اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm مشاركات: 5435
|
10 – ومنهم أمير الأمراء ، وسالك طريق اللقاء أبو اسحق إبراهيم بن أدهم بن منصور ، كان فريداً فى طريقه ، كبير معاصريه ، ومن مريدى الخضر عليه السلام .
قابل عدداً كبيراً من رجال الصوفية ، واتصل بالإمام أبى حنيفة ، ومنه تعلم العلم . كان فى صدر حياته أميراً على بلخ ؛ وذهب ذات يوم للصيد ، وجرى وحده يقتفى أثر غزال ، فجعل الله الغزال يخاطبه بلسان فصيح ، ويقول له : " ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ؟ ، فتاب وترك كل شئ ، ودخل طريق الزهد والتصوف واتصل بالفضيل بن عياض وسفيان الثورى .
ولم يأكل بعد توبته طعاماً إلا ما كان قد كسبه بعمله . وله أقوال فى التصوف بديعة رائعة ، وقد قال الجنيد عنه " إبراهيم مفتاح العلوم " ، ويروى عنه أنه قال : " اتخذ الله صاحباً وذر الناس جانباً ". يعنى أنه إذا اتجه الشخص إلى الله بحق وإخلاص ، فإن صدق اتجاهه إلى الله ، يقتضى أن يدير ظهره للبشر ، طالما كانت صحبة البشر لا شأن لها بالله . صحبة الله هى الإخلاص فى اتباع أوامره . وينبع الإخلاص فى العبادة من صفاء المحبة ، وينتج الصفاء فى محبة الله من بغض المرء للرغبة والشهوة فمن ارتبط بشهوته ابتعد عن الله ، ومن ابتعد عن شهوته اقترب منه سبحانه . لهذا فأنت العالم كله بالنسبة لنفسك ، فابتعد عن نفسك تبتعد عن البشر ، وأنت تخطئ إذا ابتعدت عن البشر ، واتجهت إلى نفسك واهتممت بها ، رغم أن أعمال البشر مقدرة ، سبق أن سطرها الله .
وتقوم الاستقامة الظاهرة والباطنة للفرد على أمرين اثنين : أحدهما نظرى ، والآخر عملى . والأساس النظرى يعتبر كل خير وشر مقدر من الله ، بحيث لا يتحرك شئ أو يسكن ، إلا وتكون حركته وسكونه من الله . أما الأساس العملى فيقوم على تنفيذ أوامر الله ، وصحة العمل له سبحانه ، واتباع ما ألزمنا باتباعه . ولا يجب أن نحتج بالقدر لإهمال أمر الله .
ولا يتم التخلى الصحيح عن البشر ، إلا إذا تخليت عن نفسك . وما أن تتخلى عن نفسك حتى يصبح سائر البشر ضروريين لتنفيذ إرادة الله ، وما أن تتجه إلى الله حتى تصبح ضرورياً لتنفيذ إرادته تعالى .
ولهذا فليس لك أن ترضى عن الخلق ، فإذا رضيت عن شىء غير الله ، فارض على الأقل عن الغير ، إذ أن رضاك عن الغير هو أن ترى التوحيد ؛ بينما رضاك عن نفسك هو أن تؤكد التعطيل .
ولهذا السبب كان الشيخ أبو الحسن سالبه يقول : أنه من الخير للمريد أن يسيطر عليه سنور من أن تسيطر عليه نفسه ، ذلك لأن صحبته للآخرين تكون من أجل الله ، أما صحبته لنفسه فإنها تزيد من شهواته . وسنناقش هذا المرضوع فى مكانه المناسب .
ويروى إبراهيم بن أدهم القصة التالية : عندما وصلت إلى الصحراء جاءنى رجل مسن وقال لى : يا إبراهيم ! أتعلم أى مكان هذا ؟. وأين تسير على قدميك دون طعام ؟. فعرفت أنه الشيطان ، وأخرجت من جيبى أربعة دوانق ، ثمن سلة كنت قد بعتها فى الكوفة ، وألقيت بالدوانق بعيداً ، ثم أقسمت أن أصلى أربعمائة ركعة ، عن كل ميل قطعته ، ومكثت فى الصحراء أربع سنين ، كان الله يرزقنى خلالها دون حول منى . وصاحبنى الخضر فى هذه الفترة ، وعلمنى اسم الله الأعظم ، وعندئذ خلا قلبى تماماً من الغير .
وله مناقب كثيرة ، وبالله التوفيق .
|
|