موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 26, 2005 5:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
فنسبة الإشارة إلى لفظ القرآن مجازية لأنها إنما تشير
لمن استعدت عقولهم وتدبرهم في حال من الأحوال الثلاثة
ولا ينتفع بها غير أولئك، فلما كانت آيات القرآن قد أنارت تدبرهم
وأثارت اعتبارهم نسبوا تلك الإشارة للآية. فليست تلك الإشارة
هي حق الدلالة اللفظية والاستعمالية حتى تكون من لوازم اللفظ
وتوابعه كما قد تبين. وكل إشارة خرجت عن حد هذه الثلاثة الأحوال
إلى ما عداها فهي تقترب إلى قول الباطنية رويدا رويدا إلى أن تبلغ
عين مقالاتهم وقد بصرناكم بالحد الفارق بينهما، فإذا رأيتم اختلاطه
فحققوا مناطه، وفي أيديكم فيصل الحق فدونكم اختراطه.

وليس من الإشارة ما يعرف في الأصول بدلالة الإشارة،
وفحوى الخطاب، وفهم الاستغراق من لام التعريف في المقام الخطابي،
ودلالة التضمن والالتزام كما أخذ العلماء من تنبيهات القرآن استدلالا
لمشروعية أشياء، كاستدلالهم على مشروعية الوكالة
من قوله تعالى )فابعثوا أحدكم بورقكم هذه( ومشروعية الضمان
من قوله )وأنا به زعيم(. ومشروعية القياس من قوله )
لتحكم بين الناس بما أراك الله( ولا بما هو بالمعنى المجازي نحو )
يا جبال أوبي معه( و)فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين
( ولا ما هو من تنزيل الحال منزلة المقال نحو )وإن من شيء إلا يسبح
بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم( لأن جميع هذا مما قامت فيه
الدلالة العرفية مقام الوضعية واتحدت في إدراكه أفهام أهل العربية
فكان من المدلولات التبعية.

قال في الكشاف: وكم من آية أنزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر
نصيب للمؤمنين تدبرا لها واعتبارا بموردها. يعني أنها في شأن الكافرين
من دلالة العبارة وفي شأن المؤمنين من دلالة الإشارة.

هذا وإن واجب النصح في الدين والتنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون
مما يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم قضي علي أن أنبه إلى خطر
أمر تفسير الكتاب والقول فيه دون مستند من نقل صحيح عن أساطين
المفسرين أو إبداء تفسير أو تأويل من قائله إذا كان القائل توفرت فيه شروط
الضلاعة في العلوم التي سبق ذكرها في المقدمة الثانية.

فقد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن
فمنهم من يتصدى لبيان معنى الآيات على طريقة كتب التفسير ومنهم
من يضع الآية ثم يركض في أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا،
جالبا من معاني الدعوة والموعظة ما كان جالبا، وقد دلت شواهد الحال
على ضعف كفاية البعض لهذا العمل العلمي الجليل فيجب على العاقل
أن يعرف قدره، وأن لا يتعدى طوره، وأن يرد الأشياء إلى أربابها، كي
لا يختلط الخاثر بالزباد، ولا يكون في حالك سواد، وإن سكوت العلماء
على ذلك زيادة في الورطة، وإفحاش لأهل هذه الغلطة، فمن يركب
متن عمياء، ويخبط خبط عشواء، فحق على أساطين العلم
تقويم اعوجاجه، وتمييز حلوه من أجاجه،
تحذيرا للمطالع، وتنزيلا في البرج والطالع.

المقدمة الرابعة

فيما يحق أن يكون غرض المفسر

كأني بكم وقد مر على أسماعكم ووعت ألبابكم ما قررته من استمداد
علم التفسير، ومن صحة تفسير القرآن بغير المأثور، ومن الإنحاء
على من يفسر القرآن بما يدعيه باطنا ينافي مقصود القرآن، ومن التفرقة
بين ذلك وبين الإشارات، تتطلعون بعد إلى الإفصاح عن غاية المفسر
من التفسير، وعن معرفة المقاصد التي نزل القرآن لبيانها حتى تستبين
لكم غاية المفسرين من التفسير على اختلاف طرائقهم، وحتى تعلموا
عند مطالعة التفاسير مقادير اتصال ما تشتمل عليه، بالغاية التي يرمي
إليها المفسر فتزنوا بذلك مقدار ما أوفى به من المقصد، ومقدار ما تجاوزه،
ثم ينعطف القول إلى التفرقة بين من يفسر القرآن بما يخرج عن الأغراض
المرادة منه، وبين من يفصل معانيه تفصيلا، ثم ينعطف القول إلى نموذج
مما استخرجه العلماء من مستنبطات القرآن في كثير من العلوم.





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد نوفمبر 27, 2005 6:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
إن القرآن أنزله الله تعالى كتابا لصلاح أمر الناس كافة رحمة لهم
لتبليغهم مراد الله منهم قال الله تعالى )وأنزلنا عليك الكتاب تبيانا
لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين( فكان المقصد
الأعلى منه صلاح الأحوال الفردية، والجماعية، والعمرانية.
فالصلاح الفردي يعتمد تهذيب النفس وتزكيتها، ورأس الأمر فيه صلاح
الاعتقاد لأن الاعتقاد مصدر الآداب والتفكير، ثم صلاح السريرة الخاصة،
وهي العبادات الظاهرة كالصلاة، والباطنة كالتخلق بترك الحسد والحقد
والكبر. وأما الصلاح الجماعي فيحصل أولا من الصلاح الفردي إذ الأفراد
أجزاء المجتمع، ولا يصلح الكل إلا بصلاح أجزائه، ومن شيء زائد
على ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض على وجه
يعصمهم من مزاحمة الشهوات ومواثبة القوى النفسانية.
وهذا هو علم المعاملات، ويعبر عنه عند الحكماء بالسياسة المدنية.

وأما الصلاح العمراني فهو أوسع من ذلك إذ هو حفظ نظام العالم
الإسلامي، وضبط تصرف الجماعات والأقاليم بعضهم مع بعض
على وجه يحفظ مصالح الجميع، ورعي المصالح الكلية الإسلامية،
وحفظ المصلحة الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها، ويسمى
هذا بعلم العمران وعلم الاجتماع.

فمراد الله من كتابه هو بيان تصاريف ما يرجع إلى حفظ مقاصد الدين
وقد أودع ذلك في ألفاظ القرآن التي خاطبنا بها خطابا بينا وتعبدنا
بمعرفة مراده والاطلاع عليه فقال: )كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته،
وليتذكر أولوا الألباب( سواء قلنا إنه يمكن الاطلاع على تمام
مراد الله تعالى وهو قول علمائنا والمشائخي والسكاكي وهما
من المعتزلة، أم قال قائل بقول بقية المعتزلة إن الاطلاع على تمام
مراد الله تعالى غير ممكن وهو خلاف لا طائل تحته إذ القصد هو الإمكان
الوقوعي لا العقلي، فلا مانع من التكليف باستقصاء البحث عنه بحسب
الطاقة ومبلغ العلم مع تعذر الاطلاع على تمامه.

وقد اختار الله تعالى أن يكون اللسان العربي مظهرا لوحيه،
ومستودعا لمراده، وأن يكون العرب هم المتلقين أولا لشرعه وإبلاغ
مراده لحكمة علمها: منها كون لسانهم أفصح الألسن وأسهلها انتشارا،
وأكثرها تحملا للمعاني مع أيجاز لفظه، ولتكون الأمة المتلقية للتشريع
والناشرة له أمة قد سلمت من أفن الرأي عند المجادلة، ولم تقعد بها
عن النهوض أغلال التكالب على الرفاهية، ولا عن تلقي الكمال الحقيقي
إذ يسبب لها خلطه بما يجر إلى اضمحلاله فيجب أن تعلموا قطعا أن ليس
المراد من خطاب العرب بالقرآن أن يكون التشريع قاصرا عليهم أو مراعيا
لخاصة أحوالهم، بل إن عموم الشريعة ودوامها وكون القرآن معجزة دائمة
مستمرة على تعاقب السنين ينافي ذلك، نعم إن مقاصده تصفية نفوس
العرب الذين اختارهم كما قلنا لتلقي شريعته وبثها ونشرها، فهم
المخاطبون ابتداءا قبل بقية أمة الدعوة فكانت أحوالهم مرعية لا محالة،
وكان كثير من القرآن مقصودا به خطابهم خاصة، وإصلاح أحوالهم
قال تعالى )ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا( وقال )أن تقولوا إنما
أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا، وإن كنا عن دراستهم لغافلين،
أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم( لكن ليس ذلك بوجه
للاقتصار على أحوالهم كما سيأتي.

أليس قد وجب على الآخذ في هذا الفن أن يعلم المقاصد الأصلية
التي جاء القرآن لتبيانها فلنلم بها الآن بحسب ما بلغ إليه استقراؤنا
وهي ثمانية أمور:

الأول: إصلاح الاعتقاد وتعليم العقد الصحيح. وهذا أعظم سبب
لإصلاح الخلق، لأنه يزيل عن النفس عادة الإذعان لغير ما قام عليه
الدليل، ويطهر القلب من الأوهام الناشئة عن الإشراك والدهرية وما بينهما،
وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى )فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون
من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب
( فأسند لآلهتهم زيادة تتبيبهم، وليس هو من فعل الآلهة ولكنه
من آثار الاعتقاد بالآلهة.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 28, 2005 3:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
الثاني: تهذيب الأخلاق قال تعالى )وإنك لعلى خلق عظيم
( وفسرت عائشة رضي الله تعالى عنها لما سئلت عن خلقه
صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن. وفي الحديث الذي رواه
مالك في الموطأ بلاغا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
بعثت لأتمم مكارم حسن الأخلاق وهذا المقصد قد فهمه عامة
العرب بله خاصة الصحابة، وقال أبو خراش الهذلي مشيرا إلى ما دخل
على العرب من أحكام الإسلام بأحسن تعبير: فليس كعهـد
الـدار يأم مـالـك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسـل وعاد الفتى كالكهل
ليس بـقـائل سوى العدل شيئا فاستراح العواذل أراد بإحاطة السلاسل
بالرقاب أحكام الإسلام. والشاهد في قوله وعاد الفتى كالكهل.

الثالث: التشريع وهو الأحكام خاصة وعامة. قال تعالى )
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله وأنزلنا
إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم
بينهم بما أنزل الله( ولقد جمع القرآن جميع الأحكام
جمعا كليا في الغالب، وجزئيا في المهم، فقوله )تبيانا لكل شيء
( وقوله: )اليوم أكملت لكم دينكم( المراد بهما إكمال الكليات التي
منها الأمر بالاستنباط والقياس. قال الشاطبي لأنه على اختصاره
جامع والشريعة تمت بتمامه ولا يكون جامعا لتمام الدين
إلا والمجموع فيه أمور كلية.

الرابع: سياسة الأمة وهو باب عظيم في القرآن القصد منه صلاح
الأمة وحفظ نظامها كالإرشاد إلى تكوين الجامعة بقوله )
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم
إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا
وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها( وقوله )
إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء
( وقوله )ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم( وقوله )وأمرهم شورى بينهم.

الخامس: القصص وأخبار الأمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم
قال )نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن،
وإن كنت من قبله لمن الغافلين( )أولئك الذين هدى الله فبهداهم
اقتده( وللتحذير من مساويهم قال )وتبين لكم كيف فعلنا بهم
( وفي خلالها تعليم، وكنا أشرنا إليها في المقدمة الثانية.

السادس: التعليم بما يناسب حالة عصر المخاطبين،
وما يؤهلهم إلى تلقي الشريعة ونشرها وذلك علم الشرائع
وعلم الأخبار وكان ذلك مبلغ علم مخالطي العرب من أهل الكتاب.
وقد زاد القرآن على ذلك تعليم حكمة ميزان العقول
وصحة الاستدلال في أفانين مجادلاته للضالين وفي دعوته
إلى النظر، ثم نوه بشأن الحكمة فقال )يؤتي الحكمة من يشاء،
ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا( وهذا أوسع باب انبجست
منه عيون المعارف، وانفتحت به عيون الأميين إلى العلم.
وقد لحق به التنبيه المتكرر على فائدة العلم، وذلك شيء
لم يطرق أسماع العرب من قبل، إنما قصارى علومهم أمور تجريبية،
وكان حكماؤهم أفرادا اختصوا بفرط ذكاء تضم إليه تجربة
وهم العرفاء فجاء القرآن بقوله )وما يعقلها إلا العالمون
( و)هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون( وقال )
ن~ والقلم( فنبه إلى مزية الكتابة.

السابع: المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، وهذا يجمع جميع
آيات الوعد والوعيد، وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين،
وهذا باب الترغيب والترهيب.

الثامن: الإعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول؛
إذ التصديق يتوقف على دلالة المعجزة بعد التحدي، والقرآن
جمع كونه معجزة بلفظه ومتحدي لأجله بمعناه والتحدي وقع فيه )
قل فأتوا بسورة مثله( ولمعرفة أسباب النزول مدخل في ظهور مقتضى
الحال ووضوحه. هذا ما بلغ إليه استقرائي.
وللغزالي في أحياء علوم الدين بعض من ذلك.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 29, 2005 2:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
فغرض المفسر بيان ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد الله تعالى
في كتابه بأتم بيان يحتمله المعنى ولا يأباه اللفظ من كل ما يوضح
المراد من مقاصد القرآن، أو ما يتوقف عليه فهمه أكمل فهم،
أو يخدم المقصد تفصيلا وتفريعا كما أشرنا إليه في المقدمة الأولى،
مع إقامة الحجة على ذلك إن كان به خفاء، أو لتوقع مكابرة من معاند
أو جاهل، فلا جرم كان رائد المفسر في ذلك أن يعرف على الإجمال
مقاصد القرآن مما جاء لأجله، ويعرف اصطلاحه في إطلاق الألفاظ،
وللتنزيل اصطلاح وعادات، وتعرض صاحب الكشاف إلى شيء
من عادات القرآن في متناثر كلامه في تفسيره.

فطرائق المفسرين للقرآن ثلاث، إما الاقتصار على الظاهر من المعنى
الأصلي للتركيب مع بيانه وإيضاحه وهذا هو الأصل. وإما استنباط
معان من وراء الظاهر تقتضيها دلالة اللفظ أو المقام ولا يجافيها الاستعمال
ولا مقصد القرآن، وتلك هي مستتبعات التراكيب وهي من خصائص
اللغة العربية المبحوث فيها في علم البلاغة ككون التأكيد يدل
على إنكار المخاطب أو تردده، وكفحوى الخطاب ودلالة الإشارة
واحتمال المجاز مع الحقيقة، وإما أن يجلب المسائل ويبسطها لمناسبة
بينها وبين المعنى، أو لأن زيادة فهم المعنى متوقفة عليها، أو للتوفيق
بين المعنى القرآني وبين بعض العلوم مما له تعلق بمقصد من مقاصد
التشريع لزيادة تنبيه إليه، أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه لا على أنها
مما هو مراد الله من تلك الآية بل لقصد التوسع كما أشرنا إليه
في المقدمة الثانية.

ففي الطريقة الثانية قد فرع العلماء وفصلوا في الأحكام، وخصوها
بالتآليف الواسعة، وكذلك تفاريع الأخلاق والآداب التي أكثر منها حجة
الإسلام الغزالي في كتاب الإحياء فلا يلام المفسر إذا أتى بشيء
من تفاريع العلوم مما له خدمة للمقاصد القرآنية، وله مزيد تعلق بالأمور
الإسلامية كما نفرض أن يفسر قوله تعالى )وكلم الله موسى تكليما
( بما ذكره المتكلمون في إثبات الكلام النفسي والحجج لذلك، والقول
في ألفاظ القرآن وما قاله أهل المذاهب في ذلك. وكذا أن يفسر
ما حكاه الله تعالى في قصة موسى مع الخضر بكثير من آداب المعلم
والمتعلم كما فعل الغزالي. وقد قال ابن العربي إنه أملى عليها ثمانمائة
مسألة. وكذلك تقرير مسائل من علم التشريع لزيادة بيان
قوله تعالى في خلق الإنسان )من نطفة ثم من علقة( الآيات،
فإنه راجع إلى المقصد وهو مزيد تقرير عظمة القدرة الإلهية.

وفي الطريقة الثالثة تجلب مسائل علمية من علوم لها مناسبة
بمقصد الآية: إما على أن بعضها يومىء إليه معنى الآية ولو بتلويح
ما كما يفسر أحد قوله تعالى )ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا
( فيذكر تقسيم علوم الحكمة ومنافعها مدخلا ذلك تحت قوله )خيرا كثيرا
(. فالحكمة وإن كانت علما اصطلاحيا وليس هو تمام المعنى للآية
إلا أن معنى الآية الأصلي لا يفوت وتفاريع الحكمة تعين عليه. وكذلك
أن نأخذ من قوله تعالى )كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم( تفاصيل
من علم الاقتصاد السياسي وتوزيع الثروة العامة ونعلل بذلك
مشروعية الزكاة والمواريث والمعاملات المركبة من رأس مال وعمل
على أن ذلك تومئ إليه الآية إيماء.

وأن بعض مسائل العلوم قد تكون أشد تعلقا بتفسير آي القرآن
كما نفرض مسألة كلامية لتقرير دليل قرآني مثل برهان التمانع
لتقرير معنى قوله تعالى )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا(. وكتقرير
مسألة المتشابه لتحقيق معنى نحو قوله تعالى )والسماء بنيناها بأيد
( فهذا كونه من غايات التفسير واضح، وكذا قوله تعالى )أفلم ينظروا
إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج( فإن القصد
منه الاعتبار بالحالة المشاهدة فلو زاد المفسر ففصل تلك الحالة وبين
أسرارها وعللها بما هو مبين في علم الهيأة كان قد زاد المقصد خدمة.
وإما على وجه التوفيق بين المعنى القرآني وبين المسائل الصحيحة
من العلم حيث يمكن الجمع. وإما على وجه الاسترواح من الآية
كما يؤخذ من قوله تعالى )ويوم نسير الجبال( أن فناء العالم يكون
بالزلازل ومن قوله )إذا الشمس كورت( الآية أن نظام الجاذبية يختل
عند فناء العالم.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء نوفمبر 30, 2005 4:53 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وشرط كون ذلك مقبولا أن يسلك فيه مسلك الإيجاز فلا يجلب إلا الخلاصة
من ذلك العلم ولا يصير الاستطراد كالغرض المقصود له لئلا يكون كقولهم:
الشي بالشي يذكر.


وللعلماء في سلوك هذه الطريقة الثالثة على الإجمال آراء:
فأما جماعة منهم فيرون من الحسن التوفيق بين العلوم غير الدينية
وآلاتها وبين المعاني القرآنية، ويرون القرآن مشيرا إلى كثير منها.
قال ابن رشد الحفيد في فصل المقال أجمع المسلمون على أن ليس
يجب أن تحمل ألفاظ الشرع كلها على ظاهرها، ولا أن تخرج كلها
عن ظاهرها بالتأويل، والسبب في ورود الشرع بظاهر وباطن هو اختلاف
نظر الناس. وتباين قرائحهم في التصديق وتخلص إلى القول بأن بين العلوم
الشرعية والفلسفية اتصالا. وإلى مثل ذلك ذهب قطب الدين الشيرازي
في شرح حكمة الإشراق، وهذا الغزالي والإمام الرازي
وأبو بكر ابن العربي وأمثالهم صنيعهم يقتضي التبسط وتوفيق
المسائل العلمية، فقد ملأوا كتبهم من الاستدلال على المعاني
القرآنية بقواعد العلوم الحكمية وغيرها وكذلك الفقهاء في كتب
أحكام القرآن، وقد علمت ما قاله ابن العربي فيما أملاه على سورة نوح
وقصة الخضر وكذلك ابن جنى والزجاج وأبو حيان قد أشبعوا تفاسيرهم
من الاستدلال على القواعد العربية، ولا شك أن الكلام الصادر عن علام
الغيوب تعالى وتقدس لا تبنى معانيه على فهم طائفة واحدة
ولكن معانيه تطابق الحقائق، وكل ما كان من الحقيقة في علم من العلوم
وكانت الآية لها اعتلاق بذلك فالحقيقة العلمية مرادة بمقدار
ما بلغت إليه أفهام البشر وبمقدار ما ستبلغ إليه. وذلك يختلف
باختلاف المقامات ويبنى على توفر الفهم، وشرطه أن لا يخرج عما يصلح له
اللفظ عربية، ولا يبعد عن الظاهر إلا بدليل، ولا يكون تكلفا بينا ولا خروجا
عن المعنى الأصلي حتى لا يكون في ذلك كتفاسير الباطنية.

وأما أبو إسحاق الشاطبي فقال في الفصل الثالث من المسألة الرابعة:
لا يصح في مسلك الفهم والإفهام إلا ما يكون عاما لجميع العرب.
فلا يتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه وقال في المسألة الرابعة
من النوع الثاني ما تقرر من أمية الشريعة وأنها جارية على مذاهب
أهلها وهم العرب تنبني عليه قواعد، منها: أن كثيرا من الناس
تجاوزوا في الدعوى على القرآن الحد فأضافوا إليه كل علم يذكر
للمتقدمين أو المتأخرين من علوم الطبيعيات والتعاليم والمنطق
وعلم الحروف وأشباهها وهذا إذا عرضناه على ما تقدم لم يصح
فإن السلف الصالح كانوا أعلم بالقرآن وبعلومه وما أودع فيه،
ولم يبلغنا أن أحدا منهم تكلم في شيء من هذا سوى
ما ثبت فيه من أحكام التكاليف وأحكام الآخرة. نعم تضمن علوما
من جنس علوم العرب وما هو على معهودها مما يتعجب منه
أولو الألباب ولا تبلغه إدراكات العقول الراجحة الخ. وهذا مبني
على ما أسسه من كون القرآن لما كان خطابا للأميين وهم العرب
فإنما يعتمد في مسلك فهمه وإفهامه على مقدرتهم وطاقتهم،
وأن الشريعة أمية. وهو أساس واه لوجوه ستة:
الأول أن ما بناه عليه يقتضي أن القرآن لم يقصد منه انتقال العرب
من حال إلى حال وهذا باطل لما قدمناه، قال تعالى )تلك من أنباء الغيب
نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا.

الثاني أن مقاصد القرآن راجعة إلى عموم الدعوة وهو معجزة
باقية فلا بد أن يكون فيه ما يصلح لأن تتناوله أفهام من يأتي من الناس
في عصور انتشار العلوم في الأمة.

الثالث أن السلف قالوا: إن القرآن لا تنقضي عجائبه يعنون معانيه
ولو كان كما قال الشاطبي لانقضت عجائبه بانحصار أنواع معانيه.

الرابع أن من تمام إعجازه أن يتضمن من المعاني مع إيجاز لفظه ما لم تف به
الأسفار المتكاثرة.

الخامس أن مقدار أفهام المخاطبين به
ابتداء لا يقضي إلا أن يكون المعنى الأصلي مفهوما لديهم فأما مازاد
على المعاني الأساسية فقد يتهيأ لفهمه أقوام، وتحجب عنه أقوام،
ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

السادس أن عدم تكلم السلف عليها إن كان فيما ليس راجعا إلى مقاصده
فنحن نساعد عليه، وإن كان فيما يرجع إليها فلا نسلم وقوفهم فيها
عند ظواهر الآيات بل قد بينوا وفصلوا وفرعوا في علوم عنوا بها،
ولا يمنعنا ذلك أن نقتفي على آثارهم في علوم أخرى
راجعة لخدمة المقاصد القرآنية أو لبيان سعة العلوم الإسلامية،
أما ما وراء ذلك فإن كان ذكره لإيضاح المعنى فذلك تابع للتفسير أيضا.
لأن العلوم العقلية إنما تبحث عن أحوال الأشياء على ما هي عليه،
وإن كان فيما زاد على ذلك فذلك ليس من التفسير
لكنه تكملة للمباحث العلمية




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 01, 2005 4:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
واستطراد في العلم لمناسبة التفسير ليكون متعاطي التفسير
أوسع قريحة في العلوم.اد في العلم لمناسبة التفسير ليكون
متعاطي التفسير أوسع قريحة في العلوم.

وذهب ابن العربي في العواصم إلى إنكار التوفيق بين العلوم
الفلسفية والمعاني القرآنية ولم يتكلم على غير هاته العلوم
وذلك على عادته في تحقير الفلسفة لأجل ما خولطت به من الضلالات
الاعتقادية وهو مفرط في ذلك مستخف بالحكماء.

وأنا أقول: إن علاقة العلوم بالقرآن على أربع مراتب:

الأولى: علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم، وتهذيب الأخلاق
والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة.

الثانية: علوم تزيد المفسر علما كالحكمة والهيأة وخواص المخلوقات.

الثالثة: علوم أشار إليها أو جاءت مؤيدة له كعلم طبقات الأرض والطب والمنطق.

الرابعة: علوم لا علاقة لها به إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا،
وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.

المقدمة الخامسة

في أسباب النزول

أولع كثير من المفسرين بتطلب أسباب نزول آي القرآن،
وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها
أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا
حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت
على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا. بيد أنا نجد
في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها
ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك
رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف،
وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم
في فهم القرآن. فذلك الذي دعاني إلى خوض هذا الغرض في مقدمات
التفسير لظهور شدة الحاجة إلى تمحيصه في أثناء التفسير،
وللاستغناء عن إعادة الكلام عليه عند عروض تلك المسائل،
غير مدخر ما أراه في ذلك رأيا يجمع شتاتها. وأنا عاذر المتقدمين
الذين ألفوا في أسباب النزول فاستكثروا منها، بأن كل من يتصدى
لتأليف كتاب في موضوع غير مشبع تمتلكه محبة التوسع فيه
فلا ينفك يستزيد من ملتقطاته ليذكي قبسه، ويمد نفسه،
فيرضى بما يجد رضى الصب بالوعد، ويقول زدني من حديثك يا سعد.
غير هياب لعاذل، ولا متطلب معذرة عاذر، وكذلك شأن الولع إذا امتلك
القلب ولكني لا أعذر أساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات
الضعيفة فأثبتوها في كتبهم ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفا،
حتى أوهموا كثيرا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث
تدعو إليها، وبئس هذا الوهم فإن القرآن جاء هاديا إلى ما به صلاح الأمة
في أصناف الصلاح فلا يتوقف نزوله على حدوث الحوادث الداعية
إلى تشريع الأحكام. نعم إن العلماء توجسوا منها فقالوا إن سبب
النزول لا يخصص، إلا طائفة شاذة ادعت التخصيص بها، ولو أن أسباب
النزول كانت كلها متعلقة بآيات عامة لما دخل من ذلك ضر على عمومها
إذ قد أراحنا أئمة الأصول حين قالوا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص
السبب ولكن أسبابا كثيرة رام رواتها تعيين مراد من تخصيص عام
أو تقييد مطلق أو إلجاء إلى محمل، فتلك هي التي قد تقف عرضة
أمام معاني التفسير قبل التنبيه على ضعفها أو تأويلها.

وقد قال الواحدي في أول كتابه في أسباب النزول:
أما اليوم فكل أحد يخترع للآية سببا، ويختلق إفكا وكذبا، ملقيا
زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد وقال لا يحل القول
في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل اه.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 02, 2005 5:46 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
إن من أسباب النزول ما ليس المفسر بغنى عن علمه
لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده
تفسيرا. ومنها ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية
أو نحو ذلك. ففي صحيح البخاري أن مروان بن الحكم أرسل
إلى ابن عباس يقول لئن كان كل امرئ فرح بما أتى،
وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون يشير
إلى قوله تعالى )لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا
بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم
( فأجاب ابن عباس قائلا:
إنما دعا النبي اليهود فسألهم على شيء فكتموه إياه وأخبروه
بغيره فأروه أنهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم
وفرحوا بما أتوا من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس )وإذ أخذ الله ميثاق
الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم
واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون.. لا يحسبن الذين يفرحون
(. الآيات. وفي الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال
قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن:
أرأيت قول الله تعالى )إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت
أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما( فما على الرجل شيء
ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت
فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار
كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة
فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى )
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر
فلا جناح عليه أن يطوف بهما( اه ومنها ما ينبه المفسر إلى إدراك
خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات فإن من أسباب النزول
ما يعين على تصوير مقام الكلام كما سننبهك إليه
في أثناء المقدمة العاشرة.

وقد تصفحت أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدتها
خمسة أقسام: الأول: هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد
منها على علمه فلابد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير
مبهمات القرآن مثل قوله تعالى )قد سمع الله قول التي تجادلك
في زوجها(، ونحو )يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا
( ومثل بعض الآيات التي فيها )ومن الناس .
والثاني: هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث
لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد،
ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة
عند حدوثها، مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان،
ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية )ومن كان مريضا
أو به أذى من رأسه ففدية من صيام( الآية فقد قال كعب بن عجرة:
هي لي خاصة ولكم عامة، ومثل قول أم سلمة رضي الله عنها
للنبي صلى الله عليه وسلم: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى )
ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض( الآية. وهذا القسم لا يفيد
البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى الآية وتمثيلا لحكمها، ولا يخشى
توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء أو كادوا
على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل
التشريع أن لا يكون خاصا.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 03, 2005 4:23 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
والثالث: هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية
لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها، فكثيرا ما تجد المفسرين
وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا، وهم يريدون أن من الأحوال
التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل.
ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قول الله تعالى )
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
( أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله من حلف على يمين
صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان
فأنزل الله تصديق ذلك )إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم
ثمنا قليلا( الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم
أبو عبد الرحمان? فقالوا كذا وكذا، قال في أنزلت، لي بئر
في أرض بن عم لي الخ، فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها
تصديقا لحديث عام? والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال
في أنزلت بصيغة الحصر. ومثل الآيات النازلة في المنافقين
في سورة براءة المفتتحة بقوله تعالى )ومنهم- ومنهم
(، ولذلك قال ابن عباس: كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة.
ومثل قوله تعالى )ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين
أن ينزل عليكم من خير من ربكم( فلا حاجة لبيان أنها نزلت
لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين. وهذا القسم قد أكثر من ذكره
أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره، على أن ذكره
قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم
من ألفاظ تلك الآيات.

والرابع: هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة
أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث
هي المقصود من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى
الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير
من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث
أسباب النزول من الإتقان فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة. وفي صحيح
البخاري في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى )ولا تقولوا
لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا( بألف بعد لام السلام وقال
كان رجل في غنيمة له تصغير غنم فلحقه المسلمون فقال السلام
عليكم فقتلوه أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام
وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك )ولا تقولوا لمن ألقى إليكم
السلام ( الآية. فالقصة لابد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس
رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام
الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها )يا أيها الذين آمنوا
إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا( وبعدها )فعند الله مغانم كثيرة
كذلك كنتم من قبل(. وفي تفسير تلك السورة من صحيح البخاري
بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة قال الزبير:
فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك )فلا وربك لا يؤمنون
حتى يحكموك فيما شجر بينهم( الآية قال السيوطي في الإتقان
عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم
إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم
لا أن هذا كان السبب في نزولها. وفيه عن ابن تيمية قد تنازع
العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري
مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير? فالبخاري يدخله في المسند،
وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه
فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 05, 2005 1:56 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
والخامس قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى )
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون( فإذا ظن أحد أن )
من( للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا،
ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن )
من( موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم
أن يكفروا بمحمد. وكذلك حديث عبد الله بن مسعود قال
لما نزل قوله تعالى )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم
( شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم ظنوا أن الظلم هو المعصية .
فقال رسول الله: إنه ليس بذلك? ألا تسمع لقول لقمان لابنه
إن الشرك لظلم عظيم . ومن هذا القسم ما لا يبين مجملا
ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض
كما في قوله تعالى، في سورة النساء: )وإن خفتم أن لا تقسطوا
في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء( الآية، فقد تخفي
الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة
أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر
وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها
فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا
ما طاب لهم من النساء سواهن .

هذا وإن القرآن كتاب جاء لهدي أمة والتشريع لها،
وهذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة، وقد يكون مخاطبا به قوم
على وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما، وقد يكون مخاطبا به جميع
من يصلح لخطابه، وهو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية
وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعى الأمة لدينها سهلا عليها،
وليمكن تواتر الدين، وليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط،
وإلا فإن الله قادر أن يجعل القرآن أضعاف هذا المنزل وأن يطيل
عمر النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع أكثر مما أطال عمر
إبراهيم وموسى، ولذلك قال تعالى )وأتممت عليكم نعمتي
(، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل
مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق
ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد
أو إلى إبطاله من أصله، وقد اغتر بعض الفرق بذلك.
قال ابن سيرين في الخوارج: إنهم عمدوا إلى آيات الوعيد النازلة
في المشركين فوضعوها على المسلمين فجاءوا ببدعة القول
بالتكفير بالذنب، وقد قال الحرورية لعلي رضي الله عنه يوم التحكيم )
إن الحكم إلا لله( فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وفسرها
في خطبة له في نهج البلاغة.

وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن
عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال،
وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث
يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين.

المقدمة السادسة

في القراءات
لولا عناية كثير من المفسرين بذكر اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن
حتى في كيفيات الأداء، لكنت بمعزل عن التكلم في ذلك لأن علم
القراءات علم جليل مستقل قد خص بالتدوين والتأليف وقد أشبع
فيه أصحابه وأسهبوا بما ليس عليه مزيد، ولكني رأيتني بمحل
الاضطرار إلى أن ألقى عليكم جملا في هذا الغرض تعرفون بها
مقدار تعلق اختلاف القراءات بالتفسير، ومراتب القراءات قوة وضعفا?
كي لا تعجبوا من إعراضي عن ذكر كثير من القراءات في أثناء التفسير.

أرى أن للقراءات حالتين: إحداهما لا تعلق لها بالتفسير بحال،
والثانية لها تعلق به من جهات متفاوتة.






يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 07, 2005 12:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
أما الحالة الأولى فهي اختلاف القراء في وجوه النطق
بالحروف والحركات كمقادير المد والإمالات والتخفيف
والتسهيل والتحقيق والجهر والهمس والغنة، مثل )
عذابي( بسكون الياء و?)عذابي( بفتحها، وفي تعدد وجوه
الإعراب مثل )حتى يقول الرسول( بفتح لام )يقول
( وضمها.ونحو )لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
( برفع الأسماء الثلاثة أو فتحها أو رفع بعض وفتح بعض،
ومزية القراءات من هذه الجهة عائدة إلى أنها حفظت
على أبناء العربية ما لم يحفظه غيرها وهو تحديد كيفيات
نطق العرب بالحروف في مخارجها وصفاتها وبيان اختلاف
العرب في لهجات النطق بتلقي ذلك عن قراء القرآن
من الصحابة بالأسانيد الصحيحة، وهذا غرض مهم جدا
لكنه لا علاقة له بالتفسير لعدم تأثيره في اختلاف
معاني الآي، ولم أر من عرف لفن القراءات حقه من هذه الجهة،
وفيها أيضا سعة من بيان وجوه الإعراب في العربية،
فهي لذلك مادة كبرى لعلوم اللغة العربية.


فأئمة العربية لما قرأوا القرآن قرأوه بلهجات العرب
الذين كانوا بين ظهرانيهم في الأمصار التي وزعت
عليها المصاحف: المدينة، ومكة، والكوفة، والبصرة،
والشام، قيل واليمن والبحرين، وكان في هذه الأمصار
قراؤها من الصحابة قبل ورود مصحف عثمان إليهم
فقرأ كل فريق بعربية قومه في وجوه الأداء،
لا في زيادة الحروف ونقصها، ولا في اختلاف الإعراب
دون مخالفته مصحف عثمان، ويحتمل أن يكون القارئ
الواحد قد قرأ بوجهين ليرى صحتهما في العربية قصدا
لحفظ اللغة مع حفظ القرآن الذي أنزل بها، ولذلك
يجوز أن يكون كثير من اختلاف القراء في هذه الناحية اختيارا،
وعليه يحمل ما يقع في كتابي الزمخشري وابن العربي
من نقد بعض طرق القراء، على أن في بعض نقدهم نظرا،
وقد كره مالك رحمه الله القراءة بالإمالة مع ثبوتها عن القراء،
وهي مروية عن مقرئ المدينة نافع من رواية ورش عنه
وانفرد بروايته أهل مصر، فدلت كراهته على أنه يرى
أن القارئ بها ما قرأ إلا بمجرد الاختيار، وفي تفسير القرطبي
في سورة الشعراء عن أبي إسحاق الزجاج، يجوز أن يقرأ )
طسين ميم( بفتح النون من )طسين( وضم الميم الأخيرة
كما يقال هذا معد يكرب اه مع أنه لم يقرأ به أحد. قلت:
ولا ضير في ذلك ما دامت كلمات القرآن وجمله محفوظة
على نحو ما كتب في المصحف الذي أجمع عليه أصحاب
رسول الله إلا نفرا قليلا شذوا منهم،
كان عبد الله بن مسعود منهم، فإن عثمان لما أمر بكتب
المصحف على نحو ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأثبته كتاب المصحف، رأى أن يحمل الناس على اتباعه
وترك قراءات ما خالفه، وجمع جميع المصاحف المخالفة له
وأحرقها ووافقه جمهور الصحابة على ما فعله.
قال شمس الدين الأصفهاني في المقدمة الخامسة
من تفسيره. كان على طول أيامه يقرأ مصحف عثمان
ويتخذه إماما. وقلت: إنما كان فعل عثمان إتماما لما فعله
أبو بكر من جمعه القرآن الذي كان يقرأ في حياة الرسول،
وأن عثمان نسخه في مصاحف لتوزع على الأمصار،
فصار المصحف الذي كتب لعثمان قريبا من المجمع عليه
وعلى كل قراءة توافقه وصار ما خالفه متروكا بما يقارب
الإجماع. قال الأصفهاني في تفسيره كانت قراءة أبي بكر
وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة،
وهي قراءة العامة التي قرأ بها
رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل في العام
الذي قبض فيه، ويقال إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة
التي عرضها رسول الله على جبريل اه وبقى الذين قرأوا
قراءات مخالفة لمصحف عثمان يقرأون بما رووه لا ينهاهم
أحد عن قراءتهم ولكن يعدوهم شذاذا ولكنهم لم يكتبوا
قراءتهم في مصاحف بعد أن أجمع الناس على مصحف عثمان،
قال البغوي في تفسير قوله تعالى )وطلح منضود
( عن مجاهد وفي الكشاف والقرطبي- قرأ علي بن أبي طالب
وطلع منضود بعين في موضع الحاء، وقرأ قارئ بين يديه
وطلح منضود فقال: وما شأن الطلح? إنما هو وطلع وقرأ
لها طلع نضيد فقالوا أفلا نحولها? فقال إن آي القرآن لا تهاج
اليوم ولا تحول، أي لا تغير حروفها ولا تحول عن مكانها فهو
قد منع من تغيير المصحف، ومع ذلك لم يترك القراءة التي رواها،
وممن نسبت إليهم قراءات مخالفة لمصحف عثمان،
عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة،
إلى أن ترك الناس ذلك تدريجا. ذكر الفخر في تفسير قوله تعالى )
إذ تلقونه بألسنتكم( من سورة النور أن سفيان قال:
سمعت أمي تقرأ إذ تثقفونه بألسنتكم وكان أبوها يقرأ
بقراءة ابن مسعود، ومع ذلك فقد شذت مصاحف بقيت
مغفولا عنها بأيدي أصحابها، منها ما ذكره الزمخشري
في الكشاف في سورة الفتح أن الحارث بن سويد صاحب
عبد الله بن مسعود كان له مصحف دفنه في مدة الحجاج،
قال في الكشاف لأنه كان مخالفا للمصحف الإمام،
وقد أفرط الزمخشري في توهين بعض القراءات
لمخالفتها لما اصطلح عليه النجاة وذلك من إعراضه
عن معرفة الأسانيد.
من أجل ذلك اتفق علماء القراءات والفقهاء على أن كل قراءة
وافقت وجها في العربية ووافقت خط المصحف أي مصحف عثمان
وصح سند راويها؛ فهي قراءة صحيحة لا يجوز ردها،
قال أبو بكر ابن العربي: ومعنى ذلك عندي أن تواترها
تبع لتواتر المصحف الذي وافقته وما دون ذلك فهو شاذ،
يعني وأن تواتر المصحف ناشئ عن تواتر الألفاظ التي كتبت فيه.






يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة ديسمبر 09, 2005 2:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
قلت- وهذه الشروط الثلاثة، هي شروط في قبول القراءة
إذا كانت غير متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
بأن كانت صحيحة السند إلى النبي ولكنها لم تبلغ حد التواتر
فهي بمنزلة الحديث الصحيح، وأما القراءة المتواترة فهي
غنية عن هذه الشروط لأن تواترها يجعلها حجة في العربية،
ويغنيها عن الاعتضاد بموافقة المصحف المجمع عليه،
ألا ترى أن جمعا من أهل القراءات المتواترة قرأوا قوله تعالى )
وما هو على الغيب بظنين( بظاء مشالة أي بمتهم،
وقد كتبت في المصاحف كلها بالضاد الساقطة.

على أن أبا علي الفارسي صنف كتاب الحجة للقراءات،
وهو معتمد عند المفسرين وقد رأيت نسخة منه في مكاتب
الآستانة. فالقراءات من هذه الجهة لا تفيد في علم التفسير
والمراد بموافقة خط المصحف موافقة أحد المصاحف الأئمة
التي وجه بها عثمان بن عفان إلى أمصار الإسلام إذ قد يكون
اختلاف يسير نادر بين بعضها، مثل زيادة الواو في )
وسارعوا إلى مغفرة( في مصحف الكوفة ومثل زيادة
الفاء في قوله )وما أصابكم من مصيبة فيما كسبت أيديكم
( في سورة الشورى )ووصينا الإنسان بوالديه حسنا- أو إحسانا
( فذلك اختلاف ناشئ عن القراءة بالوجهين بين الحفاظ من زمن
الصحابة الذين تلقوا القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم،
لأنه قد أثبته ناسخو المصحف في زمن عثمان فلا ينافي
التواتر إذ لا تعارض، إذا كان المنقول عنه قد نطق بما نقله عنه
الناقلون في زمانين أو أزمنة، أو كان قد أذن للناقلين أن يقرأوا
بأحد اللفظين أو الألفاظ، وقد انحصر توفر الشروط في الروايات
العشر للقراء وهم، نافع بن أبي نعيم المدني،
وعبد الله بن كثير المكي، وأبو عمرو المازني البصري
وعبد الله بن عامر الدمشقي، وعاصم بن أبي النجود الكوفي
، وحمزة بن حبيب الكوفي، والكسائي علي بن حمزة الكوفي،
ويعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري،
وأبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، وخلف البزار بزاي فألف فراء
مهملة الكوفي، وهذا العاشر ليست له رواية خاصة،
وإنما اختار لنفسه قراءة تناسب قراءات أئمة الكوفة، فلم يخرج
عن قراءات قراء الكوفة إلا قليلا، وبعض العلماء يجعل
قراءة ابن محيصن واليزيدي والحسن، والأعمش،
مرتبة دون العشر، وقد عد الجمهور ما سوى ذلك شاذا
لأنه لم ينقل بتواتر حفاظ القرآن.

والذي قاله مالك والشافعي، أن ما دون العشر لا تجوز
القراءة به ولا أخذ حكم منه لمخالفته المصحف الذي كتب فيه
ما تواتر، فكان ما خالفه غير متواتر فلا يكون قرآنا،
وقد تروي قراءات عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد
صحيحة في كتب الصحيح مثل صحيح البخاري ومسلم
وأضرابهما إلا أنها لا يجوز لغير من سمعها
من النبي صلى الله عليه وسلم القراءة بها لأنها غير متواترة
النقل فلا يترك المتواتر للآحاد وإذا كان راويها قد بلغته قراءة أخرى
متواترة تخالف ما رواه وتحقق لديه التواتر وجب عليه أن يقرأ
بالمروية تواترا، وقد اصطلح المفسرون على أن يطلقوا عليها
قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها غير منتسبة
إلى أحد من أئمة الرواية في القراءات، ويكثر ذكر هذا العنوان
في تفسير محمد بن جرير الطبري وفي الكشاف وفي المحرر
الوجيز لعبد الحق ابن عطية، وسبقهم إليه أبو الفتح ابن جني،
فلا تحسبوا أنهم أرادوا بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
أنها وحدها المأثورة عنه ولا ترجيحها على القراءات
المشهورة لأن القراءات المشهورة
قد رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد أقوى
وهي متواترة على الجملة كما سنذكره، وما كان ينبغي
إطلاق وصف قراءة النبي عليها لأنه يوهم من ليسوا من أهل الفهم
الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم،
وهذا يرجع إلى تبجح أصحاب الرواية بمروياتهم.






يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 11, 2005 4:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
وأما الحالة الثانية: فهي اختلاف القراء في حروف الكلمات مثل )
مالك يوم الدين( و)ملك يوم الدين( و )ننشرها( و )ننشزها( و )
ظنوا أنهم قد كذبوا( بتشديد الذال أو )قد كذبوا( بتخفيفه،
وكذلك اختلاف الحركات الذي يختلف معه معنى الفعل كقوله )
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون
( قرأ نافع بضم الصاد وقرأ حمزة بكسر الصاد، فالأولى بمعنى
يصدون غيرهم عن الإيمان، والثانية بمعنى صدودهم في أنفسهم
وكلا المعنيين حاصل منهم، وهي من هذه الجهة لها مزيد
تعلق بالتفسير لأن ثبوت أحد اللفظين في قراءة قد يبين المراد
من نظيره في القراءة الأخرى، أو يثير معنى غيره،
ولأن اختلاف القراءات في ألفاظ القرآن يكثر المعاني
في الآية الواحدة نحو )حتى يطهرن( بفتح الطاء المشددة
والهاء المشددة، وبسكون الطاء وضم الهاء مخففة، ونحو )
لامستم النساء( و)لمستم النساء(، وقراءة )
وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثا( مع قراءة )
الذين هم عباد الرحمن( والظن أن الوحي نزل بالوجهين وأكثر،
تكثيرا للمعاني إذا جزمنا بأن جميع الوجوه في القراءات
المشهورة هي مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم،
على أنه لا مانع من أن يكون مجيء ألفاظ القرآن على ما يحتمل
تلك الوجوه مرادا لله تعالى ليقرأ القراء بوجوه فتكثر من جراء
ذلك المعاني، فيكون وجود الوجهين فأكثر في مختلف القراءات
مجزئا عن آيتين فأكثر، وهذا نظير التضمين في استعمال العرب،
ونظير التورية والتوجيه في البديع، ونظير مستتبعات التراكيب
في علم المعاني، وهو من زيادة ملاءمة بلاغة القرآن،
ولذلك كان اختلاف القراء في اللفظ الواحد من القرآن قد يكون
معه اختلاف المعنى؛ ولم يكن حمل أحد القراءتين على الأخرى
متعينا ولا مرجحا، وإن كان قد يؤخذ من كلام أبي علي الفارسي
في كتاب الحجة أنه يختار حمل معنى إحدى القراءتين
على معنى الأخرى، ومثال هذا قوله في قراءة الجمهور قوله تعالى )
فإن الله هو الغني الحميد( في سورة الحديد، وقراءة نافع وابن عامر )
فإن الله الغني الحميد( بإسقاط هو أن من أثبت هو يحسن
أن يعتبره ضمير فصل لا مبتدأ، لأنه لو كان مبتدأ لم يجز حذفه
في قراءة نافع وابن عامر، قال أبو حيان: وما ذهب إليه ليس بشيء
لأنه بني ذلك على توافق القراءتين وليس كذلك، ألا ترى أنه
قد يكون قراءتان في لفظ واحد لكل منهما توجيه يخالف الآخر،
كقراءة )والله أعلم بما وضعت( بضم التاء أو سكونها. وأنا أرى
أن على المفسر أن يبين اختلاف القراءات المتواترة لأن في اختلافها
توفيرا لمعاني الآية غالبا فيقوم تعدد القراءات مقام تعدد كلمات القرآن.

وهذا يبين لنا أن اختلاف القراءات قد ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في حديث عمر بن الخطاب
مع هشام بن حكيم بن حزام ففي صحيح البخاري
أن عمر بن الخطاب قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ
في الصلاة سورة الفرقان في حياة رسول الله فاستمعت لقراءته
فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله، فكدت أساوره
في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك
هذه السورة التي سمعتك تقرأ? قال أقرأنيها رسول الله،
فقلت كذبت فإن رسول الله أقرأنيها على غير ما قرأت،
فانطلقت به أقوده إلى رسول الله فقلت إني سمعت هذا يقرأ
سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله اقرأ يا هشام
فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله كذلك أنزلت،
ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله كذلك
أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه اه.
وفي الحديث إشكال، وللعلماء في معناه أقوال يرجع إلى اعتبارين:
أحدهما اعتبار الحديث منسوخا والآخر اعتباره محكما.



يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 15, 2005 2:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
فأما الذين اعتبروا الحديث منسوخا وهو رأي جماعة منهم
أبو بكر الباقلائي وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي والطبري
والطحاوي، وينسب إلى ابن عيينة وابن وهب قالوا كان ذلك
رخصة في صدر الإسلام أباح الله للعرب أن يقرأوا القرآن بلغاتهم
التي جرت عادتهم باستعمالها، ثم نسخ ذلك بحمل الناس
على لغة قريش لأنها التي بها نزل القرآن وزال العذر لكثرة
الحفظ وتيسير الكتابة، وقال ابن العربي دامت الرخصة مدة
حياة النبي عليه السلام، وظاهر كلامه أن ذلك نسخ
بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإما نسخ
بإجماع الصحابة أو بوصاية من النبي صلى الله عليه وسلم،
واستدلوا على ذلك بقول عمر: إن القرآن نزل بلسان قريش،
وبنهيه عبد الله بن مسعود أن يقرأ )فتول عنهم حتى حين
( وهي لغة هذيل في )حتى(، وبقول عثمان لكتاب المصاحف
فإذا اختلفتم في حرف فاكتبوه بلغة قريش فإنما نزل بلسانهم،
يريد أن لسان قريش هو الغالب على القرآن، أو أراد أنه نزل
بما نطقوا به من لغتهم وما غلب على لغتهم من لغات القبائل
إذ كان عكاظ بأرض قريش وكانت مكة مهبط القبائل كلها.

ولهم في تحديد معنى الرخصة بسبعة أحرف ثلاثة أقوال:
الأول أن المراد بالأحرف الكلمات المترادفة للمعنى الواحد،
أي أنزل بتخيير قارئه أن يقرأه باللفظ الذي يحضره من المرادفات
تسهيلا عليهم حتى يحيطوا بالمعنى. وعلى هذا الجواب
فقيل المراد بالسبعة حقيقة العدد وهو قول الجمهور فيكون
تحديدا للرخصة بأن لا يتجاوز سبعة مرادفات أو سبع لهجات
أي من سبع لغات؛ إذ لا يستقيم غير ذلك لأنه لا يتأتى
في كلمة من القرآن أن يكون لها ستة مرادفات أصلا، ولا في كلمة
أن يكون فيها سبع لهجات إلا كلمات قليلة مثل أف- وجبريل- وأرجه .
وقد اختلفوا في تعيين اللغات السبع، فقال أبو عبيدة وابن عطية
وأبو حاتم والباقلاني هي من عموم لغات العرب وهم: قريش،
وهذيل، وتيم الرباب، والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر من هوازن،
وبعضهم يعد قريشا، وبني دارم، والعليا من هوازن وهم سعد بن بكر،
وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف، قال أبو عمرو بن العلاء
أفصح العرب عليا هوازن وسفلى تميم وهم بنو دارم.

وبعضهم يعد خزاعة ويطرح تميما، وقال أبو علي الاهوازي،
وابن عبد البر، وابن قتيبة هي لغات قبائل من مضر وهم قريش،
وهذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وكلها من مضر.

القول الثاني: لجماعة منهم عياض: أن العدد غير مراد به حقيقته،
بل هو كناية عن التعدد والتوسع، وكذلك المرادفات ولو من لغة
واحدة كقوله )كالعهن المنفوش( وقرأ ابن مسعود كالصوف المنفوش ،
وقرأ أبي )كلما أضاء لهم مشوا فيه( مروا فيه سعوا فيه،
وقرأ ابن مسعود )انظرونا نقتبس من نوركم( أخرونا، أمهلونا،
وأقرأ ابن مسعود رجلا )إن شجرة الزقوم طعام الأثيم( فقال الرجل
طعام اليتيم، فأعاد له فلم يستطع أن يقول الأثيم فقال له
ابن مسعود: أتستطيع أن تقول طعام الفاجر? قال نعم، قال فاقرأ
كذلك، وقد اختلف عمر وهشام بن حكيم ولغتهما واحدة.

القول الثالث: أن المراد التوسعة في نحو )كان الله سميعا
عليما( أن يقرأ عليما حكيما ما لم يخرج عن المناسبة كذكره
عقب آية عذاب أن يقول )وكان الله غفورا رحيما( أو عكسه وإلى
هذا ذهب ابن عبد البر.

وأما الذين اعتبروا الحديث محكما غير منسوخ فقد ذهبوا
في تأويله مذاهب: فقال جماعة منهم البيهقي وأبو الفضل
الرازي أن المراد من الأحرف أنواع أغراض القرآن كالأمر والنهي،
والحلال والحرام، أو أنواع كلامه كالخبر والإنشاء، والحقيقة
والمجاز: أو أنواع دلالته كالعموم والخصوص، والظاهر والمؤول.
ولا يخفى أن كل ذلك لا يناسب سياق الحديث على اختلاف رواياته
من قصد التوسعة والرخصة. وقد تكلف هؤلاء حصر ما زعموه من الأغراض
ونحوها في سبعة فذكروا كلاما لا يسلم من النقض.





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 17, 2005 3:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371

وذهب جماعة منهم أبو عبيد وثعلب والأزهري وعزي لابن عباس
أن المراد أنه أنزل مشتملا على سبع لغات من لغات العرب
مبثوثة في آيات القرآن لكن لا على تخيير القارئ،
وذهبوا في تعيينها إلى نحو ما ذهب إليه القائلون بالنسخ
إلا أن الخلاف بين الفريقين في أن الأولين ذهبوا إلى تخيير
القارئ في الكلمة الواحدة، وهؤلاء أرادوا أن القرآن مبثوثة
فيه كلمات من تلك اللغات، لكن على وجه التعيين لا على وجه
التخيير، وهذا كما قال أبو هريرة: ما سمعت السكين
إلا في قوله تعالى )وآتت كل واحدة منهن سكينا
( ما كنا نقول إلا المدية، وفي البخاري: إلا من النبئ في قصة
حكم سليمان بين المرأتين من قول سليمان ايتوني بالسكين
أقطعه بينكما ، وهذا الجواب لا يلاقي مساق الحديث من التوسعة،
ولا يستقيم من جهة العدد لأن المحققين ذكروا أن في القرآن
كلمات كثيرة من لغات قبائل العرب، وأنهاها السيوطي
نقلا عن أبي بكر الواسطي إلى خمسين لغة.

وذهب جماعة أن المراد من الأحرف لهجات العرب في كيفيات
النطق كالفتح والإمالة، والمد والقصر، والهمز والتخفيف،
على معنى أن ذلك رخصة للعرب مع المحافظة على كلمات
القرآن، وهذا أحسن الأجوبة لمن تقدمنا، وهنالك أجوبة أخرى
ضعيفة لا ينبغي للعالم التعريج عليها وقد أنهى بعضهم
جملة الأجوبة إلى خمسة وثلاثين جوابا.

وعندي أنه إن كان حديث عمر وهشام بن حكيم قد حسن
إفصاح راويه عن مقصد عمر فيما حدث به بأن لا يكون
مرويا بالمعنى مع إخلال بالمقصود أنه يحتمل أن يرجع
إلى ترتيب آي السور بأن يكون هشام قرأ سورة الفرقان
على غير الترتيب الذي قرأ به عمر فتكون تلك رخصة لهم
في أن يحفظوا سور القرآن بدون تعيين ترتيب الآيات من السورة،
وقد ذكر الباقلاني احتمال أن يكون ترتيب السور من اجتهاد
الصحابة كما يأتي في المقدمة الثامنة. فعلى رأينا هذا تكون
هذه رخصة. ثم لم يزل الناس يتوخون بقراءتهم موافقة
قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ترتيب المصحف
في زمن أبي بكر على نحو العرضة الأخيرة التي عرضها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمع الصحابة في عهد
أبي بكر على ذلك لعلمهم بزوال موجب الرخصة.

ومن الناس من يظن المراد بالسبع في الحديث ما يطابق
القراءات السبع التي اشتهرت بين أهل فن القراءات،
وذلك غلط ولم يقله أحد من أهل العلم، وأجمع العلماء
على خلافه كما قال أبو شامة: فإن انحصار القراءات في سبع
لم يدل عليه دليل، ولكنه أمر حصل إما بدون قصد أو بقصد
التيمن بعدد السبعة أو بقصد إيهام أن هذه السبعة هي
المرادة من الحديث تنويها بشأنها بين العامة، ونقل السيوطي
عن أبي العباس ابن عمار أنه قال: لقد فعل جاعل عدد القراءات
سبعا ما لا ينبغي، وأشكل به الأمر على العامة إذ أوهمهم
أن هذه السبعة هي المرادة في الحديث، وليت جامعها
نقص عن السبعة أو زاد عليها.

قال السيوطي: وقد صنف ابن جبير المكي وهو قبل ابن مجاهد
كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة أئمة من كل مصر إماما،
وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان
إلى الأمصار كانت إلى خمسة أمصار.

قال ابن العربي في العواصم: أول من جمع القراءات في سبع
ابن مجاهد غير أنه عد قراءة يعقوب سابعا ثم عوضها
بقراءة الكسائي، قال السيوطي وذلك على رأس الثلاثمائة:
وقد اتفق الأئمة على أن قراءة يعقوب من القراءات الصحيحة
مثل بقية السبعة، وكذلك قراءة أبي جعفر وشيبة، وإذ قد كان
الاختلاف بين القراء سابقا على تدوين المصحف الإمام
في زمن عثمان وكان هو الداعي لجمع المسلمين على مصحف
واحد تعين أن الاختلاف لم يكن ناشئا عن الاجتهاد في قراءة
ألفاظ المصحف فيما عدا اللهجات.

وأما صحة السند الذي تروى به القراءة لتكون مقبولة
فهو شرط لا محيد عنه إذ قد تكون القراءة موافقة لرسم المصحف
وموافقة لوجوه العربية لكنها لا تكون مروية بسند صحيح،
كما ذكر في المزهر أن حماد بن الزبرقان قرأ )إلا عن موعدة وعدها أباه
( بالباء الموحدة وإنما هي إياه بتحتية، وقرأ )بل الذين كفروا في غرة
( بغين معجمة وراء مهملة وإنما هي عزة بعين مهملة وزاي، وقرأ )
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يعنيه( بعين مهملة، وإنما هي يغنيه
بغين معجمة، ذلك أنه لم يقرأ القرآن على أحد وإنما حفظه من المصحف.




يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 20, 2005 4:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد فبراير 22, 2004 1:22 pm
مشاركات: 371
مراتب القراءات الصحيحة والترجيح بينها

قال أبو بكر بن العربي في كتاب العواصم:
اتفق الأئمة على أن القراءات التي لا تخالف الألفاظ
التي كتبت في مصحف عثمان هي متواترة وإن اختلفت
في وجوه الأداء وكيفيات النطق ومعنى ذلك أن تواترها
تبع لتواتر صورة كتابة المصحف، وما كان نطقه صالحا لرسم
المصحف، واختلف فيه فهو مقبول، وما هو بمتواتر لأن وجود
الاختلاف فيه مناف لدعوى التواتر، فخرج بذلك ما كان
من القراءات مخالفا لمصحف عثمان، مثل ما نقل
من قراءة ابن مسعود، ولما قرأ المسلمون بهذه القراءات
من عصر الصحابة ولم يغير عليهم، فقد صارت متواترة
على التخيير، وإن كانت أسانيدها المعينة آحادا،
وليس المراد ما يتوهمه بعض القراء من أن القراءات
كلها بما فيها من طرائق أصحابها ورواياتهم متواترة
وكيف وقد ذكروا أسانيدهم فيها فكانت أسانيد أحاد،
وأقواها سندا ما كان له راويان عن الصحابة مثل قراءة
نافع بن أبي نعيم وقد جزم ابن العربي، وابن عبد السلام
التونسي، وأبو العباس ابن إدريس فقيه بجاية من المالكية،
والأبياري من الشافعية بأنها غير متواترة، وهو الحق
لآن تلك الأسانيد لا تقتضي إلا أن فلانا قرأ كذا وأن فلانا
قرأ بخلافه، وأما اللفظ المقروء فغير محتاج إلى تلك الأسانيد
لأنه ثبت بالتواتر كما علمت آنفا، وإن اختلفت كيفيات النطق
بحروفه فضلا عن كيفيات أدائه. وقال إمام الحرمين في البرهان:
هي متواترة ورده عليه الأبياري، وقال المازري في شرحه:
هي متواترة عند القراء وليست متواترة عند عموم الأمة،
وهذا توسط بين إمام الحرمين والأبياري، ووافق إمام الحرمين
ابن سلامة الأنصاري من المالكية. وهذه مسألة مهمة جرى
فيها حوار بين الشيخين ابن عرفة التونسي وابن لب الأندلسي
ذكرها الونشريسي في المعيار.

وتنتهي أسانيد القراءات العشر إلى ثمانية من الصحابة وهم:
عمر بن الخطاب، وعثمان ابن عفان، وعلي ابن أبي طالب،
وعبد الله من مسعود، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وزيد ابن ثابت،
وأبو موسى الأشعري، فبعضها ينتهي إلى جميع الثمانية
وبعضها إلى بعضهم وتفصيل ذلك في علم القرآن.

وأما وجوه الإعراب في القرآن فأكثرها متواتر إلا ما ساغ فيه
إعرابان مع اتحاد المعاني نحو )ولات حين مناص( بنصب حين
ورفعه، ونحو )وزلزلوا حتى يقول الرسول( بنصب )يقول( ورفعه، ألا ترى
أن الأمة أجمعت على رفع اسم الجلالة في قوله تعالى )
وكلم الله موسى تكليما( وقرأه بعض المعتزلة بنصب اسم الجلالة
لئلا يثبتوا لله كلاما، وقرأ بعض الرافضة )
وما كنت متخذ المضلين عضدا( بصيغة التثنية،
وفسروها بأبي بكر وعمر حاشاهما، وقاتلهم الله.
وأما ما خالف الوجوه الصحيحة في العربية ففيه نظر قوي
لأنا لا ثقة لنا بانحصار فصيح كلام العرب فيما صار إلى نحاة
البصرة والكوفة، وبهذا نبطل كثيرا مما زيفه الزمخشري
من القراءات المتواترة بعلة أنها جرت على وجوه ضعيفة
في العربية لا سيما ما كان منه في قراءة مشهورة كقراءة
عبد الله بن عامر قوله تعالى )وكذلك زين لكثير من المشركين
قتل أولادهم شركائهم( ببناء )زين( للمفعول وبرفع )قتل(، ونصب )
أولادهم( وخفض )شركائهم( ولو سلمنا أن ذلك وجه مرجوح،
فهو لا يعدو أن يكون من الاختلاف في كيفية النطق التي لا تناكد
التواتر كما قدمناه آنفا على ما في اختلاف الإعرابين من إفادة
معنى غير الذي يفيده الآخر، لأن لإضافة المصدر إلى المفعول
خصائص غير التي لإضافته إلى فاعله، ولأن لبناء الفعل للمجهول
نكتا غير التي لبنائه للفاعل، على أن أبا علي الفارسي ألف كتابا سماه
الحجة احتج فيه للقراءات المأثورة احتجاجا من جانب العربية.





يتبع بإذن الله تعالى

_________________
صورة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 34 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 12 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط