موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 41 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 23, 2016 12:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
يوسف بن الحسين الرازي
؟ - 304 للهجرة
يوسف بن الحسين الرازي، أبو يعقوب. شيخ الرى، في وقته، والجبال. )كان( عالما أديبا. صحب ذا النون وأبا تراب، ورافق أبا سعيد الخراز في بعض أسفاره.
توفي سنة اربع وثلثمائة.
ومن كلامه: " الصوفية خيار الناس، وشرارهم خيار شرار الناس؛ فهم الأخيار على كل الأحوال " .
وقال: " إذا أردت ان تعلم العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال،فان قبل فاعلم انه أحمق " .
وقال: " إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم انه لا يجيء منه شيء " .
وقال: " لان ألقى الله بجميع المعاصي احب ألي من أن ألقاه بذرة من التصنع " .
وكتب إلى الجنيد: " لا أذاقك الله طعم نفسكفانك أن ذقتها فانك لا تذوق بعدها خيرا أبدا " وكان يقول: " اللهم!،انك تعلم أني نصحت الناس قولا، وخنت نفسي فعلا، فهب خيانتي لنفسي، لنصيحتي للناس " .
وقيل له: " هل لكم - يا أبا يعقوب - هم غد؟ " ، قال: " يا سيدي!، من كثرة همنا اليوم لا نتفرغ إلى هم غد " .
قال أبو الحسن الدراج: " قصدت زيارة يوسف بن الحسين الرازي، من بغداد، فلما دخلت الري سالت عن منزله،فكل من أساله عنه يقول: " ايش تعمل بذلك الزنديق؟؟ " ، فضيقوا صدري، حتى عزمت على الانصراف. فبت تلك الليلة في مسجد، ثم قلت في نفسي:جئت هذا البلد، فلا اقل من زيارته. فلم أزل أسال عنه، حتى دفعت إلى مسجد، فوجدته جالسا في المحراب، وبين يديه مصحف يقرا فيه، وإذا هو شيخ بهي،حسن الوجه واللحية. فدنوت منه، وسلمت عليه، فرد على السلام، وقال: من انت؟ قلت من بغداد، قال: لاي شي جئت؟، قلت: زائرا لك،
قال: أرايت لو إن أنسانا - في بعض البلدان التي جزت بها - قال لك: أقم عندي، وسأشتري لك دارا أو جارية، أكان ذلك يمنعك من زيارتي؟، قلت: ياسيدي، ما أمتحنني الله بشي من ذلك " .ولو كان، فلا ادري كيف كنت أكون؛ فقال: أتحسن تقول شيئا؟، قلت: نعم. وانشدت:
رايتك تبنى دائبا في قطيعتي ... ولو كنت ذا رحم لهدمت ما تبنى
كأني بكم، والليت افضل قولكم: ... الا ليتنا كنا إذ الليت لا تغنى
فأطبق المصحف، ولم يزل يبكي، حتى بل لحيته وثوبه، ورحمته من كثرة بكائه. ثم التفت إلى، وقال:يا بني، أتلوم أهل الري على قولهم: يوسف ابن الحسين زنديق، وهو ذا من وقت صلاة الصبح أتلو القرآن، لم تقطر من عيني قطرة، وقد قامت على القيامة بهذا البيت؟؟؟؟؟؟! " .
وقيل، كان آخر كلامه: " ألهى؟ دعوت الخلق إليك بجهدي، وقصرت في الواجب لك، على معرفتي بك، وعلمي فيك؛ فهبني لمن شئت من خلقك؟ " . ثم مات، فرؤى في المنام، فقيل له: " ما فعل الله بك؟ " ، فقال: " أوقفني بين يديه وقال: يا عبد السوء! فعلت وصنعت؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ " ، قلت: " سيدي لم أبلغ عنك هذا، بلغت انك كريم، والكريم إذا قدر عفا " ، فقال: " تملقت بى بقولك: هبني لمن شئت من خلقك. اذهب ؟فقد وهبتك لك " .
وقال: " عاهدت ربي - اكثر من مائة مرة - إلا أصحاب حدثا، وفسخها على حسن الخدود، وقوام القدود، وغنج العيون، وما يسألني الله معهم، عن معصية " . وانشد لصريع الغواني:
أن ورد الخدود والحدق النجل ... وما الثغور من أفحوان
واعوجاج في ظاهر الخد ... وما في الصدور من رمان تر
تركتني بين الغواني صريعا ... فلهذا ادعى صريع الغواني
وكان يتأوه ويقول في تأوهه:
كيف السبيل إلى مرضاه من غضبا ... من غير جرم، ولم اعرف له سببا
وينشد:
يا موقد النار في قلبي بقدرته ... لو شئت أطفأت عن قلبي بك النارا
لا عار ان مت من شوقي ومن حزني ... على فعالك بي، لا عار، لا عارا
وينشد:
وأذكركم في السر والجهر دائبا ... وإن كان قلبي في الوثاق أسير
لتعرف نفسي قدرة الخالق الذي ... يدبر امر الخلق وهو شكور
وقيل له: " ما بال المحبين يتلذذون بالذل في المحبة؟؟ " فأنشد.
ذل الفتى في الحب مكرمة ... وخضوعه لحبيبه شرف
وروى انه اعتل، فدخل عليه بعض إخوانه، فقال له: " مالك أيها الشيخ؟؟ " وما الذي تجد؟ إلا ندعو لك بعض الاطباء؟ " فأنشد:
بقلبي سقام ما يداوي مريضه ... خفي عن العواد، باق على الدهر
هوى باطن، فوق الهوى، لج داؤه ... وأصبى فؤادي منه في السر والجهر

(1/63)

تلفت بجار يجل عن المنى ... على رأسه تاج من التيه والكبر
قدير على ما سأمنى، متسلط ... جريء على ظلمى، امير على أمرى .

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 24, 2016 1:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
أبو الحسن بن الموفق
؟ - 265 للهجرة
على بن الموفق، أبو الحسن. من كبار العباد، أكثر من الحج. حدث عنه منصور بن عمار، وابن أبى الحواري. ومات سنة تسع وخمسين وثلثمائة.
حج نيفا وخمسين حجة، قال: " فنظرت إلى أهل الموقف، وضجيج أصواتهم، فقلت: اللهم، إن كان فى هؤلاء أحد لك تقبل حجته فقد وهبت حجتي له!. فرجعت إلى مزدلفة، فبت بها، فرأيت رب العزة في المنام، فقال لى: يا على بن الموفق! تتسخى على؟!. قد غفرت لأهل الموقف ولأمثالهم، وشفعت كل واحد منهم في أهل بيته وعشيرته، وأنا أهل التقوى وأهل المغفرة " .
وقال: " لما تم لي حج ستين حجة خرجت من الطواف، وجلست بحذاء الميزاب، وجعلت أتفكر: لا أدرى أى شئ حإلى عند الله؛ وقد كثر ترددي إلى هذا المكان. فغلبتني عينى، فكأن قائلا يقول: يا على! أتدعو إلى بيتك إلا من تحبه؟. فانتبهت وقد سرى عنى ما كنت فيه " .
وقال: " نام رجل من إخوانكم في ليلة باردة، فلما تهيأ للصلاة إذا شقاق فى يديه ورجليه، فبكى فهتف به هاتف من الثنية: أيقظناك وأنمناهم، فلم تبكي علينا؟! " .
وقال: " خرجت يوما لأؤذن، فأصبت قرطاسا، فأخذته ووضعته في كمي، فأذنت وأقمت وصليت، فلما فرغت قرأته، فإذا فيه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم. يا على بن الموفق! تخاف الفقر وأنا ربك؟! " .
ومضى هو وابن علان إلى دعوة وباتا عندهم، وانصرفا من الغد. فلما حصل ابن علان في البيت جاءته الجارية، فقالت: " على الباب رجل يطلبك " قال ابن علان: فخرجت إليه فرايته يرتعد، فقلت: " ما شأنك؟! " قال: " يا عم! مررت بي أنت وذاك الشيخ الذي كان معك - يعنى ابن الموفق - فقلت في نفسي: هؤلاء الصوفية يمرون إلى الدعاوى، يأكلون ويرقصون!. فلما كان الليل ظهر لى شخص، أخذ بعضدي، وهزني في منامي، وقال: تستهزئ بقوم قد غفر الله لهم في هذه الليلة سبع عشرة ؟!. فقلت: لا أعود!. ثم قال: يا عم!، اجعلني في حل!. أو كما قال " .

(1/57)

وقال: " اللهم، إن كنت تعلم أنى أعبدك خوفا من نارك فعذبني بها؛ وإن كنت تعلم أنى أعبدك حبا منى لجنتك، وشوقا إليها، فاحرمنيها. وإن كنت تعلم أنى أعبدك حبا منى لك، وشوقا منى إلى وجهك الكريم فأبحنيه مرة واصنع بي ما شئت " .

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يونيو 26, 2016 1:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
أبو العباس السيارى
؟ - 342 للهجرة
القاسم بن القاسم السيارى أبو العباس، أصله من مرو. وصحب أبا بكر الواسطي، وصار رأسا في علوم الطائفة، مع فقهه علمه، وكتابته الحديث الكثير.
مات سنة اثنتين وأربعين وثلثمائة.
من كلامه: " من حفظ قلبه مع الله بالصدق أجرى على لسانه الحكمة " .
وقال: " ظلم الأطماع تمنع أنوار المشاهدات؛ وما استقام إيمان عبد حتى يصبر على الذل مثلما صبر على العز " .
وقال: " لو جاز أن يصلى ببيت شعر لجاز أن يصلى بهذا البيت:
أتمنى على الزمان محالا ... أن ترى مقلتاي طلعة حر
وقيل له يوما: " بماذا يروض المريد نفسه؟ وكيف يروضها؟ " . فقال: " بالصبر على الأوامر، واجتناب النواهي، وصحبة الصالحين، وخدمة الرفقة ن وجالسة الفقراء. والمرء حيث وضع نفسه " . ثم أنشد متمثلا:
صبرت على اللذات حتى تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطعمت تاقت وإلا تسلت
وكانت على الأيام نفس عزيزة ... فلما رأت عزمي على الذل ذلت
وينشد:
فلما استنار الصبح أدرج ضوءه ... بأسفار أنوار ضوء الكواكب
يجرعهم كأسا، لو ابتلى اللظى ... بتحريقه طارت، كأسرع ذاهب

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يونيو 29, 2016 1:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
أبو بكر الوراق
؟ - 240 للهجرة
محمد بن عمر، أبو بكر الوراق، الترمذي ثم البلخي.صحب ابن خضرويه وغيره، وصنف في الرياضيات والمعاملات.
وذكر " ابن خميس " في كتابه أبا بكر محمد بن حماد بن إسماعيل بن خالد الترمذي، من مشايخ خراسان، وقال: " لقي احمد بن خضرويه ومن دونه " . فلعله هذا.
ومن كلآمه: " من أرضى الجوارح بالشهوات غرس في قلبه شجر الندامات " .
وقال: " الصوفي من صفا قلبه من كل دنس، ويلم صدره لكل أحد، وسخت نفسه بالبذل والإيثار " .
وقال: " لو قيل للطمع: من أبوك؟ لقال: الشك في المقدور؛ ولو قيل: ما حرفتك؟، لقال:اكتساب الذل؛ ولو قيل: ما غايتك؟، لقال: الحرمان " .
وكان يمنع أصحابه من الأسفار والسياحات، ويقول: " مفتاح كل بركة الصبر في موضع أرادتك، إلى أن تصح لك الإرادة، فإذا صحة فقد ظهر عليك أوائل البركة " .
وقال: " لا تصحب من يمدحك بخلاف ما أنت عليه، أو بغير مافيك، فانه إذا غضب عليك ذمك بما ليس في " .
وقال له رجل: " علمني شيئا يقربني إلى الله، ويقربني من الناس " ، فقال: " الأول مسألته، والثاني ترك مسألتهم " .
وروى أن رجلا جاءه زائرا،فلما أراد أن يرجع، قال له: " أوصني! " فقال: " وجدت خير الدنيا والآخرة في القلة والخلوة، ووجدت شرها في الكثرة والاختلاط " .

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يوليو 01, 2016 12:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843

أبو القاسم الجنيد
؟ - 297 للهجرة
الجنيد بن محمد، الخراز القواريري أبو القاسم. شيخ وقته، ونسيج وحده. أصله نهاوند، ومولده ومنشؤه ببغداد.
صحب جماعة من المشايخ، واشتهر بصحبة خاله السري، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه علي أبي ثور، وكان يفتي في حلقته - بحضرته - وهو ابن عشرين سنة.
قال: " كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: " يا غلام! ما الشكر؟ " قلت: " الشكر ألا تعصي الله بنعمه " . فقال لي: " أخشي أن يكون حظك من الله لسانك! " قال الجنيد: " فلا أزال أبكي علي هذه الكلمة التي قالها لي السري " .
وقال: " علامة لإعراض عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه " .
وقال: " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا المر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة " .
وقال: " من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق " .
وقال: " من هم بذنب لم يفعله ابتلي بهم لم يعرفه " .
وقال: " الصوفية أهل بيت واحد، لا يدخل فيهم غيرهم " .
وقال: " الأدب أدبان: أدب السر، و أدب العلانية. فالأول طهارة القلب من العيوب، والعلانية حفظ الجوارح من الذنوب " .
وقال له رجل: " علمني شيئا يقربني إلي الله وإلي الناس " ، فقال: " أما الذي يقربك إلي الله فمسألته، وأما الثاني فترك مسألتهم " .
وقال: " لكل أمة صفوة، وصفوة هذه الأمة الصوفية " .
وسئل: " من العرف؟ " فقال: " من نطق عن سرك وأنت ساكت " .
ورؤى في يده يوما سبحة، فقيل له: " أنت، مع تمكنك وشرفك، تأخذ بيدك سبحة؟! " فقال: " نعم! سبب وصلنا به إلي ما وصلنا لا نتركه أبدا " .
وقال: " قال لي خالي سرى السقطى: " تكلم علي الناس! " وكان في قلبي حشمة من ذلك، فاني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت ليلة، في المنام، رسول الله صلي الله عليه وسلم - وكان ليلة جمعة - فقال لي: " تكلم علي الناس! " . فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال: " لم تصدقنا حتى قيل لك! " . فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: " أيها الشيخ! ما معني قوله عليه السلام: )اتقوا فراسة المؤمن. فانه ينظر بنور الله( فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: " أسلم! فقد حان وقت غسلامك! " فأسلم " .
وقال الجنيد: " معاشر الفقراء! إنما عرفتم بالله، وتكرمون له؛ فإذا خلوتم به فانظروا كيف تكونون معه " وقال رجل له: " علي ماذا يتأسف المحب من أوقاته؟ " . قال: " علي زمان بسط أورث قبضا، أو زمان أنس أورث وحشة " . ثم أنشأ يقول:
قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الأيام حين صفا
وقال الخلدي: " دفع إلى الجنيد درهما، وقال: " اشتر به تينا وزيريا، فاشتريته، فلما أفطر أخذ واحدة، ووضعها في فيه، ثم ألقاها وبكي، وقال لي: " احمله! " فقلت له في ذلك، فقال: " هتف بي هاتف في قلبي: أما تستحي؟! تركت هذا من أجلي ثم تعود؟! " . ثم أنشد:

(1/20)

نون الهوان من الهوى مسروقة ... فصريع كل هوى صريع هوان
وقال أبو عمرو بن علوان: " خرجت يوما إلي سوق الرحبة في حاجة، فرأيت جنازة، فتبعتها لأصلي عليها، فوقفت حتى تدفن، فوقعت عيني علي امرأة مسفرة، من غير تعمد، فألححت بالنظر إليها، واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلي منزلي. فقالت عجوز لي: " يا سيدي! مالي أري وجهك أسود؟!. فأخذت المرآة فنظرت، فإذا هو كما قالت، فرجعت إلي سري أنظر من أين ذهبت، فذكرت النظرة، فانفردت في موضع، أستغفر الله، وأسأله الإقامة، أربعين يوما. فخطر في قلبي: أن زر شيخك الجنيد!. فانحدرت إلي بغداد، فلما جئت حجرته طرقت الباب، فقال لي: " ادخل يا أبا عمرو! تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد " .
وقال علي بن ابرهيم الحداد: " حضرت مجلس ابن سريج الفقيه الشافعي، فكان يتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن عجيب. فلما رأي إعجابي قال: " أتدري من أين هذا؟ " قلت: " لا! " قال: " هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد " .
وقال خير: " كنت يوما جالسا في بيتي، فخطر لي خاطر، أن الجنيد بالباب فاخرج إليه، فنقيته عن قلبي وقلت: " وسوسة! " . فوقع لي خاطر ثان بأنه علي الباب فاخرج اليه، فنقيته عن سري؛ فوقع لي ثالث، فعلمت أنه حق، ففتحته، فإذا بالجنيد قائم، فسلم علي، وقال لي: " يا خير! لم لا تخرج مع الخاطر الأول؟! " .
وقال عبد الرحمن بن إسماعيل: " كنت ببغداد، ووافي الحاج من خراسان، فلقيني بعض أصحابنا ممن له فضل وإفضال، فسألني أن أعرفه بجماعة ليصلهم بشيء، فقلت له: " ابدأ بالجنيد! " فحمل إليه دراهم وثياب كثيرة، فلما رآه أعجبه أدبه في رفقه، فقال: " اجعل بعضه لفقراء اذكرهم لك " فقال: " أنا أعرف الفقراء أيها الشيخ؟! " فقال له الجنيد: " وأنا! أؤمل أن أعيش حتى آكل هذا؟! " ، فقال: " إني لم أقل لك: أنفقه في الخل والبقل، والكامخ والجبن والمالح!، إنما أريد أن تنفقه في الطيبات وألوان الحلاوات،فكل ما أسرع فهو أحب إلي " . فتبسم الجنيد وقال: " مثلك لا يجوز أن يرد عليه! " وقبل ذلك منه. فقال الخراساني: " ما أعلم أحدا ببغداد أعظم منة علي منك! " ، فقال الجنيد: " ولا ينبغي لأحد أن يرتفق إلا ممن كان مثلك " .
وقال الجنيد: " رأيت إبليس في المنام كأنه عريان، فقلت له: " أما تستحي من الناس؟! " فقال: " يا لله! هؤلاء عندك من الناس؟!. لو كانوا منهم ما تلاعبت بهم كما تتلاعب الصبيان بالكرة، ولكن الناس غير هؤلاء " . فقلت: " ومن هم؟ " قال: " قوم في مسجد الشونيزي، قد أضنوا قلبي، وأنحلوا جسمي؛ كلما هممت أشاروا بالله، فأكاد أحرق " . فانتبهت ولبست ثيابي، وأتيت مسجد الشونيزي وعلى ليل، فلما دخلت المسجد إذا أنا بثلاثة أنفس - قيل: هم أبو حمزة، وأبو الحسين النوري، وأبو بكر الزقاق - جلوس، ورءوسهم في مرقعاتهم؛ فلما أحسوا بي قد دخلت أخرج أحدهم رأسه وقال: " يا أبا القاسم! أنت كلما قيل لك شيء تقبله! " .
وبات الجنيد ليلة العيد في الموضع الذي كان يعتاده في البرية، فإذا هو وقت السحر بشاب ملتف في عباءته يبكي ويقول:
بحرمة ربتي! كم ذا الصدود؟! ... الا تعطف علي؟! ألا تجود؟!
سرور العيد قد عم النواحي ... وحزني في ازدياد لا يبيد
فإن كنت أفترفت خلال سوء ... فعذري في الهوى أفلا تعود؟
وقال أبو محمد الجريري: " كنت واقفا علي رأس الجنيد وقت وفاته - وكان يوم جمعة - وهو يقرأ، فقلت: " ارفق بنفسك! " فقال: " ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوي صحيقتي " .
وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعدا يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: " ما هذا يا أبا القاسم؟! " ، قال: " هذه نعم!. الله أكبر " . فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: " لو اضطجعت! " ، قال: " يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر " . فلم يزل ذلك حاله حتى مات " .
وقال ابن عطاء: " دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: " اعذرني! فإني كنت في وردي " ، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات " .
وكان عند موته قد ختم القرآن، ثم ابتدأ في البقرة فقرأ سبعين آية " .
وكانت وفاته في شوال، آخر ساعة من يوم الجمعة، سنة سبع وتسعين ومائتين ببغداد. وقيل: سنة ثمان.

(1/21)

وغسله أبو محمد الجريري، صلي عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة بغداد، عند خاله سري. وحزر الجمع الذين صلوا عليه، فكانوا ستين ألفا.
قال أبو محمد الجريري: " كان في جوار الجنيد رجل مصاب في خربة، فلما مات الجنيد ودفناه، تقدمنا ذلك المصاب، وصعد موضعا رفيعا، وقال لي: " يا أبا محمد! تراني أرجع إلي تلك الخربة بعد أن فقدت ذلك السيد؟! " ، ثم أنشد:
واأسفي من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون!
والمدن والمزن والرواسي ... والخير والأمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ... حتي توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
ثم غاب عنا فكان ذلك آخر العهد منه " .
وسئل الجنيد عن التوحيد، فأنشد قائلا:
وغني لي من قلبي ... وغنيت كم غني
وكنا حيثما كانوا ... وكانوا حيثما كنا
فقال السائل: " وأين القرآن والأخبار؟! " فقال: " الموحد يأخذ علي التوحيد من أدني الخطاب " .
وأنشد مرة:
وإن امرءا لم يصف لله قلبه ... لفي وحشة من كل نظرة ناظر
وإن امرءا لم يرتحل ببضاعة ... إلي داره الأخرى فليس بتاجر
وإن امرءا باع دنيا بدينه ... لمنقلب منها بصفقة خاسر

وسئل عن الفقر فأنشأ يقول:
لا الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا شئ في طاعة سرف
قلت: وأستاذ الجنيد محمد بن علي القصاب، أبو جعفر البغدادي. وكان الجنيد يقول " الناس ينسبوني إلي سري، وإنما أستاذي هذا يعني القصاب.
سئل القصاب: " ما بال أصحابك محرومين من الناس؟ " قال: " لثلاث خصال: أحدها: أن الله لا يرضي لهم ما في أيديهم، ولو رضي لهم ما لهم لترك ما لأنفسهم عليه.
وثانيها: أن الله لا يرضي أن يجعل حسناتهم في صحائفهم، ولو رضي لهم لخلطهم بهم.
وثالثها: أنهم قوم لم يسيروا إلا إلي الله، فمنعهم كل شيء سواه وأفردهم به " .

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة إبريل 24, 2020 12:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
النيل الخالد كتب:

أبو القاسم الجنيد
؟ - 297 للهجرة
الجنيد بن محمد، الخراز القواريري أبو القاسم. شيخ وقته، ونسيج وحده. أصله نهاوند، ومولده ومنشؤه ببغداد.
صحب جماعة من المشايخ، واشتهر بصحبة خاله السري، والحارث المحاسبي. ودرس الفقه علي أبي ثور، وكان يفتي في حلقته - بحضرته - وهو ابن عشرين سنة.
قال: " كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: " يا غلام! ما الشكر؟ " قلت: " الشكر ألا تعصي الله بنعمه " . فقال لي: " أخشي أن يكون حظك من الله لسانك! " قال الجنيد: " فلا أزال أبكي علي هذه الكلمة التي قالها لي السري " .
وقال: " علامة لإعراض عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه " .
وقال: " من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا المر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة " .
وقال: " من طلب عزا بباطل أورثه الله ذلا بحق " .
وقال: " من هم بذنب لم يفعله ابتلي بهم لم يعرفه " .
وقال: " الصوفية أهل بيت واحد، لا يدخل فيهم غيرهم " .
وقال: " الأدب أدبان: أدب السر، و أدب العلانية. فالأول طهارة القلب من العيوب، والعلانية حفظ الجوارح من الذنوب " .
وقال له رجل: " علمني شيئا يقربني إلي الله وإلي الناس " ، فقال: " أما الذي يقربك إلي الله فمسألته، وأما الثاني فترك مسألتهم " .
وقال: " لكل أمة صفوة، وصفوة هذه الأمة الصوفية " .
وسئل: " من العرف؟ " فقال: " من نطق عن سرك وأنت ساكت " .
ورؤى في يده يوما سبحة، فقيل له: " أنت، مع تمكنك وشرفك، تأخذ بيدك سبحة؟! " فقال: " نعم! سبب وصلنا به إلي ما وصلنا لا نتركه أبدا " .
وقال: " قال لي خالي سرى السقطى: " تكلم علي الناس! " وكان في قلبي حشمة من ذلك، فاني كنت أتهم نفسي في استحقاق ذلك، فرأيت ليلة، في المنام، رسول الله صلي الله عليه وسلم - وكان ليلة جمعة - فقال لي: " تكلم علي الناس! " . فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح، فدققت الباب، فقال: " لم تصدقنا حتى قيل لك! " . فقعدت في غد للناس بالجامع، وانتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف علي غلام نصراني متنكر وقال: " أيها الشيخ! ما معني قوله عليه السلام: )اتقوا فراسة المؤمن. فانه ينظر بنور الله( فأطرقت، ثم رفعت رأسي فقلت: " أسلم! فقد حان وقت غسلامك! " فأسلم " .
وقال الجنيد: " معاشر الفقراء! إنما عرفتم بالله، وتكرمون له؛ فإذا خلوتم به فانظروا كيف تكونون معه " وقال رجل له: " علي ماذا يتأسف المحب من أوقاته؟ " . قال: " علي زمان بسط أورث قبضا، أو زمان أنس أورث وحشة " . ثم أنشأ يقول:
قد كان لي مشرب يصفو برؤيتكم ... فكدرته يد الأيام حين صفا
وقال الخلدي: " دفع إلى الجنيد درهما، وقال: " اشتر به تينا وزيريا، فاشتريته، فلما أفطر أخذ واحدة، ووضعها في فيه، ثم ألقاها وبكي، وقال لي: " احمله! " فقلت له في ذلك، فقال: " هتف بي هاتف في قلبي: أما تستحي؟! تركت هذا من أجلي ثم تعود؟! " . ثم أنشد:

(1/20)

نون الهوان من الهوى مسروقة ... فصريع كل هوى صريع هوان
وقال أبو عمرو بن علوان: " خرجت يوما إلي سوق الرحبة في حاجة، فرأيت جنازة، فتبعتها لأصلي عليها، فوقفت حتى تدفن، فوقعت عيني علي امرأة مسفرة، من غير تعمد، فألححت بالنظر إليها، واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلي منزلي. فقالت عجوز لي: " يا سيدي! مالي أري وجهك أسود؟!. فأخذت المرآة فنظرت، فإذا هو كما قالت، فرجعت إلي سري أنظر من أين ذهبت، فذكرت النظرة، فانفردت في موضع، أستغفر الله، وأسأله الإقامة، أربعين يوما. فخطر في قلبي: أن زر شيخك الجنيد!. فانحدرت إلي بغداد، فلما جئت حجرته طرقت الباب، فقال لي: " ادخل يا أبا عمرو! تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد " .
وقال علي بن ابرهيم الحداد: " حضرت مجلس ابن سريج الفقيه الشافعي، فكان يتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن عجيب. فلما رأي إعجابي قال: " أتدري من أين هذا؟ " قلت: " لا! " قال: " هذا ببركة مجالسة أبي القاسم الجنيد " .
وقال خير: " كنت يوما جالسا في بيتي، فخطر لي خاطر، أن الجنيد بالباب فاخرج إليه، فنقيته عن قلبي وقلت: " وسوسة! " . فوقع لي خاطر ثان بأنه علي الباب فاخرج اليه، فنقيته عن سري؛ فوقع لي ثالث، فعلمت أنه حق، ففتحته، فإذا بالجنيد قائم، فسلم علي، وقال لي: " يا خير! لم لا تخرج مع الخاطر الأول؟! " .
وقال عبد الرحمن بن إسماعيل: " كنت ببغداد، ووافي الحاج من خراسان، فلقيني بعض أصحابنا ممن له فضل وإفضال، فسألني أن أعرفه بجماعة ليصلهم بشيء، فقلت له: " ابدأ بالجنيد! " فحمل إليه دراهم وثياب كثيرة، فلما رآه أعجبه أدبه في رفقه، فقال: " اجعل بعضه لفقراء اذكرهم لك " فقال: " أنا أعرف الفقراء أيها الشيخ؟! " فقال له الجنيد: " وأنا! أؤمل أن أعيش حتى آكل هذا؟! " ، فقال: " إني لم أقل لك: أنفقه في الخل والبقل، والكامخ والجبن والمالح!، إنما أريد أن تنفقه في الطيبات وألوان الحلاوات،فكل ما أسرع فهو أحب إلي " . فتبسم الجنيد وقال: " مثلك لا يجوز أن يرد عليه! " وقبل ذلك منه. فقال الخراساني: " ما أعلم أحدا ببغداد أعظم منة علي منك! " ، فقال الجنيد: " ولا ينبغي لأحد أن يرتفق إلا ممن كان مثلك " .
وقال الجنيد: " رأيت إبليس في المنام كأنه عريان، فقلت له: " أما تستحي من الناس؟! " فقال: " يا لله! هؤلاء عندك من الناس؟!. لو كانوا منهم ما تلاعبت بهم كما تتلاعب الصبيان بالكرة، ولكن الناس غير هؤلاء " . فقلت: " ومن هم؟ " قال: " قوم في مسجد الشونيزي، قد أضنوا قلبي، وأنحلوا جسمي؛ كلما هممت أشاروا بالله، فأكاد أحرق " . فانتبهت ولبست ثيابي، وأتيت مسجد الشونيزي وعلى ليل، فلما دخلت المسجد إذا أنا بثلاثة أنفس - قيل: هم أبو حمزة، وأبو الحسين النوري، وأبو بكر الزقاق - جلوس، ورءوسهم في مرقعاتهم؛ فلما أحسوا بي قد دخلت أخرج أحدهم رأسه وقال: " يا أبا القاسم! أنت كلما قيل لك شيء تقبله! " .
وبات الجنيد ليلة العيد في الموضع الذي كان يعتاده في البرية، فإذا هو وقت السحر بشاب ملتف في عباءته يبكي ويقول:
بحرمة ربتي! كم ذا الصدود؟! ... الا تعطف علي؟! ألا تجود؟!
سرور العيد قد عم النواحي ... وحزني في ازدياد لا يبيد
فإن كنت أفترفت خلال سوء ... فعذري في الهوى أفلا تعود؟
وقال أبو محمد الجريري: " كنت واقفا علي رأس الجنيد وقت وفاته - وكان يوم جمعة - وهو يقرأ، فقلت: " ارفق بنفسك! " فقال: " ما رأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوي صحيقتي " .
وقال أبو بكر العطار: حضرت الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعدا يصلي ويثني رجله، فثقل عليه حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: " ما هذا يا أبا القاسم؟! " ، قال: " هذه نعم!. الله أكبر " . فلما فرغ من صلاته قال له أبو محمد الجريري: " لو اضطجعت! " ، قال: " يا أبا محمد! هذا وقت يؤخذ منه. الله أكبر " . فلم يزل ذلك حاله حتى مات " .
وقال ابن عطاء: " دخلت عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: " اعذرني! فإني كنت في وردي " ، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات " .
وكان عند موته قد ختم القرآن، ثم ابتدأ في البقرة فقرأ سبعين آية " .
وكانت وفاته في شوال، آخر ساعة من يوم الجمعة، سنة سبع وتسعين ومائتين ببغداد. وقيل: سنة ثمان.

(1/21)

وغسله أبو محمد الجريري، صلي عليه ولده، ودفن بالشونيزيه، بتربة مقبرة بغداد، عند خاله سري. وحزر الجمع الذين صلوا عليه، فكانوا ستين ألفا.
قال أبو محمد الجريري: " كان في جوار الجنيد رجل مصاب في خربة، فلما مات الجنيد ودفناه، تقدمنا ذلك المصاب، وصعد موضعا رفيعا، وقال لي: " يا أبا محمد! تراني أرجع إلي تلك الخربة بعد أن فقدت ذلك السيد؟! " ، ثم أنشد:
واأسفي من فراق قوم ... هم المصابيح والحصون!
والمدن والمزن والرواسي ... والخير والأمن والسكون
لم تتغير لنا الليالي ... حتي توفتهم المنون
فكل جمر لنا قلوب ... وكل ماء لنا عيون
ثم غاب عنا فكان ذلك آخر العهد منه " .
وسئل الجنيد عن التوحيد، فأنشد قائلا:
وغني لي من قلبي ... وغنيت كم غني
وكنا حيثما كانوا ... وكانوا حيثما كنا
فقال السائل: " وأين القرآن والأخبار؟! " فقال: " الموحد يأخذ علي التوحيد من أدني الخطاب " .
وأنشد مرة:
وإن امرءا لم يصف لله قلبه ... لفي وحشة من كل نظرة ناظر
وإن امرءا لم يرتحل ببضاعة ... إلي داره الأخرى فليس بتاجر
وإن امرءا باع دنيا بدينه ... لمنقلب منها بصفقة خاسر

وسئل عن الفقر فأنشأ يقول:
لا الفقر عار ولا الغنى شرف ... ولا شئ في طاعة سرف
قلت: وأستاذ الجنيد محمد بن علي القصاب، أبو جعفر البغدادي. وكان الجنيد يقول " الناس ينسبوني إلي سري، وإنما أستاذي هذا يعني القصاب.
سئل القصاب: " ما بال أصحابك محرومين من الناس؟ " قال: " لثلاث خصال: أحدها: أن الله لا يرضي لهم ما في أيديهم، ولو رضي لهم ما لهم لترك ما لأنفسهم عليه.
وثانيها: أن الله لا يرضي أن يجعل حسناتهم في صحائفهم، ولو رضي لهم لخلطهم بهم.
وثالثها: أنهم قوم لم يسيروا إلا إلي الله، فمنعهم كل شيء سواه وأفردهم به " .


يُرفع بمناسبة شهر رمضان المبارك
كل عام وانتم بالف خير ..

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت إبريل 25, 2020 12:44 am 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23595

بوركتي ...

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت إبريل 25, 2020 1:07 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843
msobieh كتب:

بوركتي ...

اعزكم الله مولانا الشريف وبارك لنا فى اعماركم اللهم آمين .

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 26, 2020 4:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 10843

ومن أقوال وأحوال العارف بالله سيدي أبى بزيد البسطامى :
سئل البسطامى ما علامة العارف؟ قال: أن لا يفتر من ذكره، ولا يمل من حقه، ولا يستأنس بغيره.

وقال: إن الله أمر العباد ونهاهم فأطاعوا فخلع من خلعه فاشتغلوا بالخلع عنه، وإنى لا أريد من الله إلا الله.

ويروى العباس بن حمزة قائلاً: صليت خلف أبى يزيد البسطامى الظهر، فلما أراد أن يرفع يديه ليكبر لم يقدر إجلالاً لاسم الله، وارتعدت فرائصه حتى كنت أسمع تقعقع عظامه، فهالنى ذلك.

وكان البسطامى يتوجه إلى الله ويناجيه: ليس العجب من حبى لك وأنا عبد فقير، بل إنما العجب من حبك لى وأنت ملك قدير.

وقال: لم أزل ثلاثين سنة كلما أردت أن أذكر الله أتمضمض وأغسل لسانى إجلالاً لله أن أذكر.

وقد بلغ به التواضع وإنكار الذات إلى أن يقول: ما دام العبد يظن أن فى الخلق من هو شر منه فهو متكبر. وهنا يقول أيضاً: أشد المحجوبين عن الله ثلاثة بثلاثة، أولهم: الزاهد بزهده، والثانى: العابد بعبادته، والثالث: العالم بعلمه. ثم قال: مسكين الزاهد، لو علم أن الله عز وجل سمى الدنيا كلها قليلاً فكم ملك من الدنيا؟ وفى كم زهد مما ملك؟ وأما العابد فلو رأى منة الله عليه فى العبادة عرف عبادته فى المنة، وأما العالم فلو علم أن جميع ما أبدى الله عز وجل من العلم سطر واحد من اللوح المحفوظ فكم علم هذا العالم من ذلك السطر؟ وكم عمل مما علم؟

وسأله رجل: من أصحب؟ فقال: من لا تحتاج أن تكتمه شيئاً مما علمه الله منك. وكان يقول أيضاً: {أبعد الخلق من الله أكثرهم إشارة إليه}.

ويروى عنه أنه قال: طلقت الدنيا ثلاثاً بتاتاً لا رجعة لى فيها، وصرت إلى ربى وحدى فناديته بالاستغاثة: إلهى أدعوك دعاء من لم يبق له غيرك. فلما عرف صدق الدعاء من قلبى، واليأس من نفسى، كان أول ما ورد عليَّ من إجابة هذا الدعاء أن أنسانى نفسى بالكلية ونصب الخلائق بين يدى مع إعراضى عنهم. وكان يقول أيضاً: {لا يعرف نفسه من صحبته شهوته}.

وكان يقول: الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه، وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبنى فقيل له: لم؟ قال: لعله أن يقول لى فيما بين ذلك: يا عبدى، فأقول: لبيك. فقوله لى: عبدى أعجب إلى من الدنيا وما فيها. ثم بعد ذلك يفعل بى ما يشاء.

ويروى أبوموسى الديبلى، عن أبى يزيد قائلاً: نظرت فإذا الناس فى الدنيا متلذذون بالنكاح والطعام والشراب، وفى الآخرة بالمنكوح والملذوذ، فجعلت لذتى فى الدنيا ذكر الله عز وجل وفى الآخرة النظر إلى الله. وقد سأله الديبلى: من أصحب؟ قال: من إذا مرضت عادك، وإذا أذنبت تاب عليك ومن يعلم منك ما يعلمه الله منك.

وثمة قصة تبيّن بره بوالدته، يرويها هو قائلاً: طلبت أمى ماء فجئتها فوجدتها نائمة فقمت أنظر يقظتها فلما استيقظت قالت أين الماء فأعطيتها الكوز، وقد كان سال الماء على أصبعى فجمد عليها الماء من شدة البرد، فلما أخذت الكوز انسلخ جلد أصبعى فسال الدم فقالت ما هذا فأخبرتها قالت اللهم إنى راضية عنه فارضَ عنه.

وخرج البسطامى إلى الجامع يوم الجمعة فى الشتاء فزلقت رجله فمسك بجدار بيت فذهب إلى صاحبه فإذا هو مجوسى فقال له: قد استمسكت بجدارك فاجعلنى فى حل قال أو فى دينكم هذا الاحتياط قلت نعم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

وقال أبوتراب: {سألته عن الفقير، هل له وصف} فقال: {نعم! لا يملك شيئاً، ولا يملكه شىء}.

وقد مات سنة إحدى وستين، وقيل: سنة أربع وستين ومائتين، عن ثلاث وسبعين سنة، ويقال إنه دفن فى بسطام، لكن بات له أربعون مقاماً فى بلاد شتى.

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 26, 2020 5:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
سلمت يداكي أختي الكريمة النيل الخالد وكل عام وانتي بخير وسعادة ويعيد عليكي وعلي أسرتك الكريمة الأيام الطيبة باليمن والبركات

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الدراويش وأحوالهم وحكاويهم......
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 26, 2020 5:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين أغسطس 17, 2015 8:25 pm
مشاركات: 2991
كل عام وحضرتك بخير
وتسجيل متابعة

_________________
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 41 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 29 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط