موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 53 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 12:37 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
بسم الله الرحمن الرحيم
بإذن الله نبدأ فى كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
لنجم الدين كبرى الذى قال :
الطريق إلى الله على عدد أنفاس البشر
تمهيد
للصوفية الفرس مكانتهم المتميزة فى تاريخ التصوف عند المسلمين،فقد شاركوا الصوفية العرب فى كتابة التاريخ الصوفى،بحيث يستحيل
الفصل بين الفريقين؛خاصة أن كليهما شرب من نبع واحد هو الوحى المحمدى،وأنتسب لثقافة بعينها هى الثقافة العربية الأسلامية.
إلا أن الصوفية من ذوى الأصول الفارسية،لهم ذوق روحى خاص.فهم وإن وفدوا على الجانب العربى من العالم الأسلامى،أو استوطنوه-والكلام هنا عن القرون السابقة، قبل رسم تلك الحدود بين بلدان المسلمين-إلا أنهم اختصوا دوما بروح مميزة عن روح الصوفية العرب.
ففى شعر الصوفية الفرس نرى تلك الروح المتأججة،فى مقابل الروح الرصينة لدى شعراء الصوفية العرب.ولنقارن بين شعر جلال الدين الرومى أعظم شعراء الصوفية الفرس،وشعر عمر بن الفارض أشهر شعراء الصوفية العرب،لنرى أشعار ابن الفارض الموشاه بفنون البلاغة،المزينة بجرس الجناس التام والناقص،الرافلة فى ألوان التشبيه والإستعارة...بينما يتدفق شعر الرومى عارما،دافئا ،متألما،ناحتا لفظه وجماليات تعبيره من
حرارة القلب والتهاب الروح.ولننظر فى شعر العطار مقارنا بأشعار ابن عربى،لنرى خيال العطار المحلق،فى مقابل ابن عربى وصرامته.
وفى النثر الصوفى،نقارن بين كتابات شهاب الدين السهرودى الإشراقى-الفارسى الأصل-وكتابات الصوفى العربى الكبير محمد عبد الحق بن سبعين؛فنرى السهرودى يكتب بيد ساحرة ،فيأتى فى قصصه الصوفى بصور خيالية هائلة ،ويرمزللمعنى البعيد باللفظ العجيب.....بينما يوجز ابن سبعين ويحد العبارة،ويقد كلامه من الصخر المتين.
وفى طبيعة الحياة الروحية،نرى الصوفية أكثر اشتعالا من نظرائهم العرب،وأشد احتراقا....حتى إننى بدأت فى عمل كتاب عن
قتلى الصوفية وشهدائهم،أولئك الذين تدفقت رحلتهم الروحية حتى انتهت بواقعة موت عارم،مروع أخاذ؛فوجدهم -كلهم-من ذوى الأصول
الفارسية:الحسين بن منصورالحلاج ،أبو الحسين النورى،عماد الدين النسيمى،عين القضاة الهمذانى؛شهاب الدين السهروردى
البغدادى الخوازرمى،نجم الدين الكبرى.
بدأت معرفتى بنجم الدين الكبرى على مقاعد الدرس،فى السنة الثانية من دراستى بقسم الفلسفة
بآداب الإسكندرية...كنا وقتها ندرس فخر الدين الرازى ،الفقيه المتكلم المفسر،وبينما نحن فى خضم المباحث الكلامية
والفقهيةالعويصة التى يثيرها الفخر الرازى،بطريقته الجافة المعقدة،أطلت علينا فى الكتاب المقرر
قصة لقائه بنجم الدين الكبرى،وما دار بينهما من حوار كان كأنه النسمة الباردة فى صحراء درس الرازى...وانطوت صفحات الأيام،ولم أستزد من معرفتى بهذا الشيخ،الذى فاض حواره مع الرازى دفئا وصدقا.
ومرت السنون ،حتى جلست يوما مع الصديق الروائى /جمال الغيطانى ،فسألنى عن نجم الدين الكبرى،فأجبته بأنه واحد من كبار صوفية
الفرس ،ولم أزد...فأخبرنى إنه يود يعرف المزيد عنه،ولما سألته عن الباعث، قال إنه كان يزور الإتحاد السوفيتى-وكان وقتها قائما-فنظموا له رحلة
فى الجمهوريات التى تعرف اليوم بالإسلامية،فسلكوا به فى صحراء مترامية ،حتى مضت الساعات على الطريق الذى يشق الرمال،
وعلى مرمى البصر رأى مسجدا...نزل عنده ،فرآه وحيدا متفردا،وقرأ على بابه:"هذا مقام الشيخ نجم الدين الكبرى قدس الله سره"
وعلى الجدران مكتوب:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس،ولم يسمر بمكة سامر
غاصت تلك الواقعة فى نفسى، وتمثلت هذا الشيخ المنفرد بقبره، المتفرد بسكونه وسط الصحراء.وددت فى معرفته،وقد تذكرت ما كان من لقائه بفخر الدين الرازى، ورحت أقلب الكتب. ..كانت هزتى الشديدة، لما وجدت المراجع تحكى واقعة موته المجيدة! إذ شعرت بأننا أحوج ما نكون إلى نجم الدين الكبرى ،ليعلمنا كيف نموت مثلما مات هو،ميتة مجيدة....مادمنا الميتين على كل حال! واشتقت للكتابة عنه.
فى كتابى الصغير (شعراء الصوفية المجهولون)أفردت بضع صفحات للشيخ نجم الدين،وقدمت بعضا من أشعاره،فكان ذلك سببا
فى معرفتى بالدكتور حسن عباس زكى،الذى بادر-وهو فى المقام الأعلى-بطلب لقائى للحديث حول ما كتبته عن نجم الدين الكبرى.وفى
أثناء اللقاء الأول جاءت فكرة نشر "فوائح الجمال"
فى طبعة بتحقيقى ،وأمدنى الدكتور حسن عباس زكى بنسختين مخطوطتين من الكتاب، كانتا ضمن مكتبته الزاخرة؛فشرعت فى التحقيق
حتى تنبهت إلى أن مستشرقا ألمانيا نشر الكتاب ببلاده منذ ثلاثين سنة،فتوقفت...ولامنى على التوقف واحد من أشقاء روحى،
وهو الدرويش السكندرى المثقف/عبد الرحمن المكباتى. قلت له الكتاب منشور من قبل ،ولدينا العديد من التراث المخطوط
الذى لم يسبق نشره،فهو الأولى بالجهد...فامتعض وقال:هى نشرة ألمانية تعد اليوم -لندرتها-كأنها لم تكن...وقال:سيكون لك فى الكتاب نظرات أخرى ،والناس بحسب المفهوم الصوفى :أنفاس!
تريثت حتى حصلت على نشرة المستشرق الألمانى،وجعلتها إحدى الأصول التى حققت عليها الكتاب. ثم شعرت أن الأمر بحاجة
إلى مزيد جهد!فلا توجد فى المكتبة العربية أية كتابات حول الشيخ نجم الدين-اللهم إلا ترجماته فى كتب التاريخ القديمة-ولم تفرد له حتى اليوم
دراسة واحدة تعرف به،مع خطورة موقعه فى تاريخ التصوف.
من هنا ،كانت تلك الدراسة التى تحتل القسم الأول من هذا الكتاب،والتى يعلم الله كم عانيت فى إتمامها. ربما لقلة الموضعات الخاصة بالشيخ
فى المصادر العربية،وربما لكونها غير مسبوقة إلا بتلك الدراسة التى وضعها المستشرق الناشر للفوائح باللغة الألمانية
والتى آثرت ألا ألقى بنظرى إليها إلا بعد إتمام دراستى،لكيلا أتأثر بتناوله للموضوع ،وربما لعدم إخلاصى مع الشبحيخ نجم الدين...إذ صرت اليوم موزع الهوى بين التصوف والصوفية،وبين العلوم العربية وابن النفيس، وبين قضايا واقعنا المر؛فلله الأمر!
وبعد...فتلك أول دراسة تنشر بالعربية عن الشيخ نجم الدين الكبرى ،وها هو تحقي ق لكتابه"فوائح الجمال"
أنجزتها بقدر الطاقة وما سمح به الحال والزمان ،وكل ميسر لما خلق له. وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب ،فى مطلع التسعينات من القرن الماضى(الميلادى) ...ثم مضت السنون،وها هى طبعته الثالثة تأتى منقحة مصوبة.
والله الموفق،،،
يوسف زيدان

الفصل الأول
حياته وأخباره


اسمه وألقابه

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 12:57 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الأستاذة الفاضلة / النيل الخالد

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته

أولاً : تسلم الأيادي على هذا الكتاب الجميل ..

ثانياً : نرجو التنويه إلى تعليقات هذا الكتاب للـ د / يوسف زيدان ، وكتابة المتن فقط بإذن الله ، كي لا نأخذ من شخص ( أياً كان حجمه ) يخطأ في حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم والأنبياء ..

وإليكم هذا الرابط للتذكرة :

http://msobieh.com/akhtaa/viewtopic.php?f=4&p=82323

وجزاكم الله خيراً ..


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 3:33 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8042
نتابع :
جزاكم الله خيرا
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 11:00 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
شكرا على الملحوظة أخى الفاضل
محب الدين الصوفى
إن الكتاب جميل حقا وقد قرأته مرتين من جماله
وكان الهدف من التمهيد
هو فقط تهيئة القارئ لمعرفة هذا الشيخ الجليل وهو ما لابد منه
من دون النظر إلى ماهية المقدم للمقدمة
وهذا هو القصد والنية
ومقام نبينا غالى غالى غالى رغم أنف كل متفلسف أو خارجى

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 11:17 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
تشرفت بمرورك الكريم شيخى الفاضل فراج يعقوب
ونتابع بإذن الله

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء يناير 22, 2014 4:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمه وألقابه
اتفق المؤرخون على إنه:أحمد بن عمر بن محمد الإمام الزاهد القدوة،صانع الأولياء،أبو الجناب نجم الدين كبرى،الخوارزمى،المحدث الشهيد.
ولم يخرج عن إجماع المؤرخين حول اسم الشيخ،إلا نور الدين الششترى صاحب"مجالس المؤمنين"الذى يذكر أن اسمه"محمد بن عمر"مما جعله محلا لنقد اللا حقين عليه،فنجد ميزرا محمد على مدرس ينبه على الخطأ بقوله: وهو فى "مجالس المؤمنين"محمد،وهذا من سهو قلم المؤلف
أو الناسخ.ونجد الخوانسارى يشدد فى النقد قائلا:والعجب من صاحب "المجالس" حيث زعم أن اسم الرجل كان محمدا،وإن كان أمثال ذلك منه غير عزيز،
لكثرة مسامحته فى الأمر،أى أن الششترى كان متساهلا غير مدقق ولا محقق فيما يكتبه.
وأما ألقاب الشيخ ،فلكل منها حكاية أو تفصيل.ولعلنا بذكرتلك الحكايات والتفاصيل ،نتعرف إلى بعض الجوانب الخاصة بتلك الشخصية الفريدة:
(أ) الإمام الزاهد القدوة
لم ينفرد الشيخ بإطلاق تلك الألقاب عليه، فالكثير من رجال التصوف الكبار تسبق أسمائهم فى كتب التأريخ مثل هذه الألقاب ،ولكن ذلك
يتضمن أن الواحد منهم كان "إماما"أى جامعا بين علوم الشريعة وأصول الطريق ،وأن ثمة رجالا كانوا تابعين أو مريدين له،فهو إمام بالنسبة إليهم
بطريق الأصالة،وإمام لغيرهم على سبيل المجاز. ..وذلك ما ينطبق أيضا على لفظ "القدوة"الذى يشير إلى صلاح حال الرجل فى الأمور الدينية والدنيوية،مما يجعله أهلا لأقتداء معاصريه ومحبيه من بعدهم ،أولئك الذين يقتدون بحاله وأفعاله وأحواله،وما يجدون فى سيرته.والزاهد قد يكون لقبا على سبيل التخصيص ،كما هو الحال فى شأن "أبو هاشم الزاهد" ...وقد يكون لعموم مشايخ التصوف الذين يتخذون من الزهد شرطا من شروط الطريق الصوفى،ومن هذا الوجه حمل الشيخ هذا اللقب،كما حمله غيره من مشايخ الطرق.

(ب)صانع الأولياء
وهو لقب خاص من ألقاب الشيخ نجم الدين،لا نعلم أنه أطلق على أحد غيره...والأصل فى هذا اللقب،الكلمة الفارسية"ولى تراش"التى تعنى بالعربية
:ناحت الأولياء،صانع الأولياء. وهناك سببان لإطلاق هذا اللقب "ولى تراش"على الشيخ،السبب الأول (معقول)وهو كثرة الذين تخرجوا على
يديه من أهل الولاية،كما سترى فى الفصل الثالث من هذه الدراسة...والسبب الثانى (منقول)عن بعض المؤرخين من الصوفية،حيث نقلوا-والعهدة عليهم-أن الشيخ نجم الدين كان إذا نظر إلى شخص وهو فى حالة الوجد والإنجذاب ،فإن هذا الشخص ينجذب ويصير من الأولياء.
وهذا الأمر يذكرنا بالشيخ حماد الدباس(المتوفى525هجرية)الذى جذب بنظرته كلا من:عبد القادر الجيلانى ،وأبى نجيب السهروردى.
وأيا ما كان من سبب إطلاق هذا اللقب على الشيخ نجم الدين ،فالمهم هنا أن الشيخ حمل هذا اللقب ،واشتهر به ،فى النصف الثانى من حياته حيث استوطن خوارزم ودعا للتصوف هناك.

(ج)أبو الجناب
يحكى لنا الشيخ نجم الدين فى "فوائح الجمال"قصة هذه الكنية،فيقول :وأما كنيتى،فكنت بالإسكندرية أسمع الأحاديث...
فغبت ،فرأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو قاعد معى ثانى اثنين. .ثم ألهمت حينئذ أن أسأله عن كنيتى فقلت :"يارسول الله،كنيتى أبو الجناب أم الجناب؟"وكانت نفسى مائلة أن يقول "أبو الجناب"بالتخفيف،فقال :لا،بل أبو الجناب. بالتشديد.
وقد اشتهرت هذه الكنية النبوية للشيج نجم الدين،ووضع بعضهم فى ذلك بيتا شعريا،نراه فى العديد من كتب الطبقات التى أرخت للشيخ...
يقول البيت:
قد قال له رسولنا فى الرؤيا إذ شاهده:أنت أبو الجناب
وتذكرنا هذه المسألة بما روىعن لقب «الشاذلى».فالشيخ أبو الحسن على الشاذلى لم ينتسب إلى بلدة «شاذلة»المغربية،ومع ذلك
ظل فى حياته ،وبعد وفاته-إلىاليوم-يعرف بهذا اللقب...وينقل عنه مؤرخو التصوف أنه قال:قلت يوما ،يارب لم سميتنى شاذلى ولست شاذليا؟
فقيل لى :يا على ،ما سميتك بالشاذلى ،إنما أنت «الشاذ-لى»بتشديد الذال ،يعنى المفرط لخدمتى.

(الكبري)
هو أشهر ألقاب الشيخ ،فبعضهم يلقبه «نجم الكبراء»والبعض يقول «نجم الدين الكبري»أو «كبرى»ولهذا اللقب تعليلات متعددة...يقول ابن العماد الحنبلى :وسبق الشيخ أقرانه فى صغره إلى فهم المشكلات والغوامض ،فلقبوه«الطامة الكبرى»ثم كثر استعماله فحذفوا «الطامة»وأبقوا الكبرى.
وقد أكد مؤرخون آخرون هذا التعليل لذلك اللقب،مع أختلاف عبارتهم. ..وعلى هذا يكون اللقب مستمدا من كبيعة الشيخ نجم الديناو
فى النصف الأول من حياته ،ومن كونه ماهرا فى الجدل والمناظرة،فكان كأنه الطامة والمصيبة التى تحل بالمناظر.
ونرى مترجم الكتاب يقول:طامات جمع طامة(بتشديد الميم)ما يرد على لسان السالك فى أول سلوكه وخرق العادةوالكرامة.
وربما كان هذا المعنى الاخير لكلمة طامة هو الأنسب قبوله فى تعليل وجه إطلاق هذا اللقب على الشيخ نجم الدين.لكن الذهبى يورد تعليلا آخر ،فيقول:سمعت أبا العلاء الفرضى يقول «إنما هو نجم الكبراء ،ثم خفف وغير ،فقيل :نجم الدين الكبرى»....وعلى ذلك يعقب محقق(سير أعلام النبلاء)
فيقول :وأبو العلاء الفرضى أدرى بما يقول ،وبتلك النواحى.

(ه)الخوارزمى الخيوقى
الخوارزمى نسبة مشهورة بين العديد من أهل العلم والفضل فى تراثنا ،ممن ينتسبون إلى «خوارزم»وهى ناحية كبيرة ببلاد فارس،زارها ياقوت الحموى سنة 616هجرية-قبل وفاة الشيخ نجم الدين بعامين-فقال فى وصفها: خوارزم ليس اسما للمدينة ،إنما هو اسم للناحية
بجملتها،أما القصبة العظمى فقد يقال لها اليوم«الجرجانية»وأهلها يسمونها «كركانج»...وأكثر ضياع خوارزم مدن ضياع خوارزم مدن ذات أسواق
وخيرات ودكاكين،وفى النادر أن يكون بها قرية لا سوق فيها ،مع أمن شامل وطمأنينة تامة.والشتاء عندهم شديد جدا،بحيث
إننى رأيت «جيحون»نهرهم ،وعرضه ميل، وهو جامد ؛والقوافل والعجل الموقرة ذاهبة وآتية عليه....والغالب على خلق أهلها الطول والضخامة
وكلامهم كأنه أصوات الزرازير،وفى رؤوسهم عرض ،ولهم جبهات واسعة. والذى شاهدته من بردها أن طرقها تجمد فى الوحول ثم يمشى عليها
فيطير الغبار منها ،فإذا تغيمت الدنيا ودفئت قليلا عادت وحولا تغوص فيها الدواب إلى ركبها. وكنت أجتهدت أن أكتب شيئا بها،فما كان يمكننى لجمود الدواة حتى أقربها إلى النار وأذيبها ،وكنت إذا وضعت الشربة على شفتى التصقت بها لجمودها على شفتى ،ولم تقاوم حرارة النفس
ومع هذا فهى لعمرى بلاد طيبة ،وأهلها علماء فقهاء أذكياء أغنياء،والمعيشة بينهم موجودة وأسباب الرزق عندهم غير مفقودة ؛
وأما الآن فقد بلغنى أن التتر وردوها سنة 618وخربوها وقتلوا أهلها وتركوها تلولا ،وما أظن أنه كان فى الدنيا لمدينة خوارزم -يقصد عمارها -
نظير فى كثرة الخير وكبر المدينة وسعة الأهل والقرب من الخير وملازمة أسباب الشرائع والدين،فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد دخلت خوارزم،فى هذا القرن ضمن نطاق الإتحاد السوفيتى ،فلما أنهار الأتحاد مؤخرا انهياره المدوى ؛صارت ضمن ما يعرف بالجمهوريات الأسلامية الجديدة.
أما لقب «الخيوقى»فهو نسبة إلى بلد خيوق التى ذكرها ياقوت فقال:بلد من نواحى خوازرم وحصن؛وأهل خوارزم يقولون «خيوة»وينسبون إليها
الخيوقى وأهلها شافعية دون جميع بلاد خوارزم ؛فإنهم حنفية. ...وهذه الملاحظة المذهبية سوف نعود إليها عند الكلام عن مذهب الشيخ نخم الدين.
أما لقبا«المحدث-الشهيد» فقد كان الأول لاشتغال الشيخ نجم الدين بعلم الحديث النبوى. ...وكان الثانى لاستشهاده على هذا النحو
الدرامى الذى سنراه فى أواخر هذا الفصل
يتبع بإذن الله

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 23, 2014 10:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
مولده ونشأته:
فى بلدة«خيوق» من بلاد خوارزم قارسة البرد، ووسط جماعة من المسلمين السنة،كان مولد نجم الدين الكبرى سنة 540هجرية ،على ما ذكرت
غالبية المراجع.
ولم يشر المؤرخون إلى الأسرة التى نشأ الشيخ بين أفرادها ،وإن كان الراجح أنها أسرة متواضعة الحال-كمعظم أهل خوارزم-وهذا يظهر
من كلام الشيخ فى «فوائح الجمال»حيث يذكر أنه بات وهو صبى فى دار، لحراسة أقمشة ،وكان وحيدا خائفا...حتى إنه تخيل دخول سارق ،فغشى
عليه حتى نصف النهار التالى ؛إلى ما حكاه الشيخ. وهذه الحكاية تدل على كون الشيخ نشأ فقيرا -وربما يتيما -إذ أن اشتغاله بحراسة الأقمشة ،وبياته وحيدا فى تلك الدار ،وكون أحد لم يسأل عن ذلك الصبى المغشى عليه حتى اليوم التالى....كل هذا يؤكد النشأة الفقيرة، المهملة، التى عاناها الشيخ وهو صبى.
ثم اتجه نجم الدين لدراسة الحديث النبوى ،وكان الاشتغال بذلك- آنذاك-أمرا يضمن الرزق!
فطاف يسمع الأحاديث من المحدثين المعروفين ،وارتحل فى سبيل ذلك إلى همذان. وسمع الحديث ،ورواه ،ثم عرج إلى دراسة الفقه والتفسير،
فدرس على يد جماعة سنذكرهم عند الكلام عن شيوخه فى الفصل الثانى.
وتاقت نفس نجم الدين للتصوف ،فارتحل إلى الأهواز،ليتعلم أصول الطريق من الشيخ إسماعيل القصرى ،وظل فى خدمته وصحبته زمنا، حتى خطر يوما بباله أنه يعلم من علوم الدين أكثر مما يعلمه الشيخ إسماعيل بكثير،وأنه على معرفة لا بأس بها بعلوم التصوف ؛فهو أرقى حالا من الشيخ الذى أتى ليتعلم منه!
وشعر الشيخ القصرى بما يدور فى نفس نجم الدين ؛فأمره أن يخرج من عنده إلى زيارة الشيخ عمار بن ياسر البدليسى ؛ويظل فى خدمته. ...فبدأت رحلات نجم الدين الروحية.

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد يناير 26, 2014 3:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
[size=150]رحلاته وسياحته:
كان تطواف نجم الدين فى أول الأمر؛لطلب علوم الدين؛اأما ارتحاله بعد ذلك؛فكان لطلب رب العالمين.لقد أستكمل الشيخ معارفه الدينيه،
وأراد أن يعرج إلى الرحلة التدينية،ويقرن العلم بالعمل....باختصار:أراد أن يتصوف.
وها هو يرحل من خيوق إلى الأهواز ،فيأمره الشيخ بالرحيل مرة أخرى إلى خدمة الشيخ عمار.يقول الخوانسارى:فخرج إليه نجم الدين،وكان فى صحبته برهة ،إلى أن خطر بباله ما خطر أولا -من أن علومه أكثر من علوم الشيخ بكثير-فأحس الشيخ بما هجس فى ضميره كما أحس القصرى،
فأشار إليه بالسفر إلى مصر للورود على حضرة الشيخ روزبهان لفارسى،وقال :لا يؤدبك إلا لطمة منه على قفاك.
هكذا كان على نجم الدين أن يرتحل لمصر ،تأديبا له على وقوع خواطره فى علم المشايخ،وسعيا لتلك اللطمة المنتظرة. ..فارتحل لمصر!ونترك عبد الرحمن جامى يروى تفاصيل تلك الرحلة:ورد نجم الدين على الشيخ روزبهان بمصر ،فوجده خارج خانقاه(مكان خاص يختلى فيه الصوفية للعبادة)
يتوضاء بماء قليل.فألقى فى زعمه أن الشيخ روزبهان لا يدرى بأى مقدار من الماء يكون الوضوء! فعرف الشيخ ما يدور بباله ،فأنهى الوضوء ثم ألقى عليه ببقية من الماء....يقول نجم الدين:
فغشى على من ذلك ،وأخذتنى رقدة فى الخانفاه؛وكنت دخلتها مع الشيخ،فرأيت القيامة قد قامت ،ويسحب الناس إلى جهنم إلا من كان له تعلق بشيخ كان جالسا هناك على كثيب،فادعيت أنا أيضا التعلق به،واستخلصت من أيدى الزبانية،وصعدت إلى الكثيب ،فلما رآنى ذلك الشيخ،لطم على قفاى حتى أكببت على وجهى ،وقال : لا تنكر على أهل الحق بعد هذا!فانتبهت بذلك من رقدتى،فإذا أنا بموضعى ،وقد فرغ الشيخ روزبهان من صلاته؛فلطم على كما كنت رأيتها فى المنام ،وقال لى مثل ذلك ،فخرج عنى من تلك الساعة ما كان من العجب والدلال.
وأقام نجم الدين زمنا بمصر، حيث ظل فى صحبة الشيخ روزبهان ،فتعلم منه «علم الطريقة»وتلقى على يديه قواعد الطريق الصوفى،ثم طلب منه الشيخ روزبهان ؛أن يعود لصحبة الشيخ عمار-وقد تم المراد والتأديب-فارتحل نجم الدين إلى خوارزم مرة أخرى...لكن الوقائع تدل على أنه لم يعد بسرعة،وإنما أقام فترة بديار مصر،إض ارتحل من القاهرة إلى الأسكندرية،فسمع الحديث النبوى من الشيخ طاهر السلفى الأصفهانى، وكانت هناك تلك الرؤيةالنبوية التى كنى فيها نجم الدين بأبى الجناب.
[/size]

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد فبراير 02, 2014 8:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
يتبع بإذن الله:
وفى الطريق من القاهرة إلى الأسكندرية لبث نجم الدين حينا بإحدى القرى الواقعة على النيل. ..وهنال وقع فى حب جارية ،واستبد عشقها بقلبه
،فظل أياما لا يأكل ولا يشرب إلا النذر اليسير. ويحكى لنا نجم الدين عن أحواله فى عشق تلك الجارية فيقول :حتى كثرت نار العشق ،فكنت أتنفس نيرانا ؛وكلما تنفست نارا،تنفسوا من السماء بحذاء نفسى نارا ،فتلتقى الناران ما بينىوبين السماء ،فما كنت أدرى من ثمة أين تلتحقان ؛فعلمت
أن ذلك شاهدى فى السماء.
ويبدو أن صورة هذا العشق التهبت فى قلب نجم الدين بعد ما تعلمه من الشيخ روزبهان! لقد كان هذا الشيخ يرى -كما يقول فى كتابه :عبهر العاشقين -أن العشق محمود على أية حال ،سواء كان فى مقام العشق للطبيعيات أو للروحيات ،لأن العشق الطبيعى هو منهاج العشق الربانى ،ولا يستطاع حمل أثقال العشق الإلهى إلا على مثل هذا المركب ،كما لا يستطاع احتساء روائق صفاء جمال القدم الإلهى إلا فى أقداح الأفراح هذه -يقصد الصور الحسية -وهذه الجواهر الثلاث ،أى العشق الطبيعى والعشق الروحانى والعشق الربانى ،مستمرة فى الحركة.
وتعد مسألة العشق الحسى والإلهى ،من النقاط الدقيقة فى تاريخ التصوف ؛فقد رويت أخبار عن عشق كبار المتصوفة -كابن لفارض وابن عربى وعفيف الدين التلمسانى-لبعض الجميلات ،فأثارت تلك الأخبار جدلا واسعا بين الصوفية ومنتقديهم ،وبين الباحثين فى التصوف على اختلاف مداخلهم للتصوف وآرائهم فيه...ولقد اشتهر عن بعض رجال التصوف ؛قولهم بأن مطالعة جمال الظاهر الحسى،فى الجميلات أو المناظر الحسية،
هو باب الدخول إلى مشاهدات الجمال المطلق لله تعالى ،بعد أن تقيدت بعض تجلياته فى الصور المحسوسة ؛وهذا ما ذهب إليه أحمد الغزالى -أخو حجة الإسلامى أبى حامد الغزالى -وأوحد الكرمانى ،وفخر الدين العراقى. أما الغالبية من كبار رجال التصوف فقد منعةا الكلام فى هذا الباب
وامتنعوا عن الخوض فيه...ربما لارتقائهم عن درجة الحسن المحسوس إلى مرتبة الجمال المطلق ذاته ،وربما لخشيتهم على العامة من الناس أن يفتتنوا بهذه الأقوال ،وربما لخوفهم على المريدين المبتدئين من أن يخوضوا فى هذا المسلك بغير علم ولا هدى ،فيزداد تعلقهم بالمحسوس ،ويتعطل عندهم أدب إسلامى هو غض البصر.
ونعود لنجم الدين فى رحلاته وسياحاته ،فنراه وهو يقص فى "فوائح الجمال"بعضا من مشاهداته. ..فيقول إنه لقى فقيرا على طريق كربلاء،وسمع منه صيحات وزعقات الحال ،فأنكر عليه حاله ؛ثم بعد زمن ،فهم نجم الدين حقيقة الحال ،بل صار هو صاحب صيحات وزعقات. وإذ يتذكر نجم الدين هذه الواقعة ،نراه يقول عن تلك الصيحات :كنت أسمعها من فقير لقيته فى طريق كربلاء ،فانكرت عليه ذلك وسألته عنها...فلما كان بعد
ذلك بزمان وصلت إلى هذا المقام ،وعجمت أعواد الصيحات. ..فعذت بنان الندمان ،وسبحت شبية المتعجب الحيران

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 03, 2014 6:03 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
وفى طريق العودة من مصر ،عرج نجم الدين إلى بغداد ،وأقام زمنا بين الصوفية فى مسجد"الشونيزية" وهو يحكى لنا ما جرى من وقائع
وكرانات ،تخص "الاسم الأعظم "الذى يهبه الله لأوليائه ،فيتصرفون به فى الوجود. وتدل حكاية نجم الدين على أن نزوله بغداد لا يمكن أن
يكون فى بداية رحلته إلى مصر،وقد تكون إقامته هذه ،فى رحلة أخرى بعد رحلته المصرية؛ وهذا هو الأرجح! ﻹى الرحلة المصرية ،كان نجم الدين لم يزل مريدا ،وقد أمره الشيخ روزبهان بالعودة لصحبة الشيخ عمار بن ياسروخدمته ،فهو إذن ما يزال فى مرحلة الطلب والسير إلى الله.
وامتلاكه للاسم الأعظم ،لا يكون إلا فى مراحل متقدمة فى الطريق،فلا يمكن لمريد معرفة هذا الاسم،فإن عرفه،لم يعد مريدا ولم تعد به حاجة إلى الشيخ....وإذا تأملنا قول نجم الدين :ثم إن خادم البقعة -يقصد مسجد الشونيزية -حكى لى بعد مدة"إنى رأيت فيما يرى النائم أشخاصا حسبتهم ملائكة ،يقولون ،إنا أعطينا فلانا اسم الله الأعظم. وسمونى....إلخ" وقوله "بعد مدة"يؤكد أنه عاد لبغداد فى مرحلة متقدمة من سيره إلى الله
،غير أن تلك المرحلة التى كان يعترض فيها على المشايخ ويرتحل ليتعلم منهم أصول الطريق.
وعلىضوء المعلومات المتاحة لنا من خلال المصادر الخاصة بحياة نجم الدين كبرى ،يمكن أن نرسم خطا لرحلاته وسياحاته الصوفية ،أو بالأحرى خطين
ﻹى الخط الأول تظهر المحطات التى توقف فيها ارتحال نجم الدين لطلب الحديث النبوى واستماعه من كل المحدثين ؛حيث خرج من (خيوق)بخوارزم ،فطاف بلاد فارس ،فسمع الحديث فى (نيسابور )واستكمل الرحلة إلى (همذان )ثم (أصبهان)ثم نزل(مكة)للحج وسماع الحديث. ...وعاد إلى خوارزم ،فمر فى طريقه بكربلاء.

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين فبراير 03, 2014 7:08 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
أما الخط الثانى ،فهو يمثل رحلته لطلب التصوف وسياحته على طريقة الصوفية. فقد خرج من (خيوق)إلى (الأهواز )لصحبة الشيخ إسماعيل القصرى ،ثم خرج بناء على أمر الشيخ أسماعيل من الأهواز إلى أرمنية حيث الشيخ عمار بن ياسر المقيم بإحدى نواحيها (بدليس) ومنها إلى مصر التى قضى فيها زمنا متنقلا من (القاهرة )إلى (قرى الدلتا )ثم إلى (الأسكندرية)التى سمع فيها -أيضا-من الشيخ أبى طاهر السلفى،وحمل لقب "أبو الجناب"فى رؤية رآها بالأسكندرية. ..وهى رؤية يمكن اعتبارها من أولى ثمرات الطريق الصوفى الذى سار فيه نجم الدين.
وكان نزول نجم الدين بالأسكندرية فى حدود سنه 575هجرية ،لأن الشيخ أبا طاهر السلفى توفى سنة 576 هجرية بعد أن بلغ من العمر 104أعوام،
وقد ذكر نجم الدين فى "فوائح الجمال "ما نصه:كنت بالأسكندرية أسمع الأحاديث على الحافظ السلفى الأصفهانى. ..وهو شيخ مسن ،نيف على المائة بسنين.
ومن (الأسكندرية ) أتجه نجم الدين إلى (دمشق )حيث صحب الشيخ الصوفى ابن أبى عصرون "ابن العصر "ثم أتجه إلى (بغداد)حيث أقام حينا بمسجد
الشونيزية ،ومنها إلى (بدليس)التى ظل فيها زمنا بصحبة الشيخ عمار بن ياسر. ..ولما آن وقت الرجوع إلى خوارزم ،مر نجم الدين ببغداد ثانية ،ثم اتجه إلى (خيوق) حيث استقر بها حتى وفاته.
ويبقى فى رحلات نجم الدين وسياحاته إشكال. ..فهو يقول فى "فوائح الجمال"ما نصه:"عشقت واحدا ببلاد المغرب ،فسلطت عليه الهمة فأخذته ،وربطته ،ومنعته عن سواى. ..إلخ"فهل زار نجم الدين حقا بلاد المغرب ؟
لا تعطينا المراجع والمصادر الخاصة بحياة نجم الدين ما يفيد بأنه زار بلاد المغرب ،أو حتى شمال أفريقية ،فقد اتجه من مصر إلى بلاد الشرق ولم يكمل سيره غربا.فما الذى يقصده ببلاد المغرب ؟يبدو أن الجهات العراقية والشامية والمصرية ،كلها ،كانت تمثل بالنسبة للخوارزميين "بلاد المغرب"إذ تقع منهم ناحية المغرب ،فيكون المحتمل أن الشيخ قصد "المغرب"بهذا المعنى ،لا بالمعنى الذى نستخدمه قاصدين به"مراكش "وما حولها. ..وهناك احتمال آخر ،وهو أن تكون "المغرب "هنا جهة رمزية لها دلا لتها الصوفية ،لأن الحكاية الغريبة التى يحكيها نجم الدين تفيد
بأنها كانت فى زمن ولايته -حيث استقر بخوارزم -فمن الممكن أن يكون قد قصد بها معانى بعيدة ،فى صورة رمزية تكون فيها "المغرب"
دالة على عالم الأجسام أو دنيا الرغبة ،أو ما شابه ذلك

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 07, 2014 4:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
الولاية:
خرج نجم الدين من خوارزم يطلب علم الحديث ؛فعاد إليها محدثا. ثم خرج مرة أخرى يطلب التصوف ،فعاد وليا...وقد بدأت علامات ولاية نجم الدين
فى الظهور ،إبان إقامته بمصر ،حيث يروى العديد من الوقائع الدالة على ذلك. وحين عاد الشيخ إلى الشيخ عمار بن ياسر ،كان قد قطع شوطا
على طريق الولاية،وهو ما يظهر من علاقاتهما الروحية معا،إذ كان الواحد منهما يرى الرؤية ،فيرى الآخر ما يطابقها ......وسوف نرى أمثلة
لذلك عند قراءة النص المحقق لفوائح الجمال.
واكتملت ولاية نجم الدين بعد عودته إلى خوارزم ،فهناك ظل إلى وفاته يربى المريدين ،ويدعو إلى الحق تعالى. وقد وصفه المؤرخون
فى أثناء إقامته بخوارزم بأنه:"كان صاحب سنة وحديث ،ملجأ للغرباء ،عظيم الجاه ،لا يخاف فى الله لومة لائم "وكان "أكمل الأولياء المرشدين
فى زمانه،وأعلم العلماء بين أقرانه ،وهو صاحب الأحوال الرفيعة ؛والمقامات ،والمكاشفات ،والمشاهدات؛وتجليات الذات والصفات،والسير فى الملكوت والطير فى الجبروت ،والفناء فى الله فى عالم اللاهوت ،ومشرب التوحيد والحقائق ،والتصرف فى الأطوار القلبية ؛وإيصال الأفياض القلبية. .فشعب من ذيل ولايته كثير من الأولياء"
وفى نص طريف ،يذكر الكمشخانوى ما اختص به من ولاية نجم الدين ضمن خصائص ولاية غيره من رجال التصوف ،فيقول :"اعلم أن لكل من الأولياء
خصوصية وهمة فى الحياة والممات ،كقوة التصرف والإمداد لعبد القادر الجيلانى ،وقوة العلم والواردات لعلى أبى الحسن الشاذلى ،والخرق للعادة والفتوة للسيد أحمد الرفاعى ،والترحم والتعطف للسيد أحمد البدوى ،والسخاء والكرامة لإبراهيم الدسوقى ،والعرفان والإكمال للشيخ الأكبر ،والعشق لمحمد جلال الرومى،والغيبة والمحو للإمام السهروردى ،والأواه للشيخ حضر يحيى ،والوجد والجذبات لنجم الدين الكبرى. وإن ثبتت هذه الخصلة نوعا ،لكل الأولياء ؛إلا إنها خصوص وغاية مقام لهؤلاء العارفين ،وكل قوم بما لديهم فرحون ".
واشتهر أمر نجم الدين بخوارزم وما حولها ،وقصده المريدون من شتى البقاع ،فكانت المرحلة الزاهرة من حياته ونشاطه الدينى الصوفى. ..وفى تلك المرحلة ،لن يكون نجم الدين وليا فحسب ،بل هو أيضا :صانع الأولياء(ولى تراش).

مذهبه
يحاول مؤرخو الشيعة وباحثوهم المحدثون ، إلصاق صفة التشيع بكل شخصية بارزة من الشخصيات الإسلامية التى عاشت فى بلاد فارس -بل التى لم تعش هناك أيضا -وهى مسألة سخيفة من الوجهة البحثية ؛إذ تستلزم بالضرورة قيام مؤرخى أهل السنة وباحثيهم بالرد على تلك الدعاوى
ود حضها بالوقائع التاريخية والفكرية. ..وربما يطول الأخذ والرد فى ذلك إلى ما لا نهاية.

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة فبراير 07, 2014 7:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
وفيما يخص نجم الدين كبرى من هذا الخلاف ،نرى المؤرخ الشيعى الكبير محمد باقر الخوانسارى (1226-1315)وهو يوحى بأن نجم الدين كان من الشيعة الإمامية الاثنى عشر ،أولئك الذين يعتقدون بإمامة اثنى عشر رجلا من ذرية على ابن أبى طالب -كرم الله وجهه-فإذا به ينقل فى كتابه المشهور "روضات الجنات فى أخبار العلماء السادات "عن مؤرخ شيعى سابق ،فيقول :"وعن السيد محمد الموسوى النوربخشى العارف ، المعروف بغوث المتأخرين ،أنه ذكر فى كتابه الموسوم ب"المشجر "أن الشيخ نجم الدين كان أكمل الأولياء المرشيدين فى زمانه. وأعلم العلماء بين أقرانه. .وأن المرشيدين له على الحقيقة ،لما كانوا اثنى عشر ،هم أئمة مذهبه الحق الإمامى ،فلا جرم لم يصحب طول حياته من المريدين والمسترشدين
إلا هذه العدة ".
ويقول الخوانسارى بعد ذلك -مؤكدا ما يوحى به من شيعية نجم الدين -ما نصه :وفى "شرح ديوان الميبدى "حكاية عن النجم المذكور ،أنه قال:خفقت (كذا )فأبصرت النبى صلى الله عليه وسلم وعلى معه ،فبادرت إلى على فأخذت بيده وصافحته ،وألهمت كأنى سمعت فى الأخبار
عن النبى المختار صلى الله عليه وسلم ،أنه قال "من صافح عليا دخل الجنة "فجعلت أسأل عليا عن هذا الحديث ،أصحيح هو ؟فكان يقول : نعم ،صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،من صافحنى دخل الجنة.
ثم يؤكد الخوانسارى ما يدعيه بطريق آخر ،فيروى عند ترجمته لفريد الدين العطار أنه :ذهب فريد الدين مع والده أيام الطفولة إلى الشيخ نجم الدين
الكبرى ،فلقنه أولا أسماء الأئمة ،ثم الذكر. وقال له"هذا التلقين عن شيخى ،عن شيخه ،إلى أمير المؤمنين عليه السلام ،عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،عن جبريل ،عن الله تبارك وتعالى ؛فلا تظهر السر إلا لمن جربته من المريدين!".
وسرعان ما يتلقف هذا الخيط ،الدكتور كامل مصطفى الشيبى-وهو باحث ممتاز لولا تعسفه الدائم فى ربط التصوف بالتشيع -فنراه يبدأ بالقول :
بعد أن فرغنا من بحث المثل الشيعية المباشرة التى اتصلت بالولاية الصوفية ،نعود،إلى تناول بعض المثل الصوفية لنتبين مدى تأثيرها بالتشيع؛
ولهذا فسنعرض للخرقة ثم الصحبة الصوفية ثم السلاسل والطرق الصوفية .
وإذ يعرض الشيبى للطرق الصوفية ،نراه ينقل عن معصوم على -صاحب كتاب :طرائق الحقائق -الذى نقل بدوره عن ميزارا محمد تقى الملقب بمظهر على شاه ،فى كتابه "بحر أسرار "أنه قال:لقد جرت الطريقة الحقة بواسطة أربعة أولياء من الشيعة المختصين بأهل البيت ،وانتشرت بين العباد والبلاد ؛أولا من مولانا أسد الله الغالب أمير المؤمنين عليه السلام بواسطة كميل بن زياد. ...إلخ.
ثم يقول الشيبى :لقد تناول الحاج معصوم على ،هذا الموضوع فذكر أن السلسلة الكميلية "نسبة الخرقة فيها متصلة بالنبى،ألبسها عليا،فألبسهاالحسن البصرى وكميل بن زياد.،وألبسها كميل عبد الواحد بن زيد ،وهذا ألبسهاأبا يعقوب النهر جورى ،فعمرو بن عثمان المكى ،
فأبا يعقوب الطبرى ،فأبا القاسم القصرى ؛فالشيخ نجم الدين الكبرى " وينتهى الشيبى من ذلك كله إلى القول :ويتضح من هذه السلاسل التى أوردناها أن التصوف....وذلك ينبئ باتصالالتصوف بالتشيع ،ذلك الأتصال الظاهر الذى تكرر كثيرا.
وفى مقابل تلك المحاولات المستميتة لإلصاق التشيع بنجم الدين الكبرى ،نرى شهادات مؤرخى أهل السنة وهى تنأى به عن ذلك ،وتضعه فى
مصاف رجال السنة :
يقول ابن نقطة عن نجم الدين "هو شافعى المذهب إمام فى السنة "....ويقول السبكى "كان إماما زاهدا عالما طاف البلاد وسمع الحديث ،ونفس العبارة نجدها فى الوافى بالوفيات وفى "سير أعلام النبلاء "يقول الذهبى:نجم الدين الشيخ الإمام العلامة القدوة سمع من أبى طاهر السلفى وأبى العلاء الهمذانى العطار. ..وحدث عنه عبد العزيز ابن هلالة ،وخطيب دراية شمخ ،وناصربن منصور العرضى ،وسيف الدين الباخرزى تلميذه ،وآخرون.
قال ابن نقطة عن عمر ابن الحاجب :طاف البلاد وسمع واستوطن خوارزم ،وصار شيخ تلك الناحية ،وكان صاحب حديث وسنة.
وهكذا تتوالى الشهادات التاريخية مؤكدة سنية نجم الدين كبرى ،رادة على الزعم بشيعيته. ..وفى حقيقة الأمر ،فإن هناك من الدلائل القوية ما يؤكد سنية نجم الدين،وينفى عنه التشيع بالكلية ،حتى يمكن القول بأن التشيع لم يخطر بباله أصلا!فمن تلك الدلائل:
أولا :أن خوارزم وبلاد فارس لم تكن فى عصر نجم الدين منطقة شيعية ؛كما هو الحال فى القرون التالية وحتى اليوم ،بل كانت مناطق سنية ،وكانت خيوق بالذات من الشافعية...كما مر علينا عند ذكر ياقوت الحموى لأحوال أهل تلك البلاد ،وهى الأحوال التى عاينها ياقوت بنفسه.
ثانيا :إن القول برجوع السلاسل الصوفية إلى على بن أبى طالب-رضى الله عنه -لا يعنى شيعية أهل هذه السلسلة أو تلك.فإن شخصية الإمام على ،لها المكانة الكبيرة فى نفوس السنة أيضا ،ولكن بعيد عن تهاويل الشيعة. .ومن المدهش والغريب.،أن يستدل باحث كالدكتور الشيبى بذلك ،على شيعية الصوفية أو صلة التصوف بالتشيع. بل إن البنيان الصوفى ذاته ،فى إعتماته على رابطة الشيخ والمريد ،يخالف القاعدة الصوفية
الأولى التى تقول بطاقة الإمام المعصوم. ..فالأئمة عند الشيعة لهم شروط معينة،تختلف عن شروط الشيخ لدى الصوفية.
ثالثا:
إن دعاوى الخوانسارى الموحية بشيعية نجم الدين متهافتة،إذ إن قوله بأن نجم الدين لم يصحب إلا إثنى عشر مريدا -على عدد أئمة الشيعة الإثنى عشرية -هو قول لا دليل عليه،فالمشهور أن نجم الدين صحبه مالا حصر لهم من المريدين. ..أما الحكاية الهزلية عن تلقينه الأسرار للعطار ،وأخذ العهد عليه بألا يصرح بها إلا لمن جربه من المريدين،فهى حكاية ظاهرة الضعف ،فإذا كان العطار آنذاك طفلا ،فكيف للشيخ نجم الدين أن يبوح له بالأسرار ويأتمنه عليها! ومن أين جاء لنجم الدين أن هذا الطفل سيكون شيخا له مريدون مجربون أو غير مجربين!
رابعا:
لا توجد فىكتابات نجم الدين ،وفى تفسيره للقرآن ،ما يشتم منه أى فكر شيعى. ..بل على العكس تما ما فالرجل قضى حيلته يتعلم الحديث النبوى والفقه الشافعى ،وصار بعد ذلك معلما لتلك العلوم التى يتمسك بها أهل السنة ؛وما الحكاية التى نقلها الخوانسارى عن "شرح الميبدى"إلا دليل
على انشغاله بعلوم الحديث،ورغبته فى التثبت من صحة الحديث :من صافح عليا دخل الجنة. ..ولسوف نرى نجم الدين وهو يقص علينا هذه
المعاينة فى"فوائح الجمال "مما يعنى أن الخوانسارى لم يقرأ الكتاب-فلو قرأه لما نقل الحكاية عن شرح الديوان المذكور -ولا ندرى كيف يؤكد
الخوانسارى شيعية رجل دون أن يقرأ كتبه!

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء فبراير 19, 2014 12:14 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
كراماته
لما ارتقى نجم الدين فى سلم الولاية بمجاهداته ولطف الله به،وصار بعد حين واحدا من كبار الأولياء فى تاريخ التصوف ؛كان من الطبيعى
أن تروى عنه بعض الكرامات ،كما رويت عن غيره.
والكرامات المروية عن نجم الدين قليلة ،على غير العادة مع أمثاله من الكبار...وهذا يظهر من اقتصار كراماته فى (جامع كرامات الأولياء)
على أثنين فقط،نقلهما المؤلف عن الشعرانى ،فقال:
نجم الدين الكبرى أحد أئمة الصوفية وأكابر الأولياء وسادات الأصفياء ،ومن كراماته رضى الله عنه أن ملك المغول لما جاء
لخراب بغداد وقف خارج بغداد وقال إنى أشم فى هذه البلد رائحة محمدى كبير فاستأذنوه ؛فقال الشيخ نجم الدين "ليدخل بضرب هذه الرقبة،
ثم يضرب رقبة فلان وفلان ثم ثلثى أهل البلد ،جف القلم بما هو كائن ".فكان كما قال ،ذكره الشعرانى فى المنن. ..وقال الشعرانى أيضا
فى الأجوبة المرضية :جاء الشيخ فخر الدين الرازى يطلب الطريق على يد الشيخ نجم الدين الكبرى ،فى ألف طالب يمشون وراءه من بلاد الرى،فبلغ
ذلك الشيخ نجم الدين فقال "إنه لا يطيق الطريق "فلما وصل إلى رابط الشيخ بطلبته ،ظن الناس أن الشيخ يقوم به ويمشى خطوات ،فلم يتحرك له،فلما سلم عليه قال :"ياخى ما أقدمك إلى بلادنا ؟"فقال:"جئت أطلب الطريق إلى الله تعالى "فقال له الشيخ:"لا تطيق ذلك!" فقال :
"بلى أطيق إن شاء الله تعالى "فراجعه مرات ،والشيخ فخر الدين يأبى إلا أن يتتلمذ له،فقال الشيخ نجم الدين للنقيب :"أدخله الخلوة وقل له
يدخل يشتخل بالله تعالى "فدخل ،فتوجه الشيخ نجم الدين إلى الله ،فسلبه جميع ما كان معه من العلوم ،فلما شعر بذلك ،صاح بأعلى صوته:
"لا أطيق ،لا أطيق"فأخرجه الشيخ وقال له :"أعجبنى صدقك"وقال له:"يافخر الدين كيف تطلب الطريق إلى الله مع حبك للرياسة على الأقران
وتكبرك عليهم ،وما عليك أن تكون عند الله -عز وجل-لا ركون لك إلى غيرك،ولا دعوى عندك لملك شئ فى الوجود"...فبكى الشيخ فخر الدين وقال:
"قد خسرنا وفاز غيرنا "فقال له الشيخ:"قد صرت من معارفنا ،وكنا مود أن تكون من أصحابنا ،فلم يقدر ذلك؛ اذهب إلى بلدك بسلام"انتهى
قال الشعرانى :فانظر يا أخى إلى الشيخ فخر الدين الذى أجمع الناس على جلالته وجمعه من العلوم مالم يكن عند غيره ،كيف اعترف بأنه لا
يصلح للطريق ،وأذعن للشيخ نجم الدين.
ولا يمكن بحال أن نقبل هاتين الحكايتين ،ففيهما من الخيال ما لا يتفق مع الوقائع. ..فالحكاية الأولى غير مقبولة ؛لأن الشيخ نجم الدين
توفى سنة618 هجرية قبل دخول المغول لبغداد سنة 656هجرية! وهو لم يستوطن بغداد وإنما خوارزم!
ولا يعقل أن هولاكو ملك المغول يصل به المقام -وهو الرعوى العنيف-إلى تلك الشفافية التى تجعله "يشم رائحة محمدى "داخل أسوار بغداد!
كما لا يعقل أن يبعث إلى هذا المحمدى -الشيخ نجم الدين-يستأذنه فى دخول بغداد...!
والحكاية الأخرى غير مقبولة أيضا،فالرازى لم يؤثر عنه نزوعه إلى التصوف حتى يأتى طالبا الطريق من نجم الدين الكبرى!ومن غير المعقول أن يأتى
طالبا هذا الطريق ومعه ألف من تلا ميذه! كما لا يعقل أن تمحى كل علومه فى لحظة ،ثم تعود إليه فى لحظة تالية ؛فإن الله -كما فى الحديث النبوى -لا ينتزع العلم انتزاعا!
ومع ذلك ،فثمة أساس لهاتين الحكايتين ،تم تطويره كى يصل إلى هذه الصورة. فالشيخ نجم الدين قتل بالفعل على يد المغول،والتقى بالفعل
بفخر الدين الرازى ؛ولسوف نرى ذلك على وجهه الصحيح فى الصفحات التالية.
يتبع

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء فبراير 25, 2014 9:51 pm 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء يناير 02, 2013 5:01 pm
مشاركات: 11146
والكرامة الحقة لنجم الدين كبرى تكمن فيما أكرمه الله من صبر على المجاهدات الروحية ،وجلد فى تحصيل العلوم ،ونشر للهداية
بين الأتباع،كما تكمن فى تلك الحقائق الربانية التى تجلت عليه،وقص طرفا منها فى "فى فوائح الجمال"وفى غيره من المؤلفات. ...
أما كرامته العظمى ،ﻹى واقعة موته.
استشهاده
تلك هى اللوحة الأخيرة فى حياة نجم الدين كبرى ،وهى أكثر لوحات حياته تفجرا وامتلاء بالطابع الدرامى العنيف...فقد اصطدم الشيخ
بأعظم موجة فى العصور الوسطى الإسلامية "التتار"تلك الموجة التى انهارت معها الحصون القلاع ،حتى انتهت بفاجعة لا مثيل لها فى تاريخنا القديم "شقوط بغداد سنة656 "حيث كان التتار نارا موقدة ،اندفعت من مشارق العالم الإسلامى لتأكل الأخضر واليابس.
بدأت محنة المغول (التتار)وفظاعهم ،بسبب حماقة سلطان خوارزم محمد خوارزمشاه الذى اتسعت أطماعه ورغبته فى المزيد من الحكم والسلطة ،فأرسل جيشا لتخريب بغداد والسيطرة على مركز الخلافة ،إلا أن الجيش تعرض لعاصفة ثلجية فى كردستان ،فبددت العاصفة شمله. ومن تبقى منه
تخطفه الأكراد ،فلم يرجع من الجيش الكبير إلى خوارزم إلا عدد قليل.
ثم اتجهت أطماع هذا السلطان إلى دولة المغول التى تقع من خوارزم ناحية الشرق ،فأرسل سفارة إلى جنكيز خان لتعزيز العلاقات التجارية معه.فرد جنكيز خان عليه بسفارة حملت الهدايا الثمينة من الذهب والأحجار الكريمة ،ومعها رسالة إلى خوارزمشاة يرحب فيها بتبادل القوافل
التجارية ،وجاء فى رسالة جنكيز خان ما يلى : "لا يخفى على عظيم شأنك ،وما بلغت من سلطان. وقد علمت باتساع ملكك،ونفاذ حكمك فى أغلب أقاليم الأرض. وإنى لأرى مسالمتك من جملة الوجبات. وأنت عندى مثل أعز أولادى. ...فإن رأيت أن تهيئ للتجار فى الجهتين سبيل التردد ،عمت المنافع وشملت الفوائد ".
وقام خوارزمشاه بعقد معاهدة مع جنكيز خان ،ثم هاجت حماقته لما أعاد النظر فى الرسالة ،فوجد جنكيز خان يعتبره من أبنائه!فاعتبرها إهانه. ...وأرسل جنكيز خان أولى القوافل ،وكانت تتألف من 450رجلا كلهم مسلمون ،ومعهم 500جمل تحمل سلعا تجارية من الذهب والفضة
والمنسوجات الحريرية ،ويقودها أربعة مبعوثين ،فقام حاكم "أوترار"التابع لخوارزمشاه بالاستيلاء على القافلة ،وقتل كل رجالها -المسلمين-وأرسل
السلع إلى السلطان خوارزمشاه الذى وزع السلع على تجار بخارى وسمرقند وحاز أثمانها لنفسه.
وغضب جنكيز خان ،فأرسل لخوارزمشاه سفارة من ثلاثة رجال ،كيما تحتج على الغدر برجال القافلة وبمبعوثيه،وتسليم حاكم أوترار. ..وكانت السفارة تتألف من رجل مسلم ورجلين من المغول ،فما كان من خوارزمشاه إلا أن أمر بقتل المسلم وحلق لحية الرجلين الآخرين! وهكذا
بدأت الحرب ،كما تبدأ أغلب الحروب ،بسبب حماقة أحد الحكام.
قاد جنكيز خان الجيش المغولى بنفسه ،فاستولى على بخارى واستباحها ،ثم اجتاح سمرقند فنكل بأهلها على أبشع صورة. ...وتوالت هزائم
خوارزمشاه وفظائع المغول ،حتى جاء دور خوارزمشاه -حيث موطن نجم الدين-ولنترك ابن العماد يروى :
استشهد الشيخ رضى الله عنه بخوارزم فى فتنة التتار ،وذلك أن سلطانها قال للشيخ وأصحابه ،وكانوا نحو ستين : ارتحلوا إلى بلادكم ،فإنه قدخرجت نار من المشرق تحرق إلى قرب المغرب ،وهى فتنة عظيمة ما وقع فى هذه الأمة مثلها. فقال بعضهم للشيخ نجم الدين : لو دعوت برفعها! فقال : هذا قضاء محكم لا ينفع فيه الدعاء. فقالوا له : أتخرج معنا ؟ قال ارحلوا أنتم ،فإنى سأقتل هاهنا.
ولما دخل الكفار البلد ،نادى الشيخ وأصحابه الباقون (الصلاة جامعة) ثم قال : قوموا نتقاتل فى سبيل الله. ودخل بيته ،ولبس خرقة شيخه ،وحمل على العدو فرماهم بالحجارة ورموه بالنبل وجعل يدور ويرقص حتى أصابه سهم فى صدره ،فنزعه ورمى به نحو السماء ،وفار الدم وهو يقول : إن أردت فاقتلنى بالوصال أو بالفراق! ثم مات ودفن فى رباطه ،رحمه الله تعالى.
يتبع

_________________
أيا ساقيا على غرة أتى
يُحدثني وبالري يملؤني ،
فهلا ترفقت بى ،
فمازلت في دهشة الوصف
ابحث عن وصف لما ذُقته ....

                         
                 
              


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 53 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3, 4  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 4 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط