موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 196 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 5, 6, 7, 8, 9, 10, 11 ... 14  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 01, 2014 7:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وأخبر جماعة من الأحبار والرهبان ليلة ولادته بها وأجمعوا على ذهاب ملك بني إسرائيل وآمن به بعضهم ، وفيها ارتج واضطرب إيوان كسرى الذي لم يبن أحكم منه وانصدع وانشق وسقط من أعلاه أربعة عشر شرفة إشارة إلى أنه لم يبق من ملوك الفرس إلا أربعة عشر ملكاً وكان آخرهم في خلافة عثمان رضي الله عنه ، وخمدت تلك الليلة أيضاً نيران فارس التي كانوا يعبدونها من دون الله ولم تخمد قبل ذلك بألفي عام بل كانت توقد وتضرم أشد الإيقاد والإضرام ليلاً ونهاراً فلم يقدر أحد تلك الليلة على إيقاد شيء منها ، وغاضت ونشفت بحيرة طبرية التي كانت تسير فيها السفن فلم يبق بها تلك الليلة قطرة فبنى محلها مدينة تسمى ساوة ، ورميت تلك الليلة الشياطين المسترقون السمع من السماء بالشهب فلم يعودوا إليها وحجب إبليس عن خبر السماء فرن رنة عظيمة كما رن حين لعن وحين أخرج من الجنة وحين ولد محمد صلى الله عليه وسلم وحين بعث وحين نزلت عليه الفاتحة ، وأكثر العلماء على أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً مقطوع السرة حتى لا يرى أحد سوأته ، وقال ابن القيم : ليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم فقد ذكر ابن دريد في الوشاح قال ابن الكلبي : بلغنا أن آدم عليه السلام خلق مختوناً واثنى عشر نبياً من بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وهم شيث ونوح وابنه سام ونبئ على ما في هذا الخبر ولوطاً ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهوداً وصالح صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وزاد الحلبي في سيرته خمسة ، ونظم ذلك بعضهم فقال :



وفي الرسل مختون لعمرك خلفه

ثمان وتسع طيبون أكارم


وهم زكريا شيث إدريس يوسف

وحنظلة عيسى وموسى وآدم


ونوح شعيب سام لوط وصالح

سليمان يحيى هود يس خاتم



ومن أسباب تسمية جده عبد المطلب له محمداً ما روي أنه رأى كأن سلسلة فضية خرجت من ظهره لها طرف بالسماء وطرف بالأرض بالمشرق وطرف بالمغرب ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب ويحمده أهل السماء والأرض فلذلك سماه محمداً .

وأول من أرضعته ثوبية مولاة عمه أبي لهب أعتقها لما بشرته بولادته فخفف الله من عذابه كل ليلة اثنين جزاء الفرحة فيها بمولده صلى الله عليه وسلم ، كما جوزي عمه أبو طالب بسبب تربيته له بأن خفف عنه من عذابه أيضاً ، وفي رواية أنه أعتقها بعد الهجرة ، وأرضعته بعدها حليمة السعدية رضي الله عنها ، كانت تأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيبسط لها ردائه وكذا زوجها السعدي أيضاً وبنتها الشيماء التي كانت تحضنه صلى الله عليه وسلم ، وخلاصة قصة إرضاعها أنها خرجت في نسوة قومها تلتمس الرضعاء بمكة وكلهن أعرضن عنه صلى الله عليه وسلم ليتمه حتى هي أولاً ، لكن لما لم يحصل لها غيره جاءت إليه وأخذته فرأته مدرجاً في ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح فيه المسك وتحته حريرة خضراء وكان راقداً على قفاه فهابته أن توقظه فوضعت يدها على صدره فتبسم ضاحكاً وفتح عينيه فخرج منها نور حتى دخل خلال السماء فقبلته وأعطته ثديها الأيمن فقبله فحولته إلى الأيسر فأبى لأن الله تعالى ألهمه العدل وأعلمه أن له شريكاً هو ابنها فترك له ثديها الأيسر ، وكانت هي وناقتها وأتانها في أشد الجوع والهزال فبمجرد أن وضعته في حجرها أقبل على ثديها فروي وتروى أخوه ودرت ناقتهم فأشبعتهم تلك الليلة لبناً ، فلما أصبحت ودعت آمنة وركبت أتانها وهو بين يديها فرأت الأتان سجدت من نحو الكعبة ثلاث مرات ورفعت رأسها إلى السماء ، فلما خرجت مع قومها سبقت أتانها الكل بعد أن كانت لا تنهض بها ، فأنكرن أنها هي فلما علمنها قلن : إن لها شأناً عظيماً وكانت تسمعها تقول : إن لي شأناً ثم شأناً بعد أن يبعثني بعد موتي لو علمتن من على ظهري ، عليه خيار النبيين والأولين والآخرين ، فلما وصلوا منازلهم كانت أجدب أرض وكانت غنم حليمة ترجع ملأى وغنم غيرها ما بها قطرة مع أن كلها بمحل واحد ، فلما تم له صلى الله عليه وسلم عندها سنتان عاد إلى أمه ، ثم لم تزل به حتى رجعت به فكمل عندها شهرين ، فبينما هو وأخوه يلعبان خلف البيوت ، وإذا بأخيه يشتد لأبويه وقال : أدركا أخي القرشي فأدركاه متغيراً لونه فاعتنقاه وسألاه فأخبرهما أنه أتاه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه فخافا عليه ورداه فهربا إلى أمه فقالت : ما ردكما وقد كنتما حريصين عليه ؟ ثم لم تزل بهما حتى أخبراها ، فقالت : افتخوفتما عليه من الشيطان ؟ كلا والله ما للشيطان عليه سبيل ، وأنه كائن لإبني هذا شأن ، وشق صدره الشريف أيضاً وهو ابن عشر ثم عند بعثته ثم عند الإسراء به ليكون لكل طور من أطوار طفولته ثم عند بلوغه ثم عند بعثه ثم عند الإسراء به كمال يخصه ويليق به ، إذا القصد من ذلك إظهار مزيد الكرامة والتمييز والاعتناء وإلا فهو صلى الله عليه وسلم من حين خلق على أكمل الأحوال الظاهرة الباطنة ، وكان وهو عند حليمة إذا اجتمع عند الغنم تظلل عليه الغمامة إذا وقف وقفت وإذا سار سارت ، وكان وهو في المهد يناغي القمر أي يحدثه ويشير إليه بأصبعيه فحيث أشار إليه مال .

أخبرني صلى الله عليه وسلم بذلك قال : إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء وأسمع وجنته تحت العرش حين يسجد ، وتكلم صلى الله عليه وسلم في أوائل ما ولد وكان مهده ( أي المكان الذي هو راقد عليه ) يتحرك بتحريك الملائكة ، قالت حليمة : وأول ما فطمته قال : الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً ، ولما بلغ صلى الله عليه وسلم أربع سنين ، وقيل أكثر من ذلك إذ عندما ماتت أمه في مرجعها به من المدينة كانت قد ذهبت لتزور أخوال جده عبد المطلب وهم بنو عدي بن النجار ، ودفنت بالأبواء قرية عند الفرع ، فرجعت به أم أيمن بركة دايته وحاضنته ومرضعته ، يقال إنها ورثها من أبيه أو من أمه أو من خديجة وهبتها له ، وقيل دفنت بالحجون ويشهد له روايات كثيرة .

وعندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم ثنتي عشر سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى فعرفه بحيرة الراهب وأخبرهم بصفة نبوته ورسالته وبخاتم النبوة الذي بين كتفيه وآمن به ثم أقسم على عمه أن يرجع به خوفاً عليه من اليهود ، قيل : منهم سبعة يريدون قتله ، فمنهم بحيرا ، وأخبروه أن اليهود تفرقت في كل طريق لعلمهم أنه خارج في هذا الشهر ، ومن جملة ما رآه بحيرا تظليل غمامة بيضاء له وأنه نزل تحت شجرة فارتخت أغصانها عليه تظلله ، ثم لما بلغ صلى الله عليه وسلم عشرين سنة عاد إلى الشام في تجارة ومعه أبو بكر فسأل بحيرا عنه فأقسم أنه نبي ، ثم بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين سنة ورجع إلى الشام أيضاً في تجارة لخديجة ومعه غلامها ميسرة ، فكان يرى ملكين يظلانه من الشمس ، ورأت ذلك خديجة أيضاً لما رجعوا بعد رجوعه بنحو ثلاثة أشهر تزوجها وعمرها أربعون سنة بعرض منها عليه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها ، ثم بلغ صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة فكان هو الواضع للحجر الأسود في محله ، ثم بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة أرسله الله تعالى للعالمين رسولاً إلى كافة الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم وبارك عليه ، فجاءه جبريل الأمين من ربه ذي الجلالة بمنشور النبوة والرسالة فأقرأه : " اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم " ، ثم أنزلت عليه سورة المدثر ، وأنزلت عليه سورة الفاتحة ، ومكث صلى الله عليه وسلم بكمة ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فآمن به من سبقت له العناية في دار البقاء وكذب به من كتب عليه في الأزل الشقاء ، ولعشر سنين من مبعثه الكريم خصه الله تعالى بالإسراء العظيم فسار صلى الله عليه وسلم بجسده يقظة وجبريل مصاحب له من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى إلى السموات العلا ، فرأى آدم في السماء الدنيا ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة وهارون في الخامسة وموسى في السادسة وإبراهيم في السابعة ثم إلى سدرة المنتهى ثم إلى مستوى يجمع فيه صريف الأقلام ثم إلى ما لم يصل إليه نبي مقرب ولا ملك مرسل ففرضت عليه وعلى أمته الصلوات وكانت خمسين صلاة فردها الله تعالى إلى خمس صلوات مضاعفة بعشر أمثالها وذلك في سبع وعشرين من رجب أو سبع عشرة من رمضان على اختلاف في ذلك ، وشرف في المناجاة إلى المقام الأسنى ونال من القرب ما ترجم عنه فكان قاب قوسين أو أدنى وصلى بالأنبياء إماماً في ليلته وجمع الله تعالى له بين كلامه ورؤيته ، وكان ينظر من خلفه كما كان ينظر من أمامه ، وكذا تنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك جميع الأنبياء على الجميع أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ثم هاجر إلى دار هجرته ومأوى أنصاره وأسرته فشق سيف الحق من غمده وجاهد في سبيل الله غاية جهده حتى فتح الله تعالى عليه أقفال البلاد ومكنه من نواحي العباد وأظهر دينه على الدين كله ، ثم توفاه عند حلول أجله إلى ما أعده في جنات النعيم من الكرامة والفوز العظيم بعد أن أكمل أحكام الدين يقيناً وأنزل عليه : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " .

وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وقد أكمل من العمر ثلاثاً وستين من السنين ، ودفن ليلة الثلاثاء وقيل ليلة الأربعاء على اختلاف في ذلك بين العلماء العاملين ، والذي عليه المعول والاعتماد في أبوي سيد العباد أنهما من الناجين بل من المؤمنين كما ورد ذلك في حديث حسن عند قوم صحيح عند آخرين ، بل وجميع آبائه من الموحدين كما قال تعالى : " وتقلبك في الساجدين " ، قيل معناه أنه كان ينتقل نوره من ساجد إلى ساجد ، قال الإمام فخر الدين الرازي : ففيه دلالة على أن جميع آباء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا موحدين مسلمين ، ثم قال ك ومما يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " ، وقال تعالى : " إنما المشركون نجس " ، فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً ، لذا قال . انتهى .



ولقد أحسن الحافظ شمس الدين بن ناصر حيث قال :

حبى الله النبي مزيد فضل

على فضل وكان به رؤوفا


فأحيا أمه وكذا أباه

لإيمان به فضلاً منيفا


فسلم فالعليم بذا قدير

وإن كان الحديث به ضعيفا


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 02, 2014 11:32 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

ولم يزل صلى الله عليه وسلم من حين نشأته وعين العناية ترعاه وتحفظه مما يحذره ويخشاه ، ومنحه الله تعالى منذ نشأ كل خلق جميل وأحله في القلوب المحل الجليل وعرف من بين أقرانه بالعفة والصيانة وعبر عنه أهل زمانه بالصدق والأمانة ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وخُلقاً وأكملهم ذاتاً ، تام الملاحة مكمل الجمال وضيء الوجه نيره ، ربعة ليس بالطويل البائن ولا القصير المتردد ، أبيض اللون أزهره ( أي مشرباً بالحمرة ذا هيبة وبهاء ) ، أزج الحاجبين أكحل العينين مفلج الأسنان ( أي غير ملتصق الأسنان ولا متراكمها ) ، أشنب ( أي دقيق أطراف الأسنان شديد بياضها ) ، سهل الخدين أهدب العينين ( أي طويل شعر أجفانها ) ، واسع الجبين أقنى العرنين ( أي قصبة الأنف يرى في رأس أنفه بعض أحديداب ) ، وكان صلى الله عليه وسلم بعيداً ما بين المنكبين بسيط الكفين ضخم الرأس والزندين والقدمين ، شعره إلى شحمة أذنيه لم يبلغ شيبه عشرين شعرة بيضاء في مقدم رأسه ولحيته ، بين كتفيه خاتم النبوة كبيضة الحمامة ، لونه ( أي الخاتم ) لون جسده وعليه خلان حمر ، وكان صلى الله عليه وسلم عنقه كاللؤلؤ وعرقه كالمسك وأطيب ، يتكفأ في مشيه ( أي يتمايل يميناً وشمالاً ) كأنما ينحط من صبب .

وكان صلى الله عليه وسلم خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ، وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعاً يخدم أهله ويحلب شاته ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويعود المسكين ويجيب من دعاه من غني وفقير وأمة وصغير ويحب المساكين ويجلس معهم ويحضر جنائزهم ويعود مرضاهم ولا يحقر فقيراً ولا يهاب ملكاً لملكه ولا يقابل أحداً بما يكره ويقبل معذرة من اعتذر إليه ، وكان صلى الله عليه وسلم يركب الفرس والبعير والبغلة والحمار ويردف خلفه وأمامه ويمشي خلف أصحابه ويقول : خلوا ظهري للملائكة ، وعصب صلى الله عليه وسلم بطنه بالحجر من الجوع زهداً وقد أتاه الله مفاتيح كنوز الأرض فرداً فرداً ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة لا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والعبد ، يحب الطيب ويكره الريح الكريهة ويميز أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ويرى اللعب المباح ولا ينكره ويمزح صلى الله عليه وسلم ولا يقول إلا حقاً .

وكان له صلى الله عليه وسلم من المعجزات ما يجوز الألف عداً ويفوق البحر مداً انشق له القمر وسلم عليه الحجر وسعى إليه الشجر وأجاب عند دعوته المطر وشكت إليه الغزالة فقضى وطرها وأمرها أن ترضع خشفها وتعود فعادت ، كما أمرها ورد مفاتيح الكنوز قناعة وزهداً ، وخير بين النبوة والملك فاختار أن يكون نبياً عبداً من رآه بديهة هابة وإذا دعاه المسكين أجابه ، يقضي عن الذنب إذا كان من حقه وسببه فإذا أضيع حق الله تعالى لم يقم أحد لغضبه ، يقول الحق ولو كان مراً ولم يضمر لمسلم غشاً ولا ضراً ، من رأى وجهه الشريف علم أنه ليس بوجه كذاب .

وكان صلى الله عليه وسلم ليس بغماز ولا عياب ، إذا سر فكأنما وجهه قطعة من قمر وإذا تكلم فكان الناس يجنون من كلامه أحلى ثمر ، وإذا تبسم تبسم عن مثل جب الغمام وإذا تكلم فكأن الدر يسقط من ذلك الكلام ، وإذا تحدث فكأن المسك يخرج من فيه ، وإذا قام من مجلسه بقي طيبه فيه أبرأ الأسقام بمسه وشفى ذوي العاهات بلمسه ، أطلعه الله تعالى على ما يكون من المغيبات وعلمه من العلوم والحكمة ما لم يعلم أحداً من المخلوقات ، وعصمه الله تعالى وكفاه وحفظه من الناس وحماه ، فحينئذ صار من المعلوم عند أهل الصفا أن اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم حقيق يتخذ عيداً والوقت الذي أسفرت فيه غرته خليق بأن يعقد طالعاً سعيداً ، ففي شهر ربيع الأول انشقت من جوهرة الكرم بيضة الشرف وفي يوم الإثنين منه ظهرت الدرة المصونة من باطن الصدف ، وفي ثاني عشرة أبرز سابق السعد من كمون العدم وبمكة المشرفة أنجز صادق الوعد بمصون الكرم ، فيا شهراً ما أشرفه وأشرقه من مولود ، فسبحان من جعل مولده للقلوب ربيعاً وحسنه بديعاً ولله در القائل :



يقول لنا لسان الحال منه

وقول الحق يعذبه السميع


فوجهي والزمان وشهر وضعي

ربيع في ربيع في ربيع



فنسأل المولى الكريم صاحب الفضل العميم ونتوسل إليه بهذا النبي العظيم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم الذي أكرمنا بظهوره وأخرجنا من ظلمات الكفر بنوره أن يجعلنا وإياكم ممن شملته برحمته العناية ولاحظته في أحواله عين الرعاية ، وأن يشرفنا في الدنيا بطاعته واتباع سنته واغتنام زيارته ويحشرنا في الآخرة في زمرته ويجعلنا من أهل شفاعته ، اللهم يا من هو المحيط الجامع ويامن لا يمنعه من العطاء مانع لا ينفد ما عنده وعم جميع الخلائق جوده ورفده ، نسألك أن تصلي وتسلم على هذا الكريم ، ونعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك ومن فجأة نقمتك ومن جميع سخطك ، ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، ونسألك ما قضيت لنا من أمر أن تجعل عاقبته خيراً ورشداً ، اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ولا كرباً إلا فرجته ولا هماً إلا نفسته ولا مريضاً إلا شفيته وعافيته ولا غائباً إلا رددته ولا عدواً إلا كفيته ولا صديقاً إلا كافيته ولا والياً إلا أصلحته ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين ، واللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا في أهلنا وذرياتنا ، اللهم وأيد بجنود الملائكة وأيد على جميع الممالك عبدك الذي أسندته على متكأت الأرائك وأسعدته بنصرة دين أفضل أنبيائك ملك البرين والبحرين وسلطان الروم والعراقين وخادم الحرمين الشريفين عبدك مولانا السلطان بن السلطان بن السلطان مولانا المظفر المنصور المعان مولانا السلطان عبد الحميد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان إبراهيم خان بن عثمان ، اللهم انصره وانصر عساكره وكن يا الله حاميه وحافظه وناصره وامحق بسيفه رقاب الطائفتين الرافضة والكافرة والفاجرة ، واجمع لنا وله بين خيري الدنيا والآخرة ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولكافة المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

تم هذا المولد الشريف على يد كاتبه الفقير لربه الراجي محو الذنوب عبد المنعم محمد السيوطي المالكي بجرجا ، وكان الفراغ من نساخته يوم الخميس سادس يوم في شهر ربيع الأول سنة ألف ومائتين ثلاثة وثمانين من الهجرة ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، والحمد لله رب العالمين .

قلت : تم كتابة الدعاء للسلطان نقلاً للأمانة العلمية ، ويجوز لنا أن نستعوض ذلك بالدعاء للرئيس عبد الفتاح السيسي حفظه الله تعالى وسدد خطاه ..

تم المولد المبارك ولله الحمد ويليه بمشيئة الله سبحانه كتابة مخطوطة عطر الأكوان بمولد سيد ولد عدنان للسيد صديق أحد تلامذة سيدي العارف بالله تعالى محمد السمان المدني مؤسس الطريقة السمانية قدس الله سرع ورضي عنا به ..


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 03, 2014 9:41 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
مخطوطة صغيرة وواضحة إلا من كلمتين أو ثلاثة في صفحتها الأولى ، تسمى بعطر الأكوان بمولد سيد ولد عدنان ، كتب في أولها اسم المخطوط ثم تأليف السيد صديق تلميذ الشيخ محمد السمان قدس الله سره ، وللأسف لم أعثر على ترجمة للسيد صديق وهل هو من أشراف المدينة أم من المريدين بالسودان أو غيرها ، فمن يعرف ترجمة له فليكتبها مشكوراً مأجوراً بإذن الله تعالى ، وكل ما نعرفه من خلال ما كُتب أنه تلميذ للشيخ السمان رضي الله تعالى عنه ..

عطر الأكوان بمولد سيد ولد عدنان
تأليف السيد صديق
تلميذ الشيخ محمد السمان المدني قدس الله سره العزيز
ورضي عنه وعنا آمين ثم آمين يا رب العالمين .



أرى كل مدح في النبي مقصرا

وإن بالغ المثني عليه وأكثرا


إذ الله أثنى بالذي هو أهله

عليه فما مقدار ما تمدح الورى



بسم الله الرحمن الرحيم

أحمد من أبرز من صدفة الإرادة بيد القدرة وساعد المواهب عروس تجلي جماله المنزه عن النظائر والأشباه ، وأجلسه على منصة فكان قاب قوسين في أوج المراتب وبتمائم الجلال جلله وألبسه حلل الكمال وحلاه ، وبه ختم نظام سلك المحاسن فكان فيه كالنجم الثاقب وبلولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ناجاه ، وأبرزه نوراً في غرر الساجدين في جنح الغياهب وميزهم به عمن انهار به إفكه في قليب خطأه وخطاه ، وأشكره على ما من به علينا من رشف رحيق محبته السائغ للشارب شكر معترف بالتقصير عن القيام بموجب ما خوله مولاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والولد والوالد والزوجة والصاحب وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفوته ومجتباه ، وأصلي وأسلم على المعول عليه في كشف الكروب والنوائب والمخصوص بالشفاعة الكبرى يوم يعض الظالم على يديه ندماً على ما فرط في جنب الله ، وعلى آله شمس فلك المجد ومركز دره المتعاقب وأصحابه بدور هدى ( رغم أنف ) من ضيع العمر سدى وضل في عساعس هواه ، وعلى التابعين لهم إلى يوم الدين الذي تشكل فيه ذوات الخدور الكواعب ، صلاة وسلاماً يعطر أرجهما الوجود وفدافده ورباه ، ما شنف مطرب بأقراط بواهر جواهر مولد سيد الحبايب آذان مقاصير القلوب عن كل محب آواه ، وما اهتز ريحان الجوانح بصبا نباء منائح أجداده ذوي الفخر والمناقب وموه بنان البيان جيد المحافل بفرائد قلائد املاه ، وتلا عندليب الشرف فرقانه مبتدئاً بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم عزيز الجانب بن عبد مناف بن قصي لتقاصيه عما عنه مولاه نهاه ، ابن حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر الذي كان أنضر وجهاً إذا تألق سناه ، ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة المستغاث به في المصائب ابن أول من نحر البدن إلياس الذي في صلبه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الله ، ابن مضر بن نزار بن معد سلالة الأنجاب الأطايب ابن عدنان منتهى النسب الشريف وفليق صحة مرماه .



شعر :

نسب ذرى فلك السما كأثيره

مذ صح أن البدر فيه أسيره


حاشاه يوجد عند أرباب النهى

وذي الحجا في العالمين نظيره



اعلم أيها الأخ الشفيق المتشوق إلى معرفة أصل هذا الوجود على التحقيق أن الله تعالى لما أراد أن يظهر في الوجود عروس حضرة أسمائه وصفاته كون نور نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من نور ذاته ، وأجلسه على منصة القرب في الحضرة الأولية وخلع عليه فيها خلعة الرسالة الكلية ، فمكث في ذلك الموطن على قدم العبودية أحقاباً من الدهور وهو يسبح الله تعالى ولا أرض ولا سماء ولا ظل ولا حرور ، ثم خلق الله من صفوة النور المذكور الأنبياء ثم الملائكة الكرام من قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلما سمعوا تسبيحه في ذلك المقام الأسنى ضج بعضهم بالتسبيح وبعضهم لهج بالحمد وبما يليق بحضرته العلية عليه أثنى ، ومنهم من هاج وماج وبقى في الحضرة متواجد ومنهم من هلل وكبر وخر لله ساجد .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ولما أراد الله جل وعلا ظهوره بالصورة البشرية في أشرف الجهات لتستضيء به المعاهد منها كما استغاث سرادقات العرش به جميع السموات ، وليسعد أديم الثرى بوطيء أقدامه ويتعطر الوجود بعبير انتشار نشر أعلامه ، أودع ذلك النور المذكور في طينة آدم فقام حياً على قدميه وحمد الله تعالى بمحامد لا يعلمها العالم وبما يليق بكماله أثنى عليه ، ثم أهبطه إلى الأرض وهو في صلبه على أجنحة الكرامة وحمله في السفينة في صلب نوح ففاز ببركته من الطوفان بالسلامة ، ثم جعله في صلب الخليل إبراهيم حين قذف به في النار فأصبحت ببركته برداً وسلاماً ذات أنهار وأشجار ، ثم نقله في صلب الذبيح إسماعيل فأصبح وسنا غرته يقتبس منه ضوء الصباح وفدى ببركته بالذبح العظيم من المولى الجليل فداء لم يسبق بمثله إكراماً لسيد الملاح .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ولم يزل ينقله من صلب ساجد إلى صلب قانت وعابد بنص القرآن ومطهر منزه من وصمة الشرك وسفاح الجاهلية إلى أن أوصله إلى أبيه عبد الله كبير الهمة عظيم الشان ، فأصبح ومحيا للسجود مناله فيه قابليته وذلك على تقدير لو أمرنا به من أبرزه شبحاً في العالم كما أمر الملائكة بذلك حين كان في صلب الصفي آدم ، هنالك ناداه المنادي من قبل من خصه بحمل سره المصون الأسمى أن لا يودعه في أريض رياض ترائب زينب ولا أسما ، إلا في غرف فراديس أحشاء سيدة نساء بني نزار آمنة الميمونة سلالة الجهابذة الأخيار ، فعند ذلك جنح فؤاده إلى اقترانه بدرها بشمسه فخطبها بإلهام من الله لنفسه ، وأوعها تلك الهيولي القديمة والجوهر الفرد الذي لا يوجد له إلا الفدا بالنفس قيمة ، وبما قصرت عن الإتيان بمثله ابنة عمران وصواحب ذي النون وظفرت منه باقتناص ذلك السر المصون ، واسمر حملها به إلى تمام بتسعة أهلة وفيها كانت تأتيها الأنبياء وتبشرها بأنها حملت بصاحب أشرف ملة ، وتقول لها : إذا بدر من فلك سماء الجمال بدر محياه فسميه محمداً لأنه حامل لواء الحمد يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ومن معجزاته ورحمته بها وهو في ظلمات الضمائر أن خفف ثقل حملها به فكانت لا تجد شيئاً منه كما تجد النساء ولا ما يكد الخواطر ، ولما أن آن إنفجار فجر محياه الباهر وانبساط سنا نوره على جميع المظاهر ، حضر عندها آسية إمرأة فرعون ومريم ابنة عمران وبعض من عواتق فراديس الجنان ، فزمجر رعد المخاض وهيسم نسيم البشارة بلطف الطلق فوضعته نوراً كما كان بين يدي رب الخلق ، وأمر الله الأرض أن تقبل قدميه حين وقع عليها معتمداً على يديه مشيراً بذلك الاعتماد إلى اعتماده على الله رافعاً بصره إلى السماء تنبيهاً على أن من تواضع لله رفعه الله ، وخرت الأوثان والأصنام هيبة من سطوات جلاله ورجمت الشياطين بشهب المنع عن استراق السمع براحة إرهاصات إقباله ، وارتج إيوان كسرى ارتجاجاً ترك العقول حيارى وسقطت منه أربعة عشر من الشرفات إشارة لسقوط هيبة ملكه الذي كان لا يبارى ، وغارت بحيرة ساوة تنبيهاً على غور كل دين متبع بالهوى في سجين وفاض وادي سماوة إيماً إلى فيض عباب رحمته على من تمسك بحبل دينه المتين .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 03, 2014 5:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وولد صلى الله عليه دهيناً كحيلاً مقطوع السرة مختوناً معطر كأنما شعره الليل إذا سجى ووجهه الصبح إذا أسفر ، فأحتمله جبريل حمل محب متعطش إلى لقاء محبوبه وطاف به أقطار السموات والأرض ليتبركوا به ويظفر كل منهم من مشاهدته بمطلوبه ، وعرج به في سرادقات العرش وحجب الأنوار وقرت العين منه بالعين وفاز برؤية الجمال الباهر ورده إلى أمه من قبل أن ينجلي النهار في أسرع من طرفة عين أو لفتة خاطر أو لمحة ناظر ، وانبلجت سدرة المنتهى وغشاها من الجمال ما غشاها فرحاً وطرباً ببزوغ محيا والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها ، وزخرفت الجنان بأفخر الحلي والحور والولدان وأمر بفتح أبوابها رضوان ومالك يغلق أبواب النيران ، كل ذلك فرحة بميلاد سيد الكونين وسروراً ببدو بدر قرة كل عين .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



وخرج الطير من وكره وأقبل الوحش من قفره ، واليعفور من الكناس ليحتسوا براحة الحدق راح رحيق مشاهدته بأعذب كاس ، فأرسلت أمه لجده عبد المطلب ذي الشرف والمهابة لتخبره بشروق شمس معاني ابن آمنة المستطابة ، فأقبل نشواناً من طيب شذا ما بشر به بسحب أردانه وضمه إلى صدره ضمة رأفة وحنانه ، وقبل بين عينيه ودخل به في أريض رياض البيت المقدس وحمد الله على ما أولاه من رؤية الجمال الذي تنزه عن الشبيه وتقدس ، وجاء به إلى الحجر الأسود ليسلم عليه فخرج من موضعه تعظيماً له وقبله بين عينيه ، فمن ذلك اليوم تسمى بالأسعد عند القوم وازداد شرفاً بتقبيله له في هذه الدار وفي ذلك اليوم .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ومولده مشهور بأعلى جدار البيت العتيق وكان لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول عام الفيل على التحقيق ، وأرضعته أمه الطاهرة الزكية سبعة أيام ثم ثوبية الأسلمية التي أعتقها أبو لهب حين بشرته أن أخاه عبد الله ولد له غلام ، ثم حليمة سيدة نساء بني سعد فجنت برضاعه ثمار ما سبق لها في الأزل من السعد ، وسادت بحضانته فتيات الحي وسائر النساء حتى كادت في الفضل تلحق بأهل الكساء ، واحتملته على إتانها عجفاء فاستسنمت بعد الهزال وسبقت مطايا القافلة حتى وصلت به إلى الأطلال ، ومسحت بيده الشريفة على الضرع فجادت باللبن الغزير غمائمه وجازت به على الماحل من الزرع فأثمرت أغصانه وأينعت سمايمه ، وأصبحت بعد الفقر ببركته غنية الظاهر والباطن أمنة السرب ساكنة الخواطر في تلك المساكن ، ولم يكن لها مصباح تستضيء به في حلك العاكر الأسنى محياه إذا تألق من خلف ليل لمة سافر .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



وكان يشب في اليوم شباب شهر تمييزاً عن الأقران حتى قام على قدميه في ثلاث ومشى في خمس وفي التاسع فيها نطق بملوك البيان ، وفيها شرح صدره الشريف الملكان وأخرجا منه قلبه الطاهر الزكي الأنور ونزعا منه حظ الشيطان وغسلاه بماء الشهود وملآه حلماً ورحمة على الأسود والأحمر ، ورداه إلى موضعه فالتأم من غير ألم بقدرة باريء النسم .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



وكان لا يشتكي ألم جوع ولا حر عطش كأبناء ناديه لأنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ، ثم ردته إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهر في صحيح الخبر فرحلت به إلى دار الهجرة بزيارة أخوال أبيه الميامين الغرر ، وفي رجوعها إلى وطنها المبارك الميمون أرشفتها راحة الاصطفا صرف راح المنون بشعب الجحون ، وحضنته بعدها جاريته أم أيمن الحبشية ثم جده عبد المطلب ذو الشمائل السنية ، ثم عمه الشفيق أبو طالب ذو النسب الباذخ والشرف فبوأه من المحبة دون النبيين إلى أعلى الغرف .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ورحل به في تجارة إلى الشام يريد نفاقها وكان في سفره بقية من الشمس إذا أنس احتراقها ، وفي رجوعه زوجه بسيدة نساء الدنيا وأهل دار السلام خديجة بنت خويلد المطهرة بماء " يحبهم ويحبونه " من قبل إيجاد الأنام ، فأولدها صلى الله عليه وسلم جميع البنين والبنات إلا ما كان من مارية وهو سيدنا إبراهيم طيب الصفات والذات .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



ولما تم من عمره أربعون سنة من السنين بعثه الله بشيراً لمن آمن به بالجنة ونذيراً لمن صد عنه من الخلود في سجين ، ثم توجه بأمر من الله في سنة ثلاث وخمسين إلى طيبة الطيبة سامية الجناب وتبعه من احتمى من سلاف محبته أهنى الشراب ، فأنزله أقمار قبابها أشرف المنازل وأورده من منهل فرحهم به أعذب المناهل ، وأنشدوا طرباً حين شاهدوا بدر محياه قد أشرق ولاح سناه من جانب ذي طوى والأبرق .



شعر :

أشرق البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعى لله داع



فبقى بها في أرغد عيش بقية عمره إلى أن احتملته مطايا القبول إلى منازل الوصول بعد انقضاء وطره .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 03, 2014 7:49 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وكان صلى الله عليه وسلم من نور شمس محياه النزيه الأبهر يقبس ضوء الشمس والقمر ، ومن هد وخطرة قده الرجيح لما يميد يخجل الغصن والظبي من لفته الجيد ، وكان صلى الله عليه وسلم أسيل الخد ووجنتيه عندمية رشيق القد وثناياه كالكواكب الدرية ، حواجبه سوابغ من غير قرن يشبهها الهلال وعيناه سبعتان مكحولتان من غير كحال ، واسع الجبين مفلج الأسنان أهدب الأشفار أقنى العرنين كث اللحية قد علتها سحائب الأنوار عنقه كجيد الغزال بعيد ما بين المنكبين سبط الكفين ضخم الكراديس مسيح القدمين ، شعره إلى شحمة أذنه التي يسمع فيها صرير الأقلام لم يبلغ شيب رأسه ولحيته عشرين وعرقه مثل صب الغمام ، إذا صافح المصافح يفوح في سائر اليوم منه رائحة شذى المسك إذا فاح وإذا وضع يده على رأس صبي عرف من طيبه أنه مسه سيد الملاح ، وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وخُلقاً وأوجههم صباحاً وأصدقهم لهجة وأهداهم طرقاً إلى الحق وفلاحاً ، من رآه بديهة هابه وتأدب بين يديه ومن خالطه أحبه وأجاب دعوته وأقبل بكليته عليه ، وكان صلى الله عليه وسلم يخدم أهله ويرقع ثوبه ويخصف نعله ويكنس الدار ويعود المرضى ويجبر خاطر أهل الذل والانكسار ، ويجيب دعوة من دعاه من غني وفقير ويحب المساكين ولا يحقر الفقراء ولا يهاب الأمراء ولا يقابل أحداً بما يكره من كبير أو صغير ، ويقيل العثار ويقبل عذر من إليه اعتذر ويركب الفرس والبغلة والحمار ويغض عمن أساء إليه البصر ، ويرى في خلفه والأمام ويمشي بعد الأصحاب ويقول : دعوا ظهري للملائكة الكرام ، إشارة للتواضع منه وخفض الجناح ، وعصب على بطنه من شدة الجوع الحجر وأحرم عينيه غالب الليل الهجوع سيما وقت السحر ، ورضي بالفقر وقد أتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فضة وذهباً وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأبى ، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويبدأ من لقيه بالسلام ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ويمشي مع الأرملة والخدام ، ويحب الطيب ويكره الرائحة الكريهة القبيحة ويتطيب وهو أطيب رائحة من الطيب والمندل في الرائحة ، وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل الفضل ويألف أهل الشرف فطوبى لمن سلك طريقه هذا وما عنه قط انحرف ، ولا يكره اللعب المباح ويمزح قائلاً حقاً وهو أشد حياء من العذراء في خدرها صدقاً ، وكان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويغضب لغضبه ويصفح عن الذنب إذا كان في حقه وسببه ، وقد وقع الاتفاق على مولده ومعراجه وهجرته ووفاته بالمدينة يوم الإثنين لثاني عشرة خلت من ربيع الأول فطوبى لها من بقعة كمل الله فيها لنبيه دينه ، وإذ قد وقف يعبوب الفكرة في ميادين الاختصار وكل لسان القلم واعتسف يعسوب الفطنة لعدم الاقتدار ، عن نص ما طرزه البنان في هذا البيان وحجم ومل هدير شحرور الإملاء في دوحة التبيان ، عن نثر محاسنه على الوجه الأكمل وتقاعس ساعد التحبري إملاء ما لوى عنه العنان قبس التحبير ولا أفضل ولا أجمل .



يا نقطة الباء يا مفتاح كنت ويا

تعيين لولاك يا من لا له شبه


من ذا يضاهيك والأكوان ما خلقت

إلا لأجلك والمولى اصطفاك له



فلنرفع بعده أكف الضراعة والذل والانكسار إلى سماء كرم من يسبح الرعد بحمده وينشيء السحاب الثقال ، ونبسطها بسعة مفتقر إلى بسط راحة بره ونقول إذ هو المعول عليه في قضاء الحوائج والمسئول ، نسألك اللهم يا جميل العوائد يا مرجى لكشف الشدائد بسرها هو هي وبعز عزك المنزه عن الشبيه والمضاهي ، وبحرمة ذل العبودية ورفعة من أقبل بها عليك وبعز عز الربوبية ، ومن بالذل لها وقف بين يديك يا من فلق البحر لموسى ونجا نوحاً من الغرق يا من أحيا الميت لعيسى وحفظ ( إبراهيم ) من النار وعصمه من القلق ، وأخرج من بطن الحوت ذا النون في الحين حين ناداه بلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، نسألك بجميع رسلك وأنبيائك وملائكتك من أهل أرضك وسمائك ، وبجميع أوليائك الأقطاب منهم والأوتاد وأرباب النوبة والمهيمين والأفراد ، وبأهل بيت نبيك المطهرين وأصحابه بدور الهدى وشموس الدين ، وبصلحاء هذه الأمة المحمدية وبمن شاكلهم ممن سلف في خلوص النية ، أن تلبسنا ثياب العوافي وتكفينا شر كل ذي شر يا خير كافي ، وأن تصلح لنا يا مولانا جميع الأعمال وتحسن الخواتيم لنا إذا حانت الآجال ، وتوفقنا لمتابعة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في الظاهر والباطن وأن تجعلنا ممن أصبح تحت تصاريف الأقدار ساكن ، ونسألك أن لا تجعل للشيطان علينا سبيل ولا لأحد من خلقك واعصمنا منهم كما عصمت من نمرود الخليل .



مولاي إني عاجز وفقير

وعديم جاه في الورى وحقير


مولاي خد بيدي وكن ناصراً

يا نعم مستند لنا ونصير



إلهي نسألك أن تطهر قلوبنا بماء شهود العيان وتخلص سرائرنا من قيد الوقوف مع الأكوان ، يا من أمره بين الكاف والنون يا من إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ، إلهي واجعل مؤلفه صديق بن عمر خان تلميذ قطب الأكوان سيدي الشيخ محمد السمان ، وكاتبه وقارئه وجميع من حضر في هذا المجلس من المحبين ممن أكرمتهم بمقام حق اليقين ، وعصمتهم من الذنوب والأوزار وخصصتهم بالقرب منك في هذه الدار وفي تلك الدار ، اللهم غزر لنا الأمطار وارخص لنا الأسعار ، واجعل هذه البلدة مطمئنة رخية وسائر قرى المسلمين والأمصار ، واطرح لنا في جميع الحبوب البريات واصلح لنا الرعات والرعية والأزواج والبنين والبنات ، وارحمنا ووالدينا والمؤمنين رحمة لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته ولا عيباً إلا سترته ، برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

وكان الفراغ من كتابته يوم الخميس الواقع في اليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول لسنة ثمانية عشر وثلاثمائة وألف من هجرة من خلقه الله تعالى على أكمل وصف ، صلى الله عليه وعلى آله ما جرى قلم كاتب بحرف .. آمين آمين ..

تم المولد الشريف ويليه بمشيئة الله سبحانه مولد شيخ القراءات الإمام الجزري رضي الله تعالى عنه .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 04, 2014 9:34 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
ونبدأ بعد حمد الله سبحانه والصلاة والسلام على أشرف الخلق حبيب الحق سيد المرسلين وإمام النبيين الفاتح الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، بترجمة مختصرة للشيخ العلامة والحبر الفهامة الإمام ابن الجزري من الويكيبيديا وهي بتصرف يسير :

بن الجزري، شيخ القرّاء، الإمام الحافظ الشافعي المذهب (751 هـ - 833 هـ)، نشأ في دمشق، وفيها حفظ القرآن وأكمله وهو ابن ثلاثة عشر عاماً، وصلى به وهو ابن أربعة عشر. كان رحمه الله صاحب ثراء ومال، وبياض وحمرة، فصيحاً بليغاً، كان الحجة الثبت المدقق، فريد العصر، سند المقرئين، شيخ شيوخ الإقراء، صاحب التصانيف التي لم يسبق مثلها، ولم ينسج على منوالها، بلغ الذروة في علوم التجويد وفنون القراءات، حتى صار فيها الإمام .

نسبه :

هو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الدمشقي العمري الشيرازي الشافعي، وكنيته أبو الخير، . عُرِفَ بابن الجزري، ونسب إلى الجزري كما أتى في المنح الفكرية للشيخ ملا علي القاري، نسبة إلى جزيرة ابن عمر شمال سورية (حالياً في تركيا)، كذا ذكره ابن المصنف وتبعه من بعده في إجماله، وفي القاموس: بلد شمال الموصل يحيط به دجلة مثل الهلال، والمراد بابن عمر الذي نُسب إليه هو عبد العزيز بن عمر وهو رجل من أهل برقعيد من عمل الموصل، بناها فنُسبت إليه، نص على ذلك أبو الوليد بن الشحنة الحنفي، في تاريخه "روضة المناظر في علم الأوائل والأواخر" فليس بصحابي كما توهمه بعضهم. وورد في كتاب الفوائد التجويدية في شرح المقدمة الجزرية، نسبة إلى جزيرة ابن عمر بن الخطاب الثعلبي حوالي عام 961م، وكانت ميناء أرمينية.

ولادته ونشأته:

ولد يوم الجمعة ليلة السبت 25 رمضان سنة 751 هـ الموافق 30 نوفمبر 1350م داخل خط القصاعين بين السورين بدمشق الشام كان أبوه تاجراً ومكث أربعين سنة لم يرزق ولداً، فحج وشرب من ماء زمزم، وسأل الله أن يرزقه ولداً عالماً ، فولد له ابنه محمد هذا بعد صلاة التراويح.
نشأ في دمشق الشام، وفيها حفظ القرآن وأكمله وهو ابن ثلاثة عشر عاماً، وصلى به وهو ابن أربعة عشر. كان صاحب ثراء ومال، وبياض وحمرة، فصيحاً بليغاً.

تحصيله العلمي:

اتجهت نفسه الكبيرة إلى علوم القراءات فتلقاها عن جهابذة عصره، من علماء الشام ومصر والحجاز إفراداً وجمعاً بمضمن كتب كثيرة، كالشاطبية والتيسير والكافي والعنوان والإعلان والمستنير والتذكرة والتجريد وغيرها من أمهات الكتب وأصول المراجع، ولم يكن الإمام ابن الجزري عالماً في التجويد والقراءات فحسب بل كان عالماً في شتى العلوم من تفسير وحديث وفقه وأصول وتوحيد وبلاغة ونحو وصرف ولغة وغيرها.

شيوخه:

أبو محمد عبد الوهاب بن السُّلاَر.
أحمد بن إبراهيم الطحان.
أبو المعالي محمد بن أحمد اللبان.
أحمد بن رجب.
القاضي أبو يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي.
أبو بكر عبد الله بن الجندي.
أبو عبد الله محمد بن الصائغ.
أبو محمد عبد الرحمن بن البغدادي.
عبد الوهاب القروي.
ضياء الدين سعد الله القزويني، وأذن له بالإفتاء سنة 778هـ.
صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله المقدسي الحنبلي.
إسماعيل بن كثير صاحب التفسير المعروف، وهو أول من أجاز له بالإفتاء والتدريس سنة 774هـ.
البلقيني سنة 785هـ.
أبي عبد الله محمد بن صالح الخطيب الأنصاري، الإمام ومعلم في الحرم المدني بالمدينة المشرفة.

سلوكه للتصوف:

يقول ابن الجزري عن نفسه: «وأما لبس الخرقة واتصالها بأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فإني لبستها من جماعة ووصلت إلي منه من طرق رجاء أن أكون في زمرة محبيه وجملة مواليه يوم القيامة. فمن ذلك أني لبست الخرقة المتبركة من يد شيخي وأستاذي الشيخ الصالح المسند المعمر أبي حفص عمر بن الحسن بن مزيد بن أميلة المراغي ثم الحلبي ثم المزي في يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال سنة اثنتين وسبعين وسبعمئة وأخبرني أنه لبسها من يد شيخه الإمام العلامة الزاهد العارف العابد الناسك خطيب الخطباء عز الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ الإمام الصالح الزاهد محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن أحمد بن شابور الواسطي الفاروثي شيخ القراءات والتفسير والتصوف في سنة تسعين وستمائة والشيخ عز الدين المذكور في خرقة التصوف ثلاث طرق: أحمدية وقادرية وسهروردية».

من مناصبه:

جلس للإقراء تحت قبة النسر بالجامع الأموي للتعليم والإقراء سنين عديدة، وولي مشيخة الإقراء الكبرى بتربة أم الصالح بعد وفاة شيخه أبي محمد عبد الوهاب السلار، وولي قضاء دمشق عام 793 هـ، وكذا ولي القضاء بشيراز، وبنى بكل منهما للقراء مدرسة ونشر علماً جماً، سماهما بدار القرآن. ولي مشيخة الإقراء بالعادلية، ثم مشيخة دار الحديث الأشرفية. وولي مشيخة الصلاحية ببيت المقدس وقتاً.

تلامذته:

أخذ عنه القراءات طوائف لا يحصون كثرة وعدداً، منهم من قرأ بمضمن كتاب واحد، ومنهم من قرأ بمضمن أكثر من كتاب، فممن كمل عليه القراءات العشر:
ابنه أبوبكر أحمد الذي شرح طيبة النشر.
محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي.
أبو بكر بن مصبح الحموي.
نجيب الدين عبد الله بن قطب بن الحسن البيهقي.
أحمد بن محمود بن أحمد الحجازي الضرير.
المحب محمد بن أحمد بن الهايم.
الخطيب مؤمن بن علي بن محمد الرومي.
يوسف بن أحمد بن يوسف الحبشي.
علي بن إبراهيم بن أحمد الصالحي.
علي بن حسين بن علي اليزدي.
موسى الكردي.
علي بن محمد بن علي بن نفيس.
أحمد بن إبراهيم الرماني.
عثمان بن عمر بن أبي بكر بن علي الناشري الزبيدي العدناني من علماء زبيد اليمن عام 828هـ ،شارح الدرة المضية في القراءات الثلاث.

فصل من حياته:

قال الحافظ ابن حجر: ثم جرت له كائنة مع قطلبك استادار أيتمش، ففرَّ منه إلى بلاد الروم، فاتصل بالملك أبي يزيد بن عثمان، فأكرمه وعظمه، وأقام عنده بضع سنين، إلى أن وقعت الكائنة العظمى التي قتل فيها ابن عثمان، فاتصل ابن الجزري بالأمير تيمور، ودخل معه بلاد العجم ). وبعد موت الأمير تيمور سنة 807 هـ ، خرج من بلاد ما وراء النهر، فوصل إلى خراسان ودخل مدينة هراة، ثم وصل إلى يزد ثم إلى أصبهان فقرأ عليه للعشرة في هذه المدن جماعة منهم من أكمل ومنهم من لم يكملوا، وتوجه إلى شيراز سنة 808 هـ ، فأمسكه سلطانها، فقرأ عليه جماعة بها وانتفعوا به، وأُلزم بالقضاء كُرهاً، فقام به مدة طويلة. ثم تمكن من الخروج منها إلى البصرة فقرأ عليه أبو الحسن الأصبهاني، ثم توجَّه للحج سنة 822 هـ، هو مع المولى معين الدين بن عبد الله قاضي كازرون فوصلا إلى قرية عنيزة بنجد ثم توجها منها لأداء الفريضة فلم يتمكنا من الحج في هذه السنة، لاعتراض الأعراب ـ قطاع الطريق ـ لهما، ثم حجَّا في التي تليها، وجاور بمكة والمدينة، ثم رجع إلى شيراز . وفي سنة 827 هـ قدم دمشق، ثم القاهرة وأقرأ وحدَّث، ثم رحل إلى مكة فاليمن تاجراً، وحدث بها، ووصله ملكُها، فعاد ببضائع كثيرةٍ، وحجَّ سنة 828 هـ، ثم دخل القاهرة في أول سنة 829 هـ فمكث بها مدة ثم توجه إلى الشام، ثم إلى شيراز عن طريق البصرة.

مؤلفاته:
نسخة مخطوطة من «الجزرية».
كان غزير الإنتاج في ميدان التأليف، في أكثر من علم من العلوم الإسلامية، وإن كان علم القراءات هو العلم الذي اشتهر به، وغلب عليه. ويعكس تنوع موضوعات مؤلفاته تنوع عناصر ثقافته، إلى جانب كتب القراءات وعلوم القرآن، كتباً في الحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، والتأريخ والمناقب، وعلوم العربية، وغير ذلك، تجاوز عدد مصنفاته التسعين كتاباً، منها:

كتب القراءات والتجويد:

تحبير التيسير في القراءات العشر، مطبوع.
تقريب النشر في القراءات العشر، مطبوع.
التمهيد في علم التجويد، مطبوع.
طيبة النشر في القراءات العشر، مطبوع.
المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه، المشهورة بالمقدمة الجزرية، مطبوع.
منجد المقرئين ومرشد الطالبين، مطبوع.
النشر في القراءات العشر، مطبوع
إتحاف المهرة في تتمة العشرة.
أصول القراءات.
إعانة المهرة في الزيادة على العشرة.
الإعلام في أحكام الإدغام، شرح في أرجوزة أحمد المقري.
الألغاز الجزرية، وهي أرجوزة ضمنها أربعين مسألة من المسائل المشكلة في القرآن.
الاهتداء إلى معرفة الوقف والابتدا.
تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان.
التذكار في رواية أبان بن يزيد العطار.
التقييد في الخلف بين الشاطبية والتجريد.
التوجيهات في أصول القراءات.
جامع الأسانيد في القراءات.
الدرة المعنية في قراءات الأئمة الثلاثة المرضية.
رسالة في الوقف على الهمز لحمزة وهشام.
العقد الثمين في ألغاز القرآن المبين، شرح لقصيدته المسماة الألغاز الجزرية.
غاية المهرة في الزيادة على العشرة.
الفوائد المجمعة في زوائد الكتب الأربعة.
نهاية البررة فيما زاد على العشرة، نظم في قراءة ابن محيصن والأعمش والحسن البصري.
هداية البررة في تتمة العشرة.
هداية المهرة في ذكر الأءمة العشرة المشتهرة.
البيان في خط عثمان.

كتب الحديث وعلومه:

الأربعون حديثاً.
الأولية في أحاديث الأولية.
البداية في علوم الرواية.
تذكرة العلماء في أصول الحديث، مختصر جعله بداية لمنظومته المسماة بالهداية إلى معالم الرواية.
التوضيح في شرح المصابيح، في ثلاث مجلدات، وهو شرح مصابيح السنة للبغوي.
جنو الحصن الحصين، مختصر كتابه الحصن الحصين.
الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين، في الأذكار والدعوات.
عدة الحصن الحصين، مختصر آخر للحصن الحصين.
عقد اللآلي في الأحاديث المسلسلة العوالي.
القصد الأحمد في رجال مسند أحمد.
المسند الأحمد فيما يتعلق بمسند أحمد.
المصعد الأحمد في ختم مسند أحمد.
مفتاح الحصن الحصين، وهوشرح للحصن الحصين.
مقدمة علوم الحديث.
الهداية في علم الرواية.

كتب التاريخ والفضائل والمناقب:

الإجلاء والتعظيم في مقام إبراهيم.
أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب.
مناقب الأسد الغالب مُمزق الكتائب، ومُظهر العجائب ليث بن غالب، أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب .
التعريف بالمولد الشريف.
عرف التعريف بالمولد الشريف، وهو مختصر كتابه "التعريف". ( وهو ما سنتشرف بكتابته على الموقع الشريف إن شاء الله تعالى )
ذات الشفا في سيرة المصطفى ومن بعد من الخلفا.
ذيل طبقات القراء للذهبي.
الرسالة البيانية في حق أبوي النبي.
غاية النهاية في أسماء رجال القراءات، وهو مختصر من كتاب طبقات القراء الكبير للمؤلف.
فضل حراء.
مختصر تاريخ الإسلام للذهبي.
مشيخة الجنيد بن أحمد البلياني، من تخريج ابن الجزري.
نهاية الدرايات في أسماء رجال القراءات، وهو طبقات القراء الكبير.
كتب أخرى[عدل]
الإبانة في العمرة من الجعرانة.
أحاسن المنن.
الإصابة في لوازم الكتابة.
الاعتراض المبدي لوهم.
التاج الندي.
التكريم في العمرة من التنعيم.
تكملة ذيل التقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد.
الجوهرة في النحو.
حاشية على الإيضاح في المعاني والبيان لجلال الدين القزويني.
الذيل على مرآة الزمان للنوي.
الزهر الفائح في ذكر من تنزه عن الذنوب والقبائح، وهي رسالة في الحث على الفضيلة.
شرح منهاج الأصول.
عوالي القاضي أبي نصر.
غاية المنى في زيارة منى.
فضائل القرآن.
كفاية الألمعي في آية "يا أرض ابلعي".
مختار النصيحة بالأدلة الصحيحة.
منظومة في الفلك.
منظومة في لغز.
المولد الكبير، وهو في سيرة النبي.
وظيفة مسنونة.

انتقاله رضي الله تعالى عنه :
توفي ضحوة يوم الجمعة 5 ربيع الأول سنة 833 هـ بمنزله بسوق الإسكافيين بمدينة شيراز. ودفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن عمر يناهز 82 سنة.

عرف التعريف بالمولد الشريف
للإمام الحافظ المقرئ أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل شهر ربيع الأول بالمولد الشريف ربيع القلوب وجلا به عن عباده الغموم وأزال بوجوده الكروب ، وأطفأ به نار الشرك وصدع به إيوان الإفك ، ورفع به جميع النقائص والعيوب وأضاء بنوره مشارق الأرض ومغاربها إشارة إلى ظهور هذا الدين بها فسبحان علام الغيوب .



لهذا الشهر في الإسلام فضل

وإفضال يفوق على الجميع



نحمده على أن جعلنا من أمته ونشكره على أن هدانا لملته ونسأله أن يميتنا على سنته ومحبته ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقتطف من هذا الشهر زهر الربيع مختطف ما يبدو في لياليه من النور البديع .

ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيه ، أظهره بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين الأكرمين ، خصوصاً الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون ، صلاة دائمة باقية إلى يوم الدين ما ولد مولود ووجد موجود وسلم تسليماً كثيراً حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين .

وبعد، فهذا شهر مولد سيد الأولين والآخرين وقائد الغر المحجلين وحبيب رب العالمين الذي أرسله الله للخلق أجمعين وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين وخصه بالشفاعة العظمى يوم الدين .

نسبه الشريف صلى الله عليه وسلم

فهو : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ين خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، إلى هنا متفق عليه ، واختلفوا في تسمية بقية أجداده صلى الله عليه وسلم من آدم صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ، مع اتفاقهم على أن عدنان من ذرية إسماعيل الذبيح صلى الله عليه وسلم ابن إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا الشيخ الرحلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم المقدسي بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد الحنبلي قال : أخبرنا حنبل بن عبد الله الرصافي ، أخبرنا هبة الله بن الحصين ، أخبرنا الحسن بن علي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي ، حدثني أبي ، حدثنا محمد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم " .


أخرجه مسلم في صحيحه والترمذي في جامعه وقال : حسن صحيح .



ورواه الطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله اختار خلقه ، فاختار منهم بني آدم ، ثم اختار بني آدم فاختار منهم العرب ، ثم اختار العرب فاختار منهم بني هاشم ، واختارني منهم ، فلم أزل خياراً من خيار ، ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم " .



فالعرب خير أناس ثم خيرهم

محمد فهو فيهم خير خيرهم


إن تقرأ النحل ينحل جسم حاسدهم

وفي براءة يبدو وجه جاههم



وروينا أيضاً في مسند أحمد عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني عبد الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأخبركم بأول ذلك : دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي رأتني حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاء له قصور الشام " رواه الحاكم في مستدركه على الصحيح .
قوله : لمنجدل : أي مختلط ، ويقال : ملقى على الجدالة وهي الأرض ، وقوله : دعوة إبراهيم يعني قوله تعالى : " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم " ( البقرة : 129 ) الآية ، وقوله : وبشارة عيسى يعني قوله تعالى : " ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " ( الصف : 6 ) .
ولا زال نوره صلى الله عليه وسلم ينتقل من الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الزاكيات إلى أن اتصل بأبيه عبد الله بن عبد المطلب ، فلما تأهل للزواج زوجه من آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ، فلما تزوجها ودخل بها حملت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فيقال : كان ذلك في يوم الإثنين من شهر رجب ، وقال ابن الجزار : أيام منى في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى ، قال الحاكم أبو أحمد : وكان سن عبد الله إذ ذاك ثلاثين سنة .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 04, 2014 11:32 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

حمل أمه به صلى الله عليه وسلم

فحملت بالنبي صلى الله عليه وسلم آمنة وكانت تقول : ما شعرت أني حملت به ولا وجدت له ثقلاً كما تجد النساء إلا أني قد أنكرت رفع حيضتي وربما كانت ترفعني وتعود .
قالت آمنة : فأتاني آت وأنا بين النائمة واليقظانة فقال : هل أشعرت أنك حملت ؟ فكأني أقول : ما أدري ، فقال : إنك حملت بسيد هذه الأمة ونبيها ، ثم أهملني حتى إذا دنت ولادتي أتاني ذلك الآتي فقال : قولي : أعيذه بالواحد من شر كل حاسد ، فإذا وضعته فسميه محمداً ، وآية ذلك أنه يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام .

ويروى : أن الله تبارك وتعالى لما أراد خلق نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في بطن أمه وكان ذلك في ليلة الجمعة من شهر رجب أمر في تلك الليلة رضوان خازن الجنان بأن يفتح أبواب الفردوس ، ونودي في السموات والأرض بأن النور المكنون المخزون الذي يكون معه النبي الهادي في هذه الليلة يستقر في بطن أمه الذي يتم خلقه ويخرج إلى الناس بشيراً ونذيراً .

ثم لما حملت به بعث عبد المطلب ابنه عبد الله إلى غزة من الشام يمتار لهم طعاماً مع تجار من قريش ، فلما رجعوا مرض عبد الله ، فلما وصلوا إلى المدينة تخلف عند أخواله بني عدي بن النجار ، ثم مات بالمدينة وله ثلاثون سنة ، ولما بلغت وفاته عبد المطلب وجد عليه وجداً شديداً ، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حملاً ، وخلف عبد الله جاريته أم أيمن بركة الحبشية وخمسة أجمال وقطعة غنم فورث ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت أم يمن تحضنه .

تاريخ مولده صلى الله عليه وسلم

وولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين بلا خلاف ، في شهر ربيع الأول على الصحيح ، ليلة الثاني عشر منه على الأصح ، عام الفيل على المشهور ، وذلك في ولاية العادل كسرى أنوشروان سنة سبع عشرة منها ، وسنة ثمان وسبعين وخمسمئة من رفع عيسى صلى الله عليه وسلم إلى السماء ، وسنة تسع وتسعمئة للإسكندر الرومي ، ويقال إن ذلك بعد هبوط آدم عليه السلام بستة آلاف وثلاث وأربعين سنة .

إرهاصات مولده صلى الله عليه وسلم

قالت أمه صلى الله عليه وسلم : فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب ، ثم وقع على الأرض معتمداً على يديه جاثياً على ركبتيه رافعاً بصره إلى السماء ، قالت : ولدته نظيفاً طيباً ما به من قذر ليس كما يولد السخل .

وروينا عن عثمان بن أبي العاص عن أمه فاطمة بنت عبد الله قالت : حضرت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت البيت حين وضع قد امتلأ نوراً ورأيت النجوم تدنو حتى ظننت أنها تقع علي .

وذكر بقي بن مخلد في تفسيره : أن إبليس رن أربع رنات : حين لعن ، وحين أهبط ، وحين ولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وحين أنزلت فاتحة الكتاب .

وولد النبي صلى الله عليه وسلم معدوداً مسروراً ، والمعدود : المختون ، والمسرور : المقطوع السرة ، هذا هو الصحيح عندنا كما رويناه مسنداً عن العباس عمه رضي الله عنه .
وقيل : إن جده ختنه يوم السابع وصنع مأدبة وسماه محمداً ، وقيل : إن جبريل ختنه حين طهر قلبه يوم شقته الملائكة وهو صغير .

ولما ولد ختم بخاتم النبوة ذكر ذلك ابن عابد وحكاه عنه غير واحد ، وسمي محمداً فقيل سمته بذلك أمه لما رأته وأمرت به ، وقيل بل جده ، ويحتمل أن تكون آمنة أمه لما أخبرت جده بما رأته سماه بذلك .

وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : إن ذلك لرؤيا رآها جده ، ذكر حديثها أبو الحسن القيرواني في كتابه البستان ، قال : كان عبد المطلب قد رأى في منامه كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المغرب وطرف في المشرق ، ثم عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور ، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها ، فقصها فعبرت بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب .

وكذا ما رآه جده ، وهو ما فتح الله على أمته من البلاد من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ، وأن دينه صلى الله عليه وسلم يمتد ما بينهما أكثر من امتداده بين الجنوب والشمال وأنت تجد الأمر كذلك عياناً .

وكذا ما رآه خالد بن سعيد بن العاص قبل المبعث بيسير ، كأن نوراً يخرج من زمزم حتى ظهرت له البسر في نخيل يثرب فقصها على أخيه فقال : إنها حفيرة عبد المطلب ، وإن هذا النور يكون منهم ، وكان هذا السبب لمبادرته إلى الإسلام ، فانظر كيف كان بدء النبوة بمكة وظهورها بالمدينة يثرب .

وقالت أمه صلى الله عليه وسلم : لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام .

قلت : ولهذه لطيفة أخرى وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وصل بنفسه الكريمة إلى أرض بصرى من الشام مرتين ولم يتجاوز ذلك فكان إشارة إلى ذلك والله أعلم ، وما أحسن قول العباس عمه رضي الله عنه مما أنشد فيه :



وأنت لما ولدت أشرقت الأرض

وضاءت بنورك الأفق


فنحن في ذلك الضيا وفي النور

وسبل الرشاد نخترق



ولما جاء البشير إلى جده عبد المطلب بولادة آمنة سر بذلك عظيماً ، وقام هو ومن معه من أشراف قومه حتى دخل عليها وكانت قد وضعته تحت برمة ليكون جده أول من يراه ، وإذا البرمة قد انفلقت عنه وإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء ، وأخبرت أمه جده بما رأت وما قيل لها فأخذه وادخله الكعبة وقام عندها يدعو الله تعالى ويشكره على ما أعطاه ، وقال في ذلك شعراً مشهوراً ، وأتت ثوبية جارية عمه أبي لهب فبشرته بأن قد ولد لأخيه عبد الله غلام ، فأعتقها في الحال تلك الليلة ثم جعلها ترضعه بعد ولادته أياماً كما سيأتي .

وقد روي أن أبا لهب بعد موته رؤي في النوم فقيل له : ما حالك ؟ فقال : في النار إلا أنه يخفف عني كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي ماء بقدر هذا وأشار إلى نقرة إبهامه ، وإن ذلك بإعتاقي لثوبية عندما بشرتني بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له .

وقد بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم نكتة : إذا كان أبو لهب الكافر الذي نزل القرآن بذمه جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فما حال المسلم الموحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يسر بمولده ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته ، لعمري إنما يكون جزاؤه من الله الكريم أن يدخله بفضله جنات النعيم .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 05, 2014 5:43 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

مكان ولادته صلى الله عليه وسلم وبركته

وكان مولده صلى الله عليه وسلم بالشعب ، وهو مكان معروف متواتر عند أهل مكة ، يخرج أهل مكة كل عام يوم المولد ويحتفلون بذلك أعظم من احتفالهم بيوم العيد وذلك إلى يومنا هذا .

وقد زرته وتبركت به عام حجتي سنة اثنين وتسعين وسبعمئة ، ورأيت من بركته عظيماً ، ثم كررت زيارته في مجاورتي سنة ثلاث وعشرين وثمانمئة ، وكان قد تهدم فرممته ، وقريء علي كتابي : التعريف بالمولد الشريف علي وسمعه خلق لا يحصون وكان يوماً مشهوداً .

آيات مولده صلى الله عليه وسلم

وليلة مولده الشريف انشق إيوان كسرى حتى سمع صوته وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وقد أخبرني بعض من رآه أنه انشق طولاً في سقفه قدر ما يثبه ويقفره الشخص القوي وهو باق إلى اليوم آية من آيات الله تعالى ، وخمدت نار فارس التي كانوا يعبدونها ولم تخمد قبل ذلك ألف عام بل كانت تضرم ليلاً ونهاراً ، ففي تلك الليلة خمدت في أقطار بلادهم ولم يقدروا على إيقادها وتلك آية باهرة ومعجزة ظاهرة .

وغاضت بحيرة ساوة وكانت بحيرة عظيمة في مملكة عراق العجم بين همذان وقم تركب فيها السفن ويسافر بها إلى ما حولها من همذان والري وما جاور ذلك وكانت أكثر من ستة فراسخ ، فأصبحت من ليلة مولده الشريف ناشفة يابسة كأنه لم يكن بها شيء من الماء واستمرت كذلك حتى بني في موضعها مدينة ساق الباقية إلى اليوم .

ورأى الموبذان وهو عالم الفرس وقاضيهم أن الإبل تقود الخيل وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها ، وذلك إشارة إلى ملك العرب تلك الديار وكذا كان ، ورميت الشياطين بالشهب الثواقب وكانت من قبل تسترق السمع ، وحجب إبليس عن السماء كما روي ولعله كان يصعد يسترق السمع أيضاً .

وروينا عن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنه قال : إني لغلام ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت ، إذ سمعت يهودياً يصرخ على أطمة يثرب : يا معشر يهود ، حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك ، ما لك ؟ قال : طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به .

وروي عن عكرمة رضي الله عنه أن نفراً من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فإذا شيخ من جرهم فقال : ممن أنتم ؟ فقالوا : نحن من أهل مكة من قريش ، فقال الشيخ : ذات يوم لقد طلع الليلة نجم لقد ولد فيكم نبي ، قال : فنظروا فإذا النبي صلى الله عليه وسلم ولد تلك الليلة .

رضاعه صلى الله عليه وسلم

ولما ولد صلى الله عليه وسلم أرضعته أمه سبعة أيام ثم أرضعته ثوبية الأسلمية مولاة أبي لهب أياماً كما قدمنا وأرضعت معه أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي بلبن أبي مسروح وهي أم عمه حمزة من الرضاعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إليها من المدينة بصلة وكسوة حتى توفيت ، واختلف في إسلامها .

ثم أرضعته أم كبشة حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ، فجاء عنها أنها قالت : لما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بما شاء الله تعالى من اللبن فشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي وناما وما كان أخوه ينام قبل ذلك وما كان في ما يرويه ولا في شارفنا ما يفديه ، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فنظر إليها فإذا هي حافل باللبن فحلب منها وشرب وشربت حتى انتهينا شبعاً ورياً فبتنا بخير ليلة ببركته صلى الله عليه وسلم .

قالت حليمة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر .

وردته إلى أمه وهو ابن خمس سنين وشهر على الأصح وبقيت حليمة حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقد تزوج خديجة رضي الله عنها فشكت جدب البلاد فكلم صلى الله عليه وسلم لها خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيراً فانصرفت إلى أهلها ، وقد اختلف أيضاً في إسلامها فذكرها جماعة في الصحابة وكذلك اختلف في إسلام زوجها .

وحضنته أم أيمن بركة الحبشية مولاته مع أمه وبعدها كما قدمنا وكانت تقول : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شكى جوعاً قط ولا عطشاً وكان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربة فربما عرضنا عليه الغداء فيقول : أنا شبعان .

ولما أكمل ست سنين توجهت أمه مع حاضنته أم أيمن إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه بني النجار فأقاموا شهراً ، فرجعوا فلما كانوا بالأبواء ماتت أمه فدخلت به أم أيمن مكة فضمه عبد المطلب إليه وكان يرق عليه ويعلي منزلته ويقول : إن لولدي هذا شأناً ، ولما حضرته الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات وللنبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين .

ولما صار له صلى الله عليه وسلم اثنى عشر سنة راح مع عمه أبي طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى فرأى بحيرا الراهب فعرفه بصفته ، فجاء وقال : هذا سيد العالمين ورسول الله ، فقيل : من أين علمت ؟ قال : إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر له ساجداً ولا يسجدان إلا لنبي وإنا نجده في كتبنا ، وأمر أبا طالب أن يرد به من بصرى خوفاً عليه من اليهود فرجع به عمه ولم يتجاوز بصرى .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 05, 2014 9:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

زواجه صلى الله عليه وسلم من خديجة

وحين بلغ خمساً وعشرين سنة خرج مرة ثانية إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها في تجارة لها ، فلما وصل إلى بصرى نزل تحت ظل شجرة قريباً من صومعة نسطورا الراهب ، فقال : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي ، ثم قال لميسرة : أفي عينه حمرة ؟ قال : نعم ، قال : لا تفارقه هو النبي وهو آخر الأنبياء ، ورجع صلى الله عليه وسلم من بصرى وكان ميسرة إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس فباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون ، فلما رجعوا ودخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة رأته خديجة والملكان يظلانه ، فأرته نساءاً لها وأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بالربح وأخبرها غلامها بما رأى وبما أخبر به الراهب نسطورا ، وذلك كان باعث خديجة رضي الله عنها في تزوجها به فتزوجها وقد كمل له خمس وعشرون سنة .

ولما بلغ خمساً وثلاثين سنة بنت قريش الكعبة ، وذلك أن بابها كان بالأرض وكان السيل يدخله فانصدع وسرق طيب الكعبة ، فلما انتهوا في البناء إلى حيث يوضع الركن من البيت إلى الحجر الأسود اختلفوا ، وقالت كل قبيلة : نحن أحق بوضعه حتى هموا بالقتال ، ثم اتفقوا على أن يجعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة حكماً يقضي بينهم ، فكان صلى الله عليه وسلم أول من دخل ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين قد رضينا بقضائه ، وكانوا قبل النبوة يدعونه بالأمين ، فأخبروه فوضع صلى الله عليه وسلم رداءه وبسطه على الأرض ثو وضع الركن وقال : لتأخذ كل قبيلة بطرف من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ، فلما بلغوا موضعه وضعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة .

بعثته وإسراؤه صلى الله عليه وسلم

ولما كمل له أربعون سنة بعثه الله إلى الخلق أجمعين ، فكان أول ما بديء به من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه الليالي حتى جاءه الحق وهو بالغار وأنزلت عليه سورة إقرأ ، وكانت هذه الرؤيا ستة أشهر .

وكان أول من آمن به من النساء خديجة ، ومن الرجال أبو بكر ، ومن الصبيان علي وله عشر سنين ، ومن الموالي زيد بن حارثة ، ثم عثمان والزبير وابن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بدعاء أبي بكر إياهم إلى الإسلام رضوان الله عليهم أجمعين .

ومات عمه أبو طالب في السنة العاشرة من البعثة ، وماتت بعده خديجة رضي الله عنها بثلاثة أيام ، فنال النبي صلى الله عليه وسلم من قريش ما لم ينله في حياته .

ثم أسري بجسده صلى الله عليه وسلم في السنة الثانية عشر من النبوة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، ثم عرج به إلى السماء العليا ، فرأى آدم صلى الله عليه وسلم في الأولى ، ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم في الثانية ، ويوسف في الثالثة ، وإدريس في الرابعة ، وهارون في الخامسة ، وموسى أو إبراهيم في السادسة ، وإبراهيم أو موسى في السابعة على اختلاف الروايتين في الصحيح وصوابه أن إبراهيم في السابعة ، ثم انتهى إلى سدرة المنتهى إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام .

وفرض عليه وعلى أمته الصلاة ، وذلك ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وصححه جماعة ، أو سبع عشرة من ربيع الأول أو من شهر رمضان على اختلاف في ذلك ، وله ثنتان وخمسون سنة ، فلما أصبح من تلك الليلة أخبر قريشاً فكذبوه ، وارتد جماعة ممن كان أسلم ، وسأله المشركون أمارة فأخبرهم بالعير وأنهم يقدمون يوم الأربعاء ، فلما كان ذلك اليوم لم يقدموا حتى كادت الشمس أن تغرب فدعا الله تعالى فحبس الشمس فكان كما وصف .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 07, 2014 5:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

هجرته صلى الله عليه وسلم

ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة ، فقدم من أسلم على يده من الأنصار ، وهاجروا في السنة الثالثة عشر من النبوة ، وأذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم أن يهاجر ، وأمره جبريل صلى الله عليه وسلم أن يستصحب أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فخرجا وبقيا في غار ثور جبل بأسفل مكة ثلاثاً ( أي أياماً ثلاثة أو أكثر ) ، فأمر الله تعالى العنكبوت فنسج على بابه وأمر حمامتين وحشيتين فعشعشتا على بابه ، ثم خرجا من الغار والنبي صلى الله عليه وسلم على ناقته الجذعاء ، فتعرض لهما سراقة بن مالك ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه بالأرض فطلب الأمان فأطلق .

النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

ودخل صلى الله عليه وسلم المدينة يوم الإثنين الثامن أو الثاني عشر من شهر ربيع الآخر وذلك في الرابع من تيرماه من شهور الفرس والعاشر من أيلول من شهور السريان ، وله صلى الله عليه وسلم ثلاث وخمسون سنة ، وكانت أول كلمة سمعت منه : " أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام " .

وفي ثاني عشر ربيع الآخر في صلاة الحضر ، وبني مسجده صلى الله عليه وسلم على جذع في المسجد حتى عمل له منبر بثلاث درجات ، فلما خطب عليه حن عند الجذع وخار كالبقرة ، فنزل صلى الله عليه وسلم واحتضنه حتى سكن وقال : " لو لم ألتزمه لحن إلى يوم القيامة " ، وكان اتخاذ المنبر في سنة سبع .

وأري عبد الله بن زيد الآذان عندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيما يجمعهم به للصلوات ، وفرضت الزكاة على النصاب الشرعي ، وكذلك فرض الجهاد ، وفي يوم الثلاثاء النصف من شعبان للسنة الثانية من الهجرة تحولت القبلة من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة ، وفرض الصوم في أواخر شعبان ، وكانت وقعة بدر في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان ، وفي الثامن والعشرين منه فرضت زكاة الفطر ، وحرمت الخمر في شوال من السنة الثالثة ، وولد الحسن بن علي رضي الله عنهما ، وفي السنة الرابعة نزلت آية التتميم ، وولد الحسين بن علي رضي الله عنهما .

وفي السنة الخامسة فرضت صلاة الخوف أو في السنة التي قبلها ، وكانت غزوة الحديبية وهي قريب من مكة مستهل ذي القعدة سنة ست ، وكانوا ألفاً وأربعمئة فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان تحت الشجرة .

وفي سنة سبع كانت عمرة القضاء مستهل ذي القعدة أيضاً ، وكان صلى الله عليه وسلم في ألفين ، وساق من المدينة ستين بدنة فنحرها ، وأقام بمكة ثلاثة أيام ورجعوا ، ثم فتح الله مكة في شهر رمضان سنة ثمان لنقض قريش العهد ، وطاف صلى الله عليه وسلم بالبيت يوم الجمعة العشرين من شهر رمضان وحوله ثلاث وسبعون صنماً ، وكان مر بصنم أشار إليه بقضيب قائلاً : " جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً " ، فيقع الصنم لوجهه .

وفرض الحج في سنة تسع على الصحيح ، وقيل : سنة ست ، وقيل : سنة سبع ، وتتابعت الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه ببراءة أن ينبذ كل ذي عهد لعهده ، وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، فلما نزل البقيع أدركه علي كرم الله وجهه بالعضباء ، وكان حجهم ذلك العام في ذي القعدة .

حجه صلى الله عليه وسلم ووفاته

وحج النبي صلى الله عليه وسلم بالناس حجة الوداع وتسمى حجة الإسلام ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة سنة عشر ومعه سبعون ألفاً ، ويقال : مئة ألف .

ودخلت سنة إحدى عشرة ، ففي يوم الأربعاء آخر صفر بدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع ، ثم أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يصلي بالناس وبقي تلك الجمعة في وجعه ، وأفاق يوم الإثنين الخامس من شهر ربيع الأول ، وفي الأحد اشتد وجعه صلى الله عليه وسلم وتوفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين بلا خلاف ، وكان الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشر شهيداً حين بزغت الشمس ، وقيل : حين اشتد الضحى ، وله ثلاث وستون سنة صلوات الله وسلامه عليه وآله .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 08, 2014 11:14 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

فصل في صفته صلى الله عليه وسلم

كان عليه أفضل الصلاة والسلام أكمل الناس خلقاً وأجملهم ذاتاً تام الملاحة مكمل الجمال وضيء الوجه نيره ربعة معتدل القامة لا بالطول الباين ولا بالقصر ذا بهاء وهيبة أبيض اللون أزهر مشرباً بالحمرة أزج الحاجبين ( وهو تقوس في الحاجب مع طول يكون في طرفه امتداد ) ، أفلج الأسنان ( وهو تباعد ما بين الثنايا والرباعيات وذلك بخلاف المتراص الأسنان ) ، أشنب ( والشنب : البياض والبريق في الأسنان ويقال : برد الأسنان وعذوبتها : يراد به عذوبة الفم ، ويقال : حدتها ويراد به طرواتها ، ضليع الفم : أي عظيمه وواسعه وذلك دال على القوة والشجاعة ، سهل الخدين : أي غير رابيتين ولا كثيري اللحم فإنه يدل على العجز واللؤم ، أدعج العينين أشكلها ( والدعج : شدة سواد العين مع سعتها ، والشكل : حمرة في بياض العين ) .

وهو محبوب محمود أهدب ( أي طويل أشفار العين ) ، واسع ما بين الحاجبين ، أقنى العرنين للأنف ( وقنا الأنف : طوله ودقة أرنبته مع حدب في وسطه ، وهو مدح في الرجال دال على كمال خلقته وعيب في الخيل ) ، بعيد ما بين المنكبين ( المنكب : مجتمع عظم العضد والكتف وهو غاية في كمال المحاسن ) ، بسيط الكفين ( أي واسعهما وهو الذي في أنامله غلظ وهو يحمد في الرجال دون النساء ) ، ضخم الرأس والقدمين ، منهوس العقبين ( أي قليل لحم العقب ) ، لم يتجاوز شعره شحمة أذنيه ، توفي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ في شيبه عشرين شعرة .

بين كتفيه خاتم النبوة ، قال السائب بن يزيد : رأيت خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة ، رواه البخاري ومسلم ، والحجلة : بيت من ثياب كالقبة لها أزرار كبار وعرى تسمى اليوم بشخانة .

وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته ، وكان إذا ادهن لم يتبين وإذا شعث رأسه تبين ، وكان كثير شعر اللحية ، فقال رجل : وجهه مثل السيف ؟ قال : لا ، بل مثل الشمس والقمر ، وكان مستديراً ، ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة ، يشبه جسده ( وشمط بكسر الميم أي ابتدأ به الشيب ، وشعث رأسه : أي تفرق شعره وهو بكسر العين ) .

وروينا في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ ، ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كفه ، ولا شممت مسكاً ولا عنبرة أطيب من رائحته ، وقد روينا هذا الحديث مسلسلاً بالمصافحة .

فصل في خلقه وشيمته صلى الله عليه وسلم

سئلت عائشة رضي الله عنها : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كان خلقه القرآن ، يرضى لما يرضاه ويغضب لما يغضبه .

وكان أشجع الناس ، قال علي كرم الله وجهه : كنا إذا حمي البأس وكفى القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فضلت على الناس بأربعة : السماحة والشجاعة وكثرة الجماع وكثرة البطش ، وعن جابر رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس ، ما سئل قط شيئاً فقال لا ، وعن أنس رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين فأعطاه إياه ، فأتى قومه فقال : أي قوم أسلموا فوالله إن محمداً يعطي عطاء من لا يخاف الفقر .

وكان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس ، سئل الدعاء على قوم من الكفار فقال : إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذاباً ، ولما كسرت رباعيته وشج رأسه فقال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

وكان أشد حياء من العذراء في خدرها ولا يثبت بصره في وجه أحد ، قالت عائشة رضي الله عنها : ما أتى أحداً من نسائه إلا متقنعاً يرخي الثوب على رأسه ولم أر منه ولا رأى مني .

وكان لا ينتقم لنفسه ولا يغضب لها إلا أن تنتهك حرمات الله ، وإذا غضب لم يقم لغضبه أحد ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه .

وما عاب طعاماً قط ، إن اشتهاه أكل وإلا تركه ، وكان لا يأكل متكئاً ولا على خوان وخبز له مرفق وأكل البطيخ بالرطب والقثاء بالرطب وقال : ينسي حر هذا برد هذا ، وكان يحب الحلو والعسل ، وأحب الشراب إليه الحلو البارد .

قال أبو هريرة رضي الله عنه : خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير ، هو ولا أهل بيته ، وكان يأتي عليه الشهروالشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار ، وكان قوتهم الماء والتمر .

وكان أكثر الناس تواضعاً يخصف نعله ويرقع ثوبه ويخدم في مهنة أهلة ويحلب الشاة ويعود المريض ويجيب من دعاه من غني أو فقير ويحب المساكين ويشهد جنائزهم ويعود مرضاهم ولا يحقر فقيراً لفقره ولا يهاب ملكاً لملكه ولم يقابل أحداً بما يكره قط ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، وكان يركب البغلة والحمار ويردف خلفه ، وكان لا يدع أحداً يمشي خلفه ويقول : خلو ظهري للملائكة .

وأصابه يوم الخندق جهد فعصب على بطنه الحجر من الجوع مع ما آتاه الله تعالى من مفاتيح خزائن الأرض ، وكان يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يستنكف أن يمشي مع الأرملة والعبد ويحب الطيب ويكره الريح الكريهة ، وكان يؤلف أهل الشرف ويكرم أهل الفضل ويرى اللعب المباح فلا ينكره ويمزح ولا يقول إلا حقاً .

فصل في ذكر شيء من معجزاته صلى الله عليه وسلم

أعظمها القرآن كلام الله تعالى المتلو آناء الليل والنهار ، وقد أعجز الجن والإنس فلا يقدرون على أن يأتوا بسورة من مثله بل ولا آية ، وكانت معجزات الأنبياء عليهم السلام انقطعت بموتهم إلا معجزته صلى الله عليه وسلم ، وانشق له القمر كما نطق به القرآن وصح من طرق ، وكلمه الضب كما رواه الحاكم في صحيحه .

وأخبرنا أن خزائن كسرى تنفقها أمته في سبيل الله تعالى ، وأن ملك كسرى والروم يفتح فكان كذلك ، وأن المسلمين يقاتلون قوماً صغار الأعين عراض الوجوه دلف الأنوف ( أي فطسها ) ، وأن الشام واليمن تفتحان ، وأن أمته تفتح أرضاً يذكر فيها القيراط ، وأن أويساً القرني رضي الله عنه يقدم من اليمن وكان به برص فبريء إلا قدر درهم ، وهاجت ريح شديدة فقال : هذه الريح لموت منافق ، قال جابر : فقدمنا المدينة فوجدنا عظيماً من المنافقين قد مات ، وأكل من شاة لقمة ثم قال : هذه تخبرني أنها أخذت بغير إذن أهلها فإذا هو كما قال ، وتحرك الجبل فقال : اسكن فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان فسكن ، وكان هو أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .

وفي صحيح مسلم : إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وفي البخاري : نبع الماء من بين أصابعه بالحديبية فشربوا وتوضؤوا وهم ألف وثلاثمئة ، ومرة ما بين السبعين إلى الثمانين ، وحديث المزادتين قال عمر : إنا شربنا منها ونحن نحو الأربعين فلم ينقصنا .

وسبح في كفه الحصى وكذلك الطعام كان يسمع تسبيحه وهو يؤكل ، وسلم عليه الحجر ، وشهد الذئب بنبوته ، ومر ببعير يستقى عليه الماء فلما رآه جر جراً ( أي صوت ) فقال لصاحبه : إنه اشتكى أنك تجيعه ، وسجد له بعيران عجز عنها صاحبها من شدتها ، وجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عنده وهو نائم فسلمت عليه ، وأمر شجرتين فاجتمعتا حتى قضى حاجته خلفهما ثم أمرهما فتفرقتا ، ودعا غدقاً فنزل من غدقه حتى سقط في الأرض فجعل ينقر في الأرض حتى أتاه ثم قال له : ارجع فرجع مكانه ، وأمر بنحر ست بدنات فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ .

وأصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد حتى وقعت على وجنته فردها صلى الله عليه وسلم بيده وكانت أصح عينيه وأحدهما وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى ، وتفل في عين علي كرم الله وجهه يوم خيبر وكان أرمد فبريء من ساعته ، وأتاه وهو شاك فدعا له فما اشتكى وجعه ذلك ، وكسرت رجل عبد الله بن عسل فمسحها فبرئت من وقته ، وأخبر أنه يقتل أمية بن خلف فكان كما قال ، وأخبر بمصارع المشركين ببدر فقال : هذا مصرع فلان هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله تعالى فلم يعد واحد مصرعه الذي سماه ، وأن طوائف من أمته يركبون البحر غزاة في سبيل الله كالملوك على الأسرة ، وأن أم حرام خالة أنس بن مالك رضي الله عنهما معهم فكان كذلك .

وأخبر أن عثمان تصيبه بلوى فيقتل صبراً ، وقال للحسن رضوان الله عليه : بني هذا سيد ويصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فسلم الأمر لمعاوية ، وأخبر بقتل الأسود العنسي الكذاب ليلة مقتله ومن قتله وهو بصنعاء من اليمن فكان كما قال ، وأخبر بمثل هذا عن كسرى وكان كذلك .

وقال لرجل يدعي الإسلام وهو في القتال معه : إنه من أهل النار فصدق الله قوله بأنه نحر نفسه ، وشكى إليه قحوط المطر وهو على المنبر فدعا الله تعالى وما في السماء قزعة ( أي قطعة سحاب ) فثار السحاب أمثال الجبال فمطروا إلى الجمعة الأخرى فشكي إليه كثرة المطر فدعا الله فرفعه في الحال .

وأطعم أهل الخندق من قرص الشعير ، وأطعم الجماعة من تمر يسير لم يملأ كفه ، وأطعم في منزل أبي طلحة ثمانين رجلاً من أقراص شعير جعلها أنس رضي الله عنه تحت إبطه حتى شبعوا وبقي كما هو ، وأمر عمر رضي الله عنه أن يزود أربعمئة راكب من تمر قليل فزودهم وبقي كأنه لم ينقص ، وأطعم الجيش من مَن مزود أبي هريرة حتى شبعوا ثم رد ما بقي منه وكان وضعه في يده ودعا له فأكل منه مدة حياة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلما قتل عثمان ذهب وحمل منه خمسين وسقاً في سبيل الله تعالى ، وأطعم في بنائه بزينب بنت جحش رضي الله عنها من قصعة أهدتها أم سليم رضي الله عنها خلقاً كثيراً ثم رفعت وهي كما كانت .

واصطفاه الله تعالى بالمحبة والخلة والقرب والدنو والمعراج والصلاة بالأنبياء عليهم السلام وبالشهادة ولواء الحمد والوسيلة والبشارة والنذارة والهداية والأمانة والرحمة للعالمين وإعطاء الكوثر والرضا وإتمام النعمة ومغفرة ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر وعز النصر والتأييد بالملائكة ونزول السكينة وإيتاء الكتاب والحكمة والسبع المثاني وإجابة دعوته والقسم باسمه ورد الشمس وقلب الأعيان وظل الغمام والإبراء من الآلام والعصمة من الناس والاطلاع على الغيب وصلاة الله عليه وملائكته ، إلى غير ذلك من المعجزات وما أعد الله له في الدار الآخرة ، صلى الله عليه كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على سيدنا محمد وآله أجمعين .

تمت الرسالة اللطيفة .

قلت : ( أي محب الدين / الصوفي ) انتهى مولد الشيخ ابن الجزري ويليه بمشيئة الله سبحانه مولد الشيخ رضوان بن العدل بيبرس الشافعي الأشعري الخلوتي ..


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 09, 2014 9:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وهذا كتاب خلاصة الكلام في مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام تأليف الأستاذ الكامل العالم العامل الشيخ رضوان بن العدل بيبرس الشافعي الأشعري الخلوتي الجزري ، ولم أجد ترجمة للشيخ غير أنه له كلام طيب مبارك في الرد على الزنادقة ابن تيمية وابن عبد الوهاب وأعتقد أنه من المعاصرين لسيدي الشيخ الحلواني الخليجي رضي الله تعالى عنه ، وقد طبع هذا الكتاب من المطبعة الأميرية ببولاق بمصر المحمية عام 1313 هجرية بأبيات شعرية على غلافه وهي هذه :



يا مولد المصطفى قد حزت إقبالا

بذكره يبلغ المشتاق آمالا


يا مدعي الحب فيه وهو ذو وله

وفي هواه جفا أهلاً وأطلالا


مت في محبته إن كنت تعشقه

موله القلب مشتاقاً وإلا لا


فالنوق تعشقه وجداً وتقصده

شوقاً وتطلب من نعماه إفضالا


أما تراها إذا لاحت قباب قبا

تحط عنها حداة العيس أثقالا


بحقه يا إلهي جد لنا كرماً

بالعفو والصفح إكراماً وإجلالا


فقد لجأنا إلى باب الكريم ومن

يلجأ إليه يرى رحباً وإقبالا


هو النبي الذي ضاء الوجود به

وفيه خالفت لواماً وعذالا


صلى عليه إله العرش ثم على

أهليه والصحب آباداً وآزالا



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله المنفرد بالوجود والإيجاد العظيم العليم القدير الجواد الحكيم الذي أتقن ما خلقه وأجاد وخص من شاء بما شاء وأراد ، اقتضت حكمته الباهرة وسلطنته القاهرة حيث اتصف سبحانه بصفات التأثير ونعت بنعوت يقصر عنها التعبير أن يخلق خلقاً منهم المطيع والعاصي والقريب والقاصي فبالطاعة يظهر جوده وكرمه وبالمعصية يظهر حلمه وعظمه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنزه في علياء جبروته عن المماثلة والمشاكلة وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله مظهر التجليات وسر وجود هذه المخلوقات خاطبه الله بلولاك لولاك لما خلقت الأفلاك خلقه الله نوراً يتلألأ قبل الأشياء يسبحه ويقدسه ولا عرش ولا فرش ولا سماء ثم أوجد منه جميع الكائنات من معان وذوات وأفرغ عليه النبوة وجعله سيد النبيين وآدم بين الماء والطين ثم أظهره رحمة للعالمين وختم به المرسلين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة تليق بجلاله وكماله ونندرج بها في ضمن آله آمين ، وبعد فيقول الفقير إلى ربه المتوسل بالنبي وحزبه رضوان بن العدل بيبرس الشافعي الأشعري الخلوتي الجزري عامله الله بلطفه الخفي :

اعلم هداني الله وإياك لأقوم طريق وأوردنا مناهل التحقيق أنه لما كان المعتاد بين كل حاضر وباد التشرف بقراءة قصة مولد المصطفى الأعظم صلى الله عليه وسلم وكان والدي ممن يتشرف بإقرائه في بيته ليحوز الجزيل الأفخم منحه الله الرضا وعليه بدوام الإحسان أنعم وكان ما يقرؤه القاريء بين طويل ممل وقصير مخل زيادة على ما اشتملت عليه من الألفاظ اللغوية التي يحتاج شرحها إلى دراية ورواية مع أن أكثر السامعين لها العوام أحسن الله لهم الأيام ، خطر لي أن أنظم قصة فريدة حاوية المحاسن العديدة وكلما لويت عنان العزم لعلمي بضعف الجزم قام داعي الأشواق لخدمة حبيب الخلاق صلى الله عليه وسلم فما زلت كذلك والله أعلم بما هنالك حتى استأذنت الأستاذ ملاذ كل ملاذ إمام الواصلين قدوة العارفين صاحب المشرب الفاروقي والمنهل الصديقي القطب الفرد سيدي أبا عبد السلام الشبراوي لازلت من فيض بحره الفياض راوي فلما أذن لي في ذلك أيقنت بقطع المسالك وتوسلت به إلى الله أن يبلغني ما أتمناه فبسر توجهه حصل كمال الإسعاد وتواصلت إلينا من جنابه الأمداد ، ولم أنقل إلا من كتب عظيمة الشأن محررة من التحريف والنقصان كالمواهب وشرحها للزرقاني ومولد ابن حجر والعلامة الدردير الداني والسيرة النبوية المكية ومولد المدابغي ذي المنحة السنية ومواكب ربيع في مولد الشفيع للإمام العارف ذي المعارف أستاذي وشقيق روحي الشيخ الحلواني الخليجي وكتابه هذا هو الذي عليه جل الاعتماد وبه حصل السداد فجل بل كل ما ستراه قطرة من بحره أو قلادة من قلائد نحره إذ لم يسبق في هذا الشأن بمثال ولم يحكه أحد على منوال ، فلله در مؤلفه فلقد جاد وأجاد ووفى بالمراد .



ولكم صفا لي من لديه مشرب

صبت العقول إلى حلاه مروقا


ولقد أجاد فصوله إذ جاد من

علياه بالدر اليتيم المنتقى



ثم اعلم أن هذا المقول ينحصر في سبعة فصول :

الفصل الأول : في أولية خلق النور المحمدي وأنه أصل العالم وتنبيئه وأخذ الميثاق منه قبل نفخ الروح في آدم .
الثاني : في خلق آدم ولمعان النور المحمدي في جبينه .
الثالث : في نسبه صلى الله عليه وسلم وما يتبعه من نفاسته أي النسب وطهارته وبيان نجاة كافة أصوله صلى الله عليه وسلم .
الرابع : في الحمل به صلى الله عليه وسلم ووقته ومدته وما ظهر عند ذلك من دلائل نبوته .
الخامس : في مولده صلى الله عليه وسلم وباهر آياته وما كان عليه عند ولادته من محاسن صفاته بعد بيان زمانه ومكانه .
السادس : في رضاعه صلى الله عليه وسلم وما يتصل به إلى مبعثه الأعظم وما كان عليه من الصفات الجليلة والمحاسن الجميلة .
السابع : في فضل قراءة قصة المولد الشريف وما للمتسبب فيها من الخير المنيف .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 10, 2014 8:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل الأول



في أولية خلق النور المحمدي وأنه أصل العالم وتنبيئه وأخذ الميثاق منه قبل نفخ الروح في آدم فهذه دعاوى أربع :

أما الأولة والثانية فدليلهما أحاديث كثيرة ، منها حديث : أول ما خلق الله نوري ومن نوري خلق كل شيء ، ومنها حديث عمر مرفوعاً : يا عمر أتدري من أنا ؟ أنا الذي خلق الله عز وجل أول كل شيء نوري فسجد لله فبقي في سجوده سبعمائة عام ، فأول كل شيء سجد لله نوري ولا فخر ، يا عمر أتدري من أنا ؟ أنا الذي خلق الله العرش من نوري والكرسي من نوري واللوح والقلم من نوري والشمس والقمر ونور الأبصار من نوري والعقل من نوري ونور المعرفة في قلوب المؤمنين من نوري ولا فخر ، ومنها حديث جابر وقد روي بروايات شتى ، فمنها عن البيهقي عن جابر : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه الله ، قال : هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام ، خلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام الجزء الرابع في مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة والنار من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء والحلم والعلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثنى عشر ألف سنة ثم نظر الله سبحانه إليه فترشح النور عرقاً فقطرت منه مائة ألف وعشرون ألفاً وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله سبحانه من كل قطرة روح نبي أو رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة ، فالعرش والكرسي من نوري والكروبيون من نوري والروحانيون من الملائكة من نوري وملائكة السموات السبع من نوري والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والقمر والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الأنبياء والرسل من نوري والشهداء والصالحون من نتائج نوري ، ثم خلق الله سبحانه اثنى عشر حجاباً فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرأفة والرحمة والحلم والعلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله في الأرض وكان يضيء منه ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ، ثم خلق الله آدم في الأرض وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث ومنه إلى يافس وهكذا كان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن أوصله الله تعالى إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة للعالمين وقائد الغر المحجلين ، هكذا بدء خلق نبيك يا جابر .

وأما الدعوى الثالثة وهي تنبؤه صلى الله عليه وسلم وآدم بين الروح والجسد فيدل لها حديث : كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد رواه الطبراني عن ابن عباس ، والمراد أن النبوة ثابتة له صلى الله عليه وسلم حال كون آدم طيناً إذ هو حينئذ لا روح فقط لوجود صورته طيناً ولا جسد لأنه لم يكن جسداً إلا بعد صيرورة الطين حمأ ثم صلصالاً ثم جسداً كما يأتي ، ويؤيده ما صححه الحاكم : إني عند الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، فإن معنى انجداله في طينته أنه طريح على الجدالة أي الأرض في طور الطينة قبل نفخ الروح فيه ، وإذا علمت ذلك وعلمت أنه نبي من هذا الوقت علمت صحة القول بأنه كما هو رسول إلى هذه الأمة رسول إلى الأنبياء والأمم السابقة ، قال السيوطي في الخصائص : كان السبكي يقول : كان نبينا صلى الله عليه وسلم نبي الأنبياء وكانوا كلهم نوابه مدة غيبة جسمه الشريف وكان كل نبي يبعث بطائفة من شرعه لا يتعداها . انتهى .
ويشهد بذلك أحاديث وآيات كثيرة ذكرها صاحب المواكب .

وأما الدعوى الرابعة وهي أخذ الميثاق منه صلى الله عليه وسلم بربوبيته تعالى وآدم بين الروح والجسد فيدل لها كالثالثة ما رواه ابن سعد عن الشعبي قال : قال رجل : يا رسول الله متى استنبئت ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق . ( أي بعد استخراجه صلى الله عليه وسلم من آدم عليه السلام كما دلت عليه الأحاديث والآيات ) فحين كان آدم طيناً أخرج منه نبينا صلى الله عليه وسلم ونبيء وأخذ منه الميثاق ثم أعيد إلى آدم واستخرج ثانياً بعد حياة آدم مع سائر الأرواح للعهد العام فاختص صلى الله عليه وسلم بإخراجه من آدم مرتين وذلك أن الله سبحانه خلق من الأرض حقائق كالذر ( أي صغار كالنمل ) التي كل مائة منها تزن حبة شعير بعدد بني آدم وركب فيها أرواحها وأدرجها في طينته ثم أخرج منها نبينا صلى الله عليه وسلم وحده وأخذ عليه العهد بربوبيته تعالى وأعاده إليها ثم أخرجه ثانياً مع جميع الذرات والأرواح بعد نفخ الروح في آدم للعهد العام وكان ذلك يوم عرفة ببطن نعمان الآراك أخرجهم من مسام ظهره ثم لما انحصروا جميعاً أمام آدم وقد خلق الله فيهم الحركة والعقل والفهم والكلام قال الله تعالى : ألست بربكم ؟ فقالوا جميعاً : بلى ( أي أنت ربنا ) لكن تجلى للكفار بالهيبة فقالوها خوفاً فلم يك ينفعهم إيمانهم وتجلى للمؤمنين بالرحمة فقالوها طوعاً فنفعهم إيمانهم ، وهذا أول ما كلفت الأرواح ، ولما انتهى أمر العهد حل عقال الأرواح فطارت إلى مكانها في الملكوت وأعيدت الذرات إلى صلب آدم إلا ذرة عيسى عليه السلام وروحه فدفعهما الله إلى جبريل فأسكنه في الملكوت فكان يسبح الله ويقدسه إلى أن أمر الله جبريل بنفخه في جيب مريم فخلق بلا توسط نطفة فلذا سماه روحاً دون غيره ، فقال فيه : وروح منه ، ثم رفعه الله إلى السماء بقدر ما فيه من الروحانية وكان مكنه في الأرض بقدر ما فيه من الطين .

ولما أعيدوا إلى صلب آدم وأبطل الله ما ركبه فيهم من العقل والفهم توالدوا ناسين لذلك العهد لحكمة إلهية ، ولكن الله تعالى إبتدأهم بالخطاب على ألسنة الرسل فقام ذلك مقام تذكرة فمن أنكره كان معانداً بأفضاله ، اللهم إنا نسألك بحرمة هذا النبي الكريم والرسول السيد السند العظيم أن توفقنا لما تحبه وترضاه وترزقنا رضاك ورضاه .



وفيه صلى الله عليه وسلم يقول صاحب الإنسان الكامل من قصيدة :

حيـا الإلـه أحبّـتـي وسقـاهـمُ

غيثـا يجـود بوبـلـه سكبـانـه


يحيا به الربع الخصيب ولـم يـزل

حيـا تميـس بـوُرقـه أغصـانـه


عجبـا لـذاك الحـيّ كيـف يهمّـه

قحـط السنيـن وأحمـد نيسانـه


أو كيـف يظمـأ وفده ولديـهـم

بحـر يـمـوج بــدرّه طفحـانـه


شمس على قطـب الكمـال مضيئـة

بـدر علـى فلـك العلـى سيرانـه


ليـس الوجـود بأسـره إن حققـوا

إلا حُبـابـا طفـحـتـه دِنـانــه


الكـلّ فيـه ومنـه كـان وعـنـده

تفنى الدهـور ولـم تـزل أزمانـه


فالخلق تحت سمـا عـلاه كخـردل

والأمـر يبرمـه هـنـاك لسـانـه


والملـك والملكـوت فـي تـيـاره

كالقطر بل مـن فـوق ذاك مكانـه


وتطيعه الأملاك مـن فـوق السمـا

واللـوح ينفـذ مـا قضـاه بنانـه


الله حسبـي مـا لأحمـد منتـهـى

وبمدحـه قــد جائـنـا فرقـانـه


صلـى عليـه الله مهمـا زمزمـت

كلـم علـى معنـى يريـح بيـانـه



اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه صلاة تليق بك منك إليه كما هو أهله وسلم كذلك والحمد لله رب العالمين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 11, 2014 11:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل الثاني

في خلق آدم عليه السلام وما يتبعه

اعلم أن أول ما خلق الله في الأرض خلق يقال لهم الحن فلما عصوا سلط الله عليهم البن فأهلكوهم وسكنوا الأرض ثم لما عصوا سلط الله عليهم الجن فأهلكوهم وسكنوا الأرض وكان فيهم ملك يأمرهم وينهاهم ولم يكن نبياً خلافاً لبعضهم ثم لما قتلوه وعصوا سلط الله عليهم طائفة من الملائكة يسمون الجن أيضاً لأنهم كانوا خزنة الجنة وهم إبليس وجنوده وكان هو رئيسهم فحاربهم بعسكره حتى أخرجهم من الأرض وألحقهم بجزائر البحر وبقيت الأرض خالية وقد سبق علمه تعالى أن يخلق آدم لما رتبه على خلقه من المصالح والحكم التي أعظمها أن يوجد منه سيد الخلق أجمعين ، بل روي أن آدم رأى اسمه صلى الله عليه وسلم مقروناً باسمه تعالى فقال : يا رب هذا محمد من هو ؟ فقال تعالى : هذا ولدك الذي لولاه ما خلقتك ، فقال : يا رب بحرمة هذا الولد ارحم هذا الوالد ، فنودي يا آدم لو تشفعت إلينا بمحمد في اهل السموات والأرض لشفعناك .

ولما أراد الله سبحانه أن يخلق آدم عليه السلام قال للملائكة تعليماً للمشاورة وتعظيماً لآدم : إني جاعل في الأرض خليفة ( أي يخلفني في تنفيذ أحكامي بين المكلفين فيها ) وكان آدم مع كونه خليفة رسولاً مكرماً خلافاً لمن نفى رسالته فكان من جوابهم أن قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( أي كالجن الذين نفوا من الأرض ) فقال تعالى : إني أعلم ما لا تعلمون ، فخلقه الله تعالى من أجزاء الأرض كلها كما في الحديث الصحيح : أن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك أهـ .

ولما أراد الله تعالى أن يقبض قبضة آدم من الأرض أوحى إليها أني خالق منك خلقاً ، منهم من يطيعني فأدخله الجنة ومنهم من يعصيني فأدخله النار ، فقالت : أتخلق مني خلقاً يكون للنار ؟ قال : نعم ، فبكت فانفجرت منها العيون إلى يوم القيامة ، ثم أرسل جبريل ليقبض منها فقالت : أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن تأخذ مني شيئاً يكون للنار ، فرجع وقال : يا رب استعاذت بك مني فكرهت أن أقدم عليها ، فأرسل لها ميكائيل فرجع بمثل ذلك ، ثم عزرائيل فاستعاذت فقال : وأنا أعوذ بعزة ربي أن أعصى له أمراً ثم أمسكها وهزها من مشرقها إلى مغربها حتى اختلط بعضها ببعض ثم قبض قبضة من جميع أنواعها ، ولما صعد عزرائيل بالقبضة قال الله تعالى : أما استعاذت منك ، قال : بلى ، قال : فهلا رحمتها ، قال : يا رب طاعتك أوجب علي من رحمتي لها ، قال : اذهب فأنت ملك الموت سلطتك على قبض أرواحهم لقلة رحمتك ، فبكى وقال : يا رب إنك تخلق من هذا الخلق أنبياء وأصفياء ومرسلين وإنك لم تخلق خلقاً أكره إليهم من الموت فإذا عرفوني أبغضوني وشتموني ، قال : إني سأجعل للموت عللاً وأسباباً وأمراضاً ينسبون الموت إليها ولا يذكرونك معها ، فخلق الله الأوجاع ، ثم عجنت القبضة بماء الجنة حتى صارت طيناً لازباً ومكثت أربعين سنة حتى صارت حمأ مسنوناً ثم تركت كذلك أربعين سنة حتى صارت صلصالاً كالفخار ثم تركت أربعين سنة ونفخت فيها الروح فكانت جسداً وبعد تصويره وقبل نفخ الروح فيه وهو بين مكة والطائف ببطن نعمان كانت تراه الملائكة وتتعجب من حسن صورته إذ لم يروا مثله ، هذا وقال كعب الأحبار : لما أراد الله أن يخلق سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أمر جبريل أن يأتيه بالطينة التي هي قلب الأرض وبهاؤها ونورها ، قال : فهبط جبريل في ملائكة الفردوس وملائكة الرقيع الأعلى فقبض قبضة رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع قبره الشريف وهي بيضاء منيرة فعجنت بماء التسنيم وغمست في معين أنهار الجنة حتى صارت كالدرة البيضاء لها شعاع عظيم ثم طافت بها الملائكة حول العرش والكرسي وفي السموات والأرض والجبال والبحار فعرفت الملائكة وجميع الخلائق سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وفضله قبل أن تعرف آدم أبا البشر عليه السلام . انتهى .

وأصل هذه القبضة من محل الكعبة الشريفة موجهاً الماء الذي كان عليه العرش قبل خلق الأشياء كما قال في عوارف المعارف إنه قيل أن الماء ( أي الذي كان عليه العرش ) لما تموج رمى الزبد إلى النواحي فوقعت جوهرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي تربته بالمدينة . انتهى .

وهي التي أجابت في الأرض هي وما حاذاها من السماء " أتينا طائعين " كما قاله بعض العلماء احتمالاً ، وبعد أن أخذها جبريل عجنت بطينة آدم كما في العرائس ، ولما أمر الله تعالى الروح بالدخول في جسد آدم قالت : كيف أدخل في المكان الضيق ؟ وتأخرت فأمرها ثانياً وثالثاً فلم تدخل فقال في الرابعة : ادخلي كرهاً وستخرجين كرهاً ، فدخلت من يافوخه على المشهور ، وكان كل عضو تسري إليه يصير لحماً ودماً وعصباً وعظماً فكان سريانها فيه تدريجياً لا دفعياً واستوى عند وصولها آخر قدميه بشراً سوياً ، وذكر غير واحد أنه تعالى جعل جلده حلة من ظفر كانت تزداد عليه كل يوم حسناً وضياءاً وألبسه نوراً كنور الشمس وكساه من حلل الجنة وتوجه بتاج من ذهب أحمر مرصع بالدر والجوهر وجعل في أذنه القرط وفي يده السوار وفي أصبعه الخاتم وفي وسطه النطاق فظهر في أحسن تقويم ، وأمر الملائكة فطافوا به في السموات مقدار مائة عام ليقف على آياتها وعجائبها فيزداد يقيناً ، وكان طوله ستين ذراعاً وعرضه سبعة وكان النور المحمدي يتلألأ في جبهته فيغلب على نوره ، وفي بحر العلوم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما جعل نوره صلى الله عليه وسلم في ظهر آدم صار يتلألأ فكانت الملائكة تقف خلفه صفوفاً ينظرون إلى تلألئه فقال : يا رب ما بال الملائكة ينظرون إلى ظهري ؟ فقال : ينظرون إلى نور محمد خاتم الأنبياء الذي أخرجه من ظهرك ، فقال : يا رب اجعله أمامي كي تستقبلني الملائكة ، فنقله إلى وجهه فكان يلمع في جبينه ، فصارت الملائكة تقف أمامه ، فقال : يا رب اجعله في موضع أراه ، فجعله في سبابته ( أي سبابة يمناه ) فكان آدم ينظر إلى حسن ذلك النور ، فلما أهبط آدم إلى الأرض ومارس أعمالها انتقل ذلك النور إلى ظهره فكان يلمع في جبهته ، ثم أراد الله إظهار ما خفي على الملائكة من الفضائل التي في الخليفة عليه السلام فعلم آدم الأسماء كلها ثم عرض المسميات على الملائكة وسألهم عن أسمائها فاعترفوا بالعجز ، قالوا : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، فحينئذ قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ، فجعل يدعو كل شيء باسمه وهو يمر بين يديه ، يقول هذه ناقة ، هذا جمل ، هذا كذا هذا كذا إلى آخرها ، فلما أنبأهم بأسمائهم قال الله سبحانه للملائكة : ألم أقل لكم أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ، ثم أمرهم الله تعالى بالسجود لآدم عليه السلام سجود تحية لا سجود عبادة على الأصح فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر فكان من الكافرين .

وأول من سجد منهم جبريل فأكرمه الله تعالى بسفارته بالوحي إلى الأنبياء لا سيما لسيدهم الأكمل صلى الله عليه وسلم ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم الملائكة المقربون ثم سائر الملائكة ومكثوا ساجدين مائة سنة وقيل خمسمائة سنة ، واختلف في علة السجود لآدم ، قال المحققون : كان لكون النور المحمدي في جبينه ، وقيل : كان لظهور فضله عليهم بالعلم وقضاءاً لحق التعليم .

ولما سجدت الملائكة المدة المتقدمة ورفعوا رؤوسهم ووجدوا إبليس لم يسجد وهم قد وقفوا للسجود ، سجدوا ثانياً شكراً وهو قائم يرى معرضاً عنهم غير نادم على الامتناع ولا عازم على الاتباع فحينئذ مسخه الله من الصورة البهية إلى مثال الخنزير ورأسه كرأس البعير وشفتيه كشفتي الثور ومنخريه مفتوحتين مثل كوز الحجام وعينيه مشقوقتين في طول وجهه وفي لحيته سبع شعرات وصدره كسنام الجمل الكبير ، وطرد من الجنة بل من السماء بل من الأرض إلى الجزائر ، فلا يدخل الأرض إلا خفية ولعنه إلى يوم الدين لأنه صار من الكافرين بعدما كان بهي الصورة رباعي الأجنحة كثير العلم كثير العبادة طاووس الملائكة وأعظمهم سيد الكروبيين سيد الروحانيين خازن الجنة إلى غير ذلك ، فلم يغن ذلك عنه شيئاً ، إن في ذلك لذكرى .

ولما لعن الله إبليس وطرده أمر آدم عليه السلام بسكنى الجنة حيث قال : يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ، وهذه الجنة هي دار الثواب كما أجمع عليه أهل السنة ، والشجرة شجرة الحنطة على الأصح وهو ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقال في صفتها : أوراقها من الحلل وأغصانها من الذهب وثمارها من نور العرش ، ألين من الزبد وأحلى من العسل وأشد بياضاً من الثلج ، فإذا كان يوم القيامة يكون ممر المؤمنين عليها فيتعجبون من حسنها ، فتقول الملائكة : لا تمكثوا ها هنا فإن الجبار يريد أن يخلع عليكم خلع الزيارة ، فيتحيرون من حسنها فتناديهم الملائكة : أنتم في دار البقاء تعجبتم من هذه الشجرة مع وعد الرب إياكم بالزيادة !! فكيف ملامتكم أباكم ؟! فحينئذ يقولون : لا لوم على أبينا ، ثم ظاهر قوله تعالى : اسكن أنت وزوجك الجنة : أن حواء خلقت قبل أن يدخل آدم الجنة وبه قال ابن اسحق وجزم به السيوطي في التوشيح ، وقد ذكروا في صفة خلقها : أن الله تعالى أخذ الضلع القصير من شق آدم الأيسر وخلقها منه ولا يعلم كيفية خلقها منه تفصيلاً إلا الله تعالى ، لكنه قيل : خلقت من بعضه ، وقيل : من كله ، ففصل منه وأبدل بلحم مكانه ، وكان خلقها وهو نائم فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة ، قيل : كانت مكسوة حسن ألف حوراء لابسة من لباس الجنة مزينة بأنواع الزينة جالسة على سرير ولها سبعمائة ضفيرة محشوة بالمسك والعنبر مرصعة بالند والجوهر يسمع لذوائبها خشخشة كالجلاجل وضرب كالأوتار وعندها أربعة آلاف حوراء لو نظرت إحداهن إلى الدنيا لاستغنت عن النيرين وهن عندها كالسراج عند الشمس ، فقال : من أنت ؟ قالت : إمرأة خلقت من ضلعك لتسكن إلي وأسكن إليك ، فلما رآها على ما هي عليه من الجمال وعرف أنها خلقت له مد إليها يده ليتوصل إلى التلذذ بها ، فقالت الملائكة : مه يا آدم ، فقال : ولما ؟ وقد خلقها الله لي ، فقالوا : حتى تؤدي مهرها ، فقال : وما مهرها ؟ قيل : أن تصلي على محمد صلى الله عليه وسلم مائة مرة ، فانقطع نفسه بعد سبعين فكانت مقدم مهرها ، وصح كون الصلاة مهراً لعود ثوابها لحواء وذلك لأن آدم وحواء كلفا من أول الخلقة ، ثم أنهما أقاما متمتعين بنعيم الجنة لا يقربان الشجرة حتى حسدهما إبليس اللعين فوسوس لهما فقربا وأكلا منها أو ذلك بعد دخوله الجنة بواسطة الطاووس والحية على المشهور .

وخلاصة هذه القصة : أنه لعنه الله أراد أن يحتال في الدخول إلى الجنة فجلس على بابها في صورة شيخ يعبد الله تعالى ثلثمائة سنة ينتظر أحداً يخبره بخبر آدم ، فخرج الطاووس وكان مسكنه شجرة طوبى وكان إذا نشر جناحيه ظلل بهما سدرة المنتهى ، فقال : أيها الخلق الكريم من أنت ؟ وما اسمك ؟ فما رأيت فيما رأيت من خلق الله عز وجل أحسن منك ، قال : أنا طائر اسمي طاووس ، قال : من أين ؟ قال : من حديقة آدم ، قال : ما خبره ؟ قال : في احسن حال هنأت له الجنة ونحن من خدامه ، قال : هل تستطيع أن تدخلني عليه ؟ قال : من أنت ؟ قال : من الكروبيين ، عندي له نصيحة ، قال : اذهب إلى رضوان فإنه لا يمنع أحداً من النصيحة ، قال : أريد أن أخفيها ، قال : المخفية لا تكون نصيحة ، قال : نحن معاشر الكروبيين لا نقول إلا سراً ، إن أدخلتني عليه علمتك دعاء لن تشيب بعده ولن تفنى أبداً ، قال : ما أقدر ، ولكن أدلك على الحية ، وكانت كأحسن الدواب لها قوائم أربع من زبرجد أخضر كأنها البختية وفيها كل لون من بين أحمر وأصفر وأخضر تتلألأ تلألؤ القمر ، رأسها من الياقوت وعيناها من الزبرجد ولسانها من الكافور ، فأرسلها الطاووس إليه وكانت صديقة له وهو من خزان الجنة ، فقال لها نحواً من مقالته للطاووس ، فقالت له : كيف أدخلك ورضوان لا يمكنني ؟! قال : أتحول ريحاً فاجعليني بين أنيابك ، ففعلت وأطبقت فاها فمن ثم كان فيها السم ، ودخلت به فوقف عند الشجرة وغنى بمزمار وهو في فمها ، فجاء آدم وحواء يسمعانه ظناً أنه من الحية ، فقال : تقدما ، فقالا : نهينا عن قربان الشجرة ، فبكى وناح نياحة أحزنتهما ، وكان أول من ناح كما أنه أول من حسد كما أنه أول من كذب ، فقالا : ما يبكيك ؟! قال : أبكي عليكما لأنكما تموتان وتفقدان هذا النعيم ، قالا له : وما الموت ؟ قال : تذهب الروح والقوة وتعدم الحركة ولا يبقى للعين رؤية ولا للأذن سماع ، فوقع ذلك في أنفسهما واغتما ، فقال : ألا أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى كلا منها ، فقالا : نهينا عنها ، فقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، وأقسم لهما أنه ناصح في ذلك ، ومما غرهما به أيضاً أنه قال : إنما نهى الله تعالى عن قرب الشجرة لا عن أكل ثمرها ، أيكم بادر إلى الأكل منها فله الغلبة على صاحبه ، فأكلت حواء حبة وادخرت فصارت عادة للنساء ، ثم زينت لآدم قالت : ما أحلاها يا آدم وما أطيب طعمها وأنا أكلت منها فلم يصبني شيء ، وأتت له بثلاث حبات ، ومكث آدم مائة سنة ينتظر ما يحدث لها لتناولها فلما لم يصبها شيء أخذ منها ثم جعل حبة منها في فيه فقبل أن يصل طعمها إلى حلقه وجرمها إلى جوفه طار عن رأسه إكليله يخفخف ( أي يصفق بجناحيه كطائر يطير ) وهو ينادي : يا آدم طالت حسرتك وتزحزح السرير من تحته وقال : أستحي من الله أن أحمل من عصاه ، وتساقط عليهما من سوار ودملج ومنطقة وخلخال ونزع عنهما لباسهما وكان عليه سبعمائة حلة حتى حلة الأظفار المتقدمة فتقلصت ( أي ارتفعت ) إلا ما في رؤوس الأصابع ليكون تذكرة ، فبدت لهما سوآتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر ، ولم تبد لغيرهما ، فتحير آدم وهرب من الجنة فلقيته شجرة العناب فأخذت بناصيته ، وناداه ربه : أفراراً مني يا آدم ، فقال : لا يا رب بل حياء منك ، وروي أنه طاف في أشجار الجنة ليستتر بورقها فنفرت عنه كلها إلا شجرة التين فأعطاه من ورقه فعوتب فقال : يا رب قد علمت أنك لا تمنع رزقك عمن عصاك ، فأكرمه الله تعالى بأن أقسم به في القرآن وسوى ظاهره وباطنه في الحلاوة وأعطاه خواص كثيرة ، ولما جرى ذلك المقدر على آدم قال الله تعالى : يا آدم ألم يكن لك فيما أبحت مندوحة عن هذه الشجرة ، قال : بلى وعزتك ولكن ظننت أن أحداً لا يحلف بك كاذباً ، قال : وعزتي وجلالي لأهبطنك إلى الأرض لا تنال العيش إلا كداً ( أي تعباً ) ، وأما حواء فقال تعالى : إني أعاقبها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ولأدمينها في الشهر مرتين ، فلما سمعت ذلك رنت ( أي صرخت ) فقيل لها : عليك الرنة وعلى بناتك إلى يوم القيامة ، وأما الطاووس فطرد وصار يتشاءم به وكذا الحية طردت ومسخت صورتها وقطعت قوائمها فصارت تمشي على وجهها وتوعدت بأنها تقتل حيث وجدت ، وأما إبليس فطرد ثانياً على لعنته ، ثم إن آدم عليه السلام تضرع واعتذر ، فقال تعالى : لا يجاورني من عصاني ، فسأله بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما مر أن يغفر له ، فقال : غفرت لك بحقه ولكن لا يجاورني من عصاني ، وكانت معدته تحركت لخروج ما فيها ولم يجعل ذلك في شيء من أطعمة الجنة إلا في تلك الشجرة فلذا نهيا عنها كما مر فجعل يدور في الجنة فأمر الله تعالى ملكاً فقال له : أي شيء تريد ؟ فقال : أريد أن أضع ما في بطني من الاذى ، فقيل للملك : قل له : في أي مكان تضعه ؟! أتحت العرش أم على السرر أم على الأنهار أم تحت ظلال الأشجار !!! وهل ترى هنا مكاناً يصلح لذلك ؟ اهبط إلى الدنيا ، فامتثل وودع من في الجنة وبكى عليه كل شيء فيها إلا الذهب والفضة فعوتبا فقالا : لا نبكي من عصاك ، فأكرما بان جعلا قيمة كل شيء ، ولكن لما لم يبكيا على صفي الله ألقيا في النار في الدنيا والآخرة وجعلا فتنة للناس ، ولما انتهى سيدنا آدم عليه السلام إلى باب الجنة ووضع إحدى رجليه خارجه قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال جبريل : لقد تكلمت بكلمة عظيمة فقف ساعة فربما يظهر من الغيب لطف ، فنودي أن دعه يخرج ، فقال : إلهي دعاك رحيماً فارحمه ، فقال : أن أرحمه لا ينقص من رحمتي شيء وإن يذهب لا يعب عليه شيء فخله يذهب ثم يرجع في مئات ألوف عصاة من أولاده حتى يشاهد فضلنا وسعة رحمتنا ، فهبط إلى الأرض وكذا حواء والطاووس والحية وإبليس كما قال تعالى : اهبطوا منها جميعا ، وكانت مدة مكث آدم في الجنة نصف يوم من أيام الآخرة وهو خمسمائة سنة .

ثم اعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون جميعاً من الكبائر والصغائر بل ومن المكروه وخلاف الأولى على التحقيق والذي وقع من آدم عليه السلام ليس ذنباً إلا في الظاهر فقط وأما في الباطن فهو مأمور بالأكل من الشجرة ليترتب عليه الهبوط إلى الأرض المسبب عنه إيجاد المسميات التي علمه الله تعالى أسماءها فضلاً عن إيجاد المقصود الأعظم صلى الله عليه وسلم فكأنه تعالى قال لابد أن تهبط وفاقاً لإرادتي الأزلية ولايجيء الهبوط إلا بالأكل منها فاضطر إليه تنفيذاً لمراد سيده ولو لم يأكل لعصى الإرادة التي أطلعه الله عليها وهي لا يمكن عصيانها فكان في الباطن مأذوناً وفي الظاهر مخالفاً فهو نظير عبد قال له سيده إذا نهيتك عن شيء بين الملا فافعله فإني مبيحه لك في الباطن وإنما كان إخراجه من الجنة مرتباً على ذلك لتظهر حجة الله تعالى عليه عندالمحجوبين عن باطن الأمر فإنه تعالى كريم والكريم لا يخرج أحداً من جواره إلا بحجة ظاهرة تقام عليه ، وبكى آدم بعد نزوله ثلثمائة سنة لا يرقأ له دمع حتى صارت دموعه بركة عظيمة مكثت الوحوش والطير تشرب منها ثمانين سنة لكن على ما فاته من القرب والجوار لا على الخطيئة ولا على الدار وأنبت الله من دموعه العود الرطب والزنجبيل والصندل وأنواع الطيب وما كان منها في البر صار بلخشاً ومن دموع حواء القرنفل والحناء وأبازير الطعام التي تطيبه وما كان منها في البحر صار لؤلؤاً ودموع الطاووس صارت في البر بقاً وفي البحر علفاً ودموع الحية صارت في البر عقرباً وفي البحر سرطاناً ودموع إبليس صارت في البر شوكاً وفي البحر تمساحاً وهبط آدم يوم الجمعة على جبل بأعلى الهند محيط بأرضه مشرف على وادي سرنديب يقال له نوذ ويقال له جبل الراهون أيضاً وبه أثر قدميه مغموستين في الحجر وفي كل يوم ينزل مطر يغسل أثرهما وفي كل ليلة يرى على ذلك الجبل نور كالبرق بلا سحاب ولا يزال يسطع بالنهار أيضاً وإنما نزل بالهند لأنه أعدل البلاد مطلقاً فلا يضر به فراق الجنة إضراراً بيناً وهبطت حواء بجدة والطاووس بأرض كابل ناحية من بلاد الهند والحية بسجستان وإبليس لعنه الله بإيلة بلدة بالعراق ، ومكث آدم أربعين يوماً لا يرى حواء حتى تعارفا بالموقف ، قيل : ولذا سمي عرفة ، واجتمعا بمزدلفة ، قيل : ولذا سميت بجمع ثم إنه أولدها أربعين ولداً في عشرين بطناً فكانت تلد في كل بطن غلاماً وجارية وكان يزوج غلام هذا البطن جارية البطن الآخر أباح الله ذلك في شرعه لضرورة التناسل لكن قال النسفي وغيره : أن شيثاً ولد في بطن وحده وزاد النسفي : أن أخته التي تزوجها ولدت وحدها أيضاً ، وعند الحمل بشيث انتقل النور المحمدي إلى أمه وعند تزويجه خطب له جبريل وشهدت الملائكة وولد له في حياة أبيه وكان أجمل أخوته وأفضلهم وأحبهم إلى أبيه وأشبههم به جمالاً كما أن التي تزوجها كانت أشبه أخوتها بأمها وكان وصي أبيه على أولاده فأطاعوه كلهم ، ومما أوصاه به أن لا يضع هذا النور إلا في المطهرات من النساء ولم تزل هذه الوصية معمولاً بها تنتقل من شخص إلى آخر حتى أوصله الله إلى سيدنا عبد الله بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، وعاش آدم ألف سنة ومات يوم الجمعة آخر ساعة منه لستة أيام من شوال وغسلته الملائكة بالماء والسدر وتراً وصلى عليه جبريل إماماً بالملائكة وذلك بعد أن مرض أحد عشر يوماً ودفنه شيث بغار أبي قبيس يسمى غار الكنز وفيه قبر شيث أيضاً وبكت الخلائق عليه سبعة أيام وعاشت حواء بعده ثلاثة أيام ودفنت بجانبه في ذلك الغار ، ويقال دفنت بجدة وبها الآن قبر مشهور بها يزار والله أعلم .



وبعد فخير الخلق مصدر ما بدا

من الخلق والنعمى من البدء للمدى


فآدم وهو الأصل فرع وإنما

به ظل في ظل العناية سرمدا


وكان لدى الفردوس في زمن الصبا

وأثواب شمل الأنس محكمة السدي


يشاهد في عدن ضياء مشعشعا

يزيد على الأنوار في الضوء والهدى


فقال : إلهي ما الضياء الذي أرى ؟

جنود السما تعشو إليه ترددا


فقال : نبي خير من وطيء الثرى

وأفضل من في الخير راح أو اغتدى


تخيرته من قبل خلقك سيدا

وألبسته قبل النبيين سؤددا


وأعددته يوم القيامة شافعا

مطاعاً إذا ما الغير حاد وحيدا


فيشفع في إنقاذ كل موحد

ويدخله جنات عدن مخلدا


وإن له أسماء سميته بها

ولكنني أحببت منها محمدا



وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وأزواجه وتابعيه وسلم .. آمين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: تجميع لكتب المولد النبوي الشريف
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 12, 2014 8:19 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الفصل الثالث

في نسب أشرف البرية وطهارته من المفاسد التي كانت عليها الجاهلية

اعلم هداني الله وإياك إلى صراط مستقيم أن الله شرف نسبه صلى الله عليه وسلم من لدن آدم إلى أبيه السيد / عبد الله رضي الله عنه فأجداده كلهم مؤمنون وكل واحد منهم كان خير أهل زمانه ، قال صلى الله عليه وسلم : أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً . وقال عليه الصلاة والسلام : ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء ما ولدني إلا نكاح الإسلام ، وفي رواية : ما زلت أخرج من نكاح كنكاح الإسلام حتى خرجت من بين أبي وأمي ، وروى ابن عساكر مرفوعاً : ما ولدتني بغي قط منذ خرجت من صلب آدم ولم تزل تتنازعني الأمم كابراً عن كابر حتى خرجت من أفضل حيين في العرب هاشم وزهرة ، وجاء مرفوعاً : لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ، وقد صرح في الأحاديث وأقوال السلف بإيمان آبائه من مرة بن كعب إلى آدم كما قاله السيوطي ، وأما الأربعة بين مرة وعبد المطلب فقال السيوطي : لم أظفر غيهم بنقل ، وأما عبد المطلب فكان على ملة إبراهيم فلم يعبد الأصنام ، هذا وقد دلت الأحاديث على أن الأرض لا تخلو من مسلمين وأولياء يدفع الله بهم عن أهلها ولا يكون كذلك إلا خير أهل الأرض وأجداده صلى الله عليه وسلم هم خير أهل الأرض كما دلت عليه الأحاديث أيضاً كالحديث المتقدم الذي فيه : ولم تنازعني الأمم كابراً عن كابر إذ الكافر لا يوصف بذلك ولا يكون خيراً قطعاً ، فأجداده صلى الله عليه وسلم كلهم مؤمنون على أن الصحيح أن أهل الفترة ناجون وإن عبدوا الأصنام ، وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عن بعض من مضى من الجاهلية كآباء قريش وعمرو بن لحي وأمريء القيس وحاتم الطائي بأنهم في النار فقد أجيب عنه بأجوبة منها : أن أحاديثه خرجت مخرج الزجر للعمل على الإسلام وأما آزر فعم إبراهيم كما أجمع عليه أهل الكتابين وهو الراجح كما سيأتي أن أباه عليه السلام اسمه تارح وإنما دعي آزر بالأب في الآية لأن العم قد يدعى بالأب قال صلى الله عليه وسلم : ردوا علي أبي ( يعني عمه العباس رضي الله عنه ) ، وأبواه عليه الصلاة والسلام مؤمنان كما دلت عليه الأحاديث ، وأما من قال غير ذلك فهو مخطيء ويخشى عليه أن تشمله آية " إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة .. " ولا أذى أعظم من أن يقال أبواه صلى الله عليه وسلم في النار ، وإذا لم يرض عكرمة بن أبي جهل بنسبة أبيه إلى النار وتأذى بذلك مع أنه جازم بأنه فيها فأولى أن يتأذى المصطفى صلى الله عليه وسلم بنسبة الطاهرين إلى الكفر الذي هو أخبث الأشياء تعالى الله عن أن تحتوي أعداؤه على حبيبه الأعظم صلى الله عليه وسلم ، هذا وقد تقدم أن النور انتقل من صلب آدم إلى رحم حواء إلى شيث ، ولنذكر لك أسماء طريقه إلى سيدنا عبد الله فنقول : ثم من شيث إلى ولدميانش ومعناه الصادق ثم منه إلى قينن ثم منه إلى مهلاييل ثم منه إلى يرد ثم منه إلى خنوخ ( قيل هو سيدنا إدريس عليه السلام وعليه الأكثرون ) ثم منه إلى متوشلخ ثم منه إلى لامك ثم منه إلى نوح عليه السلام ثم منه إلى سام ( وليس نبياً على الصحيح ) ثم منه إلى أرفخشذ ثم منه إلى شالخ ثم منه إلى عيبر ( قيل هو سيدنا هود عليه السلام ) ثم منه إلى فالخ ( قال الطبري : ورأيت أن بين عيبر وفالخ واحداً يقال له قينان ) ثم من فالخ إلى أرغو ثم منه إلى شاروخ ثم منه إلى ناحور ثم منه إلى تارح ثم منه إلى سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ثم منه إلى إسماعيل عليه السلام ثم منه إلى نابت ثم منه إلى يشجب ثم منه إلى يعرب ثم منه إلى تبرح ثم منه إلى ناحور ثم منه إلى مقوم ثم منه إلى أدد ثم منه إلى أد ثم منه إلى عدنان ، واعلم أن من إسماعيل إلى آدم قيل لا خلاف فيه لأنه بين في التوراة نسبهم ومدة أعمارهم ، وقال الحافظ : بل فيه خلاف يسير في عدد الآباء وضبط الألفاظ خلافاً لمن نفاه ، وأما من عدنان إلى إسماعيل ففيه خلاف واضطراب وأصح الأقوال فيه ما ذكرته لك ، وأما من عدنان إلى عبد الله فلا خلاف فيه قطعاً وكذا لا خلاف في أن عدنان من ولد إسماعيل عليه السلام ، وعدنان مأخوذ من العدن وهو الإقامة سمي به تفاؤلاً بأنه يقيم ويسلم من أعين الجن والإنس التي يموت بها غالب يقيم وكانوا ينظرون إليه يريدون قتله ويقولون لئن تركنا هذا الغلام ليلدن من يسود الناس فوكل الله به من يحفظه وكنيته أبو معد وهو أول من وضع علامات الحرم وأول من كسا الكعبة وكان في زمن موسى على الراجح ، ثم منه إلى معد وكان كريماً صاحب غارات وحروب على بني إسرائيل وما حارب أحد إلا نصر عليه وكنيته أبو قضاعة ، ولما سلط الله بختنصر على العرب أمر الله تعالى أرمياء عليه السلام أن يحمل معداً على البراق كيلا تصيبه النقمة وقال : فإني سأخرج من صلبه نبياً كريماً أختم به الرسل ، فاحتمله أرمياء عليه السلام إلى الشام فنشأ في بني إسرائيل ثم عاد بعد موت بختنصر وهو ابن ثنتي عشرة سنة مع أنبياء بني إسرائيل إلى مكة فحجوا وحج معهم ووجد أخويه وعمومته قد لحقوا بطوائف اليمن فأرجعهم إلى بلادهم ، ثم منه نزار واسمه خلدان وكنيته أبو إياد وإنما لقب بنزار لأن أباه نظر إلى النور المحمدي يتلألأ بين عينيه ففرح ونحر وأطعم كثيراً وقال : هذا كله نزر ( أي قليل ) في حق هذا المولود ، ثم منه إلى مضر واسمه عمرو وكنيته أبو إلياس وإنما لقب بمضر لأنه كان يمضر القلوب ( أي يميلها ) إليه بحسنه فلا يراه أحد إلا أحبه وكان من أحسن الناس صوتاً وهو أول من سن الحداء ( أي الغناء للإبل ) ومن حكمه : من يزرع شراً يحصد ندامة ، وروي : لا تسبوا مضر ولا ربيعة ( يعني أخاه ) فإنهما مسلمين على ملة إبراهيم ، ثم منه إلى إلياس واسمه حبيب وكنيته أبو عمرو وإنما لقب بإلياس لأنه ولد بعد كبر أبيه ويأسه من الولد وكان ذا جمال بارع ، ولما أدرك أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم وبان فضله عليهم ولان جانبه لهم حتى جمعهم رأيه ورضوا به فردهم إلى سنن آبائهم وكانت العرب تعظمه تعظيم أهل الحكمة كلقمان وكان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وهو أول من أهدى البدن للكعبة وجاء : لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمناً ، ثم منه إلى مدركة واسمه عمرو على الصحيح وكنيته أبو هذيل وإنما لقب بمدركة لأنه أدرك كل عز وفخر كان في آبائه وكان النور المحمدي ظاهراً فيه ظهوراً بيناً ، ثم منه إلى خزيمة وكنيته أبو اسد وفيه قيل :



أما خزيمة فالمكارم جمة

سيقت إليه وليس ثم عنيد



ومات على ملة إبراهيم كما رواه ابن حبيب بإسناد جيد ، ثم منه إلى كنانة وكنيته أبو النضر وكان شيخاً حسناً عظيم القدر تحج إليه العرب لعلمه وفضله وكان لكرمه يأنف أن يأكل وحده فإذا لم يجد من ياكل معه نصب صخرة بين يديه وكلما أكل لقمة رمى إليها لقمة وكان يقول : قد آن خروج نبي من مكة يدعى بأحمد يدعو إلى الله والبر والإحسان ومكارم الأخلاق فاتبعوه تزدادوا شرفاً شرفكم وعزاً إلى عزكم ولا تتعدوا ما جاء به فهو الحق ، ثم منه إلى مالك سمي به تفاؤلاً بأنه يملك العرب وقد كان وكنيته أبو الحرث ، ثم منه إلى فهر وكنيته أبو غالب وكان يدعى قريشاً وإليه تنسب قريش ، ثم منه إلى غالب سمي به تفاؤلاً بأنه يغلب أعداءه وكنيته أبو تيم ، ثم منه إلى لؤي وكنيته أبو كعب ، ثم منه إلى كعب سمي به تفاؤلاً بارتفاعه وشرفه إذ الكعب المرتفع وكنيته أبو هصيص وكان يجمع قومه يوم العروبة ويذكرهم بمبعثه صلى الله عليه وسلم ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه ولعظم قدره عند العرب أرخوا بموته إلى عام الفيل فأرخوا به إلى موت عبد المطلب ، ثم منه إلى مرة سمي به تفاؤلاً بأنه يكون ذا مرارة على الأعداء وكنيته أبو يقظة بأحد أولاده ، ثم منه إلى كلاب واسمه حكيم على الصحيح وكنيته أبو زهرة وإنما لقب بكلاب لمكالبته العدو ( أي مضايقته إياه ) ، ثم منه إلى قصي واسمه زيد وإنما لقب بقصي لأن أمه قصت به ( أي بعدت ) وهو فطيم إلى بلاد قضاعة من أشراف الشام لما تزوجها ربيعة بن حزام بعد أن مات أبوه كلاب فلما كبر وعرف منشأه كره الغربة في أرض قضاعة ورجع مع حاج العرب إلى مكة وكان أمر مكة والبيت إلى خزاعة فرفعهم وتولى بنفسه فأطاعته قريش وبنو كنانة وجمع قبائل قريش بعد تفرقها بالبلاد من ظلم خزاعة فلذا سمي مجمعاً ولكونه جمع شرف مكة أيضاً فكان بيده الحجابة واللواء والسقاية والرفادة ودار الندوة والقيادة ، ثم منه إلى عبد مناف واسمه المغيرة وإنما لقب بعبد مناف لأن أمه أخدمته صنماً يقال له مناة فقيل له عبد مناة فرآه أبوه يوافق عبد مناة بن كنانة ورأى علامات الشرف لائحة عليه فغيره بمناف من ناف إذا ارتفع وكان يقال له قمر البطحاء لجماله الفياض لكثرة جوده ووجد نقشاً في حجر : أنا المغيرة بن قصي آمر بتقوى الله وصلة الرحم ، ثم منه إلى هاشم واسمه عمرو العلاء لعلو مرتبته وكنيته أبو البطحاء ولقب بهاشم لأنه أول من هشم لثريد بمكة بعد جده إبراهيم عليه السلام لأنه لما اصاب قريشاً الجدب الشديد رحل إلى فلسطين وأتى منها بدقيق وكعك كثير ثم نحر جزوراً وجعله ثريداً عم به أهل مكة ولا زال يفعل كذلك حتى أخصبوا وكانت مائدته لا ترفع لا في السراء ولا في الضراء ولذا كان يضرب بكرمه المثل وكان النور المحمدي يتلألأ في جبهته ولا يراه حبر إلا قبل يده ولا يمر بشيء إلا سجد له وعرضت عليه قبائل العرب والأحبار بناتهم أن يتزوج بهن حتى هرقل بعث إليه أن لي بنتاً لم تلد النساء أجمل منها ولا أبهى وجهاً فاقدم إلي حتى أزوجكها فقد بلغني جودك وكرمك ومرادهم هذا النور الذي أسعد الله به سلمى أم عبد المطلب ومات هاشم بغزة قيل : عن خمس وعشرين سنة ، ثم منه إلى عبد المطلب واسمه شيبة الحمد تفاؤلاً بأنه يبلغ سن الشيب وقد كان فإنه عاش مائة وأربعين سنة وأضيف للحمد تفاؤلاً بكثرة حمد الناس له وقد كان وكنيته أبو الحرث وأبو البطحاء وإنما قيل له عبد المطلب لأن المطلب عمه لما أتى به من عند أمه سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج بالمدينة كان يُسأل عنه فيقول : عبدي حياء أن يقول ابن أخي لأنه كان بهيئة رثة فلما أصلح حاله أظهر أنه ابن أخيه وصار يقول لمن يقول له عبد المطلب : ويحكم إنما هو سيبة ابن أخي ، وقيل على عادة العرب من قولهم لليتيم يتربى في حجر الرجل هو عبده ، وكان سيد قريش وملجأهم في الأمور وكانوا يسمونه الفياض لكثرة جوده ومطعم طير السماء لأنه كان يرفع من مائدته للطير والوحوش في رؤوس الجبال وكان النور المحمدي يتلألأ في جبهته وببركته برك الفيل ، وذلك أن أبرهة وكان ملكاً على اليمن من جهة ملك الحبشة رأى الناس يتجهزون إلى الحج فقال : أين يذهبون ؟ فقيل : يحجون بيت الله بمكة ، قال : وما هو ؟ قيل : من الحجارة ، فقال : والمسيح لأبنين لكم خيراً منه فبنى كنيسة صنعاء طولها في السماء ستون ذراعاً بالرخام الملون وحلاها بالذهب والفضة وأنواع الجواهر وسماها القليس ومنع الناس الذهاب إلى مكة وبعث في الناس يدعوهم إلى حج القليس فلما بلغ داعيه بلاد كنانة ضرب بسهم فقتل وخرج رجل من كنانة تغضباً للكعبة فتغوط بالقليس ثم لحق بأهله فأغضب ذلك أبرهة وحلف لينقضن الكعبة حجراً حجراً وجاء إلى مكة بستين ألفاً ومعهم الفيل فبرك الفيل وأحجم عن دخول مكة وأرسل الله عليهم من بحرجدة طيراً أبابيل ( أي جماعات متفرقات ) مثل الخطاطيف سوداً صفر المناقير خضر الأعناق فأقبلت يكسع بعضها بعضاً أمام كل فرقة طير يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق مع كل طائر ثلاثة أحجار مكتوب على كل حجر اسم من يقع عليه واسم أبيه وكانت مثل العدس وكان الحجر يقع على جنب الرجل فيخرج من الجنب الآخر أو على رأسه فيخرج من دبره أو من أسفل مركوبه إن كان راكباً ويغيب في الأرض من شدة وقعه ، فذهبوا هاربين يتساقطون بكل طريق حتى هلكوا ثم أرسل الله تعالى سيلاً عظيماً فاحتمل جثثهم فألقاها في البحر وغنمت أهل مكة ما كان في مخيمهم وخرب ما حول القليس وكثرت حولها السباع والحيات ومردة الجن حتى كانوا يصيبون من أراد أن يأخذ منها شيئاً واستمرت على ذلك حتى بعث السفاح من خربها وحصل له منها مال عظيم ، ومن كلام سيدنا عبد المطلب رضي الله تعالى عنه :



لنا نفوس لنيل المجد عاشقة

فإن تسلت أسلناها على الأسل


لا ينزل المجد إلا في منازلنا

كالنوم ليس له مأوى سوى المقل



ثم منه إلى سيدنا عبد الله رضي الله تعالى عنه ولم يختلف في اسمه وكنيته أبو قثم ويلقب بالذبيح لأن أباه أراد ذبحه وفاء بنذره ثم فدي بمائة من الإبل ، وذلك أن عمرو بن الحرث الجرهمي لما استباح قومه الحرم وقيض الله من أخرجهم منه عمد إلى نفائس وهي غزالتان من ذهب وفضة وأسياف وأدراع وحجر الركن كما عند ابن هشام وغيره فدفنها في زمزم وردمها وبالغ في طمها وفر بقومه إلى اليمن فجهلت زمزم من حينئذ نحو خمسمائة سنة إلى أن أمر عبد المطلب في منامه بحفرها ودل على موضعها بين صنمين لقريش فأخذ المعول وقام بحفر ومعه ولده الحرث لا ولد له حينئذ غيره فمنعته قريش فلم يمتنع فكفوا عنه فلم يحفر إلا يسيراً حتى بدا له الطي ( أي البناء ) فطلبوا منه الشركة وقالوا إنها بئر أبينا إسماعيل ، فقال : هذا شيء خصصت به دونكم فكفوا عنه ، إلا ابن عمه عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له : أتستطيل علينا وأنت فذ لا ولد لك ( أي كثير ) ؟ فقال له : أيا لقلة تعيرني والله لئن جاءني عشرة من الولد ذكور لأنحرن أحدهم عند الكعبة ثم حفر هو وولده حتى وجد تلك النفائس ، فقالت قريش : نشاركك في هذه ، فقال : لا وضرب الأسياف ، وذهب لباب للكعبة وحلاه بالغزالتين فكان ذلك أول ما حليت وأتم حفرها وأقام سقايتها ذلك العام للحاج فكانت له عزاً وفخراً على قريش وعلى سائر العرب بل افتخر بها سائر بني عبد مناف على من ذكر وانصرف الناس عن الآبار إليها لأنها بئر إسماعيل ولمكانها من المسجد الحرام ثم لما كملت أولاده عشرة نام عند الكعبة وكان قد نسي نذره فرأى في النوم قائلاً يقول له : يا عبد المطلب أوف بنذرك لرب هذا البيت ، فقام من نومه فزعاً وأمر بذبح كبش وأطعمه للفقراء فرأى ثانياً : أن قرب ما هو أكبر من ذلك ، فقرب ثوراً ثم كذلك فقرب جملاً ثم كذلك فقال : وما هو أكبر من ذلك ؟ فقيل : قرب أحد أولادك الذي قد نذرته ، فاغتم غماً شديداً فأخبر أولاده بذلك فامتثلوا فضرب بينهم القداح فخرجت على عبد الله وكان أحبهم إليه ، فأراد ذبحه فمنعته قريش وقالوا : لئن فعلت ذلك ليصيرن سنة فينا يأتي الرجل بابنه فيذبحه ، انطلق بنا إلى فلانة الكاهنة بخيبر فأمرته بتقديم الرجل وعشرة من الإبل فإن خرجت القداح على الإبل نحرت ونجا الرجل وإلا زيد عليها عشرة عشرة حتى تخرج على الإبل ففعل ذلك فما خرجت على الإبل إلا بعد بلوغها مائة ولم يرض عبد المطلب حتى ضربت القداح ثلاث مرات وهي تخرج على الإبل فنحرت وتركت لا يصد عنها آدمي ولا وحش ولا طير وذا كله من بركة النور المحمدي التي عمت العالم من عرشه إلى فرشه ، وهذا نسبه صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه أما من جهة أمه فهو صلى الله عليه وسلم ابن آمنة رضي الله عنها بنت وهب بن عبد مناف ( غير عبد مناف المار في نسب الأب ) ابن زهرة بن كلاب المار في نسب الأب ، فأمه صلى الله عليه وسلم تجتمع مع أبيه في جده كلاب ، وما أحسن ما قال هنا الأستاذ الحلواني مخمساً ومذيلاً بالتخميس الأخير :



كرر حلا خير الأنام وصرحا

وأرح بها روحي هديت وروحا


واسرد لي النسب الكريم ووضحا


( نسب كأن عليه من شمس الضحى

نوراً ومن فلق الصباح عمودا )


وكأنه يا صاح عقد زبرجد

أو باقة من نرجس الروض الندي


أكرم به نسباً سما بمحمد


( ما فيه إلا سيد من سيد

حاز المكارم والتقى والجود )


ما فيه إلا طاهر من طاهر

ورث المكارم كابراً عن كابر


والنص في الشعراء أكبر شاهر


( فضل السجود لهم كسيف باتر

مولاي فاجعلني بهم مسعودا )



وصلى اللهم على سيدنا محمد عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك وعلى آله وصحبه وسلم كذلك والحمد لله رب العالمين .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 196 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 5, 6, 7, 8, 9, 10, 11 ... 14  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط