الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
نكمل بإذن الله ما سبق
الآداب مع الإخوان وأما الآداب مع الإخوان فأربعة : أولها : حفظ حرمتهم غائبين أو حاضرين , فلا يغتاب أحداً ولا ينقص أحداً فلا يقول أصحاب سيدي فلان كمال وأصحاب سيدي فلان نقص أو فلان عارف أو فلان ليس بعارف أو فلان ضعيف وفلان قوي أو غير ذلك فهذه عين الغيبة وهي حرام بالإجماع لا سيما في حق الأولياء فإن لحومهم سموم قاتلة كلحوم العلماء والصالحين فليحذر المريد جهده من هذه الخصلة الذميمة وليفر ممن هذا طبعه فراره من الأسد فمن أولع بهذا فلا يفلح أبداً , فالأولياء كالأنبياء فمن فرق بينهم حرم خيرهم وكفر نعمتهم
وقد قال بعض الصوفية : من كسره الفقراء لا يجبره الشيخ ومن كسره الشيخ فقد يجبره الفقراء وهو صحيح مجرب لأن إذاية ولي واحد ليس كإذاية أولياء كثيرة ومن كسره الشيخ يشفع فيه الإخوان فيجبر قلب الشيخ بخلاف قلوب الفقراء إذا تغيرت قل أن تتفق على الجبر والله تعالى أعلم
وثانيها : نصيحتهم بتعليم جاهلهم وأرشاد ضالهم وتقوية ضعيفهم ولو بالسفر إليه , فإن فيهم أهل بدايات ونهايات والقوى والضعيف فكل واحد يذكره بما يليق بمقامه خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون كما في الحديث
وثالثها : التواضع لهم , والإستنصاف من نفسك معهم وخدمتهم بقدر الإمكان فخديم القوم سيدهم , فمن عرض له شغل لا ينفك عنه فالواجب إعانته ليتفرغ منه إلى ذكر الله إن كان خفيفاً
قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى " فكل ما يشغل قلب الفقير فدفعه جهاد وبر
ورابعها : شهود الصفا فيهم وأعتقاد كمالهم , فلا ينقص أحداً ولو رأى منه ما يوجب النقص في الظاهر فالمؤمن يلتمس المعاذر فليلتمس له سبعين عذراً فإن لم يزل عنه موجب نقصه فليشهده في نفسه .
ف " المؤمن مرآة أخيه "
ما كان في الناظر يظهر فيه , فأهل الصفا لا يشهدون إلا الصفا وأهل التخليط لا يشهدون إلا التخليط ,وأهل الكمال لا يشهدون إلا الكمال وأهل النقص لا يشهدون إلا النقص وتقدم في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " خصلتان ليس فوقهما شيء من الخير : حسن الظن بالله وحسن الظن بعباد الله, وخصلتان ليس فوقهما شيء من الشر ,: سوء الظن بالله وسوء الظن بعباد الله " وبالله التوفيق
فهذه من جملة الآداب التي يجب على الفقير مراعاتها والتحفظ عليها سواء كان طالباً أو سائراً أو واصلاً قال بعضهم : أجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً
وقال أبو حفص رضي الله عنه : التصوف كله آداب لكل وقت آداب ولكل حال آداب ولكل مقام آداب فمن لزم الأدب بلغ مبلغ الرجال , ومن حرم الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب مردود من حيث يظن القبول .
وقال بعضهم : الزم الأدب ظاهراً وباطناً , فما أساء أحد الأدب ظاهراً إلا عوقب فى الظاهر , وما أساء أحد الأدب باطناً إلا عوقب فى الباطن وقال فى المباحث الأصلية :
والأدب الطاهر للعيان *** دلالة الباطن فى الإنسان وهو أيضاً للفقير سند *** وللغنى زينـــــــة وسؤدد وقيل من يحرم الأدب *** فهو بعيد ماتدانى واقترب وقيل من تحبسه الأنساب *** فإنـــــما تطلقه الآداب فالقوم بالآداب حقاً سادوا *** منه استفاد القوم ما استفادوا
وقال أبو حفص السراج رحمه الله : والناس فى الآداب على ثلاث طبقات : أهل الدنيا , وأهل الدين , وأهل الخصوصية مع أهل الدين . فأما أهل الدنيا , فأكثرهم آدابهم فى البلاغة , وأخبار الملوك وأشعار العرب . وأما أهل الدين , فأكثر آدابهم حفظ العلوم , ورياضة النفوس وتأديب الجوارح وتهذيب الطباع , وحفظ الحدود وترك الشهولت والمسارعة الى الخيرات . وأما أهل الخصوص من أهل الدين فآدابهم , حفظ القلوب ومراعاة الأسرار , واستواء السر والعلانية . فالمريدون يتفاضلون بالعلم , والمتوسطون بلآداب , والعارفون بالهمم . ا هـــــ
ثم ما ذكره الشيخ من لزوم الجهل للمريد مقيد بما ذكره من احتجاجه لنفسه ومدافعته عنها , لأنه فى هذه الحالة صاحب جدل لتركيبه المقدمة والنتيجة وعليه يفهم قولهم : ما ألهم قوم الجدل إلا حرموا العمل . وأما لو اعترف بإساءته وأنصف من نفسه لم يكن ذلك فى حقه جهلاً ولا جهالة وقالوا عدم الأدب إن كان يجر الى الأدب فهو أدب والله تعالى أعلم
ومن جملة الأداب : ألا يستحقر مقاماً أقام الحق تعالى فيه عبداً من عباده كائناً ما كان
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا
|