موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: "التحرير والتنوير" لإبن عاشور
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة أكتوبر 28, 2005 11:39 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير التحرير والتنوير لإبن عاشور

مؤلف هذا التفسير هو محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور
التونسي ت 1393 هـ وهو من أهل المنطقة ولد بتونس وتوفي بها ( ) .

التعريف بالتفسير :
وتفسيره المسمى بالتحرير والتنوير اسمه الأصلي : "تحرير المعنى السديد
وتنوير العقل الجديد وتفسير الكتاب المجيد" .

===============


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

الحمد لله على أن بين للمستهدين معالم مراده، ونصب لجحافل
المستفتحين أعلام أمداده فأنزل القرآن قانونا عاما معصوما، وأعجز بعجائبه
فظهرت يوما فيوما، وجعله مصدقا لما بين يديه ومهيمنا، وما فرط فيه من شئ
يعظ مسيئا ويعد محسنا، حتى عرفه المنصفون من مؤمن وجاحد، وشهد له
الراغب والمحتار والحاسد، فكان الحال بتصديقه أنطق من اللسان، وبرهان
العقل فيه أبصر من شاهد العيان، وأبرز آياته في الآفاق فتبين للمؤمنين
أنه الحق، كما أنزله على أفضل رسول فبشر بأن لهم قدم صدق، فبه أصبح
الرسول الأمي سيد الحكماء المربين، وبه شرح صدره إذ قال إنك على
الحق المبين ، فلم يزل كتابه مشعا نيرا، محفوظا من لدنه أن يترك فيكون مبدلا ومغيرا.
ثم قيض لتبيينه أصحابه الأشداء الرحماء، وأبان أسراره من بعدهم في الأمة
من العلماء. فصلاة الله وسلامه على رسوله وآله الطاهرين،
وعلى أصحابه نجوم الاقتداء للسائرين والماخرين أما بعد فقد كان أكبر
أمنيتي منذ أمد بعيد، تفسير الكتاب المجيد، الجامع لمصالح الدنيا والدين،
وموثق شديد العرى من الحق المتين، والحاوي لكليات العلوم ومعاقد
استنباطها، والآخذ قوس البلاغة من محل نياطها، طمعا في بيان نكت من العلم
وكليات من التشريع، وتفاصيل من مكارم الأخلاق، كان يلوح أنموذج من جميعها
في خلال تدبره، أو مطالعة كلام مفسره، ولكني كنت على كلفي بذلك أتجهم
التقحم على هذا المجال، وأحجم عن الزج بسية قوسي في هذا النضال.
اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتات سهام
الفهم وإن بلغ ساعد الذهن كمال الفتوة. فبقيت أسوف النفس مرة ومرة أسومها
زجرا، فإن رأيت منها تصميما أحلتها على فرصة أخرى، وأنا آمل أن يمنح
من التيسير، ما يشجع على قصد هذا الغرض العسير. وفيما أنا بين إقدام
وإحجام، أتخيل هذا الحقل مرة القتاد وأخرى الثمام. إذا أنا بأملي قد خيل إلي
أنه تباعد أو انقضى، إذ قدر أن تسند إلي خطة القضا. فبقيت متلهفا ولات
حين مناص، وأضمرت تحقيق هاته الأمنية متى أجمل الله الخلاص، وكنت أحادث
بذلك الأصحاب والإخوان، وأضرب المثل بأبى الوليد ابن رشد في كتاب البيان،
ولم أزل كلما مضت مدة يزداد التمني وأرجو إنجازه، إلى أن أوشك أن تمضي
عليه مدة الحيازة، فإذا الله قد من بالنقلة إلى خطة الفتيا. وأصبحت الهمة
مصروفة إلى ما تنصرف إليه الهمم العليا، فتحول إلى الرجاء ذلك الياس،
وطمعت أن أكون ممن أوتي الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس.
هنالك عقدت العزم على تحقيق ما كنت أضمرته، واستعنت بالله تعالى
واستخرته? وعلمت أن ما يهول من توقع كلل أو غلط، لا ينبغي أن يحول
بيني وبين نسج هذا النمط، إذا بذلت الوسع من الاجتهاد، وتوخيت طرق الصواب والسداد.
أقدمت على هذا المهم إقدام الشجاع، على وادي السباع؛ متوسطا في معترك
أنظار الناظرين، وزائر بين ضباح الزائرين، فجعلت حقا علي أن أبدي في تفسير القرآن
نكتا لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة
لها وآونة عليها، فإن الاقتصار على الحديث المعاد، تعطيل لفيض القرآن الذي
ما له من نفاد. ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف
فيما شاده الأقدمون، وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون، وفي
كلتا الحالتين ضر كثير، وهنالك حالة أخرى ينجبر بها الجناح الكسير، وهي أن نعمد
إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده، وحاشا أن ننقضه أو نبيده، عالما بأن
غمض فضلهم كفران للنعمة، وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة،
فالحمد لله الذي صدق الأمل، ويسر إلى هذا الخير ودل.


والتفاسير وإن كانت كثيرة فإنك لا تجد الكثير منها إلا عالة على كلام سابق
بحيث لاحظ لمؤلفه إلا الجمع على تفاوت بين اختصار وتطويل. وإن أهم
التفاسير تفسير الكشاف و المحرر الوجيز لابن عطية و مفاتيح الغيب
لفخر الدين الرازي، وتفسير البيضاوي الملخص من الكشاف ومن مفاتيح الغيب
بتحقيق بديع، وتفسير الشهاب الآلوسي، وما كتبه الطيبي والقزويني
والقطب والتفتزاني على الكشاف، وما كتبه الخفاجي على تفسير البيضاوي،
وتفسير أبي السعود، وتفسير القرطبي والموجود من تفسير الشيخ
محمد بن عرفة التونسي من تقييد تلميذه الأبي وهو بكونه تعليقا
على تفسير ابن عطية أشبه منه بالتفسير لذلك لا يأتي على جميع آي القرآن
وتفاسير الأحكام، وتفسير الإمام محمد ابن جرير الطبري، وكتاب درة التنزيل
المنسوب لفخر الدين الرازي، وربما ينسب للراغب الأصفهاني. ولقصد الاختصار
أعرض عن العزو إليها، وقد ميزت ما يفتح الله لي من فهم في معاني
كتابه وما أجلبه من المسائل العلمية، مما لا يذكره المفسرون، وإنما حسبي
في ذلك عدم عثوري علبه فيما بين يدي من التفاسير في تلك الآية خاصة،
ولست أدعي انفرادي به في نفس الأمر، فكم من كلام تنشئه تجدك قد
سبقك إليه متكلم، وكم من فهم تستظهره وقد تقدمك إليه متفهم،
وقديما قيل: هل غادر الشعراء من متردم إن معاني القرآن ومقاصده
ذات أفانين كثيرة بعيدة المدى مترامية الأطراف موزعة على آياته
فالأحكام مبينة في آيات الأحكام، والآداب في آياتها، والقصص في مواقعها،
وربما اشتملت الآية الواحدة على فنين من ذلك أو أكثر. وقد نحا كثير
من المفسرين بعض تلك الأفنان، ولكن فنا من فنون القرآن لا تخلو عن دقائقه
ونكته آية من آيات القرآن، وهو فن دقائق البلاغة هو الذي لم يخصه
أحد من المفسرين بكتاب كما خصوا الأفانين الأخرى، من أجل ذلك التزمت
أن لا أغفل التنبيه على ما يلوح لي من هذا الفن العظيم في آية
من آي القرآن كلما ألهمته بحسب مبلغ الفهم وطاقة التدبر.
وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية
وأساليب الاستعمال، واهتممت أيضا ببيان تناسب اتصال الآي بعضها ببعض،
وهو منزع جليل قد عني به فخر الدين الرازي، وألف فيه برهان الدين البقاعي
كتابه المسمى نظم الدرر في تناسب الآي والسور إلا أنهما لم يأتيا
في كثير من الآي بما فيه مقنع، فلم تزل أنظار المتأملين لفصل القول تتطلع،
أما البحث عن تناسب مواقع السور بعضها إثر بعض، فلا أراه حقا على المفسر.
ولم أغادر سورة إلا بينت ما أحيط به من أغراضها لئلا يكون الناظر
في تفسير القرآن مقصورا على بيان مفرداته ومعاني جمله كأنها فقر متفرقة
تصرفه عن روعة انسجامه وتحجب عنه روائع جماله.
واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة العربية بضبط وتحقيق مما خلت
عن ضبط كثير منه قواميس اللغة. وعسى أن يجد فيه المطالع تحقيق مراده
، ويتناول منه فوائد ونكتا على قدر استعداده، فإني بذلت الجهد في الكشف
عن نكت من معاني القرآن وإعجازه خلت عنها التفاسير، ومن أساليب
الاستعمال الفصيح ما تصبو إليه همم النحارير، بحيث ساوى هذا
التفسير على اختصاره مطولات القماطير، ففيه أحسن ما في التفاسير،
وفيه أحسن مما في التفاسير.
وسميته تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد، من تفسير الكتاب المجيد .
واختصرت هذا الاسم باسم التحرير والتنوير من التفسير
وها أنا أبتدئ بتقديم مقدمات تكون عونا للباحث في التفسير، وتغنيه عن معاد كثير.


يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد أكتوبر 30, 2005 8:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
المقدمة الأولى

في التفسير والتأويل وكون التفسير علما
التفسير مصدر فسر بتشديد السين الذي هو مضاعف فسر بالتخفيف
من بابي نصر وضرب الذي مصدره الفسر، وكلاهما فعل متعد فالتضعيف
ليس للتعدية.
والفسر الإبانة والكشف لمدلول كلام أو لفظ بكلام آخر هو أوضح لمعنى
المفسر عند السامع، ثم قيل المصدران والفعلان متساويان في المعنى،
وقيل يختص المضاعف بإبانة المعقولات، قاله الراغب وصاحب البصائر،
وكأن وجهه أن بيان المعقولان يكلف الذي يبينه كثرة القول، كقول
أوس بن حجر: الألمعي الذي يظن بك الظ ن كأن قد رأى وقد سمعا

فكان تمام البيت تفسيرا لمعنى الألمعي، وكذلك الحدود المنطقية
المفسرة للمواهي والأجناس، لا سيما الأجناس العالمية الملقبة بالمقولات
فناسب أن يخص هذا البيان بصيغة المضاعفة، بناء على أن فعل المضاعف
إذا لم يكن للتعدية كان المقصود منه الدلالة على التكثير من المصدر،
قال في الشافية وفعل للتكثير غالبا وقد يكون التكثير في ذلك مجازيا
واعتباريا بأن ينزل كد الفكر في تحصيل المعاني الدقيقة، ثم في اختيار
أضبط الأقوال لإبانتها منزلة العمل الكثير كتفسير صحار العبدي وقد سأله
معاوية عن البلاغة فقال: أن تقول فلا تخطئ، وتجيب فلا تبطئ ثم قال
لسائله أقلني لا تخطئ ولا تبطئ .
ويشهد لهذا قوله تعالى )ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن
تفسيرا(. فأما إذا كان فعل المضاعف للتعدية فإن إفادته التكثير مختلف
فيها، والتحقيق أن المتكلم قد يعدل عن تعدية الفعل بالهمزة إلى تعديته
بالتضعيف لقصد الدلالة على التكثير لأن المضاعف قد عرف بتلك الدلالة
في حالة كونه فعلا لازما فقارنته تلك الدلالة عند استعماله للتعدية مقارنة
تبعية. ولذلك قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف الحمد لله الذي
أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما، ونزله على حسب المصالح منجما فقال
المحققون من شراحه، جمع بين أنزل ونزل لما في نزل من الدلالة على
التكثير، الذي يناسب ما أراده العلامة من التدريج والتنجيم. وأنا أرى أن
استفادة معنى التكثير في حال استعمال التضعيف للتعدية أمر من مستتبعات
الكلام حاصل من قرينة عدول المتكلم البليغ عن المهموز. الذي هو خفيف
إلى المضعف الذي هو ثقيل، فذلك العدول قرينة على المراد وكذلك الجمع
بينهما في مثل كلام الكشاف قرينة على إرادة التكثير.
وعزا شهاب الدين القرافي في أول أنواء البروق إلى بعض مشايخه أن العرب
فرقوا بين فرق بالتخفيف، وفرق بالتشديد، فجعلوا الأول للمعاني والثاني
للأجسام بناء على أن كثرة الحروف تقتضي زيادة المعنى أو قوته،
والمعاني لطيفة يناسبها المخفف، والأجسام كثيفة يناسبها التشديد،
واستشكله هو بعدم اطراده، وهو ليس من التحرير بالمحل اللائق، بل هو
أشبه باللطائف منه بالحقائق، إذ لم يراع العرب في هذا الاستعمال معقولا
ولا محسوسا وإنما راعوا الكثرة الحقيقية أو المجازية كما قررنا، ودل عليه
استعمال القرآن، ألا ترى أن الاستعمالين ثابتان في الموضع الواحد،
كقوله تعالى )وقرآنا فرقناه( قرىء بالتشديد والتخفيف،
وقال تعالى حكاية لقول المؤمنين )لا نفرق بين أحد من رسله( وقال لبيد:
فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها فجاء بفعل
قدم وبمصدر أقدم، وقال سيبويه إن فعل وأفعل يتعاقبان على أن التفرقة
عند مثبتها، تفرقة في معنى الفعل لا في حالة مفعوله بالأجسام.
والتفسير في الاصطلاح نقول: هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني
ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع. والمناسبة بين المعنى
الأصلي والمعنى المنقول إليه لا يحتاج إلى تطويل.
وموضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط
منه وبهذه الحيثية خالف علم القراءات لأن تمايز العلوم-كما يقولون-بتمايز
الموضوعات، وحيثيات الموضوعات.
هذا وفي عد التفسير علما تسامح؛ إذ العلم إذا أطلق، إما أن يراد به نفس
الإدراك، نحو قول أهل المنطق، العلم إما تصور وإما تصديق، وإما أن يراد به
الملكة المسماة بالعقل وإما أن يراد به التصديق الجازم وهو مقابل الجهل
وهذا غير مراد في عد العلوم وإما أن يراد بالعلم المسائل المعلومات
وهي مطلوبات خبرية يبرهن عليها في ذلك العلم وهي قضايا كلية، ومباحث
هذا العلم ليست بقضايا يبرهن عليها فما هي بكلية، بل هي تصورات
جزئية غالبا لأنه تفسير ألفاظ أو استنباط معان. فأما تفسير الألفاظ فهو من
قبيل التعريف اللفظي وأما الاستنباط فمن دلالة الالتزام وليس ذلك من القضية.


يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين أكتوبر 31, 2005 9:27 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
فإذا قلنا إن يوم الدين في قوله تعالى )ملك يوم الدين( هو يوم الجزاء،
وإذا قلنا إن قوله تعالى )وحمله وفصاله ثلاثون شهرا( مع قوله )وفصاله
في عامين( يؤخذ منه أن أقل الحمل ستة أشهر عند من قال ذلك،
لم يكن شيء من ذلك قضية، بل الأول تعريف لفظي، والثاني من دلالة
الالتزام ولكنهم عدوا تفسير ألفاظ القرآن علما مستقلا أراهم
فعلوا ذلك لواحد من وجوه ستة: الأول: أن مباحثه لكونها تؤدي
إلى استنباط علوم كثيرة وقواعد كلية، نزلت منزلة القواعد الكلية
لأنها مبدأ لها، ومنشأ، تنزيلا للشيء منزلة ما هو شديد الشبه به
بقاعدة ما قارب الشيء يعطي حكمه، ولا شك أن ما تستخرج منه
القواعد الكلية والعلوم أجدر بأن يعد علما من عد فروعه علما، وهم
قد عدوا تدوين الشعر علما لما فى حفظه من استخراج نكت بلاغية
وقواعد لغوية.
والثاني أن نقول: إن اشتراط كون مسائل العلم قضايا كلية يبرهن
عليها في العلم خاص بالعلوم المعقولة، لأن هذا اشتراط ذكره الحكماء
في تقسيم العلوم، أما العلوم الشرعية والأدبية فلا يشترط فيها ذلك،
بل يكفي أن تكون مباحثها مفيدة كمالا علميا لمزاولها، والتفسير أعلاها
في ذلك، كيف وهو بيان مراد الله تعالى من كلامه، وهم قد عدوا البديع
علما والعروض علما وما هي إلا تعاريف لألقاب اصطلاحية.

والثالث أن نقول: التعاريف اللفظية تصديقات على رأي بعض المحققين
فهي تؤول إلى قضايا، وتفرع المعاني الجمة عنها نزلها منزلة الكلية،
والاحتجاج عليها بشعر العرب وغيره يقوم مقام البرهان على المسألة،
وهذا الوجه يشترك مع الوجه الأول في تنزيل مباحث التفسير منزلة
المسائل، إلا أن وجه التنزيل في الأول راجع إلى ما يتفرع عنها،
وهنا راجع إلى ذاتها مع أن التنزيل في الوجه الأول في جميع الشروط
الثلاثة وهنا في شرطين، لأن كونها قضايا إنما يجيء على مذهب
بعض المنطقيين.
الرابع أن نقول: إن علم التفسير لا يخلو من قواعد كلية في أثنائه
مثل تقرير قواعد النسخ عند تفسير )ما ننسخ من آية( وتقرير قواعد
التأويل عند تقرير )وما يعلم تأويله( وقواعد المحكم عند تقرير )
منه آيات محكمات(، فسمي مجموع ذلك وما معه علما تغليبا،
وقد اعتنى العلماء بإحصاء كليات تتعلق بالقرآن، وجمعها ابن فارس،
وذكرها عنه في الإتقان وعنى بها أبو البقاء الكفوي في كلياته،
فلا بدع أن تزاد تلك في وجوه شبه مسائل التفسير بالقواعد الكلية.

الخامس: أن حق التفسير أن يشتمل على بيان أصول التشريع وكلياته
فكان بذلك حقيقا بأن يسمى علما ولكن المفسرين ابتدأوا بتقصي معاني
القرآن فطفحت عليهم وحسرت دون كثرتها قواهم، فانصرفوا عن الاشتغال
بانتزاع كليات التشريع إلا في مواضع قليلة.
السادس وهو الفصل : أن التفسير كان أول ما اشتغل به علماء الإسلام
قبل الاشتغال بتدوين بقية العلوم، وفيه كثرت مناظراتهم. وكان يحصل
من مزاولته والدربة فيه لصاحبه ملكة يدرك بها أساليب القرآن ودقائق
نظمه، فكان بذلك مفيدا علوما كلية لها مزيد اختصاص بالقرآن المجيد،
فمن أجل ذلك سمي علما.

ويظهر أن هذا العلم إن أخذ من حيث إنه بيان وتفسير لمراد الله من كلامه
كان معدودا من أصول العلوم الشرعية وهي التي ذكرها الغزالي في الضرب
الأول من العلوم الشرعية المحمودة من كتاب الإحياء، لأنه عد أولها الكتاب
والسنة، ولا شك أنه لا يعنى بعلم الكتاب حفظ ألفاظه بل فهم معانيها
وبذلك صح أن يعد رأس العلوم الإسلامية كما وصفه البيضاوي بذلك،
وإن أخذ من حيث ما فيه من بيان مكي ومدني، وناسخ ومنسوخ،
ومن قواعد الاستنباط التي تذكر أيضا في علم أصول الفقه من عموم
وخصوص وغيرهما كان معدودا في متممات العلوم الشرعية المذكورة
في الضرب الرابع من كلام الغزالي، وبذلك الاعتبار عد فيها إذ قال الضرب
الرابع المتممات وذلك في علم القرآن ينقسم إلى ما يتعلق باللفظ،
كعلم القراءات، وإلى ما يتعلق بالمعنى كالتفسير فإن اعتماده أيضا
على النقل، وإلى ما يتعلق بأحكامه كالناسخ والمنسوخ، والعام
والخاص، وكيفية استعمال البعض منه مع البعض وهو العلم الذي يسمى
أصول الفقه وهو بهذا الاعتبار لا يكون رئيس العلوم الشرعية.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 01, 2005 4:29 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
والتفسير أول العلوم الإسلامية ظهورا، إذ قد ظهر الخوض فيه في عصر
النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان بعض أصحابه قد سأل عن بعض معاني
القرآن كما سأله عمر رضي الله عنه عن الكلالة، ثم اشتهر فيه بعد من
الصحابة علي وابن عباس وهما أكثر الصحابة قولا في التفسير، وزيد بن ثابت
وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهم، وكثر الخوض فيه، حين دخل في الإسلام من لم يكن عربي السجية،
فلزم التصدي لبيان معاني القرآن لهم، وشاع عن التابعين وأشهرهم في ذلك
مجاهد وابن جبير، وهو أيضا أشرف العلوم الإسلامية ورأسها على التحقيق.
وأما تصنيفه فأول من صنف فيه عبد الملك بن جريج المكي المولود سنة 80 ه
والمتوفي سنة 149 ه صنف كتابه في تفسير آيات كثيرة وجمع فيه آثارا وغيرها
وأكثر روايته عن أصحاب ابن عباس مثل عطاء ومجاهد، وصنفت تفاسير ونسبت
روايتها إلى ابن عباس، لكن أهل الأثر تكلموا فيها وهي تفسير
محمد بن السائب الكلبي المتوفي سنة 146 ه عن أبي صالح عن ابن عباس،
وقد رمي أبو صالح بالكذب حتى لقب بكلمة دروغدت بالفارسية بمعنى الكذاب
وهي أوهى الروايات فإذا انضم إليها رواية محمد بن مروان السدى عن الكلبي
فهي سلسلة الكذب، أرادوا بذلك أنها ضد ما لقبوه بسلسلة الذهب، وهي
مالك عن نافع عن ابن عمر. وقد قيل إن الكلبي كان من أصحاب عبد الله بن سبأ
اليهودي الأصل، الذي أسلم وطعن في الخلفاء الثلاثة وغلا في حب
علي بن أبي طالب، وقال: إن عليا لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا
وقد قيل إنه ادعى إلهية علي.
وهنالك رواية مقاتل ورواية الضحاك، ورواية علي بن أبي طلحة الهاشمي
كلها عن ابن عباس، وأصحها رواية علي بن أبي طلحة، وهي التي اعتمدها
البخاري في كتاب التفسير من صحيحه فيما يصدر به من تفسير المفردات
على طريقة التعليق، وقد خرج في الإتقان، جميع ما ذكره البخاري من تفسير
المفردات، عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس مرتبة على سور القرآن. والحاصل
أن الرواية عن ابن عباس، قد اتخذها الوضاعون والمدلسون ملجأ لتصحيح
ما يروونه كدأب الناس في نسبة كل أمر مجهول من الأخبار والنوادر، لأشهر
الناس في ذلك المقصد.
وهنالك روايات تسند لعلي رضي الله عنه، أكثرها من الموضوعات، إلا ما روي
بسند صحيح، مثل ما في صحيح البخاري ونحوه، لأن لعلي أفهاما في القرآن
كما ورد في صحيح البخاري، عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي هل عندكم شي
ء من الوحي ليس في كتاب الله? فقال لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة،
ما أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ثم تلاحق العلماء في تفسير
القرآن وسلك كل فريق مسلكا يأوي إليه وذوقا يعتمد عليه.
فمنهم من سلك مسلك نقل ما يؤثر عن السلف، وأول من
صنف في هذا المعنى، مالك ابن أنس، وكذلك الداودي تلميذ السيوطي
في طبقات المفسرين، وذكره عياض في المدارك إجمالا. وأشهر أهل
هذه الطريقة فيما هو بأيدي الناس محمد بن جرير الطبري.
ومنهم من سلك مسلك النظر كأبي إسحاق الزجاج وأبي علي الفارسي،
وشغف كثير بنقل القصص عن الإسرائيليات، فكثرت في كتبهم الموضوعات،
إلى أن جاء في عصر واحد عالمان جليلان أحدهما بالمشرق، وهو العلامة
أبو القاسم محمود الزمخشري، صاحب الكشاف، والآخر بالمغرب بالأندلس
وهو الشيخ عبد الحق بن عطية، فألف تفسيره المسمى ب المحرر الوجيز .
كلاهما يغوص على معاني الآيات، ويأتي بشواهدها من كلام العرب ويذكر كلام
المفسرين إلا أن منحي البلاغة والعربية بالزمخشري أخص، ومنحي الشريعة
على ابن عطية أغلب، وكلاهما عضادتا الباب، ومرجع من بعدهما من أولي الألباب



يتبع بإذن الله تعالى


_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 04, 2005 11:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وقد جرت عادة المفسرين بالخوض في بيان معنى التأويل، وهل هو
مساو للتفسير أو أخص منه أو مباين. وجماع القول في ذلك أن من
العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي
وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب، ومنهم من جعل التفسير للمعنى
الظاهر والتأويل للمتشابه، ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن
ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي
، فإذا فسر قوله تعالى )يخرج الحي من الميت( بإخراج الطير من البيضة،
فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل، وهنالك أقوال أخر
لا عبرة بها، وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة والآثار
تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية
المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم
به من المعاني، فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه
تفصيل معنى خفي معقول. قال الأعشى: على أنها كانت تأول
حبهـا تأول ربعي السقاب فأصحبا أي تبيين تفسير حبها أنه كان صغيرا
في قلبه، فلم يزل يشب حتى صار كبيرا كهذا السقب، أي ولد الناقة،
الذي هو من السقاب الربيعية لم يزل يشب حتى كبر وصار له ولد يصحبه
قاله أبو عبيدة، وقد قال الله تعالى )هل ينظرون إلا تأويله( أي ينتظرون
إلا بيانه الذي هو المراد منه، وقال صلى الله عليه وسلم في دعائه
لأبن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ، أي فهم معاني القرآن،
وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان صلى الله عليه وسلم يقول
في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن
أي يعمل بقوله تعالى )فسبح بحمد ربك واستغفره( فلذلك جمع في دعائه
التسبيح والحمد وذكر لفظ الرب وطلب المغفرة فقولها يتأول ، صريح في
أنه فسر الآية بالظاهر منها ولم يحملها على ما تشير إليه من انتها
ء مدة الرسالة وقرب انتقاله صلى الله عليه وسلم، الذي فهمه منها
عمر وأبن عباس رضي الله عنهما.

المقدمة الثانية

في استمداد علم التفسير
استمداد العلم يراد به توقفه على معلومات سابق وجودها على وجود
ذلك العلم عند مدونيه لتكون عونا لهم على إتقان تدوين ذلك العلم،
وسمي ذلك في الاصطلاح بالاستمداد عن تشبيه احتياج العلم لتلك
المعلومات بطلب المدد، والمدد العون والغواث، فقرنوا الفعل بحرفي
الطلب وهما السين والتاء، وليس كل ما يذكر في العلم معدودا من مدده
، بل مدده ما يتوقف عليه تقومه، فأما ما يورد في العلم من مسائل علوم
أخرى، عند الإفاضة في البيان، مثل كثير من إفاضات فخر الدين الرازي،
في مفاتيح الغيب فلا يعد مددا للعلم، ولا ينحصر ذلك ولا ينضبط، بل هو
متفاوت على حسب مقادير توسع المفسرين ومستطرداتهم، فاستمداد
علم التفسير للمفسر العربي والمولد، من المجموع الملتئم من علم العربية
وعلم الآثار، ومن أخبار العرب وأصول الفقه قيل وعلم الكلام وعلم القراءات.
أما العربية فالمراد منها معرفة مقاصد العرب من كلامهم وأدب لغتهم سواء
حصلت تلك المعرفة، بالسجية والسليقة، كالمعرفة الحاصلة للعرب الذين
نزل القرآن بين ظهرانيهم، أم حصلت بالتلقي والتعلم كالمعرفة الحاصلة
للمولدين الذين شافهوا بقية العرب ومارسوهم، والمولدين الذين درسوا
علوم اللسان ودونوها




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 07, 2005 12:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
إن القرآن كلام عربي فكانت قواعد العربية طريقا لفهم معانيه،
وبدون ذلك يقع الغلط وسوء الفهم، لمن ليس بعربي بالسليقة،
ونعني بقواعد العربية مجموع علوم اللسان العربي، وهي:
متن اللغة، والتصريف، والنحو، والمعاني، والبيان. ومن وراء ذلك
استعمال العرب المتبع من أساليبهم في خطبهم وأشعارهم
وتراكيب بلغائهم، ويدخل في ذلك ما يجري مجرى التمثيل
والاستئناس للتفسير من أفهام أهل اللسان أنفسهم لمعاني
آيات غير واضحة الدلالة عند المولدين، قال في الكشاف:
ومن حق مفسر كتاب الله الباهر، وكلامه المعجز أن يتعاهد
في مذاهبه بقاء النظم على حسنه والبلاغة على كمالها،
وما وقع به التحدي سليما من القادح، فإذا لم يتعاهد أوضاع
اللغة فهو من تعاهد النظم والبلاغة على مراحل ولعلمي
البيان والمعاني مزيد اختصاص بعلم التفسير لأنهما وسيلة
لإظهار خصائص البلاغة القرآنية، وما تشتمل عليه الآيات
من تفاصيل المعاني وإظهار وجه الإعجاز ولذلك كان هذان
العلمان يسميان في القديم علم دلائل الإعجاز قال في
الكشاف: علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه
كل ذي علم، فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى
والأحكام، والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام،
وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرية أحفظ، والواعظ
وإن كان من الحسن البصري أوعظ، والنحوي وإن كان أنحى
من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى
منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شئ
من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن
وهما علما البيان والمعاني ا ه .
وقال في تفسير سورة الزمر عند قوله تعالى )والسماوات
مطويات بيمينه(: وكم من آية من آيات التنزيل وحديث من أحاديث
الرسول، قد ضيم وسيم الخسف، بالتأويلات الغثه، والوجوه الرثة،
لأن من تأولها ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف
قبيلا منه من دبير يريد به علم البيان. وقال السكاكي
في مقدمة القسم الثالث من كتاب المفتاح: وفيما ذكرنا
ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى،
وتقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين المعاني والبيان
كل الافتقار، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما
راجل ، قال السيد الجرجاني في شرحه: ولا شك أن خواص
نظم القرآن أكثر من غيرها فلابد لمن أراد الوقوف عليها،
إن لم يكن بليغا سليقة، من هذين العلمين. وقد أصاب
السكاكي بذكر الحكيم المحز، أي أصاب المحز إذ خص
بالذكر هذا الاسم من بين الأسماء الحسنى، لأن كلام الحكيم
يحتوي على مقاصد جليلة ومعاني غالية، لا يحصل الاطلاع
على جميعها أو معظمها إلا بعد التمرس بقواعد بلاغة الكلام
المفرغة فيه، وفي قوله ينبه إشارة إلى أن من حقه أن يكون
معلوما ولكنه قد يغفل عنه، وقوله فالويل كل الويل تنفير،
لأن من لم يعرف هذين العلمين إذا شرع في تفسير القرآن
واستخراج لطائفه أخطأ غالبا، وإن أصاب نادرا كان مخطئا
في إقدامه عليه ا ه . وقوله تمام مراد الحكيم ،
أي المقصود هو معرفة جميع مراد الله من قرآنه، وذلك
إما ليكثر الطلب واستخراج النكت، فيدأب كل أحد للاطلاع
على غاية مراد الله تعالى، وإما أن يكون المراد الذي نصب
عليه علامات بلاغية وهو منحصر فيما يقتضيه المقام بحسب
التتبع، والكل مظنة عدم التناهي وباعث للناظر على بذل
غاية الجهد في معرفته، والناس متفاوتون في هذا الاطلاع
على قدر صفاء القرائح ووفرة المعلومات، وقال أبو الوليد ابن رشد،
في جوابه له عمن قال: إنه لا يحتاج إلى لسان العرب ما نصه:
هذا جاهل فلينصرف عن ذلك وليتب منه فإنه لا يصح شئ
من أمور الديانة والإسلام إلا بلسان العرب يقول الله تعالى )
بلسان عربي مبين( إلا أن يرى أنه قال ذلك لخبث في دينه فيؤدبه
الإمام على قوله ذلك بحسب ما يرى فقد قال عظيما اه ،
ومراد السكاكي من تمام مراد الله ما يتحمله الكلام من المعاني
الخصوصية، فمن يفسر قوله تعالى )إياك نعبد( بإنا نعبدك لم يطلع
على تمام المراد لأنه أهمل ما يقتضيه تقديم المفعول من القصد.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 08, 2005 4:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وقال في آخر فن البيان من المفتاح: لا أعلم في باب التفسير
بعد علم الأصول أقرأ على المرء لمراد الله من كلامه، من علمي
المعاني والبيان، ولا أعون على تعاطي تأويل متشابهاته، ولا أنفع
في درك لطائف نكته وأسراره، ولا أكشف للقناع عن وجه إعجازه،
ولكم آية من آيات القرآن تراها قد ضيمت حقها واستلبت ماءها
ورونقها أن وقعت إلى من ليسوا من أهل هذا العلم، فأخذوا بها
في مآخذ مردودة، وحملوها على محامل غير مقصودة إلخ .

وقال الشيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز. في آخر فصل
المجاز الحكمي: ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم،
أن يتوهموا ألباب الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل أنها
على ظواهرها أي على الحقيقة ، فيفسدوا المعنى بذلك
ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضع
البلاغة وبمكان الشرف، وناهيك بهم إذا أخذوا في ذكر الوجوه
وجعلوا يكثرون في غير طائل، هنالك ترى ما شئت من باب جهل
قد فتحوه، وزند ضلالة قد قدحوا به .
وأما استعمال العرب، فهو التملي من أساليبهم في خطبهم
وأشعارهم وأمثالهم وعوائدهم ومحادثاتهم، ليحصل بذلك لممارسة
المولد ذوق يقوم عنده مقام السليقة والسجية عند العربي القح
والذوق كيفية للنفس بها تدرك الخواص والمزايا التي للكلام البليغ
قال شيخنا الجد الوزير وهي ناشئة عن تتبع استعمال البلغاء فتحصل
لغير العربي بتتبع موارد الاستعمال والتدبر في الكلام المقطوع
ببلوغه غاية البلاغة، فدعوى معرفة الذوق لا تقبل إلا من الخاصة
وهو يضعف ويقوي بحسب مثافنة ذلك التدبر اه.

ولله دره في قوله المقطوع ببلوغه غاية البلاغة المشير إلى وجوب
اختيار الممارس لما يطالعه من كلامهم وهو الكلام المشهود له
بالبلاغة بين أهل هذا الشأن، نحو المعلقات والحماسة ونحو نهج البلاغة
ومقامات الحريري ورسائل بديع الزمان.

قال صاحب المفتاح قبيل الكلام على اعتبارات الإسناد الخبري
ليس من الواجب في صناعته وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها
إلى مجرد العقل، أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة
الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكيمات وضيعة،
واعتبارات إلفية، فلا بأس على الدخيل في علم المعاني، أن يقلد
صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له
على مهل موجبات ذلك الذوق اه .

ولذلك أي لإيجاد الذوق أو تكميله لم يكن غنى للمفسر في بعض
المواضع من الاستشهاد على المراد في الآية، ببيت من الشعر،
أو بشيء من كلام العرب لتكميل ما عنده من الذوق، عند خفاء
المعنى، ولإقناع السامع والمتعلم اللذين لم يكمل
لهما الذوق في المشكلات.

وهذا كما قلناه آنفا شئ وراء قواعد علم العربية. وعلم البلاغة
به يحصل انكشاف بعض المعاني واطمئنان النفس لها، وبه يترجح
أحد الاحتمالين على الآخر معاني القرآن ألا ترى أنه لو اطلع أحد
على تفسير قوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم
عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء(، وعرض لديه احتمال
أن يكون عطف قوله )ولا نساء( على قوله )قوم( عطف مباين،
أو عطف خاص على عام فاستشهد المفسر في ذلك بقول زهير:
وما أدرى وسوف إخال أدري أقوم آل حصـن أم نـسـاء كيف تطمئن
نفسه لاحتمال عطف المباين دون عطف الخاص على العام،
وكذلك إذا رأى تفسير قوله تعالى )وامسحوا برؤوسكم( وتردد عنده
احتمال أن الباء فيه للتأكيد أو أنها للتبعيض أو للآلة وكانت نفسه
غير مطمئنة لاحتمال التأكيد إذ كان مدخول الباء مفعولا فإذا استشهد
له على ذلك بقول النابغة: لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا وأصبح
جد الناس يظلـع عـاثـرا وقول الأعشى: فكلنا مغرم يهوى بصاحبـه
قاص ودان ومحبول ومحتبل رجح عنده احتمال التأكيد وظهر له أن
دخول الباء على المفعول للتأكيد طريقة مسلوكة في الاستعمال.

روى أئمة الأدب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ على المنبر
قوله تعالى )أو يأخذهم على تخوف( ثم قال ما تقولون فيها?
أي في معنى التخوف، فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا،
التخوف التنقص، فقال عمر: وهل تعرف العرب ذلك في كلامها?
قال: نعم. قال: أبو كبير الهذلي:





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس نوفمبر 10, 2005 1:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
فقال عمر عليكم بديوانكم لا تضلوا، كما تخوف عود النبعة السفن
تخوف الرحل منها تامكا قردا هو شعر العرب فيه تفسير كتابكم ومعاني
كلامكم وعن ابن عباس الشعر ديوان العرب فإذا خفي علينا الحرف
من القرآن، الذي أنزله الله بلغتهم رجعنا إلى ديوانهم فالتمسنا
معرفة ذلك منه وكان كثيرا ما ينشد الشعر إذا سئل عن بعض
حروف القرآن. قال القرطبي سئل ابن عباس، عن السنة في
قوله تعالى )لا تأخذه سنة ولا نوم( فقال النعاس وانشد قول زهير:
لا سنة في طوال الليل تأخذه ولا ينام ولا في أمره فنـد وسئل
عكرمة ما معنى الزنيم، فقال هو ولد الزنى وأنشد: زنيم ليس
يعرف من أبوه بغى الأم ذو حسب لئيم فمما يؤثر عن
أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه سئل عن تمثل الرجل ببيت
شعر لبيان معنى في القرآن فقال ما يعجبني فهو عجيب،
وإن صح عنه فلعله يريد كراهة أن يذكر الشعر لإثبات صحة
ألفاظ القرآن كما يقع من بعض الملاحدة، روى أن ابن الراوندى
وكان يزن بالإلحاد قال لابن الأعرابي: أتقول العرب لباس التقوى
فقال ابن الأعرابي لا باس لا باس، وإذا أنجى الله الناس،
فلا نجى ذلك الرأس، هبك يابن الرواندي تنكر أن يكون محمد نبيا
أفتنكر ان يكون فصيحا عربيا? .
ويدخل في مادة الاستعمال العربي ما يؤثر عن بعض السلف
في فهم معاني بعض الآيات على قوانين استعمالهم،
كما روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير قال
قلت لعائشة وأنا يومئذ حديث السن : أرأيت قول
الله تعالى )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت
أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما( فما على الرجل شئ
أن لا يطوف بهما، فقالت عائشة: كلا لو كان كما تقول،
لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية
في الأنصار كانوا يهلون لمناة الطاغية، وكانت مناة حذو قديد،
وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام
سألوا رسول الله عن ذلك، فأنزل الله: )إن الصفا والمروة
( الآية اه ، فبينت له ابتداء طريقة استعمال العرب لو كان المعنى
كما وهمه عروة ثم بينت له مثار شبهته الناشئة عن قوله تعالى )
فلا جناح عليه( الذي ظاهره رفع الجناح عن الساعي الذي يصدق
بالإباحة دون الوجوب.
وأما الآثار فالمعني بها، ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم،
من بيان المراد من بعض القرآن في مواضع الإشكال والإجمال،
وذلك شئ قليل. قال ابن عطية عن عائشة ما كان رسول الله
يفسر من القرآن إلا آيات معدودات علمه إياهن جبريل ،
قال معناه في مغيبات القرآن وتفسير مجمله مما لا سبيل
إليه إلا بتوقيف، قلت: أو كان تفسير ألا توقيف فيه، كما بين
لعدي بن حاتم أن الخيط الأبيض والخيط الأسود هما سواد الليل
وبياض النهار، وقال له: إنك لعريض الوسادة، وفي رواية إنك
لعريض القفا، وما نقل عن الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي
من بيان سبب النزول، وناسخ ومنسوخ، وتفسير مبهم،
وتوضيح واقعة من كل ما طريقهم فيه الرواية عن
الرسول صلى الله عليه وسلم، دون الرأي وذلك مثل كون
المراد من )المغضوب عليهم( اليهود ومن )الضالين( النصارى، ومثل
كون المراد من قوله تعالى )ذرني ومن خلقت وحيدا( الوليد بن المغيرة
المخزومي أبا خالد بن الوليد، وكون المراد من قوله تعالى )
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا( الآية، العاصي بن وائل
السهمي في خصومته بينه وبين خباب بن الأرت كما في صحيح البخاري
في تفسير سورة المدثر.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 12, 2005 2:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
قال ابن عباس مكثت سنين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين
اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمنعني
إلا مهابته، ثم سألته فقال: هما حفصة وعائشة. ومعنى كون
أسباب النزول من مادة التفسير، أنها تعين على تفسير المراد،
وليس المراد أن لفظ الآية يقصر عليها؛ لأن سبب النزول لا يخصص،
قال تقي الدين السبكي: وكما أن سبب النزول لا يخصص،
كذلك خصوص غرض الكلام لا يخصص، كأن يرد خاص ثم يعقبه عام
للمناسبة فلا يقتضي تخصيص العام، نحو )فلا جناح عليهما
أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير(. وقد يكون المروي في سبب
النزول مبينا ومؤولا لظاهر غير مقصود، فقد توهم قدامة بن مظعون
من قوله تعالى )ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا( فاعتذر بها لعمر بن الخطاب في شرب قدامة خمرا،
روي أن عمر استعمل قدامة ابن مظعون على البحرين فقدم
الجارود على عمر فقال: إن قدامة شرب فسكر، فقال عمر:
من يشهد على ما تقول? قال الجارود: أبو هريرة يشهد على
ما أقول وذكر الحديث، فقال عمر: ياقدامة إني جالدك، قال
والله لو شربت كما يقولون ما كان لك أن تجلدني، قال عمر:
ولم? قال لأن الله يقول )ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جناح(الخ، فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت الله
اجتنبت ما حرم الله. وفي رواية فقال: لم تجلدني بيني وبينك
كتاب الله، فقال عمر: وأي كتاب الله تجد أن لا أجلدك? قال:
إن الله يقول في كتابه )ليس على الذين آمنوا( إلى آخر الآية
فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت
مع رسول الله بدرا واحدا والخندق والمشاهد، فقال عمر:
ألا تردون عليه قوله فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن
عذرا للماضين وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم
لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر، وحجة على الباقين
لأن الله يقول: )يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر( ثم قرأ
إلى آخر الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات
ثم اتقوا وآمنوا وأحسنوا فإن الله قد نهى أن يشرب الخمر،
قال عمر: صدقت الحديث.
وتشمل الآثار إجماع الأمة على تفسير معنى، إذ لا يكون
إلا عن مستند كإجماعهم على أن المراد من الأخت في آية
الكلالة الأولى هي الأخت للأم، وأن المراد من الصلاة في سورة
الجمعة هي صلاة الجمعة، وكذلك المعلومات بالضرورة
كلها ككون الصلاة مرادا منها الهيئة المخصوصة دون الدعاء،
والزكاة المال المخصوص المدفوع.
وأما القراءات فلا يحتاج إليها إلا في حين الاستدلال بالقراءة
على تفسير غيرها، وإنما يكون في معنى الترجيح لأحد المعاني
القائمة من الآية أو لاستظهار على المعنى، فذكر القراءة كذكر
الشاهد من كلام العرب؛ لأنها إن كانت مشهورة، فلا جرم أنها تكون
حجة لغوية، وإن كانت شاذة فحجتها لا من حيث الرواية، لأنها لا تكون
صحيحة الرواية، ولكن من حيث إن قارئها ما قرأ بها إلا استنادا
لاستعمال عربي صحيح، إذ لا يكون القارئ معتدا به إلا إذا عرفت
سلامة عربيته، كما احتجوا على أن أصل )الحمد لله( أنه منصوب
على المفعول المطلق بقراءة هارون العتكي )الحمد لله( بالنصب كما
في الكشاف، وبذلك يظهر أن القراءة لا تعد تفسيرا من حيث هي
طريق في أداء ألفاظ القرآن، بل من حيث أنها شاهد لغوي
فرجعت إلى علم اللغة.
وأما أخبار العرب فهي من جملة أدبهم. وإنما خصصتها بالذكر تنبيها
لمن يتوهم أن الاشتغال بها من اللغو فهي يستعان بها على فهم
ما أوجزه القرآن في سوقها لأن القرآن إنما يذكر القصص والأخبار
للموعظة والاعتبار، لا لأن يتحادث بها الناس في الأسمار،
فبمعرفة الأخبار يعرف ما أشارت له الآيات من دقائق المعاني،
فنحو قوله تعالى )ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا( وقوله )
قتل أصحاب الأخدود( يتوقف على معرفة أخبارهم عند العرب.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 15, 2005 2:30 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وأما أصول الفقه فلم يكونوا يعدونه من مادة التفسير،
ولكنهم يذكرون أحكام الأوامر والنواهي والعموم وهي
من أصول الفقه، فتحصل أن بعضه يكون مادة للتفسير،
وذلك من جهتين: إحداهما أن علم الأصول قد أودعت
فيه مسائل كثيرة هي من طرق استعمال كلام العرب
وفهم موارد اللغة أهمل التنبيه عليها علماء العربية
مثل مسائل الفحوى ومفهوم المخالفة، وقد عد
الغزالي علم الأصول من جملة العلوم التي تتعلق
بالقرآن وبأحكامه فلا جرم أن يكون مادة للتفسير.

الجهة الثانية: أن علم الأصول يضبط قواعد الاستنباط
ويفصح عنها فهو آلة للمفسر في استنباط المعاني
الشرعية من آياتها.
وقد عد عبد الحكيم والآلوسي، أخذا من كلام السكاكي،
في آخر فن البيان الذي تقدم آنفا وما شرحه به شارحاه
التفتزاني والجرجاني، علم الكلام في جملة ما يتوقف عليه
علم التفسير، قال عبد الحكيم: لتوقف علم التفسير
على إثبات كونه تعالى متكلما، وذلك يحتاج إلى علم الكلام .

وقال الآلوسي لتوقف فهم ما يجوز على الله ويستحيل
على الكلام يعني من آيات التشابه في الصفات مثل
الرحمن على العرش استوى ، وهذا التوجيه أقرب
من توجيه عبد الحكيم، وهو مأخوذ من كلام السيد الجرجاني
في شرح المفتاح، وكلاهما اشتباه لأن كون القرآن كلام الله
قد تقرر عند سلف الأمة قبل علم الكلام، ولا أثر له في التفسير،
وأما معرفة ما يجوز وما يستحيل فكذلك، ولا يحتاج لعلم الكلام
إلا في التوسع في إقامة الأدلة على استحالة بعض المعاني،
وقد أبنت أن ما يحتاج إليه المتوسع لا يصير مادة للتفسير.

ولم نعد الفقه من مادة علم التفسير كما فعل السيوطي،
لعدم توقف فهم القرآن، على مسائل الفقه، فإن علم الفقه
متأخر عن التفسير وفرع عنه، وإنما يحتاج المفسر إلى مسائل
الفقه، عند قصد التوسع في تفسيره، للتوسع في طرق
الاستنباط وتفصيل المعاني تشريعا وآدابا وعلوما، ولذلك
لا يكاد يحصر ما يحتاجه المتبحر في ذلك من العلوم،
ويوشك أن يكون المفسر المتوسع محتاجا إلى الإلمام
بكل العلوم وهذا المقام هو الذي أشار له البيضاوي بقوله:
لا يليق لتعاطيه، والتصدي للتكلم فيه، إلا من برع في العلوم
الدينية كلها أصولها وفروعها وفي الصناعات العربية
والفنون الأدبية بأنواعها .

تنبيه: اعلم أنه لا يعد من استمداد علم التفسير،
الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير آيات،
ولا ما يروى عن الصحابة في ذلك لأن ذلك من التفسير لا من مدده،
ولا يعد أيضا من استمداد التفسير ما في بعض آي القرآن
من معنى يفسر بعضا آخر منها، لأن ذلك من قبيل حمل
بعض الكلام على بعض، كتخصيص العموم وتقييد المطلق
وبيان المجمل وتأويل الظاهر ودلالة الاقتضاء وفحوى الخطاب
ولحن الخطاب، ومفهوم المخالفة.

ذكر ابن هشام، في مغنى اللبيب، في حرف لا،
عن أبي علي الفارسي، أن القرآن كله كالسورة الواحدة،
ولهذا يذكر الشيء في سورة وجوابه في سورة أخرى،
نحو )وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون
( وجوابه )ما أنت بنعمة ربك بمجنون( اه.

وهذا كلام لا يحسن إطلاقه، لأن القرآن قد يحمل بعض
آياته على بعض وقد يستقل بعضها عن بعض، إذ ليس يتعين
أن يكون المعنى المقصود في بعض الآيات مقصودا في جميع
نظائرها، بله ما يقارب غرضها.

واعلم أن استمداد علم التفسير، من هذه المواد لا ينافي كونه
رأس العلوم الإسلامية كما تقدم، لأن كونه رأس العلوم الإسلامية،
معناه أنه أصل لعلوم الإسلام على وجه الإجمال،
فأما استمداده من بعض العلوم الإسلامية، فذلك استمداد
لقصد تفصيل التفسير على وجه أتم من الإجمال،
وهو أصل لما استمد منه باختلاف الاعتبار على ما حققه عبد الحكيم.




يتبع بإذن الله تعالى


_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 16, 2005 2:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
المقدمة الثالثة

في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي ونحوه

إن قلت: أتراك بما عددت من علوم التفسير تثبت أن تفسيرا
كثيرا للقرآن لم يستند إلى مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم
ولا عن أصحابه، وتبيح لمن استجمع من تلك العلوم حظا كافيا
وذوقا ينفتح له بهما من معاني القرآن ما ينفتح عليه،
أن يفسر من آي القرآن بما لم يؤثر عن هؤلاء، فيفسر بمعان
تقتضيها العلوم التي يستمد منها علم التفسير، وكيف حال
التحذير الواقع في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس
أن رسول الله قال من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده
من النار ، وفي رواية: من قال في القرآن بغير علم
فليتبوأ مقعده من النار . والحديث الذي رواه أبو داود والترمذي
والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من تكلم
في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ وكيف محمل ما روي من
تحاشي بعض السلف عن التفسير بغير توقيف? فقد روي
عن أبي بكر الصديق أنه سئل عن تفسير الأب في قوله
وفاكهة وأبا فقال: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت
في القرآن برأيي . ويروى عن سعيد بن المسيب
والشعبي إحجامهما عن ذلك.
قلت: أراني كما حسبت أثبت ذلك وأبيحه، وهل اتسعت التفاسير
وتفننت مستنبطات معاني القرآن إلا بما رزقه الذين أوتوا العلم
من فهم في كتاب الله. وهل يتحقق قول علمائنا إن القرآن لا تنقضي
عجائبه إلا بازدياد المعاني باتساع التفسير? ولولا ذلك لكان
تفسير القرآن مختصرا في ورقات قليلة. وقد قالت عائشة:
ما كان رسول الله يفسر من كتاب الله إلا آيات معدودات علمه
جبريل إياهن كما تقدم في المقدمة الثانية.
ثم لو كان التفسير مقصورا على بيان معاني مفردات القرآن
من جهة العربية لكان التفسير نزرا، ونحن نشاهد كثرة أقوال
السلف من الصحابة، فمن يليهم في تفسير آيات القرآن
وما أكثر ذلك الاستنباط برأيهم وعلمهم. قال الغزالي
والقرطبي: لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير
مسموعا من النبي صلى الله عليه وسلم لوجهين: أحدهما:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه من التفسير
إلا تفسير آيات قليلة وهي ما تقدم عن عائشة. الثاني أنهم
اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة لا يمكن الجمع بينها.
وسماع جميعها من رسول الله محال، ولو كان بعضها مسموعا
لترك الآخر، أي لو كان بعضها مسموعا لقال قائله: إنه سمعه
من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه من خالفه،
فتبين على القطع أن كل مفسر قال في معنى الآية بما ظهر له
باستنباطه. روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة قال:
قلت لعلي: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله?
قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا أعلمه إلا فهما يعطيه الله
رجلا في القرآن إلخ وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل
واتفق العلماء على أن المراد بالتأويل تأويل القرآن، وقد ذكر
فقهاؤنا في آداب قراءة القرآن أن التفهم مع قلة القراءة أفضل
من كثرة القراءة بلا تفهم، قال الغزالي في الإحياء التدبر
في قراءته إعادة النظر في الآية والتفهم أن يستوضح من كل
آية ما يليق بها كي تتكشف له من الأسرار معان مكنونة لا تتكشف
إلا للموفقين قال: ومن موانع الفهم أن يكون قد قرأ تفسيرا
واعتقد أن لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس
وابن مجاهد، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي فهذا من الحجب العظيمة
وقال فخر الدين في تفسير قوله تعالى )وعاشروهن بالمعروف
( في سورة النساء: وقد ثبت في أصول الفقه أن المتقدمين
إذا ذكروا وجها في تفسير الآية فذلك لا يمنع المتأخرين من استخراج
وجه آخر في تفسيرها وإلا لصارت الدقائق التي يستنبطها المتأخرون
في التفسير مردودة، وذلك لا يقوله إلا مقلد خلف بضم الخاء ا ه.
وقال سفيان بن عيينة في قوله تعالى )
ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون( هي تسلية للمظلوم وتهديد
للظالم، فقيل له: من قال هذا? فغضب وقال: إنما قاله من علمه
يريد نفسه، وقال أبو بكر ابن العربي في العواصم إنه أملى
على سورة نوح خمسمائة مسألة وعلى قصة موسى ثمانمائة مسألة.






يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 20, 2005 3:06 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وهل استنباط الأحكام التشريعية من القرآن في خلال القرون
الثلاثة الأولى من قرون الإسلام إلا من قبيل التفسير لآيات القرآن
بما لم يسبق تفسيرها به قبل ذلك? وهذا الإمام الشافعي يقول:
تطلبت دليلا على حجية الإجماع فظفرت به في قوله تعالى )
ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل
المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا(.
قال شرف الدين الطيبي في شرح الكشاف في سورة الشعراء:
شرط التفسير الصحيح أن يكون مطابقا للفظ من حيث الاستعمال،
سليما من التكلف عريا من التعسف ، وصاحب الكشاف يسمي
ما كان على خلاف ذلك بدع التفاسير.

وأما الجواب عن الشبهة التي نشأت من الآثار المروية في التحذير
من تفسير القرآن بالرأي فمرجعه إلى أحد خمسة وجوه:

أولها أن المراد بالرأي هو القول عن مجرد خاطر دون استناد
إلى نظر في أدلة العربية ومقاصد الشريعة وتصاريفها، وما لا بد منه
من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول، فهذا لا محالة
إن أصاب فقد أخطأ في تصوره بلا علم، لأنه لم يكن مضمون الصواب
كقول المثل رمية من غير رام وهذا كمن فسر آلم إن الله أنزل
جبريل على محمد بالقرآن فإنه لا مستند لذلك، وأما ما روي عن
الصديق رضي الله عنه فيما تقدم في تفسير الآية فذلك من الورع
خشية الوقوع في الخطأ في كل ما لم يقم له فيه دليل أو في
مواضع لم تدع الحاجة إلى التفسير فيها، ألم تر أنه سئل عن
الكلالة في آية النساء فقال أقول فيها برأي فإن كان صوابا
فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان الخ. وعلى هذا
المحمل ما روي عن الشعبي وسعيد أي أنهما تباعدا عما يوقع
في ذلك ولو على احتمال بعيد مبالغة في الورع ودفعا للاحتمال
الضعيف، وإلا فإن الله تعالى ما تعبدنا في مثل هذا إلا ببذل
الوسع مع ظن الإصابة.

ثانيها: أن لا يتدبر القرآن حق تدبره فيفسره بما يخطر له من بادئ
الرأي دون إحاطة بجوانب الآية ومواد التفسير مقتصرا على بعض
الأدلة دون بعض كأن يعتمد على ما يبدو من وجه في العربية فقط،
كمن يفسر قوله تعالى)ما أصابك من حسنة فمن الله( الآية على ظاهر
معناها يقول، إن الخير من الله والشر من فعل الإنسان بقطع النظر
على الأدلة الشرعية التي تقتضي أن لا يقع إلا ما أراد الله غافلا
عما سبق من قوله تعالى )قل كل من عند الله( أو بما يبدو من ظاهر
اللغة دون استعمال العرب كمن يقول في قوله تعالى )
وآتينا ثمود الناقة مبصرة( فيفسر مبصرة بأنها ذات بصر لم تكن عمياء،
فهذا من الرأي المذموم لفساده.

ثالثها: أن يكون له ميل إلى نزعة أو مذهب أو نحلة فيتأول القرآن
على وفق رأيه ويصرفه عن المراد ويرغمه على تحمله ما لا يساعد عليه
المعنى المتعارف، فيجر شهادة القرآن لتقرير رأيه ويمنعه عن فهم
القرآن حق فهمه ما قيد عقله من التعصب، عن أن يجاوزه فلا يمكنه
أن يخطر بباله غير مذهبه حتى إن لمع له بارق حق وبدا له معنى
يباين مذهبه حمل عليه شيطان التعصب حملة وقال كيف يخطر
هذا ببالك، وهو خلاف معتقدك كمن يعتقد من الاستواء على العرش
التمكن والاستقرار، فإن خطر له أن معنى
قوله تعالى )القدوس( أنه المنزه عن كل صفات المحدثات
حجبة تقليده عن أن يتقرر ذلك في نفسه، ولو تقرر لتوصل
فهمه فيه إلى كشف معنى ثان أو ثالث، ولكنه يسارع إلى دفع ذلك
عن خاطره لمناقضته مذهبه.
وجمود الطبع على الظاهر مانع من التوصل للغور. كذلك
تفسير المعتزلة قوله )إلى ربها ناظرة( بمعنى أنها تنتظر نعمة
ربها على أن إلى واحد الآلاء مع ما في ذلك من الخروج عن الظاهر
وعن المأثور وعن المقصود من الآية. وقالت البيانية في
قوله تعالى )هذا بيان للناس( : إنه بيان ابن سمعان كبير مذهبهم.
وكانت المنصورية أصحاب أبي منصور الكسف يزعمون أن المراد
من قوله تعالى )وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا
سحاب مركوم( أن الكسف إمامهم نازل من السماء، وهذا إن صح عنهم
ولم يكن من ملصقات أضدادهم فهو تبديل للقرآن ومروق عن الدين.

رابعها: أن يفسر القرآن برأي مستند إلى ما يقتضيه اللفظ ثم يزعم أن ذلك
هو المراد دون غيره لما في ذلك من التضييق على المتأولين.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 21, 2005 11:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
خامسها: أن يكون القصد من التحذير أخذ الحيطة في التدبر والتأويل
ونبذ التسرع إلى ذلك، وهذا مقام تفاوت العلماء فيه واشتد الغلو
في الورع ببعضهم حتى كان لا يذكر تفسير شيء غير عازية إلى غيره.
وكان الأصمعي لا يفسر كلمة من العربية إذا كانت واقعة في القرآن،
ذكر ذلك في المزهر فأبى أن يتكلم في أن سرى وأسرى بمعنى واحد،
لأن أسرى ذكرت في القرآن، ولا في أن عصفت الريح وأعصفت
بمعنى واحد لأنها في القرآن، وقال: الذي سمعته في معنى الخليل
أنه أصفى المودة وأصمها ولا أزيد فيه شيئا لأنه في القرآن اه.

فهذا ضرب من الورع يعتري بعض الناس لخوف، وأنه قد يعتري كثيرا
من أهل العلم والفضل، وربما تطرق إلى بعضهم في بعض أنواع الأحوال
دون بعض، فتجد من يعتريه ذلك في العلم ولا يعتريه في العقل،
وقد تجد العكس، والحق أن الله ما كلفنا في غير أصول الاعتقاد بأكثر
من حصول الظن المستند إلى الأدلة والأدلة متنوعة على حسب أنواع
المستند فيه، وأدلة فهم الكلام معروفة وقد بيناها.

أما الذين جمدوا على القول بأن تفسير القرآن يجب أن لا يعدو ما هو مأثور
فهم رموا هذه الكلمة على عواهنها ولم يضبطوا مرادهم من المأثور
عمن يؤثر، فإن أرادوا به ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
من تفسير بعض آيات إن كان مرويا بسند مقبول من صحيح أو حسن،
فإذا التزموا هذا الظن بهم فقد ضيقوا سعة معاني القرآن وينابيع
ما يستنبط من علومه، وناقضوا أنفسهم فيما دونوه من التفاسير،
وغلطوا سلفهم فيما تأولوه، إذ لا ملجأ لهم من الاعتراف بأن أئمة
المسلمين من الصحابة فمن بعدهم لم يقصروا أنفسهم على أن يرووا
ما بلغهم من تفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد سأل
عمر بن الخطاب أهل العلم عن معاني آيات كثيرة ولم يشترط عليهم
أن يرووا له ما بلغهم في تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وإن أرادوا بالمأثور ما روى عن النبي وعن الصحابة خاصة وهو ما يظهر
من صنيع السيوطي في تفسيره الدر المنثور، لم يتسع ذلك المضيق
إلا قليلا ولم يغن عن أهل التفسير فتيلا، لأن أكثر الصحابة لا يؤثر عنهم
في التفسير إلا شيء قليل سوى ما يروى عن علي بن أبي طالب
على ما فيه من صحيح وضعيف وموضوع، وقد ثبت عنه أنه قال:
ما عندي مما ليس في كتاب الله شيء إلا فهما يؤتيه الله.
وما يروي عن ابن مسعود وعبد الله بن عمر وأنس وأبي هريرة.
وأما ابن عباس فكان أكثر ما يروي عنه قولا برأيه على تفاوت بين رواته.
وإن أرادوا بالمأثور ما كان مرويا قبل تدوين التفاسير الأول مثل ما يروي
عن أصحاب ابن عباس وأصحاب ابن مسعود، فقد أخذوا يفتحون الباب
من شقه، ويقربون ما بعد من الشقة، إذ لا محيص لهم من الاعتراف
بأن التابعين قالوا أقوالا في معاني القرآن لم يسندوها ولا ادعوا أنها
محذوفة الأسانيد، وقد اختلفت أقوالهم في معاني آيات كثيرة اختلافا
ينبئ إنباء واضحا بأنهم تأولوا تلك الآيات من أفهامهم كما يعلمه من له علم
بأقوالهم، وهي ثابتة في تفسير الطبري ونظرائه، وقد التزم الطبري
في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين،
لكنه لا يلبث في كل آية ان يتخطى ذلك إلى اختياره منها وترجيح بعضها
على بعض بشواهد من كلام العرب، وحسبه بذلك تجاوزا لما حدده
من الاقتصار على التفسير بالمأثور وذلك طريق ليس بنهج، وقد سبقه
إليه بقي ابن مخلد ولم نقف على تفسيره، وشاكل الطبري فيه معاصروه،
مثل ابن حاتم وابن مردويه والحاكم، فلله در الذين لم يحبسوا أنفسهم
في تفسير القرآن على ما هو مأثور مثل الفراء وأبي عبيدة من الأولين،
والزجاج والرماني ممن بعدهم، ثم الذين سلكوا طريقهم
مثل الزمخشري وابن عطية





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 23, 2005 1:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وإذ قد تقصينا مثارات التفسير بالرأي المذموم وبينا لكم الأشياء
والأمثال، بما لا يبقي معه للاشتباه من مجال، فلا نجاوز هذا المقام
ما لم ننبهكم إلى حال طائفة التزمت تفسير القرآن بما يوافق
هواها، وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن،
وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض،
وأصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية
فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به، وهم يعرفون عند المؤرخين
بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق،
ويعتقدون عصمته وإمامته بعد أبيه بالوصاية، ويرون أن لا بد للمسلمين
من إمام هدى من آل البيت هو الذي يقيم الدين، ويبين مراد الله.
ولما توقعوا أن يحاجهم العلماء بأدلة القرآن والسنة رأوا ان لا محيص
لهم من تأويل تلك الحجج التي تقوم في وجه بدعتهم، وأنهم
إن خصوها بالتأويل وصرف اللفظ إلى الباطن اتهمهم الناس بالتعصب
والتحكم فرأوا صرف جميع القرآن عن ظاهره وبنوه على أن القرآن
رموز لمعان خفية في صورة ألفاظ تفيد معاني ظاهرة ليشتغل بها
عامة المسلمين، وزعموا أن ذلك شأن الحكماء، فمذهبهم مبني على
قواعد الحكمة الإشراقية ومذهب التناسخ والحلولية فهو خليط من ذلك،
ومن طقوس الديانات اليهودية والنصرانية وبعض طرائق الفلسفة
ودين زرادشت. وعندهم أن الله يحل في كل رسول وإمام وفي الأماكن
المقدسة، وأنه يشبه الخلق تعالى وتقدس وكل علوي يحل فيه الإله.
وتكلفوا لتفسير القرآن بما يساعد الأصول التي أسسوها.
ولهم في التفسير تكلفات ثقيلة منها قولهم ان قوله تعالى )
وعلى الأعراف رجال( أن جبلا يقال له الأعراف هو مقر أهل المعارف
الذين يعرفون كلا بسيماهم. وأن قوله تعالى )وإن منكم غلا واردها
( أي لا يصل أحد إلى الله إلا بعد جوازه على الآراء الفاسدة
إما في صباه، أو بعد ذلك، ثم ينجي الله من يشاء. وإن قوله تعالى )
اذهبا إلى فرعون إنه طغى( أراد بفرعون القلب. وقد تصدى للرد عليهم
الغزالي في كتابه الملقب ب المستظهري . وقال إذا قلنا بالباطن
فالباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر فيمكن تنزيل الآية على وجوه
شتى اه يعني والذي يتخذونه حجة لهم يمكن أن نقلبه عليهم
وندعي أنه باطن القرآن لأن المعنى الظاهر هو الذي لا يمكن اختلاف
الناس فيه لاستناده للغة الموضوعة من قبل. وأما الباطن فلا يقوم
فهم أحد فيه حجة على غيره اللهم إلا إذا زعموا أنه لا يتلقى
إلا من الإمام المعصوم ولا إخالهم إلا قائلين ذلك. ويؤيد هذا ما وقع
في بعض قراطيسهم قالوا إنما ينتقل إلى البدل مع عدم الأصل،
والنظر بدل من الخبر فإن كلام الله هو الأصل فهو خلق الإنسان
وعلمه البيان والإمام هو خليفته ومع وجود الخليفة الذي يبين قوله
فلا ينتقل إلى النظر اه وبين ابن الغربي في كتاب العواصم
شيئا من فضائح مذهبهم بما لا حاجة إلى التطويل به هنا. فإن قلت
فما روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للقرآن ظهرا وبطنا
وحدا ومطلعا. وعن ابن عباس أنه قال: إن للقرآن ظهرا وبطنا.
قلت لم يصح ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، بله المروي
عن ابن عباس فمن هو المتصدي لروايته عنه? على أنهم ذكروا
من بقية كلام ابن عباس أنه قال فظهره التلاوة وبطنه التأويل
فقد أوضح مراده إن صح عنه بأن الظهر هو اللفظ والبطن هو المعنى.
ومن تفسير الباطنية تفسير القاشاني وكثير من أقوالهم مبثوث
في رسائل إخوان الصفاء.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس نوفمبر 24, 2005 11:38 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
أما ما يتكلم به أهل الإشارات من الصوفية في بعض آيات القرآن
من معان لا تجري على ألفاظ القرآن ولكن بتأويل ونحوه فينبغي
أن تعلموا أنهم ما كانوا يدعون أن كلامهم في ذلك تفسير للقرآن،
بل يعنون أن الآية تصلح للتمثل بها في الغرض المتكلم فيه،
وحسبكم في ذلك أنهم سموها إشارات ولم يسموها معاني،
فبذلك فارق قولهم قول الباطنية. ولعلماء الحق فيها رأيان:
فالغزالي يراها مقبولة، قال في كتاب من الإحياء:
إذا قلنا فى قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا
فيه كلب ولا صورة فهذا ظاهره أو إشارته أن القلب بيت وهو مهبط
الملائكة ومستقر آثارهم، والصفات الرديئة كالغضب والشهوة والحسد
والحقد والعجب كلاب نابحة في القلب فلا تدخله الملائكة
وهو مشحون بالكلاب، ونور الله لا يقذفه في القلب إلا بواسطة
الملائكة، فقلب كهذا لا يقذف فيه النور. وقال: ولست أقول
إن المراد من الحديث بلفظ البيت القلب وبالكلب الصفة المذمومة
ولكن أقول هو تنبيه عليه، وفرق بين تغيير الظاهر وبين التنبيه
على البواطن من ذكر الظواهر ا ه. فبهذه الدقيقة فارق نزعة الباطنية.
ومثل هذا قريب من تفسير لفظ عام في آية بخاص من جزئياته
كما وقع في كتاب المغازي من صحيح البخاري عن عمرو بن عطاء
في قوله تعالى )ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا( قال هم كفار
قريش، ومحمد نعمة الله )وأحلوا قومهم دار البوار( قال يوم بدر:
وابن العربي في كتاب العواصم يرى إبطال هذه الإشارات كلها
حتى أنه بعد أن ذكر نحلة الباطنية وذكر رسائل إخوان الصفاء أطلق
القول في إبطال أن يكون للقرآن باطن غير ظاهره، وحتى أنه بعد
ما نوه بالثناء على الغزالي في تصديه للرد على الباطنية والفلاسفة
قال: وقد كان أبو حامد بدرا في ظلمة الليالي، وعقدا في لبة المعالي،
حتى أوغل في التصوف، وأكثر معهم التصرف، فخرج عن الحقيقة،
وحاد في أكثر أقواله عن الطريقة اه.

وعندي إن هذه الإشارات لا تعدو واحدا من ثلاثة أنحاء:
الأول ما كان يجري فيه معنى الآية مجرى التمثيل لحال شبيه
بذلك المعنى كما يقولون مثلا ومن أظلم ممن منع مساجد الله
أن يذكر فيها اسمه أنه إشارة للقلوب لأنها مواضع الخضوع
لله تعالى إذ بها يعرف فتسجد له القلوب بفناء النفوس.
ومنعها من ذكره هو الحيلولة بينها وبين المعارف اللدنية،
وسعى في خرابها بتكديرها بالتعصبات وغلبة الهوى،
فهذا يشبه ضرب المثل لحال من لا يزكي نفسه بالمعرفة
ويمنع قلبه أن تدخله صفات الكمال الناشئة عنها بحال
مانع المساجد أن يذكر فيها اسم الله، وذكر الآية عند تلك الحالة
كالنطق بلفظ المثل، ومن هذا قولهم في حديث لا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب كما تقدم عن الغزالي. الثاني:
ما كان من نحو التفاؤل فقد يكون للكلمة معنى يسبق من صورتها
إلى السمع هو غير معناها المراد وذلك من باب انصراف ذهن
السامع إلى ما هو المهم عنده، والذي يجول في خاطره
وهذا كمن قال في قوله تعالى )من ذا الذي يشفع( من ذل ذي إشارة
للنفس يصير من المقربين للشفعاء، فهذا يأخذ صدى موقع الكلام
في السمع ويتأوله على ما شغل به قلبه. ورأيت الشيخ محي الدين
يسمي هذا النوع سماعا ولقد أبدع. الثالث: عبر ومواعظ وشأن أهل
النفوس اليقظى أن ينتفعوا من كل شيء ويأخذوا الحكمة حيث وجدوها
فما ظنك بهم إذا قرأوا القرآن وتدبروه فاتعظوا بمواعظه فإذا أخذوا
من قوله تعالى )فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا( اقتبسوا
أن القلب الذي لم يمتثل رسول المعارف العليا تكون عاقبته وبالا.
ومن حكاياتهم في غير باب التفسير أن بعضهم مر برجل يقول لآخر:
هذا العود لا ثمرة فيه فلم يعد صالحا إلا للنار، فجعل يبكي ويقول:
إذن فالقلب غير المثمر لا يصلح إلا للنار.






يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة 1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 33 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط