موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 60 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 28, 2015 9:31 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599
الفاضلة ملهمة

شكرا جزيلا على مروركم الكريم

الفاضل محمد محمود

شكرا جزيلا ... وكلام الحكيم الترمذي عليه النور والحمد لله

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 28, 2015 9:37 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 06, 2010 8:26 pm
مشاركات: 13609
مكان: مصر
يارب اربط على قلوبنا وأفرغ أفئدتنا مما سواك

جزاك الله خيراً يا سيدنا مقال جيه في وقته

_________________
"يس" يا روح الفؤاد


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت نوفمبر 28, 2015 10:31 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين مارس 29, 2004 4:05 pm
مشاركات: 7388


اللهم صلى وسلم وبارك على من أنزل القرآن على قلبه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:17 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599

الفصل السادس

واللب هو الجبل الأعظم والمقام الأسلم، كالقطب لا يزول ولا يتحرك، وبه قوام الدين،

والأنوار كلها راجعة إليه حافّة حوله، ولا تتم هذه الأنوار ولا ينفذ سلطانها إلا بثبوته، ولا توجد إلا بوجوده.

وهو معدن نور التوحيد ونور مشاهدة التفريد، وبه يصحّ من العبد حقيقة التجريد وضياء التمجيد

وإن هذا اللب نور مقرون وزرع مغروس وعقل مطبوع،

ليس كالمركّبات في النفس التي هي داخلة فيها، إنما هو نور مبسوط كالأشياء الأصلية.

وهذا اللب الذي هو العقل مغروس في أرض التوحيد،

ترابها نور التفريد، سُقي من ماء اللطف من بحر التمجيد حتى امتلأ عروقه من أنوار اليقين

وتولى الله غرسه وباشر ذلك بقدرته من غير واسطة.

فغرسه في جنة الرضى،

ثم عصمه بسور الصون وأرساه في أزليته وأبديته وأوليته

حتى لا تكاد تقترب منه بهيمة النفس بشهواتها أو بجهلها أو سباع مفاوز الضلالة أو شيء من الذوات التي هي طبائع النفس مثل كبرها وحمقها وآفاتها.

والرب جل جلاله صاحب هذا البستان ووليه الذي هو أزْيَن من جميع الجنان،

لأنه بستان الإيمان تولى الله غرسه وسقيه وتربيته حتى أثمر الشجر نور الإيمان بتوفيق الرحمن ولطائف ثمرات الإحسان.

قال الله تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَـٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ } (الحجرات، 7).

فهذا تفسير اسم اللب:

فإنه لام وباء فابتدأ بلام مثل لام اللطف والباء مشدّدة واحدة في الكتابة لكنها من الحروف المضاعف،

فهي في الحقيقة اثنان:

باء البر في البداية وباء البقاء بالبركة عليه.

وهذا النور لا يوجد لسبب من الأسباب إلاّ بفضل مفتّح الأبواب.

فأصل ما رزق الله تعالى العبد من أصول الدين هو فضل الله بلا علة،

ثم جعل فروعه بعلة العبودية. وبمجاهدة العبد مقرونة بمعونة الربوبية وهداية الألوهية

ولا يوفق بلطف التدبير وحسن التقدير حتى يكون أول شيء فضله في الأزل فيتيسر على العبد أعمال الخير.

واعلم أن اللب لا يكون إلاّ لأهل الإيمان،

الذين هم من خاصة عباد الرحمن،

الذين أقبلوا إلى طاعة المولى واعرضوا عن النفس الدنيا،

فألبسهم لباس التقوى، وصرف عنهم أنواع البلاء،

فسمّاهم الله أولي الألباب، وخصّهم بالخطاب،

وعاتبهم بأنواع العتاب،

ومدحهم في كثير من الكتاب،

فقال الله تعالى: {فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ يَـٰأُولِى ٱلْأَلْبَـٰبِ} (المائدة، 100)،

وقال: {وَٱتَّقُونِ يَـٰأُولِى ٱلْأَلْبَـٰبِ } (البقرة، 197)،

وقال: {أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ } (الأنعام، 90)،

وقال: {وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ } (البقرة، 269)،

وقال: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَ‌ٰحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ} (إبراهيم، 52)،

وقال: {لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ} (ص، 29).

فمدح الله تعالى أولى الألباب وبيّن مراتبهم وسرائرهم مع ربهم وفضائلهم في فقههم وفهمهم وحلمهم حتى أعجز أمثالنا عن إدراك أحوالهم لأنه خصهم بنور اللب ما لم يفعل ذلك بغيرهم.

وأما عند عامة أهل الأدب ومن لهم معرفة بشيء من اللغة فإن اللب هو العقل.

ولكن بينهما فرق كما بين نور الشمس ونور السراج فكلاهما نور،

وهذا شيء ظاهر لكن لا تكاد ترى عاقلين يستوي سلطان علقهما ونورهما بل يتفاضل أحدهما على الآخر بزيادة خصّ هذا العقلُ بها ما لم يبن ذلك في الآخر.

فما ظنك بمن خصّه الله تعالى بمعرفته وأكرمه بلطائف برّه وأفاض عليه من بحار خيره ما لم يفض منها على غيره.

والعقل في الاسم الواحد، وسلطانه ناقص وزائد وهو متبوع متفرع،

يقوي بقوة أركانه ويزداد بزيادة سلطانه.

وأول مقام العقل هو عقل الفطرة، وهو الذي يخرج به الصبي والرجل من صفة الجنون،

فيعقل ما يقال له لأنه يُنهى ويؤمر، ويميز بعقله بين الخير والشر، ويعرف به الكرامة من الهوان، والربح من الخسران، والأباعد من الجيران، والقرابة من الأجانب.

ومنه عقل الحجة وهو الذي به يستحق العبد من الله تعالى الخطاب،

فإذا بلغ الحلم يتأكد نور العقل الذي وُصف بنور التأييد، فيؤيد عقله، فيصل لخطاب الله تعالى.

ومنه عقل التجربة، وهو أنفع الثلاثة وأفضلها، لأنه يصير حكيماً بالتجارب، يعرف ما لم يكن بدليل ما قد كان.

وهو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم :

“لا حكيم إلا ذو تجربة ولا حليم إلا ذو عثرة”

ومنه عقل موروث، وصفته أن يكون الرجل كبيراً عاقلاً حكيماً عليماً حليماً وقوراً، قد ابتلى بولد سفيه أو تلميذ سفيه لا ينتفع من صحبته فيموت هذا العاقل فيورث اللهُ تبارك وتعالى ببركة عقلَه ونوره وضياءه ونفعه ووقاره وسكينته وسمته لهذا السفيه،

فيتغير حاله في الوقت فيصير وقوراً عاقلاً على سبيل سلفه هذا إنما يعاينه الإنسان بوفاة الكبير العاقل،

وتَغيُّر الحال في السفيه الجاهل.

وليس يورث غير عقله، ولكن يدركه بركة دعائه ونور علمه، ويتفضل الله تبارك وتعالى بإتمام ذلك بمنه وكرمه.

وهذه الوجوه منافعها على المِقدار ويصلح الإنسان بهذه الوجوه من العقل لصحبة الناس وينتفعون به.

ولعل هذه الوجوه تجمع فيمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر مثل الفلاسفة وحكماء الهند والروم غيرهم،

لأن هذه الأنواع من العقل إنما هي لتأييد النفوس ومعاملة أهل الدنيا على سبيل المراءاة

وأما النافع منها تمام النفع فهو العقل الموزون المطبوع بنور هداية الله تعالى. وهو اللب الذي وصفتُه حديثاً ويُسمَّى عقلا.

والعقل يعبَّر به عن العلم على وجه المجاز في سعة اللغة، ولكنْ أولو الألباب هم العلماء بالله،

وليس كل عاقل عالما بالله وأما كل عالم بالله فهو عاقل، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَـٰلِمُونَ } (العنكبوت 43).

والعقل له أسماء أخر، يُسمّى حلماً، ونُهى، وحِجْراً، وحِجى،

قال الله تعالى: {إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَـٰتٍ لِّأُولِى ٱلنُّهَىٰ } (طه، 54، 128)،

وقال : {هَلْ فِى ذَ‌ٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } (الفجر، 5).

وقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : “لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنهــى ثم الذين يـلونهم”.

وقــد قيل إن العقل يعقل النفـس عن متابعـة الهـوى كــما يمنع العـقال الدابة من مرتعها ومرعــاهـا.

والعــقل اسـم متبدل، وهو اسم عام، ولا يستعمل تصريف هذه الأسماء إلا منه، يقال عقل، يعقل عقلاً فهو عاقل وذلك معقول عنه.

وقال الله تعالى: {إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (الروم، 24). وهو أن يعقل عن الله أمره ونهيه ومواعظه ووعده ووعيده

ويفهم مراده في الأشياء على قدر ما يوفّقه ويكشف له من تعظيم أمره واجتناب مناهيه.

وهذه كلهــا لا توجد إلا بلطف الله وحســن نظره إليه، فيفضِّله على غيره باللب الموصوف والنور المعروف.

وهو فقيه في أصول الدين وفروعه، وليس كل من يكون فقيـــهاً في الفروع فقيــهاً في الأصول،

لأن الفقه في علم الأحكام كثير وهو فقيه بالتفقه وحامل الفقه والعلم،

والفــقه اسم للعلم يعــبّر بهــذه اللــفظة عنــه، يقال فلان يتفقه ويتعلم.

وأما الفقه في حقيقته فهو فقه الــقـلب،

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رب حامل فقه لا فقه لــه ورب حامل إلى من هو أفْقه منه”.

وقال الحــكيم: “ليس بفقيه من لـم يعدّ البلاء نعمــة والرضــاء مصيبة” ،

وقال الحسن: “إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصيــر بذنبه والمواظب على طاعة ربــــه” ،

وقد بيّــنتُ في صدر الكتاب أن فقه المتعلم موضعه في باطــن الصدر،

ويزداد نوره بالتعلم والاستعمال، ويتفرّع لـه أنوار الفقه والفهم، فيستنبط بنور فقهـه مسائل،

ويقيس ما لم يعلم بما يشبهـهـا ويشاكلهــا ويقرب من معناهــا.

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس مايو 30, 2013 5:51 am
مشاركات: 35060
الله يزيدكم رفعة و علما و نورا مولانا الكريم حفظكم الله و أسعدكم و لاحرمنا من هذه البركات و المدد و العلم الله يكرمكم مولانا الكريم دنيا و دين جزاكم الله عنا خير الجزاء اللهم أمين

_________________



مولاي صل وسلم دائما أبداعلى حبيبك خير الخلق كلهم
اللهم صل على هذا النبى الأمين وأجعلنا من خاصة المقربين لديه السعداء وعلى آله وسلم حق قدره ومقداره العظيم




أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 15, 2013 5:39 pm
مشاركات: 7973
molhma كتب:
الله يزيدكم رفعة و علما و نورا مولانا الكريم حفظكم الله و أسعدكم و لاحرمنا من هذه البركات و المدد و العلم الله يكرمكم مولانا الكريم دنيا و دين جزاكم الله عنا خير الجزاء اللهم أمين

_________________
وابيض يستسقى الغمامُ بوجههِ...ُثمال اليتامى ِعصم الأراملِ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:33 pm 
غير متصل

اشترك في: الجمعة فبراير 27, 2004 4:45 am
مشاركات: 18719
molhma كتب:
الله يزيدكم رفعة و علما و نورا مولانا الكريم حفظكم الله و أسعدكم و لاحرمنا من هذه البركات و المدد و العلم الله يكرمكم مولانا الكريم دنيا و دين جزاكم الله عنا خير الجزاء اللهم أمين


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين مارس 29, 2004 4:05 pm
مشاركات: 7388



ماشاءالله لاقوة إلابالله .......

اللهم زدسيدى ومولاى نوراعلى نور .......

وعلماوبركة وضياءا.......

اللهم وعناوانفعناونقنابكل كلمة قرأناها........

بارك الله فى علم وعمر سيدى الشريف ..........



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين نوفمبر 30, 2015 10:45 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 06, 2010 8:26 pm
مشاركات: 13609
مكان: مصر
جزاكم الله خيرا سيدي الكريم دكتور محمود على النقل وجزى الله صاحب المؤلف كل خير
سبحان الله
اذا كنت قرأت هذا الشرح لمعنى اللب من قبل لم أكن افهم الفرق بينه وبين العقل
لكن الآن أشعر به نوعا ما

سلمت أياديكم الشريفة

_________________
"يس" يا روح الفؤاد


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 8:33 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599
وأما الفقه في الدين فهو النور الذي يقذف الله تعالى به في قـــلب عبده المؤمن، مثل الســراج، يبصــر به، ولا يكون ذلــك للكافــر والمنافق. قال الله تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (المنافقون، 7). وأما الفقيه الذي نوّر الله قلبه بنور البــصر فالذي أشار إليـــه رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إذا أراد الله بعبد خيراً فقهــه في الدين وبصّره عيوب نفسه وبصّره بداء الدنيا ودوائــها”. فمن جمع الله تعالى فيه كلا الفقهيــن، فهــو الكبريــت الأحمــر والعالــم الأكبــر واللبيب الأوفــــر.

فأما استنباط الفقيه في الأحكام فهو استنباط المسائل على موافقة السنة وإقامة الشـــريـعة، وأما استنباط الفقيه في باطن العلــم فهــو استنباط الخواطر علــى موافقــة الحقيقــة ومشــاهدة الربوبيـة. وإنما تتبين زيادة الفصل بينهما في استنباط معنى في الباطن والظــاهر لآية قد أنزلــها الله تعالــى، يوجِبُ ظاهرُهـا حكماً، ويكون تحت ظاهرها، من العبارة التي في باطنها، إشارةٌ وعلمٌ. فيستنبط ما يوافق حجة الله تعالى، ويستنبط الحكيم ما يوافق مراد الله تعالى ويستنبط الحكيم ما يوافق مراد الله تعالى ويهدي إلى محجته بما تبين من لطائف الإشارات موافقاً للتوحيد ومخبراً عن مراد يوافقه الحميد.

الفصل السابع

والأنوار التي وصفتُهــا في صدر الكتاب مثل نور الإسلام ونور الإيمان ونور المعرفة ونور التوحيد، وإن كانت أسماؤهـا مختلفة، فهي أشكال غير أضداد، ويتولد من كل نور منها فوائد على حدة ما لا يتولد من الآخر على قدر مراتبها. فنور الإسلام يتولد منه خوف ورجاء، ونور التوحيد يتولد منه خوف ورجاء، ونور الإيمان يتولد منه خوف ورجاء، ونور المعرفة يتولد منه خوف ورجاء، وكذلــك سائر الأحوال التي تهيج من القلب وتتولد من أنوار الباطن مثل الشكر والصبر والمحبــة والحيــاء والصدق والوفاء وغيرها، ولكن أشْرحُ بتوفيق الله تعالى هذا الفصل الواحـــد.

فاعلــم انه يتولد من نور الإسلام خوف الخاتــمة ورجــاء حسن العاقبة، قال الله تعالى: { فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } (البقرة، 132). وقال في قصة يوسف عليه السلام: { تَوَفَّنِى مُسْلِمًۭا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ} (يوسف، 101). ويتولد من نور الإيمان خوف طوارق الســوء، وكذلــك يتولــد منه خوف طوارق الخيــر في كــل وقت، ونور المعرفة يتولد منه خوف الســابقة، ورجاء السابــقة، ونور التوحيـــد يتولد منه خوف الحقائــق، ورجاء الحقــائـق، وهذا النوع يرجع جوفه إلى مشاهدة الربوبيــة، وهو أن يخــاف الله تعالى ولا يخاف سواه، ويرجوه ولا يرجو ســواه. وسائــر الأحوال التي ذكرتُ، شرحـُـها على هذا السـبـيــل الذي وصـفـتُ لـك.

ومَثَل هذه النوار كمَثَل الجبــال، فالإسلام جبل وأرضه الصــدر، والإيمان جبل وموضعه القـلب، والمعرفة جبل ومعدنه الفؤاد، والتوحيد جبل ومستقره اللب. وعلى رأس كل جبل طائر فطائر جبل الصدر النفس الأمّارة بالســوء، وطائر جبل القلب النفس المُلْهَــمة، وطائر جبل الفؤاد النفس اللوّامة، وطائر جبل اللب النفس المطمئــنة، فالنفس الأمّارة يكون طيرانها في أودية الشرك والشــك والنفاق وما يشبهها، ولكن رحم الله أولــياءه فحفظهم عن شرّها، قال الله تعالى: { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّى } (يوسف، 53). والنفس الملهمة يكون طيرانها في أودية التقوى أحياناً وفي أودية الفجور أحياناً. قال الله تعالى: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا } (الشمس، 8).وطائر جبل المعرفة هي النفس اللوّامة، ويكون طيرانها في أودية الترفع والعز والنظر في كرامات الله والافتخار والفرح بنعم الله أحياناً، وفي أدوية الافتقار والتواضع والازدراء بنفسها ورؤية الذل والمسكنة والفقه أحياناً، ومع ذلك تكون لوّامة لصاحبها في أحوالها، قال الله تعالى: { وَلَآ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } (القيامة، 2). وطائر جبل اللب النفس المطمئنة، ويكون طيرانها في أودية الرضاء والحياء والقرار على التوحيد ووجود حلاوة ذكر الله تعالى، وهي شكل الروح طيّبها الله عن خبث المنازعة، قال الله تعالى: { يَـٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ {٢٧} ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً {٢٨}} (الفجر، 27-28)، وقال: { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ {٨٩}} (الواقعة، 89).

واسم النفس يشمل هذه المعاني كما ذكرنا في معنى اسم القلب ، وهو مثل قول الله تعالى: { وَسْـَلِ ٱلْقَرْيَةَ } (يوسف، 82)، والمعنى: أهل القرية، وقال: { فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ} (يونس، 98) يريد بذلك أهل القرية. فكذلك القلب مضغة لحم والمراد ما فيها. وكذلك النفس، والمراد ما في داخل الجسد من النار والنور. والنفس اسم الجنس، وجوهر بعضها أطْيَب من بعض، وبعضها أخبث من بعض، وأشدّ ظلماً وأكثر فجوراً، وهي النفس الأمّارة، والنفس طابت بنور ظاهر الإسلام من خبث ظاهر النفس، وهي تزداد طيباً بصدق المجاهدة وإذا قاربها توفيق الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائه “نعوذ بالله من شرور أنفسنا” فتعوّذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما خصّه الله تعالى بأنواع من الكرامات وطهارة في النفس والنية. قال: ” كان لي شيطان إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم”.

والنفس جوهرها ريح مثل الدخان، ظلمانية سيئة المعاملة، وروحها في الأصل نورانية وتزداد صلاحاً بتوفيق الله تعالى مع حسن المعاملة وصحة التضرع، ولا تزداد صلاحاً إلاّ بمخالفة العبد هواها والإعراض عنها وقهرها بالجوع والشدائد.والنفس اللوّامة هي أقرب إلى الحق لكنها مخادعة مداهنة لا يعرفها إلا العارفون من الأكياس. والنفس المطمئنة هي التي طهّرها الله من خبث الظلمات فصارت نورانية، فشاكلت الروح، تمشي في طاعة الله منقادة من غير إباء منها فصارت مطيعة بطاعة الله، وهي نفس الصدِّيق الذي ملأ الله سرّه وعلانيته.

إنما شبهتُ هذه الأنوار بالجبال لأن نور الإسلام في صدر المسلم آكد وأحكم من أن يزيله أحد، ما دام الله تعالى يحفظه، حتى لا يتهيأ لأحد أن يزيل نور الإسلام من صدره وربما لم يستقم المسلم على الطاعة، وهو مع ذلك متمسك بالعروة الوثقى ولكنه لا ينجو من وسوسة النفس. وجبل نور الإيمان أرسى وأعظم وأرسخ وأثبت من نور الإسلام، لأن للنفس ولاية وتكلفاً في حفظ الإسلام واستعمال شرائعه، وليس لها تكلف في حفظ القلب. ومثبتِّه نور الرب جل جلاله، قال الله تعالى:{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ } (إبراهيم، 27). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مدح هذه الأمة: “الإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي “. وهو موضع علم النفع، ونور المعرفة أوسع وضياؤها أرفع لأنه معدن الرؤية، والرؤية آكد من الخبر لأن ((الخبر ليس كالمعاينة)). ونور التوحيد هو أعظم الجبال، ومَثَلُه في الجبال كمثل جبل قاف عند سائر الجبال.

فجبل نور الإسلام ينتهي حدوده إلى مجاهدة النفس وإصلاح أعمالها، وأهل الإسلام هم في درجات متفاضلون. وجبل الإيمان ينتهي حدوده إلى التوكل والتفويض والمشاهدة التي هي أجلّ مما ير النفس، والاعتبار بما قد رأى والنظر بنوره إلى ما غاب عن الأعين. وأهل الإيمان في أصل الإيمان متساوون، وفي مشاهداتهم وما يتولد في أنواره من ثمرات الإيمان وفروعه متفاضلون . وجبل نور المعرفة ينتهي حدوده إلى إحاطة العلم بالبقاء والفناء والعجز والقدرة ، وتنتهي إلى مشاهدة برّ الله تعالى ولطائفه. فبهذا النور يُعرَف الفاني والزائل وحقارته ودناءته ويُعرَف الباقي وقدرته ورفعته، ويُعرَف عجز الخلائق وضعفهم. والعارف في هذا المثل كأنه جبل الله ، استقرت معرفته برؤية عظمته وكبريائه وقدرته، ويمسكه ربه، فلا يزول بإصابة حادثة ولا ينتقل بإصابة محنة، لأن الله تعالى يمسكه بقدرته وبرحمته.

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 8:54 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين يوليو 27, 2015 9:27 am
مشاركات: 2116
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الله المستعان ....
بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير فضيلة مولانا
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد عدد من صلى عليه في الأرض وعدد من صلى عليه في السماء وعدد من صلى عليه بين ذلك وعدد صلواتهم وبمثل صلواتهم صلى وسلم وبارك عليه وآله وصحبه ومن صلى عليه وسلم تسليما كثيرا كبيرا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 9:02 pm 
غير متصل

اشترك في: السبت أكتوبر 08, 2011 9:06 pm
مشاركات: 1936
محمد محمود كتب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الله المستعان ....
بارك الله فيك وجزاك الله عنا كل خير فضيلة مولانا
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا كبيرا

_________________
اللهم افردنى لما خلقتنى له
ولا تشغلنى بما تكفلت لى به
ولا تحرمنى وأنا أسألك
ولا تعذبنى وأنا أستغفرك


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 9:06 pm 
غير متصل
Site Admin

اشترك في: الاثنين فبراير 16, 2004 6:05 pm
مشاركات: 23599

الفاضل محمد محمود

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكرا على مروركم الكريم

بارك الله فيك

_________________
عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 05, 2015 9:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الاثنين مارس 29, 2004 4:05 pm
مشاركات: 7388

[b]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سيدناومولاناالشريف........

اللهم بارك لولانافى علمه النورانى النابع من مشكاة النبوة ........

اللهم زده واحفظه وحصنه وأمده بمددلاينقطع ليوم الدين ......

يارب رضاك ورضاسيدنامحمدصلى الله غليه وسلم.....

ثم رضاسيدى ومولاى الشريف .......

مالناسواكم ......
[/b]



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: بيان الفرق بين الصدر والقلب والفؤاد واللب
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 03, 2021 3:05 am 
غير متصل

اشترك في: السبت فبراير 06, 2010 8:26 pm
مشاركات: 13609
مكان: مصر
msobieh كتب:

الفصل السادس

واللب هو الجبل الأعظم والمقام الأسلم، كالقطب لا يزول ولا يتحرك، وبه قوام الدين،

والأنوار كلها راجعة إليه حافّة حوله، ولا تتم هذه الأنوار ولا ينفذ سلطانها إلا بثبوته، ولا توجد إلا بوجوده.

وهو معدن نور التوحيد ونور مشاهدة التفريد، وبه يصحّ من العبد حقيقة التجريد وضياء التمجيد

وإن هذا اللب نور مقرون وزرع مغروس وعقل مطبوع،

ليس كالمركّبات في النفس التي هي داخلة فيها، إنما هو نور مبسوط كالأشياء الأصلية.

وهذا اللب الذي هو العقل مغروس في أرض التوحيد،

ترابها نور التفريد، سُقي من ماء اللطف من بحر التمجيد حتى امتلأ عروقه من أنوار اليقين

وتولى الله غرسه وباشر ذلك بقدرته من غير واسطة.

فغرسه في جنة الرضى،

ثم عصمه بسور الصون وأرساه في أزليته وأبديته وأوليته

حتى لا تكاد تقترب منه بهيمة النفس بشهواتها أو بجهلها أو سباع مفاوز الضلالة أو شيء من الذوات التي هي طبائع النفس مثل كبرها وحمقها وآفاتها.

والرب جل جلاله صاحب هذا البستان ووليه الذي هو أزْيَن من جميع الجنان،

لأنه بستان الإيمان تولى الله غرسه وسقيه وتربيته حتى أثمر الشجر نور الإيمان بتوفيق الرحمن ولطائف ثمرات الإحسان.

قال الله تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلْإِيمَـٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ } (الحجرات، 7).

فهذا تفسير اسم اللب:

فإنه لام وباء فابتدأ بلام مثل لام اللطف والباء مشدّدة واحدة في الكتابة لكنها من الحروف المضاعف،

فهي في الحقيقة اثنان:

باء البر في البداية وباء البقاء بالبركة عليه.

وهذا النور لا يوجد لسبب من الأسباب إلاّ بفضل مفتّح الأبواب.

فأصل ما رزق الله تعالى العبد من أصول الدين هو فضل الله بلا علة،

ثم جعل فروعه بعلة العبودية. وبمجاهدة العبد مقرونة بمعونة الربوبية وهداية الألوهية

ولا يوفق بلطف التدبير وحسن التقدير حتى يكون أول شيء فضله في الأزل فيتيسر على العبد أعمال الخير.

واعلم أن اللب لا يكون إلاّ لأهل الإيمان،

الذين هم من خاصة عباد الرحمن،

الذين أقبلوا إلى طاعة المولى واعرضوا عن النفس الدنيا،

فألبسهم لباس التقوى، وصرف عنهم أنواع البلاء،

فسمّاهم الله أولي الألباب، وخصّهم بالخطاب،

وعاتبهم بأنواع العتاب،

ومدحهم في كثير من الكتاب،

فقال الله تعالى: {فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ يَـٰأُولِى ٱلْأَلْبَـٰبِ} (المائدة، 100)،

وقال: {وَٱتَّقُونِ يَـٰأُولِى ٱلْأَلْبَـٰبِ } (البقرة، 197)،

وقال: {أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقْتَدِهْ } (الأنعام، 90)،

وقال: {وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ } (البقرة، 269)،

وقال: {وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَ‌ٰحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ} (إبراهيم، 52)،

وقال: {لِّيَدَّبَّرُوا ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ} (ص، 29).

فمدح الله تعالى أولى الألباب وبيّن مراتبهم وسرائرهم مع ربهم وفضائلهم في فقههم وفهمهم وحلمهم حتى أعجز أمثالنا عن إدراك أحوالهم لأنه خصهم بنور اللب ما لم يفعل ذلك بغيرهم.

وأما عند عامة أهل الأدب ومن لهم معرفة بشيء من اللغة فإن اللب هو العقل.

ولكن بينهما فرق كما بين نور الشمس ونور السراج فكلاهما نور،

وهذا شيء ظاهر لكن لا تكاد ترى عاقلين يستوي سلطان علقهما ونورهما بل يتفاضل أحدهما على الآخر بزيادة خصّ هذا العقلُ بها ما لم يبن ذلك في الآخر.

فما ظنك بمن خصّه الله تعالى بمعرفته وأكرمه بلطائف برّه وأفاض عليه من بحار خيره ما لم يفض منها على غيره.

والعقل في الاسم الواحد، وسلطانه ناقص وزائد وهو متبوع متفرع،

يقوي بقوة أركانه ويزداد بزيادة سلطانه.

وأول مقام العقل هو عقل الفطرة، وهو الذي يخرج به الصبي والرجل من صفة الجنون،

فيعقل ما يقال له لأنه يُنهى ويؤمر، ويميز بعقله بين الخير والشر، ويعرف به الكرامة من الهوان، والربح من الخسران، والأباعد من الجيران، والقرابة من الأجانب.

ومنه عقل الحجة وهو الذي به يستحق العبد من الله تعالى الخطاب،

فإذا بلغ الحلم يتأكد نور العقل الذي وُصف بنور التأييد، فيؤيد عقله، فيصل لخطاب الله تعالى.

ومنه عقل التجربة، وهو أنفع الثلاثة وأفضلها، لأنه يصير حكيماً بالتجارب، يعرف ما لم يكن بدليل ما قد كان.

وهو ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم :

“لا حكيم إلا ذو تجربة ولا حليم إلا ذو عثرة”

ومنه عقل موروث، وصفته أن يكون الرجل كبيراً عاقلاً حكيماً عليماً حليماً وقوراً، قد ابتلى بولد سفيه أو تلميذ سفيه لا ينتفع من صحبته فيموت هذا العاقل فيورث اللهُ تبارك وتعالى ببركة عقلَه ونوره وضياءه ونفعه ووقاره وسكينته وسمته لهذا السفيه،

فيتغير حاله في الوقت فيصير وقوراً عاقلاً على سبيل سلفه هذا إنما يعاينه الإنسان بوفاة الكبير العاقل،

وتَغيُّر الحال في السفيه الجاهل.

وليس يورث غير عقله، ولكن يدركه بركة دعائه ونور علمه، ويتفضل الله تبارك وتعالى بإتمام ذلك بمنه وكرمه.

وهذه الوجوه منافعها على المِقدار ويصلح الإنسان بهذه الوجوه من العقل لصحبة الناس وينتفعون به.

ولعل هذه الوجوه تجمع فيمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر مثل الفلاسفة وحكماء الهند والروم غيرهم،

لأن هذه الأنواع من العقل إنما هي لتأييد النفوس ومعاملة أهل الدنيا على سبيل المراءاة

وأما النافع منها تمام النفع فهو العقل الموزون المطبوع بنور هداية الله تعالى. وهو اللب الذي وصفتُه حديثاً ويُسمَّى عقلا.

والعقل يعبَّر به عن العلم على وجه المجاز في سعة اللغة، ولكنْ أولو الألباب هم العلماء بالله،

وليس كل عاقل عالما بالله وأما كل عالم بالله فهو عاقل، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا ٱلْعَـٰلِمُونَ } (العنكبوت 43).

والعقل له أسماء أخر، يُسمّى حلماً، ونُهى، وحِجْراً، وحِجى،

قال الله تعالى: {إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَـٰتٍ لِّأُولِى ٱلنُّهَىٰ } (طه، 54، 128)،

وقال : {هَلْ فِى ذَ‌ٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ } (الفجر، 5).

وقال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : “لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنهــى ثم الذين يـلونهم”.

وقــد قيل إن العقل يعقل النفـس عن متابعـة الهـوى كــما يمنع العـقال الدابة من مرتعها ومرعــاهـا.

والعــقل اسـم متبدل، وهو اسم عام، ولا يستعمل تصريف هذه الأسماء إلا منه، يقال عقل، يعقل عقلاً فهو عاقل وذلك معقول عنه.

وقال الله تعالى: {إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (الروم، 24). وهو أن يعقل عن الله أمره ونهيه ومواعظه ووعده ووعيده

ويفهم مراده في الأشياء على قدر ما يوفّقه ويكشف له من تعظيم أمره واجتناب مناهيه.

وهذه كلهــا لا توجد إلا بلطف الله وحســن نظره إليه، فيفضِّله على غيره باللب الموصوف والنور المعروف.

وهو فقيه في أصول الدين وفروعه، وليس كل من يكون فقيـــهاً في الفروع فقيــهاً في الأصول،

لأن الفقه في علم الأحكام كثير وهو فقيه بالتفقه وحامل الفقه والعلم،

والفــقه اسم للعلم يعــبّر بهــذه اللــفظة عنــه، يقال فلان يتفقه ويتعلم.

وأما الفقه في حقيقته فهو فقه الــقـلب،

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رب حامل فقه لا فقه لــه ورب حامل إلى من هو أفْقه منه”.

وقال الحــكيم: “ليس بفقيه من لـم يعدّ البلاء نعمــة والرضــاء مصيبة” ،

وقال الحسن: “إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصيــر بذنبه والمواظب على طاعة ربــــه” ،

وقد بيّــنتُ في صدر الكتاب أن فقه المتعلم موضعه في باطــن الصدر،

ويزداد نوره بالتعلم والاستعمال، ويتفرّع لـه أنوار الفقه والفهم، فيستنبط بنور فقهـه مسائل،

ويقيس ما لم يعلم بما يشبهـهـا ويشاكلهــا ويقرب من معناهــا.

_________________
"يس" يا روح الفؤاد


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 60 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1, 2, 3, 4

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 18 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط