موقع د. محمود صبيح
http://www.msobieh.com/akhtaa/

الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى
http://www.msobieh.com/akhtaa/viewtopic.php?f=7&t=1366
صفحة 2 من 36

الكاتب:  المهاجرة [ الثلاثاء مايو 17, 2005 6:00 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمدلله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله و على آله و سلم تسليما كثيرا

سيكون معنا بإذن الله الحكمة الرابعة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى و هى :

( أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله و هو لم يتطهر من جنابة غفلاته )

الحضرة : هى حضور القلب مع الرب و هى على ثلاثة أقسام :
حضرة القلوب , و حضرة الأرواح , و حضرة الأسرار
فحضرة القلوب للسائرين
و حضرة الأرواح للمستشرفين
و حضرة الأسرار للمتمكنين
أو تقول حضرة القلوب لأهل المراقبة و حضرة الأرواح لأهل المشاهدة و حضرة الأسرار لأهل المكالمة

و سر ذلك ان الروح مادامت تتقلب بين الغفلة و الحضرة كانت فى حضرة القلوب فإذا استراحت بالوصال سميت روحا و كانت فى حضرة الأرواح , و إذا تمكنت و تصفت و صارت سرا من أسرار الله سميت سرا و كانت فى حضرة الأسرار

فالحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون , فحرام على القلب الجنب أن يدخل مسجد الحضرة و جنابة القلب غفلته عن ربه
قال تعالى :
" يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون و لا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا "
اى لا تقربوا صلاة الحضرة و أنتم سكارى بحب الدنيا و شهود السوى و حتى تتيقظوا و تتدبروا
ما تقولون فى حضرة الملك , و لا جنبا من جماع الغفلة و شهود السوى حتى تتطهروا بماء الغيب الذى أشار إليه الحاتمى رضى الله عنه كما فى الطبقات الشعرانية فى ترجمة المواهب بقوله :

توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر***** و إلا تيمم بالصعيد أو الصخر
يعنى تطهر من شهود نفسك بماء الغيبة عنها بشهود ربك
أو تطهر من شهود الحس بشهود المعنى , أو تطهر من شهود عالم الشهادة بماء شهود عالم الغيب , او تطهر من شهود السوى بماء العلم بالله
فإنه يغيب عنك كل ما سواه , و إذا تطهرت من شهود السوى تطهرت من العيوب كلها
و إلى ذلك أشار الششترى رضى الله عنه بقوله :
طهر العين بالمدامع سكبا **** من شهود السوى تزل كل علة

و إن لم تقدر على الطهارة الحقيقية التي هي الطهارة الباطنية فانتقل للطهارة المجازية التي هي الطهارة الظاهرية
و إن لم تقدر على طهارة المقربين فانتقل لطهارة أهل اليمين
و إن لم تقدر على طهارة أهل المحبة فانتقل لطهارة أهل الخدمة
قوما أقامهم الله لخدمته, و قوم اختصهم لمحبته:
( كلا نمد هؤلاء و هؤلاء من عطاء ربك و ما كان عطاء ربك محظورا )

فطهارة أهل المحبة الفكرة والنظرة
و طهارة أهل الخدمة بالمجاهدة و المكابدة
بين عبادة ظاهرة كصلاة وصيام و ذكر و تلاوة و تعليم و غير ذلك
و بين عبادة خفية كخوف ورجاء و زهد و صبر وورع و رضي و تسليم و رحمة و شفقة و غير ذلك مما لا يظهر للعيان, و هذا هو تصوف أهل الظاهر, و أما تصوف أهل الباطن: فهو الغيب عن الأكوان بشهود المكون أو الغيبة عن الخلق بشهود الملك الحق

وإذا رحل القلب من وطن شهوته و تطهر من لوث غفلاته وصل إلى حضرة ربه و تنعم بشهود قربه

و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليما كبيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الخميس مايو 19, 2005 6:39 pm ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة السلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

معنا اليوم الحكمة الخامسة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندري وهى :

( أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته )

الرجاء : تمنى الشئ مع السعى فى أسبابه وإلا فهو أمنية
الفهم : حصول العلم بالمطلوب , ودقائق الأسرار غوامض التوحيد
والتوبة : الرجوع عن كل وصف ذميم الى كل وصف حميد وهى توبة الخواص
والهفوات : جمع هفوة وهى الزلة والسقطة

فإن فهم دقائق الأسرار لايكون أبدا مع وجود الإصرار
أو تقول : فهم غوامض التوحيد لايكون إلابقلب فريد , فمن لم يتب من هفواته , ويتحرر من رق شهواته , فلا يطمع فى فهم غوامض التوحيد , ولا يذوق أسرار أهل التفريد

قال أحمد بن أبى الحواري : وسمعت شيخي أبى سليمان الدارانى رضى الله عنه يقول :
إذا أعتادت النفوس ترك الآثام , جالت فى الملكوت ورجعت الى صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يؤدى إليها عالم علما
قال أحمد بن حنبل : صدقت يا أحمد وصدق شيخك , ما سمعت فى الإسلام بحكاية أعجب الى من هذه :
(( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم ))

وقيل للجنيد رضى الله عنه : كيف الطريق الى التحقيق ؟ قال بتوبة تزيل الإصرار , وخوف يقطع التسويف , ورجاء يبعث على مسالك العمل , وإهانة النفس بقربها من الأجل وبعدها من الأمل , فيل له بماذا يصل الى هذا ؟ فقال : بقلب مفرد فيه توحيد مجرد

فإذا أنفرد القلب بالله وتخلص مما سواه فهم دقائق التوحيد وغوامضه التى لايمكن التعبير عنها , وإنما هى رموز وإشارات لايفهمها إلا أهلها ولا تفشى إلا لهم وقليل ما هم , ومن أفشى شيئا من أسرارها مع غير أهلها فقد أباح دمه وتعرض لقتل نفسه
كما قال أبو مدين رضى الله عنه :
وفى السر أسرار دقاق لطيفة … تراق دمانا جهرة لو بها بوحنا

وهذه الأسرار هى أسرار الذات وأنوار الصفات التى تجلى الحق بها فى مظهر الأكوان

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الأربعاء مايو 25, 2005 4:57 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله و الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

معنا اليوم الحكمة السادسة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( الكون كله ظلمة و إنما أناره ظهور الحق فيه )

الكون : ما كونته القدرة و أظهرته للعيان
و الظلمة ضد النور و هى عدمية و النور جودى
و أناره أى صيره نورا
و ظهور الحق تجليه

الكون من حيث كونيته و ظهور حسه كله ظلمة , لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود
ربه , و لأنه سحاب يغطى سمش المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأوانى

و إليه أشار الششترى بقوله :

لا تنظر إلى الأوانى و خض بحر المعانى , لعلك تراني , فصار الكون بهذا الاعتبار كله ظلمة
و إنما أناره تجلى الحق به و ظهوره فيه , فمن نظر إلى ظاهر حسه رآه جسما ظلمانيا
ومن نفذ إلى باطنه رآه نورا ملكوتيا

قال الله تعالى :
" الله نور السموات و الأرض "

فإن قول الشيخ الكون كله ظلمة إنما هو فى حق أهل الحجاب , لانطباع ظاهر الأكوان
فى مرآة قلوبهم
و أما أهل العرفان , فقد نفذت بصيرتهم إلى شهود الحق , فرأوا الكون نورا فائضا فى
بحر الجبروت فسار الكون عندهم كله نورا

قال الله تعالى
" قل انظروا ماذا فى السموات و الأرض "
اى من نور ملكوته و أسرار جبروته , أو من أسرار المعانى القائمة بالأوانى
و هذه المعانى إنما هى أذواق لا تدرك بالعقل و لا بنقل الأوراق و إنما تدرك بصحبة
أهل الأذواق فسلم و لا تنتقد:

و إذا لم ترى الهلال فسلم ****** لأناس رأوه بالأبصار

و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الخميس مايو 26, 2005 8:52 pm ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله و على آله وسلم تسليما كثيرا

سوف نتناول اليوم إن شاء الله الحكمة السابعة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله
السكندرى و هى :

( فمن رآى الكون و لم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار , و حجبت
عنده شموس المعارف بسحب الآثار )

فأهل مقام البقاء يشهدون الحق بمجرد وقوع بصرهم على الكون , فهم يثبتون الأثر بالله
و لا يشهدون بسواه , إلا أنهم لكمالهم يثبتون الواسطة و الموسوطة , فهم يشهدون الحق بمجرد شهود الوسطة أو عندها بلا تقديم و لا تأخير و لا ظرفية و لا مظروف :

مذ عرفت الإله لم أر غيرا **** و كذا الغير عندنا ممنوع

و قال الشيخ مولاى عبد السلام بن مشيش رضى الله عنه لأبى الحسن رضى الله عنه :

يا أبا الحسن حدد بصر الإيمان تجد الله فى كل شىء و عند كل شىء , و مع كل شىء
و قبل كل شىء , و بعد كل شىء , و فوق كل شىء , و تحت كل شىء , و قريبا من كل شىء
و محيطا من كل شىء , و بقربه هو وصفه , و بحيطة هى نعته , و عد عن الظرفية و الحدود
و عن الأماكن و الجهات , و عن الصحبة و القرب بالمسافات , وعن الدور بالمخلوقات , و امحق الكل بوصفه :
الأول و الآخر و الظاهر و الباطن , و هو هو هو :

" كان الله و لا شىء معه , وهو الآن على ما كان " اه.

و قال بعضهم :
ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه و لم أره حديثا , و إنما هو من قول بعض العارفين :

فأهل السير من المريدين يشهدون الكون , ثم يشهدون المكون عندهم .
و بأثره فيمتحق الكون من نظرهم بمجرد نظره إليه و هذا حال المستشرفين

و أهل مقام الفناء يشهدون الحق قبل شهود الحق بمعنى أنهم لا يرون الخلق أصلا , إذ لا ثبوت له عندهم لأنهم لسكرتهم غائبون عن الواسطة, فانون عن الحكمة , غرقى فى بحر الأنوار مطموس عليهم الآثار .

و فى هذا المقام قال بعضهم :

ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله
و أهل الحجاب من أهل الدليل و البرهان إنما يشهدون الكون و لا يشهدون المكون لا قبله
و لا بعده , إنما يستدلون على وجوده بوجود الكون وهذا لعامة المسلمين من أهل اليمين
قد أعوزهم :أى فاتهم و جود الأنوار , و منعوا منها , و حجبت عنهم شهود المعارف بسحب
الآثار بعد طلوعها و إشراق نورها

و ما أحتجبت إلا برفع حجابها ***** و من عجب أن الظهور تستّر

و قال آخر

لقد ظهرت فلا تخفى على أحد **** إلا على أكمه لا يبصر القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجبا **** و كيف يعرف من بالعزة استترا

و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الأربعاء يونيو 01, 2005 3:44 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله و على آله و سلم تسليماً كثيراً

معنا اليوم الحكمة الثامنة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى و هى :

( مما يدلك على وجود قهره سبحانه و تعالى أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه )

من أسمائه تعالى القهار , و من مظاهر قهره أحتجابه فى ظهوره, و ظهوره فى بطونه
و بطونه فى ظهوره ومما يدلك ايضا على وجود قهره أن احتجب بلا حجاب و قرب بلا اقتراب
بعيد فى قربه , قريب فى بعده, احتجب عن خلقه فى حال ظهوره لهم و ظهر لهم فى
حال احتجابه عنهم
فاحتجب عنهم بشىء ليس بموجود و هو الوهم و الوهم امر عدمى مفقود
فما حجبه إلا شدة ظهوره , و ما منع الابصار عن رؤيته إلا قهارية نوره
فتحصل إنفراد الحق بالوجود , و ليس مع الله موجود

قال تعالى : " كل شىء هالك إلا وجهه "

و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اصدق كلمه قالها الشاعر :

الا كل شىء ما خلا الله باطل *** و كل نعيم لا محالة زائل

فإن ما سوى الله تعالى عدم محض من حيث ذاته لا يوصف بوجود مع الله سبحانه و تعالى
إذ لو وصف به لكان ذلك شرك و هو ناقض لإخلاص التوحيد

قال بعض العارفين ابى المحققون ان يشهدوا غير الله لما حققهم به من شهود القيومية
و إحاطة الديمومة

و قال سيدى ابو الحسن الشاذلى رضى الله عنه : إننا لننظر إلى الله ببصر الإيمان
و الإيقان فأغنانا ذلك عن الدليل و البرهان و نستدل به على الخلق هل فى الوجود شىء
سوى الواحد الحق فلا نراهم و إن كان ولابد فنراهم كالهباء فى الهواء أن فتشتهم لم
تجدهم شىء

و قال إيضاً رضى الله عنه : قوى علىُ الشهود مرة فسألته ان يستر ذلك عنى فقيل
لى لو سألته بما سأله موسى كليمه و عيسى روحه و محمد صفيه صلوات الله عليهم
أجمعين لم يفعل ولكن سله ان يقويك فسألته فقوانى

قال ابن عطاء فى التنوير : فما سوى الله تعالى عند أهل المعرفة لا يوصف بوجود ولا فقد
إذ لا يوجد معه غيره لثبوت أحديته ولا فقد لغيره لأنه لا يفقد إلا ما وجد و لو انهتك حجاب
الوهم لوقع العيان على فقد الأعيان ولأشرق نور الإيقان فغطى وجود الاكوان .

و قال بعضهم : لو كلفت ان أرى غيره لم أستطع فإنه لا غير معه حتى أشهده معه

و قال الشاعر

الله قل و ذر الوجود وما حوى *** إن كنت مرتاداً بلوغ كمال
فالكل دون الله إن حققته *** ** عدم على التفصيل والإجمال
و اعلم بأنك و العوالم كلها **** لولاه فى محو و فى أضمحلال
من لا وجود لذاته من ذاته ***** فوجوده لولاه عين محال
فالعارفون فنو بأن لم يشهدوا *** شىء سوى المتكبر المتعالى
ورأوا سواه على الحقيقة هالكاً*** فى الحال و الماضى و الإستقبال

فإذا تقررهذا وجدنا اكثر الناس قد حجبوا عن الله تعالى فى شهواتهم الدنيوية و درجاتهم
الأخروية و مقامتهم العلوية فكل ذلك من الاغيار العدمية و الوجودات الوهمية
علمنا بذلك وجود قهره و لو ارتفع الحجاب عنهم لفنوا عن انفسهم و إرادتهم
و بقوا بربهم و كانوا عباد الله حقاً

و قد سئل ابو سعيد ابن الاعرابى رضى الله عنه عن الفناء فقال :

الفناء أن تبدو العظمة و الجلال على العبد فتنسيه الدنيا و الآخرة و الأحوال و الدرجات
و المقامات و الاذكار تفنيه عن كل شىء و عن عقله و عن نفسه و فنائه عن الاشياء
و عن فنائه عن الفناء لأنه يغرق فى التعظيم عقله .

قالوا و الفناء على ثلاثة أوجه :
فناء فى الافعال و منه قولهم لا فاعل إلا الله
و فناء فى الصفات اى لا حى و لا عالم ولا قادر و مريد و لا سميع ولا بصير و متكلم
على الحقيقة إلا الله
و فناء فى الذات اى لا موجود على الإطلاق إلا الله تعالى

و انشدوا فى ذلك :
فيفنى ثم يفنى ثم يفنى *** فكان فناؤه عين البقاء

و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله وسلم تسليماً كثيراً كبيراً

الكاتب:  المهاجرة [ الخميس يونيو 02, 2005 9:53 pm ]
عنوان المشاركة: 


الحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله , وعلى آله .. وسلم تسليما كثيرا

نعرض لكم الحكمة التاسعة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( كيف يتصور أن يحجبه شئ , وهو الذى أظهر كل شئ )

الظاهر هو الباطن , ما بطن فى عالم الغيب هو الذى ظهر فى عالم الشهادة . فالماء يجرى نافذا فى أس الأغصان , تجده ماء واحدا .. والزهر ألوان , يا عجبا كيف يعرف بالمعارف .. من به عرفت المعارف ؟؟ عجبت لمن يبغى عليك شهادة … وأنت الذى أشهدته كل شاهد .

ثم قال ( وهو الذى ظهر بكل شئ )
بباء الجر .. أى تجلى بكل شئ , فلا وجود لشئ مع وجوده , فكيف يحجبه شئ .

ثم قال (وهو الذى ظهر فى كل شئ )
أى بقدرته وحكمته , القدرة باطنة والحكمة ظاهرة , فالوجود كله بين قدرة وحكمة , وبين جمع وفرق . وقال بعضهم : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه .. بقدرته وحكمته , فلولا ظهور أنوار الصفات .. ما عرفت الذات , ولولا الحس .. ما قبضت المعنى , ولولا الكثيف .. ما عرفت اللطيف .

ثم قال ( وهو الظاهر لكل شئ )
بلام الجر .. أى المتجلى لكل شئ بأسرار ذاته .. وأنوار صفاته , ولما تجلى لكل شئ وعرفه فى الباطن كل شئ , وسبح بحمده كل شئ , فلم يحجبه شئ عن شئ .. قال الله تعالى ( وإن من شئ إلا يسبح بحمده ) .

ثم قال ( وهو الظاهر قبل وجود كل شئ )
فكل ما ظهر .. منه وإليه , فكان فى أزله ظتاهرا بنفسه , ثم تجلى لنفسه بنفسه . فهو الغنى بذاته عن أن يظهر بغيره أو يحتاج إلى من يعرفه غيره . فالكون كله مجموع , والغير عندنا ممنوع .

ثم قال ( وهو أظهر من كل شئ ؟!)
إذ لا وجود للأشياء مع وجوده , ولا ظهور لها مع ظهوره . وعلى تقدير ظهورها .. فلا وجود لها من ذاتها .. فلولا ظهوره فى الأشياء .. ما وقع عليها إبصار .

وقال فى لطائف المنن : ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إلى الله , فليت شعرى هل لها وجود معه حتى توصل إليه ؟! أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هى المظهر له ؟!!! وإن كانت الكائنات موصلة له .. فليس ذلك لها من حيث ذاتها … لكن هو الذى ولاها رتبة التوصيل فوُصلت , فما وصُل إليه غير إلاهيته , ولكن الحكيم هو واضع الأسباب .. فظهور الحق أجلى من كل ما ظهر , إذ هو السبب فى ظهور كل ما ظهر , وما اختفى إلا من شدة ما ظهر .

ثم قال ( وهو الواحد الذى ليس معه شئ )
لتحقق وحدانيته أزلا وأبدا . " كان الله ولاشئ معه , وهو الآن على ماعليه كان " فالحق تعالى واحد فى ذاته , وفى صفاته , وفى أفعاله , فلا شئ قبله ولا شئ بعده ولا شئ معه .

ثم قال ( وهو أقرب إليك من كل شئ )
وقربه تعالى قرب علم وإحاطة , وشهود .. لا قرب مسافة .

قال سيدنا على كرم الله وجهه : الحق تعالى ليس من شئ , ولا فى شئ , ولا فوق شئ , ولا تحت شئ , إذ لو كان من شئ .. لكان مخلوقا , ولو كان فوق شئ .. لكان محمولا , ولو كان فى شئ .. لكان محصورا , ولو كان تحت شئ .. لكان مقهورا .

وقيل له : ياابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أين كان ربنا , أو هل له مكان ؟؟ فتغير وجهه وسكت ساعة ثم قال : قولكم أين الله .. سؤال عن مكان .. وكان الله ولا مكان , ثم خلق الزمان والمكان , وهو الآن كما كان دون مكان ولا زمان .

وقال أبو الحسن الشاذلى : قيل لى .. يا على .. بى قل , وعلى دل , فأنا الكل .

ثم قال ابن عطاء الله ( ولولاه لما ظهر وجود كل شئ )
فكل ماظهر فى عالم الشهادة فهو فائض من عالم الغيب , وكل ما برز فى عالم الملكوت .. فهو فائض من بحر الجبروت , فلا وجود للأشياء إلا منه , ولا قيام لها إلا به , ولا نسبة لها معه .. إذ هى عدم محض , وعلى توهم وجودها .. فهى حادثة فانية , ولا نسبة للعدم مع الوجود , ولا للحادث مع القديم .

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله تسليما كثيرا .

الكاتب:  المهاجرة [ الثلاثاء يونيو 07, 2005 5:24 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله و سلم تسليماً كثيراً

معنا اليوم الحكمة العشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى و هى :

( يا عجياً كيف يظهر الوجود فى العدم ؟ أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم )

الوجود والعدم ضدان لا يجتمعان , و الحادث و القديم متنافيان لا يلتقيان
و قد تقرر أن الحق واجب الوجود , و كل ماسواه عدم على التحقيق , فإذا ظهر الوجود
انتفى ضده و هو العدم ,فكيف يتصور ان يحجبه و هو عدم ؟
فالحق لا يحجبه الباطل , قال تعالى :
( فذالكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال )

فالعدم ظلمة و الوجود نور و هما ضدان لا يجتمعان
ولأن الباطل لا يثبت مع ظهور الحق كما قال الله تعالى :

( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً )
وقال تعالى :

( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق )

فالظاهر و الثابت هو الحق تعالى لا الكون و مابدا إلا وجه الحق فهو المظهر و الظاهر
و الموجود دون كل المظاهر
و التعجب المذكور ناشىء من غلبة الشهود فإنه إذا قوى على العبد اضمحلت الاكوان
فى نظره و فنى عنها بالمرة

و مما ينسب لسيدنا على كرم الله وجهه :

احطت علما بكل شىء *** فكل شىء أراه أنت

وفى فنائى فنا فنائى *** و فى فنائى وجدت أنت

وسئل ابو الحسن النورى رضى الله عنه :

اين الله من مخلوقاته ؟ فقال : كان الله ولا أين و المخلوقات فى عدم فكان حيث هو
و هو الآن حيث كان , إذ لا أين ولا مكان , فقال له السائل : فما هذه الاماكن و المخلوقات
الظاهرة ؟ فقال : غز ظاهر , وملك قاهر و مخلوقات ظاهرة به و صادره عنه , لا هى
متصله به ولا منفصلة عنه , فرغ من الأشياء و لم تفرغ منه الأشياء , لأنها تحتاج إليه وهو لا يحتاج إليها , قال له صدقت
فأخبرنى ماذا أراد الله بخلقه ؟ قال : ظهور عزته و ملكه و سلطانه
قال : صدقت , فأخبرنى ما مراده من خلقه , قال : ماهم عليه , قال : أو يريد من
الكفرة الكفر ؟
قال أ فيكفرون به وهو كاره ؟ ثم قال : أخبرنى ماذا أراد الله بإختلاف الشيع و تفريق الملل ؟
قال : أراد إبلاغ قدرته , و بيان حكمته و إيجاب لطفه و ظهور عدله و إحسانه . اه

فيما سبق إشاره إلى أن تجليات الحق على ثلاثة أقسام:

قسم أظهرهم ليظهر فيهم كرمه و إحسانه , و هم أهل الطاعة و الإحسان

و قسم أظهرهم ليظهر فيهم عفوه و حلمه , و هم أهل العصيان من أهل الإيمان

وقسم أظهرهم ليظهر فيهم نقمته و غضبه , و هم أهل الكفر و الطغيان

و هذا سر تجليه تعالى فى الجملة و الله تعالى أعلم

و صل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله و سلم تسليماً كثيراً

الكاتب:  المهاجرة [ الخميس يونيو 09, 2005 4:32 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمدلله و الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله و على آله و سلم تسليماً كثيراً

حكمتنا اليوم هى الحكمة الحادي و العشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى و هى :

( ما ترك من الجهل شيئاً من أراد أن يظهر فى الوقت غير ما أظهره الله فيه )

الجهل ضد العلم و قيل : هو عدم العلم بالمقصود و هو على قسمين :
بسيط و مركب : البسيط أن يجهل و هو يعلم أنه جاهل
و المركب : أن يجهل جهله , و أقبح الجهل الجهل بالله و إنكاره بعد طلب معرفته .

من آداب العارف الحقيقى أن يقر الأشياء فى محلها و يسير معها على سيرها
فكلما أبرزته القدرة للعيان فهو فى غاية الجمال و الإتقان

قال ابو الحسن النورى رضى الله عنه :
مراد الله من خلقه ما هو عليه , فإذا أقام الله عبداً فى مقام من المقامات فالواجب
على العارف أن يقره فيه بقلبه كائناً ما كان , و إن كان لا تسلمه الشريعة رغبة فى الخروج
عنه فى السياسة و ينظر ما يفعل الله

قال بعضهم :
من عامل الخلق بالشريعة طال خصمه معهم و من عاملهم بالحقيقة عذرهم .
و الواجب أ ن يعاملهم فى الظاهر بالشريعة فيذكرهم و فى الباطن بالحقيقة فيعذرهم
و من أراد ان يظهر فى الوقت غير ما أظهره الله تعالى فى نفسه أو فى غيره فقد جمع
الجهل كله و لم يترك منه شيئاً , حيث عارض القدر و نازع القادر

و قد قال تعالى : " إن ربك فعال لما يريد " " و لو شاء ربك ما فعلوه "

و قيل فى بعض الأخبار: يقول الله تبارك و تعالى:
" من لم يرض بقضائي و لم يصبر على بلائي, فليخرج من تحت سمائي و ليتخذ رباً سواي"

و قال عبد الله بن مسعود و ابن عباس رضي الله عنهما :
لأن ألحس جمرة أحرقت ما أحرقت و أبقت ما أبقت أحب إلى من أن أقول لشيء كان
ليته لم يكن, أو لشيء لم يكن ليته كان

و قال أبو عثمان رضى الله عنه : منذ أربعين سنة ما أقامنى الله تعالى فى حال فكرهته
و لا نقلنى إلى غيره فسخطته

و الحاصل : أن العارف لا ينكر شيئاً و لا يجهل شيئاً
و قد قال بعض العارفين : ليس فى الإمكان أبدع مما كان
و تأويله أن ماسبق فى علم الله يكون لا يمكن غيره فلا أبدع منه

فمن أراد أن يحدث غير ما أظهره الله تعالى فقد بلغ غاية الجهل بربه و أساء الأدب في
حضرة مولاه عز و جل و هذا من معارضة حكم الوقت الذي تشير إليه الصوفية و هو عندهم
من أعظم ذنوب الخاصة فالواجب على العبد الاستسلام لحكم الله تعالى في ذلك الوقت
فهو أدب العبودية و مقتضى العلم بالله تعالى و هذا هو أحد معانى لفظ الوقت في اصطلاحهم

و من كلامهم : الوقت سيف أى كما أن السيف قاطع فالوقت بما يقتضيه الحق و يجريه غالب
و قيل السيف لين مسه قاطع حده فمن لاينه سلم و من خاشنه اصطلم كذلك الوقت من استسلم لحكمه نجا و من عارضه بترك الرضا انتكس .

و صل اللهم علي سيدنا محمد و على آله وسلم تسليماً كثيراً

الكاتب:  المهاجرة [ الأربعاء يونيو 15, 2005 4:06 pm ]
عنوان المشاركة: 

الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

حكمتنا اليوم هى الحكمة الثانية والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى و هى :

" إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس "

الإحالة على الشىء : هو تسليطه و إغراؤه عليه , و المراد هنا توقف الأمر عليه
بحيث لا يتوجه له حتى يتيسر وجوده
و الفراغ من الشىء : خلوه منه ,و فراغ القلب : خلوه مما يشغله
و فراغ الجوارح : خلوها من الأشغال
و الرعونة : نوع من الحمق

فإذا كان العبد متلبساً بحال من أحوال دنياه و كان له فيها شغل يمنعه من العمل
بالأعمال الصالحة و أحال ذلك العمل على فراغه من تلك الأشغال و قال إذا تفرغت
عملت فذلك من رعونة نفسه
و الرعونة ضرب من الحماقة و حماقته من وجوه :

الأول : إيثار الدنيا على الآخرة و ليس هذا من شأن عقلاء المؤمنين و هو خلاف ما طلب منه

قال الله تعالى : " بل تؤثرون الحياة الدنيا و الآخرة خيرا و أبقى "

و الثانى : تسويفه بالعمل إلى أوان فراغه و قد لا يجد مهلة بل يختطفه الموت قبل ذلك
أو يزداد شغله لأن أشغال الدنيا يتداعى بعضها إلى بعض كما قيل :
فما قضى أحد منها لبانته **** و لا انتهى أرب إلا إلى أرب

وكما جاء فى قوله صلى الله عليه وسلم :
" نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ "

و الثالث : أن يفرغ منها إلى الذى لا يرضيه من تبدل عزمه و ضعف نيته ثم فيه من دعوى الاستقلالورؤية الحول و القوة فى جميع الأحوال ما يستحقر فى جنبه جميع هذا
بل الواجب عليه أن يبادر إلى الأعمال على أى حال كان و أن ينتهز فرصة الامكان قبل
مفاجأة الموت وحلول الفوت و أن يتوكل على الله فى تيسرها عليه و صرف الموانع
الحائلة بينها و بينه

و ما أحسن قول ابن الفارض فى هذا المعنى :
وعد من قريب فاستجب واجتنب غدا **** و شمر عن الساق اجتهادا بنهضة
وكن صارما كالوقت فالمقت فى عسى **** و إياك مهلا فهى أخطر علة
و سر زمنا و انهض كثيرا فحظك البطالة ما أخرت عزما لصحة
و جد بسيف العزم سوف فإن تجد **** تجد نفسا فالنفس إن جدت جدت

و من آداب العارف أن يكون كامل العقل ثاقب الذهن . و من علامة العقل انتهاز الفرصة
فى العمل و مبادرة العمر غير التسويف و لا أمل , إذ ما فات منه لا عوض له , و ما حصل
لا قيمة له

و فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" ألا و إن من علامة العقل التجافى عن دار الغرور , و الإنابة إلى دار الخلود و التزود
لسكن القبور و التأهب ليوم النشور"

ومن كلام سيدى ابن عطاء الله :
الخذلان كل الخذلان أن تقل عوائقك ثم لا تقبل عليه , فالواجب على الإنسان أن يقطع
علائقه وعوائقه ويخالف هواه , ويبادر الى خدمة مولاه , ولا ينتظر وقتاً آخر .
إذ الفقير ابن وقته , فلا تجده مشغولاً إلا بفكرة أو نظرة أو ذكر أو مذاكرة أو خدمة
شيخ يوصله الى مولاه .
وقد قلت لبعض الإخوان :
الفقير الصدُيق ليس له فكرة ولا هدرة إلا فى الحضرة أو ما يوصله للحضرة
والله تعالى أعلم .

وصل اللهم على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ السبت يونيو 18, 2005 3:50 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الحكمة اليوم هى الحكمة الثالثة والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهي :

( لاتطلب منه أن يخرجك من حاله ليستعملك فيما سواها
لو أرادك لاستعملك من غير إخراج )

من آداب العارف الاكتفاء بعلم الله والاستغناء به عما سواه
فإذا أقامه الله تعالى فى حالة من الأحوال فلا يستحقرها ويطلب الخروج منها إلى
حالة أخرى , فلو أراد الحق تعالى أن يخرجه من تلك الحالة ويستعمله فيما هواه
لاستعمله من غير أن يطلب منه أو يخرجه , بل يمكث على ما أقامه فيه الحق تعالى
حتى يكون هو الذى يتولى إخراجه كما تولى إدخاله

كما ينبغى له حسن الأدب مع الله وإيثار مراده به على إختياره هو وحينئذ يتحقق
بحال يتعرف فيها محبة الله تعالى وإرادته له فيستعمله إستعمالا محبوبا عنده مع
بقائه على حالته التى هو عليها فيكون إذ ذاك بمراد الله تعالى لابمراده لنفسه وهو
خيرا مما أختاره

قال فى التنوير :
يحكى عن بعضهم أنه كان يقول وددت لو أننى تركت كل الأسباب وأعطيت كل يوم
رغيفين يريد بذلك أن يستريح من تعب الأسباب قال فسجنت ثم كنت فى السجن
يؤتى إلى كل يوم برغيفين فطال ذلك علي حتى ضجرت ففكرت يوما فى أمرى
فقيل لى أنك طلبت منا كل يوم رغيفين ولم تطلب منا العافية فأعطيناك ما طلبت
فاستغفرت من ذلك ورجعت الى الله تعالى فإذا بباب السجن يقرع فتخلصت وخرجت .

قال فيه فتأدب بهذا أيها المؤمن ولاتطلب أن يفرغك فى أمر ويدخلك فيما سواه إذا كان
ما أنت فيه مما يوافق لسان العلم فإن ذلك من سوء الأدب مع الله تعالى فأصبر لئلا
تطلب الخروج بنفسك فتعطى ما طلبت وتمنع الراحة فيه
فرب تارك شيئا وداخل فى غيره لايجد الثروة والراحة فيتعب وقوبل بوجود التعسير
عقوبة لوجود الإختيار _ أه كلامه فى التنوير

يقول أحد المشايخ :
من أوصاف الولى الكامل ألا يكون محتاجا إلا على الحال الذى يقيمه مولاه فيه فى
الوقت, يعنى ماله مراد إلا ما يبرز من عنصر القدرة لاتشتهى نفسه غيره .

فإذا تجلى فى العارف شىء من هذه الأمور أعنى الأنتقال من حال إلى حال
فليتأن وليصبر حتى يفهم أنه من الله , بأشارة ظاهرة أو باطنة أو هاتف حسى أو معنوى
ولينصت إلى الهواتف فإن الله تعالى يخاطبه بما يفعل
وهذا أمر مجرب صحيح عند العارفين حتى أنهم لايتصرفون إلا بإذن من الله ورسوله
صلى الله عليه وسلم إذ لا فرق عند أهل الجمع جعلنا الله منهم آمين.

وعلى العارف الصادق أن يكون كالميت بين يدى الغاسل أو كالقلم بين الأصابع
يقول صاحب العينية رضى الله عنه :
آرانى كالآلات وهو محركى ***** أنا قلم والأقتدار أصابع

وقال الله تعالى :
" وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة "

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الجمعة يونيو 24, 2005 6:18 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً

الحكمة اليوم هى الحكمة الرابعة والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

(ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته الحقيقة : الذى تطلب
أمامك , ولا تبرجت ظواهر المكنونات إلا ونادته حقائقها : إنما نحن فتنة فلا تكفر )

همة السالك : هى القوة الباعثة له على السير
ووقوفها مع الشىء : هو إعتقادها أن ما وصلت إليه هو الغاية أو فيه الكفاية
وهواتف الحقيقة : هى لسان حال الكشف عن عين التحقيق
وتبرج الشىء : ظهوره فى حال الزينة لقصد الإمالة
وظواهر المكونات : هو ما كساها من الحسن والحكمة
وتزيينها : هو خرق عوائدها له وإنقيادها لحكمة وحقائقها
نورها الباطنى : وهو تجلى المعنى فيها

السائر الى الله تعالى يتجلى له فى أثناء سلوكه أنوار وتبدو له أسرار فإن أرادت
همته أن تقف عند ما كشف لها من ذلك لإعتقاده أنه وصل الى الغاية القصوى
والنهاية من المعرفة
نادته هواتف الحقيقة : المطلوب الذى تطلب أمامك فجد فى السير ولا تقف
فإن تبرجت له ظواهر المكونات بزينتها فمال الى حسنها وجمالها
نادته حقائقها الباطنة : إنما نحن فتنة فلا تكفر
وغمض عينيك عن ذلك ولا تلتفت إليه ودم على سلوكك وسيرك .
واعلم أنه ما دامت لك همة وإرادة فأنت بعد فى الطريق لم تصل فلو
فنيت عنهما لوصلت

وما أحسن قول الشيخ ابى الحسن التسترى فى هذا المعنى :

ولا تلتفت غى السير غيرا فكل ما *** سوى الله غير فاتخذ ذكره حصناً
وكل مقام لا تقم فيه إنه ********* حجاب فجد السير واستنجد العونا
ومهما ترى كل المراتب تجتلى ****** عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا
وقل ليس لى فى غير ذاتك مطلب *** فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنى

فإذا كشف للمريد عن الفناء فى الإسم , وذاق حلاوة العمل والذكر , وأرادت
همته أن تقف معها
نادته هواتف حقائق الفناء فى الذات : الذى تطلب أمامك , فإذا ترقى الى مقام
الفناء فى الذات وذاق حلاوته , ولم يتمكن وقنع بذلك وأرادت همته أن تقف مع ذلك
نادته هواتف حقيقة التمكين : الذى تطلب أمامك , وإذا تمكن ولم يطلب زيادة الترقى
نادته هواتف الترقى : الذى تطلب أمامك , وهكذا كل مقام ينادى على ما قبله .

وإذا تبرجت : أى ظهرت بزينتها وحللها للسالك أو للعوارف ظواهر المكونات بخرق
عوائدها وانقيادها له , وتصرفه فيها بهمته , كالمشى على الماء والطيران فى
الهواء ونبع الماء وجلب الطعام وغير ذلك من الكرامات الحسية , وأرادت همة
السالك أن تقف مع ظواهرها وتشتغل بحلاوة حسها
نادته هواتف المعانى الباطنة : إنما نحن فتنة لك نختبرك , هل تقنع بها دون
معرفة مالكها ومنشيها المتجلى فيها ؟ أو تعرض عنها وتنفذ إلى نور معانيها
وشهود مالكها ومجريها , فلا تكفر وتجحد المتجلى بها , فتنكره فتكون من الجاهلين .

وقال فى هذا سيدى ابو الحسن الشاذلى رضى الله عنه :

" أعلم أنك إذا أردت أن يكون لك نصيب مما لأولياء الله تعالى فعليك برفض الناس
جملة إلا من يدلك على الله تعالى بإشارة صادقة وأعمال ثابتة لا ينقضها كتاب
ولا سنة وأعرض عن الدنيا بالكلية ولا تكن ممن يعرض عنها ليعطى شيئاً على
ذلك بل كن فى ذلك عبدالله امرك أن ترفض عدوه فإن أتيت بهاتين الخصلتين
الإعراض عن الناس والزهد فى الدنيا فأقم مع الله بالمراقبة وإلتزام لتوبة
بالرعاية والإستغفار والإنابة والخضوع للأحكام بالإستقامة "

وتفسير هذه الجمل الأربعة أن تكون عبداً لله فيما تأتى وما تذر , وتراقب قلبك
أن لا يرى قلبك فى المملكة شيئاً لغيرى
فإن أتيت بهذا نادتك هواتف الحق من أنوار العز : إنك قد عميت عن طريق الرشد
من أين لك القيام مع الله تعالى بالمراقبة وأنت تسمع قوله
– وكان الله على كل شىء رقيباً –
فهنالك يدركك من الحياء ما يحملك على التوبة مما ظننت أنه قريب
فالتزم التوبة بالرعاية لقلبك أن لا يشهد ذلك منك بحال فتعود الى ما خرجت عنه
فإن صحت هذه منك نادتك الهواتف أيضاً من قبل الحق تعالى :
التوبة منه بدت والإنابة منه تتبعها
واشتغالك بما هو وصف لك حجاب عن مرادك فهناك تظهر أوصافك فتستعيذ بالله
منها وتأخذ فى الإستغفار والإنابة
والإستغفار طلب الستر من أوصافك بالرجوع الى أوصافه
فإن كنت بهذه الصفة أعنى الإستعفار والإنابة ناداك عن قريب :
اخضع لأحكامى ودع عنك منازعتى واستقم مع إرادتى برفض إرادتك
وإنما هى ربوبية تولت عبودية وكن عبداً مملوكاً لاتقدر على شىء
فمتى رأيت منك قدرة وكلتك إليها وأنا بكل شىء عليم
فإن صح لك هذا الباب ولزمته أشرفت من هناك على أسرار لا تكاد تسمع من
أحد من العالمين

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الجمعة يوليو 08, 2005 3:53 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمدلله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

حكمتنا اليوم هى الحكمة الخامسة والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى :

( طلبك منه اتهام له , وطلبك له غيبه منك عنه , وطلبك لغيره لقلة
حيائك منه , وطلبك من غيره لوجود بعدك منه )
طلبك منه يكوم بالتضرع والإبتهال
وطلبك له يكون بالبحث والإستدلال
وطلبك لغيره يكون بالتعرف والإقبال
وطلبك من غيره يكون بالتملك والسؤال
الطلب الذى يتصور من العبد على أربعة أوجه كما سبق وكلها مدخولة معلولة
فأما طلبك منه لوجود تهمتك له , لأنك إنما طلبته مخافة أن يهملك أو يغفل عنك
فإنما ينبه من يجوز منه الإغفاء , وإنما يذكر من يمكن منه الإهمال
( وما الله بغافل عما تعملون )
قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه :
" من شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين "

فالسكون تحت مجارى الأقدار أفضل عند العارفين من التضرع والإبتهال
وكان مولانا العربى رضى الله عنه يقول :
الفقير الصادق لم تبقى له حالة يطلبها , وإن كان ولابد من الطلب فاليطلب المعرفة .
وإذا ورد منهم الدعاء فإنما هو عبودية وحكمة لا طلبا للقسمة
إذ ما قسم لك واصل إليك ولو سألته أن يمنعكه ما أجابك .
وفى المسألة خلاف بين الصوفية , هل السكوت أولى أو الدعاء ؟
والتحقيق أن ينظر ما يتجلى فيه وينشرح له الصدر

وأما طلبك له فهو دليل على غيبتك عنه بوجود نفسك , فلو حضر قلبك وغبت عن
نفسك ووهمك لما وجدت غيره

قال ابن المرحُل السبتى رضى الله عنه :
ومن عجب أنى أحن إليهم *** وأسأل شوقا عنهم وهم معى
وتبكيهم عينى وهم بسوادها *** ويشكو النوى قلبى وهم بين أضلعى

وللرفاعى رضى الله عنه :
قالوا أتنسى الذى تهوى فقلت لهم *** ياقوم من هو روحى كيف أنساه؟
وكيف أنساه والأشياء به حسنت *** من العجائب ينسى العبد مولاه
ما غاب عنى ولكن أبصره *** إلا وقلت جهارا قل هو الله

وأما طلبك لغيرك : أى لمعرفة غيره فلقلة حيائك منه وعدم أنسك به .
أما وجه قلة حيائك منه , فلأنه يناديك إلى الحضرة وأنت تفر منه إلى الغفلة
وأما وجه عدم أنسك به فلأنك لو أنست به لاستوحشت من خلقه , فلا يتصور
منك طلب معرفتهم وأنت تفر منهم , فإذا آنسك به أوحشك من خلقه وبالعكس
والإستئناس بالناس من علامة الإفلاس .
إقبالك على الحق إدبارك عن الخلق , وإقبالك على الخلق إدبارك عن الحق
وقد عدوا من أصول الطريق الإعراض عن الخلق فى الإقبال والإدبار .

وأما طلبك من غيره فلوجود بعدك عنه إذ لو تحققت بقربه منك وهو كريم
ما أحتجت إلى سؤال غيره وهو لئيم
وفى بعض الكتب المنزلة:
يقول الله تبارك وتعالى : إذ1 انزلت بعبدى حاجة فرفعها إلى أعلم ذلك من نيته
لو كادته السموات السبع والأرضون السبع لجعلت له من أمره فرجا ومخرجا
وإذا أنزلت بعبدى حاجة فرفعها إلى غيرى أطحت الأرض من تحته وأسقطت
السماء من فوقه , وقطعت الأسباب فيما بينى وبينه .

فالحاصل من هذا أن الأدب هو الإكتفاء بعلم الله , والتحقيق بمعرفة الله
والإستغناء به عما سواه

وصل الللهم على سيدنا محمد وعلى آله تسليماً كثيراً

الكاتب:  المهاجرة [ السبت يوليو 16, 2005 6:53 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

معنا اليوم الحكمة السادسة والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :

( ما من نفس تبديه إلا وله قدر فيك يمضيه )

النفس : بفتح الفاء عبارة عن دقيقة من الزمان قدر ما يخرج النفس ويرجع , وهو
أوسع من الطرفة , والطرفة أوسع من اللحظة وهى رمق البصر ورده
والقدر : هو العلم السابق للأشياء قبل أن تظهر , وهو علم أوقاتها وأماكنها
ومقاديرها وعدد أفرادها , وما يعرض لها من الكيفيات , وما ينزل بها من الأفات .

فإذا علمت أيها الأنسان أن أنفاسك قد عمها القدر , ولا يصدر منك ولا من غيرك
إلا ما سبق به علمه وجرى به قلمه
لزمك أن ترضى بكل ما يجرى به القضاء , فأنفاسك معدودة , وطرفاتك ولحظاتك
محصورة
فإذا أنتهى آخر أنفاسك رحلت إلى آخرتك , وإذا كانت الأنفاس معدودة فما بالك
بالخطوات والخطرات وغير ذلك من التصرفات ولله در القائل :

مشيناها خطا كتبت علينا *** ومن كتبت عليه خطا مشاها
ومن قسمت منيته بأرض *** فليس يموت فى أرض سواها

وحقيقة الرضا : تلقى المهالك بوجه ضاحك
وحقيقة التسليم : إستواء النقمة والنعيم , بحيث لا يختار فى أيهما يقيم
وهذا هو مقام أهل الكمال الذين تحققوا بالزوال
نفعنا الله بذكرهم , وخرطنا فى سلكهم آمين

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الاثنين يوليو 18, 2005 2:53 am ]
عنوان المشاركة: 


الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

معنا اليوم الحكمة السابعة والعشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله
السكندرى وهى :

( لاتترقب فراغ الأغيار , فإن ذلك يقطعك عن وجود المراقبة فيما هو مقيمك فيه )

الترقب : هو الأنتظار
والأغيار : جمع غير بكسر الغين , وهو ما يغير القلب عن حاله , والغالب أستعماله
فيما يغيره من حالة الكمال إلى حالة النقص
وعند الصوفية كل ما يشغل عن الحضرة ويغير القلب عنها فهو غير
والمراقبة : هى العسة ( أى التجسس أو الترقب )على القلب لئلا يخرج من حضرة
الرب والمراد بها فى كلام الشيخ مطلق العسة , فتصدق بمراقبة القلب كما تقدم
وتصدق بمراقبة الروح وهى عسها على دوام الشهود
وبمراقبة السر وهى عسته على دوام الترقى والأدب

فإذا أقامك الحق تعالى فى حال يغلب فيها وجود الأغيار لغلبة الحس فيها
كما إذا أقامك فى شغل دنيوى فى الظاهر لامحيد لك عنه
فجاهد قلبك فى العس عليه فى الحضور لئلا تسرقك الغفلة
أو جاهد روحك فى العسة عليها فى دوام الشهود لئلا يسرقك الحس
أو جاهد سرك فى أستمداد المواهب والعلوم لئلا يحصل فى ذلك فتور

وللتوضيح :
إذا أقام الله تعالى عبدا فى سبب من الأسباب فالواجب عليه أن يوفيه حقه
ويلزم فيه الأدب ولا يترقب وقتا ثانيا يكون فيه فارغا فإن تأميله للوقت الثانى
يمنعه من القيام بالوقت الأول فيما أقيم فيه وتوفيته بما يجب له وهو خلاف
الأمر المطلوب منه فليتجنب ذلك المريد

قال أبو حفص رضى الله عنه :
الفقير الصادق هو الذى يكون فى كل وقت بحكمه فإذا ورد عليه وارد يشغله على
حكم وقته يستوحش منه ويتقيه

وقال سهل بن عبد الله رضى الله عنه :
إذا جنك الليل فلا تؤمل النهار حتى تسلم ليلتك تلك وتؤدى حق الله فيها وتنصح
فيها لنفسك وإذا أصبحت فكذلك

وسئل سهل رضى الله عنه متى يستريح الفقير ؟
فقال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذى هو فيه

قال البغوى فى تفسيره عند قوله تعالى : ( ونبلوكم بالشر والخير )
أى الشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر وقيل بما تحبون وما تكرهون
لننظر شكركم فيما تحبون وصبركم فيما تكرهون

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما كثيرا

الكاتب:  المهاجرة [ الأربعاء يوليو 27, 2005 6:30 am ]
عنوان المشاركة: 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله و على آله وسلم تسليما كثيرا:

الحكمة اليوم هي الحكمة الثامنة و العشرون من حكم سيدى ابن عطاء الله
السكندرى وهى :

( لا تستغرب وقوع الاكدار مادمت فى هذة الدار , فإنها ما ابرزت إلا ما هو
مستحق وصفها وواجب نعتها )

الإستغراب : تصير الشىء غريباً حتى يتعجب منه
الاكدار :كل ما يكدر على النفس و يؤلمها
و مستحق وصفها : ما تستحق ان توصف به
وواجب نعتها : ما يجب ان تنعت به . قال بعضهم : الوصف يكون بالأمور الازمة
و النعت يكون بالعوارض الطارئة , فالأمور الازمة كالبياض و السواد و الطول
و القصر , و العوارض كالمرض و الصحة و الفرح و الحزن و غير ذلك
و المراد هنا بالأوصاف ما يتكرر وقوعه كالموت و الامراض و ما يقع كثيراً
و بالنعوت ما يقل وقوعه فى العادة كالفتن و الهرج و الزلازل لانهم يقولون :
الاوصاف لوازم و النعوت عوارض , و قيل شىء واحد هو الاصح

من آداب العارف ألا يستغرب شيئاً من تجليات الحق , ولا يتعجب من شىء
منها كائنة من كانت جلالية او جمالية ,فإذا نزلت به نوازل قهرية او وقعت فى
هذه الدار أكدار و أغيار جلالية فلا يستغرب وقوع ذلك
لانها دار أهوال و منزل فرقة و انتقال

قال الجنيد رضى الله عنه :
لا أستبشع مما يرد علىُ من العالم لانى أصلت أصلاً و هو
أن الدار دار هم و غم و بلاء و فتنة , و أن العالم كله شر

ومن حكمه : أنه يتلقانى بكل ما أكره , فإن تلقانى بما احب فهو فضل
و إلا فالأصل هو الأول

و فى الحكايات المنقولة عن سيدنا جعفرن الصادق رضى الله تعالى عنه انه قال :
من طلب مالم يخلق أتعب نفسه و لم يرزق فقيل له و ما ذاك قال :
الراحة فى الدنيا و فى معناه انشدوا :

تطلب الراحة فى دار العنا *** خاب من يطلب شىء لا يكون

و قال أبو تراب رضى الله تعالى عنه :
يا أيها الناس أنتم تحبون ثلاث اشياء و ليس هى لكم تحبون النفس و هى لهواها
و تحبون الروح و الروح لله و تحبون المال و المال للورثة و تطلبون أثنين
ولا تجدونهما الراحةو الفرح و هما فى الجنة

فلا تستغرب ايها العارف ما يقع بك او لغيرك من الاكدار ما دمت مقيماً فى هذه
الدار , لأنها ما برز فيها من التجليات الجلالية إلا ما هو مستحق أن تتصف به
وواجب أن تنعت به , فلا تستغرب شيئا ولا تتعجب من شىء

بل الواجب عليك أن تعرف الله فى الجلال و الجمال و الحلوة و المرة
و أما إن كنت لا تعرفه إلا فى الجمال فهذا مقام العوام
و المعرفه فى الجلال السكون والأدب و الرضا و التسليم .

فينبغى للفقير أن يكون كعشب السمار , إذا جاءت حملة الوادى حنى رأسه
و إذا ذهبت رفع رأسه
وكما لا تستغرب وقوع الأقدار بحيث لا تحزن ولا تخف ولا تجزع , كذلك لا تتعجب
من وقوع المسار و هو الجمال بحيث لا تفرح ولا تبطر
فإن الجلال مقرون بالجمال , و الجمال مقرون بالجلال , يتعاقبان تعاقب الليل
و النهار و العارف يتلون من كل واحد منهما , لا يستغرب شيئاً ولا يتعجب شيئاً
إذ كل ما يبرز من عنصر القدرة كله واحد
و بهذا وقع التفريق بين الصادق و الصدُيق , لان الصديق لا يتعجب نم شىء
و لا يتردد فى شىء وعد به بخلاف الصادق فقط فإنه مهما رأى شيئاً مستغرباً
تعجب منه , و إذا وعد بشىء قد يتررد فى إمتثاله
و قد وصف الله تعالى السيدة مريم بالصديقية و لم يصف السيدة سارة بها
لأنها لما بشرت بالولد على وجة خرق العادة استغربت و قالت :
" ان هذا لشىء عجيب "
فلذلك قالت لها الملائكة : " اتعجبين من أمر الله "
بخلاف السيدة مريم لم تتعجب و إنما سألت سؤال استفهام فقط
أو سألت عن وقت ذلك او كيفيته هل بالتزوج او بغيره , و الله تعالى أعلم

و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليماً كثيراً .

صفحة 2 من 36 جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين
Powered by phpBB © 2000, 2002, 2005, 2007 phpBB Group
http://www.phpbb.com/