الحديث الحادي عشر
أخبرنا شيخنا الإمام المقرئ الجليل الشيخ أبو الفضل علي الواسطي قدس الله روحه ، قال : أنبأنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد الواعظ ، قال: أنبأنا أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الرحمن الجمحي ، قال: أنبأنا علي بن عبد العزيز ، عن ابن المبارك ، عن حرملة بن عمران ، عن يزيد بن أبي جندب ، عن أبي الخير ، عن عقبة ابن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " المرء في ظل صدقته حتى يقْضى بين الناس ، أو قال: يحكم بين الناس" ، هذا لكونه ترك شيئًا قليلاً مما تحبه نفسه لربه ، فكيف إذا خرج عن نفسه بالكلية ؟
روي أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه السلام: بشِّر المذنبين بأني غفور ، وأنذر الصديقين بأني غيور.
وروي أن يوسف عليه الصلاة والسلام : لما أُلْقي في الجب ، كان يقول: من لعب في خدمة مولاه ، َفغيابة الجب مأواه.
وهنا كلمات من طرائف مختصرات القوم ، تنشط بها همم الموفقين ، يقول قائلهم رضي الله عنهم: حقَّ لمن عرف المولى أن لا يشكو من البلوى ، إذا لم يعرف العبد المولى َفكلّ لسان له دعوى ، ليس للعارف دعوى ولا للمحب شكوى ، إذا سبقت من الرب العناية هزمت من العبد الجناية ، إذا سبقت العناية وجبت الولاية ، بالعناية تحصل الولاية والولاية تهدم الجناية ، ليس الشأن في الولاية لكن الشأن في العناية ، لم يدرك الولاية من فاتته العناية ، المصر من أَسر السر ، طرح الخلق وجود الحق ، اطرح الدعوى تجد المعنى ، من كان له باطن صحيح فجميع كلامه مليح ، لا تغتر بصفاء الأوقات فإن تحتها فنون الآفات ، لا تغتر بصفاء العبودية فإن فيها نسيان الربوبية ، خل الدارين للطالبين واستأنس برب العالمين ، استَهد بالله فنعم الدليل ، وتوكل عليه فنعم الوكيل ، ما دام قلب العبد بغير الله معلقًا كان باب الصفاء عنه مغلقًا ، الأُنس بالله نور ساطع والأنس بالمخلوق هم واقع ، معدن الأسرار قلوب الأبرار ، قلوب الأبرار حصون الأسرار ، القلب إذا ابُتلي بالمربوب عزلَ عن ولاية المحبوب ، خير الرزق ما يكفي وخير الذكر الخفي ، توكل ُتكف وسلْ ُتعط ، ليس باللبيب من اختار على الحبيب ، بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى ، العبد إذا سخط عليه مولاه سخط عليه ما سواه ، وإذا رضي عنه مولاه رضي عنه ما سواه ، عذْر الحبيب عند الحبيب مبرور وذنب الحبيب عند الحبيب مغفور ، من أراد المولى فليتهيأ للبلوى.
هون الدنيا وما فيها عليك
واجعل الحزن لِما بين يديك
الموت ِجسر مهيب ، يوصل الحبيب إلى الحبيب ، ينبغي أن يكون العبد مشغولاً بما يكون غدًا عنه مسؤولاً ، اجعل الُتقى جليسك ، والدعاء أنيسك.
ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ
وكلُّ نعيٍم لا محالة زائلُ
الحب يحرق ، والشوق يقلق ، وهذا سرور الخبر ، فكيف سرور النظر ؟ كل نعمة دون الجنة فانية وكل بلاء دون النار عافية ، التوبة تطهر الحوبة ، الاعتراف يهدم الاقتراف ، هب أن اللهَ قد عفا عن المسيئين ، أليس قد فاتهم ثواب المحسنين ، أَعد للسؤال جوابًا وللجواب صوابًا ، اطلب ما يعنيك بترك ما لا يعنيك ، الرزق مقسوم والحريص محروم ، العبد حر إذا قنع والحر عبد إذا طمع ، أخرج الطمع من قلبك َتحلّ القيد من ِرجلك ، َقدم إلى الحشر زادك فإن إلى الله معادك ، الدنيا دنية وحبها خطية ، والدنيا ساعة فاجعلها طاعة ، الدنيا كلها غرور والعقبى كلها سرور ، الدنيا معدن الخطا والعقبى معدن العطا ، الدنيا معدن الجفاء والعقبى معدن الوفاء ، أساس التقوى ترك الدنيا ، أخوف الناس آمنهم ، ما أغفلك عما ُ خلقت له ، وما أعجزك عما أُمرت له ، مَنعك طولُ الأمل عن ذكرالأجل ، لا َتعص مولاك بطاعة هواك.
رأس الوفاء َترك الجفاء ، إن أردت المكارم فاجتنب المحارم ، قليلٌ يكفيك خير من كثير يطغيك ، المؤمن كثير الفعال قليلُ المقال ، والمنافق قليلُ الفعال كثير المقال ، اتق الله إذا خلوت يستجب لك إذا دعوت ، غضب اللهِ أشد من ناره ورضواُنه أكبر من جنته ، دع التدبير إلى الملك الخبير ، َطَلب الحلال أشد من َنقْل الجبال ، كل هم وذكر لغير الله فهو حجاب بينك وبين الله ، لا تقع المؤانسة بين العبد وربه حتى تقع الوحشة بينه وبين خلقه ، لا يصل العبد إلى الحق حتى يعتزل عن صحبة الخلْق ، حسبي من سؤالي علمه بحالي.
كلُّ محبوب سوى اللهِ سرفْ
وعناء وبلاء وَتَلفْ
وهموم وغموم وأسفْ
ما خلا الرحمن ما عنه َ خَلفْ
ما رأيتُ مثل الجنة نام طالِبها ، ولا مثل النار نام هاربها.
درت حولَ المشْرَقين
ثم درت المغربين
فوجدت الأمر ُ كلاً
لمليك الَثَقَلين
حبه منية قلبي
ذكره ُقرُةعيني