|
الاخوه والاخوات رواد المنتدي الكريم
بعث لي احد المطلعين علي موضوعات المنتدي برساله علي الاميل الشخصي يطلب فيها ان اعرض بالنيابه عنه هذه المشاركه في الموضوع المثار
وانا اود ان اشكره علي تفضله باختياري لنشر هذه المشاركه بالنيابه عنه
واعرضها عليكم كما جاءت بدون تبديل او تعديل ولا يعني ان انشرها انني اوافق علي ما بها موافقه مطلقه ولكني امتثل لرغبة شخص ما جزاه الله عنا خير الجزاء
[font=Tahoma]بسم الله الرحمن الرحيم
تعقيبا على مشاركة أحد الأخوة (أسد السنة) في منتداكم والتي سماها القول الصائب في إثبات كفر أبو طالب وأورد الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه وذكره (أي صاحب القول الصائب) على هذا النحو: أهون أهل النار أبا طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه.
فأحببت أن أعقب على مشاركته بما يلي:
1. وجب التنبيه على الخطأ في نقل الحديث والتصويب هو:
(أَهْوَنُ أَهْلِ النّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ. وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ) كما هو في الصحيح.
2. ذكر الشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي الشافعية في مكة المكرمة رحمه الله تعالى في كتابه أسنى المطالب في نجاة أبي طالب ما يلي:
(فيقول العبد الفقير خادم طلبة العلم بالمسجد الحرام كثير الذنوب والآثام المرتجي من ربه الغفران أحمد بن زيني دحلان قد وقفت على تأليف جليل للعلامة النبيل مولانا السيد محمد بن رسول البرزنجي المتوفي سنة ألف ومائة وثلاثة في نجاة أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وذيله في آخره بخاتمة في نجاة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأثبت نجاته وأقام أدلة على ذلك وبراهين من الكتاب والسنة وأقوال العلماء يحصل لمن تأملها أنه ناج بيقين مع بيان معان صحيحة للنصوص التي تقتضي خلاف ذلك حتى صارت جميع النصوص صريحة في نجاته وسلك في ذلك مسلكاً ما سبقه إليه أحد بحيث ينقاد لأدلته كل من أنكر نجاته وجحد وكل دليل استدل به القائلون بعدم نجاته قلبه عليهم وجعله دليلاً لنجاته وتتبع كل شبهة تمسك بها القائلون بعدم النجاة وأزال ما اشتبه عليهم بسببها وأقام دليلاً على دعواه وكان في بعض تلك المباحث مواضع دقيقة لا يفهمها إلا الفحول من العلماء ويعسر فهمها على القاصرين من طلبة العلم وبعض تلك المباحث زائدة عن إثبات المطلوب ذكرها تقوية لما أثبته وكشف الحجاب كل محجوب فأردت أن ألخص في هذه الوريقات المقاصد التي أثبت بها نجاة أبي طالب…الخ). انتهى.
فالقائلين بنجاة أبي طالب لهم أدلتهم من الكتاب والسنة فقولهم مدعم بالبرهان المؤيد بالكتاب والسنة لا مجرد زندقة كما ألمح صاحب القول الصائب.
3. سأكتفي من هذا الكتاب القيم (كتاب أسنى المطالب) ببعض النقولات والحجج التي تبين وجاهة أدلة من قال بنجاة أبي طالب وأركز منها على ما تضمنته من رد على مشاركة أخينا صاحب القول الصائب وأنصح بالرجوع إلى الكتاب لما فيه من تفصيل في المسألة.
من هذه النقولات التالي:
أ. (إن العلامة البرزنجي أثبت أولاً حصول الإيمان لأبي طالب بالحجج والبراهين ثم أثبت له النجاة وخرج ذلك على أرجح الأقوال عند المحققين.
وقد صرح بالتصديق بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أشعاره وكان في بعض تلك الأشعار يأتي بألفاظ توهم على قريش أنه معهم وأنه على ملتهم كل ذلك مخادعة لهم للمبالغة في حفظ النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته فمن أشعاره التي دلت على تصديقه بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً رسولاً كموسى صح ذلك في الكتب
وهذا البيت من قصيدة طويلة لأبي طالب قالها في زمن محاصرة قريش لهم في الشعب وهي قصيدة طويلة بليغة غراء تدل على غاية محبته للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى التصديق بنبوته وشدة حمايته له والذب عنه ومطلعها:
ألا بلغا عني على ذات بيننا لؤياً وخصا من لؤي بني كعب
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً رسولاً كموسى صح ذلك في الكتب
ويروى نبياً كموسى خط ذلك في الكتب
ومن شعره قوله:
وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
هكذا نسب الحافظ ابن حجر في الإصابة هذا البيت لأبي طالب وقيل إنه لحسان بن ثابت الأنصاري قال البرزنجي ولا مانع أن يكون لأبي طالب وأخذه حسان فضمنه شعره.) انتهى.
ب. ( ... ثم قال البرزنجي إذا علمت ذلك فنقول تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقوله ويأمر أولاده كجعفر وعلي باتباعه ونصره وكان يمدحه في أشعاره بما يدل على تصديقه وكان ينطق بأن دينه حق فمن كلامه المعروف
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وعلمت أنك صادق ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
ومن شعره ما سبق قوله
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا رسولاً كموسى صح ذلك في الكتب). انتهى
ثم شرع يسرد بعضا من النقول الأخرى أكتفي منها لكثرتها بما يلي:
ج. (وروى الحافظ ابن حجر في الإصابة عن علي رضي الله عنه أنه لما أسلم قال له أبو طالب الزم ابن عمك وأخرج أيضاً عن عمران بن حصين رضي الله عنهما إن أبا طالب قال لابنه جعفر صل جناح ابن عمك فصلى جعفر مع النبي صلى الله عليه وسلم كما صلى علي رضي الله عنه قال البرزنجي فلولا إنه مصدق بدينه لما رضي لابنيه أن يكونا معه وأن يصليا معه بل ولا كان يأمرهما بالصلاة فإن عداوة الدين أشد العداوات كما قيل:
كل العداوات قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك في الدين). انتهى
… إلى أن يقول :
وفي قصة الحصار في شعب أبي طالب ذكر ما يلي:
هـ. (وأوحى الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سبحانه وتعالى سلط الأرضة على صحيفتهم التي كتبوها وعلقوها في الكعبة فأكلت ما فيها من عهد وميثاق وقطيعة رحم ولم يبق في الصحيفة غير اسم الله عز وجل فإنهم كانوا يكتبون باسمك اللهم فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب بذلك فخرج من الشعب حتى أتى المسجد فاجتمع عليه قريش وظنوا أنه يريد أن يسلمهم النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه فقالوا له توبيخاً له ولمن معه قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال أبو طالب إنما أتيتكم في أمر نصف بيننا وبينكم أي أمر وسط لا حيف فيه علينا ولا عليكم إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني قط أن الله تعالى قد سلط على صحيفتكم التي كتبتم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من جور أو ظلم أو قطيعة رحم وبقى بها كل ما ذكر به الله تعالى فإن كان الحديث كما يقول فأفيقوا في رواية نزعتم أي رجعتم عن سوء رأيكم وإن لم ترجعوا فوالله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي يقول باطلاً دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم فقالوا قد رضينا بالذي تقول وفي رواية أنصفتنا فأخرجوا الصحيفة فوجدوا الأمر كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب قالوا أي قال أكثرهم هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغياً وعدواناً وبعضهم ندم وقال هذا بغي منا على إخواننا وظلم فقال لهم أبو طالب بعد أن وجد الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم يا معشر قريش علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والإساءة والقطيعة ودخل أبو طالب ومن معه تحت أستار الكعبة وقالوا اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ثم انصرفوا إلى الشعب وعند ذلك مشى طائفة منهم في نقض الصحيفة وإبطال ذلك الحصار والكلام على ذلك طويل وإنما القصد بيان ان أبا طالب أطلعه الله على كثير مما خص الله به نبيه به من الآيات والمعجزات وخوارق العادات من مبتدا أمره صلى الله عليه وسلم وهو صغير إلى منتهاه وباطلاعه على تلك الآيات والمعجزات صار قلبه مشحوناً ممتلئاً بالإيمان والتصديق بالنبي صلى الله عليه وسلم إيماناً قطعياً لا شك فيه ولا شبهة ولم يظهر ذلك الإيمان ويتابعه ظاهراً مبالغة في حفظ النبي صلى الله عليه وسلم وحمايته وصيانته عما يؤذيه فكان يظهر لقريش أنه على ملتهم ودينهم فلا يستطيعون مخالفته) انتهى
4. بعد إيراد بعض (وليس كل) النقولات الدالة على إيمان أبي طالب بصدق النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما يقول به التي ذكرها الإمام البرزنجي كما نقله السيد دحلان والتي ذكرت جزءا منها للاختصار يبقى الشق المترتب على إثبات ذلك وهو ما يظهر من النقولات التالية:
( قال القرافي في شرح التنقيح عند قول أبي طالب
وقد علموا أن ابننا لا مكذب لدينا ولا يعزى لقول الأباطل
إن هذا تصريح باللسان واعتقاد بالجنان وإن أبا طالب ممن آمن بظاهره وباطنه غير إنه كفر ظاهراً ولم يذعن للفروع وكان يقول إني لأعلم أن ما يقول ابن أخي حق ولولا أني أخاف أن تعيرني نساء قريش لاتبعته.
وكما مر فإنه لم يذعن ظاهراً خوفاً من أن قريشاً لا تقبل حمايته وقوله لولا أني أخاف أن تعيرني نساء قريش إنما قال ذلك تعمية على قريش ليوهم عليهم أنه على دينهم وهو كذلك في الظاهر لا في الباطن وفي صحيح مسلم أنه يقال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أخرج من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان
فهذا الحديث وغيره مما يماثله من الأحاديث كلها تدل بظاهرها على أن النطق بالشهادتين ليس شرطاً في النجاة من النار وأنه سيخرج منها بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم من كان عنده إيمان قلبي ولو مثقال حبة من خردل من إيمان بنص هذا الحديث وهذا يدل على نجاة أبي طالب من وجهين:
أولاهما ما كان عنده من التصديق الكافي في النجاة في الآخرة.
وثانيهما أن أحاديث الشفاعة كثيرة وكلها فيها التصريح بأنها لا تنال مشركاً وقد نالت شفاعته صلى الله عليه وسلم أبا طالب بدليل ما رواه البخاري ومسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبا طالب كان يحوطك أي يحفظك وينصرك ويغضب لك فهل ينفعه ذلك؟ قال نعم وجدته في غمرات من النار وفي رواية وكان في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار. دل هذا على عدم إشراكه بالله تعالى فقد ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال شفاعتي لأهل الكبائر وفي لفظ لمن لم يشرك بالله شيئاً واللام للاختصاص مثل الحمد لله ومعناه شفاعتي مختصة بأهل الكبائر يعني أن الشفاعة التي لغفران الذنوب تختص بأهل الكبائر فإن الصغائر يكفرها اجتناب الكبائر وحيث كانت مختصة بأهل الكبائر فهي لا تكون لمشرك والكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين لأن الله لا يغفر أن يشرك به وإذا لم يغفر لم يدخل تحت الشفاعة ومصداقه أن الله تعالى أخبر عن الكفار بأنهم لا يخفف عنهم من عذابها وبأنهم لا يفتر عنهم وبأنهم ما هم منها بمخرجين وبأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين وأبو طالب قد نفعته شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فخفف عنه العذاب وأخرج من غمرات النار إلى ضحضاح النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فوجب أن يكون من غير المشركين بالله تعالى وكل من كان كذلك يخرج من النار ويدخل الجنة وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم أرجو له كل خير وهذا الحديث أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترجو لأبي طالب قال كل الخير أرجو من ربي ولا يرجى كل الخير إلا لمؤمن ولا يجوز أنه يراد بهذا ما حصل من تخفيف العذاب فإنه ليس خيراً فضلاً عن أن يكون كل الخير وإنما هو تخفيف الشر وبعض الشر أهون من بعض والخير كل الخير دخول الجنة.
5. ومما سبق يتبين أن ما استدل به صاحب القول الصائب من أن أبا طالب أهون أهل النار عذاباً وغيرها من الأحاديث تدل على نجاته لا على عدمها كما بين ذلك الإمام البرزنجي رحمه الله تعالى من وجهين:
الأول ما نقلته من أن الله تعالى قد أخبر عن الكفار بأنهم لا يخفف عنهم من عذابها ولا يفتر عنهم وبأنهم لا تنفعهم شفاعة الشافعين وحيث نفعته شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم دل على أنه ليس من المشركين المخلدين في النار وإلا لما جاز أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا سابقاً.
والوجه الثاني:ذكر الإمام البرزنجي رحمه الله تعالى أنه ثبت في الأثر الصحيح أن الجحيم هي الطبقة التي يعذب فيها عصاة المؤمنين ثم يخرجون منها وهي أعلى طبقات النار وعصاة المؤمنين عذابهم أخف من عذاب الكفار وحيث صح أن أبا طالب أهون أهل النار عذاباً على الإطلاق فيكون أهون عذاباً حتى من عصاة المؤمنين ولو لم نقل بذلك لما صدق قوله صلى الله عليه وسلم إنه أهون أهل النار عذاباً ولو فرض أنه كافر يخلد في النار وهو أهون أهل النار عذاباً لكان عذاب الكفر أهون من عذاب بعض المؤمنين العصاة وهذا لا يقول به أحد.
فثبت أن عذابه أهون من عصاة المؤمنين وثبت أنه تنفعه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا خفف عنه العذاب وجعل أخف أهل النار عذاباً فأخرج من طمطام النار وغمراتها أي أبعد عما كان مشرفاً على دخوله لولا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضحضاح منها وألبس نعلين من النار فصارت لا تغطي ظهور رجليه وهذه هي أعلى النار بحيث أن النار ما مست إلا تحت قدميه وليس ذلك إلا في الطبقة الفوقانية التي هي مكان عصاة هذه الأمة وقد صحت الأحاديث بأنهم يخرجون منها بحيث لا يبقى فيها من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان وقد صح أيضاً أن هذه الطبقة بعدما يخرج منها عصاة هذه الأمة تنطفي نارها وتصفق الريح أبوابها وينبت فيها الجرجير ولا يجوز أن ينبت فيها الجرجير وفيها نار تمس القدم فوجب أن يخرج منها أبو طالب بهذه الأدلة وكلها صحيحة. انتهى كلام البرزنجي.
6. بقي أن نذكر أنه قد يسأل سائل عن سبب تعذيب أبي طالب مع كونه مؤمنا موحدا وليس من المشركين على ما سبق ذكره وقد بين البرزنجي رحمه الله تعالى ذلك بأن العذاب الذي ورد لأبي طالب في مقابلة كبيرة هي ترك النطق بالشهادتين إن قلنا أنه لم ينطق بها وأن ترك النطق بها معصية من كبائر المعاصي وأن عذره في ترك النطق بها (وهو ما سبق ذكره من المبالغة في المحافظة على حماية النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته لعلمه بأنه إذا نطق بذلك وعلموا أنه اتبع النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتدوا بحمايته وجاهه عندهم بل يخفرون ذمته وينتهكون حرمته ويبالغون في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم) لا يمنع من صحة الإيمان لكنه لا ينفي كون ذلك الترك معصية كما ذكر البرزنجي رحمه الله تعالى احتمالات أخرى لسبب تعذيب أبي طالب مع عصاة المؤمنين غير النطق بالشهادتين فقال يحتمل ذلك لترك الصلاة التي كانت في أول الإسلام وهي ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي وكذا التهجد الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام فيحتمل ان امتناعه من ذلك كراهة أن تعلم قريش أنه اتبع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقبلون حمايته ولا يعملون بها فيكون امتناعه من تلك الصلاة ليس جحوداً وعناداً وتكذيباً بل مبالغة في التعمية على قريش ومبالغة في حماية النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته لكن لا يمنع كون الامتناع معصية يعاقب عليها.
6. يقول البرزنجي: ولم ينقل عن أبي طالب بطريق صحيح أنه اتخذ صنماً إلها أو عبد حجراً أو نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عبادة ربه بل قلبه مشحون بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم ومثل هذا ناج في الآخرة على مقتضى ديننا فلا يليق بالحكمة ولا بمحاسن الشريعة الغراء ولا بقواعد الأئمة أن يكون مثله مثل الكفار الجاحدين في الخلود في النار
قال حسان رضي الله تعالى عنه
أمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
7. ويقول الشيخ علي دعموش:
( لقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاة عمه، وحزن حزناً شديداً عند وفاة زوجته (يقصد خديجة رضي الله تعالى عنها) واعتبر موتهما خسارة ومصيبة كبرى للأمة كما هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة: "اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعا".
ومن الواضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطلق في حبه وحزنه عليهما من مصلحته الشخصية، أو من عاطفة نسبية وحمية، وإنما هو يحب في الله ويحزن لله، ويقدّر أي انسان ويحزن لفقده، ويرتبط به روحيا وعاطفيا بمقدار ارتباط ذلك الإنسان بالله وبمقدار قربه من الله، وإخلاصه وتفانيه في سبيله وفي سبيل دينه ورسالته.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يتأثر على أبي طالب ولا على خديجة لأن هذه زوجته وذاك عمه، وإلا فقد كان أبو لهب عمه أيضا ولم يتأثر عليه لحظة واحدة، إنما تأثر عليهما وبكى لأجلهما لما لمسه فيهما من قوة إيمان وصلابة موقف، ومن تضحيات وتفان في سبيل الله والعقيدة، وفي سبيل المستضعفين في الأرض، ولما خسرته الأمة فيهما من جهاد وإخلاص ووفاء قل نظيره في تلك الظروف الصعبة والحرجة من تاريخ الاسلام.) انتهى
8. والحاصل أن الأحاديث التي فيها ذكر كفر أبي طالب ودخوله النار إنما هو بالنسبة للأحكام الدنيوية نظرا لظاهر الشرع وأن دخوله النار لأجل ترك التلفظ بالشهادتين أو لأجل ترك فرض من الفرائض أو لحق من حقوق العباد ولا يلزم من دخوله النار خلوده فيها وليس في تلك الأحاديث نص على انه يخلد في النار وقد شفع النبي صلى الله عليه وسلم في جعله في ضحضاح ولو كان كافراً ما قبلت شفاعته فيه وصح أن أخف أهل النار عذاباً عصاة المؤمنين وأن أبا طالب أخف أهل النار عذاباً على الإطلاق فهو أخف حتى من عصاة المؤمنين وصح أن العصاة يخرجون من الجحيم وأن الريح تصفق أبوابها وينبت فيها الجرجير فيكون أبو طالب من المخرجين منها بل يكون أول المخرجين لأنه أخفهم عذاباً.
9. إن ممن قال بنجاة أبي طالب على ما ذكره غير واحد مجموعة من شوامخ علماء الأمة المشهود برسوخهم في العلم من مثل السيوطي والسبكي والقرطبي والشعراني والإمام المحقق السحيمي وقيل في هذا أبيات منها:
إن القلوب لتبكي حين تسمع ما أبدى أبو طالب في حق من عظما
(أي تبكي إجلالاً لما أبداه أبو طالب من نصرة ومؤازرة في حق النبي)
فإن يكن أجمع الأعلام أن له ناراً فلله كل الكون يفعل ما
(أي يفعل ما شاء)
أما إذا اختلفوا فالرأي أن نردا موارداً يرتضيها عقل من سلما
نتابع المثبتي الإيمان من زمر في معظم الدين تابعناهم فكما
(أي كما تابعناهم في المعظم نتابعهم في هذا)
وهم عدول خيار في مقاصدهم فلا نقل غنهم لن يبلغوا عظما
لا تزدر بهم أتدري من همو فهمو هم عرى الدين قد أضحوا به زعما
هم السيوطي والسبكي مع نفر كعدة النقبا حفاظ أهل حما
وأهل كشف وشعرانيهم وكذا القرطبي والسحيمي والجميع كما
(أي والجميع كما ترى محققون ثقات)
وقد بينا من خلال النقولات السابقة وجاهة أدلة أصحاب هذا الرأي فعلى المخالف إن بقي على رأيه ألا ينكر على القائلين بنجاته لما لهم من أدلة لها وجاهتها ولما في هذا من احتياط في الدين خاصة وأن هذه المسألة ليست مما ينبني عليها عمل بحيث يخشى على القائل بها حتى يعنف عليه فضلا عن أن يتهم بأنه من أدعياء الزندقة والله تعالى يقول (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) صدق الله العظيم هذا مع كون الأولى حتى مع صحة القول بكفره وخلوده في النار (فيما لو أجمع على ذلك فكيف وقد ثبت أن من أكابر أهل السنة من يقول بخلاف ذلك) فالأولى (كما ذكره الشيخ أحمد بن عبد الله ميرغني مفتي الأحناف بمكة المكرمة رحمه الله تعالى) التفويض إلى الله تعالى والسكوت والتوقف وعدم الخوض في ذلك والاقتصار على قدر الضرورة في ذكر الأحاديث الواردة فيه مع غاية الأدب والخوف لأن الاحتياط من الورع فالاحتياط عدم التعرض له (أي لأبي طالب) بتنقيص لأن التعرض له يؤذي النبي ولا ريب فقد وردت أخبار تعلم بها محبة أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم له وأنه يؤذيه بغضه.
وقد أخرج أبو نعيم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان أبو طالب يحب النبي صلى الله عليه وسلم حبا شديداً لا يحب أولاده مثله ولذا لا ينام إلا جنبه ويخرجه معه حين يخرج وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أيضاً أبا طالب حباً شديداً لا يأوي إلا إليه ولا يطمئن قلبه إلا باتصاله به وكان صلى الله عليه وسلم يقول لما مات أبو طالب نالت قريش مني من الأذى ما لم تكن تطمع فيه حياة أبي طالب وقال أيضاً ما نالت قريش مني شيئاً أكره حتى مات أبو طالب ولما رأى قريشاً تهجموا على أذيته قال يا عم ما أسرع ما وجدت بعدك.
فكيف وقد سمي العام الذي توفي فيه بعام الحزن بل تأمل ما ورد عن أنس رضي الله تعالى عنه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا الجدب والقحط وانشد أبياتاً فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد المنبر فرفع يديه إلى السماء ودعا فما رد يديه حتى التقت السماء بأبراقها ثم بعد ذلك جاءوا يضجون من المطر خوف الغرق فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حياً لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقال علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه كأنك تريد قوله
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل.
أخرجه البيهقي كما ذكره الشيخ ميرغني. فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم عن أبي طالب لله در أبي طالب وقوله لو كان حيا لقرت عيناه فكأنه ما أحب إليه من أن تقر عينا عمه أبي طالب فهكذا ينبغي أن يكون حال من له محبة للنبي صلى الله عليه وسلم وقرابته مع قرابة النبي صلى الله عليه وسلم وأحد أولئك عمه أبو طالب الذي ما فتئ يذب عن النبي صلى الله عليه وسلم وينصره.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأن يرزقنا حب نبيه صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته الطاهرين وحب صحابته الغر الميامين وحب أزواجه أمهات المؤمنين
وصلى الله تبارك وتعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم[/font].
_________________
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمـم
و لن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلـى باسـم منتقـم
|
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
