمْ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الصَّوْمِ يَتَأَكَّدُ فِي الْأَيَّامِ الْفَاضِلَةِ وَفَوَاضِلُ الْأَيَّامِ بَعْضُهَا يُوجَدُ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَبَعْضُهَا يُوجَدُ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَبَعْضُهَا في كل أسبوع.

أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عَرَفَةَ وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الحجة والعشر الأول من المحرم وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم، وهي أوقات فاضلة وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ صَوْمَ شَعْبَانَ حتى كان يظن أنه في رمضان وَفِي الْخَبَرِ "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ"؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ فَبِنَاؤُهَا على الخير أحب وأرجى لدوام بركته.

وقال صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره، وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام
وفي الحديث: "من صام ثلاثة أيام من شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام".

وَفِي الْخَبَرِ: "إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا صَوْمَ حَتَّى رَمَضَانَ"؛ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ رَمَضَانَ أَيَّامًا، فَإِنْ وَصَلَ شَعْبَانَ برمضان فجائز، فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مراراً كثيرة، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ اسْتِقْبَالَ رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ وِرْدًا لَهُ، وَكَرِهَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يُصَامَ رَجَبٌ كُلُّهُ حتى لا يضاهى بشهر رمضان.

فالأشهر الفاضلة ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان.

والأشهر الحرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد.

وأفضلها ذو الحجة؛ لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات، وذو القعدة من الأشهر الحرم، وهو من أشهر الحج، وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم، والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج، وفي الخبر: "ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر قيل: ولا الجهاد في سبيل الله تعالى؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا من عقر جواده وأهريق دمه".

وَأَمَّا مَا يَتَكَرَّرُ فِي الشَّهْرِ: فَأَوَّلُ الشَّهْرِ، وَأَوْسَطُهُ، وَآخِرُهُ. وَوَسَطُهُ الْأَيَّامُ الْبِيضُ وَهِيَ: الثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ.

وَأَمَّا فِي الأسبوع فالاثنين والخميس والجمعة، فهذه هي الأيام الفاضلة، فَيُسْتَحَبُّ فِيهَا الصِّيَامُ وَتَكْثِيرُ الْخَيْرَاتِ لِتَضَاعُفِ أُجُورِهَا ببركة هذه الأوقات.

وأما صوم الدهر فإنه شامل للكل وزيادة، وللسالكين فيه طرق، فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته، والصحيح أنه إنما يكره لشيئين: أحدهما: أن لا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله. والآخر: أن يرغب عن السنة في الإفطار، ويجعل الصوم حجراً على نفسه، مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري: "من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين"، ومعناه: لم يكن له فيها موضع، ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوماً ويفطر يوماً، وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة؛ لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت: أجوع يوماً وأشبع يوماً أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت"
وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام صوم أخي داود كان يصوم ويفطر يوماً"
ومن ذلك منازلته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول: إني أطيق أكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "صم يوماً وأفطر يوماً" فقال: إني أريد أفضل من ذلك قال صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك"
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهراً كاملاً قط إلا رمضان، بل كان يفطر منه، ومن لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه وهو أن يصوم ويفطر يومين.

وإذا صام ثلاثة من أول الشهر، وثلاثة من الوسط، وثلاثة من الآخر، فهو ثلث، وواقع في الأوقات الفاضلة.

وإن صام الاثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث.

وَإِذَا ظَهَرَتْ أَوْقَاتُ الْفَضِيلَةِ فَالْكَمَالُ فِي أَنْ يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تَصْفِيَةُ الْقَلْبِ وَتَفْرِيغُ الْهَمِّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم، وقد يقتضي دوام الفطر، وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم.

وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه، وذلك لا يوجب ترتيباً مستمراً؛ ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال لا يفطر ويفطر حتى يقال لا يصوم وينام حتى يقال لا يقوم ويقوم حتى يقال لا ينام. وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات.

وقد كره العلماء أن يوالى بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديراً بيوم العيد وأيام التشريق، وذكروا أن ذلك يقسي القلب، ويولد رديء العادات، ويفتح أبواب الشهوات، ولعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل في اليوم والليل مرتين فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم المتطوع به والله أعلم بالصواب.

تم كتاب أسرار الصوم والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم على جميع نعمه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء) اهـ .

إحياء علوم الدين لحجة الإسلام الإمام الغزالي (1\237-239)


_________________
مددك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الغوث يا سيدي رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم

الشفاعة يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك و على آلك و سلم


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 4 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 18 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط