موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5 ... 7  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 01, 2005 1:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب السادس

فى الملامة

[/align]
لقد سار بعض مشايخ الصوفية فى طريق الملامة . فللملامة أثر كبير فى
إذكاء الحب ونقائه ، ويتميز أهل الحق – وعلى الأخص أعلاهم قدراً – بأنهم
موضع الملامة من العوام . والنبى – وهو مثلهم الأعلى ، وإمام المحبين لله
نال من تكريم الجميع وتعظيمهم ، حتى إنكشف له دليل الحق ، ونزل عليه
الوحى ، وعندئذ أطلق الناس ألسنتهم فى ملامته فقال قوم كاهن ، وقال
قوم أنه ساحر ، وقال آخرون أنه شاعر وقال غيرهم أنه مجنون وأنه كاذب الخ ،
ويقول الله تعالى واصفاً المؤمنين الصادقين : { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ
اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } المائدة 54 .

هذه شريعة الله ، فهو يضع من يتحدثون عنه وضع الملامة من الناس أجمعين .
ولكنه يحفظ قلوبهم من أن تنشغل بلوم الناس لهم . إن الله يفعل هذا غيرة
عليهم ، فهو يحفظ أحبابه من أن ينظروا إلى الغير ، حتى لا يرى الغريب جمال
مقامهم ، ويحفظهم من أن ينظروا إلى أنفسهم ، حتى لا يروا جمالهم ، ويقعوا
فى الغرور والكبر . ولهذا أطلق عليهم ألسنة العوام يلومونهم وجعل النفس
اللوامة جزءاً لا يتجزأ من تكوينهم ، وذلك حتى يلومهم الغير على كل ما يفعلونه
وتلومهم أنفسهم إذا أخطأوا ، أو إذا فعلوا الخير ناقصاً غير كامل .

هذا مبدأ ثابت فى طريق الله ، فليس فى هذا الطريق حجاب أقسى وأصعب
من الغرور . وأصل الغرور ينشأ من سببين : أحدهما من الخطوة لدى الخلق
ومدحهم ، أو أن يقع عمله منهم موقعاً حسناً . والآخر أن يقع فعل المرء موقع
الإعجاب من نفسه ، فيمدح نفسه ، ويرى نفسه جديراً بالمدح ، فيتيه بهذا
عجباً . إن الله تعالى قد أغلق بفضله طريق المعصية دون أحبابه ولا يقر العامة
أعمالهم مهما صلحت ، لأنهم لا يعرفونهم حق المعرفة ، ومهما تعددت مظاهر
خشيتهم لله ، فهم لا يعتبرونها صادرة عنهم لأنهم يردون حولهم وقوتهم إليه ،
فهم لا يعجبون بأنفسهم ، فقد وقاهم الله الغرور . إن من يحبه الله لا يحبه العوام ،
ومن اختارته نفسه لا يصبح مختاراً لله ، ولهذا فقد كان إبليس محبوباً من الملائكة ،
معجباً بنفسه ، ولكن لأن الله لم يحبه فإن محبة الآخرين له كانت لعنة عليه .

أما آدم فلم يكن موضع رضى الملائكة ، الذين قالوا عنه : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء } البقرة 30 ، ولم يكن موضع رضى نفسه ، التى قال عنها :
{ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا } الأعراف 23 ، وحينما قبل من الحق قال الله عنه : { فَنَسِيَ
وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } طه 115 ، ولكن الله كان يحبه ، فكان سخط الملائكة ، وعدم
رضاه عن نفسه سبباً فى رحمة الله . ولهذا فليعلم الناس أجمعين أن من نقبلهم
يرفضهم الناس وأن من يقبلهم الناس ينالون منا الرفض ، ولذلك فإن الملامة من
الناس هى طعام أحباب الله ، إذ أنها رمز رضى الله . إن أولياء الله تملؤهم البهجة
لهذه الملامة لأنها علامة القرب منه ، يبتهجون لها ابتهاج غيرهم بالسمعة وعلو
الصيت . وقد جاء فيما تلقاه النبى من جبريل أن الله تعالى قال : ( إن أوليائى تحت
قبائى لا يعرفهم غيرى إلا أوليائى ) .

يتبع إن شاء الله ..



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 02, 2005 12:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

والملامة أنواع ثلاثة : ملامة تنجم عن اتباع الطريق الصحيح ، وملامة قصد
وملامة ترك . ففى النوع الأول يكون المرء موضع ملامة إذا هو اهتم بشئونه ،
فقام بأداء ما فرضه الله عليه ، ولم يغفل منه شيئاً ، ولا يهمه فى شىء رضى
الناس عنه أم غضبوا منه ، وفى النوع الثانى يكون المرء موضع احترام الناس
وإجلالهم ، فيميل قلبه إلى هذا الشرف ، ويتعلق بمن يمنحونه إياه ، ولكنه
يحب أن يبعد قلبه عنهم ، ويخصصه لله وحده ، فيقوم عن قصد بإرتكاب عمل
كريه إليهم ، وإن لم يكن مخالفاً للشريعة ، ويكون نتيجة ذلك أن ينفضوا أيديهم
منه ، أما فى النوع الثانى فإن المرء يدفعه كفره وفساد عقيدته إلى ترك
الشريعة ، ولا يقوم بما جاء به قائلاً لنفسه : " إنى أسير فى طريق الملامة "
وهو فى هذا يتصرف وفق هواه .

إن من يسلك الطريق الصحيح ، ويرفض النفاق ، ويبتعد عن العجب والغرور ،
لا تهمه ملامة العوام ، بل يسير فى طريقه غير آبه بما يطلق الناس عليه من
أسماء ، ومن قصص أولياء الله أن الشيخ أبا طاهر الحرمى كان فى السوق ،
يوماً راكباً حماره ، وخلفه أحد مريديه فصاح أحد العامة قائلاً : ها قد جاء الملحد .
فاندفع مريد الشيخ محنقاً ، يحاول أن يرجم ذلك الرجل ؛ وعج السوق بالضجيج ،
فقال الشيخ لمريده : إذا هدأت أريتك ما يريحك من هذا الأمر . وعندما رجعا
إلى الزاوية طلب من مريده أن يحضر صندوقاً فلما أحضره أخرج منه لفائف من
الرسائل وألقى بها أمامه ، وأمره أن يتفحصها قائلاً : أنظر كيف يخاطبنى كاتبو
هذه الخطابات . هذا شخص يلقبنى بشيخ الإسلام ، وهذا بالشيخ الطاهر ،
وذاك بالشيخ الزاهد ، وآخر بشيخ الحرمين ؛ وما إلى ذلك ؛ إنها جميعاً ألقاب ،
ولم يذكر إسمى أحد ، ولست أنا من هذه الأوصاف ، ولكن كلا منهم يصفنى
بما يتفق وعقيدته فى ؛ فإذا قام ذلك المسكين بنفس العمل فلماذا تتشاجر
معه ؟.

أما من يؤثر الملامة عن قصد ، وينأى بنفسه عن التكريم ، ويبتعد عن السلطة
والنفوذ ، فهو أشبه بالخليفة عثمان ، الذى جاء ذات يوم من مزرعته ، حاملاً
حطباً على رأسه ، برغم أن عبيده كانوا ينيفون على الأربعمائة . وعندما سئل :
لماذا يفعل ذلك ؟ أجاب : أريد أن أجرب نفسى . أنه لم يكن يريد أن يسمح
للتكريم ، الذى يتمتع به ، أن يمنعه عن أداء عمل .

وهناك قصة مشابهة ، فى هذا الكتاب ، عن الإمام أبى حنيفة ، سيأتى ذكرها ،
فلتطلب من موضعها .

ومما يروى عن أبى يزيد أنه كان قادماً من الحجاز ، ونودى فى المدن : جاء أبو يزيد ،
وهرع أهل مدنية للقائه وتكريمه ، فشغله اهتمامهم به ، وجذبه عن الله ، فما
أن وصل السوق حتى أخرج قرصاً من كمه ، وبدأ يأكل فانفضوا جميعاً عنه ، إذ
كانوا فى رمضان ، وقال الشيخ لمريده الذى كان يسافر معه : أنظر كيف انفضوا
جميعاً بعد أن قمت بعمل من أعمال الشريعة ( كان أبو يزيد على سفر ومرخص
له الافطار ).

وأنا على بن عثمان الهجويرى ، وفقنى الله ، أرى أنه كان من الضرورى فى تلك
الأيام لكى تصيبه الملامة أن يقوم بشىء عجيب ، لا يقره الناس ، أما فى وقتنا
الحاضر فليس على الشخص – كى يحظى بالملامة – إلا أن يطيل الصلاة النافلة
أو يقوم بأداء ما عليه من عبادات . وعندئذ سرعان ما يلقبه كل شخص بالمدعى .

إن من يترك الشرع ، ويخالف الدين ، قائلاً أنه يسلك طريق الملامة ، فإنه يرتكب
خطأ فاحشاً ، وإثماً مبيناً . وهناك كثيرون – فى يومنا هذا – ينشدون الشهرة من
هذا الطريق ، متناسين أن المرء لا يسلك سلوكاً يجعل الناس ينفضون من حوله
إلا بعد أن يكون قد نال شهرة وعلو صيت ، وإلا كان سلوكه هذا ذريعة يجتذب بها
لنفسه الشهرة .

كنت يوماً فى صحبة أحد هؤلاء المدعين ، وبعد أن قام بعمل خاطىء ، اعتذر قائلاً :
أنه فعل ذلك من أجل الملامة ، فقال له أحد الحاضرين : هذا هراء !. فتنهد فى
استنكار ، فقلت له : إذا كنت تدعى أنك ممن ينشدون الملامة ، وكنت واثقاً من
اتجاهك هذا ، فإن استنكار هذا السيد لعلمك يجب أن يشجعك على المثابرة ،
وبما أنه يقوم لك بما تنشده وهو الملامة فلماذا تظهر له هذا العداء والغضب ؟.
إن سلوكك أقرب إلى الإدعاء منه إلى طلب الملامة . إن على من يدعى أنه
يسترشد بالحق أن يثبت ذلك ويبرهنه ، وليس البرهان إلا اتباع السنة ، فقد
ادعيت ذلك ولكننى أراك لا تقوم بفرض دينى ، إن سلوكك يجعلك خارجاً على
الإسلام .

فصل :

إن مبدأ الملامة انتشر بين أهل هذه الطائفة ، على يد شيخ عصره حمدون
القصار . وله حكم كثيرة فى هذا المجال ، ويروى عنه أنه قال : " الملامة ترك
السلامة " فإذا ترك المرء سلامته عن قصد ، وأعد نفسه لتحمل المكاره وترك
الملذات وما اعتاده من صلات ، عسى أن تتكشف له عظمة الله ، فإنه محقق
لاتحاده بالله ، ما ابتعد عن الناس . ولهذا فإن دعاة الملامة يديرون ظهورهم
للسلامة ، وهى التى يتوجه إليها أهل هذه الحياة الدنيا ، فهممهم خلاف
همومهم وهمتهم تزيد عن همهم ؛ إذ أن وجهة أهل الملامة وحدانية ، ويقول
إبراهيم بن فاتك : إن الحسين بن منصور الحلاج أجاب من سأله : " من الصوفى " ؟
قائلاً : أنه وحدانى الذات . وقال حمدون كذلك عن الملامة ، أنه طريق صعب على
العامة أن يسلكوه ، ولكنى سأخبرك ، بجزء منه : " إن الملامتى يتصف برجاء
المرجئة ، وخوف القدرية " ولهذه الحكمة معنى خفى سأحاول شرحه .

إن من طبيعة الإنسان أن تعوقه الشهرة – أكثر من أى شىء آخر – أن يتصل بالله ،
ولهذا فإن كل من يخشى هذا الخطر أن يتفاداه ، إذ أنه يواجه خطرين كبيرين :
أولهما خوفه من أن تحجبه محبة الخلق له عن الله ، وثانيهما خوفه من أن يقوم
بعمل يلومه الناس عليه ، ويخطئونه بسببه ؛ فليس عليه أن يسترعى رضاهم ،
أو أن يعصى عند ملامتهم ؛ ولهذا فعلى الملامتى أن يهتم أولاً – وبالذات –
بألا يغضب مما يقوله الناس عنه فى الدنيا ، وعليه – من أجل خلاصه –
أن يقوم بعمل ليس من الكبائر ، ولا من الصغائر ، حتى ينفض الناس عنه .
ولهذا فإن خوفه – فى أمور السلوك – أشبه بخوف القدريين وأمله – فى تعامله
مع لائميه – شبيه برجاء المرجئة . وليس هناك فى الحب الحقيقى ما هو ألذ
من اللوم ، لأن لوم المحبوب لا يؤثر على قلب المحب ، إنه لا يهتم بما يقوله
الغرباء ، لأن قلبه متعلق بمحبوبه " الملامة روضة العاشقين ، ونزهة المحبين
وراحة المشتاقين ، وسرور المريدين ".

يتبع إن شاء الله تعالى ..


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 04, 2005 12:20 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435



إن أهل هذه الجماعة من الصوفية يتميزون عن الخلق أجمعين ، بأنهم يختارون
أن تلام أجسامهم لتسلم قلوبهم ؛ وهذه مرتبة عالية لا يصل إليها الزهاد
والعباد وأعيان الخلق فى العصور الغابرة ؛ ولكنها خاصة بأفراد هذه الأمة ،
الذين يسبحون فى طريق الابتعاد الكامل عن شئون هذه الدنيا .

وإنى أرى أن البحث عن الملامة تظاهر ، والتظاهر نفاق محض . إن المتظاهر
يتعمد سلوكاً ينال به الشهرة ، أما الملامتى فإنه يسلك سلوكاً يجعل الناس
يتركونه ، وكلاهما يركز فكره فى الناس ، ولا يرقى إلى ما هو أبعد من ذلك ،
أما الدرويش فهو لا يفكر فى الناس أبداً ، وعندما يبتعد قلبه عنهم لا يهمه
لومهم أو سرورهم ، إنه ينطلق حراً بلا قيود .

لقد جرى بينى وبين أحد ملامتية ما وراء النهر حديث ، وكنت قد صحبته مدة
طويلة ، رفعت عنا الكلفة ، قلت له : " يا أخى ماذا تقصد بهذه الأعمال الغريبة ؟ ،
فقال : ألا أجعل للناس وجوداً فى نظرى ، فقلت له : إن الناس كثيرون ،
ولن يمكنك ، خلال حياتك ، أن تجعلهم غير موجودين بالنسبة لك . والأفضل
أن تجعل نفسك غير موجود بالنسبة لهم ، فإن بعض من ينشغلون بالناس
يتخيلون أن الناس مشغولون بهم ، وإذا أردت ألا تكون موضع نظر الناس فلا
تنظر إلى نفسك ، وبما أن كافة خطاياك لا تنجم إلا من نظرك إلى نفسك ،
فما شأنك بالآخرين ؟. وإذا كان هناك مريض شفاؤه فى الحمية والإقلال من
الطعام ، فمن الغباء بالنسبة له أن يفرط فى طعامه ؟ "

وهناك آخرون يضعون أنفسهم موضع اللوم بدافع الزهد ، فهم يرغبون فى
تحقير الناس لهم حتى يقهروا أنفسهم ، ويبلغ سرورهم غايته أن يجدوا
أنفسهم يائسين أذلاء .

سئل إبراهيم بن أدهم ذات مرة : " هل حققت مرة رغبتك ؟ فأجاب : نعم ! ،
حدث ذلك مرتين : أولهما كنت فى سفينة لا يعرفنى فيها أحد ، وكنت مرتدياً
ملابس عادية ، وشعرى طويل ، فكانت هيئتى مثار سخرية الجميع واستهزائهم ،
وكان بينهم أحد المهرجين ، الذى دأب على شد شعرى ، وانتزاعه من منابته ،
ومعاملتى أسوأ ما تكون المعاملة ، بالأسلوب الذى اعتاد عليه . وفى ذلك
الوقت شعرت بغاية البهجة ، وبلغ سرورى منتهاه بذل نفسى ، حينما قام ذلك
المهرج وتبول على .

وفى المرة الثانية ، وصلت إلى إحدى القرى ، والمطر ينهمر مدراراً ، حتى ابتلت
مرقعتى وهدنى البرد القارس ، فاتجهت إلى أحد المساجد ألتمس المأوى ،
فلم يسمحوا لى ؛ ولما أخذ منى اليأس كل مأخذ ، ونال منى البرد القارس
دخلت حماماً عاماً ، واقتربت اقتراباً شديداً من الموقد ، فأحاط بى دخانه وسود
ملابسى ووجهى ، وعندئذ شعرت بغاية السرور والرضا .

وحدث ذات مرة أن وجدت نفسى – أنا على بن عثمان الجلابى – فى شدة ،
ثم ابتهلت إلى الله أن يكشف عنى هذه الغمة ، ولما لم يحدث ذلك ذهبت كما
اعتدت أن أفعل من قبل فى مثل هذه المناسبات – إلى قبر أبى يزيد ، ومكثت
بجواره ثلاثة أشهر أتعبد وأتنفل ، عسى أن يزول عنى هذا المكروه ومع ذلك
فأنه لم يزل ، ولهذا رحلت متجهاً نحو خراسان ، وفى ليلة وصلت إلى قرية فى
ولاية قومس ، بها مكان يقطنه بعض مدعى التصوف ، وكنت مرتدياً مرقعة لونها
أزرق داكن ، كسنة المسافرين ، ولكن لم يكن معى شىء مما اعتاده أهل
الرسم ، إلا عصا وركوة من الجلد ، وبدا شكلى مهيناً فى نظر أولئك المتصوفة
الذين لم يعرفونى ، وكانوا ينظرون إلى ملبسى ، ويقول الواحد للآخر : أليس
هذا منا ، فلم أكن منهم ، ولكن كان على أن أقضى الليل فى ذلك المكان .

فوضعونى على نَجَد ، وجلسوا فى مكان أعلى منه ، ووضعوا أمامى قديداً ،
أصابه العفن فاخضر لونه ، بينما كنت أشم رائحة الشواء ، الذى كانوا يأكلونه
وكانوا طيلة الوقت يوجهون إلى عبارات السخرية من علِ ، وبعد أن انتهوا من
طعامهم أخذوا يقذفوننى بقشر البطيخ ، الذى كانوا يأكلونه ، مظهرين مدى
سـرورهم بأنفسـهم ، واحتقارهم لى ، فوقـرت فى نفسـى رقـة حــالى
واستخفافهم بى ، فقلت فى نفسى : " يا إلهى ، لو لم يكونوا يلبسون
لباس أحبابك ما تحملت هذا منهم ".

وكلما زادت سخريتهم منى كلما زاد انشراح قلبى ؛ وكان تحملى لهذا سبباً
فى خلاصى من تلك الغمة التى ذكرتها .

ومنذ ذلك الوقت أدركت لماذا كان الشيوخ يسمحون للجهلاء والحمقى أن
ينضموا إليهم ، ولماذا يتحملون ثقلهم . وهذه هى أحكام الملامة التى
علمتها على التحقيق وبالله التوفيق .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 06, 2005 1:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب السابع

أئمة الصوفية من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين

[/align]
الآن فلأذكر طرفاً من أحوال أئمتهم من الصحابة ، الذين كانوا هداة لهم ،
وكانوا فى العبادة قدوة ، وكانوا فى الأحوال قادة ومثالاً ، هم بعد الأنبياء .
وهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، رضوان الله عليهم ،
حتى يتأكد لك إثبات مرادك إن شاء الله تعالى . فمنهم شيخ الإسلام ،
وسيد الأنام بعد الأنبياء ، خليفة الرسول ، وإمام أهل التجريد وسيدهم ،
وقائد أهل التفريد ، البعيد عن الآفات النفسية ، أبو بكر عبد الله بن عثمان ،
الصديق ، له كرامات مشهورة ، وآيات ودلائل ظاهرة ، فى المعاملات والحقائق ،
وقد ذكر فى باب التصوف طرف من مجاهداته .

1- الخليفة أبو بكر الصديق :-

يضع مشايخ الصوفية أبا بكر الصديق على رأس أهل المشاهدة ، بسبب قلة
ما روى عنه من أقوال وأعمال ، بينما يضعون عمر على رأس أهل المجاهدة ،
بسبب تشدده فى العبادة ومثابرته عليها . وقد جاء فى الأثر ، ومن المشهور
أيضاً بين أهل العلم ، أنه عندما كان أبو بكر يصلى فى الليل كان يتلو القرآن
بصوت منخفض ، بينما كان عمر يتلوه بصوت عال ، فسأل النبى أبا بكر : لم يفضل
أن يفعل ذلك ؟ فأجاب أبو بكر : " أسمع من أناجى إذ أنى أعلم أنه ليس بغائب
عنى ، ويستوى عنده الخفوت والجهر . أما عمر فقد أجاب بدوره أنى أوقظ
الوسنان ، وأطرد الشيطان " . فبينما نجد أحدهما أظهر علامة المشاهدة ،
نجد أن الآخر أظهر علامة المجاهدة .

والمجاهدة – إذا قورنت بالمشاهدة – أشبه بنقطة ماء فى بحر ، ولذلك فقد كان
النبى عليه الصلاة والسلام يعتبر عمر – وهو فخر الإسلام – مجرد حسنة من
حسنات أبى بكر ، حين قال له : " هل أنت إلا حسنة من حسنات أبى بكر ؟ "
فانظر إلى أحوال العالم .

ويذكر عن أبى بكر أنه قال : " دار فانية ، وأحوالنا عارية وأنفاسنا ممدودة ،
وكسلنا موجود ". فعمارة الدار الفانية من الجهل ، والاعتماد على العارية من
البله ، وشغل القلب بالأنفاس الممدودة من الغفلة ، والدين سمى الكسل كفراً .
فالعارية ترد ؛ والعابر لا يبقى ؛ وما يدخل فى الحصر ينفد ؛ وليس للكسل دواء .
وهو يعنى بهذا أن الدنيا من التفاهة بحيث يجب ألا تشغلنا ؛ إذ عندما تشغل
نفسك بما هو فان تغفل عما هو باق .

ويولى أحباب الله ظهورهم للدنيا وملاذها ؛ التى تحجبهم عنه تعالى فهم لا
يريدون أن يتصرفوا كما لو كانوا يملكون شيئاً هو فى الحقيقة ملك غيرهم .

وقد قال أبو بكر فى مناجاته : اللهم أبسط الدنيا وزهدنى فيها ولهذا القول معنى
خفى ، وهو : امنحنى أولاً متاع الدنيا حتى أشكرك عليه ؛ ثم ساعدنى على
الزهد فيه ، من أجلك ، حتى أنال هذه المزايا الثلاث : الشكر ؛ والكرم ، والزهد ،
وحتى يصبح فقرى اختياراً لا إجباراً .

إن هذه الكلمات تدحض حجة من قال : أن من جاء فقره عن قسر أكثر كمالاً
ممن جاء فقره عن اختيار . فمن جاء فقره عن قسر فهو صنيعة الفقر ومن جاء
فقره عن اختيار أصبح الفقر صنيعة له . وخير للشخص أن تكون أفعاله حرة من
أى محاولة يريد بها أن يحصل على الفقر ، إذ أن ذلك أفضل من أن يحاول أن يصل
إلى الفقر بمحض إرادته .

وأقول رداً على ذلك : أن صنيعة الفقر هو بدون شك ذلك الشخص الذى تتملكه
الرغبة فى الفقر ، رغم تمتعه بالاستقلال عنه ، ولذلك فهو يحاول جاهداً أن يصل
إليه ، وليس هو ذلك الشخص الذى يكون فى مقام الفقر ثم تتملكه رغبة فى
الاستقلال تجعله يذهب إلى منازل العصاة وقصور الحكام بغية جمع المال .

إن صنيعة الفقر هو ذلك الشخص الذى ينزل من الاستغناء إلى الفقر ، وليس هو
ذلك الفقير الذى يحاول أن يحظى بالقوة وهو فقير . لقد كان أبو بكر أفضل البشر
بعد الأنبياء ، وليس بمسموح أن يسبق أحد ذلك ، لأنه وضع الفقر الاختيارى فوق
الفقر الإجبارى ، ويؤمن كافة شيوخ التصوف بهذا المبدأ ، باستثناء ذلك الشيخ
الذى أشرنا إليه ، وقد أوردنا مقالته ، ورددنا عليها بما يؤكده الصديق الأكبر .

روى الزهرى أنه عندما تلقى أبو بكر البيعة بالخلافة ، صعد المنبر وألقى خطبة
جاء فيها : " والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة قط ، ولا كنت فيها راغباً ،
ولا سألتها الله قط فى سر ولا علانية وما لى فى الإمارة من راحة ". إن الله إذ
يجعل الفرد من أكمل المخلصين ، ويرفعه إلى مقام التمكين يجعله يأتمر بأمر الله ،
ويلتمس منه التوجيه ، ولهذا يرضى بما يأمره الله ، وما قسمه له ، سواء جعل منه
سائلاً أو أميراً ، دون أن يجعل لإرادته مكاناً ، أمام إرادة الله خالقه ، وهكذا أسلم
أبو بكر الصديق نفسه لإرادة الله بدءاً وخاتمة ، ولهذا فإن طائفة الصوفية قد جعلته
نموذجاً تحتذيه فى التجرد من أمور الدنيا ، وفى تمكينه ، وفى رغبته القوية فى
الفقر ، وعزوفه عن السلطة .

إنه إمام المسلمين عامة وإمام الصوفية خاصة .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 07, 2005 1:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


2- الخليفة عمر بن الخطاب :-

ومنهم قائد أهل الإيمان ، خير أهل الإحسان ، إمام أهل التحقيق ، ومن هو
فى بحـر المحبة غريق ، أبو حفص عمر بن الخطـاب رضى الله عنه صاحــب
الكرامــات المشهورة ، والفراسـات المذكــورة ، وهو المخصوص بالفراسة
والصلابة وله لطائف فى هذه الطريقة ، وحقائق فى هذا المعنى . وقد قال
النبى عليه الصلاة والسلام : ( إن الحق ينطق على لسان عمر ) كما قال :
( كان هناك فى الأمم محدثون فإن يَكُ فى أمتى فعمر ) وله فى هذه الطريقة
رموز دقيقة ، لا يمكن إحصاؤها برمتها هنا .

قال عمر : " العزلة راحة من خلطاء السوء " ، والعزلة نوعان : أولهما الابتعاد
عن الخلق ، وثانيهما قطع كل صلة بهم . والابتعاد عن الخلق عزلة اختيارية ،
وهى عبارة عن ترك صحبتهم فى الظاهر ، والتدبر الهادىء فى أعمالك
ومحاولة الابتعاد عن الخلق ، وجعلهم فى مأمن من شرك ؛ أو قطع كل
صلة بالخلق ، فهو مقام روحى لا علاقة له بالظاهر ، وعندما ينقطع الإنسان
عن الخلق روحياً لا يعرف عن المخلوقات شيئاً ، ولا يمتلك تفكيره شىء أن
مثل هذا الشخص يصبح فى عزلة عن الناس رغم بقائه بينهم ، إذ أن روحه
فى مكان بعيد عنهم ، وهذ مرتبة عالية . وقد سلك عمر الطريق الصحيح فى
هذا المجال ، فقد كان يعيش فى الظاهر بين الناس كقائدهم وخليفتهم ،
وهذا دليل واضح على أن أهل الحقيقة ، فهم وإن اندمجوا فى ظاهرهم مع
الخلق إلا أن قلوبهم متعلقة دوماً بالله ، وترجع إليه فى كل آن ؛ وهم ينظرون
إلى كل اتصال لهم بالناس نظرة المحنة ، التى يمتحن الله بها عبده . ولكن هذا
الاتصال لا يحول وجوههم عن الله تعالى ، إذ أن الدنيا لا تصفو فى نظر من ي
حبهم الله قال عمر : " دار أسست على البلوى بلا بلوى محال ". ويتخذه الصوفية
نموذجاً لهم فى لبس المرقع ، وفى أداء فروض الدين فى قوة وحزم. وعمر رضى
الله عنه من خواص أهل الرسول وأصحابه ، وكان مقبولاً لدى الحق فى كل أفعاله ،
إلى حد أن جبريل عليه السلام نزل فى بداية عهد الإسلام ، وقال للرسول :
" قد استبشر أهل السماء اليوم بإسلام عمر ".

واقتداء أهل الطائفة به فى لبس المرقع ، وصلابة الدين ، إلى جوار أنه فى كل
ما يتصل بالأمر إمام للخلق .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 08, 2005 11:40 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


3- الخليفة عثمان بن عفان :-

ومنهم جوهرة كنز الحياء ، وعبد أهل الصفاء ، والمتعلق بحظيرة الرضا ،
والمتولى والمتمكن على طريق المصطفى ، عثمان بن عفان ، ذو الفضائل
الظاهرة ، والمناقب البينة ، فى كل المعانى .

قال عبد الله بن رباح وأبو قتادة : " كنا مع أمير المؤمنين عثمان يوم هوجم بيته ،
وعندما رأى عبيده جموع المهاجمين امتشقوا السلاح ، فقال عثمان :
" من لم يمتشق سلاحه فهو حر " ، فتركنا البيت خوفاً على حياتنا ، فقابلنا
الحسن بن على فى الطريق ، ورجعنا معه إلى عثمان ، حتى نعرف لماذا
يذهب الحسن إلى عثمان . وبعد أن حيا عثمان وواساه ، قال له : " يا أمير
المؤمنين لا أجرؤ أن أحمل السلاح على مسلم إلا بأمر منك . فأنت الإمام
حقاً ، أعطنى الأمر أدافع عنك " . فأجابه عثمان : " با ابن أخى ! ، ارجع
واجلس فى بيتك حتى يأتى الله بأمره ، فلا حاجة لنا فى إرهاق الدماء.

إن هذه الكلمات تعبر عن التسليم فى وقت الشدة ، وتظهر أن المتحدث بها
قد وصل إلى مقام الخلة ، وهو أشبه بالخليل إبراهيم عندما أشعل نمروذ ناراً
ووضع إبراهيم فى كفة ليلقى به فى النار ، فجاء جبريل إلى إبراهيم وسأله :
" هل لك من حاجة ، فأجاب إبراهيم : " أما إليك فلا " ، فقال جبريل : " إذن
فسل الله " ، فأجاب : " حسبى من سؤالى علمه بحالى " ، أى أنه يعلم
بحالى أفضل مما أعلمه أنا ، ويعلم الصلاح لى . إن عثمان فى تلك اللحظة
كان أشبه بالخليل إبراهيم قبل أن يلقى فى النار ، وكان المتآمرون أمام بيت
عثمان أشبه بالنار ، وكان الحسن فى مكان جبريل . ولكن إبراهيم نجا ، أما
عثمان فقد قتل . إن النجاة مرتبطة بالبقاء ، والموت بالفناء . وقد تحدثنا فى
هذا الموضوع من قبل .

وبتشبه الصوفية بعثمان فى تضحيته بالحياة والمال ، والتسليم فى شئونهم
لله ، وفى المحبة الخالصة ؛ وهو – على الحقيقة – إمام الحق ؛ وشريعته
وطريقته ظاهرتان فى المحبة .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 09, 2005 12:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

4- الخليفة على بن أبى طالب :-



ومنهم ابن عم المصطفى ، وغريق بحر البلا ، وحريق نار الولا ، ومقتدى
الأولياء والأصفياء ، أبو الحسن على بن أبى طالب كرم الله وجهه .

إن شهرته ومقامه فى طريق الصوفية فى غاية العلو ، فقـد شـرح أصول
الحقيقة الإلهية بدقة بالغة حتى أن الجنيد قال : " علىّ شيخنا فى الأصول
والبلاء " أى أنه شيخنا فى الصوفية نظرياً وعلمياً ، إذ أن الصوفية يطلقون
على المبادئ النظرية لهذا الطريق : أصولاً ، ويكون تطبيقها فى احتمال
الآلام .

يحكى أن شخصاً طلب من علىّ أن يوصيه ، فقال له علىّ : " لا تجعلن أكبر
شغلك بأهلك وولدك ، فإن يكن أهلك وولدك من أولياء الله فإن الله لا يضيع
أولياءه ، وإن كانوا أعداء الله ، فما همك وشغلك بأعداء الله ؟! ".

وهذا مرتبط بموضوع انقطاع القلب عن كل ما عدا الله ، الذى يسير عبيده
كيف يشاء .

لهذا فإن موسى ترك إبنة شعيب وهى فى محنة شديدة ، وترك أمره إلى الله ،
وأخذ إبراهيم هاجر وإسماعيل إلى واد غير ذى زرع ، وترك أمرهما لله .

إن هذين النبيين تعلق قلبهما بالله ، ولم يجعلا الزوجة والولد جل همهما ،
وربطا القلب – حتى حاز الدارين – بالاستغناء عن المراد ، وتسليم الأمر
لله تعالى .


سئل علىّ عن خير ما يقتنيه المرء فقال : " غناء القلب بالله . إن مثل هذا القلب
لا يحزن إذا ذهب عنه عرض الدنيا ، ولا يفرح إذا جاءه ، ويدور هذا الموضوع حول
نظرية " الفقر والصفاء " التى سبقت مناقشتها .

ويعتبر الإمام علىّ نموذجاً يحتذيه الصوفية فى تعبيره الظاهر ، ودقة معانيه
الباطنة والتجرد عن كل متاع لهذه الدنيا وللأخرى ، وخشية الله . ولطائف كلامه
أكثر مما تدخل تحت الحصر وأسلوبى فى هذا الكتاب هو الاختصار .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 10, 2005 2:28 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مارس 02, 2004 5:42 am
مشاركات: 1411
كتبت فدا النبي :
اقتباس:
[align=center]
يحكى أن شخصاً طلب من علىّ أن يوصيه ، فقال له علىّ كرم الله وجهه:
" لا تجعلن أكبر شغلك بأهلك وولدك ،
فإن يكن أهلك وولدك من أولياء الله فإن الله لا يضيع أولياءه ،
وإن كانوا أعداء الله ، فما همك وشغلك بأعداء الله ؟! ".

لهذا فإن موسى ترك إبنة شعيب وهو فى محنة شديدة ،
[fot]وترك أمره إلى الله ، [/fot]
وأخذ إبراهيم هاجر وإسماعيل إلى واد غير ذى زرع ،
[fot]وترك أمرهما لله . [/fot]


إن هذين النبيين تعلق قلبهما بالله ، ولم يجعلا الزوجة والولد جل همهما ،
وربطا القلب – حتى حاز الدارين – بالاستغناء عن المراد ،
وتسليم الأمر لله تعالى [/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 10, 2005 1:42 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب الثامن

فى أئمتهم من آل البيت

[/align]

وأهل البيت هم المختصون بالطهارة الحقة . ولكل منهم فى هذا الأمر قدم
ثابتة ، وهم بجملتهم قدوة أهل هذه الطائفة ، خاصتهم وعامتهم . وسأبين
لك طرفاً من أحوال جماعة منهم .

1- منهم قطعة كبد المصطفى ، وريحانة قلب المرتضى ، وقرة عين الزهراء ،
أبو محمد الحسن بن علىّ كرم الله وجهه . وله فى هذه الطريقة تأمل كامل ،
ومن دقائق العبارة حظ وافر ، فقد قال فى حال الوصية : " عليكم بحفظ السرائر
فإن الله مطلع على الضمائر " . وحفظ القلب هو عدم الاتجاه إلى غير الله ،
وحفظ فكرك عن معصيته تعالى .

وعندما ارتفع شأن القدريين وكانت لهم الغلبة ، وانتشر مبدأ أهل الاعتزال فى
الدنيا ، كتب الحسن البصرى إلى الحسن بن علىّ ، وقال : " بسم الله الرحمن
الرحيم ، السلام عليك يا ابن رسول الله ، وقرة عينه ، ورحمة الله وبركاته ،
أما بعد . فإنكم معشر بنى هاشم كالفلك الجارية فى اللجج ومصابيح الدجى ؛
وأعلام الهدى ، والأئمة القادة الذين من تبعهم نجا ، كسفينة نوح المشحونة ،
التى يأوى إليها المؤمنون ، وينجو بها المتمسكون ، فما قولك يا ابن رسول الله –
صلى الله عليه وسلم – عند حيرتنا فى القدر ، واختلافنا فى الاستطاعة لتعلمنا
بما تأكد عليه رأيك ، فإنكم ذرية بعضها من بعض بعلم الله علمكم ، وهو الشاهد
عليكم ، وأنتم شهداء على الناس والسلام ".

وحينما وصله الخطاب أجابه قائلاً :

أما بعد . فقد انتهى إلىّ كتابك ، عند حيرتك وحيرة من زعمت من أمتنا والذى
عليه رأيى ، أن من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ، ومن حمل المعاصى
على الله فقد فجر ، أن الله لا يطاع بأكراه ولا يعصى بغلبة ، ولا يهمل العباد من
المملكة ، لكنه المالك لما ملكهم ، والقادر على ما غلب عليه قدرتهم ، فإن
ائتمروا بالطاعة لم يكن لهم صاداً ، ولا لهم عنها مثبطا ، فإن أتوا المعصية
وشاء أن يمن عليهم ، ويحول بينهم وبينها فعل ، وإن لم يفعل فليس هو
حملهم عليها إجباراً ، ولا ألزمهم إياها إكراها باحتجاجه عليهم ، أن عرضهم
ومكنهم وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما دعاهم إليه ، وترك ما ينهاهم عنه ،
ولله الحجة البالغة والسلام .

ويقصد الحسن أن العبد مختار فى كسبه بقدر استطاعته من الله عز وجل
والدين بين الجبر والقدر . ولم يكن مرادى من هذا الخطاب إلا هذه الكلمة
ولكنى أوردتها بجملتها ، لأنها بينة الفصاحة والبلاغة ، وقد أوردتها لأبين إلى
أية درجة بلغ رضى الله عنه فى علم الحقائق والأصول ، فإشارة الحسن
البصرى بالرغم من بلاغتها تعد من بدء العلم .

وقد قرأت أنه بينما كان الحسن بن علىّ جالساً عند باب داره فى الكوفة ،
إذ جاء أعرابى فسبه وسب أباه وأمه ، فنهض الحسن بن علىّ قائلاً :
" أيها الأعرابى ! ، أجوعان أنت حتى أطعمك ، أم ظمآن حتى أرويك ،
أم ماذا بك ؟ فلم يلتفت الأعرابى إليه بل استمر فى سبابه ، فأمر
الحسن عبده أن يأتى بكيس من الفضة ، ثم أعطاه للرجل قائلاً :
" عفواً أيها الأعرابى فليس لدى غيره ، ولو كان لدى المزيد لأعطيتك "
وعندما سمع الأعرابى منه هذا القول صاح : " أشهد أنك ابن بنت النبى ،
فقد جئتك أختبر حلمك " . هكذا يكون أولياء الله الحقيقيون ، الذين لا يهمهم
أمدحهم الناس أم لاموهم ، والذين يسمعون اللوم هادئين فيستوى عندهم
مدح الخلق لهم أو قدحهم فيهم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أغسطس 11, 2005 11:13 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


2- ومنهم نور آل محمد ، الذى هو من كل العلائق مجرد ،
سيد زمانه أبو عبد الله الحسين بن على بن أبى طالب
رضى الله عنهما
.
كان من محققى الأولياء ، وقبلة أهل البلاء ، وشهيد كربلاء . ويتفق جميع
الصوفية على أنه كان على حق . لقد كان يتبع الحق ما دام قائماً فلما ضاع
استل سيفه ، ولم يسترح حتى ضحى بحياته فى سبيل الله ، وقد خصه
النبى بالعديد من إشارات العطف والمحبة .

يروى عن عمر بن الخطاب : أنه رأى النبى يوماً يزحف على ركبتيه ، وقد
اعتلى الحسين ظهره الشريف ، وهو يمسك حبلاً طرفه فى فم الرسول ،
فقال عمر : " نعم الجمل جملك يا أبا عبد الله " فأجاب الرسول :
" ونعم الراكب هو يا عمر ".

وله كلام لطيف فى الطريقة الحقة ورموز كثيرة ، ومعاملات طيبة . ويروى أن
الحسين قال : " أشفق الأخوان عليك دينك " وذلك لأن خلاص الفرد يرجع إلى
اتباعه دينه ولأن هلاكه راجع إلى عصيانه ، إذن فالعاقل هو من تبع المشفقين ،
وعلم شفقتهم عليه ، ولم ير إلا متابعاً إياهم ، والصديق الحق هو الذى يبدى
النصيحة ولا يغلق باب الشفقة .

ووجدت حكاية عنه أن رجلاً جاء إليه وقال : " يا ابن رسول الله !، أنا رجل معسر
ذو عيال ، وقصدتك فى قوت الليلة ، فقال له الحسين رضى الله عنه : ثمة رزق
فى الطريق فأمكث حتى يأتوا به ، ولم يمض وقت طويل حتى وصلت خمس سرر
من عند معاوية ، بكل صرة ألف دينار ، وقال حاملوها إن معاوية يعتذر إليك ويبلغك
أن أنفق هذا القدر على فقراء القوم ، حتى تتحسن أحوالهم بهذه العناية .
فأمرهم الحسين أن يعطوا الصرر الخمس إلى هذا المعسر ، فأعطوها له ،
واعتذر له قائلاً : لقد مكثت طويلاً ، وأخذت عطاء قليلا ، ولو كنت أعلم هذا
المقدار ، ما جشمتك مؤونة الانتظار ، فاعذرنا لأننا أهل بلاء ، قد صرفنا النظر عن
متاع الدنيا ، وأفقدنا أنفسنا حاجياتها ، ووجبت علينا الحياة على مراد الآخرين .
ومناقبه أشهر من ذلك ، لا تخفى على أحد قط فى الأمة والله أعلم .




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أغسطس 14, 2005 11:55 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

3- ومنهم وارث النبوة ، ومصباح الأمة ، السيد المظلوم ، والإمام المحروم ،
زين العباد ، ونور الأوتاد ، أبو الحسن على بن الحسين بن علىّ ،
الملقب بزين العابدين وهو مشهمور بكشف الحقائق ،
ونطق الدقائق .


سئل : " من أسعد الناس فى الدنيا والآخرة ؟ " قال : " إن خير الناس فى الدنيا
والآخرة ، من إذا رضى لم يحمله رضاه على الباطل وإذا سخط لم يخرجه
سخطه عن الحق ". وهذا وصف من نالوا كمال الاستقامة ، وذلك أن الرضا
بالباطل باطل ، والإغضاء عن الحق فى حال الغضب باطل ، ولا يكون
المؤمن مبطلاً.

وكان الحسين يناديه بعلىّ الأصغر ، وعندما قتل الحسين وأبناؤه فى كربلاء
لم يبق إلا علىّ ليهتم بنساء آل البيت ، وكان مريضاً وجئ بالنسوة عند يزيد
ابن معاوية – أخزاه الله – فى دمشق يركبن الجمال ، وقد نزع عنهن الحجاب .
فسئل : كيف أصبحتم يا علىّ ، ويا أهل بيت الرحمة ، فأجاب علىّ : " أصبحنا
من قومنا بمنزلة قوم موسى من آل فرعون ، يذبحون أبناءنا ، ويستحيون نساءنا
فلا ندرى صباحنا من مساءنا ، وهذا من حقيقة بلائنا ".

ويروى أن هشام بن عبد الملك بن مروان حج ذات سنة ، وأخذ يطوف بالبيت ،
حتى يقبل الحجر الأسود ، ولم يجد لذلك سبيلاً من شدة الزحام فصعد إلى
المنبر ، وألقى خطبة ، وحينذاك دخل زين العابدين علىّ بن الحسين رضى الله
عنه إلى المسجد ، بوجه أقمر ، وخد منور ، وثوب معطر ، وبدأ الطواف ، وحينما
اقترب من الحجر أخلى له الناس الطريق ، تعظيماً له حتى قبله ، وحينما رأى
رجل من أهل الشام ما حدث قال لهشام : " يا أمير المؤمنين ، إنهم لم يفسحوا
لك الطريق وأنت أمير ، فمن هذا الشاب حسن الوجه ، الذى أتى فتخلى كل
الناس عن الحجر ، وأخلوا له المكان ؟. فقال هشام : لا أدرى ، وكان هدفه
ألا يعرفه أهل الشام ، ولا ينضموا إليه ، أو يرغبوا فى إمارته ، وكان الفرزدق
الشاعر واقفاً قال : أنا أعرفه ، فقالوا : ومن هو يا أبا فراس ؟، أخبرنا ، فقد
رأينا شاباً ذا مهابة . فقال لهم : انصتوا حتى أصفه لكم ارتجالاً وقال :-


[poet font="Simplified Arabic,5,darkblue,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=200% align=right use=ex length=0 char="" num="0,black" filter=""]
هذا الذى تعرف البطحاء وطأته"="والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم"="هذا التقى النقى الطاهر العلم
هذا ابن فاطمة الزهراء ويحكم"="وابن الرضى على خيركم قدم
إذا رأته قريش قال قائلها"="إلى مكارم هذا ينتهى الكرم
ينمى إلى ذروة العز التى قصرت"="عن نيلها عرب الإسلام والعجم
من جده أفضل الأنبياء ومن"="فضل أمته دانت له الأمم
ينشق نور الدجى عن نور طلعته"="كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم
يكاد يمسكه عرفان راحته"="ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضى حياء ويغضى من مهابته"="فما يكلم إلا حين يبتسم
فى كفه خيزران ريحها عبق"="من كف أروع فى عرنينه شمم
مشتقة من رسول الله نبعته"="طابت عناصره والخيم والشيم
كلتا يديه غياث عم نفعهما"="يستو كفان ولا يعروهما العدم
عم البرية بالإحسان فانقشعت"="عنها الغيابة والإملاق والظلم
لا يستطيع جواد دَرْك غايتهم"="ولا يدانيهم قوم وأن كرموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت"="والأسد أسد الشرى والبأس يحتدم
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر"="وقربهم منجا ومعتصم
أن عد أهل التقى كانوا أئمتهم"="أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم .
[/poet]
وعلى هذا النسق مدحه ، وأهل بيت الرسول ؛ فغضب عليه هشام ،
وأمر أن يلقى فى سجن عسفان وهو مكان بين مكة والمدينة ، ونقل الخبر
كما هو إلى علىّ زين العابدين فأمر بأن يحملوا إليه اثنى عشر ألف درهم
وقال : " قولوا له يا أبا فراس نستمحيك العذر ، فنحن قوم مبتلون ، وليس
فى حوزتنا أكثر من هذا نرسله إليك ، فرد الفرزدق هذه العطية وقال : لقد
كذبت فى كثير من الأشعار ، شعرى فيك كفارة لبعضها ، لوجه الله وحب
الرسول وأبنائه ". وحينما حملت هذه الرسالة إلى زين العابدين قال :
ارجعوا وردوا إليه هذه العطية وقولوا : " يا أبا فراس إذا كنت تحبنا فلا
ترضى أن نرجع فيما أعطينا ، وما خـرج من ذمتنا ". وحينذاك أخـذ
الفرزدق العطية .
ومناقب ذلك السيد أكثر من أن يحدها حصر ، والله أعلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أغسطس 15, 2005 11:47 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


4-ومنهم وهو أيضاً حجة على أهل التقوى ، وبرهان على أرباب
المشاهدة ، إمام أولاد النبى ، ومختار نسل علىّ ، أبو جعفر
محمد بن علىّ ابن الحسين ، ويلقب بأبى عبد الله ؛ وكنيته الباقر .

وقد اشتهر بمعرفة غوامض العلم ، وتفسيراته الدقيقة لمعانى القرآن .

يحكى أن أحد الملوك أراد أن يقتله فاستدعاه ، وعندما جاءه الباقر التمس
الملك منه العفو ، ومنحه الكثير من الهدايا ، وأرجعه مكرماً . فلما سئل الملك
عن تصرفه هذا أجابه : حينما دخل على رأيت أسدين : أحدهما عن يمينه
والآخر عن يساره ، يهددانى بالقضاء على إن أنا ألحقت به أى سوء .

وفى شرحه للآية الكريمة : { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ } البقرة 256 –
يقول الباقر : " كل ما شغلك عن مطالعة الحق فهو طاغوت ". فانظر بأى شىء
أنت محجوب ، واعلم أن هذا الحجاب مانعك فهو حجابك وقل من يترك هذا
الحجاب إلا ويبلغ الكشف. فالمحجوب ممنوع ، ولا ينبغى للممنوع أن يدعى
القرب .

قال أحد أتباعه المخلصين أنه عندما انقضى جزء من الليل ، انتهى الباقر من دعائه
إلى الله ، وكان يبتهل إليه تعالى قائلاً : " إلهى وسيدى ، جاء الليل ، وتوقفت قوة
الملوك ، وهجع الناس ، وظهرت النجوم فى السماء ، ونام بنو أمية ، وأقفلوا
أبوابهم ، ووضعوا أمامها الحراس ، ونسى طلابهم حاجتهم ، وأنت الحى الباقى ،
البصير العليم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، ومن لا يدرك عنك ذلك غير خليق بكرمك ،
يا من لا يمنعك شىء عن شىء ، ولا ينال منك نهار أو ليل ، ومن فتحت أبواب رحمتك
لكل من ناداك ، وانهالت كنوزك على كل من دعاك . أنت لا ترد السائل ، وليس فى
وسع مخلوق – فى الأرض أو السماء – أن يمنع المؤمن بك ، الداعى لك ، عن أن
يصل إلى جنابك إلهى ، كيف أشعر بالسرور فى هذه الدنيا ، وأنا أذكر الموت والقبر
والحساب ؟، أسألك – وأنت الواحد الأحد – أن تمنحنى السلامة ساعة الموت ،
دون عذاب ، والسرور – ساعة الحساب – دون عقاب ". كان يقول هذا ويبكى ،
حتى قلت له ذات ليلة : أى سيدى ، وسيد آبائى ! حتام البكاء ، وعلام النواح ؟!
قال : أيها الصديق !، لقد فقد يعقوب ابناً واحداً فبكى حتى عمى وابيضت عيناه ،
وأنا فقدت ثمانية عشر شخصاً مع أبيهم – أى الحسين وقتلى كربلاء – وليس أقل
على فقدهم من أن تبيض عيناى .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أغسطس 16, 2005 11:45 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
5- ومنهم سيف السنة ، وجمال الطريقة ، ومعبر المعرفة ،
ومزين الصفوة ، أبو محمد جعفر الصادق رضوان الله
عليهم أجمعين .

وهو عالى الحال ، حسن السيرة ، جميل الظاهر ، ثرى السريرة . وله إشارات
جميلة فى كل العلوم . ويشتهر بين الصوفية بدقة حديثه ، وإدراكه للحقائق
الروحية ، وقد كتب عدداً من الكتب الشهيرة فى شرح التصوف .

يروى عنه أنه قال : " من عرف الله أعرض عن سواه " فالعارف يدير ظهره لغير
الله ، وينقطع عن متاع الدنيا ؛ ذلك أن معرفته جهل ، فالجهل جزء من معرفته ،
والمعرفة جزء من جهله . لهذا فإن العارف ينقطع عن البشر ، وعن التفكير
فيهم ، ويتصل بالله ، وليس للغير مكان فى قلبه يجعله يهتم بهم ، وليس
لوجودهم قيمة لديه بحيث يهتم بهم عقله .

يروى عنه أنه قال : " لا تصح العبادة إلا بالتوبة ، فقد قدم الله التوبة على
العبادة فى قوله تعالى : { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } التوبة 112 . فالتوبة أول مقام
فى هذا الطريق ، والعبادة آخر مقاماته . وعندما ذكر الله العاصين طالبهم
بالتوبة حيث قال : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً } النور31 . لكن عندما ذكر الرسول
أشار إلى عبوديته حيث قال :{ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى } النجم 10 .

وقد قرأت فى الأثر أن داود الطائى جاء إلى جعفر الصادق ، وقال : " يا ابن
رسول الله ! ، انصحنى ، فقد أظلم قلبى ! فأجابه جعفر : يا أبا سليمان ! أنت
شيخ عصرك ، فما لك بنصيحتى حاجة . فأجابه : يا ابن الرسول ! أنت من بيت
علو على سائر البشر ، وعليك أن تسدى النصح للجميع . فصاح جعفر : يا أبا
سليمان ! ، إنى أخشى أن يجىء جدى يوم الحساب ويمسك بى ويقول :
لماذا لم تف العهد ، وتترسم خطاى ؟ ليس هذا أمر يقوم على القربى
لمحمد ، بل على السلوك الطيب فى حضرة الحق ، فأجهش داود الطائى
بالبكاء وقال : يا إلهى ، إذا خامر الشك شخصاً عجنت طينته بماء النبوة ،
وجده رسول الله وأمه فاطمة البتول ، فمن أنا حتى تسرنى أعمالى ؟ ".

وقال جعفر ذات يوم لأتباعه : " تعالوا نتعاهد على أن يقوم من ينال منا
الخلاص يوم القيامة بالشفاعة للآخرين ، فقالوا له : يا ابن الرسول ! ، كيف
تحتاج الشفاعة ، وجدك الشفيع لكل الخلق ؟ فأجاب : إن أعمالى تجعلنى
أخجل من أن أنظر إلى جدى يوم القيامة ، وإن رؤية الشخص لأخطائه من
صفات الكمال ، وهى صفة يتميز بها من يصلون إلى الجنات العلى سواء
كانوا أنبياء أم أولياء أو رسل .

لقد قال رسول الله : ( إذا أراد الله بعبد خيراً يبصره بعيوب نفسه ، وعيوب
الدنيا ) ومن تواضع خضوعاً لله رفعه الله فى الدارين .

ولو أننى ذكرت أهل البيت بجملتهم ، وعددت مناقبهم واحداً واحدا ، فإن هذا
الكتاب لا يتسع لها بل لا يتسع لها حمل بعير من الكتب . وهذا المقدار يكفى
لهداية ذوى الإدراك من المريدين ومفكرى الطريقة .

وسأتحدث الآن – باختصار – عن أهل الصفة ، فقد تحدثت تفصيلاً عن كل واحد
منهم فى باب من كتاب " منهاج الدين " الذى ألفته قبل هذا الكتاب ، ويكفى
هنا أن أذكر اسماءهم وألقابهم ، حتى يحصل – أعزك الله – المقصود .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أغسطس 17, 2005 11:42 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435
[align=center]
الباب التاسـع

عن أهل الصفـة
[/align]

اعلم أن المسلمين جميعاً قد اتفقوا على أن عدداً من الصحابة لجأوا
إلى مسجد الرسول واشتغلوا بالعبادة ، تاركين الدنيا ، زاهدين فى
البحث عن وسائل العيش .

وقد عاتب الله رسوله من أجلهم حين قال تعالى : { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } الأنعام52. وقد أشاد بهم كتاب الله
وأشادت بهم أحاديث كثيرة وردت عن النبى عليه الصلاة والسلام وقد
ذكرنا طرفاً منها فى مقدمة الكتاب .

يروى عن ابن عباس رضى الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام وقف
على أهل الصفة ، فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال : " أبشروا
يا أصحاب الصفة فمن بقى من أمتى على النعت الذى أنتم عليه راضياً
بما هو فيه فأنه من رفقائى فى الجنة ".

وكان من أهل الصفة الداعى إلى حضرة الجبار ، ومختار الرسول المختار ،
بلال بن رباح ؛ وحبيب حبيب الله ، وموضع سر رسول الله ، سلمان الفارسى ؛
وقائد المهاجرين والأنصار ، والمتوجه لله الغفار ، أبو عبيدة بن الجراح ؛ ومختار
الصحاب ، وزينة عابدى رب الأرباب ، أبو اليقظان عمار بن ياسر ؛ وخزينة العلم ،
وكنز الحلم ، عبد الله بن مسعود ؛ وأخوه المتمسك ببلاط الخلافة والطاهر من
العيب والآفة ، عتبة بن مسعود ؛ وسالك طريق العزلة ، والمعرض عن عصائب
الذلة ، المقداد بن الأسود ؛ وراعى مقام التقوى ، والراضى بالبلوى خباب بن
الأرت ؛ وقاصد حظيرة الرضا ، وطالب اللقاء فى البقا ، صهيب ابن سنان ؛ ومدرج
السعادة ، وبحر القيادة ، عتبة بن غزوان ؛ وشقيق الفاروق ، والمعرض عن
الكونين والمخلوق ، زيد بن الخطاب ؛ وسيد المجاهدة ، فى طلب المشاهدة ،
أبو كبشة مولى النبى ؛ وأيضاً العزيز التائب ، والآيب من كل الخلق إلى الحق ،
أبو مرثد كنعان بن الحسين العدوى ؛ وأيضاً عامر طريق التواضع ، وخازن محجة
التقاطع ، سالم مولى حذيفة بن اليمان ؛ والخائف من العقوبة ، والهارب من
الطريق المخوفة عكاشة بن حصن ؛ وزين المهاجرين والأنصار ، وسيد بنى قار
مسعود بن الربيع القارى ؛ ومنهم الذى هو فى الزهد كعيسى ، وفى الشوق
كموسى ، أبو ذر جندب بن جنادة الغفارى . وحافظ أنفاس الرسول ، عبد الله
ابن عمر . ورباب الخيرات ، المقيم فى الاستقامة ، والمستقيم فى المتابعة ،
صفوان ابن بيضاء . وأيضاً صاحب الهمة فى الغمة ، أبو الدرداء عويمر بن عامر .
ومتعلق حضيرة الرضا ، مختار الرسول ، أبو لبابة بن عبد المنذر . وشرف كيمياء
الدين ، وصدف در التوكل ، عبد الله بن بدر الجهنى . ولو ذكرتهم جميعاً لأدى
ذلك إلى التطويل .

وقد كتب الشيخ أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمى ، مؤرخ الصوفية ،
ومفسر حكم شيوخها تاريخاً لأهل الصفة ، ذكر فيه فضائلهم ومزاياهم ،
وألقابهم وكناهم . وقد أضاف إليهم مسطح بن أثاثة بن عباد ، ولكنى أكره
ذلك ، لأنه أول من بدأ الافتراء على عائشة أم المؤمنين . ومن أهل الصفة
كذلك أبو هريرة وثوبان ومعاذ بن الحارث ، وسائب بن خلاد ، وثابت بن الوديعة
وأبو عيسى عويم بن ساعد ، وسالم بن عمير بن ثابت ، وأبو اليسر كعب
ابن عمر ، ووهب بن معقل ، وعبد الله بن أنيس ، وحجاج بن عمر الأسلمى
وكان لهم بين وقت وآخر تعلق بأسباب العيش ولكنهم كانوا فى مرتبة واحدة .

وكان الصحابة دون شك خير جيل وأفضل البشر ، إذ منحهم الله صحبة النبى
عليه الصلاة والسلام ، وحفظ قلوبهم من كل شر ، كما قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : ( خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ،
وقال الله تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } التوبة100 .

والآن أذكر بعض التابعين فى هذا الكتاب حتى تتم الفائدة وتتصل القرون
ببعضها إن شاء الله العزيز .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أغسطس 27, 2005 2:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء مارس 02, 2004 5:42 am
مشاركات: 1411
[align=center][fot]
يا فدا النبي المخلصة .. [/fot]هل يمكنني أن اعيد كتابة اسماء اهل الصفة بوصفهم الرائع الشيق , وهل من الممكن أن تزيدينا بكل أسمائهم فإن الامر ليس به تطويل ولكنه يا فدا النبي أسماء تبعث في النفوس والإحساس معني ومكنون التنوير والتبصير بهؤلاء البشر المنتخبين .
وأين أنت ؟[/align]

[fot]
يروى عن ابن عباس رضى الله عنه أن النبى عليه الصلاة والسلام وقف
على أهل الصفة ، فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال : " أبشروا
يا أصحاب الصفة فمن بقى من أمتى على النعت الذى أنتم عليه راضياً
بما هو فيه فأنه من رفقائى فى الجنة ".
[/fot]


[align=center]وكان من أهل الصفة الداعى إلى حضرة الجبار ، ومختار الرسول المختار ، بلال بن رباح ؛
وحبيب حبيب الله ، وموضع سر رسول الله ، سلمان الفارسى ؛
وقائد المهاجرين والأنصار ، والمتوجه لله الغفار ، أبو عبيدة بن الجراح ؛
ومختار الصحاب ، وزينة عابدى رب الأرباب ، أبو اليقظان عمار بن ياسر ؛
وخزينة العلم ، وكنز الحلم ، عبد الله بن مسعود ؛
وأخوه المتمسك ببلاط الخلافة والطاهر من العيب والآفة ، عتبة بن مسعود ؛
وسالك طريق العزلة ، والمعرض عن عصائب الذلة ، المقداد بن الأسود ؛
و راعى مقام التقوى ، والراضى بالبلوى خباب بن الأرت ؛
وقاصد حظيرة الرضا ، وطالب اللقاء فى البقا ، صهيب ابن سنان ؛
ومدرج السعادة ، وبحر القيادة ، عتبة بن غزوان ؛
وشقيق الفاروق ، والمعرض عن الكونين والمخلوق ، زيد بن الخطاب ؛
وسيد المجاهدة ، فى طلب المشاهدة ، أبو كبشة مولى النبى ؛
وأيضاً العزيز التائب ، والآيب من كل الخلق إلى الحق ، أبو مرثد كنعان بن الحسين العدوى ؛
وأيضاً عامر طريق التواضع ، وخازن محجة التقاطع ، سالم مولى حذيفة بن اليمان ؛
والخائف من العقوبة ، والهارب من الطريق المخوفة عكاشة بن حصن ؛
وزين المهاجرين والأنصار ، وسيد بنى قار مسعود بن الربيع القارى ؛
ومنهم الذى هو فى الزهد كعيسى ، وفى الشوق كموسى ، أبو ذر جندب بن جنادة الغفارى . وحافظ أنفاس الرسول ، عبد الله ابن عمر .
ورباب الخيرات ، المقيم فى الاستقامة ، والمستقيم فى المتابعة ، صفوان ابن بيضاء .
وأيضاً صاحب الهمة فى الغمة ، أبو الدرداء عويمر بن عامر .
ومتعلق حضيرة الرضا ، مختار الرسول ، أبو لبابة بن عبد المنذر .
وشرف كيمياء الدين ، وصدف در التوكل ، عبد الله بن بدر الجهنى . [/align]
[fot]ولو ذكرتهم جميعاً لأدى
ذلك إلى التطويل .
***
أذكريهم لنا الله يخليكي فإن ذكرهم شفاء
اللهم ارزقنا مرافقة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه وعلي آله
في الدنيا وفي الآخرة في جنان الخلد اللهم آمين
[/fot]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5 ... 7  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط