أبو جعفر المنصور وهو: عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس (95ـ158هـ) تولى الخلافة أوائل سنة 137هـ. لم يخرج محمد النفس الزكية وأخيه إبراهيم فى خلافة أبى العباس السفاح كما وعد عبد الله المحض ولم يظهر منه أى مكروه لأى إنسان فماذا حدث إذا؟
حادثة أحجار الزيت فى عجالة نقص القصة من وجهة نظر علماء التاريخ وضع أبو جعفر المنصور استراتيجية كاملة, استراتيجية دولة, فيها الاستعانة بكافة القوى, مع الاستعانة بأهل الاختصاص فى كافة المجالات بدءا من الشورى مرورا بأبطال الحروب وحتى " المنجمون ". إدارة أبو جعفر المنصور فى هذا الزمان كانت متقدمة, تصلح للتدريس, وإن شاء الله نتكلم عن ذلك فى الجزء الثانى . جعل المنصور العيون والمراصد على محمد بن عبد الله وأخيه، وتوصل بكل طريق، حتى إنه اشترى رقيقاً من رقيق الأعراب، وأعطى الرجل منهم البعير، والرجل البعيرين، والرجل الزود، وفرقهم فى طلب محمد فى ظهر المدينة، فكان الرجل منهم يرد الماء كالمار وكالضال فيسألون عنه، وبعث المنصور عيناً وكتب معه كتاباً على ألسن الشيعة إلى محمد، يذكرون طاعتهم ومسارعتهم، وبعث معه بمال وألطاف، فقدم الرجـل المدينة فدخل على عبد الله بن حسن، وسأله عن ابنه محمد فكتم خبره، فتردد إليه الرجل وألحّ فى المسألة فذكر له أنه فى جبل " جهينة "، وقال له: أمرر بعلى بن حسن، الرجل الصالح الذى يدعى الأغرّ، وهو بذى الإبر، فهو يرشدك إليه، فأتاه فأرشده، وكان للمنصور كاتب على سره يتشيع، فكتب إلى عبد الله بن حسن يخبره بخبر ذلك العين، فلما قدم الكتاب ارتاع له، وبعث إلى محمد ابنه وإلى على بن حسن يحذرهما الرجل، وأرسل بذلك أبا هبار، فخرج أبو هبار فنزل بعلى بن حسن وأخبره، ثم سار إلى محمد بن عبد الله فى موضعه الذى هو به، فإذا هو جالس فى كهف ومعه جماعة من أصحابه، وذلك العين معهم أعلاهم صوتاً وأشدهم انبساطاً، فلما رأى أبا هبار خافه، فقال أبو هبار لمحمد: إن لى حاجة، فقام معه فأخبره الخير، قال: فما الرأي؟ قال: أرى إحدى ثلاث، قال: وما هي؟ قال: تدعنى أقتل هذا الرجل، قال: ما أنا بمقارف دماً إلا مكرهاً، قال: أثقله حديداً، وتنقله معك حيث تنقلت، قال: وهل بنا فراغ مع الخوف والإعجاب؟ قالوا: قام بركوة فيها ماء وتوارى، فطلبوه فلم يجدوه فكأن الأرض التأمت عليه، وسعى على قدميه حتى اتصل بالطريق، فمر به أعرابى معه حمولة إلى المدينة، فقال له: فرّغ هذه الغرارة وأدخلنيها أكن عدلاً لصاحبتها، ولك كذا وكذا ففعل، وحمله حتى أقدمه المدينة، ثم قدم على المنصور فأخبره الخبر كله، ونسى اسم أبى هبار وكنيته، فقال: وبر، فكتب أبو جعفر فى طلب وبر المرى، فحمل إليه فسأله عن قصة محمد، فحلف أنه لا يعرف من ذلك شيئاً، فأمر به فضُرب سبعمائة سوط، وحُبس حتى مات المنصور. قلت: صدق من قال ـ بالعامية ـ: ( ياما فى الحبس مظاليم (. ثم أحضر المنصور عقبة بن سلم الأزدى، فقال له: إنى أريدك لأمر أنا به معنى، لم أزل أرتاد له رجلاً عسى أن تكونه، وإن كفيتنيه رفعتك؟ فقال: أرجو أن أصدق ظن أمير المؤمنين فىّ، قال: فاخف شخصك واستر أمرك، وأتنى يوم كذا وكذا فى وقت كذا، فأتاه فى ذلك الوقت، فقال له: إن بنى عمنا قد أبوا إلا كيداً لملكنا واغتيالاً له، ولهم شيعة بخراسان بقرية كذا، يكاتبونهم ويرسلون إليهم بصدقات أموالهم وألطاف من ألطاف بلادهم، فاخرج بكتبى وبمال وألطاف، حتى تأتيهم متنكراً بكتاب تكتبه عن أهل هذه القرية، ثم تعلم حالهم فإن كانوا نزعوا عن رأيهم فأحبب والله بهم وأقرب، وإن كانوا على رأيهم علمت ذلك وكنت على حذر، فاشخص حـتى تلقى عبد الله ابن حسـن متخشعاً متقشفاً، فإن جبهك - وهو فاعل - فاصبر وعاوده، حتى يأنس بك وتلين لك ناحيتك، فإذا ظهر لك ما قبله فعجل إلىّ؛ فشخص عقبة حتى قدم على عبد الله بن حسن، فلقيه بالكتاب فأنكره ونهره، وقال: ما أعرف هؤلاء القوم، فلم يزل يتردد إليه حتى قبل كتابه وألطافه وأنس به، فسأله عقبة الجواب فقال: أما الكتاب فإنى لا أكتب إلى أحد، ولكن أنت كتابى إليهم، فأقرهم السلام وأعلمهم أن ابنى خارجان لوقت كذا وكذا، فرجع عقبة إلى المنصور وأعلمه الخبر، فأنشأ المنصور الحج، وقال لعقبة: إذا لقينى بنو حسن فيهم عبد الله بن حسن، فأنا مكرمه ورافع مجلسه وداع بالغذاء، فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامثل بين يديه قائماً، فإنه سيصرف بصره عنك، فاستدر حتى تغمز ظهره بإبهام رجلك، حتى يملأ عينه منك ثم حسبك، وإياك أن يراك ما دام يأكل, وخرج المنصور إلى الحج، فلما لقيه بنو الحسن أجلس عبد الله إلى جانبه، ثم دعا بالغداء فأصابوا منه ثم رفع، فأقبل المنصور على عبد الله بن حسن فقال له: قد علمت ما أعطيتنى من العهود والمواثيق ألا تبغنى سوءاً، ولا تكيد لى سلطاناً، قال: فأنا على ذلك يا أمير المؤمنين، فلحظ المنصور عقبة بن سلم، فاستدار حتى وقف بين يدى عبد الله، فأعرض عنه، فاستدار حتى قام وراء ظهره فغمزه بإصبعه، فرفع رأسه فملأ عينه منه، فوثب حتى قعد بين يدى المنصور، وقال: أقلنى يا أمير المؤمنين أقالك الله، قال: لا أقالنى الله إن أقلتك، ثم أمر بحبسه. وكان محمد قد قدم قبل ذلك البصرة فنزلها فى بنى راسب، يدعو إلى نفسه واشتد الخوف على محمد وإبراهيم ابنى عبد الله، فخرجا حتى أتيا عدن، ثم صار إلى السند ثم إلى الكوفة ثم إلى المدينة. قلت: وأنا أشك فى هذه القصة فى جزئيتين: الجزئية الأولى: أن يكون عبد الله المحض قد قال " وأعلمهم أن ابنى خارجان لوقت كذا وكذا "؛ لأن فى بقية القصة أن المنصور خرج للحج, وحجة المنصور كانت سنة 140هـ , لم يكن هناك وقتها داع لخروج أبنيه محمد وإبراهيم. الجزئية الثانية: لو أن عبد الله المحض قال ذلك فعلا ثم علم بذلك المنصور فاستحالة أن يقول له " أقلنى" ( يعنى سامحنى ( وأرى أن هذه الأحداث منها ما هو حدث بالفعل مثل رصد العيون, أما الباقى فمن الإشاعات وإيجاد المسوغات والمبررات لقتل عبد الله المحض وأخوته وأولاده, كما سيتضح هذا إن شاء الله فى الجزء الثانى.
_________________ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ
|