وتابع :
«إن الديموقراطية لا يمكن أن تُفهم فى الشرق الأوسط دون فهم مفهوم الخلافة التى يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
فخلال حياته ويليها 70 عاماً بعد وفاته كانت الدولة مثالية، فقد خلقت الخلافة طريقة للحياة والتعايش بين الناس وداخل الهيئات الإدارية.
وتعتبر تلك الفترة من الزمن خاصة جداً، إذ إنها جسدت النموذج المثالي للحكومة، وهو نموذج معترف به على نطاق واسع وتتطلع إليه أى حكومة وهى مشابهة للأهداف التى تتبعها وتسعى إليها الولايات المتحدة مثل الحق فى الحياة، والحرية والسعى لتحقيق السعادة .
ومن وجهة نظر شعوب الشرق الأوسط، فإن الكلمات التى تحدد شكل الديموقراطية ستكون على الأرجح، الإنصاف والعدالة، والمساواة والوحدة والتكافل .
وعلى الرغم من أن تحقيق المثل العليا كان دائماً ضمن أولويات المجتمع، لكن بعد وفاة الرسول بفترة زمنية، بدأ الحكام الذين كانوا يمثلون الخلافة فى الابتعاد عن المثل العليا التى رسخها النبي، وبدأوا فى استخدام سلطاتهم لتحقيق رفاهيتهم الخاصة .
وبدلاً من السعي لرفاهية شعوبهم حاولوا إحكام قبضتهم على السلطة من خلال تعيين الأقارب، وأهل الثقة عوضاً عن أهل الكفاءة المؤهلين .
ولهذا ازداد السخط تجاه إدارة الدولة، ما أدى إلى ظهور صراعات قبلية وعرقية فككت الدولة .
واليوم لا نزال نعاني من تداعيات الانقسامات التى حدثت فى وقت مبكر داخل المجتمع الإسلامي، حيث يوجد فى المنطقة مختلف الفصائل القبلية والعرقية.
ونظراً لهذا الوضع، يصبح توحيد تلك الفصائل أحد التحديات التى تواجه محاولات إعادة إقامة الخلافة الرشيدة من جديد».
وتناول السيسي فى رسالته بعض مفاهيم الحكم الإسلامي قائلاً :
«هناك مسائل ذات علاقة بموضوع الخلافة مثل البيعة والشورى، ويرجع تاريخهما للسنوات الأولى من الإسلام.
وبالتالي فهى مفاهيم مهمة ومحترمة.
فالبيعة هى عملية إنتخابية لاختيار الخليفة، بينما الشورى تعتبر هيئة استشارية، وظيفتها أن يكون الحكم متوافقاً مع تعاليم الإسلام.
وعلى الرغم من أن هذه العمليات لها خلفيات تاريخية دينية، فإنها تمثل أيضاً الآليات التى يمكن أن تتطور الديموقراطية من خلالها.
ونظراً للطبيعة الدينية لثقافة الشرق الأوسط، كيف يمكن أن نبني دولة ديموقراطية فى الشرق الأوسط؟
هل سيكون هناك 3 أو 4 فروع للحكومة؟
وهل ينبغى أن يضاف فرع ديني إلى السلطتين التنفيذية، والتشريعية والقضائية لضمان توافق القانون مع الدين؟
قد يكون الجواب بنعم.
ولكن هذا ربما لا يكون أفضل وسيلة، من الناحية المثالية، ينبغى على الهيئات التشريعية، والتنفيذية والقضائية أخذ تعاليم الإسلام بعين الاعتبار عند القيام بواجباتها.
وعلى هذا النحو، لن تكون هناك حاجة لإنشاء سلطات دينية منفصلة، ومع ذلك، فإنه لتقنين المبادئ الرئيسية للعقيدة الإسلامية، ينبغى أن يكون ذلك مذكوراً فى الدستور أو وثيقة مشابهة .
وهذا لا يعني تأسيس دولة دينية، بل يعني أنه سيتم تأسيس ديموقراطية مبنية على المعتقدات الإسلامية».
وعن مفهومه للديموقراطية، قال :
«ينبغى تمكين ديموقراطية الشرق الأوسط من الظهور، قد لا تكون على نفس النمط الغربي، لكنها ستكون بداية، والقاعدة العامة هي أن الشرق الأوسط هو الأكثر تأييداً لروح الديموقراطية، وسيعتمد عليها طالما أنه يسعى إلى الوحدة الشاملة.
وهذا يشمل السماح لبعض الفصائل التي قد تعتبر راديكالية، لا سيما إذا كانت مدعومة بأغلبية، بالمشاركة فى انتخابات حرة.
فالعالم لا يمكن أن يطالب بالديموقراطية فى الشرق الأوسط، ثم يستنكرها لأن الفائزين في الانتخابات أقل تأييداً للغرب.
على سبيل المثال، فإن الفلسطينيين المنتخبين مؤخراً من حركة حماس ليسوا على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، ولكنهم قد انتُخبوا بطريقة شرعية، والأمر الآن متروك لحماس وبقية دول العالم للعمل على تسوية خلافاتهم السياسية.
ومن المهم أن ندرك أنه على الرغم من وجود فروق ذات دلالة إحصائية، فيما يتعلق بوضع إسرائيل، فإن الأحزاب الفائزة في الانتخابات الإسرائيلية تشكل الحكومة المنتخبة وتعطى فرصة للحكم .
وإذا لم تتوفر فرص مماثلة فى الانتخابات الخاصة ببلدان الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة ستشكك فى مصداقية الدول الغربية، ونواياهم الحقيقية فيما يتعلق بالحكم الديموقراطي وما يمثله».
ورأى السيسي وجوب التعاون بين الأطراف المختلفة قائلاً :
«فى تلك المرحلة فى تاريخ الشرق الأوسط، فإن مسألة الديموقراطية هى مسألة مهمة يجب وضعها في الاعتبار.
فالكثيرون فى الشرق الأوسط يشعرون بأن النظم المستبدة التى كانت موجودة سابقاً وحالياً لم تحقق التقدم الذى توقعته شعوبها.
خاصة عند المقارنة مع بعض الدول الأخرى فى العالم الإسلامي مثل ماليزيا، وباكستان، وإندونيسيا؛ ناهيك عن بعض الدول الغربية.
فمسألة إقامة ديموقراطية على النمط الإسلامي لا يجب طرحها على هذا النحو.
فالديموقراطية والإسلام يمكن أن يتعايشا معاً.
فعندما تم تأسيس الديموقراطية فى الولايات المتحدة كان ذلك على أساس القيم المسيحية واليهودية، وبالنظر إلى التأثير المفرط للكنيسة فى بريطانيا قررت الولايات المتحدة أن تدرج بعض المواد فى الدستور لفصل الكنيسة عن الدولة، ولكن لم يُستبعد الدين من الحكم على الرغم من اعتقاد البعض بذلك.
وفي السنوات الأولى من نشأة الولايات المتحدة، كان الدين مهماً وشكّل قيم الأمة الأمريكية، وفي الشرق الأوسط، فإن هذا النهج لا يختلف كثيراً باستثناء أن الإيمان الإسلامي هو الأساس الذى يقوم عليه شكل ديموقراطية الشرق الأوسط للديموقراطية التي ستُبنى.
كما هو الحال مع التقاليد الأمريكية، سيُسمح للأديان الأخرى بالوجود، لكن الدين السائد في الشرق الأوسط هو الإسلام، ولذلك فمن المنطقي أن نفترض أن الشكل الديمقراطي للحكومة سيؤسَّس على تلك المعتقدات.
والتحدى القائم هو ما إذا كان باقى العالم سيكون قادراً على قبول الديموقراطية في الشرق الأوسط طبقاً للمعتقدات الإسلامية.
من الناحية العملية، لا ينبغي أن يشكل ذلك مشكلة لأن المعتقدات الإسلامية تؤدي إلى سلوك أكثر تشابهاً مع سلوك المتدينين الآخرين».