موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد سبتمبر 25, 2005 9:53 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

10 – ومنهم أمير الأمراء ، وسالك طريق اللقاء أبو اسحق
إبراهيم بن أدهم بن منصور
، كان فريداً فى طريقه ،
كبير معاصريه ، ومن مريدى الخضر عليه السلام .


قابل عدداً كبيراً من رجال الصوفية ، واتصل بالإمام أبى حنيفة ، ومنه تعلم
العلم . كان فى صدر حياته أميراً على بلخ ؛ وذهب ذات يوم للصيد ،
وجرى وحده يقتفى أثر غزال ، فجعل الله الغزال يخاطبه بلسان فصيح ،
ويقول له : " ألهذا خلقت أم بهذا أمرت ؟ ، فتاب وترك كل شئ ، ودخل
طريق الزهد والتصوف واتصل بالفضيل بن عياض وسفيان الثورى .

ولم يأكل بعد توبته طعاماً إلا ما كان قد كسبه بعمله . وله أقوال فى التصوف
بديعة رائعة ، وقد قال الجنيد عنه " إبراهيم مفتاح العلوم " ، ويروى عنه أنه
قال : " اتخذ الله صاحباً وذر الناس جانباً ". يعنى أنه إذا اتجه الشخص إلى
الله بحق وإخلاص ، فإن صدق اتجاهه إلى الله ، يقتضى أن يدير ظهره للبشر ،
طالما كانت صحبة البشر لا شأن لها بالله . صحبة الله هى الإخلاص فى اتباع
أوامره . وينبع الإخلاص فى العبادة من صفاء المحبة ، وينتج الصفاء فى محبة
الله من بغض المرء للرغبة والشهوة فمن ارتبط بشهوته ابتعد عن الله ، ومن
ابتعد عن شهوته اقترب منه سبحانه . لهذا فأنت العالم كله بالنسبة لنفسك ،
فابتعد عن نفسك تبتعد عن البشر ، وأنت تخطئ إذا ابتعدت عن البشر ،
واتجهت إلى نفسك واهتممت بها ، رغم أن أعمال البشر مقدرة ، سبق
أن سطرها الله .

وتقوم الاستقامة الظاهرة والباطنة للفرد على أمرين اثنين : أحدهما نظرى ،
والآخر عملى . والأساس النظرى يعتبر كل خير وشر مقدر من الله ، بحيث
لا يتحرك شئ أو يسكن ، إلا وتكون حركته وسكونه من الله . أما الأساس
العملى فيقوم على تنفيذ أوامر الله ، وصحة العمل له سبحانه ، واتباع ما
ألزمنا باتباعه . ولا يجب أن نحتج بالقدر لإهمال أمر الله .

ولا يتم التخلى الصحيح عن البشر ، إلا إذا تخليت عن نفسك . وما أن تتخلى
عن نفسك حتى يصبح سائر البشر ضروريين لتنفيذ إرادة الله ، وما أن تتجه إلى
الله حتى تصبح ضرورياً لتنفيذ إرادته تعالى .

ولهذا فليس لك أن ترضى عن الخلق ، فإذا رضيت عن شىء غير الله ، فارض
على الأقل عن الغير ، إذ أن رضاك عن الغير هو أن ترى التوحيد ؛ بينما رضاك
عن نفسك هو أن تؤكد التعطيل .

ولهذا السبب كان الشيخ أبو الحسن سالبه يقول : أنه من الخير للمريد أن
يسيطر عليه سنور من أن تسيطر عليه نفسه ، ذلك لأن صحبته للآخرين
تكون من أجل الله ، أما صحبته لنفسه فإنها تزيد من شهواته . وسنناقش
هذا المرضوع فى مكانه المناسب .

ويروى إبراهيم بن أدهم القصة التالية : عندما وصلت إلى الصحراء جاءنى
رجل مسن وقال لى : يا إبراهيم ! أتعلم أى مكان هذا ؟. وأين تسير على
قدميك دون طعام ؟. فعرفت أنه الشيطان ، وأخرجت من جيبى أربعة دوانق ،
ثمن سلة كنت قد بعتها فى الكوفة ، وألقيت بالدوانق بعيداً ، ثم أقسمت
أن أصلى أربعمائة ركعة ، عن كل ميل قطعته ، ومكثت فى الصحراء أربع
سنين ، كان الله يرزقنى خلالها دون حول منى . وصاحبنى الخضر فى هذه
الفترة ، وعلمنى اسم الله الأعظم ، وعندئذ خلا قلبى تماماً من الغير .

وله مناقب كثيرة ، وبالله التوفيق .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين سبتمبر 26, 2005 11:07 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

11- ومنهم سر المعرفة ، وتاج أهل المعاملة ، بشر بن
الحارث الحافى
. كان له فى المجاهدة شأن كبير ، وفى
المعاملة حظ كامل ، لحق بصاحبه الفضيل . كان مريداً لخاله
على بن خشرم ، وكان متفقهاً فى أصول العلوم وفروعها .

وكانت توبته على النحو الآتى : كان يسير فى الطريق يوماً وهو سكران ،
فوجد ورقة مكتوباً عليها " بسم الله الرحمن الرحيم " ، فالتقطها باحترام ،
وعطرها ووضعها فى مكان نظيف ، وفى نفس الليلة رأى فيما يرى النائم
أن الله تعالى يقول له : " يا بشر لقد طيبت اسمى ، وأقسم بعزتى !
لأطيبن اسمك فى الدنيا والآخرة ، حتى لا يسمع أحد اسمك إلا وأحس
بالراحة فى روحه . وتاب منذ ذلك الوقت ، وسلك طريق الزهد .

وكان من شدة استغراقه فى المشاهدة ، لا يلبس حذاء ، وعندما سئل
عن ذلك قال : إن الأرض بساطه تعالى ، وأرى من الخطأ أن أطأ بساطه ،
وهناك ما يفصل قدمى عن البساط ، وأن تكون بينى وبين الأرض واسطة .
وكان هذا أحد أعماله الغريبة . فهو فى جمع همته فى الله ، يعتبر الحذاء
حجاباً بينه وبين الله .

ويروى أنه قال " من أراد أن يكون عزيزاً فى الدنيا ، شريفاً فى الآخرة
فليتجنب ثلاثاً : لا يسأل أحداً حاجة ، ولا يذكر أحداً بسوء ، ولا يجب أحداً
إلا طعامه ". إن من يعرف الله لا يسأل أحداً من خلقه عطاء ، إذ أن قيامه
بذلك برهان على جهله بالله .

فلو كان عالما بقاضى الحاجات لما سأل أحداً من البشر ، لأن " استعانة
المخلوق بالمخلوق كاستعانة المسجون بالمسجون ". أما من يغتاب الغير
فهو ينتقد إرادة الله ، إذ أن الشخص وأفعاله من خلق الله ، وعلى من يقع
اللوم إذا لم يقع على الفاعل الحقيقى ؟. ولا ينطبق هذا بطبيعة الحال
على الذم الذى أمرنا الله أن نذم به الكافرين .

أما بالنسبة لقوله " لا تقبل دعوة إلى طعام من أحد " فسببه أن الله هو
الرازق ، وإذا سخر لك شخصاً وجعله وسيلة لإعطائك الطعام ، فلا تنظرن
إلى هذا الشخص ؛ بل اعتبر الطعام الذى أرسله الله إليك طعام الله لا
طعامه ، وإذا ظن أنه طعامه وأنه منَّة منه فلا تقبل طعامه ، وذلك أنه فى
الرزق لا منة لأحد على أحد .

فالطعام فى نظر أهل السنة غذاء ، وإن كان فى نظر المعتزلة ملك الخلق
فالله هو الذى يعطى الإنسان طعامه.

وقد يفهم قوله هذا على نحو آخر إذا أخذ مجازاً والله أعلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 27, 2005 12:12 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

12– ومنهم فلك المعرفة ، ملك المحبة ، أبو يزيد طيفور
بن عيسى البسطامى
. كان من أجلة المشايخ حالاً ،
وأعظمهم شأناً إلى درجة أن الجنيد قال عنه :
" أبو يزيد منا بمنزلة جبريل من الملائكة ".

كان جده مجوسياً ، ووالده من أعيان بسطام وله روايات عالية لأحاديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو أحد أئمة الصوفية العشرة ،
ولم يسبقه أحد فى معرفة غوامض هذا العلم . وكان مؤلها بالعلم
الإلهى ، ومتمسكاً بالشريعة السمحاء ، بعيداً عن مظان الشبه التى
نسبها إليه أهل الباطل تدعيماً لبدعهم .

وكانت حياته منذ البداية تقوم على مجاهدة نفسه ، وكثرة التعبد .
روى أنه قال : " عملت فى المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً
علىّ أشد من العلم ومتابعته ، ولولا اختلاف العلماء لبقيت ، واختلاف
العلماء رحمة إلا فى تجريد التوحيد " . وهذه حقيقة واضحة لأن الجبلة
الإنسانية ميالة إلى الجهل أكثر منها إلى العلم ، فلذلك من السهل أن
تقوم بأعمال كثيرة عن جهل ، ولكن ليس من السهل أن تخطو خطوة
واحدة بمعرفة ، وطريق الشرع الشريف أدق وأحد من الصراط فى
الدار الآخرة ، لذلك فإنه يجب عليك أيها السالك فى كل أحوالك أن
تقتدى بالشرع الشريف – وإن لم تنل درجة عالية ، أو مقاماً كاملاً ،
فإنك على كل حال تسقط فى وسط دائرته ، وكفى بذلك شرفاً أن
يبقى معك عملك الموفق . وإن نلت كل شىء وأهملت الشرع ،
لم تنل شيئاً . وقد أظهر ذلك كل أرباب اللسان للشرع ن وإهمال
هذا الاقتداء من أضر ما يكون على المريد .

قال أبو يزيد " الجنة لا خطر لها عند أهل المحبة ، وأهل المحبة محجوبون
بمحبتهم ". يعنى بذلك رضى الله عنه أن الجنة مخلوقة بينما الحب صفة
قائمة بذات الله تعالى ؛ وكل من حجب بشىء مخلوق عن القديم فإنه
خلو من كل فائدة . والعشاق محجوبون بعشقهم ، لأن وجود العشق
يقتضى المثنوية التى تتنافى مع التوحيد ، وطريق أهل المحبة هو زمن
الواحد للواحد .

وقد يوجد بهذا المشهد نقص أيضاً ، لاحتياجه إلى مريد ومراد ، فأما أن يكون
الله سبحانه وتعالى فى كلا الحالين مريداً أو مراداً ؛ أما فى الحالة الأولى
فوجود الإنسان محقق بإرادة الله ، ولكن إذا كان الإنسان هو المريد والله
سبحانه وتعالى هو المراد ، فعمل العبد وإرادته وبحثه لا تمكنه من الوصول
إليه ، وحيث أن علة الإيجاد فى كلتا الحالتين تبقى فى العاشق ، لذلك
ففناء المحب مع دوام المحبة أكمل من بقائه مع دوام المحبة .

يروى أن أبا يزيد قال حججت مرة فرأيت البيت قائماً ، فقلت فى نفسى :
لم تقبل حجتى ، لأنى أرى كثيراً من أمثال هذه الحجارة ، ثم حججت أخرى
فرأيت البيت وصاحبه ، فقلت : ليس هذا بالتوحيد الكامل . ثم حججت ثالثة ،
فوجدت رب البيت ، فنوديت من قلبى : أى أبا يزيد لو لم تر نفسك لم تشرك
وإن كنت قد رأيت الكون كله ، وحيث قد رأيت نفسك فقد أشركت ، وإن كنت
قد عميت عن الكون كله . فتبت عن ذلك ، وتبت بعد ذلك عن توبتى ، ثم تبت
عن النظر إلى وجودى . هذه حكاية دقيقة تدلك على كمال حاله وتبين لك
دقائق أرباب الأحوال .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 28, 2005 9:59 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

13 – ومنهم إمام الفنون ، وعين الظنون ، أبو عبد الله الحارث
بن أسد المحاسبى
، رضى الله عنه .

كان عالماً بأصول وفروع هذا العلم ، وكانت كلمته حجة عند صوفيى زمانه ،
وقد ألف كتاباً أسماه " الرعاية لحقوق الله " فى أصول الصوفية ، وكتباً
كثيرة أخرى . وكانت له معرفة عالية فى مختلف العلوم ، ذو ذكاء مفرط ،
وكان شيخ بغداد فى زمانه .

روى أنه قال : " العلم بحركات القلوب ، فى مطالعة الغيوب ، أشرف من
العمل بحركات الجوارح " يعنى أن من كان ملماً بأسرار القلوب ، أشرف
ممن يعمل بحركات جوارحه ، وذلك لأن المعرفة هى محل الكمال ، بينما
الجهل هو محل البحث . والمعرفة وأنت فى الدار خير من الجهل وأنت
بالباب ، والمعرفة توصل الإنسان إلى الكمال ، بينما الجهل لا يمكن
الإنسان من الدخول إلى طريق الكمال . وفى الحقيقة فالعلم أكبر
من العمل ، لأن من الممكن أن نعرف الله بالعلم ، ولكنه من المستحيل
أن نصل إليه بالعمل ، ولو كان من الممكن الوصول إليه بالعمل بلا علم ،
لكان الرهبان فى أديرتهم أحق بأن يروه وجهاً لوجه ، ولحرم عصاة المؤمنين
من مشاهدته ؛ لذلك فالمعرفة صفة ربانية ، والعمل صفة إنسانية .

وبعض الرواة أخطأوا هذا القول بقراءته " العمل بحركات القلوب " وهذا غير
صحيح ، حيث أن الأعمال البدنية ليست لها صلة بحركات القلوب . وإذا كان
المؤلف يقصد بتعبيره هذا المراقبة والمشاهدة واستحضار المعانى الباطنية ،
فهذا أمر ليس بغريب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( تفكر
ساعة خير من عبادة ستين سنة ) . والأعمال الروحانية هى فى نفس الأمر
أكمل من الأعمال البدنية ، إذ أن النتيجة التى تحصل منها أتم من النتيجة التى
تحصل من أعمال الجوارح ، لذلك فقد قيل " نوم العالم عبادة ، وسهر الجاهل
معصية " لأن قيام الجاهل خطيئة ، ونوم العارف قربة ، وذلك لأن قلب العارف
بيد الله إذا نام أو قام ، ومتى صار القلب مملوكاً صار الجسم مملوكاً بالأولى ،
وبهذا فالقلب المملوك بالله خير من الجزء الحسى المؤثر فى الإنسان ، الحاكم
على جميع أعماله الظاهرية ؛ وأعمال مجاهدة نفسه . يروى أن الحارث قال
ذات يوم لدرويش " كن لله وإلا فلا تكن " يعنى إما أن تكون باقياً بالله أو تكون
معدوماً بنظرك ، وإما أن تكون جامعاً فى صفوتك ، فارقاً بفقرك ، وأما أن تكون
فى الحالة التى وصفها الله بقوله ( اسْجُدُواْ لآدَمَ ) البقرة34 ، وفى الحالة
الموصوفة بقوله تعالى ( هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن
شَيْئاً مَّذْكُوراً ) الإنسان1 . فإذا أعطيت نفسك لله عن بيع خالص قامت
قيامتك فى نفسك ، وإلا فستقوم قيامتك على يد الله تعالى ، وهذا
معنى لطيف والله أعلم بالصواب .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 29, 2005 10:20 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


14 – ومنهم الإمام المعرض عن الخليقة ، الممتنع عن طلب
الرياسة ، المنقطع عن الخلق بالعزلة والقناعة ، من لا نظير
له فى زمانه ، أبو سليمان داود بن نصير الطائى ، من أكبر
شيوخ أهل التصوف .

كان تلميذاً لأبى حنيفة ، ومعاصراً للفضيل ، وإبراهيم بن أدهم .
وكان مريداً لحبيب الراعى فى التصوف ، وملماً بجميع العلوم ،
سابقاً فى فن الفقه ، ولكنه ذهب إلى العزلة ، والتفت عن
الشهرة ، واتبع طريق الزهد والتقوى .

يروى أنه قال لأحد تلامذته " إذا أردت السلامة فسلم على الدنيا ،
وإذا أردت الكرامة فكبر على الآخرة ". فكلا هذين المكانين حجاب
يحجبانك عن النظر إلى الله . وكل أنواع التخلى مبنية على هذين
الحكمين ، فمن كان يحب أن يتخلى فليعط ظهره للدنيا ، ومن أحب
أن يفرغ قلبه لله فليخلص من كل رغبة فى الدار الآخرة .

ومن المشهور أن داود كان يحب أن يجتمع دائماً بمحمد بن الحسن ،
وكان لا يحب القاضى أبا يوسف ، ولما سئل عن ذلك أجاب : أن محمد
بن الحسن تصوف بعد أن صار غنياً ، وتصوفه كان السبب فى تقدمه
فى الدين والزهد فى الدنيا ، أما أبو يوسف فقد تصوف بعد أن افتقر
واعسر ، وجعل التصوف وسيلة لنيل الثروة والشهرة . ويروى أن
معروف الكرخى قال : " لم أر أحداً احتقر الدنيا ، واستصغر متاعها ،
كما استصغرها داود الطائى ؛ فالدنيا وأهلها لا تساوى فى نظره
جناح بعوضة . وكان يحترم الفقراء ويجلهم وإن كانوا فاسدين ".



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت أكتوبر 01, 2005 11:49 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

15 – ومنهم شيخ أهل الحقائق ، المنقطع عن جملة العلائق ،
أبو الحسن سرى بن المفلس السقطى .

كان خال الجنيد رضى الله تعالى عنه ، وكان متبحراً فى جميع العلوم ،
ذا شأن عظيم فى التصوف . وهو أول من أوقف نفسه على ترتيب
المقامات وبسط الأحوال . وشيوخ العراق كلهم تلاميذه . وقد رأى
حبيباً الراعى ، واجتمع به . وكان مريداً لمعروف الكرخى ، وكان يتجر
بالسلع الصغيرة فى سوق بغداد فلما احترق السوق قيل له : " إن
حانوتك قد احترق ". فقال : " إذا فقد تخلصت من الاشتغال به " وبعد
ذلك وجد أن كل الحوانيت المجاورة لحانوته قد احترقت إلا حانوته ، فخرج
عنه للفقراء والمساكين ، واتبع طريق الصوفية .

وقد سئل : " كيف أقبلت على الله ؟ " فقال : مر على حبيب الراعى
ذات يوم ، وأنا بدكانى فأعطيته قطعة من الخبز وقلت له : تصدق بها
على الفقراء فقال لى : جزاك الله خيراً ، وقد استجيبت دعوته ، إذ لم
تنجح أعمالى الدنيوية بعد هذا قط .

يروى أن السرى قال :" اللهم ما عذبتنى بشىء فلا تعذبنى بذل الحجاب ".
يعنى ما قدرت على العقاب بأن تحجبنى عنك لأنك إذا كاشفتنى هان عذابى
بمشاهدتك ورؤية جنابك العلى ، وإذا احتجبت عنى فلذتى تصبح ألماً ووبالاً
على ، ولا يوجد عقاب فى جهنم آلم وأشد من الحجاب عنك ، فلو ظهر الله
فى النار لأهل النار لما اهتم عصاة المسلمين بالجنة ، حيث أن النظر إليه
ينسيهم الآلام الجسمانية ، ولا نعيم فى الجنة أكمل من كشف حجابه وإذا
كان أهلها يتمتعون بكل ملاذها وأضعاف ذلك مائة مرة مع احتجابهم عن الله ،
فأن قلوبهم تنفطر أسى وحزناً ؛ لذلك فإن سنة الله تعالى فى أحبابه أن يمتع
قلوبهم بدوام النظر إليه ، حتى يتغلبوا بتلك البهجة على كل شدة ، وكل دعائهم
لا يخرج عن أن كل ألم أحب إليهم من أن يحجب عنهم ، فإذا انكشف جماله
لقلوبهم فإنهم لا يشعرون بأى ألم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 02, 2005 12:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

16 – ومنهم قائد أهل البلوى ، ومادة الزهد والتقوى ،
أبو على شقيق ابن إبراهيم البلخى . كان عالماً بعلوم
الشريعة ، والمعاملات والحقيقة وقد ألف كتباً عديدة فى
التصوف واجتمع بإبراهيم بن أدهم وكثير من المشايخ .

يروى أنه قال : " جعل الله أهل طاعته أحياء فى مماتهم وأهل المعاصى
أمواتاً فى حياتهم " فالأتقياء أحياء وإن ماتوا ، وذلك لثناء الملائكة عليهم
لطاعتهم إلى أن ينالوا الخلود بما ينالونه من الثواب يوم القيامة ، فهم فى
فناء الموت باقون ببقاء الله .

يروى أنه أتاه رجل مسن فقال له : يا شيخ ! أنى أذنبت كثيراً ، وأحب أن
أتوب من ذنوبى قال له شقيق : لقد أتيت متأخراً ، فقال له الرجل لا ولكنى
أتيت من قريب ، لأنه من تاب قبل موته فقد أسرع فى توبته .

هذا وأن سبب إقبال شقيق على الله تعالى ، أنه حدث فى بلخ جدب ، أكل
الناس بعضهم بعضاً فيه وأصاب المسلمين شدة ، فرأى شقيق شاباً يضحك
ويبتهج فى السوق ، فقال له الناس أما تستحى من ضحكك مع حزن الناس ؟
فقال لهم الشاب أن سيدى ، الذى يملك قرية ، قد أعفانى من الاشتغال
بمعيشتى . فقال شقيق : اللهم أن هذا الشاب لم يشتغل بهم معيشته ،
لأن له سيداً يملك قرية واحدة ، وهو مسرور بذلك ، وأنت ملك الملوك ، وقد
تكفلت بأرزاقها ، ولكن قلوبنا قد امتلأت حزناً بإنشغالها بحطام الدنيا ، اللهم
فخلص قلوبنا إليك . فرجع إلى الله واتبع طريقة الصوفية ، ولم يشتغل بعد
بقوت يومه . وكان يفتخر بعد ذلك ويقول " لقد تتلمذت على شاب ، وتلقيت
كل ما أنا فيه عنه ". وهذا يدلك على صدق تواضعه وله مناقب كثيرة
والله أعلم .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 03, 2005 12:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


17 – ومنهم شيخ زمانه ، المجرد فى طريق الحق ، أبو سليمان
عبد الرحمن ابن عطية الدارانى
.


كان شهيراً عند أهل عصره ، وقد لقبوه بريحانة القلوب ، وامتاز بشدة
تقشفه ، وانشغاله بمجاهدة نفسه وكان عالماً بعلم الوقت ، وخفيات
النفوس ودسائسها ، وكانت له فراسة شديدة فى أمراضها ، وله عبارات
دقيقة فى المجاهدة ، والمراقبة بالقلب والجوارح .

ويروى أنه قال : " إذا غلب الرجاء على الخوف فسد الوقت " لأن الوقت
هو المحافظة على الحال ، الذى يبقى بدوام الخوف . ومن وجه آخر
إذا غلب الخوف على الرجاء فقد التوحيد ، لأن شدة الخوف بسبب اليأس
والقنوط من روح الله شرك . لذلك فكمال التوحيد بالرجاء الحقيقى ،
وإثبات الوقت بالخوف الحقيقى ، وأكمل الحالات أن يكون الخوف والرجا
متساويان لأن التوحيد يجعل الإنسان مؤمناً ، والوقت يجعله متقياً ،
كما أن الرجاء متصل بالمشاهدة ، التى يحصل بها كمال الاعتقاد ،
والخوف متصل بالمجاهدة التى ينتج عنها الإضطراب ، فالمشاهدة
نتيجة المجاهدة ، وعلى ذلك فكل رجاء يحصل بعد الخوف ؛ وذلك لأنه
إذا حصل للإنسان خوف مما هو آت ، بسبب أعماله فهذا الخوف يدله
على طريقة النجاة والسعادة الأبدية ، ويفتح أمامه باب الفرج ويخلص
قلبه من الحظوظ النفسية ، ويكشف له غوامض الأسرار الإلهية .
قال أحمد بن أبى الحوارى : " تهجدت ذات يوم فشعرت بفرح لذلك
العمل ، فعرضت حالتى من الغد على أبى سليمان ، فقال لى إنك
لرجل ضعيف الإرادة ، من حيث تضع الناس فى اعتبارك ، ولهذا فإنك
تجد نفسك فى خلوتك غيرها فى علنك ، فليس فى الدارين ما يجعلك
تنأى عن الله ، فالعروس إذا جليت أمام الناس ، إنما يراد بذلك أن
يشهدها الحاضرون ، لتزداد احتراماً وقبولاً ، ولكنه ليس من اللائق لها
أن ترى إلا بعلها ، حتى أنها لتحزن إذا رأت شخصاً آخر ومن ثم فلو رأى
كل الناس جمال الرجل التقى فإن ذلك لا يضره شيئاً ما دام لم يرض
عن نفسه فإذا رأى مقدار ما وصل إليه من تقوى هلك .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 04, 2005 12:07 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

18 – ومنهم المتعلق بحظيرة الرضا وربيب على
بن موسى الرضا ، أبو محفوظ معروف بن
فيروز الكرخى
.


وهو من أكبر الشيوخ المتقدمين ، وكان مشهوراً بكرمه وخشوعه ،
وقد وضعت ترجمته هنا اقتداء بشخصين فطنين سبقانى فى الكتابة
عنه ، مع أنه كان من الواجب علىّ أن أضعها فى صدر هذا الكتاب
أعنى بهما الشيخ أبا عبد الرحمن السلمى ، والذى وضعه فى هذا
الترتيب والسيد الإمام الأعظم أبا القاسم القشيرى ، الذى وضع
ترجمته بهذا النسق وقد اخترت هذا الوضع لمناسبة ، هى أن
معروفاً كان أستاذاً للسرى السقطى ، وتلميذاً لداود الطائى .

كان أبو محفوظ مجوسياً ، واعتنق الإسلام على يد سيدنا ومولانا
على بن موسى الرضا رضى الله عنه ، الذى رفع قدره .

وله مناقب وفضائل كثيرة وكان مقتدى العموم فى فنون العلم ومن
كلامه أنه قال : " للفتيان ثلاث علامات وفاء بلا خلاف ، ومدح بلا جود ،
وعطاء بلا سؤال " فالوفاء الذى بلا خلاف هى أن يحرم العبد على
نفسه الخلاف والمعصية فى عهد العبودية ؛ والعطاء بلا سؤال ،
هو العطاء بلا تمييز عند الجود ، ولا يسأل السائل عن حاله ما دام
معلوماً . والمدح بلا جود أن يحسن إلى أمرئ لم يقدم له إحساناً .
كل هذه الصفات مستعارة فى الإنسان ؛ حقيقية فى ذات الله تعالى ،
الذى يعامل بها عبيده سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى يكرم من
أحبوه ، مع أنهم يشركون فى محبته ، ومع ذلك فإنه يزيدهم إكراماً ،
فعلامة محبة الله تعالى للعبد أنه فى القدم دعا عبده لحضرته العلية ،
دون أن يكون لعبده أى عمل جميل ، والآن فإنه لا يطرد عبده إذا عمل
سوءاً ، وهو سبحانه الذى يمدح خلقه ، دون أن يستميله الجود ، لأنه
لا حاجة به لأعمال عباده ، وزد على ذلك فإنه يقبله بأقل الأعمال ،
ويمدحه عليها إذ أن له الحمد فى الأولى والآخرة ، وهو وحده جل وعلا
الذى يعطى قبل أن يسأل ، لأنه كريم عالم بحاجة كل إنسان يعطيها له
قبل أن يسأل . فإذا منح الله سبحانه وتعالى الإنسان الكرامة وجعله
عظيماً ، واختصه بكرمه ، وعامله بهذه الصفات الموضحة قبل ، وقام
هذا الإنسان بكل ما فى وسعه بهذه الأعمال لبنى جنسه ، فإنه يسمى
فتى ، وتعطى له صفة الفتوة ، وسيدنا إبراهيم عليه السلام متصف
بهذه الصفات الثلاثة ، كما سأبين بعد فى المكان المخصص إن شاء
الله تعالى .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 05, 2005 11:21 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

19 – ومنهم زين العباد ، وجمال الأوتاد ، أبو عبد الرحمن
حاتم بن علوان الأصم
.


كان رجلاً من كبار الشيوخ ، ومن قدماء شيوخ بلخ وخراسان ، وهو مريد
شقيق ، وأستاذ أحمد بن خضرويه ، ولم يقل فى جميع أطوار حياته إلا
صدقاً حتى أن الجنيد كان يقول : " حاتم الأصم صديق زماننا " وله عبارة
عالية تدل على دقة نظره فى النفس ، وعلى مواطن ضعفها . وله كتب
غالية فى علم المعاملات . يروى أنه قال : " الشهوات ثلاث شهوة الأكل ،
وشهوة الكلام ، وشهوة النظر . فاحفظ فى الأكل الثقة ، وفى اللسان
الصدق ، وفى النظر العبرة . فكل من استوثق فى طعامه نجا من شهوة
الأكل ، وكل من تحدث صدقاً نجا من شهوة اللسان ، وكل من استقام
بنظره نجا من شهوة النظر ".

فالتوكل على الله تعالى ثمرة المعرفة الحقة ، لأن من عرفه تيقن أنه الرزاق
وأنه يرزقه بقوته الضرورى ، فلذلك ينطق بالحق ، وينظر بالحق فيكون شرابه
المحبة ، وكلامه الحكمة ، ونظره المشاهدة ، وإذا علموا حق المعرفة لم
يأكلوا إلا الحلال ، وإذا نطقوا بالحق شكروا الله واثنوا عليه . وإذا نظروا حقاً
شاهدوا الله ، لأنه لا طعام أحلى من الذى أعطاه وأباحه ، ولا ذكر أحق أن
يذكر فى الثمانية عشر ألف عالم إلا اسمه سبحانه وتعالى ، وأنه ليس من
المباح النظر إلى أى شئ فى العالم إلا مشاهدة جماله وجلاله ، فبذلك لا
يكون من الشهوة أن تأخذ طعامك منه ، وتأكله بأمره ، ولا أن تتكلم عنه بإذن ،
ولا أن ترى أفعاله صادرة عنه ، وبالعكس فأنه من الشهوة المهلكة أن تأكل
طعامك ولو حلالاً بإرادتك ؛ وأن تتكلم ولو بذكر الله مع ملاحظة نفسك ، وأن
تنظر بنفسك ولو على سبيل العبرة .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس أكتوبر 06, 2005 11:41 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

20 – ومنهم الإمام المطلبى " وابن عم النبى " ، أبو عبد الله
محمد بن إدريس الشافعى
. من عظماء الوقت ، كان إماماً
فى جملة من العلوم ، معروفاً بالفتوة والورع ، ولو مناقب
كثيرة ومشهورة ، وكلمات عالية .

لما كان بالمدينة تتلمذ للإمام مالك ، ولما أتى إلى العراق اجتمع بمحمد
بن الحسن وكان يحب العزلة ، ويحاول أن يسبر غور نفسه حتى اجتمع
عليه كثيرون ، واقتدوا بمذهبه . وكان أحدهم أحمد بن حنبل ، ثم اشتغل
الشافعى بعد ذلك بنشر مذهبه والإمامة . ولم يتمكن بعد ذلك أن يهجر
الدنيا ، وكان فى أيام بدايته لا يميل إلى طلاب التصوف ، وبعد أن اجتمع
بسليم الراعى ، وحضر مجلسه استمر فى طلب الحق حيث كان . يروى
أنه قال : " إذا رأيت العالم يشتغل بالرخص فليس يجىء منه شىء ".

وذلك لأن العلماء هم أئمة الناس ، ولا يلزم أن يتقدمهم أحد فى أى معنى
قط ، وأن الطريق إلى الله تعالى لا يمكن سلوكه بلا رهبة ، وشدة مجاهدة
للنفس . والبحث عن الرخص فى أمور الدين ، هو عمل الذين يفرون من
مجاهدة النفس ، ويختارون الراحة لأنفسهم . فالعوام يبحثون عن الرخص ،
لكى يحفظوا أنفسهم فى دائرة الشرع الشريف . والعارفون هم كمل الناس
فإذا رضى أحدهم بأن يسلك طريق العوام فلا خير فيه ، وزد على ذلك أن
البحث عن الرخص استخفاف بأوامر الله سبحانه ، والعارفون يحبون الله ،
والمحب لا يستخف بأوامر المحبوب ، ولا يختار أدنى درجاتها ، فضلاً على
أن يحتاط فيها .

روى بعض المشايخ أنه رأى ذات ليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
له ما معناه : يا رسول الله ، روى هناك حديث وصل إلى من جنابكم : أن الله
تعالى جعل فى أرضه أوتاداً وأولياء وأبرار . فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لقد صدق الراوى فقال : " أحب أن أرى أحدهم قال له : إن محمد بن
إدريس أحدهم . وله مناقب كثيرة .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 09, 2005 10:49 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

21 – ومنهم شيخ السنة ، وقاهر أهل البدعة ، الإمام
أحمد بن حنبل
كان مشهوراً بالورع والتقوى ، وكان حجة
من رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكل السادة الصوفية ، من جميع الطبقات ،
يعتقدون فيه البركة .

وقد اجتمع بكثير من المشايخ ، مثل : ذى النون المصرى ، وبشر الحافى ،
والسرى السقطى ، ومعروف الكرخى وآخرين . كانت له كرامات باهرة ،
وعلوم ظاهرة .

وهو – رضى الله عنه – بعيد عن كل ما ينسبه إليه اليوم أهل الضلال من
المشبهة لعنهم الله . وله عقيدة ثابتة فى أصول الدين ، مع موافقته
لمذاهب أكثر أهل المعرفة .

ولما ظهر أمر المعتزلة طلبوا منه فتوى بأن القرآن مخلوق فلم ينطق بها .
وقد جلد فى ذلك ألف جلدة ، وما كان عليه من كبر السن ، وضعف البنية.
وأصر على القول بعدم خلق القرآن ، وحينما كان يجلد أنحل إزاره فلم يتمكن
من ربطه ، لأن يديه كانتا موثقتين فظهرت يدان أخريان ربطتا ذلك الإزار ،
فأطلقوا سراحه بعد هذه الكرامة . ومات من شدة الألم بعد قليل من الزمان .

وقبل وفاته بأيام وجيزة زاره قوم فسألوه : ماذا يقول فيمن جلده فقال :
ماذا أقول فى قوم جلدونى فى الله تعالى ، ظناً منهم أنى كنت مخطئاً
وهم مصيبون ، إنى لا أطلب قصاصهم يوم الحشر الأكبر على ضريبات قليلة .

وله حكم عالية فى الذوق ، وكان إذا سئل عن بيان نقطة فى الحقيقة قال
عليكم ببشر الحافى . وسأله يوماً رجل : ما الإخلاص ؟. فقال : هو الخلاص
من آفات الأعمال . فخلص أعمالك من الغرور والشرك ومما يلائم نفسك .
فسأله الرجل : وما الرضى ؟ فقال : تسليم الأمور إلى الله ، فسأله :
وما المحبة ؟. فقال : سل بشرا الحافى عنها ، لأنى لا أجيبك عليها
ما دام حيا .

وقد كان أحمد بن حنبل معرضاً للاضطهاد طول أيام حياته من المعتزلة ،
ورماه بعض أهل السنة بمذهب المشبهة ، جهلا بما كان عليه . ولكنه
برئ من كل هذه العقائد التى نسبت إليه .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 10, 2005 11:14 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435

22 – ومنهم سراج الوقت ، والمشرف على آفات المقت ،
أبو الحسن أحمد بن أبى الحوارى
.

كان من كمل مشايخ الشام ، ومن أكابر مشايخ الصوفية حتى قال
الجنيد فى حقه : " أحمد بن أبى الحوارى ريحانة الشام " . وله كلام
عال وإشارات لطيفة فى فنون العلم والطريقة ، ومرويات من الحديث
صحيحة . اجتمع بسفيان بن عيينة ، ومروان بن معاوية الفزارى ، وكان
سائحاً يأخذ الأدب حيثما وجده . يروى أنه قال " الدنيا مزبلة ومجمع
الكلاب وأقل من الكلاب من عكف عليها فإن الكلب يأخذ منها حاجته
ويتركها ، والمحب لها لا يزول عنها بحال " وهذه هى علامة انقطاعه
عن الدنيا ومفاسدها ، وإعراضه عن أصحابها .

كان فى أول أمره سالكاً ؛ ثم بلغ رتبة الإمامة ، وبعد ذلك رمى كل كتبه
فى البحر وقال " نعم الدليل كنت ، أما الاشتغال بالدليل بعد الوصول
فمحال " لأن الدليل يحتاج إليه المريد ما دام سالكاً فى الطريق ، فإذا
وصل إلى الحى فالطريق والباب لا فائدة فيهما . قال بعض المشايخ :
أن هذه المسألة حصلت من أحمد وهو فى ساعة وجده ، ذلك أن من
يقول من الصوفية قد وصلت ، فقد فصل ، فالوصول يقتضى عدم العمل ،
والعمل فيه جهد لا داعى له . وعدم العمل نوع من الخمول ، وفى كلا
الحالين فأصول الوصول لا وجود له ، لأن العمل والخمول من صفات
الإنسان ، والوصول والبعد متوقف على إرادة الله تعالى ، إذ لولا ذلك
لكان من المستحيل أن يوصل إليه بعمل . وعبارات القرب والجوار لا
تناسب المقام العلى ، فالرجل يصل إلى الله تعالى بمرضاة الله عنه ،
ويبعد عنه إذا غضب عليه .

أقول – أنا على بن عثمان الجلابى – أنه ربما قصد الشيخ استعمال
لفظ الوصول اكتشافه طريق الله تعالى ، إذ أن طريق الله تعالى لا يوجد
فى الكتب ، وعندما يتضح الطريق لا يكون للشرح ضرورة ، فمن وصلوا
إلى المعرفة الحقة لا يحتاجون إلى الكلام أو الكتب . وقد فعل غيره من
الصوفية ما فعل ، ومنهم الشيخ الجليل أبو سعيد فضل الله بن محمد
الميهنى . ولكن قلدهم عدد من المتكلفين الذين كان كل همهم أن
يبرروا كسلهم وجهلهم . ويبدو أن أولئك المشايخ الأجلاء قد فعلوا هذا
ليقطعوا كل صلة لهم بالدنيا ، ويفرغوا قلوبهم من كل شىء إلا الله تعالى .
ومع ذلك فلا يسمح بهذا إلا فى نشوة الابتداء ، وحماس الشباب . أما
المتمكنون فلا تحجبهم العوالم عن الله تعالى ، فكيف تحجبهم إذن صفحة
من الورق . وقد يقال أن تمزيق كتاب يراد به نفى استحالة العبارة عند تحقق
المعنى . وفى هذه الحالة تكون نفس هذه الاستحالة قائمة بالنسبة للسان ،
إذ أن الكلمات المنطوقة لا تختلف عن المكتوبة . وإنى أظن أن أحمد بن أبى
الحوارى كتب مشاعره عندما لم يجد له سميعاً وهو فى حال نشوته ،
وعندما تجمعت لديه مجموعة مما كتب ولم يرتح لها رمى بها إلى الماء .
ومن المحتمل كذلك أن يكون قد جمع كتباً عديدة حولته عن ممارسة العبادة
فتخلص منها لهذا السبب .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء أكتوبر 11, 2005 12:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد مارس 07, 2004 12:49 pm
مشاركات: 5435


23 – ومنهم قائد الفتيان ، وشمس خراسان ، أبو حامد
أحمد بن خضرويه البلخى
.


كان مختصاً بعلو الحال والشرف ، ومقتدى القوم فى زمانه مقبولاً لدى
الخاصة والعامة ، وكان سالكاً طريق الملامتية ، ويلبس لباس المجاهدين ،
وكانت زوجته فاطمة ، إبنة أمير بلخ ، ذات صيت عال فى التصوف . وقبيل
أن تتوب وترجع إلى الله أرسلت كتاباً إلى أحمد ، وطلبت منه أن يخطبها
من أبيها ، فلم يرض أحمد بذلك ، فأرسلت إليه تقول يا أحمد إنى كنت
أجلك عن أن تكون حجر عثرة فى طريق السالكين إلى الله ، فكن إماماً ،
ولا تكن قاطع طريق ، فخطبها من والدها ، فزوجه إياها تبركاً ، واعتزلت
فاطمة بعد ذلك الدنيا ، وعاشت فى خلوة مع زوجها ، ولما زار أحمد
أبا يزيد صحبته ، فرأى أنها كشفت عن وجهها ، وصارت تكلم أبا يزيد بغير
خجل ، فغار لذلك ، وقال لها : لماذا تتكلمين مع أبى يزيد بهذه الحالة ؟
فأجابته : إنك قرينى فى العشرة ، وهو أخى فى الله . وأنا أنال شهوتى
بك ولكنى أصل به إلى الله ، ولا حاجة له بصحبتى ، ولكنك فى حاجة إليها .
واستمرت فى محادثة أبى يزيد بجرأة زائدة ، حتى رأى يوماً الحناء فى يدها
فقال لها : ولِمَ هذا ؟. فأجابته : يا ابا يزيد قد كنت فى حل معك قبل أن يقع
نظرك على يدى والحناء ، فأما وقد رأيتها فقد بطلت صحبتنا . ورجع بها أحمد
بعد ذلك إلى نيسابور وعاشا هناك . وكان أهلها يوقرون أحمد .

ولما مر يحيى بن معاذ الرازى على نيسابور ، فى طريقه من الرى إلى بلخ ،
رأى أحمد أن يضيفه ، فاستشار فاطمة فى ذلك فأشارت عليه أن يحضر كذا
من الغنم والفاكهة والروائح والشمع ، وقالت يلزمنا أيضاً أن نذبح عشرين
حماراً ، فقال لها : ولِمَ ذلك ؟ فقالت له : إن الكريم إذا استضافه كريم لزم
أن يكون للكلاب قسط من هذه الوليمة . وقد قال عنها أبو يزيد : من أراد أن
ينظر إلى رجل من الرجال مخبأ تحت لباس النسوان فلينظر إلى فاطمة .
وقد قال أبو حفص الحداد : لولا أحمد بن خضرويه ما ظهرت الفتوة .

وله عبارات عالية وأنفاس مهذبة . وقد ألف كتباً عديدة فى التصوف وله بيان
فى الحقائق . يروى أنه قال : " الطريق واضح ، والحق لائح ، والداعى قد
أسمع ، فما التحير بعدها إلا من العمى ". أنه من الجهل البحث عن طريق
الله ، مع أنها واضحة كالشمس فى رابعة النهار ، فابحث عن نفسك فإنك
إذا عرفتها وصلت إلى غاية الطريق ، حيث أن الله تعالى منزه عن البحث
عنه فى المكان والزمان . ويروى أنه قال : " استر عز فقرك " فلا تقل
للناس أنى درويش مخافة أن يكشف سرك لأنه نعمة كبرى من الله
عليك .

لطيفة : " دعا أحد الدراويش رجلاً غنياً فى شهر رمضان ولم يكن فى بيته
غير رغيف جاف فلما رجع الغنى إلى منزله أرسل إليه كيساً من الدنانير
فرده عليه وقال له " هذا جزائى بعد أن أفشيت سرى لمثلك وكأن الأغنياء
أهل لعزالفقر " وذلك لكمال فقره .



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء أكتوبر 12, 2005 12:29 pm 


24 – ومنهم إمام المتوكلين ، ومختار أهل الزمان ، أبو تراب
عسكر ابن الحصين النخشى النسفى
.


كان من أشهر شيوخ خراسان ، وكان مشهوراً بكرمه وزهده وعبادته .
وله كرامات باهرة ، وأحوال ظاهرة ، فى البيداء وغيرها وهو من أشهر
الشيوخ سواح الصوفية ، وكان يقطع الصحارى الواسعة متجرداً من كل
لوازم الحياة . وقد وقعت وفاته فى صحراء البصرة ، وبعد ذلك بسنين
وجدوه واقفاً متجها للكعبة مكسواً ، وأمامه ركوته وفى يده عكازه ،
وهو ميت لم تمسه الوحوش ولا الذئاب .

يروى أنه قال " الفقير قوته ما وجد ، ولباسه ما ستر ، ومسكنه حيث نزل "
أعنى أنه لا يختار طعام نفسه ، ولا لباسه ، ولا يعمل لنفسه مسكناً .
وكل أحوال الدنيا مرتكنة على هذه الأمور الثلاثة ، وحاجتنا إليها توقعنا فى
الاشتغال بها ، فنعمل لكسبها ، هذا هو المظهر العملى لهذا الموضوع .
وله معنى أرقى من ذلك أعنى أن أكل الدرويش القناعة ، ولباسه التقوى ،
وسكنه الغيب ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى
الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً } الجن16 . وقال سبحانه وتعالى أيضاً :
{ وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } الأعراف 26. ويقول رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( الفقر وطن الغيب ) وإذن فما دام الأكل والشراب من شرب القرب
واللباس من التقوى والمجاهدة ، والوطن الغيب وانتظار الوصال ، وضح طريق
الفقر والمنازلات وهذه هى درجة الكمال .



أعلى
  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 93 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4, 5, 6, 7  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 6 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط