المرحلة الثالثة
دخل اليهود-وهم عصاة- أرض فلسطين للسكن فى ظل نبي الله يوشع ولم يدم حالهم مرضياً عنه حتى أنزل الله عليهم رجزاً من السماء,فلم يتمكنوا من الاستقرار فى الأرض ولم ينعموا بالفتح,فقد سلط الله عليهم من حاربهم وأخرجهم من الديار وطال عليهم العهد حتى شعروا بالندامة,فقالوا لنبى لهم:ابعث لنا ملكاً نقاتل فى سبيل الله, قال الآلوسى فى تفسيره روح المعانى:وسبب طلبهم ذلك أنه لما مات موسى عليه السلام خلفه يوشع ليقيم فيهم أمر الله تعالى ويحكم بالتوراة,ثم خلفه كالب كذلك ,ثم حزقيل,ثم إلياس ثم اليسع,ثم ظهر لهم عدو وهم العمالقة قوم جالوت,وكانوا سكان بحر الروم بين مصر والشام,وظهروا عليهم وغلبوا على كثير من بلادهم,وأسروا من أبناء ملوكهم أربعمائه وأربعين,وضربوا عليهم الجزية,وأخذوا ثرواتهم,ولم يكن لهم نبى إذ ذاك يدبر أمرهم,وكان سبط التوراة قد هلكوا ولم يبق إلا امرأة حبلى فولدت غلاماً فسمته(أشمويل)ومعناه :إسماعيل ,وقيل شمعون,فلما كبر نبأه الله وأرسله إلى بنى إسرائيل,فقالوا له:إن كنت صادقاً فأبعث لنا ملكاً نقاتل فى سبيل الله,وكان قوام أمر بنى إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة أنبيائهم,وكان الملك هو الذي يسير بالجموع,والنبى هو الذى يقيم أمره ويرشده ويشير عليه.
والنص القرآنى يوضح طبيعة الخلق اليهودى: الالتواء ,والتنكر ,والعصيان,والتمرد وخلف الوعد ,وسرعة التكذيب,وطول الجدل والمراء,فلما بعث الله طالوت عليهم ملكاً رفضوه,فقد كان اختياره على غير مألوف لهم:إذ كان المٌلك فى بيت يهوذا,ولم يكن طالوت واحداً من هذا البسط,فقد كان أبوه سقاء أو دباغاً على نحو ما ذكره الكاتبون.
لقد أعلنوا التمرد الأول بمجرد أن صادف اختيار الملك غير هواهم فقال لهم نبيهم: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْم).
وما أحوجهم لمثل هذه الصفات فى مواجهة العماليق, وقال لهم نبيهم-أيضاً -:إنه سيحقق لكم مأربكم فسيأتيكم بالتابوت تسكن به ثائرتكم وفيه بقية من مواريث آل موسى وآل هارون.
فلما فصل طالوت بالجنود أصدر أوامره , قال: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَر), قيل بين الأردن وفلسطين يسمى "(نهر الشريعة)" فمن شرب منه فلا يصلح للقتال معى,فكان التمرد الثانى فشربوا منه إلا قليلاً منهم.
قال المفسرون:كانوا ستة وسبعين ألفاً شربوا جميعاً إلا أربعة آلاف ,وهذه القلة عندما واجهت جالوت قالوا: (لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ).
فهم مع كونهم مؤمنين مازالت عناصر وراثة فعل المعصية تسول لهم,فقالت طائفة قليلة من هذا العدد القليل وهم الذين يظنون أنهم ملاقوا الله: ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه), وهو دائماً منطق المؤمنين الصادقين وليس وقفاً على عنصر أو نوع من البشر,وتنتهى المعركة بأن أقام الله لسيدنا داود دولة قال الله تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء), يعنى: صنعة اللبوس,ومنطق الطير وكلام الدواب, ثم ورَّث الله ملك داود لولده سليمان –عليهما السلام-
وإننى لآسف أشد الأسف للكلمات النابية التى ذكرها الدكتور(فيليب حتى) فى وصفه لسيدنا سليمان فقد أسفَّ فى تعبيراته وإن كان لم يجعل لليهود يداً فى الحضارة التى قامت فى مملكة داود وسليمان؛إذ جعلها كلها من مساعدات الملك الفينيقى (حيرام).
وأن الهيكل الذى بناه سليمان قد أخذ فكرته من حياة الكنعانين,وكان هيكلاً خاصاً به وحده.
فمملكة داود وسليمان ليست مملكة يهودية عنصرية فلم يٌقمها اليهود ولا يسمح تاريخ تمردهم وعصيانهم على أوامر الله وأوامر أنبيائهم بادعاء أنهم أصحاب جهد فى إقامة هذه المملكة,فالله وحده هو الذى أقامها لداود ثم سليمان,يقول الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ).
ويقول تعالى في سورة سبأ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) }.
ويقول تعالى في سورة النمل: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}.
ويقول تعالى في سورة ص: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)}.
إذن:فهى مملكة ربانية وعطاء إلهى وليست مملكة عنصرية يهودية.