بسم الله الرحمن الرحيم بإذن الله نبدأ فى كتاب فوائح الجمال وفواتح الجلال لنجم الدين كبرى الذى قال : الطريق إلى الله على عدد أنفاس البشر تمهيد للصوفية الفرس مكانتهم المتميزة فى تاريخ التصوف عند المسلمين،فقد شاركوا الصوفية العرب فى كتابة التاريخ الصوفى،بحيث يستحيل الفصل بين الفريقين؛خاصة أن كليهما شرب من نبع واحد هو الوحى المحمدى،وأنتسب لثقافة بعينها هى الثقافة العربية الأسلامية. إلا أن الصوفية من ذوى الأصول الفارسية،لهم ذوق روحى خاص.فهم وإن وفدوا على الجانب العربى من العالم الأسلامى،أو استوطنوه-والكلام هنا عن القرون السابقة، قبل رسم تلك الحدود بين بلدان المسلمين-إلا أنهم اختصوا دوما بروح مميزة عن روح الصوفية العرب. ففى شعر الصوفية الفرس نرى تلك الروح المتأججة،فى مقابل الروح الرصينة لدى شعراء الصوفية العرب.ولنقارن بين شعر جلال الدين الرومى أعظم شعراء الصوفية الفرس،وشعر عمر بن الفارض أشهر شعراء الصوفية العرب،لنرى أشعار ابن الفارض الموشاه بفنون البلاغة،المزينة بجرس الجناس التام والناقص،الرافلة فى ألوان التشبيه والإستعارة...بينما يتدفق شعر الرومى عارما،دافئا ،متألما،ناحتا لفظه وجماليات تعبيره من حرارة القلب والتهاب الروح.ولننظر فى شعر العطار مقارنا بأشعار ابن عربى،لنرى خيال العطار المحلق،فى مقابل ابن عربى وصرامته. وفى النثر الصوفى،نقارن بين كتابات شهاب الدين السهرودى الإشراقى-الفارسى الأصل-وكتابات الصوفى العربى الكبير محمد عبد الحق بن سبعين؛فنرى السهرودى يكتب بيد ساحرة ،فيأتى فى قصصه الصوفى بصور خيالية هائلة ،ويرمزللمعنى البعيد باللفظ العجيب.....بينما يوجز ابن سبعين ويحد العبارة،ويقد كلامه من الصخر المتين. وفى طبيعة الحياة الروحية،نرى الصوفية أكثر اشتعالا من نظرائهم العرب،وأشد احتراقا....حتى إننى بدأت فى عمل كتاب عن قتلى الصوفية وشهدائهم،أولئك الذين تدفقت رحلتهم الروحية حتى انتهت بواقعة موت عارم،مروع أخاذ؛فوجدهم -كلهم-من ذوى الأصول الفارسية:الحسين بن منصورالحلاج ،أبو الحسين النورى،عماد الدين النسيمى،عين القضاة الهمذانى؛شهاب الدين السهروردى البغدادى الخوازرمى،نجم الدين الكبرى. بدأت معرفتى بنجم الدين الكبرى على مقاعد الدرس،فى السنة الثانية من دراستى بقسم الفلسفة بآداب الإسكندرية...كنا وقتها ندرس فخر الدين الرازى ،الفقيه المتكلم المفسر،وبينما نحن فى خضم المباحث الكلامية والفقهيةالعويصة التى يثيرها الفخر الرازى،بطريقته الجافة المعقدة،أطلت علينا فى الكتاب المقرر قصة لقائه بنجم الدين الكبرى،وما دار بينهما من حوار كان كأنه النسمة الباردة فى صحراء درس الرازى...وانطوت صفحات الأيام،ولم أستزد من معرفتى بهذا الشيخ،الذى فاض حواره مع الرازى دفئا وصدقا. ومرت السنون ،حتى جلست يوما مع الصديق الروائى /جمال الغيطانى ،فسألنى عن نجم الدين الكبرى،فأجبته بأنه واحد من كبار صوفية الفرس ،ولم أزد...فأخبرنى إنه يود يعرف المزيد عنه،ولما سألته عن الباعث، قال إنه كان يزور الإتحاد السوفيتى-وكان وقتها قائما-فنظموا له رحلة فى الجمهوريات التى تعرف اليوم بالإسلامية،فسلكوا به فى صحراء مترامية ،حتى مضت الساعات على الطريق الذى يشق الرمال، وعلى مرمى البصر رأى مسجدا...نزل عنده ،فرآه وحيدا متفردا،وقرأ على بابه:"هذا مقام الشيخ نجم الدين الكبرى قدس الله سره" وعلى الجدران مكتوب: كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس،ولم يسمر بمكة سامر غاصت تلك الواقعة فى نفسى، وتمثلت هذا الشيخ المنفرد بقبره، المتفرد بسكونه وسط الصحراء.وددت فى معرفته،وقد تذكرت ما كان من لقائه بفخر الدين الرازى، ورحت أقلب الكتب. ..كانت هزتى الشديدة، لما وجدت المراجع تحكى واقعة موته المجيدة! إذ شعرت بأننا أحوج ما نكون إلى نجم الدين الكبرى ،ليعلمنا كيف نموت مثلما مات هو،ميتة مجيدة....مادمنا الميتين على كل حال! واشتقت للكتابة عنه. فى كتابى الصغير (شعراء الصوفية المجهولون)أفردت بضع صفحات للشيخ نجم الدين،وقدمت بعضا من أشعاره،فكان ذلك سببا فى معرفتى بالدكتور حسن عباس زكى،الذى بادر-وهو فى المقام الأعلى-بطلب لقائى للحديث حول ما كتبته عن نجم الدين الكبرى.وفى أثناء اللقاء الأول جاءت فكرة نشر "فوائح الجمال" فى طبعة بتحقيقى ،وأمدنى الدكتور حسن عباس زكى بنسختين مخطوطتين من الكتاب، كانتا ضمن مكتبته الزاخرة؛فشرعت فى التحقيق حتى تنبهت إلى أن مستشرقا ألمانيا نشر الكتاب ببلاده منذ ثلاثين سنة،فتوقفت...ولامنى على التوقف واحد من أشقاء روحى، وهو الدرويش السكندرى المثقف/عبد الرحمن المكباتى. قلت له الكتاب منشور من قبل ،ولدينا العديد من التراث المخطوط الذى لم يسبق نشره،فهو الأولى بالجهد...فامتعض وقال:هى نشرة ألمانية تعد اليوم -لندرتها-كأنها لم تكن...وقال:سيكون لك فى الكتاب نظرات أخرى ،والناس بحسب المفهوم الصوفى :أنفاس! تريثت حتى حصلت على نشرة المستشرق الألمانى،وجعلتها إحدى الأصول التى حققت عليها الكتاب. ثم شعرت أن الأمر بحاجة إلى مزيد جهد!فلا توجد فى المكتبة العربية أية كتابات حول الشيخ نجم الدين-اللهم إلا ترجماته فى كتب التاريخ القديمة-ولم تفرد له حتى اليوم دراسة واحدة تعرف به،مع خطورة موقعه فى تاريخ التصوف. من هنا ،كانت تلك الدراسة التى تحتل القسم الأول من هذا الكتاب،والتى يعلم الله كم عانيت فى إتمامها. ربما لقلة الموضعات الخاصة بالشيخ فى المصادر العربية،وربما لكونها غير مسبوقة إلا بتلك الدراسة التى وضعها المستشرق الناشر للفوائح باللغة الألمانية والتى آثرت ألا ألقى بنظرى إليها إلا بعد إتمام دراستى،لكيلا أتأثر بتناوله للموضوع ،وربما لعدم إخلاصى مع الشبحيخ نجم الدين...إذ صرت اليوم موزع الهوى بين التصوف والصوفية،وبين العلوم العربية وابن النفيس، وبين قضايا واقعنا المر؛فلله الأمر! وبعد...فتلك أول دراسة تنشر بالعربية عن الشيخ نجم الدين الكبرى ،وها هو تحقي ق لكتابه"فوائح الجمال" أنجزتها بقدر الطاقة وما سمح به الحال والزمان ،وكل ميسر لما خلق له. وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب ،فى مطلع التسعينات من القرن الماضى(الميلادى) ...ثم مضت السنون،وها هى طبعته الثالثة تأتى منقحة مصوبة. والله الموفق،،، يوسف زيدان
الفصل الأول حياته وأخباره
اسمه وألقابه
_________________ أيا ساقيا على غرة أتى يُحدثني وبالري يملؤني ، فهلا ترفقت بى ، فمازلت في دهشة الوصف ابحث عن وصف لما ذُقته ....
|