بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
نفحة حسينية
سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى أَحْمَدُ مُحَمَّد حِجَاب
(رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ)
• أشياخه: هو ابن سيدي أحمد البدوي روحيا، أما في الطريق فهو ابن السيد محمد الشريف بن السيد محمد الإدريسي بن السيد أحمد الإدريسي ابن السيد عبد الوهاب التاز بن السيد عبد العزيز الدباغ (صاحب الإبريز) بن الخضر بن رسول الله صلى الله عليه وسلم (طريقة)، ومن هنا فرضي الله عنه ليس بينه وبين حضرة الرسول إلا ستة من شيوخه طريقًا وإلا السيد أحمد البدوي روحيًا.
• ولد بقرية مناحريت التابعة لمحافظة الشرقية في 14 من يناير سنة 1892م، وبعد أن شب حفظ القرآن وجوده ثم حفظ (رضي الله عنه) جميع المتون والمصنفات الأزهرية التي تدرس في المرحلة الابتدائية والثانوية (قبل انتسابه للعلم) ثم انتسب للعلم بالجامع الأحمدي وعمره 9 سنوات، ولما دخل النظام في الأزهر سنة 1327هـ، انتظم في سلكه في السنة الثانية الابتدائي ثم أخذ العالمية النظامية في سنة 1337هـ، وكان ترتيبه بين عموم طلبة المعاهد هو السادس في العالمية النظامية والرابع في الشهادة الثانوية.
• وفي أول حضوره في السنة الثانية ابتدائي نظر إليه الشيخ عبد الدايم الشيمي، وقال متعجبًا سبحان الله سيكون لهذا الولد شأن عظيم، وكان الشيخ الشيمي معروفا بالصلاح ولم يبين ما هو الشأن العظيم الذي سيكون لهذا الولد.
• وتدرج (رضي الله عنه) في الدراسة حتى وصل إلى السنة الأولى بالقسم العالي، فعلم أن بعض العلماء وعلى رأسهم الشيخ الأحمدي الظواهري يترددون على ولي كبير من الأولياء يدعى السيد (محمد الشريف) رضي الله عنهم أجمعين، فشاقت نفسه إلى زيارته فذهب لزيارته مع زميل له فلما وقع بصره على الشيخ أحبه حبا عظيما كما أن الشيخ أيضا أحبه حبا عظيما، فكانت هذة الزيارة هي أول لبنة توضع في أساس الشأن العظيم الذي تحدث عنه الشيخ الشيمي من نحو سبع سنوات، ثم بعد هذه الزيارة دعاه الشيخ إلى أن يزوره في كل أسبوع مرة، ثم في كل أسبوع مرتين ثم في كل يوم مرتين في آخر حياته (رضي الله عنه)، وقد استغرق هذا 4 سنوات تلقى فيها عن الشيخ أورادا كثيرة يتقرب بذكرها إلي الله.
• ثم توفي الشيخ (محمد الشريف)، وقد عهد له بالطريق في كلمات قالها للشيخ أحمد:
"اخترتك من بين الأقارب والأباعد"، وقوله "الذي يُرضي أحمد يُرضيني"، وقوله "أخذت الطريق ممن هو أقل سنا من أولادي (يقصد السيد محمد الإدريسي الذي حضر إليه من بلاد المغرب ولقنه الاسم الأعظم (الله) ليَذكر به)، وسأعطيه لمن هو أقل سنا من أولادي (يعني الشيخ أحمد(".
• وقد عكف الشيخ أحمد على الذكر بهذه الأوراد التي تلقاها عن شيخه وأولاها عناية كبيرة في المواظبة عليها وأضاف إلى ذلك إحياء الليل كله بالصلاة يطيل القيام فيها حتى يحين الفجر كما كان واصل الصيام لا يفطر إلا في أيام العيدين وأيام التشريق ومكث على هذا الوضع قرابة 15 عاما، جنى بعدها ثمار هذه الطاعات وحصل على النتيجة المترتبة عليها، ثم وجد بعد ذلك أن يخص القرآن بعناية أكبر من الأوراد التي تلقاها عن شيخه فجعل لها الجزء الاكبر من وقته تقربا لله عز وجل وغير الوضع الأول، فجعل يحيي جزءا من الليل وينام جزءا واقتصر في صيام التطوع على الأيام التي فرضها الله وظل في هذا الوضع سنين حتى حان وقت النتائج، فقال عن هذا الموضوع سيدي أحمد (رضي الله عنه) في كتابه العظة والاعتبار :اعترضتني في الحياة مسألة ضاقت نفسي بها وعجزت تماما عن حلها وكان لهذه المسألة قصة طريفة استغرقت وقائعها أربعين عاما، وتتلخص هذة الوقائع في أني قضيت نصف هذة المدة تقريبا في أدعية وأذكار خاصة معروفة عند القوم، وقضيت النصف الآخر من هذه المدة في تلاوة القرآن كوسيلة لزيادة التقرب إلى الله تعالى، وكان لهذا الذكر وهذه التلاوة آثارهما ونتائجهما المترتبة عليهما، غير أني عندما حاولت أن أسير على مقتضى النتيجتين فوجئت بأن نظام السلوك يقتضي أن يكون السير إما على الطريقة الأولى أو الطريقة الثانية لأن القلب لا يتسع إلا لنتيجة واحدة فلابد للنتيجتين معا من رجل يحمل قلبين أو رجل يحمل قلبا واحدا صنعته قدرة تجمع بين الثلج والنار في إناء واحد، وكانت هذة أقسى مفاجأة عرفتها في حياتي لأن كلا النتيجتين بذلت فيهما الكثير من جهدي وطاقتي، ولأن كل واحدة منهما تُبذل في سبيلها الروح نفسها، تنازعتني بعد ذلك الآراء وتجاذبتني الأهواء فوقفت في مفترق الطريق، وأنا لا أقبل أن أختار ولا إن انحرف ذات اليمين ولا إن انحرف ذات اليسار، أسائل نفسي هل يتطور قلبي لمخلوق يجمع بين الثلج والنار؟، وهنا أسمع سيدي أحمد البدوي يقول "القرآن القرآن" يردد هذا اللفظ مرارا وتكرارا لأن القرآن متمسكه ولأنه كان يُعلن في حياته أن طريقته تدور على الكتاب والسنة.
• وقد ذكرنا هذا الكلام لنبين أن طريق الشيخ أحمد في العبادة أولًا كان أساسها الذكر على طريق شيخه في الطريقة السيد محمد الشريف، وآخرًا كان أساسها القرآن على طريقة شيخه الروحي السيد أحمد البدوي (رضي الله عنهما).
• وقد قال الشيخ رضي الله عنه: "ومفتاح الوصول إلى حضرة الحق هو ذكر اسم الله الأعظم (الله الله) كثيرا وبصفة مستديمة، ومفتاح الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو في التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله، فبتلاوة كتاب الله تعالى والعمل به وفي التمسك بالسنة تتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم اتصالا مباشرا لا يمنعك من مشاهدته حجاب وإذا اتصلت بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، سلكت مسلكه في معرفة ربه سلوكا منطبقا على أحكام القرآن وتعاليمه.
• وله من المؤلفات: كتاب العظة والاعتبار، وكتاب القطب النبوي وكلاهما عن السيد أحمد البدوي.
• المصدر: كتاب القطب النبوي، وهذا الجزء هو جزء من التعريف بالمؤلف الذي كتبه رضي الله عنه سيدي محمد صابر حجاب شقيقه.
• وقد قال سيدي أحمد حجاب رضي الله عنه في مقدمة كتابه العظة والاعتبار:
تَأَمَّلْ صُورَتِي تُوحِي بِصِدْقٍ
بِأَنَّ الْحَقَّ مَشْرَبُهَا الصَّرِيحُ
أَقُولُ الْحَقَّ لَا أَبْغِي سِوَاهُ
وَيَمْلَأُ قَلْبِيَ النُّصْحُ الصَّحِيحُ
وَأُبْدِي الرَّأْيَ لَا أَبْغِي انْتِصَارًا
لِغَيْرِ اللهِ إِنْ عَزَّ النَّصِيحُ
فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ فِي الْقَلْبِ مَثْوَى
وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وَضْعٌ صَحِيحُ
فَإِنْ شِئْتَ السَّلَامَةَ فَابْغِ قَوْلِي
يُعَبِّرُ عَنْهُ مَنْطِقُهُ الْفَصِيحُ
نفحة حسينية
عَلَا الْإِخْلَاصُ مِفْتَاحُ النَّوَالِ
وَمِعْرَاجٌ بِهِ رُقْيَا الْمَعَالِي
وَصِدْقُ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مَنْجَى
مِنَ الْمَكْذُوبِ فِي سَعْيٍ وَحَالِ
وَحُسْنُ الْخُلُقِ فِي التَّحْقِيقِ تَاجٌ
يُرَى بِرُؤُوسِ أَمْجَادِ الرِّجَالِ
***
وَأَهْلُ السَّهَرِ بِالْأَسْحَارِ تَزْهُو
نُجُومًا قَدْ أَضَاءَتْ بِالْمَجَالِ
وَمَا نَيْلُ الْمَقَامِ بِكَسْبِ عَبْدٍ
وَلَكِنْ فَيْضِ رَبٍّ ذِي جَلَالِ
قُصَارَى الْقَوْلِ لِلْأَقْدَارِ مَنْحٌ
تَجَلَّى فِي الْفُتُوحِ وَفِي النَّوَالِ
وَفَضْلُ اللهِ مَعْرُوفٌ بِسَبْقٍ
لِأَهْلِ الْوَصْلِ وَدَوَامِ اتِّكَالِ
تَزُولُ الْمُتَعُ وَالْأَطْمَاعُ تَمْضِي
وَتَسْمُو الرُّوحُ فِي غَيْرِ زَوَالِ
كَذَا الْأَجْسَادُ لِلْأَقْطَابِ تَبْقَى
يَفُوحُ الْمِسْكُ مِنْهَا فِي الْمَجَالِ
***
هُمُ الْأَضْوَاءُ إِنْ حَلَّ لَيْلٌ
وَعَمَّ ظَلَامُهُ قِمَمَ الْجِبَالِ
وَأَمْطَارٌ بِهَا إِحْيَاءُ أَرْضٍ
غَدَا الْإِنْبَاتُ فِيهَا كَالْمُحَالِ
***
إِلَى الْبَدَوِيِّ مَدْرَسَةٍ وَرَوْضٍ
وَكَهْفٍ لِلتَّعَبُّدِ وَالْوِصَالِ
رَحِيقُ الزَّهْرِ وَالشَّهْدِ أُسْقَى
وَأَهْنَأُ بِالْعُذُوبَةِ وَالزُّلَالِ
لِعُلْيَا مَقَامِ الشَّيْخِ أَصْعَدُ
وَأَذْكُرُ فِي اخْتِلَاءٍ وَنَوَالِ
وَأَسْمَعُ الْبَدَوِيَّ فِي الْإِرْشَادِ جَهْرًا
وَسِرًّا فِي وِدَادٍ وَجَمَالِ
وَمَنْ يَرْنُ إِلَى الْمَرْجِ يَعْشَقْ
بَهِيَّ الْوَرْدِ وَنَسِيمَ الظِّلَالِ
وَيَنْأَى سَالِكٌ لِلزَّيْغِ وَيَرْتَعُ
بِسَاحَاتِ الْمَفَاسِدِ وَالضَّلَالِ
***
وَأَفْوَاجُ الطَّيْرِ فِي الْأُفْقِ تَمْرَحُ
بِحَمْدِ اللهِ تَهْتِفُ وَالْجَلَالِ
بِحَضْرَةِ رَبِّنَا عُلِّمْتُ فَهْمًا
وَأَدَبًا نِلْتُ وَجَمِيلَ الْخِصَالِ
وَلُطْفًا بِالصَّغِيرِ وَأَهْلِ شَيْبٍ
وَأَيْتَامٍ وَثَكْلَى فِي اعْتِلَالِ
وَبِالْقُرْآنِ قَدْ آنَسْتُ قَلْبِي
لِيُشْرِقَ فِي ضِيَاءٍ مِنْ جَلَالِ
كِتَابُ اللهِ مَقْصِدُ كُلِّ دَاعٍ
إِلَى الْخَيْرَاتِ وَنَعِيمِ الْمَآلِ
وَمَا كُنْتُ بِتَارِكٍ سُنَنَ حِبٍّ
بَنَى لِلدِّينِ صَرْحًا فِي اكْتِمَالِ
أَبَانَ الشَّرْعَ نِبْرَاسًا وَهَدْيًا
بِتَيْسِيرٍ لِنَهْجٍ فِي اعْتِدَالِ
وَحُكْمُ الشَّرْعِ مِنْهَاجٌ لِرَبٍّ
تَنَزَّهَ عَنْ شَبِيهٍ أَوْ مِثَالِ
***
جَعَلْتُ دَوَامَ الصَّوْمِ دَرْبِي
لِصَفْوٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى التَّوَالِي
وَأَحْبَبْتُ الْقِيَامَ لِذِكْرِ رَبِّي
أُجَافِي النَّوْمَ فِي ظُلَمِ اللَّيَالِي
***
بِبَحْرِ السَّهْوِ وَالْغَفَلَاتِ غَرِقَتْ
نُفُوسٌ غَطَّهَا مَوْجُ الْأَعَالِي
وَكَمْ حَمِدَتْ نُفُوسٌ ضِيقَ عَيْشٍ
وَسَعِدَتْ بِكَفَافٍ مِنْ حَلَالِ
***
وَبِالْإِحْسَانِ كَمْ عَامَلَنِي رَبِّي
بِعَفْوٍ عَنْ تَبَاعُدٍ عَنْ كَمَالِ
لِذَنْبِي أَسْتَغِيثُ بِكَرَمِ رَبٍّ
تَجَلَّى رَاحِمًا لِكَسِيرِ حَالِ
***
وَأَبْصَرْتُ الرَّسُولَ بِعَيْنِ قَلْبِي
فَزَادَ الشَّوْقُ لِرَفِيعِ الْجَمَالِ
وَبَاتَ تَعَلُّقِي بِالْآلِ فَرْضًا
أُرَاعِيهِ فِي حِلٍّ وَارْتِحَالِ
أُدَاوِي الْقَلْبَ بِالْأَحْبَابِ وَصْلًا
وَشَوْقًا أَفْتَدِيهِ بِكُلِّ غَالِ
وَكَمْ فَاضَ الْإِلَهُ عَلَيَّ كَرَمًا
تَعَالَى عَنْ حَقِيقَةٍ أَوْ خَيَالِ
فَذَاكَ الْأَمْرُ مَكْنُونٌ وَسِرٌّ
تَخَفَّى عَنْ عُقُولٍ فِي عِقَالِ
***
صَلَاةُ اللهِ وَالتَّسْلِيمُ يَسْرِي
عَلَى هَادٍ إِلَى خَيْرِ الْخِصَالِ
وَآلٍ وَصَحْبٍ بَاتُوا نُجُمًا
تَعَالَتْ بِالضِّيَاءِ فِي جَمَالِ
مَا رَحَلَ لَيْلٌ وَأَقْبَلَ فَجْرٌ
وَهَطَلَ غَيْثٌ بِسَفْحِ الْجِبَالِ
***
(وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ)
كتبها الفقير إلى الله تعالى
محمد محمد بيومي
جمادى الثانية 1432 هـ
مايو 2011 م