موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: كتاب منارات السائرين ومقامات الطائرين لأبو بكر الرازي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 19, 2015 11:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ومولانا محمد أول خلق الله وخاتم رسل الله وعلى آله وصحبه أجمعين ..

وهذه نفحة جديدة واختيار جديد لكتاب نادر من كتب ساداتنا الصوفية الأوائل رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وهو بالطبع لم يكتب على الشبكة العنكبوتية من قبل ، فعسى الله أن ينفع به والحمد لله رب العالمين..

ترجمة مختصرة لمؤلف الكتاب :

هو الحافظ نجم الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن شاهور الأسدي الرازي رضي الله تعالى عنه
ولد عام 564 هـ 1168 م ، وتوفي عام 654 هـ 1256 م.

ومن مؤلفاته :

1ـ بحر الحقائق والمعاني في تفسير السبع المثاني
2ـ كشف الحقائق وشرح الدقائق
3ـ معيار الصدق في مصداق العشق
4ـ سلوك أرباب النعم
5ـ تحفة الحبيب
6ـ حسرة الملوك
7ـ مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد ( بالفارسية )
8ـ منارات السائرين ومقامات الطائرين ( وهو ما سنتشرف بكتابته )
9ـ زبدة العوالي وحلية الأمالي
وغيرهم الكثير والكثير ، وهو يعد من الحفاظ والحافظ ما يحفظ مائة ألف حديث .

كتاب منارات السائرين ومقامات الطائرين

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله المتوحد في ذاته المتفرد في صفاته المبدع في مبدعاته المبديء في مخترعاته الذي خلق ببديع كلمته وصنيع حكمته أول ما خلق روح المصطفى ثم خلق منه أرواح الأنبياء والأولياء وأولي الأحلام والنهى فجعله أب الأرواح كما جعل آدم أب الأشباح ثم خلق منه العالم بما فيه إنساناً كبيراً وجعل شخص آدم فيه عالماً صغيراً ووشحه بالرحمة والرأفة ورشحه للمعرفة والخلافة وكرمه بالإعانة على حمل الأمانة وجعله مستعداً لهذا الشأن العظيم والثناء الجسيم فجعله صدف درة حبيبه المجتبى ونبيه المصطفى والمبعوث إلى كافة الورى الذي سماه محمداً وخاط خلعة النبوة على قده فجعله مقتدى وآتاه كتاباً ينابيع الحكم فوارة في درجه وشموس الغيوب طالعة من برجه فأصبح والعالم في سرباله وكل العلوم في سرباله صلوات الله عليه وعلى آله الذين هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وعلى أصحابه الذين هم ورثة موارثيه ونقلة أحاديثه وعلى أزواجه الطيبات الطاهرات أمهات المؤمنين والمؤمنات وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد : فقال شيخنا ومولانا الإمام الرباني صفوة الله وخاصته أبو بكر عبد الله بن محمد بن شاهاور الأسدي رضي الله عنه وشكر سعيه : قد التمس مني بعض خلص أصحابي ممن تمسك بذيل إرادتي ولزمني بأن أصنف كتاباً كاملاً في شرح مقامات العارفين شاملاً لكرامات السالكين جامعاً لمنازل السائرين ساطعاً لمراحل الحائرين ليكون مفيداً للمستفيد المبتدي وممداً للمستمد المنتهي سالكاً فيه طريق الإيجاز مجداً في مواعيده الإنجاز ساعياً في كشف الأغطية عن حقائقها راعياً إيراد أمثلة محسوسة لدقائقها ناصباً أعلاماً موضحة لطرائقها .

وإني وإن كنت قد صنفت قبل هذا بنيف وثلاثين سنة كتاب مرصاد العباد من المبدأ إلى المعاد وهو مستجمع أكثر شرائط الملتمس ولأرباب السلوك أكبر المقتبس ولكنه مؤلف بالعجمية وقد حرم من فوائده أهل العربية ، فأردت أن يكون هذا الكتاب مؤلفاً بالعربية الفصيحة بدلاً من العجمية المليحة ليكون على موائد فوائده العلماء المتبحرون والفضلاء المعتبرون ، فاستخرت الله وأسعفت ملتمسه وعرفت مقتبسه بقدر الإمكان بعد الإمعان مستعيناً بالله في إلمامه مستهدياً منه في إتمامه مستنبطاً معانيه من إشارات القرآن وتلويحات الأخبار ورموز المشايخ الكبار مؤسساً مبانيه على مشاهدات الأنوار ومكاشفات الأسرار من غرائب المواهب وعجائب المراتب سالكاً فيه طريقة لم أسبق إلى سلوكها وإن صنفت في هذا الباب كتب كثيرة من أرباب الحقائق وملوكها ، ورحم الله عبداً إذا عرف اعترف وإذا استنصف أنصف ، حين أوضح معالم الدين بحيث يحصل للطالب الراغب منه برد اليقين فيكون مناراً للسائرين إلى الله ومطاراً للطائرين بالله بتوفيق الله الموفق والمعين إن شاء الله رب العالمين .

وسميت هذا الكتاب بهذا الاسم ( منارات السائرين إلى الله ومقامات الطائرين بالله ) ولعمري إنه جرى بهذا الاسم قرئ بهذا الموسم فإن السائر يسير بأنوار مناره والطائر يطير بأطوار مطاره .



وجعلت للكتاب فاتحة وخاتمة ووضعت للمقامات عشرة أبواب تبركاً بقوله تعالى " تلك عشرة كاملة " ويشتمل كل باب منها على عدة فصول وهذا فهرست الأبواب والفصول :

الباب الأول : في مقام المعرفة .
وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في مقام معرفة العوام
الفصل الثاني : في مقام معرفة الخواص
الفصل الثالث : في مقام معرفة أخص الخواص

الباب الثاني : في مقام التوحيد .
وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في مقام توحيد العوام وهو مقام المبتديء
الفصل الثاني : في مقام توحيد الخواص وهو مقام المتوسط
الفصل الثالث : في مقام توحيد أخص الخواص وهو مقام المنتهي

الباب الثالث : في مقام النبوة
وهو يشتمل على عشرة فصول :

الفصل الأول : في كيفية ارتقاء الحواس الخمس إلى الحس المشترك ومنه إلى ما فوقه إلى أن يصير الروح به قابلاً للوحي
الفصل الثاني : في كيفية الوحي
الفصل الثالث : في أصناف الوحي
الفصل الرابع : في أن العقل ملك مطاع بالطبع متهييء لقبول الوحي والإيمان به
الفصل الخامس : في المنام الصادق والفرق بين المنام ووقائع القوم
الفصل السادس : في دلائل النبوة والفرق بين الرسول والنبي
الفصل السابع : في الفرق بين النبوة والكهانة
الفصل الثامن : في الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر والشعوذة
الفصل التاسع : في إثبات نبوة المصطفى صلوات الله عليه
الفصل العاشر : في فضيلة نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الأنبياء وختم النبوة به

الباب الرابع : في مقام الولاية
وهو يشتمل على ستة فصول :

الفصل الأول : في مراتب مقامات الولي
الفصل الثاني : في مقام التقوى
الفصل الثالث : في مقام الزهد
الفصل الرابع : في مقام الصبر
الفصل الخامس : في مقام الرضا
الفصل السادس : في مقام المحبة

الباب الخامس : في مقام الإنسان
وفيه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في أن الإنسان هو العالم الكبير بالروح
الفصل الثاني : في أن شخص الإنسان عالم صغير
الفصل الثالث : في تسوية القالب وتعلق الروح

الباب السادس : في مقام الخلافة المختصة بالإنسان
وهو مشتمل على ثلاثة فصول :

الفصل الأول : في ماهية الخلافة
الفصل الثاني : في اختصاص الإنسان بالخلافة
الفصل الثالث : في تفاوت الخلافة ودرجاتها

الباب السابع : في مقامات الإنسان عند رجوعه إلى ربه
وفيه أربعة فصول :

الفصل الأول : في كيفية رد الروح إلى القالب
الفصل الثاني : في رجوع الروح إلى الحضرة
الفصل الثالث : في العبور عن مقامات خواص جواهر العنصرية وهي أربعة مقامات : الترابية والمائية والهوائية والنارية
الفصل الرابع : في العبور عن خواص جواهر المركبات والنباتات في الرجوع

الباب الثامن : في مقامات النفس ومعرفتها
وفيه عشرة فصول :

الفصل الأول : في معرفة النفس وماهيتها
الفصل الثاني : في تزكية النفس عن صفاتها الذميمة
الفصل الثالث : قي صفة الكبر وعلاجها بالتواضع
الفصل الرابع : في صفة الحرص وعلاجها بالقناعة
الفصل الخامس : في صفة الحسد وعلاجها بالنصيحة والرحمة والشفقة
الفصل السادس : في صفة الشهوة وعلاجها بالعفة والاجتناب عن الشهوات والجوع
الفصل السابع : في صفة الغضب وعلاجها بالحلم
الفصل الثامن : في صفة البخل وعلاجها بالسخاء
الفصل التاسع : في صفة الحقد وعلاجها بالعفو وسلامة القلب
الفصل العاشر : في مراتب التوبة على حسب مقامات النفس وهي أربع مراتب ، المرتبة الأولى : التوبة وهي للنفس الأمارة

الباب التاسع : في معرفة القلب ومقاماته في التصفية
وفيه فصلان :

الفصل الأول : في معرفة القلب
الفصل الثاني : في مقامات القلب

الباب العاشر : في معرفة الروح ومقاماته
وفيه فصلان :

الفصل الأول : في معرفة الروح وماهيته
الفصل الثاني : في مقامات الروح

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: كتاب منارات السائرين ومقامات الطائرين لأبو بكر الرازي
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة يونيو 26, 2015 1:34 am 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

فاتحة الكتاب



اعلم أيدك الله بروح منه وأحياك بنوره أن لهذا الملتمس مقدمات ينبغي أن تعرف أولاً حتى تستفتح منها هذه المطالب ، وهي معرفة مراتب الموجودات الصادرة من مبدعها وموجدها على سبيل الاختصار وهي : الحضرة الإلهية المسماة عند بعضهم بواجب الوجود ، ونعني بواجب الوجود أن يكون وجوده من ذاته لا من غيره ووجود غيره منه فيكون كل ما سواه ممكن الوجود ، والممكن ما يكون طرفا وجوده وعدمه متساويين ، فلا بد له من مرجح طرف وجوده على عدمه والمرجح هو الله الواحد الأحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .

فصل



ثم اعلم أن العالم بما فيه من الغيب والشهادة مكون من الفيض الأول الذي عبر عنه بكلمة كن كما قال الله تعالى : " إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " وأول شيء تكون بتكوين الفيض الأول الروح الأعلى والنور الأربى وهو روح سيد الأولين والآخرين محمد المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأزكى التحيات ونوره كما قال عليه السلام : " أول ما خلق الله روحي " وفي رواية نوري وإنما قال في رواية أخرى : " أول ما خلق الله العقل " لأن العقل هو نوره بالحقيقة فافهم جداً وإنما قال في رواية أخرى : " أول ما خلق الله القلم " لأن روحه كان قلم الحق سبحانه وتعالى فكما أن القلم يستفيض من المداد للكتابة كان روحه مستفيضاً من الفيض الأول ويفيض على المكونات فكأن المكونات كتاب كتبه الله تعالى بقلم روحه ومداد أنوار فيضه الأول فلهذا السر قال النبي عليه الصلاة والسلام : " خلق الله القلم من نور ومداده النور " ، وكل عالم من العوالم المختلفة حرف من حروف كتابه ، والإنسان الكامل كلمة من كتابه مركبة من حروف العوالم المختلفة كلها كما سمى الله تعالى عيسى عليه السلام بالكلمة فقال : " روح الله وكلمته " ، وكان بهذا الاعتبار كل نبي كلمة ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم هو الكتاب كله وقد كشف القناع عن هذا السر بقوله صلى الله عليه وسلم : " لما خلق الله القلم قال له : اكتب ، قال : وما أكتب ؟ قال : اكتب لا إلا إلا الله محمد رسول الله "
يشير به إلى أنه لا مكون للمكونات إلا الله سبحانه وتعالى لأنه كونها بفيض جوده ولا وجود للمكونات إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه برسالته إلى المكونات ، استفاض من الفيض الأول وأفاض عليهم فتكونوا برسالته كما تتكون الحروف والكلمات برسالة القلم المستفيض من المداد وتبليغه إلى المصحف .

وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بتحقيق هذا المعنى في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلق الله قال : هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقامه قدامه في مقام القرب اثنتى عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثنتى عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق القلم من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثنتى عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء وخلق الشمس من جزء وخلق القمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثنتى عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء وخلق العلم والحلم من جزء والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثنتى عشرة ألف سنة ثم نظر الله إليه فترشح النور عرقاً فقطرت منه مائة ألف وعشرين ألفاً وأربعة آلاف قطرة من النور فخلق الله تعالى من كل قطرة روح نبي أو رسول ثم تنفست أرواح الأنبياء عليهم السلام فخلق الله تعالى من أنفاسهم نور الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة ، فالعرش والكرسي من نوري والكربيون من نوري والروحانيون من الملائكة من نوري وملائكة السموات السبع من نوري والجنة وما فيها من النعيم من نوري والشمس والقمر والكواكب من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري وأرواح الرسل والأنبياء من نوري والشهداء والسعداء من نتائج نوري ثم خلق الله اثنى عشر حجاباً فأقام النور وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية وهي حجاب الكرامة والسعادة والهيبة والرحمة والرأفة والعلم والحلم والوقار والسكينة والصبر والصدق واليقين فعبد الله به ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما خرج النور من الحجب ركبه الله تعالى في الأرض فكان يضيء منها ما بين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور في جبينه ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب ومن طيب إلى طاهر إلى أن أوصله إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين وقائد الغر المحجلين هكذا كان بدء خلق نبيك يا جابر .

فثبت أن المكونات تكونت بإضافة فيض نور النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو مستفيض من الفيض الأول فكان مثل روحه صلى الله عليه وسلم مع المكونات مثل البذر مع الشجر فإن أصلها وفرعها وجذعها وأوراقها وثمراتها متفرعات ونتائج من البذور فيصح عن الزراع لو قال للبذور لولاك لما زرعت الشجرة كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : لولاك لما خلقت الكون .

ثم اعلم أنه كما أن للبذر لطافة مودعة فيه بالحكمة البالغة لقبول تعلق النفس النامية التي هي من عالم الملك وله مكان من جنسه ليستقر فيه ولا بد له من مادة ليستمد منها المدد لاستكمال الشجرة وهي الأرض فكذلك كان لروح محمد صلى الله عليه وسلم لطافة مودعة فيه لقبول تعلق الفيض الإلهي به وهو غير جنس روحه وله مكان من جنسه ليستقر فيه وهو الوجود الروحاني ولا بد له من مادة يستمد منها لاستكمال شجرة المكونات وهي الفيض الأول أعني أمر كن فإنه يمده إلى الأبد ثم نقول : الأمر بالنسبة للآمر هو الفيض الأول وبالنسبة إلى المأمورات فهو المفيض وأول فيضه الروح كما قال الله تعالى : " قل الروح من أمر ربي " فبهذه النسبة فالروح هو الفيض الأول ومنه ينشأ عالم الأرواح بأسره فروح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاعتبار آدم الأرواح وأبوها كما كان آدم عليه السلام آدم الأشباح وأباها .

فصل



ثم اعلم أن أقسام المكونات تنقسم إلى قسمين : روحانيات وجسمانيات وقد تسمى بالغيب والشهادة وتارة تسمى بالعلويات والسفليات وأخرى تسمى بالدنيا والعقبى والآخرة والأولى ومرة تسمى بالملك والملكوت فالملك ما يظهر من الكون وتدركه الحواس الخمس وهو قابل للقسمة والتجزيء والملكوت ما بطن من الكون ولا تدركه الحواس الخمس ولا يقبل القسمة والتجزيء لأنه ليس بجسم ولا عرض بل هو جوهر قائم بذاته والدليل عليه أن الجسم إذا قبل صورة ما لم يمكنه أن يقبل صورة غيرها من جنسها إلا بعد أن يخلع الصورة الأولى ويفارقها على التمام ومثال ذلك أن الفضة إذا قبلت صورة الجام لم يمكنها أن تقبل صورة الكوز إلا بعد أن يزول عنها صورة الجام ويخلعها خلعاً تاماً وكذلك الشمع إذا قبل صورة نقش ما لم يمكنه أن يقبل صورة نقش آخر إلا بعد أن تنمحي صورة النقش الأول وتفارقه مفارقة تامة وعلى هذا جميع الأجسام وهذه قضية صادقة مشهورة لا يحتاج فيها إلى دليل فإنا إذا وجدنا شيئاً حاله بخلاف حال الأجسام في المعنى الذي ذكرناه أعني أنه يقبل صوراً كثيرة من غير أن يبطل شيء منها تبين لنا أنه ليس بجسم فإن بان لنا أنه كلما كثرت هذه الصور فيها ازدادت قوة على قبول غيرها ثم جرى ذلك منها على هذا النظام إلى غير نهاية ازددنا بصيرة ويقيناً أنه ليس بجسم فالروح الإنساني الذي هو من الملكوت الأعلى بهذه الصفة وذلك أنه إذا قبل صورة معقول ما أو ثبتت تلك الصورة ازداد بها قوة على تصور معقول آخر إليها من غير أن تفسد الصورة الأولى ثم كلما كثرت صور المعقولات فيه اقتدر بها على قبول غيرها وقوي في هذا القبول قوة متزايدة بحسب تزايد المعقولات .

فصل



ثم إنه من الأمور المسلمة أن الإنسان إنما تميز عن البهائم وغيرها بهذا المعنى الموجود له لا بتخاطيطه ولا بشيء من أشكاله البدنية ومن الدليل على أن ذلك كذلك أن هذا المعنى هو الذي يقال به فلان أكثر إنسانية من فلان إذا كان فيه أبين وأظهر ولو كانت الإنسانية بالتخاطيط وغيرها من جملة البدن لكان إذا تزايدت في إنسان قيل بها فلان أكثر إنسانية من فلان ولسنا نجد الأمر كذلك وبهذا المعنى الذي ذكرناه يسمى مرة بما نسميه روحاً إنسانياً ومرة نفساً ناطقة ومرة قوة عاقلة ومرة قوة مميزة ولسنا نشاح في الأسماء فليسم بأي اسم كان ولكن الاسم الذي به سماه الله تعالى ورسوله أولى به وأليق وهو الروح ومما يدل أيضاً أن هذا المعنى ( أي الروح ) ليس بجسم ، أن جميع أعضاء الإنسان وغيرها من الحيوان صغر فيه أم كبر ظهر منه أو بطن إنما هو آلة مستعملة لغرض لم يكن يتم إلا بها وإذا كان البدن كله آلات ولكل آلة منها فعل خاص لا يتم إلا بها اقتضى مستعملاً يستعمله كما نجد آلات الصائغ والنجار وغيرهما وليس يجوز أن يقال : إن بعض البدن يستعمل بعضه هذا الاستعمال لأن ذلك البعض الذي يشار إليه ويظن أنه يستعمل الآلات الباقية هو أيضاً آلة وجزء من آلة وجميعها مستعملة فمستعملها غيرها وإذا كان مستعملها غيرها ولم يكن جزءاً منها وجب أن يكون غير جسم ليتم له ألا يشغله مكان الجسم ولأن آلات الجسمية في مواضعها لأنه لا يحتاج إلى مكان ويستعملها كلها على اختلاف الأغراض المستعملة فيها في حال واحد من غير غلط ولا عجز ليتم من الجميع أمر واحد فإن هذه الأحوال ليست أحوال الأجسام ولا موضوعة في أحكامها .

ثم نقول إن الروح ليس بعرض ولا مزاج لأن المزاج والأعراض توجد في الجسم كلها تابعة للجسم والتابع للشيء هو أخس منه وأقل حظاً من الوجود لأنه لا يوجد إلا بوجوده فإن كان أخس منه فكيف يستخدمه ويستعمله كما يستعمل الصانع آلته ويصير رئيساً عليه ومتحكماً فيه هذا قبيح شنيع .

ثم نشرع في شرح المقامات .

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 11 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
cron
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط