موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: كتاب : تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 06, 2008 2:25 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة
[font=Tahoma][align=center]
هذا كتاب :

تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية

للإمام الحافظ العلامة جلال الدين عبد الرحمن السيوطي

يتبع إن شاء الله [/align]
[/font]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 07, 2008 4:10 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة
[font=Tahoma][align=center]
بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
[/font]


[font=Tahoma][align=justify](الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى)

اعلم - وفقني الله وإياك – أن علم التصوف في نفسه علم شريف، رفيع قدره سنيّ أمره، لم تزل أئمة الإسلام وهداة الأنام قديما وحديثا يرفعون مناره، ويجلون مقداره، ويعظمون أصحابه، ويعتقدون أربابه. فإنهم أولياء الله وخاصته من خلقه بعد أنبيائه ورسله.

غير أنه دخل فيهم قديما وحديثا دخيل تشبهوا بهم، وليسوا منهم، وتكلموا بغير علم وتحقيق، فزلوا وضلوا وأضلوا. فمنهم من اقتصر على الاسم، وتوسل بذلك إلى حطام الدنيا، ومنهم من لم يتحقق، فقال بالحلول وما شابهه، فأدى ذلك إلى إساءة الظن بالجميع.

وقد نبه المعتبرون منهم على هذا الخطب الجليل، ونصوا على أن هذه الأمور السيئة من الدخيل.

وقد وضعت هذه الكراسة، وسميتها "تأييد الحقيقة العلية وتشييد الطريقة الشاذلية" مرتبة على فصول. جعلها الله خالصة لوجهه ورزقنا الصدق في المقاصد والسلامة من الخطأ والخطل وشِبهه.

الأصل في علم الحقيقة أحاديث وآثار:

منها ما أخرجه الشيخان عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى قال للخضر (عليهما السلام): {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا. قال: إنك لن تستطيع معي صبرا}. يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا ينبغي لك أن تعلمه, وأنت على علم علمك الله لا ينبغي لي أن أعلمه, أي جميعه. وكذا قوله: "لا ينبغي لك أن تعلمه" أي جميعه. قال الحافظ ابن حجر: وتقدير ذلك معتبر, لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه, وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي.

وقال الشيخ سراج الدين البلقيني في الحديث: هذا قد يشكل, فإن العلم المذكور في الجهتين كيف لا ينبغي علمه؟ قال: وجواب هذا الإشكال أن علم الحقائق والكشوف ينافي علم الظاهر, فلا ينبغي للعالم الحاكم بالظاهر الذي هو مكلف به أن يعلم الحقائق, للتنافي, ولا ينبغي للعالم بالحقيقة أن يعلم العلم الظاهر الذي ليس مكلفا به الذي ينافي ما عنده من الحقيقة.

قال: ويمكن حمل العلم على معنى تنفيذه. والمعنى: لا ينبغي لك أن تعلمه لتعمل به, لأن العمل به مناف لمقتضى الشرع, ولا ينبغي لي أن أعلمه فاعمل بمقتضاه, لأنه مناف لمقتضى الحقيقة.

قال: فعلى هذا لا يجوز للولي التابع للنبي إذا اطلع على حقيقة أن ينفذ ذلك بمقتضى الحقيقة, وإنما عليه أن ينفذ الحكم الظاهر. انتهى.

منها حديث عمر رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام عن الإحسان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فانه يراك "أخرجه الشيخان. قال الهروي في منازل السائرين: هذا الحديث إشارة جامعة لمذهب هذه الطائفة. قال شارحه: لأن أصل هذه الطريقة الخاصة كمال المعرفة ودوام المراقبة للحق سبحانه في الحركات والسكنات, بل في الأنفاس واللحظات, حتى يستولي سلطان الحق على القلوب, فيضمحل ما تعلقت به أو سكنت إليه من الأحوال والخطوب.

ومنها ما أخرجه الطبسي في ترغيبه قال: أنبأنا القاضي أبو بكر احمد بن الحسن أنبأنا أبو علي حامد بن محمد الرفا الهروي أنبأنا نصر بن احمد البرزجاني, حدثنا عبد السلام بن صالح, حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله, فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل الغرة بالله".

هذا إسناد ضعيف, عبد السلام بن صالح هو أبو الصلت الهروي من رجال ابن ماجه, كان رجلا صالحا لكنه شيعي, وقد اختلف فيه فقال أبو حاتم: لم يكن عندي بصدوق, وضرب أبو زرعة على حديثه. وقال العقيلي: رافضي خبيث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: متهم. وقال الدارقطني: رافضي متهم بوضع حديث: "الإيمان إقرار بالقول".

وقال العباسي الدروقي: سمعت يحيى يوثق أبا الصلت. وقال محمد بن محرز عن يحيى: ليس ممن يكذب, وأثنى عليه احمد بن سيارة في تاريخ مرو, وقال كان يعرف بالتشيع فناظرته لاستخراج ما عنده فلم أره يفرط, رأيته يقدم أبا بكر وعمر, ولا يذكر الصحابة إلا بالجميل, وقال لي: هذا مذهبي الذي أدين الله به. قلت: فالحاصل أن حديث في مرتبة الضعيف الذي ليس بالموضوع.

وقد أورد القطب القسطلاني هذا الحديث في كتابه في التصوف, وقال: إن له شاهدا من مرسل سعيد بن المسيب, وأورد فيه حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا: "العلم علمان, فعلم ثابت في القلب فذاك العلم النافع, وعلم في اللسان, فذلك حجة الله على عباده".

وهذا الحديث أخرجه أبو نعيم والديلمي في مسند الفردوس.

وأورد الهروي في منازل السائرين بسنده من طريق الجنيد عن السري عن معروف الكرخي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه مرفوعا: "طلب الحق غربة". وهذا الحديث أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بسند مسلسل بالصوفية.

وأورده القطب القسطلاني في كتابه, وقال: يحتمل أن يريد بقوله: طلب الحق" الله سبحانه وتعالى, فانه هو الحق المطلق, ويطلق على غيره بلواحق وقيود. وبـ "الغربة": البعد عن حظوظ النفس وشهواتها ويحتمل أن يريد ما هو ثابت وطلبه مشروع من الأعمال المقربة, وبـ "الغربة" القلة وعزة الوجود لعدم المساعد على حصول المقصود, كما في الحديث الآخر: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ, فطوبي للغرباء".

وأورد القطب أيضا قول عيسى عليه السلام: العلماء ثلاثة: عالم بالله وبأمر الله, وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله, وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله.

وأورد عن سفيان الثوري قال: العلماء ثلاثة:

ـ عالم بالله يخشى الله ليس بعالم بأمر الله.

ـ وعالم بالله, عالم بأمر الله, يخشى الله, فذلك العالم الكامل.

ـ وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله, لا يخشى الله. فذلك العالم الفاجر.

ومنها ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس بسند مسلسل من طريق احمد بن غسان عن عبد الواحد بن زيد عن الحسن عن حذيفة مرفوعا: "سألت جبريل عن علم الباطن: ما هو؟ فقال: قال الله: هو سر بيني وبين أحبائي, أودعه في قلوبهم".

وأخرجه من وجه آخر عن أحمد بن غسان به, بلفظ: (سألت جبريل عن الإخلاص: ما هو). وهو مسلسل بسؤال كل راو لشيخه عن ذلك.

وقال الذهبي في الميزان: عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد شيخ الصوفية وواعظهم, لحق الحسن وغيره, ضعفه النقاد, فقال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: تركوه. وقال الجوزقاني: سيء المذهب ليس من معادن الصدق. وقال الذهبي: له مناكير مع أنه كان مجاب الدعوة, حدث عنه وكيع وأبو سليمان الداراني, وقال إنه صلى الصبح بوضوء العتمة اربعين سنة. انتهى. وفي رجال الإسنادين سواه من لا يعرف.

أخرج الفريابي في تفسيره عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل آية ظهر وبطن" قال ابن النقيب في تفسيره: ظهر الآية ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر, وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق.

وأخرج أبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن, وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن. وأخرجه أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي رضي الله عنه سبعين عهدا لم يعهده إلى غيره. وسيأتي لهذا مزيد كلام في فصل مستقل آخر الكتاب {وانظر الفصل الثامن} .

يتبع إن شاء الله[/align]
[/font]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 10, 2008 7:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة
[font=Tahoma]
[align=center][ تابع ][/align]

[align=justify]قال صاحب التعرف:

ممن نطق بعلوم القوم, وعبر عن مواجيدهم, ونشر مقاماتهم, ووصف أحوالهم قولا وفعلا بعد الصحابة علي بن الحسين (زين العابدين) وابنه محمد الباقر, وابنه جعفر الصادق وأويس القرني والحسن البصري وأبو حازم سلمة بن دينار ومالك بن دينار وعبد الواحد ابن زيد وعتبة الغلام وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وابنه علي وداود الطائي وسفيان الثوري وأبو سليمان الداراني وابنه سليمان وأحمد بن أبي الحواري وذو النون المصري في آخرين.

وذكر غيره أن علي بن أبي طالب أول من نهج الطريق ثم ابنه الحسن.

أما كلام علي فأشهره - وهو الذي أورد كثير من الصوفية في كتبهم - ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن الكميل بن زياد قال:

أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي, فأخرجني إلى ناحية الجبان فلما أصحرنا جلس ثم تنفس, ثم قال: "يا كميل بن زياد, القلوب أوعية, فخيرها أوعاها, احفظ ما أقوله لك: الناس ثلاثة , فعالم رباني, ومتعلم على سبيل نجاة, وهمج رعاع أتباع كل ناعق.. إلى أن قال: إن ها هنا - وأشار إلى صدره - علما لو أصبت له حملة!

بلى, أصبته لقنا غير مأمون عليه, يستعمل آلة الدين للدنيا يستظهر بحجج الله على كتابه, وبنعمه على عباده.

أو منقادا لأهل الحق لا بصيرة له في إحيائه, ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة. لاذا. ولا ذاك.

أو منهوما باللذات, سلس القياد للشهوات, مغرى بجمع المال والادخار, وليس من دعاة الدين, أقرب شبها بالأنعام السائمة كذلك يموت العلم بموت حامليه.

اللهم لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة, لكيلا تبطل حجج الله وبيناته, أولئك هم الاقلون عددا, الأعظمون عند الله قدرا, بهم يدفع الله عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم, ويزرعوها في قلوب أشباههم. هجم بهم العلم على حقيقة الأمر, فاستلانوا ما استوعر منه المترفون, وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون, صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالنظر الأعلى, أولئك خلفاء الله في بلاده, ودعاته إلى دينه, فآها وشوقا إلى رؤيتهم".

وأما بقية كلام علي رضي الله عنه, وكلام من ذكر معه, فمسرود في تراجمهم في كتابي المسمى حلية الأولياء, وتركت سرده هنا خشية الإطالة .

قال عبد الغافر الفارسي: أخذ الأستاذ أبو القاسم القشيري طريق التصوُف عن الأستاذ أبي علي الدقاق. وأخذها أبو علي عن أبي القاسم النصراباذي، والنصراباذي عن الشبلي, والشبلي عن الجنيد, والجنيد عن السري السقطي, والسري عن معروف الكرخي, ومعروف عن داود الطائي, وداود لقي التابعين. وهكذا كان يذكر إسناد طريقته.

قال الشيخ الإمام الحافظ تقي الدين بن الصلاح إمام الشافعية والمحدثين في عصره: لبس الخرقة من القرب , وقد استخرج لها بعض المشايخ أصلا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم , وهو حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بكسوة فيها خميصة, فقال: ( من ترون أحق بهذه؟) فسكت القوم. فقال: (ائتوني بأم خالد) فأتي بها. فألبسها إياها, ثم قال: (أبلي وأخلقي) مرتين. أخرجه البخاري.

قال ابن الصلاح: ولي في لبس الخرقة إسناد عال جدا: ألبسني الخرقة أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي, قال: أخذت الخرقة من أبي الأسعد هبة الرحمن بن أبى سعيد عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري قال: أخذت الخرقة من جدي أبى القاسم, وهو أخذها من أبي علي الدقاق, وهو أخذها من أبى القاسم إبراهيم بن محمد بن حمويه النصر اباذي, هو أخذها من أبي بكر دلف بن جحدر الشبلي, وهو أخذها من الجنيد, وهو أخذها من السري, هو أخذها من معروف الكرخي, وهو أخذها من داود الطائي, وهو أخذها من حبيب العجمي, هو أخذها من الحسن البصري, وهو أخذها من علي بن أبى طالب, وهو أخذها من النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن الصلاح: وليس بقادح فيما أوردناه كون لبس الخرقة ليس متصلا إلى منتهاه على شرط أصحاب الحديث في الأسانيد, فإن المراد ما يحصل البركة والفائدة باتصالها بجماعة من السادة الصالحين.

قال يحيى بن عمار التيمي السجستاني:

العلوم خمسة:

- علم هو حياة الدين, وهو علم التوحيد.

- علم هو قوت الدين, وهو علم العظة والذكر.

- وعلم هو دواء الدين, وهو الفقه.

- وعلم هو داء الدين, وهو أخبار فتن السلف.

- وعلم هو هلاك الدين, وهو علم الكلام. انتهى.

قال الشافعي رضي الله عنه: صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين, وفي رواية: سوى ثلاث كلمات قولهم: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وقولهم : العدم عصمة.

وقال الشيخ تاج الدين السبكي في كتابه: (معيد النعم ومبيد النقم) : المثال السادس والستون: (الصوفية حياهم الله وبياهم, وجمعنا في الجنة نحن وإياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعبا ناشئا عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتشبهين بهم.

قال الشيخ أبو مجمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم, لأنهم لاحد لهم معروف, والصحيح الصحة: أنهم المعرضون عن الدنيا, المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة, ومن ثم قال الجنيد : التصوف استعمال كل خلق سني, وترك كل خلق دني.

وقال الشبلي : التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك.

وقال ذو النون المصري: الصوفي من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق, وإذا سكت نطقت عنه الجوارح.

وقال ابن بندار : التصوف إسقاط رؤية الخلق ظاهرا وباطنا .

وقال أبو علي الروذباري : الصوفي من لبس الصوف على الصفا, وأذاق الهوى طعم الجفا, ولزم طريق المصطفى, وكانت الدنيا منه على القفا.

وكان الشيخ الإمام يقول: الصوفي من لزم الصفا مع الحق, والخُلُقَ الحسن مع الخَلْق. وينشد:[/align]

[align=center]تنازع الناس في الصوفي واختلفوا قدما وظنُّوه مشتقا من الصوف

ولست أنخل هذا الاسم غير فتى صافى فصوفي حتى سمّي الصوفي[/align]


[align=justify]وهذة عبارات متقاربة .

والحاصل : أنهم أهل الله وخاصته, الذين ترتجى الرحمة بذكرهم, ويستنزل الغيث بدعائهم, فرضى الله عنهم, وعنا بهم.

وللقوم أوصاف وأخبار اشتملت عليها كتبهم. قال الأستاذ أبو القاسم القشيري : جعل الله هذة الطائفة صفوة أوليائه, وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه, ثم جعل قلوبهم معادن أسراره, واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره, فهم الغياث للخلق, والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق.

ومن أوصاف هذة الطائفةالرأفة والرحمة والعفو والصفح وعدم المؤاخذة, وضابطهم ما ذكرناه, وطريقتهم كما قال أبو القاسم الجنيد :(طريقنا هذا مضبوط بالكتاب والسنة) . وقال :(الطريق مسدود على خلق الله إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ومن حقهم تربية المريد إذا لاحت عليه لوائح الخير, وإمداده بالخاطر والدعاء, ويحكى عن بعض المشايخ أن تلميذه حضر إليه وهو جالس في جماعة, وقد ارتفع النهار, فتفرس الشيخ أنه في الليلة الذاهبة قد ارتكب معصية, فنظر إليه نظر مغضب, ولم يمكنه الإفصاح له بمحضر من الجماعة, فنظر التلميذ إلى الشيخ نظرة منكر, فقام الشيخ وجاء وقبل يد المريد.

ولم يفهم الجماعة شيئا , فسئل الشيخ بعد ذلك, فقال: إنه البارحة وقع في الزنا, فنظرت إليه نظرة مغضب لذلك, فنظر إلي نظر عاتب يقول: لو كان خاطرك معي وإمدادك مصاحبي لما وقع مني ذلك, فأنت المقصر, فقبلت يده لصدقه, فإن التقصير مني.

ومن حقهم الوقوف على إظهار ما يطلعهم الله عليه من المغيبات,ويخصهم به من الكرامات, على الإذن, وهم لا يجيزون إظهارها بلا فائدة, ولا يظهرونها إلا عن إذن, لفائدة دينية, من تربية أو بشارة أو نذارة كما قال الصديق لعائشة رضي الله عنهما عند موته: إنما هما أخواك وأختاك. قالت: إنما هي أسماء فمن الأخرى؟ قال ذو بطن, بنت خارجة, أراها جارية.

فولدت بعد وفاته بنتا. فلم يظهر أبو بكر ذلك إلا لاستطابة قلب عائشة عن استرجاع ما كان يخصها من الإرث.

وكذلك قول عمر رضي الله عنه: يا سارية الجبل الجبل. وقصته في الزلزلة وإجراء النّيل, وغير ذلك, وإنما أظهرها لمصلحة.

وكرامات عمر رضي الله عنه أكثر من أن تحصر, وهي من تمكنه في الأرض ظاهرا وباطنا, وكونه أمير المؤمنين على الحقيقة, وخليفة الله في أرضه وساكني أرضه.

وإذا علمت أن خاصة القوم هم الصوفية فاعلم أنه قد تشبه بهم أقوام ليسوا منهم, فأوجب تشبه هؤلاء بهم سوء الظن, ولعل ذلك من الله قصدا لخفاء هذة الطائفة التي تؤثر الخمول على الظهور.

ثم قال : وعلى الشيخ تربية المريد وحمل الأذى والضيم على نفسه, واعتبار قلوب جماعته قبل قوالبهم, والكلام مع كل منهم بحسب ما يقبله عقله,وتحمله قواه, ويصل إليه ذهنه, والكف عن ذكر ألفاظ ليس سامعها من أهلها, كالتجلي والمشاهدة ورفع الحجاب, إذا كان السامع بعيدا عنها, فإن في ذكرها له من المفاسد ما لا خفاء به. بل يأخذ المريد بالصلاة والتلاوة والذكر, ويربيه على التدريج.

والله الله في ألفاظ جرت من بعض سادات القوم لم يعنوا بها ظواهرها, وإنما عنوا بها أمورا صحيحة, فلا ينبغي للشيخ ذكرها لمريد فإنه يضله, مثل ما يقال عن بعضهم: العلم حجاب. فإنه ما يريد به ظاهر ما يفهمه المبتدئ منه, ولكن له معنى لا يناسب حال المبتدي الكشف عنه.

وغير ذلك من ألفاظ ربما جرى بعضها في حالة السكر, فإنها مما لا يقتدى بها, ولا يوجب القدح في قائلها, بل نسلم إليه حاله, ونقيم عذره فيما سقط من بين شفتيه حال الغيبة فإن الشارع لم يكلف غائب الذهن.

هذا إذا فقدت أسباب التأويل لكلامه بالكلية, ولن تجد ذلك إن شاء الله في كلام أحد من المعتبرين, قد نزه الله ألفاظهم عن الأباطيل, وما لهم كلمة إلا ولها محمل حسن.

هذا كله كلام السبكي.

وقال : في موضع آخر من هذا الكتاب: ومن الفقهاء فرقة متنسكة تجري على ظواهر الشرع, وتحسن أوامر الله ونواهيه إلا أنها تهزأ بالفقراء وأهل التصوف, ولا تعتقد فيهم شيئا, ويعيبون عليهم السماع وأمورا كثيرة.

والسّماع قد عرف اختلاف الناس فيه, وتلك الأمور قل أن يفهمها من يعيبها, والواجب تسليم أحوال القوم لهم, فإنا لا نأخذ أحدا إلا بجريمة ظاهرة, ومتى أمكننا تأويل كلامهم وحمله على محمل حسن, لا نعدل عن ذلك, لا سيما من عرفناه بالخير ولزوم الطريقة ثم ندت منه لفظة, فأنها لا تهدم عندنا ما مضى.

وقد جربنا فلم نجد فقيها ينكر غلطة أو سقطة على الصوفية إلا ويهلكه الله, وتكون عاقبته وخيمة.

وهؤلاء القوم لا يعاملون بالظواهر, ولا يفيد معهم إلا الباطن ومحض الصفا, وهم أهل الله وخاصته, نفعنا الله بهم, وأكثر من يقع فيهم لا يصلح. انتهى كلام السبكي بحروفه.

قال في الروضة: الوقف على الصوفية: حكي عن الشيخ أبى محمد انه باطل, إذ ليس للمتصوف حد يعرف, والصحيح المعروف صحته وهم المشتغلون بالعبادة في اغلب الأوقات والمعرضون عن الدنيا.

وفصل الغزالي في الفتاوى, فقال: لابد في الصوفي من العدالة وترك الحرفة, ولا بأس بالوراقة والخياطة, وشبهها إذا تعاطاها احيانا في الرباط لا في الحانوت, ولا يقدح قدرته على الكسب, ولا اشتغاله بالوعظ والتدريس, ولا أن يكون له من المال قدر لا تجب فيه الزكاة, ولا يفي دخله بخرجه ويقدح الثروة الظاهرة بالعروض الكثيرة, ولابد أن يكون في زي القوم, إلا أن يكون مساكنا, فتقوم المخالطة والمساكنة مقام الزي. قال: ولا يشترط لبس المرقعة من شيخ. وكذا ذكر المتولي.

يتبع إن شاء الله[/align]
[/font]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 14, 2008 3:36 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة
[align=center][font=Tahoma]
[ تابع ][/font]
[/align]


[font=Tahoma][align=justify]قال الغزالي في جواهر القرآن: مقاصد القرآن ستة, سادسها: تعريف منازل الطريق, وإليه الإشارة بقوله في الفاتحة: (إياك نعبد وإياك نستعين).

وقال الطيبي في حاشية الكشاف: العلوم التي هي مناط الدين أربعة, كلها في الفاتحة: علم الأصول وعلم الفروع وعلم القصص وعلم ما يحصل به الكمال, وهو علم الأخلاق, وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية, والالتجاء إلى جنات الفردانية, والسلوك لطريقه, والإستقامة فيها, وإليه الإشارة بقوله {إياك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم}.

ويؤخذ من بقية السورة بطريق الإشارة أن ثم طرقا أخرى متشعبة, خارجة عن سنن الاستقامة, فليحذر منها, وهي طريق {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}.

قال ابن القاص ـ من كبار أصحابنا ـ في كتابه "التلخيص" في الفقه, لما عد خصائص النبي صلى الله عليه وسلم الواجبة عليه دون سائر الأمة: منها أنه صلى الله عليه وسلم كان مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام.

وذكر هذه الخصيصة أيضا القضاعي في سيرته وابن سبع في خصائصه, وحمل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله".

وقد ذكر هذه الخصيصة أيضا ابن الملقن في الخصائص. وقال البيهقي في شعب الإيمان: ذكر بعض أهل العلم أن الغين شيء يغشى القلب فيغطيه بعض التغطية, ويحجبه عما يشاهده, وهو كالغيم الرقيق الذي يعرض في الهوى, ولا يكاد يحجب عين الشمس, ولا يمنع ضوءها, والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه يغشى قلبه ما هذه صفته, وذكر أنه يستغفر الله منه كل يوم مئة مرة.

ثم قال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ـ يعني شيخه الحاكم صاحب المستدرك ـ قال: سمعت الأستاذ أبا سهل محمد بن سليمان ـ يعني الصعلوكي أحد أئمة الشافعية, وهو المبعوث على رأس المئة الرابعة فيما ذكر الأصحاب, يقول: قوله "ليغان على قلبي" له تأويلات. أحدها يختص به أهل الإشارة, وهو حملهم إياه على غشية السكرة, التي هي الصحو في الحقيقة ومعنى الاستغفار عقبها: على التحسر للكشف عنها. وأهل الظاهر يحملونها على الخطرات العارضة للقلب, والطلبات الواردة عليه, الشاغلة له بهذه الغشية الملابسة.

وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: سمعت هذا الحديث فأشكل علي معناه, فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: يا مبارك ذاك غين أنوار, ولا غين أغيار.

قال شارح منازل السائرين: حقيقة الشيء عند أهل الشأن علاماته الدالة عليه, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لحارثة رضي الله عنه: كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت مؤمنا حقا. فقال: إن لكل قول حقيقة, فما حقيقة إيمانك؟ فقال: (عزفت نفسي عن الدنيا.. ) الحديث . فأخبره بعلامات صحة الإيمان.

ويظهر لي أن أهل هذا الشأن إنما سموا علمهم علم الحقيقة أخذا من لفظ الحقيقة في هذا الحديث, وقد ظهر لي أن نسبة علم الحقيقة إلى علم الشريعة كنسبة علم المعاني والبيان إلى علم النحو, فهو سره ومبني عليه فمن أراد الخوض في علم الحقيقة من غير أن يعلم الشريعة فهو من الجاهلين, ولا يحصل على شيء, كما أن من أراد الخوض في أسرار علم المعاني والبيان من غير أن يحكم النحو فهو يخبط خبط عشواء, وكيف يدرك أحوال الإسناد والمسند إليه والمسند ومتعلقات الفعل من لم يعرف المبتدأ من الخبر, والفاعل من المفعول؟ هذا بين لكل أحد. والحقيقة سر الشريعة ولبها الخالص, كما أن المعاني والبيان سر النحو ولطائفه.

والتصوف فقه بلا شك, فإن أكثره تكاليف واجبة ومندوبة, ومنها محرمة ومكروهة. وقد نص على أن أبواب التصوف من الفقه جماعة من أهل الأصول حيث ذكروا حد الفقه, ووافقهم ابن السبكي في جمع الجوامع, وضم إليه مسائل أصول الدين التي يجب اعتقادها, فقال: إنها عندي فقه.

واعلم أن دقائق علم التصوف لو عرضت معانيها على الفقهاء, بالعبارة التي ألفوها في علومهم لاستحسنوها كل الاستحسان وكانوا أول قائل بها, وإنما ينفرهم منها إيرادها بعبارة مستغربة لم يألفوها, ولهذا قال بعضهم: الحقيقة أحسن ما تعلم, وأقبح ما يقال. وأنا أورد لك مثالا تعرف (منه) صحة ذلك.

قال في منازل السائرين: حقيقة التوبة ثلاثة أشياء: تمييز الثقة من العزة, ونسيان الجناية, والتوبة من التوبة أبدا. فإذا سمع الفقيه هذا اللفظ, وهو "التوبة من التوبة" استغربه جدا, وقال: كيف يتاب من التوبة, وهي عمل صالح, وإنما يتاب من المعاصي.

وتقرير معناه: أن العبد إذا كمل في رجوعه إلى الله لم يلتفت إلى أعماله, ولم يسكن إليها بقلبه, توبة كانت أو غيرها, فيتوب من سكونه إلى توبته.

ويزاد إيضاحا أن التوبة وإن كانت من كسب العبد فهي من خلق الله وتوفيقه, فهو التائب عليه, ولو لم يتب عليه لما تاب, قال تعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا} فأي صنع للعبد في التوبة أو غيرها, وهو الذي وفقه الله لفعلها؟ فرؤية العبد التوبة من نفسه ذنبه يستغفر منه, بل عليه أن يشهد محض منة الله عليه بها, وتوفيقه لها, ويلغي نفسه أصلا عن درجة الاعتبار. وهذا مقام الفناء في التوبة, وهي أول منازل السائرين, ويقاس به مقام الفناء في التوحيد, فلا يشهد في توحيده صنعا, بل محض منة الله عليه به, وتوفيقه.

وهذا المعنى إذا عرض على الفقيه بهذه العبارة المألوفة كان أول قائل به وناصر له, لأن الفقيه السني يقاتل على إثبات الأفعال لله ونفيها عن العبد, مخالفة للمعتزلة والقدرية ونحوهم, ممن زعم أن العبد يخلق أفعاله, وأن الانتقال مخالفة.

كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي يقول: إذا عرضت لكم إلى الله حاجة فتوسلوا إليه بالإمام أبي حامد الغزالي. وكان يقول: كتاب الإحياء يورثك العلم, كتاب القوت يورثك النور. وكان يقول: عليكم بالقوت فإنه قوت. وكان يعظم الإمام أبا عبد الله محمد بن علي الترمذي, ويقول: انه أحد الأوتاد الأربعة وكان لكلامه عنده الحظوة التامة.

وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قول العلماء في الإحياء لما ذكر معرفة الله تعالى والعلم به, قال: والرتبة العليا في ذلك للأنبياء ثم الأولياء العارفين ثم العلماء الراسخين, ثم الصالحين.

فقدم الأولياء على العلماء, وفضلهم عليهم.

وقال الأستاذ القشيري في أول رسالته: أما بعد, فقد جعل الله سبحانه هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضلهم على الكافة بعد رسله وأنبيائه.

فهذا كنحو قول أبي حامد.

وهل هذا المذهب صحيح أم لا؟ فإن بعض الناس قال: لا يفضل الولي على العالم, لأن تفضيل الشخص على الآخر إنما هو برفع درجته لكثرة ثوابه المرتب على عمله, فلا فضل إلا بتفاوت الأعمال, وقد ثبت أن العلم أفضل من العمل, لأنه متعد, والعمل قاصر, والمتعدي خير من القاصر, وثوابه أكثر, فصاحبه أفضل.

قال هذا القائل: وأما تخصيص الله سبحانه وتعالى من شاء بشيء من المنح والمواهب فليس ذلك برفع درجته له بمجرده, ولا يفضل ذلك على غيره وإنما فضل الشيء غيره بكثرة ثوابه المرتب على أعماله الشاقة التي كلف القيام بها. ولو تجردت عن التكاليف لم يفضل بذلك غيره. فما حكم هذا الكلام؟

فأجاب الشيخ عز الدين بقوله: "أما تفضيل العارفين بالله على العارفين بأحكام الشرع فقول الأستاذ وأبي حامد فيه متفق, ولا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام, بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول, لأن العلم يشرف بشرف المعلوم وبثمراته, فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم, من جهة أن متعلقه أشرف المعلومات وأكملها, ولأن ثماره أفضل الثمرات, فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالا عليه, وينشأ عن تلك الحال ملابسة أخلاق سنية ومجانبة أخلاق دنية. فمن عرف سعة الرحمة أثمرت معرفته سعة الرجاء, ومن عرف شدة النقمة أثمرت معرفته شدة الخوف, وأثمر خوفه الكف عن الإثم والعصيان والفسوق, مع البكاء والأحزان والورع وحسن الانقياد والإذعان. ومن عرف أن جميع النعمة منه أحبه, وأثمرت المحبة آثارها المعروفة, وكذلك من عرف تفرده بالنفع والضر لم يعتمد إلا عليه ولم يفوض إلا إليه, ومن عرفه بالعظمة والإجلال هابه وعامله معاملة الهائبين من الانقياد والتذليل وغيرهما. فهذه بعض ثمار معرفة الصفات.

ولا شك أن معرفة الأحكام لا تورث شيئا من هذه الأحوال, ولا من هذه الأقوال والأعمال, ويدل على ذلك الوقوع, فإن الفسوق فاش في كثير من علماء الأحكام, بل أكثرهم مجانبون الطاعة والاستقامة. بل قد اشتغل كثير منهم بأقوال الفلاسفة في النبوات والإلهيات, فمنهم من خرج عن الدين, ومنهم من شك, فتارة تترجح عنده الصحة, وتارة يترجح عنده البطلان (فهم في ريبهم يترددون).

والفرق بين المتكلمين من الأصوليين وبين العارفين أن المتكلم نقيت عنه علومه بالذات والصفات في أكثر الأوقات, ولا تدوم له تلك الأحوال, ولو دامت لكان من العارفين, لأنه شاركهم في دوام العرفان الموجب للأحوال الموجبة للاستقامة. وكيف يساوى بين العارفين وبين الفقهاء, والعارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله, والله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ومدحه في كتابه المبين أكرم مدحه للعالمين. وأما قوله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فإنما أراد العارفين به وبصفاته وأفعاله دون العارفين بأحكامه, لا يجوز حمل ذلك على علماء الأحكام, لأن الغالب عليهم عدم الخشية, وخبر الله تعالى صدق, فلا يحمل إلا على من عرفه وخشيه.

وقد روي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن.

ثم نقول: إن العلماء بالأحكام أقسام.

أحدها: من تعلم لغير الله, وعلم لغير الله. فعلم هذا وتعليمه وبال عليه.

والثاني: من تعلم لغير الله, وعلم لله, فهذا ممن خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا. ولا أدري: هل يقوم إحسانه بإساءته أم لا؟

الثالث: من تعلم لله وعلم لغير الله. فهذا كالأول أو اشد إثما منه.

الرابع: من تعلم لله, وعلم لله. وهو ضربان:

أحدهما: أن لا يعمل بعلمه, فهذا شقي لا يفضل على أحد من أولياء الله تعالى.

وان عمل بعلمه, فإن كان عالما بالله تعالى وبأحكامه فهذا من السعداء, وإن كان من أهل الأحوال العارفين بالله فهذا من أفضل العارفين, إذ حاز ما حازوه, وفضل عليهم بمعرفة الأحكام وتعليم أهل الإسلام.

وأما قول من يقول: العمل المتعدي خير من العمل القاصر فإنه جاهل بأحكام الله تعالى, بل للعمل القاصر أحوال:

إحداهن أن يكون أفضل من المتعدي كالتوحيد والإسلام والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر, وكذلك الدعائم الخمس إلا الزكاة, وكذلك التسبيح عقيب الصلاة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قّدمه على التصدق بفضول الأموال, وهو متعد, وقال: "اقرب ما يكون العبد من الله إذا كان ساجدا" وقال: "خير أعمالكم الصلاة".

وسئل صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال:"حج مبرور". فهذه كلها أعمال قاصرة وردت الشريعة بتفضيلها.

القسم الثاني: ما تكون متعدية, كبر الوالدين, إذ سئل صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: "بر الوالدين".

وليست الصلاة بأفضل من كل عمل متعد, فلو رأى المصلي غريقا يقدر على إنقاذه, أو مؤمنا يقتل ظلما, أو امرأة يزنى بها, أو صبيا يؤتى منه الفاحشة, وقدر على التخليص والإنقاذ لزمه ذلك مع ضيق الوقت, لان رتبته عند الله أفضل من رتبة الصلاة, والصلاة أن قيل ببطلانها أمكن تداركها بالقضاء.

فهذان القسمان مبنيان على رجحان مصالح الأعمال فإن كانت مصلحة القاصر أرجح من مصلحة المتعدي فالقاصر أفضل من المتعدي, وإن كانت مصلحة المتعدي أرجح قدمت على القاصر. فتارة نقف على الرجحان فنقدم الراجح, وتارة ينص الشرع على تفضيل أحد العملين فنقدمه وإن لم نقف على رجحانه, وتارة لا نقف على الرجحان ولا نجد نصا يدل على التفضيل فليس لنا أن نجعل القاصر أفضل من المتعدي, ولا أن نجعل المتعدي أفضل من القاصر لأن ذلك موقوف على الأدلة الشرعية, فإذا لم يظهر شيء من الأدلة الشرعية لم يجز أن نقول على الله ما لا نعلمه أو نظنه بدلالة شرعية.

فائدة:

إذا استوى الناس في المعارف بحيث لا يفضل بعضهم على بعض في ذلك, فلا فضل لبعضهم على بعض إلا بتوالي العرفان واستمراره, لأن توالي ذلك شرف, فقد فات البعض وفاز به البعض.

وكذلك لا تدوم الأحوال الناشئة عن هذه المعارف إلا بدوام المعارف, ولا تدوم الطاعات الناشئة عن الأحوال إلا بدوام الأحوال, فإذا دام صلاح القلب بدوام المعارف والأحوال دام صلاح الجسد بحسن الأقوال واستقامة الأعمال, وإذا غلبت الغفلة على القلب فسدت الأحوال الناشئة عن المعارف, ففسد القلب بذلك وفسدت بفساده الأقوال والأعمال.

والمعارف رتب في الفضل والشرف, يترتب فضل الأحوال الناشئة عنها على رتبها في الفضل والكمال, وكذلك ما يترتب عليها من الأقوال والأعمال.

والحال الناشئة عن معرفة الجلال والكمال ينشأ عنها أعظم الأعمال, وهو التعظيم والإجلال.

وملاحظة شدة الانتقام ينشأ عنها أفضل الأعمال, وهو التعظيم والخوف.

وملاحظة سعة الرحمة ينشأ عنها الطمع والرجاء.

وملاحظة التوحيد بالنفع والضر ينشأ عنها التوكل على الله في جميع الأحوال.

فالهائب أفضل من المحب, والمحب أفضل من المتوكل, والمتوكل أفضل من الخائف, والخائف أفضل من الراجي, فهذه من أوصاف العارفين بالله.

ومما يدل على فضلهم على الفقهاء ما يجريه الله تعالى عليهم من الكرامات الخارقة للعادات, ولا يجري شيء من ذلك على يد الفقهاء إلا أن يسلكوا طريق العارفين ويتصفوا بأوصافهم, و"ما سبقكم أبو بكر رضي الله عنه بصوم ولا صلاة, ولكن بشيء وقر في صدره".

ولا يصح قول من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما فضل بأعماله الشاقة, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل بتكليم الله إياه, تارة على لسان جبريل. وتارة من غير واسطة. وكذلك فضل بالمعارف والأحوال. ولقد قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن أكون أعلمكم بالله, وأشدكم لله خشية".

وكذلك لما احتقر بعضهم قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيامه وصلاته إلى صلاته أنكر ذلك صلى الله عليه وسلم.

فذكر أن تفضيله عليهم إنما كان بمعرفته بالله تعالى, وهذا أكثر جهات تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا مشقة عليه فيها.

وكيف لا يكون ذلك والله تعالى يقول لموسى: (إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي).

وكيف يفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعماله الشاقة مع أنه لا نسبة لأعماله وصبره وتأذيه تقوم بأعمال نوح وصبره وتأذيه من قومه.

وما أسرع الناس بأن يقولوا ما ليس لهم به علم, ولو أنهم سألوا إذا جهلوا لكان خيرا لهم.

قال أبو طالب المكي في قوت القلوب: اعلم أن العبد إذا كان يذكر الله تعالى بالمعرفة وعلم اليقين لم يسعه تقليد أحد من العلماء, وكذلك كان المتقدمون إذا افتتحوا هذا المقام خالفوا من حملوا عنه العلم لمزيد اليقين والإفهام. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس أحد إلا يأخذ من قوله ويترك ألا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد كان (ابن عباس رضي الله عنهما) تعلم من زيد بن ثابت الفقه, وقرأ على أبي بن كعب, ثم خالف زيداً في الفقه, وأبيا في القراءة.

وقال بعض الفقهاء من السلف: ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلناه على الرأس والعين, وما جاءنا عن الصحابة فنأخذ منه ونترك. وما جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال. قالوا, ونقول, ولأجل ذلك كان الفقهاء يكرهون التقليد, ويقولون: لا ينبغي للرجل أن يفتي حتى يعرف اختلاف العلماء فيختار منها الأحوط للدين والأقوى لليقين, فلو كانوا يحبون أن يفتي العالم بمذهب غيره لم يحتج أن يعرف الاختلاف, ولكان إذا عرف مذهب صاحبه كفاه.

ومن ثم قيل: إن العبد يسأل غدا فيقال له: ماذا علمت فيما علمت؟ ولا يقال له: فيما علم غيرك. وقال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم ولإيمان} فقرن بينهما, فدل على انه من أوتي إيمان ويقينا أوتي علما, كما أن من أوتي علما نافعا أوتي إيمانا. وهذا أحد الوجوه في معنى قوله تعالى: {كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه} أي قواهم بعلم الإيمان, فعلم الإيمان هو روحه, وتكون الهاء عائدة على الإيمان.

وكذا العالم الذي هو من أهل الاستنباط والاستدلال في الكتاب والسنة ومعرفة أداء الصنعة وآلة الصنع لأنه ذو تمييز وبصيرة, ومن أهل التدبر والعبرة.

ثم قال: وقد كان من هدي أهل العلم في قعودهم أن يجتمع أحدهم في قعوده, وينصب ركبتيه, ومنهم من كان يقعد على قدميه ويضع مرفقيه على ركبتيه. كذلك كانت شمائل كل من تكلم في هذا العلم إلى وقت أبي القاسم الجنيد ولذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقعد القرفصاء ويحتبي بيديه.

وأول من قعد على كرسي يحيى بن معاذ الرازي, وفي زمن الجنيد أبو حمزة البغدادي, فعاب الأشياخ ذلك عليه, ولم يكن ذلك سيرة العارفين الذين يتكلمون في علم المعرفة واليقين, إنما كان جلوسهم الاحتباء, وإنما يجلس متربعا النحاة وأهل اللغة وأبناء الدنيا من علماء المفتين, وهي جلسة المتكبرين, ومن التواضع الاجتماع في الجلسة.

ثم قال: وأصول مقامات اليقين تسعة : التوبة, والصبر, والشكر, والرجاء, والخوف, والزهد, والتوكل, والرضى, والمحبة. هذا آخر ما لخصته من كتاب القوت.

وقال صاحب التعرف في خطبته مشيراً إلى هذه الطائفة:

جعل الله فيهم صفوة وأخيارا, ونجباء أبرارا, سبقت لهم منه الحسنى, وألزمهم كلمة التقوى, وعزف بنفوسهم عن الدنيا, وصدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة, وخلصت عليها معاملاتهم فمنحوا علوم الوراثة, وصفت أسرارهم فأكرموا بصدق الفراسة, ثبتت أقدامهم وزكت أفهامهم , ونارت أعلامهم. فهموا عن الله, وساروا إلى الله, وأعرضوا عما سوى الله. خرق الحجب أنوارهم. جالت حول العرش أسرارهم, وجلت عند ذي العرش أخطارهم, وعميت عما دون العرش أبصارهم. أجسام روحانيون, وفي الأرض سماويون, ومع الخلق ربانيون, سكوت نُظّار, غيب حضُار, ملوك تحت أطمار, نزّاع قبائل, وأصحاب فضائل, وأنوار دلائل, آذانهم واعية, وأسرارهم صافية, ونعوتهم خافية, صفوة صوفية, نورية صفية, ودائع الله بين خليقته, وصفوته في بريّته, ووصاياه لنبيه, وخباياه عند صفيّه, هم في حياته أهل صفّته, وبعد وفاته خيار أمّته, لم يزل يدعو الأول الثاني, والسابق التالي, بلسان فعله, أغناه ذلك عن قوله, حتى قل الرغب, وفقد الطلب, فصار الحال أجوبة ومسائل, وكتبا ورسائل, فالمعاني لأربابها قريبة, والصدور لفهمها رحيبة, إلى أن ذهب المعنى, وبقي الاسم, وغابت الحقيقة, وحصل الرسم المفرد[/align]
[/font]

[align=center][font=Tahoma]أمّا الخيام فإنها كخيامهم وأرى نساء الحيّ غير نسائها[/font][/align]

[align=justify][font=Tahoma]فصار التحقيق حلية, والتصديق زينة, وادّعاه من لم يعرفه, وحلي به من لم يصفه, وأنكره بفعله من أقر به بلسانه, وكتمه بصدقه من أظهره ببيانه, وأدخل فيه ما ليس منه, ونسب إليه ما ليس فيه, فجعل حقه باطلا, وسمي عالمه جاهلا, وانفرد المتحقق به ضنّا به, وسكت الواصف له غيرةً عليه, فنفرت القلوب منه, وانصرفت النفوس عنه, وذهب العلم وأهله والبيان وفعله.

يتبع إن شاء الله
[/font][/align]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 16, 2008 7:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14765
مكان: مصـــــر المحروسة
[font=Tahoma][align=center]
لتحميل الكتاب كاملا

إضغط هنا[/align]
[/font]

_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 2 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط