موقع د. محمود صبيح
http://www.msobieh.com/akhtaa/

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات
http://www.msobieh.com/akhtaa/viewtopic.php?f=42&t=26490
صفحة 2 من 4

الكاتب:  molhma [ الخميس يونيو 09, 2016 4:59 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات


أوصى سيدنا علي كرم الله وجهه ابنه محمد فكان من وصيته له يا ني بئس الزاد للمعاد ظلم العباد، ولله در القائل:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم


حكي: أن ثعلباً كان يسمى ظالماً وكان له جحر يأوي إليه وكان مسروراً به لا يبتغي عنه بدلا

صورة
فخرج منه يوماً يبتغي ما يأكل ثم رجع فوجد فيه حية فانتظر خروجها

صورة

فلم تخرج وعلم انها قد توطنت فيه وأنه لا سبيل إلى السكون معها فذهب يبتغي لنفسه جحراً غيره فانتهى به النظر إلى جحر حسن الظاهر حصين الموضع في مكان خصيب ذي أشجار ملتفة وماء معين فأعجبه وسأل عنه فأخبر أنه لثعلب يسمى مفوضاً وأنه ورثه من أبيه فناداه ظالم فخرج إليه ورحب به وأدخله الجحر وسأله عما قصد له فقص عليه خبره وشكا إليه ما ناله فرق له مفوض ثم قال له إن من الهمة ان تقصر عن مطالبة عدوك وأن تستفرغ جهدك في ابتغاء دفعه فرب حيلة انفع من قبيلة والرأي عندي أن تنطلق معي إلى مأواك الذي انتزع منك غصباً حتى أطلع عليه فلعلي أهتدي إلى وجه الحيلة فيرجع إليك مسكنك فإن أصوب الرأي ما أُسس على الروّية، فانطلقا معا إلى ذلك الجحر فتأمله مفوض وأدرك غرضه منه، ثم أقبل على ظالم فقال له قد شاهدت من مسكنك ما فتح لي باب الحيلة في خلاصه فقال له ظالم أطلعني على ما ظهر لك،
صورة

فقال مفوض إن أضعف الرأي ما رسخ في البديهة ولكن انطلق معي لتبيت عندي ليلتي هذه لأنظر رأيي فيما ظهر لي ففعلا وبات مفوض مفكراً في ذلك وجعل ظالم يتألم مسكن مفوض فرأى من سعته وطيب تربته وحصانته وكثرة مرافقه ما اشتد إعجابه به وحرصه عليه وشرع بتدبير الحيلة في غصبه وطرد مفوض منه، فلما أصبحا قال مفوض لظالم إني رأيت ذلك الجحر بموضع بعيد من الشجر والماء فاصرف نفسك عنه وهلم أعنك على حفر مسكن قريب من جحري هذا فإن هذه الأرض خصبة متيسرة المرافق
فقال له ظالم إن ذلك لا يمكنني لأن نفسي تهلك لبعد الوطن حنيناً ولا تملك لفقد المسكن سكوناً. فلما سمع مفوض مقالة ظالم وما تظاهر به من الرغبة في وطنه قال له إني أرى أن نذهب يومنا هذا فنحتطب حطباً ونربط منه حزمتين
صورة
فإذا أقبل الليل انطلقت أنا إلى بعض هذه الخيام فأتيت بقبس نار واحتملنا الحطب والقبس وقصدنا مسكنك فجعلنا الحزمتين على بابه وأضرمناهما ناراً فإن خرجت الحية احترقت وإن لزمت الجحر أهلكها الدخان فقال ظالم نعم الرأي هذا فانطلقا فاحتطبا وربطا من الحطب حزمتين بقدر ما يطيقان حمله ولما جاء الليل وأقبل أوقد أهل الخيام النار انطلق مفوض ليأخذ قبساً فعمد ظالم إلى إحدى الحزمتين فأزالها إلى موضع غيبها فيه، ثم جر الحزمة الأخرى إلى باب مسكن مفوض ودخله وجذبها إليه فأدخلها في الباب فسده بها وقدر في نفسه أن مفوضاً إذا أتى الجحر لم يمكنه الدخول إليه لحصانته ولأن بابه مسدود بالحطب سداً محكماً وأكثر ما يقدر عليه أن يحاصره فإذا يئس منه ذهب فنظر لنفسه مأوى آخر وقد كان ظالم رأى منزل مفوض أطعمة كثيرة ادخرها مفوض لنفسه فعول ظالم على الاقتيات منها في مدة الحصار وأذهله الشره والحرص على البغي عن فساد هذا الرأي وأنه متعرض لمثل ما عزم عليه أن يفعلاه بالحية، ثم إن مفوضاً جاء بالقبس فلم يجد ظالماً ولا وجد الحطب فظن أن ظالماً قد احتمل الحزمتين معاً تخفيفاً منه وأنه ذهب بهما إلى الجحر الذي فيه الحية فظهر له من الرأي أن يترك النار ويسرع في المشي ليدركه ويساعده في حمل الحطب فألقى النار من يده ثم خشي أن يطفئها الريح فيحتاج إلى نار أخرى فأدخلها في باب الجحر ليسترها من الريح فأصابت الحطب فأضرمته ناراً واحترق ظالم في الجحر وحاق به مكره، فلما اطلع مفوض على أمر ظالم قال ما رأيت كالبغي سلاحاً أكثر عمله في محتمله، ثم صبر حتى
طفئت النار ودخل في جحره واستخرج جيفة ظالم فألقاها واستقرّ في مأواه وفوض أمره إلى مولاه.

وقال حكيم إذا كانت الإساءة طبعاً لم يملك لها إنسان دفعاً، يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، من كثر تعديه كثرت أعاديه، الظلم سالب للنعم والبغي جالب للنقم، شر الناس من ينصر الظالم ويخذل المظلوم، من طلب راحة نفسه اجتنب الآثام ومن طلب راحة بنيه رحم الأيتام، من سالم الناس ربح السلامة ومن تعدى عليهم اكتسب الندامة،

الكاتب:  molhma [ الجمعة يونيو 10, 2016 5:00 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

حكايات و نصائح و حكمة بالأشعار على لسان الطير و الحيوان


( 1 )
صورة
كان على بعضِ الدُّروبِ جَملُ حَمَّلهُ المالكُ ما لا يُحملُ
فقال : يا للنَّحسِ والشقاءِ ! إن طال هذا لم يطلْ بقائي
لم تحمِلِ الجبالُ مثلَ حِملي أظنُّ مولاي يريدُ قتلي !
فجاءَهُ الثعلبُ من أَمامِهْ وكان نالَ القصدُ من كلامهْ
فقال : مهلاً يا أخا الأحمالِ ويا طويلَ الباعِ في الجِمالِ
فأَنتَ خيرٌ من أَخيكَ حالا لأَنني أَتعَبُ منك بالا
كأَن قُدّامِيَ أَلفَ ديكِ تسألني عن دمها المسفوكِ
كأَنّ خَلفي أَلفَ أَلفِ أَرنبِ إذا نهضتُ جاذبتني ذنبي
وربَّ أمٍّ جئتُ في مناخها فجعتُها بالفتكِ في أَفراخِها
يبعثني منْ مرقدي بكاها وأَفتحُ العيْن على شكواها
وقد عرفتَ خافيَ الأحمالِ فاصبِرْ. وقلْ لأُمَّة ِ الجِمال:
ليسَ بحملٍ ما يملُّ الظهرُ ما الحملُ إلا ما يعافي الصَّدرُ



( 2 )
صورة
حكاية الكلبِ معَ الحمامَه تشهدُ للجِنسَيْنِ بالكرامَهْ
يقالُ: كان الكلبُ ذاتَ يومِ بينَ الرياضِ غارقاً في النَّوم
فجاءَ من ورائه الثعبانُ مُنتفِخاً كأَنه الشيطانُ
وهمَّ أن يغدرَ بالأمينِ فرقَّتِ الورْقاءُ لِلمِسكينِ
ونزلتْ توَّا تغيثُ الكلبا ونقرتهُ نقرة ً، فهبَّا
فحمدَ اللهَ على السلامهْ وحَفِظ الجميلَ للحمامَهْ
إذ مَرَّ ما مرّ من الزمانِ ثم أتى المالكُ للبستانِ
فسَبَقَ الكلب لتلك الشجرَهْ ليُنْذر الطيرَ كما قد أَنذرَهْ
واتخذ النبحَ له علامهْ ففهمتْ حديثهُ الحمامهْ
وأَقلعتْ في الحالِ للخلاصِ فسَلِمتْ من طائِرِ الرَّصاصِ
هذا هو المعروفُ بأهل الفطنْ الناسُ بالناسِ، ومَن يُعِن يُعَنْ!


( 3 )
صورة
كانَ لِلغربانِ في العصرِ مَلِيكْ
وله في النخلة ِ الكبرى أريكْ
فيه كرسيٌّ، وخِدْرٌ، ومُهودْ
لصغارِ الملك أصحابِ العهود
جاءهُ يوماً ندورُ الخادمُ
وهوَ في البابِ الأمينُ الحازمُ
قال: يا فرعَ الملوكِ الصالحينْ
أنت ما زلتَ تحبُّ الناصحينْ
سوسة ٌ كانت على القصرِ تدورْ
جازتْ القصرَ، ودبتْ في الجدور
فابعث الغربانَ في إهلاكها
قبلَ أن نهلكَ في أشراكها
ضحكَ السلطانُ من هذا المقال
ثم أدنى خادمَ الخير، وقال:
أنا ربُّ الشوكة ِ الضافي الجناح
أنا ذو المنقارِ، غلاَّبُ الرياح
أنا لا أنظرُ في هذي الأمور
قام بينَ الريحِ والنخلِ خصامْ
وإذا النخلة ُ أقوى جذعها
فبدا للريحِ سهلاً قلعها
فهوتْ للأرضِ كالتلِّ الكبير
وَهَوَى الديوانُ، وانقضَّ السَّرير
فدها السلطان ذا الخطبُ المهول
ودعا خادمه الغالي يقول:
يا ندورَ الخير، أسعفْ بالصياح
ما تَرى ما فعلَتْ فينا الرياح؟
قال: يا مولايَ، لا تسأل ندور
أنا لا أنظر في هذي الأمور!



كتاب : دواوين الشعر العربي على مر العصور
أحمد شوقى

الكاتب:  molhma [ السبت يونيو 11, 2016 5:29 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

صورة
زعموا أن قرداً يقال له ماهر كان ملك القردة وكان قد كبر وهرم فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة فتغلب عليه، وأخذ مكانه فخرج هارباً على وجهه حتى انتهى إلى الساحل فوجد شجرة من شجر التين فارتقى إليها وجعلها مقامه فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التين، إذا سقطت من يده تينة في الماء فسمع لها صوتاً وإيقاعاً فجعل يأكل ويرمي في الماء، فأطربه ذلك: فأكثر من طرح التين في الماء وثم غيلم(ذكر السلحفاة ) كلما وقعت تينة أكلها. فما كثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله فرغب في مصادقته، وأنس إليه وكلمه، وألف كل واحد منهما صاحبه. وطالت غيبة الغيلم عن زوجته: فجزعت عليه وشكت ذلك إلى جارة لها وقالت: قد خفت أن يكون قد عرض له عارض سوء فاغتاله. فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قرد وألفه القرد: فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك حتى تحتالي لهلاك القرد. قالت وكيف أصنع؟ قالت لها جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.
ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله فوجد زوجته سيئة الحال مهمومةً فقال لها الغيلم: مالي أراك هكذا، فأجبته جارتها، وقالت: إن زوجتك مريضة مسكنة. وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه قال الغيلم: هذا أمر عسير من أين لنا قلب قرد، ونحن في الماء؟ لكن سأحتال لصديقي ثم انطلق إلى ساحل البحر: فقال له القرد يا أخي، ما حبسك عني؟ قال الغيلم: ما حبسني إلا حيائي: فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي؟ وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك أي في منزلي فإن ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة. فركب ظهر الغيلم، فسبح به حتى إذا سبح به عرض له قبح ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: مالي أراك مهتماً؟ قال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض وذلك بمنعي من كثير مما أريد أن أبلغه من حرصك على كرامتك وملاطفتك. قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكليف. قال الغيلم: أجل ومضى بالقرد ساعةً، ثم توقف به ثانية: فساء ظن القرد وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر ولست آمناً أن يكون قلبه قد تغير لي وحال عن مودتي، فأراد بي سوءاً:


فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلباً من القلب وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر،

وفي كل لحظة وكلمة وعند القيام والقعود، وعلى كل حال فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب وقد قالت العلماء إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة فليأخذ بالحزم في الحفظ منه وليتفقد ذلك في لحظاته وحالاته فإن كان ما يظن حقاً ظفر بالسلامة، وإن كان باطلاً ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك؟ ومالي أراك مهتماً، كأنك تحدث نفسك مرة أخرى؟ قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب: لأن زوجتي مريضة قال القرد: لا تهتم فإن الهم لا يغني عنك شيئاً ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية: فإنه يقال ليبذل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة وفي الحاجة وعلى البنين وعلى الأزواج. قال الغيلم: صدقت. وقد قال الأطباء إنه لا دواء لها إلا قلب قرد فقال القرد واأسفاه لقد أدركني الحرص والشر على كبر سني: حتى وقعت في شر ورطة ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحاً مطمئناً وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب.
وأني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه. ثم قال الغيلم: وما منعك أن تعلمني عند منزلي حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحد لزيارة صديق خلّف قلبه عند أهله أوفي موضعه، للنظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وليس قلوبنا معنا قال الغيلم: وأين قلبك الآن؟ قال: خلّفته في الشجرة فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة حتى آتيك به ففرح الغيلم بذلك وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به. ثم رجع بالقرد إلى مكانه فلما أبطأ على الغيلم، ناداه: يا خليلي احمل قلبك وانزل فقد حبستني


فقال القرد: هيهات أتظن أنّي كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان قال الغيلم: وكيف ذلك؟


عن كتاب كليلة ودمنة

الكاتب:  المهاجرة [ السبت يونيو 11, 2016 5:46 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

molhma كتب:
صورة
زعموا أن قرداً يقال له ماهر كان ملك القردة وكان قد كبر وهرم فوثب عليه قرد شاب من بيت المملكة فتغلب عليه، وأخذ مكانه فخرج هارباً على وجهه حتى انتهى إلى الساحل فوجد شجرة من شجر التين فارتقى إليها وجعلها مقامه فبينما هو ذات يوم يأكل من ذلك التين، إذا سقطت من يده تينة في الماء فسمع لها صوتاً وإيقاعاً فجعل يأكل ويرمي في الماء، فأطربه ذلك: فأكثر من طرح التين في الماء وثم غيلم(ذكر السلحفاة ) كلما وقعت تينة أكلها. فما كثر ذلك ظن أن القرد إنما يفعل ذلك لأجله فرغب في مصادقته، وأنس إليه وكلمه، وألف كل واحد منهما صاحبه. وطالت غيبة الغيلم عن زوجته: فجزعت عليه وشكت ذلك إلى جارة لها وقالت: قد خفت أن يكون قد عرض له عارض سوء فاغتاله. فقالت لها: إن زوجك بالساحل قد ألف قرد وألفه القرد: فهو مؤاكله ومشاربه، وهو الذي قطعه عنك، ولا يقدر أن يقيم عندك حتى تحتالي لهلاك القرد. قالت وكيف أصنع؟ قالت لها جارتها: إذا وصل إليك فتمارضي، فإذا سألك عن حالك فقولي: إن الحكماء وصفوا لي قلب قرد.
ثم إن الغيلم انطلق بعد مدة إلى منزله فوجد زوجته سيئة الحال مهمومةً فقال لها الغيلم: مالي أراك هكذا، فأجبته جارتها، وقالت: إن زوجتك مريضة مسكنة. وقد وصف لها الأطباء قلب قرد، وليس لها دواء سواه قال الغيلم: هذا أمر عسير من أين لنا قلب قرد، ونحن في الماء؟ لكن سأحتال لصديقي ثم انطلق إلى ساحل البحر: فقال له القرد يا أخي، ما حبسك عني؟ قال الغيلم: ما حبسني إلا حيائي: فلم أعرف كيف أجازيك على إحسانك إلي؟ وأريد أن تتم إحسانك إلي بزيارتك أي في منزلي فإن ساكن في جزيرة طيبة الفاكهة. فركب ظهر الغيلم، فسبح به حتى إذا سبح به عرض له قبح ما أضمر في نفسه من الغدر، فنكس رأسه، فقال له القرد: مالي أراك مهتماً؟ قال الغيلم: إنما همي لأني ذكرت أن زوجتي شديدة المرض وذلك بمنعي من كثير مما أريد أن أبلغه من حرصك على كرامتك وملاطفتك. قال القرد: إن الذي أعرف من حرصك على كرامتي يكفيك مؤونة التكليف. قال الغيلم: أجل ومضى بالقرد ساعةً، ثم توقف به ثانية: فساء ظن القرد وقال في نفسه: ما احتباس الغيلم وإبطاؤه إلا لأمر ولست آمناً أن يكون قلبه قد تغير لي وحال عن مودتي، فأراد بي سوءاً:


فإنه لا شيء أخف وأسرع تقلباً من القلب وقد يقال: ينبغي للعاقل ألا يغفل عن التماس ما نفس أهله وولده وإخوانه وصديقه عند كل أمر،

وفي كل لحظة وكلمة وعند القيام والقعود، وعلى كل حال فإن ذلك كله يشهد على ما في القلوب وقد قالت العلماء إذا دخل قلب الصديق من صديقه ريبة فليأخذ بالحزم في الحفظ منه وليتفقد ذلك في لحظاته وحالاته فإن كان ما يظن حقاً ظفر بالسلامة، وإن كان باطلاً ظفر بالحزم، ولم يضره ذلك ثم قال للغيلم: ما الذي يحبسك؟ ومالي أراك مهتماً، كأنك تحدث نفسك مرة أخرى؟ قال: يهمني أنك تأتي منزلي فلا تجد أمري كما أحب: لأن زوجتي مريضة قال القرد: لا تهتم فإن الهم لا يغني عنك شيئاً ولكن التمس ما يصلح زوجتك من الأدوية والأغذية: فإنه يقال ليبذل ذو المال ماله في أربعة مواضع: في الصدقة وفي الحاجة وعلى البنين وعلى الأزواج. قال الغيلم: صدقت. وقد قال الأطباء إنه لا دواء لها إلا قلب قرد فقال القرد واأسفاه لقد أدركني الحرص والشر على كبر سني: حتى وقعت في شر ورطة ولقد صدق الذي قال: يعيش القانع الراضي مستريحاً مطمئناً وذو الحرص والشره يعيش ما عاش في تعب ونصب.
وأني قد احتجت الآن إلى عقلي في التماس المخرج مما وقعت فيه. ثم قال الغيلم: وما منعك أن تعلمني عند منزلي حتى كنت أحمل قلبي معي؟ فهذه سنة فينا معاشر القردة إذا خرج أحد لزيارة صديق خلّف قلبه عند أهله أوفي موضعه، للنظر إذا نظرنا إلى حرم المزور وليس قلوبنا معنا قال الغيلم: وأين قلبك الآن؟ قال: خلّفته في الشجرة فإن شئت فارجع بي إلى الشجرة حتى آتيك به ففرح الغيلم بذلك وقال: لقد وافقني صاحبي بدون أن أغدر به. ثم رجع بالقرد إلى مكانه فلما أبطأ على الغيلم، ناداه: يا خليلي احمل قلبك وانزل فقد حبستني


فقال القرد: هيهات أتظن أنّي كالحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب ولا أذنان قال الغيلم: وكيف ذلك؟


عن كتاب كليلة ودمنة


جميلة جداً ياملهمة تسلم ايدك يارب

وجزاكى الله خيراً

الكاتب:  molhma [ الأحد يونيو 12, 2016 3:00 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

لا حرمنى الله من مرورك الجميل أختى الحبيبة المهاجرة سلمك الله من كل مكروه


قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

صورة


قال القرد: زعموا أنه كان أسد في أجمةً، وكان معه ابن آوى يأكل من فواضل طعامه، فأصاب الأسد جرب، وضعف شديد فلم يستطيع الصيد فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد السباع قد تغيرت أحوالك؟ قال: هذا الجرب الذي قد أجهدني وليس له دواء إلا قلب حمار وأذناه قال ابن آوى: ما أيسر هذا وقد عرفت بمكان كذا حماراً مع قصار يحمل عليه ثيابه، وأنا آتيك به ثم دلف إلى الحمار فأتاه وسلم عليه فقال له: مالي أراك مهزولاً؟ قال ما يطعمني صاحبي شيئاً فقال له: وكيف ترضى المقام معه على هذا؟ قال: فما لي حيلة في الهرب منه، لست أتوجه إلى جهة إلا جهة أضربي إنسان فكدني وأجاعني قال ابن آوى: فأنا أدلك على مكان معزول عن الناس، لا يمر به إنسان، خصيب المرعى فيه قطيع من الحمر لم تر عين مثلها حسناً وسمناً قال الحمار: وما يحبسنا وسمناً وقال الحمار: وما يحبسنا عنها؟ فانطلق بنا إليها، فانطلق به ابن آوى نحو الأسد، وتقدم ابن آوى ودخل الغابة على الأسد، فأخبره بمكان الحمار فخرج إليه وأراد أن يثبت عليه، فلم يستطيع لضعفه، وتخلص الحمار منه فأفلت هلعاً على وجهه فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم يقدر على الحمار، قال له: أعجزت يا سيد السباع إلى هذه الغاية؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى، فلن ينجو مني أبداً فمضى ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك؟ إن أحد الحمر رآك غريباً، فخرج يتلقاك مرحباً بك، ولو ثبت له لآنسك، ومضى بك إلى أصحابه فلما سمع الحمار كلام ابن آوى، ولم يكن رأى أسداً قط، صدقه وأخذ طريقه إلى الأسد وأعلمه بمكانه وقال له: استعد له فقد خدعته لك: فلا يدركنَّك الضعف في هذه النوبة إن أفلت فلن يعود معي أبداً فجأش جأش الأسد لتحريض ابن آوى له، وخرج إلى موضع الحمار فلما بصر به عاجله بوبثة افترسه بها. ثم قال: قد ذكرت الأطباء أنه لايؤكل إلا بعد الغسل والطهور: فاحتفظ به حتى أعود فآكل قلبه وأذنيه، وأترك ما سوى ذلك قوتاً لك فلما ذهب الأسد ليغتسل، عمد ابن آوى إلى الحمار فأكل قلبه وأذنيه، رجاء أن يتطير الأسد منه، فلا يأكل منه شيئاً، فقال لابن آوى: أين قلب الحمار وآذناه؟ قال ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يفقه به، وأذنان يسمع بهما، لم يرجع إليك بعد ما أفلت ونجا من الهلكة: وانَّما ضربت لك هذا المثل لتعلم أني لست كذلك الحمار الذي زعم ابن آوى أنه لم يكن له قلب وأذنان، ولكنك احتلت عليَّ وخدعتني فخدعتك بمثل خديعتك، واستدركت فارط أمري.



وقد قيل: إن الذي يفسده الحلم لا يصلحه إلا العلم و الرجل الصالح يعترف بزلته، وإذا أذنب ذنباً لم يستحي أن يؤدَّب لصدقه في قوله وفعله، وإن وقع في ورطة أمكنه التخلص منها بحيلته وعقله: كالرجل الذي يعثر على الأرض، ثم ينهض عليها معتمداً فهذا مثل الرجل الذي يطلب الحاجة فإذا ظفر بها أضاعها.


عن كتاب كليلة ودمنة



حكايات و نصائح و حكمة بالأشعار على لسان الطير و الحيوان

صورة
صور متقابلة
وفي صورة رائعة تعرض للتباهي بالسمن/ الغني، علي الهزال/ الفقر يحكي علي لسان "نعجتين": كان لبعضِ الناسِ نعجتان وكانتا في الغيْطِ ترعيانِ إحداهما سمينة ٌ،
والثانِيهْ عِظامها منَ الهُزالِ باديَه فكانتِ الأولى تباهي بالسمنْ وقولهم بأنها ذات الثمنْ وتَدَّعي أَن لها مقدارا وأنها تستوقفُ الأبصارا فتصبرُ الأختُ على الإذلالِ حاملة ً مَرارة َ الإدلال حتى أتى الجزَّارُ ذاتَ يوم وقلبَ النعجة َ دون القومِ فقال لِلمالِكِ: أَشْترِيها ونقدَ
الكيسَ النفيسَ فيها فانطلقتْ من فورِها لأُختِها وهْيَ تَشكُّ في صلاح بختِها تقولُ: يا أُختاهُ خبِّرِيني هل تعرِفينَ حاملَ السِّكين؟ قالت: دعيني وهزالي والزمنَ وكلِّمِي الجزّارَ يا ذاتَ الثَّمَنْ! لكلِّ حال حلوها ومرُّها ما أَدَبُ النعجة ِ إلا صبرُها.


كتاب : دواوين الشعر العربي على مر العصور
أحمد شوقى



الكاتب:  عاشق أهل البيت [ الأحد يونيو 12, 2016 4:16 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

مشاء الله لاقوة الا بالله قصص جميلة وممتعة مليئة بالعظة والعبرة
سلمت يداكي ...

الكاتب:  molhma [ الاثنين يونيو 13, 2016 6:03 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

عاشق أهل البيت كتب:
مشاء الله لاقوة الا بالله قصص جميلة وممتعة مليئة بالعظة والعبرة
سلمت يداكي ...


جزاك الله خيرا كثيرا أخى الكريم الفاضل عاشق أهل البيت على المرور الطيب الكريم و الكلام الطيب أكرمكم الله و أعزكم


قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات



الجرذ والسنور (من كتاب آثار ابن المقفع)

صورة

زعموا أن شجرة عظيمة كان في أصلها جحر سنور يقال له رومي وكان قريباً منه جحر جرذ يقال له فريدون وكان الصيادون كثيراً يتداولون ذلك المكان يصيدون فيه الوحش والطير فنزل ذات يوم صياد فنصب حبالته قريباً من موضع رومي فلم يلبث أن وقع فيها. فخرج الجرذ يدب، ويطلب ما يأكل، وهو حذر من رومي فبينما هو يسعى إذ بصر به في الشرك، فسرّ واستبشر، ثم التفت فرأى خلفه ابن عرس، يريد أخذه، وفي الشجرة بوماً، يريد اختطافه، فتحيّر في أمره، وخاف إن رجع وراءه أخذه ابن عرس، وإن ذهب يميناً أو شمالاً اختطفه البوم، وإن تقدم أمامه افترسه السنور. فقال في نفسه: هذا بلاء قد اكتفني، وشرور تظاهرت عليّ، ومحنٌ قد أحاطت بي. وبعد ذلك فمعي عقلي، فلا يفزعني أمري، ولا يهولني شأني، ولا يلحقني الدهش، ولا يذهب قلبي شعاعاً: فالعاقل لا يفرق عند سداد رأيه ولا يعزب عنه ذهنه على حال. وإنما العقل شبيهٌ بالبحر الذي لا يدرك غوره ولا يبلغ البلاء من ذي الرأي مجهوده فيهلكه، وتحقق الرجاء لا ينبغي أن يبلغ منه مبلغاً يبطره ويسكره: فيعمى عليه أمره ولست أرى لي من هذا البلاء مخلصاً إلا مصالحة السنّور: فإنه قد نزل به من البلاء مثل ما قد نزل بي أو بعضه ولعل إن سمع كلامي الذي أكلّمه به، ووعى عنّي فَصِيحَ خطابي، ومحض صدقي الذي لا خلاف فيه، ولا خداع معه ففهمه، وطمع في معونتي إياه، نَخلُصْ جميعاً.

ثم إن الجرذ دنا من السنّور فقال له: كيف حالك؟ قال له السنور: كما تحب: في ضنك وضيق قال: وأنا اليوم شريكك في البلاء، ولست أرجو لنفسي خلاصاً إلا بالذي أرجو لك فيه الخلاص وكلامي هذا ليس فيه كذب ولا خديعة وابن عرس ها هو كامنٌ لي، والبوم يرصدني وكلاهما لي ولك عدوٌّ فإن جعلت لي الأمان، قطعت حبائلك، وخلّصتك من هذه الورطة فإذا كان ذلك تخلّص كل واحد منّا بسبب صاحبه: كالسفينة والركاب في البحر: فبالسفينة ينجون وبهم تنجو السفينة. فلما سمع السنور كلام الجرذ وعرف أنه صادق قال له: إن قولك هذا لشبيه بالحق وأنا أيضاً راغب فيما أرجو لك ولنفسي به الخلاص. ثم إنك إن فعلت ذلك فسأشكر لك ما بقيت قال الجرذ: فإني سأدنو منك فأقطع الحبائل كلها إلا حبلاً واحداً أبقيه لأستوثق لنفسي منك ثم أخذ في قرض حبائله ثم إن البوم وابن عرس لما رأيا دنو الجرذ من السنور أيسا منه وانصرفا ثم إن الجرذ أبطأ على رومي قطع الحبائل فقال له: مالي لا أراك مجداً في قطع حبائلي فإن كنت قد كنت ظفرت بحاجتك: فتغيرت عما كنت عليه وتوانيت في حاجتي فما ذلك من فعل الصالحين: فإن الكريم لا يتوانى في حق صاحبه. وقد كان لك في سابق مودتي من الفائدة والنفع ما قد رأيت. وأنت حقيق أن تكافئني بذلك ولا تذكر العداوة التي بيني وبينك: فالذي حدث بيني وبينك من الصلح حقيق أن ينسيك ذلك مع ما في الوفاء من الفضل والأجر وما في الغدر من سوء العاقبة: فإن الكريم لا يكون إلا شكوراً غير حقود تنسيه الخلة الوحدة من الإحسان الخلال الكثيرة من الإساءة وقد يقال: إن أعجل العقوبة عقوبة الغدر ومن إذا تضرع إليه وسئل العفو فلم يرحم ولم يعف فقد غدر

قال الجرذ: إن الصديق صديقان: طائع ومضطر وكلاهما يلتمسان المنفعة ويحترسان من المضرة فأما الطائع فيسترسل إليه ويؤمن في جميع الأحوال وأما المضطر ففي بعض الأحوال يسترسل إليه وفي بعضها يتحذر منه. ولا يزال العاقل يرتهن منه بعض حاجاته لبعض ما يتقي ويخاف وليس عاقبة التواصل من المتواصل إلا طلب عاجل النفع وبلوغ مأموله وأنا واف لك بما جعلت لك ومحترس منك مع ذلك من حيث أخافك تخوفاً أن يصيبني منك ما ألجأني خوفه إلى مصالحتك وألجأك إلى قبول ذلك مني: فإن لكل عمل حيناً. فما لم يكن منه في حينه فلا حسن لعاقبته. وأنا قاطع حبائلك كلها غير أني تارك عقدة واحدة أرتهنك بها ولا أقطعها إلا في الساعة التي أعلم أنك فيها عني مشغول: وذلك عند معاينتي الصياد. ثم إن الجرذ أخذ في قطع حبائل السنور. فبينما هو كذلك إذ وافى الصياد فقال له السنور: الآن جاء الجد في قطع حبائلي. فأجهد الجرذ نفسه في القرض حتى إذا فرغ وثب السنور إلى الشجرة على دهش من الصياد ودخل الجرذ بعض الأحجار وجاء الصياد فأخذ حبائله مقطعةً، ثم انصرف خائباً.

ثم إن الجرذ خرج بعد ذلك، وكره أن يدنو من السنّور، فناداه السنّور: أيها الصديق الناصح، ذو البلاء الحسن عندي، ما منعك من الدنوِّ إليّ، لأجازيك بأحسن ما أسديت إليّ، هلمَّ، إليَّ ولا تقطع إخائي: فإنه من اتخذ صديقاً، وقطع إخاءه، وأضاع صداقته، حُرِمَ ثمرة إخائه، وأيس من نفعه الإخوان والأصدقاء. وإن يدك عندي لا تنسى، وأنت حقيقٌ أن تلتمس مكافأة ذلك مني ومن إخواني وأصدقائي. ولا تخافنّ مني شيئاً. واعلم أن ما قِبلي لك مبذولٌ. ثم حلف واجتهد على صدقه فيما قال. فناداه الجرذ: ربَّ صداقة ظاهرة باطنها عداوة كامنة. وهي أشد من العداوة الظاهرة. ومن لم يحترس منها، وقع موقع الرجل الذي يركب ناب الفيل المغتلم ثم يغلبه النعاس فيستيقظ تحت فراسن الفيل، فيدوسه ويقتله. وإنما سمي الصديق صديقاً: لما يرجى من نفعه، وسمي العدو عدواً: لما يخاف من ضرره. والعاقل إذا رجا نفع العدو أظهر له الصداقة، وإذا خاف ضرّ الصديق أظهر له العداوة. ألا ترى؟ تتّبع البهائم أمهاتها رجاء ألبانها، فإذا انقطع ذلك انصرفت عنها.

وربما قطع الصديق عن صديقه بعض ما كان يصله، فلم يخف شرّه: لأن أصل أمره لم يكن عداوة. فأما من كان أصل أمره عداوة جوهرية، ثم أحدث صداقة لحاجة حملته على ذلك، فإنه إذا زالت الحاجة التي حملته على ذلك، زالت صداقته، فتحولت عداوة وصار إلى أصل أمره: كالماء الذي يسخن بالنار، فإذا رفع عنها عاد بارداً. وليس من أعدائي عدوٌّ أضر لي منك. وقد اضطرني وإياك وإلى ما أحدثنا من المصالحة. وقد ذهب الأمر الذي احتجت إليّ واحتجت إليك فيه، وأخاف أن يكون مع ذهابه عود العداوة. ولا خير للضعيف في قرب العدو القوي، ولا للذليل في قرب العدو العزيز. ولا أعلم لك قبلي حاجة، وليس عندي بك ثقة: فإني قد علمت أن الضعيف المحترس من العدو القوي أقرب إلى السلامة من القوي إذا اغتر بالضعيف واسترسل إليه. والعاقل يصالح عدوه إذا اضطر إليه، ويصانعه، ويظهر له ودّه، ويريه من نفسه الاسترسال إليه إذا لم يجد من ذلك بدّا، ثم يعجّل الانصراف عنه، حين يجد إلى ذلك سبيلا. واعلم أن سريع الاسترسال لا تقال عثرته. والعاقل يفي لمن صالحه من أعدائه بما جعل له من نفسه، ولا يثق به كل الثقة، ولا يأمنه على نفسه مع القرب منه. وينبغي أن يبعد عنه ما استطاع. وأنا أودك من بعيد، وأحب لك من البقاء والسلامة، ما لم أكن أحبه لك من قبل. ولا عليك أن تجازيني على صنيعي إلا بمثل ذلك: إذ لا سبيل إلى اجتماعنا والسلام.


الكاتب:  molhma [ الثلاثاء يونيو 14, 2016 4:34 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

صورة
زعموا أن ملكاً من ملوك الهند كان يقال له بريدون، وكان له فرخ وكان هذا الطائر وفرخه ينطقان بأحسن منطق، وكان الملك بهما معجباً، فأمر بهما أن يجعلا عند امرأته، وأمرها بالمحافظة، عليهما. واتفق أن امرأة الملك ولدت غلاماً، فألف الفرخ الغلام. وكلاهما طفلان يلعبان جميعاً، وكان فنزة يذهب إلى الجبل كل يوم فيأتي بفاكهة لا تعرف فيطعم ابن الملك شطرها. ويطعم فرخه شطرها. فأسرع ذلك في نشأتهما وزاد في شبابهما وبان عليهما أثره عند الملك: فازداد لفنزة إكراماً وتعظيماً ومحبة حتى إذا كان يوم من الأيام وفنزة غائب في اجتناء الثمرة وفرخه في حجر الغلام
ذرق في حجره فغضب الغلام وأخذ الفرخ فضرب به الأرض فمات. ثم إن فنزة أقبل فوجد فرخه مقتولاً فصاح وحزن وقال: قبحاً للملوك الذين لا عهد لهم ولا وفاء ويل لمن ابتلى بصحبة الملوك الذين لا حمي لهم ولا حرمة ولا يحبون أحد ولا يكرم عليهم إلا إذا طمعوا فيما عنده من غناه واحتاجوا إلى ما عنده من علم: فيكرمونه لذلك فإذا ظفروا بحاجتهم منه فلا ود ولا إخاء ولا إحسان ولا غفران ذنب ولا معرفة حق هم الذين أمرهم مبني على الرياء والفجور. وهم يستصغرون ما يرتكبونه من عظيم الذنوب ويستعظمون اليسير إذا خولفت فيه أهواؤهم. ومنهم هذا الكفور الذي لا رحمة له الغادر بأليفه وأخيه. ثم وثب في شدة حنقه على وجه الغلام ففقأ عينه، وطار فوقع على شرفة المنزل. ثم إنه بلغ الملك ذلك، فجزع أشد الفزع، ثم طمع أن يحتال له فوقف قريباً منه وناداه وقال له: إنك آمن فنزل يا فنزة. فقال له: أيها الملك إن الغادر مأخوذ بغدره وإنه إن أخطأه عاجل العقوبة لم يخطئه الآجل حتى إنه يدرك الأعقاب وأعقاب الأعقاب وإن ابنك غدر بابني، فعجلت له العقوبة. قال الملك: لعمري قد غدرنا بابنك، فانتقمت منا: فليس لك قبلنا ولا لنا قبلك وتر مطلوب. فارجع إلينا آمناً. قال فنزة: لست براجع إليك أبداً فإن ذوي الرأي قد نهوا عن قرب الموتور فإنه لا يزيدك لطف الحقود ولينه وتكرمه إياك إلا وحشة منه، وسوء ظن به: فإنك لا تجد للحقود الموتور أماناً هو أوثق لك من الذعر منه ولا أجود من البعد عنه ولأحترس منه أولى. وقد كان يقال: إن العاقل يعد أبويه أصدقاء والأخوة رفقاء والأزواج ألفاء والبنين ذكراً، والبنات خصماء والأقارب غرماء ويعد نفسه فريداً. وأنا الفريد الوحيد الغريب الطريد قد تزودت من عنكم من الحزن عبئاً ثقيلاً لا يحمله معي أحد. وأنا ذاهب. فعليك مني السلام.
قال الملك:
لقد علمت أنه لا يستطيع أحد لأحد ضراً ولا نفعاً، وأنه لا شيء من الأشياء صغيراً ولا كبيراً يصيب أحد ألا بقضاء وقدر معلوم. وكما أن خلق ما يخلق، وولادة ما يولد، وبقاء ما يبقى ليس إلى الخلائق منه شئ، كذلك فناء ما يفنى وهلاك ما يهلك. وليس لك في الذي صنعت بابني ذنب، ولا لا بني فيما صنع بابنك ذنب.
إنما كان ذلك كله قدراً مقدوراً، وكلانا له علة: فلا نوأخذ بما به القدر

قال فنزة
وإذا خاف الإنسان على نفسه شيئاً طابت نفسه عن المال والأهل والولد والوطن: فإنه يرجو الخلف من ذلك كله ولا يرجو عن النفس خلفاً. وشر المال ما لا إنفاق منه وشر الأزواج التي لا تواتي بعلها، وشر الولد العاصي العاق لوالديه وشر الإخوان الخاذل لأخيه عند النكبات والشدائد، وشر الملوك الذي يخافه البريء، ولا يواظب على حفظ أهل مملكته، وشر البلاد بلاد بلا خصب فيها ولا أمن،
وإنه لا أمن لي عندك أيها الملك ولا طمأنينة لي في جوارك. وثم ودع الملك وطار. فهذا مثل ذوي الأوتار الذين لا ينبغي لبعضهم أن يثق ببعض.

(من كتاب آثار ابن المقفع)



حكايات "شوقي" علي ألسنة الحيوان والطير

صورة

نموذجاً" يُحتذي ـ في المجال الإجتماعي والسياسي ـ في كيفية المشورة، وتبادل الرأي، وإعلاء صوت العقل والحكمة والخبرة:


يــحكون أن أمــــــــــة الأرانـبِ قد أخذت من الثرى بجـــــــانب
وابتهجت بالوطـــــــــــن الكريم وموئـــــــل العيال والحريـــــم
فاختاره الفيــــــل له طريقـــــــــــ،ا ممزقاً أصحابنا تمزيقـــــــا
وكان فيهم أرنب لبيــــــــــــب أذهب جـُلّ صوفه التــــــــجريب
نادى بهم: يا معشر الأرانب من عالم، وشاعر، وكاتــــــــــب
اتحدوا ضد العــــــــــــدو الجـــــــــــافي فالاتحاد قوة الضعاف
فأقبلوا مستصوبيـــــــــــــن رايه وعقدوا للاجتماع رايــــــــــه
وانتخبوا من بينهم ثلاثه لا هــــــــــــرماً راعوا، ولا حــــداثه
بل نظروا إلى كمــــــــال العقال واعتبروا في ذاك سن الفضل
فنهض الأول للخطــــــــــاب فقال: إن الرأي ذا الصــــــــواب
أن تترك الأرض لذى الخرطوم كـي نستريح من أذى الغَشوم
فصــــــاحت الأرانب الغوالي: هذا أضر من أبــــــــي الأهوال
ووثب الثـــــــاني فقال: إني أعهــــــــــد في الثعلب شيخ الفن
فلندعه يمـــــــــــدنا بحكمتـــــه ويأخذ اثنين جـــــــزاء خدمته
فقيـــــــــــل: لا يــــا صاحب السمو لا يدفع العدو بالعــــــــــدو
وانتدب الثالث للـــكلام فقال: يــــــــــــا معشر الأقــــــــــــــوام
اجتمعوا؛ فالاجتماع قـــوة ثم احفروا على الطريق هــــــــــوه
يهوي إليها الفيل في مروره فنستريح الدهر من شــــــــروره
ثم يقول الجيـــــــلُ بعد الجيل قد أكل الأرنب عقل الفيـــــــــــل
فاستصوبوا مقاله، واستحسنوا وعملوا من فورهم، فأحسنوا
وهـــــــلك الفيـــــــل الرفيع الشان فأمست الأمة في أمـــــان
وأقبلت لصاحــــــــب التدبير ساعيــــــــة بالتاج والسريـــــر
فقال: مهلاً يا بن،،،،ي الأوطان إن محــــــــلي للمحل الثاني
فصاحب الصوت القوي الغالب من قد دعا: يا معشر الأرانب.



الكاتب:  molhma [ الأربعاء يونيو 15, 2016 5:29 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

صورة
قوة المال ثلاث حكايات فى حكاية
حكاية تروى على لسان جرذ ( فأر ) عن حكايته و سيرته الذاتية
بدأ الجُرذُ وقال: كانَ مَنزِلي أوَّل أمري بِمَدينةِ ماروت في بَيتِ رَجلٍ نَاسكٍ وكان خالياً من الأهلِ والعيال، وكان يُؤتى في كل يَومٍ بِسلةٍ مِن الطَّعامِ فيأكلُ مِنها حاجَتَهُ ويُعَلِّقُ الباقي، وكُنتُ أرصُدُ الناسِكَ، حَتَّى يَخرُج وأثِبُ إلى السَّلةِ، فلا أدعُ فيها طعاماً إلا أكلتُه، وأرمي بِهِ إلى الجرذان. فَجِهدَ النّاسِكُ مِراراً أنْ يُعَلِّقَ السلَّةَ مكاناً لا أنالُهُ فَلمْ يَقدِر على ذلك، حتى نَزلَ به ذاتُ ليلةٍ ضيفٌ فأكلا جميعاً، ثُمَّ أخذا في الحديث فقال الناسكُ للضيفِ: مِن أي أرضٍ أقبلت؟ وأين تُريدُ الآن؟ وكان الرجل قد جَابَ الآفاقَ ورأى عَجائِبَ فأنشأ يُحدِّثُ الناسكَ عَمّا وَطئَ مِن البلاد، ورأى من العجائب، وجَعلَ الناسكُ خلالَ ذلك يُصَفِّقُ بيديهِ لِيُنَفّرَني عَن السلةِ، فَغَضِبَ الضَّيفُ وقال: أنا أحُدِّثُكَ وأنتَ تهزأُ بحديثي! فما حَملكَ على أنْ سألتني؟ فاعتذرَ إليه الناسكُ، وقال: إنِّما أصفقُ بيدي لأُنَفِّرَ جُرذاً قَد تُحيَّرتُ في أمرهِ، ولَستُ أضعُ في البيتِ شيئاً إلا أكلَهُ، فقال الضيفُ: جُرذٌ واحدٌ يَفعلُ ذلكَ أمْ جِرذان كثيرة؟ فقال الناسك: بل هوَ جرذٌ واحد فما أستطيع له حيلة. قال الضيف: لقد ذَكَّرتَني قَولَ الذي قال: لأمرٍ ما باعتْ هذهِ المرأةُ سِمسِماً مقشوراً بغيرِ مَقشور! قال الناسك: وكيف كان ذلك؟قال الضيف: نَزلتُ مَرَّةً على رجلٍ بِمكان كذا، فَتعَشينا، ثم فَرَشَ لي. وانقلبَ الرجل على فراشه، فَسمِعتُهُ يقولُ في آخرِ الليلِ لامرأتِه: إني أريدُ أن أدعو غداً رَهطا (أي جماعة من الناس) ليأكلوا عِندنا، فاصنعي لهم طعاماً. فقالت المرأة: كيفَ تَدعو الناسَ إلى طَعامِكَ، وليس في بيتِكَ فضلٌ عَن عيالك؟ وأنت رَجلٌ لا تُبقي شيئاً ولا تَدَخِرُه. قال الرجل: لا تَندَمي على شيءٍ أطعمناه وأنفقناه: فإنَّ الجَمعَ والادِّخارَ رُبَّما كانت عاقِبَتُهُ كعاقِبَةِ الذئبِ.
صورة

قالت المرأةُ وكيف كان ذلك؟ قال الرجل: زعموا أنَّهُ خَرجَ ذاتَ يومٍ رجلٌ قانصٌ، ومعهث قوسُهُ ونشابه (أي السِّهام) فلم يجاوزُ غيرَ بعيد، حتى رمى ظبياً، فحَملهُ ورجعَ طالباً مَنزِلُه، فاعترضه خِنزيرٌ بريٌّ فرماهُ بنشابةٍ نفذت فِيه، فأدرَكَهُ الخِنزيرُ وضَرَبَهُ بأنيابِه ضَربةً أطارت مِن يدهِ القَوسَ، ووقعا مَيتَين، فأتى عليهِم ذِئبٌ فقال: هذا الرجل والظبيُ والخنزيرُ يكفيني أكلُهُم مُدَّةً، ولكن أبدأ بهذا الوتر (أي القوس) فآكُلُهُ، فَيكونُ قُوتَ يَومي، فعالجَ الوتر حتى قَطَعهُ فلما انقطع طارت سِيَّةُ القوس فضربت حلقهُ فمات. وإنما ضربتُ لَكِ هذا المثل لتعلمي أنَّ الجَمعَ والادخارِ وخَيمُ العاقبة. فقالت المرأة: نِعمَ ما قُلت! وعِندنا مِن الأرزِّ والسمسم ما يكفي سِتةَ نفرٍ أو سبعة، فأنا غاديةٌ على اصطناعِ الطعام، فادعُ مَن أحببت. وأخذت المرأةُ حِين أصبحت سِمسماً فقشَّرَتُه، وبسطتُه في الشمسِ ليجفّ، وقالت لغلامٍ لهم: اطرد عَنهُ الطيرَ والكلابَ وتَفَرَّغتْ المرأةُ لِصُنعها؛ وتغافلَ الغلامُ عَن السمسم؛ فجاء كلبٌ، فعاثَ فيه؛ فاستَقذَرَتُه المرأةُ، وكَرِهَت أنْ تَصنعَ مِنهُ طعاماً ما؛ فذهبتْ بِه إلى السوقِ، فأخذت به مُقايَضَةً سمسماً غيرَ مقشور: مَثلاً بمثلٍ، وأنا واقفٌ في السوق؛ فقال رجلٌ: لأمرٍ ما باعت هذه المرأة سمسماً مقشوراً بغير مقشورٍ. وكذلك قولي في هذا الجرذ الذي ذكرتَ أنَّه على غَير عِلَّةٍ ما يَقدِرُ على ما شَكوتَ مِنه. فالتَمِسْ لي فأساً لَعلّي أحتفر جُحرَهُ فأطَّلِعَ على بَعضِ شأنِه. فاستعار الناسكُ مِن بَعضِ جِيرانِه فأساً، فأتى بها الضيفَ، وأنا حينئذٍ في غِيرِ جُحري أسمَعُ كلامَهُما، وفي جُحري كيسٌ فيه مائةُ دينارٍ، لا أدري مَن وَضَعَها، فاحتفر الضيف حتى انتهى إلى الدنانير فأخذها وقال الضيفُ: ما كان هذا الجُرذُ يَقوى على الوثوبِ حَيثُ كان يَثِبُ إلا بهذهِ الدنانير: فإنَّ المالَ جَعلَ لَهُ قُوَّةَ وزِيادَةً في الرأي والتَّمَكُن. وسَترى بعد هذا أنَّه لا يَقدِرُ على الوثوبِ حيثُ كان يَثِب. فلَّما كان مِن الغد اجتمعَ الجُرذانُ التي كانت مَعي فقالت: قَد أصابَنا الجوعُ، وأنتَ رجائُنا فانطلقتُ ومَعي الجُرذان إلى المكان الذي كُنتُ أثِبُ مِنهُ إلى السلة فحاولتُ ذلك مِراراً: فلم أقدر عليه فاستبان للجرذانِ نَقصَ حالي فَسَمِعتُهُنَّ يَقُلنَ: انصَرِفنَ عَنهُ، ولا تَطمَعنَ فيما عنده: فإنا نَرى لَهُ حالاً لا نَحسَبُهُ إلا قَد احتاجَ مَعَها إلى مَن يَعوله.
صورة
فَتَركَنني، ولَحِقنَ بأعدائي وجَفَونني، وأخَذنَ في غِيبتي عِندَ مَن يُعاديني ويَحسِدُني. فقُلتُ في نَفسي

: ما الإخوانُ ولا الأعوانُ ولا الأصدقاءُ إلا بالمالِ ووجدتُ مَن لا مالَ له، إذا أرادَ أمراً قَعدَ به العَدَمُ عمّا يُريدهُ: كالماءِ الذي يبقى في الأوديةِ مِن مَطرِ الشتاء: لا يَمُرُّ إلى نَهرٍ ولا يجري إلى مكان، فَتَشرَبُه أرضُه. ووجدتُ مَن لا إخوانَ له لا أهلَ له، ومَن لا ولَدَ لَه لا ذِكرَ له: ومَن لا مالَ له لا عَقلَ له، ولا دُنيا ولا آخرةَ له: لأنَّ الرَّجُلَ إذا افتقرَ قَطَعَهُ أقارِبُهُ وإخوانُه: فإنَّ الشجرةَ النابتةَ في السباخِ، المأكولةَ مِن كُلِّ جَانبٍ، كَحالِ الفقيرِ المحتاجِ إلى ما في أيدي الناس.ووَجدتُ الفَقرَ رَأسَ كُلِّ بَلاء، وجالباً إلى صاحبهِ كُلَّ مَقت، ومَعدِنُ النميمة. ووَجدتُ الرَّجُلَ إذا افتقرَ اتهَمَهَ مَن كانَ له مُؤتَمِناً، وأساءَ بِه الظَنَّ مَن كانَ يَظُنُّ فيهِ حَسناً: فإنْ أذنبَ غَيرهُ كانَ هُوَ للتُهمَةِ مَوضعاً. وليس مِن خِلَّةٍ هي للغَني مَدحٌ إلا وهي للفقيرِ ذمٌ، فإنْ كانَ شجاعاً قيل: أهوج، وإنْ كان جَواداً سُمّي مُبذِّراً، وإنْ كان حَليماً سُمِّيَ ضَعيفاً، وإنْ كان وَقوراً سُمّي بَليداً. فالموتُ أهونُ مِن الحاجةِ التي تُحوِجُ صَاحِبَها إلى المَسألةِ، ولا سِيَّما مَسألةُ الأشحاءِ واللئامِ: فإنَّ الكَريمَ لَو كُلِّفَ أنْ يُدخِلَ يَدَهُ في فَمِ الأفعى، فُيخرجُ مِنهُ سُمّاً فَيَبتَلِعهُ كان ذلك أهوَنُ عَليه وأحَبُّ إليهِ مِن مسألةِ البخيلِ اللئيم. وقد كُنتُ رَأيتُ الضيفَ حِينَ أخذَ الدنانيرَ فقاسَمَها الناسكَ، فَجعلَ الناسكُ نصيبَهُ في خَريطَةٍ عِندَ رأسِه ولما جنّ الليلُ، طَمِعتُ أنْ أُصيبَ مِنها شيئاً فأرُدَّهُ إلى جُحري، ورَجوتُ أنْ يزيدَ ذلكَ في قُوَّتي، ويُراجِعُني بِسَبَبِهِ بَعضُ أصدقائي. فانطلقتُ إلى الناسكِ وهو نائمٌ، حتى انتهيتُ عِندَ رأسِه، ووجدتُ الضيفَ يقظان، وبِيَدِهِ قَضيبٌ، فَضَرَبني على رأسي ضَربَةً مُوجِعَةً، فَسعيتُ إلى جُحري. فلَمّا سَكَنَ عَنِّيَ الألمُ، هَيَّجَني الحِرصُ والشَرَهُ، فَخَرجتُ طَمِعاً كطمعي الأول، وإذا الضيفُ يَرصُدُني، فضربني ضربة أسالت مِني الدَمَ، فتقلبتُ ظهراً لبطن إلى جُحري، فخَرَرتُ مَغشِيّاً عَليّ، فأصابني مِن الوَجَعِ، ما بَغَّضَ إليَّ المالَ، رِعدَةً وهَيبة. ثُمَّ تَذَكَّرتُ فَوجدُتُ البَلاءَ في الدُنيا إنَّما يَسوقُهُ الحِرصُ والشره، ولا يزالُ صاحِبُ الدُّنيا في بَليَّةٍ وتَعَبٍ ونَصَبٍ، ووَجدتُ تَجَشُّمَ الأسفارِ البَعيدةِ في طَلبِ الدُنيا أهْوَنُ عَليّ مِن بَسطٍ اليَدِ إلى السَّخىِّ بالمال، ولَمْ أرَ كالرِضا شَيئاً، فَصارَ أمري إلى أنْ رَضيتُ وقَنَعتُ، وانتَقَلتُ مِن بَيتِ الناسكِ إلى البَرِّية.
فعلمت أنه لا ينبغي للعاقل أن يلتمس من الدنيا غير الكفاف الذي يدفع به الأذى عن نفسه: وهو اليسير من المطعم والمشرب، إذا اشتمل على صحة البدن ورفاهة البال.
ولو أن رجلاً وهبت له الدنيا بما فيهان لم يك ينتفع من ذلك إلا بالقليل الذي يدفع به عن نفسه الحاجة

الكاتب:  ابو الحسن الطيب [ الأربعاء يونيو 15, 2016 5:57 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

كالعادة مبدعة ومميزة
كل عام وانتم بخير


الكاتب:  المهاجرة [ الأربعاء يونيو 15, 2016 6:29 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

ابو الحسن الطيب كتب:

كالعادة مبدعة ومميزة
كل عام وانتم بخير



ماشاء الله لاقوة إلا بالله تسلم ايدك وجزاك اللخ كل خير

الكاتب:  molhma [ الخميس يونيو 16, 2016 11:51 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

ابو الحسن الطيب كتب:

كالعادة مبدعة ومميزة
كل عام وانتم بخير



المهاجرة كتب:
ابو الحسن الطيب كتب:

كالعادة مبدعة ومميزة
كل عام وانتم بخير



ماشاء الله لاقوة إلا بالله تسلم ايدك وجزاك اللخ كل خير


جزاكم الله خيرا كثيرا أخى الكريم الفاضل الأستاذ أبو الحسن الطيب و أختى الكريمة الفاضلة المهاجرة و أسعدنى مروركم الكريم العطر أكرمكم الله و أعزكم دنيا و دين

الكاتب:  molhma [ الجمعة يونيو 17, 2016 5:13 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات


صورة

زعموا أنه كان في جبل في الجبال شجرة من شجر الدوح، فيها وكر ألف غراب، وعليهن وال من أنفسهن، وكان عند هذه الشجرة كهف فيه ألف بوم، وعليهن وال منهن. فخرج ملك البوم لبعض غدواته وروحاته، وفي نفسه العداوة لملك الغربان، وفي نفس الغربان وملكها مثل ذلك للبوم،
صورة
فأغار ملك البوم في أصحابه على الغربان في أوكارها، فقتل وسبى منها خلقا كثيرا، وكانت الغارة ليلا، فلما أصبحت الغربان اجتمعت إلى ملكها فقلن له: قد علمت ما لقينا الليلة من ملك البوم، وما منا لإلا أصبح قتيلا أو جريحا أو مكسور الجناح أو منتوف الريش أو مقطوف الذنب وأشد مما أصابنا ضرا علينا جراءتهن علينا، وعلمهن بمكاننا،

وهن عائدات إلينا غير منقطعات عنا: لعلمهن بمكاننا: فإنما نحن لك، ولك الرأي، أيها الملك، فانظر لنا ولنفسك، وكان في الغربان خمسة معترف لهن بحسن الرأي، يسند إليهن في الأمور، ويلقى عليهن أزمة الأحوال. وكان الملك كثيرا ما يشاورهن في الأمور، ويأخذ آراءهن في الحوادث والنوازل. فقال الملك للأول من الخمسة: ما رأيك في هذا الأمر؟ قال: رأي قد سبقتنا إليه العلماء، وذلك أنهم قالوا: ليس للعدو الحنق إلا الهرب منه. قال الملك للثاني: ما رأيك في هذا الأمر؟ قال: رأي ما رأى هذا من الهرب. قال الملك: لا أرى لكما ذلك رأيا، أن نرحل عن أوطاننا ونخليها لعدونا من أول نكبة أصابتنا منه ولا ينبغي لنا ذلك ولكن نجمع أمرنا ونستعد لعدونا ونذكي نار الحرب فيما بيننا وبين عدونا ونحترس من الغرة إذا أقبل إلينا فنلقاه مستعدين ونقاتله قتالا غير مراجعين فيه، ولا مقصرين عنه وتلقى أطرافنا أطراف العدو ونتحرز بحصوننا وندافع عدونا: بالأناة مرة وبالجلاد أخرى حيث نصيب فرصتنا وبغيتنا، وقد ثنينا عدونا عنا. ثم قال الملك للثالث: ما رأيك أنت؟ قال: ما أرى ما قالا رأيا. ولكن نبث العيون ونبعث الجواسيس ونرسل الطلائع بيننا وبين عدونا فنعلم أيريد صلحنا أم يريد حربنا أم يريد الفدية؟ فإن رأينا أمره أمر طامع في مال، لم نكره الصلح على خراج نؤديه إليه كل سنة، ندفع به عن أنفسنا ونطمئن في أوطاننا. قال الملك للرابع: فما رأيك في هذا الصلح؟ قال لا أراه رأيا بل أن نفارق أوطاننا ونصبر على الغربة وشدة المعيشة خير من أن نضيع أحسابنا ونخضع للعدو الذي نحن أشرف منه مع أن البوم لو عرضنا ذلك عليهن لما رضين منا إلا بالشطط
. ويقال في الأمثال: قارب عدوك بعض المقاربة: لتنال حاجتك ولا تقاربه كل المقاربة: فيتجرىء عليك ويضعف جندك وتذل نفسك
. ومثل ذلك مثل الخشبة المنصوبة في الشمس: إذا أملتها قليلا زاد ظلها، وإذا جاوزت بها الحد في إمالتها نقص الظل
. قال الملك للخامس: ما تقول أنت؟ وماذا ترى: القتال أم الصلح أم الجلاء عن الوطن؟ قال: أما القتال فلا سبيل للمرء إلى قتال من لا يقوى عليه وقد يقال: إنه من لا يعرف نفسه وعدوه وقاتل من لا يقوى عليه، حمل نفسه على حتفها
. فلا يكونن القتال للبوم من رأيك، أيها الملك: فإن من قاتل من لا يقوى عليه فقد غرر بنفسه.
. ولست أرى لهذا السر على قدر منزلته أن يشارك فيه إلا أربع آذان ولسانان. فنهض الملك من ساعته، وخلا به، فاستشاره، فكان أول ما سأله عنه الملك أنه قال: هل يعلم ابتداء عداوة ما بيننا وبين البوم؟ قال: نعم: كلمة تكلم بها غراب. قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: زعموا أن جماعة من الكراكي لم يكن لها ملك، فأجمعت أمرها على أن يملكن عليهن ملك البوم فبينما هي في مجمعها إذ وقع لها غراب، فقالت: لو جاءنا هذا الغراب. لاستشرناه؛ فلم يلبثن دون أن جاءهن الغراب. فاستشرنه، فقال: لو أن الطير بادت من الأقاليم، وفقد الطاوس والبط والنعام والحمار من العالم لما اضطررتن إلى أن تملكن عليكن البوم التي هي أقبح الطير منظرا، وأسوؤها خلقا، وأقلها عقلا، وأشدها غضبا وأبعدها من كل رحمة، مع عماها وما بها من العشا بالنهار، وأشد من ذلك وأقبح أمورها سفهها وسوء أخلاقها، إلا أن ترين أن تملكنها وتكن أنتن تدبرن الأمور دونها برأيكن وعقولكن، كما فعلت الأرنب التي زعمت أن القمر ملكها، ثم عملت برأيها، قال الطير: وكيف كان ذلك؟

قال الغراب: زعموا أن أرضا من أراضي الفيلة تتابعت عليها السنون، وأجدبت، وقل ماؤها، وغارت عيونها، وذوى نبتها، ويبس شجرها، فأصاب الفيلة عطش شديد: فشكون ذلك إلى ملكهن، فأرسل الملك رسوله ورواده في طلب الماء، في كل ناحية. فرجع إليه بعض الرسل، فأخبره إني قد وجدت بمكان كذا عينا يقال لها عين القمر، كثيرة الماء. فتوجه ملك الفيلة بأصحابه إلى تلك العين ليشرب منها هو وفيلته. وكانت العين في أرض للأرانب، فوطئن الأرانب في أجحارهن، فأهلكن منهن كثيرا، فاجتمعت الأرانب إلى ملكها فقلن له: قد علمت ما أصابنا من الفيلة فقال: ليحضرن منكن كل ذي رأي رأيه. فتقدمت أرنب من الأرانب يقال لها فيروز. وكان الملك يعرفها بحسن الرأي والأدب، فقالت: إن رأى الملك أن يبعثني إلى الفيلة ويرسل معي أمينا، ليرى ويسمع ما أقول، ويرفعه إلى الملك، فقال لها الملك: أنت أمينة، ونرضى بقولك، فانطلقي إلى الفيلة، وبلغي عني ما تريدين. واعلمي أن الرسول برأيه وعقله، ولينه وفضله، يخبر عن عقل المرسل. فعليك باللين والرفق والحلم والتأني: فإن الرسول هو الذي يلين الصدور إذا رفق، ويخشن الصدور إذا خرق. ثم إن الأرنب انطلقت في ليلة قمراء، حتى انتهت إلى الفيلة، وكرهت أن تدنو منهن: مخافة أن يطأنها بأرجلهن، فيقتلنها، وإن كن غير متعمدات. ثم أشرفت على الجبل ونادت ملك الفيلة وقالت له: إن القمر أرسلني إليك، والرسول غير ملوم فيما يبلغ، وإن أغلظ في القول. قال ملك الفيلة: فما الرسالة؟ قالت: يقول لك: إن من عرف فضل قوته على الضعفاء، فاغتر بذلك في شأن الأقوياء، قياسا لهم على الضعفاء، كانت قوته وبالا عليه. وأنت قد عرفت فضل قوتك على الدواب، فغرك ذلك، فعمدت إلى العين التي تسمى باسمي، فشربت منها، وكدرتها. فأرسلني إليك: فأنذرك ألا تعود إلى مثل ذلك. وإنك إن فعلت أغش بصرك، وأتلف نفسك. وإن كنت في شك من رسالتي، فهلم إلى العين من ساعتك: فإني موافيك بها. فعجب ملك الفيلة من قول الأرنب، فانطلق إلى العين مع فيروز الرسول. فلما نظر إليها، رأى ضوء القمر فيها. فقالت له فيروز الرسول: خذ بخرطومك من الماء فاغسل به وجهك، واسجد للقمر.
صورة
فأدخل الفيل خرطومه في الماء، فتحرك فخيل للفيل أن القمر ارتعد. فقال: ما شأن القمر ارتعد؟ أتراه غضب من إدخالي الخرطوم في الماء؟ قالت فيروز الأرنب: نعم. فسجد الفيل للقمر مرة أخرى، وتاب إليه مما صنع، وشرط ألا يعود إلى مثل ذلك هو ولا أحد من فيلته. قال الغراب: ومع ما ذكرت من أمر البوم إن فيها الخب والمكر والخديعة، وشر الملوك الخادع، ومن ابتلى بسلان مخادع، وخدمه، أصاب ما أصاب الأرنب والفرد حين احتكما إلى السنور. قالت الكراكي: وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: كان لي جارا من االصفاردة ( نوع من الطيور )في أصل شجرة قريبة من وكرى وكان يكثر مواصلتي ثم فقدته فلم أعلم أين غاب وطالت غيبته عني. فجاءت أرنب إلى مكان الصفرد فسكنته فكرهت أن أخاصم الأرنب فلبثت فيه زمانا. ثم إن الصفرد غاد بعد زمان فأتى منزله فوجد فيه الأرنب. فقال لها : هذا المكان لي ، فانتقلي عنه. قالت الأرنب: المسكن لي، وتحت يدي؛ وأنت مدع له. فإن كان لك حق فاستعد بإثباته علي. قال الصفرد: القاضي منا قريب: فهلمي بنا إليه. قالت الأرنب: ومن القاضي؟ قال الصفرد: إن بساحل البحر سنورا متعبدا، يصوم النهار، ويقوم الليل كله؛ ولا يؤذي دابة، ولا يهرق دما، عيشه من الحشيش ومما يقذفه إليه البحر. فإن أحببت تحاكمنا إليه، ورضينا به. قالت الأرنب: ما أرضاني به إذا كان كما وصفت. فانطلقا إليه فتبعهما لأنظر إلى حكومة الصوام القوام ثم إنهما ذهبا إليه فلما بصر النور بالأرنب والصفرد مقبيلين نحوه، انتصب قائما يصلي، وأظهر الخشوع والتنسك. فعجبا لما رأيا من حاله ودنوا منه هائبين له، وسلما عليه وسألاه أن يقضي بينهما. فأمر هما أن يقصا عليه القصة ففعلا. فقال لهما: قد بلغني الكبر وثقلت أذناي: فادنوا مني فاسمعانى ما تقولان. فدنوا منه، وأعادا عليه القصة وسألاه الحكم فقال قد فهمت ما قلتما، وأنا مبتدئكما بالنصيحة قبل الحكومة بينكما: فأنا آمركما بتقوى الله وألاتطلبا إلا الحق هو الذي يفلح، وأن قضى عليه وطالب الحق هو الذي يفلح وإن قضى عليه وطالب الباطل مخصوم وإن قضى له. وليس لصاحب الدنيا من دنياه شئ لا مال ولا صديق سوى العمل الصالح يقدمه . ثم إن السنور لم يزل يقص عليهما حتى أنسا إليه وأقبلا عليه، ودنوا منه،
صورة

ثم وثب عليهما فقتلهما. قال الغراب: ثم إن البوم تجمع مع ما وصفت لكن من الشؤم سائر العيوب: فلا يكونن تمليك البوم من رأ يكن. فلما سمع الكراكى ذلك من كلام الغراب أضربن عن تمليك البوم. وكان هناك بوم حاضر قد سمع ما قالوا، فقال الغراب: لقد وترتني أعظم الترة، ولا أعلم أنه سلف مني إليك سوء أوجب هذا. وبعد فاعلم أن الفأس يقطع به الشجر فيعود ينبت السيف يقطع اللحم ثم يعود فيندمل واللسان لا يندمل جرحه ولا تؤسى مقاطعه. والنصل من السهم يغيب في اللحم ثم ينزع فيخرج، وأشباه النصل من الكلام إذا وصلت إلى القلب لم تنزع ولم تستخرج. ولكل حريق مطفئ: فللنار الماء، وللسم الدواء وللحزن الصبر ونار الحقد لا تخبو أبدا. وقد غرستم معاشر الغربان بيننا وبينكم شجر الحقد والعداوة والبغضاء.
صورة
فلما قضى البوم مقالته، ولى مغضبا، فأخبر ملك البوم بما جرى وبكل ما كان منقول الغراب، ثم إن الغراب ندم على ما فرط منه، وقال: والله لقد خرقت في قولي الذي جلبت به العداوة والبغضاء على نفسي وقومي! وليتني لم أخبر الكراكي بهذه الحال! ولا أعلمتها بهذا الأمر!

وعاتب الغراب نفسه بهذا الكلام وأشباهه وذهب. فهذا ما سألتني عنه من ابتداء العداوة بيننا وبين البوم.

يتبع

الكاتب:  molhma [ السبت يونيو 18, 2016 3:20 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

الجزء الثاتى من قصص الغربان و البوم

وأما القتال فقد علمت رأيي فيه، وكراهتي له، ولكن عندي من الرأي والحيلة غير القتال ما يكون فيه الفرج إن شاء الله تعالى: فإنه رب قوم قد احتالوا بآرائهم حتى ظفروا بما أرادوا. ومن ذلك حديث الجماعة الذين ظفروا بالناسك، وأخذوا عريضه قال الملك: وكيف كان ذلك؟
قال الغراب:
صورة
زعموا ان ناسكا اشترى جدى ضخم ليجعله قربانا، فانطلق به يقوده فبصر به قوم من المكرة، فأتمروا بينهم أن يأخذوه من الناسك. فعرض له أحدهم فقال له: أيها الناسك، ما هذا الكلب الذي معك؟ ثم عرض له الآخر فقال لصاحبه: ما هذا الناسك، لأن الناسك لا يقود كلبا. فلم يزالو مع الناسك على هذا ومثله حتى لم يشك أن الذي يقوده كلب، وأن الذي باعه إياه سحر عينه، فأطلقه من يده، فأخذه الجماعة المحتالون ومضوا به. وإنما ضربت لك هذا المثل لما أرجو أن نصيب من حاجتنا بالرفق والحيلة. وإني أريد من الملك أن ينقرني على رؤوس الأشهاد، وينتف ريشي وذنبي، ثم يطرحني في أصل هذه الشجرة، ويرتحل الملك هو وجنوده إلى مكان كذا. فأرجو أني أصبر وأطلع على أحوالهم، ومواضع تحصينهم وأبوابهم، فأخادعهم وآتي إليكم لنهجم عليهم، وننا منهم غرضنا إن شاء الله تعالى.
صورة
ففعل الملك بالغراب ما ذكر، ثم ارتحل عنه فجعل الغراب يئن ويهمس حتى رأته البوم وسمعته يئن، فأخبرن ملكهن بذلك، فقصد نحوه ليسأله عن الغربان فلما دنا منه
جعل الغراب يئن ويهمس حتى رأته البوم وسمعته يئن، فأخبرن ملكهن بذلك، فقصد نحوه ليسأله عن الغربان فلما دنا منه أمر بوما أن يسأله فقال له: من أنت؟ وأين الغربان؟ فقال: أما اسمي ففلان، وأما ما سألتني عنه فإني أحسبك ترى أن حالي حال من لا يعلم الأسرار فقيل لملك البوم: هذا وزير ملك الغربان وصاحب رأيه، فنسأله بأي ذنب صنع به ما صنع؟ فسئل الغراب عن أمره فقال: إن ملكنا استشار جماعتنا فيكن: فقال: أيها الغربان، ما ترون في ذلك؟ فقلت: أيها الملك لا طاقة لنا بقتال البوم: لأنهن أشد بطشا، وأحد قلبا منا ولكن أرى أن نلتمس الصلح، ثم نبذل الفدية في ذلك، فإن قبلت البوم ذلك منا، وإلا هربنا في البلاد وإذا كان القتال بيننا وبين البوم كان خيرا لهن وشرا لنا، فالصلح أفضل من الخصومة وأمرتهن بالرجوع عن الحرب، وضربت لهن الأمثال في ذلك، وقلت لهن: إن العدو الشديد لا يرد بأسه وغضبه مثل الخضوع له: ألا ترين إلى الحشيش كيف يسلم من عاصف الريح للينه وميله معها حيث مالت فعصينني في ذلك وزعمن أنهن يردن القتال وأتهمنني في ما قلت، وقلنا إنك قد مالأت البوم علينا ورددن قولي ونصيحتي وعذبنني بهذا العذاب وتركني الملك وجنوده وأرتحل ولا علم لي بهن بعد ذلك
: فلما سمع ملك البوم مقالة الغراب قال لبعض وزرائه: ما تقول في الغراب؟ وما ترى فيه؟ قال: ما أرى إلا المعاجلة له بالقتل: فإن هذا أفضل عدد الغربان، وفي قتله لنا راحة من مكره وفقده على الغربان شديد

ومن وجد عدوه ضعيفا ولم ينجز قتله ندم إذا استقوى ولم يقدر عليه

قال الملك لوزير آخر: ما ترى أنت في هذا الغراب؟ قال: أرى ألا تقتله: فإن العدو الذليل الذي لا ناصر له أهل لأن يستبقى ويرحم ويصفح عنه ولا سيما المستجير الخائف: فإنه أهل لأن يؤمن.
قال ملك البوم لوزير آخر من وزائه: ما تقول في الغراب؟ قال: أرى أن تستبقيه وتحسن إليه: فإنه خليق أن ينصحك
صورة
خلاصا لنفسه منهم ونجاة كنجاة الناسك من اللص والشيطان حين اختلفا عليه قال الملك له: وكيف كان ذلك؟

صورة
قال الوزير: زعموا أن ناسكا أصاب من رجل بقرة حلوبا فانطلق بها يقودها إلى منزله، فعرض له لص أراد سرقتها واتبعه شيطان يريد اختطافه. فقال الشيطان للص: من أنت؟ قال أنا اللص، أريد أن أسرق البقرة من الناسك إذا نام. فمن أنت؟ قال: أنا الشيطان أريد أختطافه إذا نام وأذهب به فانتهيا إلى المنزل فدخل الناسك منزله ودخلا خلفه وأدخل البقرة فربطها في زاوية المنزل وتعشى ونام. فأقبل اللص والشيطان يأتمران فيه واختلفا على من يبدأ بشغله أولا فقال الشيطان للص: إن أنت بدأت بأخذ البقرة فربما استيقظ وصاح، واجتمع الناس: فلا أقدر على أخذه فأنظرني ريثما آخذه، وشأنك وما تريد. فأشفق اللص إن بدأ الشيطان باختطافه فربما استيقظ فلا يقدر على أخذ البقرة، فقال: لا، بل انظرني أنت حتى آخذ البقرة وشأنك زما تريد فلم يزالا في المجادلة هكذا حتى نادى اللص:
صورة
أيها الناسك انتبه: فهذا الشيطان يريد اختطافك، ونادى الشيطان: أيها الناسك انتبه: فهذا اللص يريد أن يسرق بقرتك فانتبه الناسك وجيرانه بأصواتهما، وهرب الخبيثان. قال الوزير الأول الذي أشار بقتل الغراب: أظن أن الغراب قد خدعكن
فلم يلتفت الملك إلى قوله وأمر الغراب أن يحمل إلى منازل البوم، ويكرم ويستوصى به خيرا.

ثم إن الغراب قال للملك يوما وعنده جماعة من البوم وفيهن الوزير الذي أشار بقتله: أيها الملك قد علمت ما جرى علي من الغربان وأنه لا يستريح قلبي إلا بأخذي بثأري منهن، وإني قد نظرت في ذلك فإذا بي لا أقدر على ما رمت: لأني غراب وقد روى عن العلماء أنهم قالوا: من طابت نفسه بأن يحرقها فقد قرب لله أعظم القربان لا يدعو عند ذلك بدعوة إلا استجيب له فإن رأى الملك أن يأمرني فأحرق نفسي وأدعو ربي أن يحولني بوما فأكون أشد عداوة وأقوى بأسا على الغربان لعلي أنتقم منهن!
صورة

قال الوزير الذي أشار بقتله: ما أشبهك في خير ما تظهر وشر ما تخفي إلا بالخمرة الطيبة الطعم والريح المنقع فيها السم أرأيت لو أحرقنا جسمك بالنار كان جوهرك وطباعك متغيرة! أليست أخلاقك تدور معك حيثما درت، وتصير بعد ذلك إلى أصلك وطويتك؟ كالفأرة التي خيرت في الأزواج بين الشمس والريح والسحاب والجبل فلم يقع اختيارها إلا على الجرذ وقيل له: وكيف كان ذلك؟
قال: زعموا أنه كان ناسكا مستجاب الدعوة فبينما هو ذات يوم جالسا على ساحل البحر إذ مرت به حدأة في رجلها فأرة فوقعت منها عند الناسك، وأدركته لها رحمة، فأخذها ولفها في ورقة، وذهب بها إلى منزله، ثم خاف أن تشق على أهله تربيتها فدعا ربه أن يحولها جارية: فتحولت جارية حسناء فانطلق بها إلى امرأته، فقال لها هذه ابنتي فاصنعي معها صنيعك بولدي. فلما كبرت قال لها الناسك: يا بنية أختاري من أحببت حتى أزوجك به. فقالت، أما إذا خيرتني فإني أختار زوجا يكون أقوى الأشياء. فقال الناسك لعلك تريدين الشمس! ثم انطلق إلى الشمس فقال: أيها الخلق العظيم إن لي جارية وقد طلبت زوجا يكون أقوى الأشياء، فهل أنت متزوجها؟ فقالت الشمس أنا أدلك على من هو أقوى مني: السحاب الذي يغطيني، ويرد حر شعاعي ويكسف أشعة أنواري. فذهب الناسك إلى السحاب فقال له ما قال للشمس، فقال السحاب: وأنا أدلك على من هو أقوى مني: فاذهب إلى الريح التي تقبل بي وتدبر وتذهب بي شرقا وغربا فجاء الناسك إلى الريح فقال لها كقوله للسحاب فقالت: وأنا أدلك على من هو أقوى مني وهو الجبل الذي لا أقدر على تحريكه فمضى إلى الجبل وقال له القول المذكور فأجابه الجبل وقال له: أنا أدلك على من هو أقوى مني:
صورة
الجرذ الذي لا أستطيع الامتناع منه إذا ثقبني واتخذني مسكنا. فانطلق الناسك إلى الجرذ فقال له: هل أنت متزوج هذه الجارية؟ فقال وكيف أتزوجها وجحري ضيق؟ إنما يتزوج الجرذ الفأرة فدعا الناسك ربه أن يحولها فأرة كما كانت وذلك برضى الجارية، فأعادها الله إلى عنصرها الأول فانطلقت مع الجرذ

فهذا مثلك أيها المخادع فلم يلتفت ملك البوم إلى ذلك القول، ورفق بالغراب ولم يزدد له إلا إكراما حتى إذا طاب عيشه ونبت ريشه واطلع على ما أراد أن يطلع عليه راغ روغة. فأتى أصحابه بما رأى وسمع فقال للملك: إني قد فرغت مما كنت أريد ولم يبقى إلا أن تسمع وتطيع، فقال له: أنا والجند تحت أمرك، فاحتكم كيف شئت.

صورة
قال الغراب: إن البوم بمكان كذا في جبل كثير الحطب وفي ذلك الموضع قطيع من الغنم مع رجل راع، ونحن مصيبون هناك نارا، ونلقيها في أنقاب البوم ونقذف عليها من يابس الحطب ونتراوح عليها ضربا بأجنحتنا حتى تضرم النار في الحطب: فمن خرج منهن احترق ومن لم يخرج مات بالدخان موضعه ففعل الغربان ذلك: فأهلكن البوم قاطبة ورجعن إلى منازلهن سالمات آمنات.
ثم إن ملك الغربان قال لذلك الغراب: كيف صبرت على صحبة البوم ولا صبر للأخيار على صحبة الأشرار؟ فقال الغراب: إنما ما قلته أيها الملك لكذلك

لكن العاقل إذا أتاه الأمر الفظيع العظيم الذي يخاف من عدم تحمله الجائحة على نفسه وقومه لم يجزع من شدة الصبر عليه، لما يرجو من أن يعقبه صبره حسن العاقبة حتى يبلغ حاجته فيغتبط بخاتمة أمره وعاقبة صبره.

فقال الملك: أخبرني عن عقول البوم: فقال الغراب: لم أجد فيهن عاقلا إلا الذي كان يحثهن على قتلي، وكان حرضهن على ذلك مرارا فكن أضعف شيء رأيا! فلم ينظرن في رأيه ويذكرن أني قد كنت ذا منزلة في الغربان، وأني أعد من ذوي الرأي ولم يتخوفن مكري وحيلتي ولا قبلن من الناصح الشفيق ولا أخفين دوني أسرارهن وقد قال العلماء: ينبغي للملك أن يحصن أموره من أهل النميمة ولا يطلع أحدا منهم على مواضع سره فقال الملك: ما أهلك البوم في نفسي إلا ضعف رأي الملك وموافقته وزراء السوء فقال الغراب: صدقت أيها الملك،
وقل من وثق بوزراء السوء وسلم من أن يقع في المهالك

قال الملك: لقد احتملت مشقة شديدة في تصنعك للبوم، وتضرعك لهن قال الغراب: إنه من احتمل مشقة يرجو نفعها، ونحى عن نفسه الأنفة والحمية، ووطنها على الصبر حمد غب رأيه،
كما صبر الأسود على حمل ملك الضفادع على ظهره، وشبع بذلك وعاش قال الملك: وكيف كان ذلك؟ قال الغراب: زعموا أن أسود من الحيات كبر، وضعف بصره وذهبت قوته: فلم يستطع صيدا ولم يقدر على طعام وأنه انساب يتلمس شيئا يعيش به، حتى انتهى إلى عين كثيرة الضفادع، قد كان يأتيها قبل ذلك، فيصيب من ضفاضعها رزقه فرمى نفسه قريبا منهن مظهرا للكآبة والحزن فقال له ضفدع:
ما لي أراك أيها الأسود كئيبا حزينا؟ قال: ومن أحرى بطول الحزن مني! وإنما كان أكثر معيشتي مما كنت أصيب من الضفادع فابتليت ببلاء وحرمت على الضفادع من أجله، حتى إني إذا التقيت ببعضها لا أقدر على إمساكه. فانطلق الضفدع إلى ملك الضفادع، فبشره بما سمع من الأسود فقال له: كيف كان أمرك؟ قال سعيت منذ أيام في طلب ضفدع وذلك عند المساء فاضطررته إلى بيت ناسك، ودخلت في أثره في ظلمة وفي البيت ابن الناسك، فأصبت إصبعه، فظننت أنها الضفدع، فلدغته فمات فخرجت هاربا، فتبعني الناسك في أثري، ودعا علي ولعنني وقال: كما قتلت ابني البريء ظلما وتعديا، أدعو عليك أن تذل وتصير مركبا لملك الضفادع، فلا تستطيع أخذها، ولا أكل شيء منها، إلا ما يتصدق به عليك ملكها فأتيت إليك لتركبني مقرا بذلك راضيا به
صورة
فرغب ملك الضفادع بركوب الأسود، وظن أن ذلك فخرا له وشرف ورفعة فركب و استطاب له ذلك.
فقال له الأسود: قد علمت أيها الملك أني محروم فاجعل لي رزقا أعيش به فقال ملك الضفادع: لعمري لابد من رزق يقوم بك، إذا كنت مركبي فأمر له بضفدعين يؤخذان في كل يوم ويدفعان إليه فعاش بذلك، ولم يضره خضوعه للعدو الذليل، بل انتفع بذلك وصار له رزقا ومعيشة وكذلك كان صبري على ما صبرت عليه، التماسا لهذا النفع العظيم الذي اجتمع لنا فيه الأمن الظفر، وهلاك العدو والراحة منه

ويقال أربعة أشياء لا يستقل قليلها: النار والمرض والعدو والدين.

فقد من الله علينا بك منة عظيمة لم نكن قبلها نجد لذة الطعام والشراب، ولا النوم ولا القرار وكان يقال: لا يجد المريض لذة الطعام والنوم حتى يبرأ، ولا الرجل الشره الذي قد أطعمه سلطانه في مال وعمل في يده، حتى ينجزه له، ولا الرجل الذي قد ألح عليه عدوه، وهو يخافه صباحا ومساء حتى يستريح منه قلبه ومن وضع الحمل الثقيل عن يديه أراح نفسه ومن أمن عدوه ثلج صدره.

الكاتب:  molhma [ الأحد يونيو 19, 2016 5:26 pm ]
عنوان المشاركة:  Re: قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات

قصص و حكايات على ألسنة الحيوانات


قيل: لا ينبغي لذي العقل أن يحتقر صغيراً ولا كبيراً من الناس ولا من البهائم، ولكنه جدير بأن يبلوهم، ويكون ما يصنع إليهم على قدر ما يرى منهم.


صورة
زعموا أن جماعة احتفروا رَكِيّةً (بئر ) فوقع فيها رجل صائغ و حية و قرد وبَبْرُُ و مر بهم رجل سائح فأشرف على الركية فبصر بالرجل و الحية و القرد و الببر ففكر فى نفسه و قال : لست أعمل لآخرتى أفضل من أن أخلص هذا الرجل من بين هؤلاء الأعداء .
فأخذ حبلاً و أدلاه إلى البئر فتعلق به القرد لخفته فخرج ، ثم أدلاه ثانية فالتفت به الحية فخرجت ،ثم أدلاه الثالثة فتعلق به الببر فأخرجه ، فشكرن له صنيعة و قلن له : لا تخرج هذا الرجل من الركية فإنه ليس شىء اقل شكراً من الإنسان ثم هذا الرجل خاصة .
صورة
ثم قال له القرد : إن منزلى فى جبل قريب من مدنية يقال لها فوادرخت .
ثم قال له الببر : أنا أيضاً فى أجمة إلى جانب تلك المدينة .
قالت الحية : و أنا أيضاً فى سور تلك المدينة فإن أنت مررت بنا يوماً من الدهر و احتجت إلينا فصوت علينا حتى نأتيك فنجزيك بما أسديت إلين من المعروف .
فلم ليلتفت السائح إلى ما ذكروا له من قلة شكر الإنسان و أدلى الحبل فأخرج الصائغ فسجد له و قال : لقد أوليتنى معروفاً فإن مررت يوماً من الدهر بمدينة فوادرخت فاسأل عن منزلى فأنا رجل صائغ و اسمى فلان لعلى أكافئك بما صنعت إلى من المعروف ، فانطلق الصائغ إلى مدينته وانطلق السائح إلى وجهته ، فعرض بعد ذلك أن السائح اتفقت له حاجة إلى تلك المدينة فانطلق فاستقبله القرد فسجد له و قبل رجليه و اعتذر إليه و قال : إن القرود لا يملكون شيئاً و لكن اقعد حتى آتيك .. و انطلق القرد و أتاه بفاكهة طيبة فوضعها بين يديه فأكل منها حاجته .
ثم أن السائح انطلق حتى دنا من باب المدينة فاستقبله الببر فخر له ساجداً و قال له : إنك قد أوليتنى معروفاً فاطمئن ساعة حتى آتيك ، فانطلق الببر فدخل فى الحيطان إلى بنت الملك فقتلها و أخذ حُلِيَّها فأتاه به من غير أن يعلم السائح من أين هى ، فقال فى نفسه : هذه البهائم قد أولتنى هذا الجزاء فكيف لو أتيت إلى الصائغ فإنه إن كان معسراً لا يملك فسيبع هذا اغلى حلى فيستوفى ثمنة فيعطينى بعضه و يأخذ و هو أعرف بثمنه ، فانطلق السائح فأتى إلى الصائغ فلما رآه رحب به و أدخله إلى بيته ، فلما بصر بالحلى معه عرفه و كان هو الذى صاغه لابنة الملك .
فقال الصائغ : اطمئن حتى آتيك بطعام فسلت أرضى لك ما فى البيت .
ثم خرج و هو يقول : قد اصبت فرصتى ، أريد أن انطلق إلى الملك و أدله ذلك فتحسن منزلى عنده ، فانطلق إلى باب الملك فأرسل إليه أن الذى قتل ابنتك و أخذ حليها عندى ، فأرسل الملك و أتى بالسائح ، فلما نظر الحلى معه لم يمهله و أمر به أن يعذب و يطاف به فى المدنية و يصلب ، فلما فعلوا به ذلك جعل السائح يبكى و يقول بأعلى صوته : لو أنى أطعت القرد و الحية و الببر فيما أمرتنى به و أخبرتنى من قلة شكر الإنسان لم يصر أمرى إلى هذا البلاء و جعل يكرر هذا القول ، فسمعت مقالته تلك الحية فخرجت من جحرها فعرفته فاشتد عليها أمره فجعلت تحتال فى خلاصة ، فانطلقت حتى لدغت ابن الملك فدعا الملك أهل العلم فرقوه ليشفوه فلم يغنوا عنه شيئاً .
ثم مضت الحية إلى أختِ لها من الجن فأخبرتها بما صنع السائح إليها من المعروف و ما وقع فيه فرقت له و انطلقت إلى ابن الملك و تخايلت له و قالت : إنك لا تبرأ حتى يرقيك هذا الرجل قد عاقبتموه ظلماً ، و انطلقت الحية إلى السائح فدخلت إليه السجن و قالت له : هذا الذى كنت نهيتك عنه من اصطناع المعروف إلى هذا الإنسان و لم تطعنى ، و أتته بورق ينفخ سمها و قالت له : إذا جاءوا بك لترقى ابن الملك فاسقه من ماء هذا الورق فإنه يبرأ ، و إذا سألك الملك عن حالك فأصدقه فإنك تنجو إن شاء الله تعالى ، وإن ابن الملك أخبر أباه أنه سمع قائلاً يقول : إنك لن تبرأ حتى يرقيك هذا السائح الذى حبس ظلماً، فدعا الملك بالسائح و أمره أن يرقى ولده فقال : لا أحسن الرقى و لكن اسقه من ماء هذه الشجرة فيبرأ بإذن الله تعالى ، فسقاه فبرىء الغلام ففرح الملك بذلك و سأله عن قصته فأخبره ، فشكره الملك و أعطاه حسنة و أمر بالصائغ أن يصلب فصلبوه لكذبه و انحرافه عن الشكر و مجازاته الفعل الجميل القبيح .
ثم قال الفيلسوف للملك . ففى صنيع بالسائح و كُفْرِه له بعد استنفاده إياه البهائم له و تخليص بعضها إياه عبرة لمن اعتبر و فكرة لمن افتكر و أدب فى وضع المعروف و الإحسان عند أهل الوفاء و الكرم قربوا أو أبعدوا لما فى ذلك من صواب الرأى و جلب الخير و صرف المكروه ..







(من كتاب آثار ابن المقفع)

صفحة 2 من 4 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/