موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الإغلاق على المعترضين على الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء سبتمبر 27, 2016 8:32 am 
غير متصل

اشترك في: الأربعاء فبراير 03, 2010 12:20 am
مشاركات: 8010
الإغلاق على المعترضين على الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق

بقلم

خادم العلم الشريف

د/ عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري






بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على سيد ولد عدنان من بعثه الله بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا وعلى آله الغر الميامين، وأصحابه، والتابعين رضي الله عنهم أجمعين.


أما بعد :


فقد سبق لي منذ قرابة عام تحقيق وطبع القطعة المفقودة من مصنف الإمام عبدالرزاق الصنعاني، وقد قمت بالعناية بهذه القطعة حسب أصول التحقيق العلمي التي تعلمتها إبان دراساتي العليا بقسم الحديث بجامعة أم القرى وغيرها، ثم دفعت بها بعد ذلك للطباعة راجيًا من الإخوة الباحثين إبداء النظر في العمل فإن العلم رحم بين أهله، وقد قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى ... } الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( الدين النصيحة)).

ولذا كان عندي أمل - ولا زال - في التعاون على البر والتقوى وإبداء النصح في نطاق سماحة الأخلاق الإسلامية، مع كل طالب علم، إن شاء الله تعالى.


بيد أن جماعة من المتطرفين وهم في نظرنا على قسمين: متطرفون رغبة في الارتزاق وبسبب العمل والمجاورة، ومتطرفون أصليون، وكلا القسمين ركب مركبًا بعيدًا عن النقد العلمي الصحيح، البعيد عن يسر وسماحة الإسلام، وتحسين الظن بالمسلمين، فأخذوا يكيلون الذم لنا ولأصحابنا بشتى الطرق حتى اتهمونا بالعظائم والشنائع انتصارًا لأهوائهم ولحاجة في أنفسهم نسأل الله لنا ولهم العافية والسداد.


وكان مركبهم يجدف بمجدافي الغل والحقد من ناحية، والخيانة والبهتان من ناحية أخرى، ونحن لا يخيفنا هذا ولا ذاك، وإنما نسعى في طريقنا الذي نعتقده صوابا، رضي من رضي وسخط من سخط، والقافلة سائرة بإذن الله تعالى، والعاقبة للمتقين.








وها أنا - بفضل الله تعالى - أتقدم لإخواني المحبين، وأعتذر عن التأخير بسبب مشاغلي الكثيرة، وأقول وبالله التوفيق :



لا شك أن من المعروف عند المشتغلين بالحديث الشريف أن مصنف عبد الرزاق الصنعاني ، قد طبع ناقصًا قطعة من أوله وأخرى من وسطه، وذكر هذا محققه الأول الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله تعالى ، وقد بينته في التحقيق ، وقد بحثت عن هذه القطعة في مظان وجودها بدور الكتب بمصر والمغرب واليمن وتركيا، ومصوَّرات دور البحوث العلمية، وبعد جهد وعناء حصلت على مجلدين من مصنف عبد الرزاق، وفي المجلد الأول عثرت على القطعة المفقودة من المصنف ، وبينت في التحقيق أنها وردت إلي من بلاد ما وراء النهر ، ولقد بقيت النسخة عندي عاماً كاملاً عرضتها على الكثير من أهل الاختصاص ، فأبدوا رأيهم بثبوتها وأنها جديرة بالتحقيق ، وأبديت رأيي المذكور في مقدمتي للجزء المحقق من المصنف .



وتبعًا لذلك توجهت إلى المدينة المنورة والتقيت ببعض خبراء المخطوطات الذين كانوا يعملون بمكتبة عارف حكمت الحسيني فأخبروني بوجود خطوط مشابهة لخط المخطوط الذي بين يدي كتبت في القرن العاشر الهجري ، وأوقفوني على عدد من تلك المخطوطات فاستبشرت خيرًا .


ثم سألت الثقات من أهل العلم والفضل والخبرة من البلاد التي وردتنا منها المخطوطة عن نوعية ورق المخطوط ؟ فأخبروني بأن هذا الورق قد فقد منذ حوالي ثلاثمائة سنة على الأقل ، وأخبروني بأن المخطوط الذي بين يدي منقول عن أصل قديم ، فطلبت الوصول إلى الأصل والحصول عليه أو على صورة منه، فعلمت أن الأصل فقد في الحروب التي وقعت ببلاد الأفغان أخيرًا ، عند ذلك عاودت سؤال أهل الاختصاص فأجمعوا على أن المخطوط درة يتيمة في بابها، ومن الأمانة إخراجها.



ـ وبناء على المعطيات السابقة والاستخارة والاستشارة عزمت على تحقيق المخطوط ملاحظاً الأصول العلمية الآتية :


‌أ- جمع النسخ والمفاضلة بينها مع اعتبار المتقدمة تاريخيًا من المؤلف والاعتماد على النسخة الأم والرمز لها والمقابلة مع بقية المخطوطات استدراكًا لما قد يقع في النسخة المعتمدة من نقص .
‌ب- البحث عن خط المؤلف .
‌ج- البحث عن مخطوطة كتبت في عصره وقرئت عليه.
‌د- أن تكون على النسخة سماعات.
‌ه- أن تكون المخطوطة كتبت قريبًا من عصر المؤلف.
‌و- وأن يرى في المخطوط آثار المقابلة كمثل دائرة وبها نقطة .



لكن وجود هذه الشروط ليس مطردًا ولا لازمًا، وإذا لم توجد تلك الشروط والحاجة ماسة إلى تلك المخطوطة اكتفي بالموجود ؛ فإن ما لا يدرك كله لا يترك جله، تنـزلا لإظهار ما كان الباب محتاجًا إليه كما هو الحال في الحديث الضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره وجرى العمل به ، دون إلزام الآخر به مع التحري المستمر لعدم مخالفة مقاصد الشريعة الغراء .


وكم من كتاب طبع على أصل واحد فقط بل وليس عليه سماعات ، بل إنني لم أبتعد عن الحقيقة إذا قلت إن كثيرًا من كتب السنة المشرفة وغيرها والتي طبعت في أوائل وأواسط القرن الرابع عشر بالمطبعة الأميرية بمصر لم تعرف أصولها.


وقد اتبعت الأصول العلمية في التحقيق ولست غرًا في هذا الشأن، بل إن لي فيه صولات وجولات ، واشتغلت به زمناً وتجلى ذلك واضحًا في أعمالي العلمية فقد كانت رسالتي للماجستير (( تحقيق الجزء الخاص بسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه من كتاب الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري )) ، ورسالتي للدكتوراه كانت في تحقيق كتاب (( استجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذوي الشرف)) للحافظ السخاوي ، إضافة إلى الكتب والبحوث العلمية المحكمة والمقدم لها من كبار أهل العلم ككتاب (( لباب النقول في طهارة العطور الممزوجة بالكحول )) والذي اعتمد من قبل مجمع الفقه الإسلامي، وكتاب التأمل في حقيقة التوسل، وكتاب العقيدة ، والعديد من البحوث والمؤلفات.



وقدَّم للعمل المذكور أخي الدكتور محمود سعيد ممدوح، وتقديمه كان للعمل فقط، وليس لمفرداته ولكل رأيه ونظره .


وبعد إخراج هذا العمل بقرابة شهرين فوجئت بضجة من المخالفين امتلأت بها مواقع (الانترنت ) حول الكتاب، باعتراض ونقد مقرونين بقاموس من الشتائم والسباب والدعاوى الباطلة عليَّ وعلى المقدِّم للعمل ، وقد تجاوزت كل ذلك وفوضته إلى الله تعالى وخرجت من كلام المعترض بأمرين اثنين لهما تعلق بالعلم أجيبه عليهما بإذن الله:


الأمر الأول: زعمه أن النسخة مزورة.

الأمر الثاني: ادعاؤه أن أسانيد القطعة مركبة.



أما الأمر الأول: زعمه أن أسانيد النسخة مزورة .


فجوابه أخي القارئ:


إن المعترض قد بلغ غاية قصوى من البعد والشطط ، فادعى عليَّ وعلى المحدث محمود سعيد ممدوح كذبًا وزورًا، تزويرنا للقطعة المعنية من مصنف عبد الرزاق ، ثم لما تبين له خطؤه البين وتسرعه الفادح تراجع عن هذه الدعوى وتناقض مع نفسه، فأبطل قوله بنفسه، لأن هذا القول ظاهر البطلان حتى على الحدثان من الناس لعدة أمور:



أ- إن المخطوط جاءنا من بلاد ما وراء النهر فلا مدخل لنا فيه البتة، ومثله كمثل أي مخطوط يحصل عليه المحقق ثم يدفعه للطباعة بعد العناية به، والمخطوط بين يدي، وقد كتب قبل أن أولد قطعًا.


ب - هب أن القطعة المذكورة موضوعة ، فراوي الموضوعات ليس بوضاع ، وما زال الأئمة الحفاظ يروون الأحاديث المسندة بل والمعلقة الموضوعة بدون تنبيه عليها، ويكتفون بإبراز الإسناد أو تعليقه فقط ، وقد حوت كتب الحفاظ المتأخرين كأبي نعيم الأصبهاني، وأبي بكر الخطيب البغدادي بل من قبلهم كابن عدي والعقيلي والسهمي وغيرهم الكثير من المنكرات والواهيات والموضوعات ، كما أن هناك رسائل كثيرة قد حققت في المحافل العلمية ثم تبين بعد ذلك عدم صحة نسبتها إلى مؤلفيها، هل سمعنا يومًا أن سحبت الرسالة عن المحقق واتهم بالكذب والتزوير هو ومشرفه وجامعته؟! يا له من عجب، يتلوه عجب.



فكتاب السنة المنسوب لعبد الله بن الإمام أحمد قد أخذت عليه الدكتوراه من جامعة أم القرى ولم تصح نسبته إلى الإمام عبد الله ، وكذلك كتاب الحيدة المنسوب لعبد العزيز الكناني المحقق في الجامعة الإسلامية ، وكتاب الرؤية للدارقطني ، وكتاب الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل , وكتاب إثبات الحرف والصوت للسجزي المحقق في الجامعة الإسلامية ، ومن هذا الباب كتب ورسائل وروايات نسبت لأحمد بن حنبل وغيره.


ج - هناك فرق بين طبع ونشر الكتاب وبين روايته ، فإن رواية الحافظ الثقة للموضوعات والواهيات والمنكرات مع الاكتفاء بسياق الإسناد طريقة معهودة في إثبات البراءة لكن الأولى والأحسن للعارف الكشف والبيان .



أما تحقيق الكتب فليس هو من الرواية في شيء ، ولا هو إذن في الرواية، ثم إن غالب الناشرين والمحققين إن لم يكن كلهم لا يملكون أهلية النظر والحكم الصحيح على المتون من خلال الأسانيد .


وقد رأيت بعض المعترضين سارعوا بالطعن فيَّ، وفي عملي ، وبعون الله ومشيئته سأحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم في إحباط مطاعنهم .

الأمر الثاني : ادعى المعترض أن أسانيد النسخة مركبة واستدل على دعواه بخمسة عشر دليلا ملخصها على النحو التالي :


1- زعمه بأن المخطوط مزور من حيث خطه فخطه ليس من كتابات القرن العاشر بل خطه من جنس خطوط الطبعات الحجرية في القرن الماضي في الهند.
2- زعمه بأن كلمة (الطاوُس)، وكلمة (الملئكة) ليستا من خط القرن العاشر.
3- زعمه بأن النسخة لا سند لها ولا سماعات عليها، وأنه لم تجر العادة بالنص على التأريخ الهجري ـ كما في المخطوط ـ إلا في آخر أيام الخلافة العثمانية.
4- اعتراضه على بدء الكتاب في هذه النسخة بباب في تخليق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكتاب مصنف عبد الرزاق كتاب أحكام يبدأ بكتاب الطهارة.
5- اعتراضه علي أنني ذكرت إسنادي لمصنف عبد الرزاق في أول التحقيق لأوهم القراء بأن الكتاب الذي بين أيدينا متصل الإسناد.
6- اعتراضه أن أول حديث أورده عبد الرزاق في الباب حديث ركيك الألفاظ والمعاني ظاهر البطلان.
7- زعمه بأن أحاديث هذه النسخة من التراكيب الأعجمية والمتأخرة وهي داخلة في اختلاق المتون مستشهدًا على دعواه بتسع نقاط :


النقطة الأولى : حديث رقم (7) الذي جاء فيه: (وأنورهم لونًا) ، حديث رقم (9) وفيه: (كان أحلى الناس وأجملهم من بعيد).
النقطة الثانية : حديث رقم (10) وفيه: (كان البراء يكثر من قول اللهم صل على محمد وعلى آله بحر أنوارك ومعدن أسرارك) ، وزعم أنها صوفية بحتة ومنتزعة من دلائل الخيرات .
النقطة الثالثة : حديث رقم (11) حديث رقم (12) عند قوله (اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نورًا) وزعمه أن لفظ السيادة غير وارد في الصدر الأول.
النقطة الرابعة : حديث رقم (13) وأنه تركيبة صوفية منتزعة من دلائل الخيرات.
النقطة الخامسة : حديث (14) وحديث (15) زعم علي في تعليقي أن ابن أبي زائدة هو يحيى بن زكريا وأنه خبط عشواء بينما الذي يروي عنه معمر هو زكريا والد يحيي ثم عرج علي بانتقاد حديث رقم (16) بسيئ من القول أعرضت عنه جانبًا .
النقطة السادسة : زعم المعترض أن معمرًا لم يرو عن ابن جريج كما في حديث رقم (10) .
النقطة السابعة : زعم المعترض أن رواية معمر عن سالم عن أبي هريرة تركيبتان مختلقتان .
النقطة الثامنة : زعم المعترض على حديث رقم (36) أن (ليث) ليس من شيوخ معمر.
النقطة التاسعة : زعم المعترض في حديث رقم (20) بأن الزهري لم يدرك (ربيح)، وأن المتابعة فاتت على الحفاظ حتى أدركها المحقق ومحمود سعيد ممدوح.

8- ادعاؤه أن في الكتاب أحاديث نقلت من مصنف ابن أبي شيبة.
9- ادعاؤه أن في الكتاب أسانيد مركبة تدل على بعد المزور عن المعرفة الحديثية.
10- قوله في شأن حديث جابر رضي الله عنه وزعمه بأنه موضوع.
11- ادعاء المعترض بأن حديث جابر يتعارض مع القرآن.
12- استشهاده بحديث عرق الخيل على أني أروي المنكرات.
13- طعنه في تخريجاتي الحديثية وربط خروج الجزء المحقق من المصنف بأحداث الدنمارك ! .
14- استشهاده بشهادة أديب الكمداني وجعلها دليلاً على تزوير المخطوطة.
15- ادعاؤه علي بأن دعواي في إتقان الناسخ زعم غير صحيح.
16- طعنه في توثيق السادة الغمارية للعارف بالله المجدد سيدي محي الدين بن عربي الحاتمي قدس سره .


هذه ستة عشر مطعنًا في النسخة المذكورة أوردها المعارضون وسأرد عليهم بعون الله تعالى وأترك السب والشتم والتجريح جانبًا، لأنه ليس من سمات المسلم عوضا عن أهل العلم .


الجواب على النقاط المتقدمة على النحو الآتي:



أولاً: زعمه أن المخطوط مزور من حيث خطه، فخطه ليس من كتابات القرن العاشر بل خطه من جنس خطوط الطبعات الحجرية في القرن الماضي في الهند.

جوابه أخي القارئ : ما صرحنا به في المقدمة من ترجيحنا لكون المخطوط منقولاً عن الأصل الذي كتب في القرن العاشر.

ومع ذلك فإن خطه يشبه بعض خطوط القرن العاشر، وهذا ما رأيناه في مخطوطات مشابهة، وأتينا بصور لها بعد أن أثبتناها في مقدمة التحقيق .

وهذا المعترض قد هدم ما أتى به علينا فقال ما نصه : (وعليه فإن خطوط القرن العاشر في النسخ والثلث لا تختلف عن خطوطنا نحن اليوم، فلماذا يتحكم الحميري في أن خط المخطوط هو خط القرن العاشر فقط ؟) .

فقوله : (لا تختلف عن خطوطنا نحن اليوم) تصريح منه باحتمال كون المخطوط من كتابات القرن العاشر، وهذا متوقع ومحتمل .

ثم إنه ليس من علامات الوضع أن تأتي النسخة من عند القادرية أو النقشبندية أو غيرهم، وكم من مخطوطات جاءتنا من أوروبا وروسيا وأمريكا واعتمدناها ، فهل نقول بوضعها بمجرد الحدس والتخمين الذي يوقعنا في هتك حرمة المسلم .


فلو أراد قادرية الهند أو غيرهم التزوير لأتوا بورق قديم من كتاب قديم ولغسلوه وكتبوا عليه، وقلدوا خطه القديم وطرزوه بسماعات تجعل من الصعب جدا اكتشاف عملهم ، ولكنهم قوم محبون صالحون ، إلا أن الحانقين يسارعون بإيهام أنفسهم وإيهام القارئ بأنهم على حق ، ثم إن قضية حديث جابر ليست قضية بلاد ما وراء النهر التي وردت منها النسخة المعنية ، حتى يعرضوا أنفسهم للوضع والتزوير، فأمرهم معلوم طيلة الحقبة التاريخية .



ثم إن ما تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ، فحجته مردودة عليه، وقد رجع الأمر عليه، ثم تراجعه عما أورده عن أديب الكمداني لا يفيد في المسألة شيئاً لأننا لسنا في نقل أحاجي تعتمد على الأقاويل دون البراهين والحجج، فاختر لنفسك سبيلاً فالأمر جدُ خطير .


ثانيًا: أما عن تعلقه بكلمتي (الطاوُس) و (الملائكة).

فجوابه أخي القارئ

: أن كلمة الطاوُس حرفها المعترض فقرأها بالهمزة على الواو بدلاً من أن يقرأها بالضمة على الواو، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم معرفته حتى في قراءة المخطوط ، لأن الحقد أعماه والجهل أطغاه ، ثم إنه قد جرت العادة في الخط في كلمة {داود} أنها تلفظ واوين وترسم في الخط واوًا واحدةً عليها ضمة، وكذلك القياس في كلمة طاوُس.

أما إضافة واو ثانية في (طاووس ) فقد جاء به العمل في كتب معروفة منها كتاب مسالك الأبصار ، وهو الحال في {شؤون} فالبعض يكتبها واوين بهمزة على الأولى، وفي القاعدة المصرية تكتب واوًا عليها همزة ، وبعض المعاصرين يكتبها هكذا ( شئون ) ، والأمر فيه سعة . انظر نموذج رقم (1) .


أضف إلى ذلك أن كلمة ( طاؤس ) بهمزة على الواو قد وردت في كتاب معرفة علوم الحديث للإمام الحاكم النيسابوري رحمه الله ص ( 104 ) ، وكذلك وردت في كتاب فتح المغيث للإمام السخاوي ( 1 / 212 ) . فهل الإمام الحاكم يعترض عليه بمثل ذلك الاعتراض ؟ وهل الإمام السخاوي أعجمي كذلك ؟! أم أن الذين حققوا الكتابين أعاجم؟! ، هذا بهتان عظيم .


أما ( الملائكة ) فقد نقلها المعترض محرفة أيضاً ، وهي في المصنف برسم المصحف بإثبات همزة الوصل وحذف الألف بعد اللام الثانية ورسم الهمزة المكسورة بعدها ياء ووضع مجعودةِ عليها وبرسم التاء في الآخر تاء مربوطة (مكانك تحمدي أو تستريحي) .

ثالثًا: وفيه أمران :


أـ قوله إن النسخة لا سند لها ولا سماعات : فمن المعلوم بأن عشرات الأجزاء والكتب الحديثية طبعت على أصول لا تحوي سماعات ولم تعرف لكاتبها ترجمة ولم يكتب عليها إسناد ، بل طبعت على أصل واحد فقط ، مثل نوادر الأصول للحكيم الترمذي ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ، ووسيلة المتعبدين لابن الملا ، وغيرها. انظر نموذج (2)


ب ـ قوله إن النسخة أُرخت بالتاريخ الهجري ، ولم تجر العادة للتأريخ الهجري بالنص على إضافته للهجرة النبوية إلا في آخر الدولة العثمانية !! .

أقول : هذا جهل وسقوط للحجج من يد المعترض ، والواقع يكذبه ، فدونك نماذج من مخطوطات أُرخ لها بالتاريخ الهجري ، كقول العمري : (سنة سبع وتسعين وستمائة للهجرة الطاهرة النبوية) وغير ذلك ، وهي قديمة كتبت في القرون السادس والثامن والتاسع .
انظر نموذج (3) .


رابـعًا : زعم المعترض أن مصنف عبد الرزاق كتاب أحكام يبدأ بكتاب الطهارة، بينما النسخة التي طبعناها بدأت بباب في تخليق نور محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فجوابه من وجوه:


الأول: أن هذا قائم وواقع ، ولا يلزم من اقتصار الكتاب على أحاديث الأحكام ألا تكون فيه أبواب وأحاديث في غير الأحكام ، فهذا شرط يحتاج منك إلى دليل ، فليس من شروط المصنفات ما ذكرت.
وانظر مصنف ابن أبي شيبة مثلاً تجده لم يقتصر على الأحكام فقط بل ذكر فيه المغازي ، والسير ، والمناقب ، والأوائل ، والزهد ، وصفة الجنة ، وغير ذلك ، ولصاحب الكتاب أن يبدأ بما شاء وأن يقدم ويؤخر ما شاء .


الثاني : أما احتجاجه بما نقله عن كشف الظنون : فمن المعلوم أن مصنف هذا الكتاب يذكر أسماء الكتب ومؤلفيها دون تفصيل القول في محتويات تلك الكتب ، فكونه ذكر أن هذا المصنف مبوب على كتب الفقه لا ينفي وجود أبواب أخرى فيه كما أسلفنا، ومن المعلوم أيضًا أن الصحاح والسنن مرتبة على أبواب الفقه ومع ذلك منها ما يبدأ بكتاب الإيمان وأخرى بكتاب العلم وغير ذلك مما لا يحتاج إلى بيان .


وأما نقله عن ابن خير الإشبيلي في فهرسته ص129 عن الحافظ أبي علي الغساني تسمية أبواب المصنف في رواية ابن الأعرابي عن الدبري للكتاب وأنه بدأ بكتاب الطهارة، فاعلم أن ابن خير الإشبيلي لم يؤلف كتابه هذا في وصف الكتب فضلا عن وصف أبوابها وما تبدأ به، إنما وضعه فيما قرأه على أشياخه، ولما ذكر رواية ابن الأعرابي التي ذكرها المعترض قال : (منه الطهارة والصلاة، والزكاة، ومنه العقيقة، والأشربة.... الخ)، فقوله : (منه) إشارة منه إلى الأبواب التي أخذها عن شيخه ولم يقل بدأ المصنف بكتاب الطهارة، وليس في عبارته ما يشير إلى الجزم بما زعمت ، لأن كلمة (منه) تفيد التبعيض ليس إلا.


الثالث: أن أصحاب المصنفات لم يشترطوا البدء بباب معين أو حديث معين ، كما لم يشترطوا عدم إيرادهم أحاديث بعينها أو أبواب بخصوصها، وقد ذكر السيـد الـمحدث محمد بن جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة من ص 39 إلى 41 ما نصه : (ومنها كتب مرتبة على الأبواب الفقهية مشتملة على السنن وما هو في حيزها أو له تعلق بها بعضها يسمى مصنفًا وبعضها جامعًا وغير ذلك) ا هـ .


فانظر أخي القارئ الكريم في التعريف المتقدم في قول الشيخ الكتاني: (وما هو في حيزها أو له تعلق بها) هل استثنى الشمائل النبوية؟ أو اشترط البدء بأبواب محددة أو غير ذلك ؟ لا ، بل ترك الأمر بحسب الاختيار ورغبة كل مصنف .


فهذا مصنف بقي بن مخلد قد أكثر فيه من فتاوى الصحابة والتابعين فهل خالف أصول المصنفات !! . وهذا البخاري قد ابتدأ كتابه التاريخ الكبير باسم محمد وقد خالف طريقة العلماء في البدء بحروف المعجم وأولها الألف ، فهل البخاري أخطأ ؟ لا، ولكن ذلك اختياره وهو صاحب الكتاب، وكذلك سنن ابن ماجه قد بدأ بتعظيم سنة الرسول، وفضائل أصحاب الرسول ، وعبد الرزاق رحمه الله كذلك كان هذا اختياره ، فلا مشاحة في الاختيار .


الرابع: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والقطعة المفقودة من المصنف في حكم العدم بالنسبة للمعترض ، فكيف يستدل المعترض إن كان عاقلاً بالعدم .



خامسًا: وأما زعم المعترض أنني ذكرت إسنادي لمصنف عبد الرزاق في أول التحقيق لأوهم القراء بأن الكتاب الذي بين أيدينا متصل الإسناد .


فجوابه أخي القارئ :

أن هذا الاعتراض ضرب من التخريف ، فنحن ذكرنا إسنادنا لمصنف عبد الرزاق كله ، وليس لهذه القطعة فقط ، ثم إن ذكر الإسناد لأي كتاب لا يعني صحته أو ضعفه أو وضعه ، ومثل هذا الاعتراض محله كتب أخبار الحمقى والمغفلين ! .

سـادسًا: زعم المعترض أن أول حديث ورد في الباب حديث ركيك الألفاظ والمعاني ظاهر البطلان وفيه كلمتان :

الأولى: أن وجود الحديث أو الأثر الباطل أو الموضوع لا يعني أن الكتاب مُختَلق مزور ، وإلا كانت معاجم الطبراني ومصنفات أبي نعيم والديلمي مزورة مختلقة ، والأمر ظاهر لكل ذي عينين، وزعم المعترض عدم حكمي على الحديث دليل على جهله بطرق الاعتراض ؛ لأني توقفت عن الكلام على صحة السند ، أما المتن فلم أتعرض له ، وهذا أسلوب كثير من الأئمة كالإمام الهيثمي في كتاب مجمع الزوائد وغيره من أهل العلم .


الثانية: أن أول ما جاء في القطعة التي طبعناها هو أثر وليس حديثًا مرفوعًا، كما ادعى المعترض الذي أراه يهوي مع اعتراضاته المتتابعة، فهذه مسألة يعرفها المبتدئ عوضًا عن الناقد ! .


سـابعًا: زعمه بأن أحاديث هذه النسخة من التراكيب الأعجمية والمتأخرة وهي داخلة في اختلاق المتون مستشهدًا على دعواه بتسع نقاط .


فجوابه أخي القارئ على النحو الآتي :


النقطة الأولى : زعم المعترض بأنه لم يرد في لغة العرب ( أنورهم لوناً ) وأنها أعجمية بحتة ! .
وأرجو من القارئ الكريم أن يفتح كتاب لسان العرب ليرى كلمة ( أنور ) ، فقد نقل صاحب لسان العرب 5/ 242 عن هذه الكلمة ما نصه : ( وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم : أنور المتجرد أي نير الجسم . يقال للحسن المشرق اللون : أنور، وهو أفعل من النور ) اهـ .


وجاء في اللسان 4 / 231 عند كلمة ( زهر ) : ( الأزهر من الرجال : الأبيض العتيق البياض النير الحسن وهو أحسن البياض كأن له بريقاً ونوراً يزهر كما يزهر النجم والسراج . قال ابن الأعرابي: النور الأبيض، وورد عن علي كرم الله وجهه كان أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ) ، وقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون) . انظر البخاري 2/138، وسيرة ابن كثير ص19 . ا هـ .


أما عن زعم المعترض بأنها لم ترد في كتب الشمائل ! فكونها لم ترد ليس دليلاً على عدم وجودها وإلا لما وجدت زيادات الثقات ، ولما وجدت كتب الغرائب والفرائد في هذا الفن .


النقطة الثانية : أما في ادعاء المعترض بأن أسانيد هذه النسخة مركبة واستشهد بحديث رقم (28 ) قال عبدالرزاق: أخبرني الزهري... وقال: هذا كذب فعبد الرزاق لم يدرك الزهري أصلاً ، وأن حديث رقم (2) من قول ابن جريج أخبرني البراء الصحابي وهذا كذب، فابن جريج من أتباع التابعين..!.


فجواب الإشكالين أخي القارئ على النحو التالي:


الإشكال الأول: قول المعترض أخبرني الزهري كذب .

أقول وبالله التوفيق :
إن ذلك السقط متوقع إذا كانت النسخة فريدة، فعبد الرزاق يروي بواسطة عن الزهري كما هو معلوم ، فيحتمل بلا شك وقوع سقط من الناسخ، والقائل ((أخـبرني)) هو شــيخ عبد الرزاق الذي سقط من الإسناد وذلك محتمل، ثم إن هذا الحديث يقع تحت شرط الخطة التي أوردتها في المقدمة حيث قلت : (إذا لم أجد الحديث مخرجا قمت بدراسة السند والحكم عليه) ا هـ ، وهذا الحديث قد أخرجه العلماء في كتبهم فلم أدرس سنده دراسة تامة بل اكتفيت بالترجمة المبدئية للأعلام فقط لا دراسة الإسناد وتحقيقه .


الإشكال الثاني : قول المعترض أخبرني البراء كذب .


أقول وبالله التوفيق :
عطف على بدء في حل الإشكال الأول بأن يقال هنا ما قيل في الإشكال الأول أن النسخة نـادرة ، فلا شك أن السقط حصل من الكاتب في الواسطة بين ابن جريج والبراء لا محالة ، ثم إن هذا الحديث يقع تحت شرط الخطة التي أوردتها في المقدمة ما نصه : (إذا لم أجد الحديث مخرجا قمت بدراسة السند والحكم عليه، وهذا الحديث قد أخرجه العلماء في كتبهم فلم أدرس سنده دراسة تامة بل اكتفيت بالترجمة المبدئية للأعلام فقط لا دراسة الإسناد وتحقيقه)، وبعد الدراسة يحتمل احتمالا كبيرًا أن الساقط من الإسناد هو الزهري ، وأن هذه الرواية من إجازة الزهري لابن جريج قراءة بما تحصل لدي من نصوص مؤكدة على ذلك ؛ فقد نص الحافظ الخطيب في كفايته (ص434) على ذلك بسنده قال: (يحيي بن سعيد القطان : كان ابن جريج صدوقا إذا قال حدثني فهو سماع ، وإذا قال أخبرنا أو أخبرني فهو قراءة، وإذا قال : قال ، فهو شبه الريح...) ا هـ ، وأورد صاحب الجرح والتعديل 5/ترجمة 1687 عن أبي زرعة : (أخبرني بعض أصحابنا عن قريش بن أنس عن ابن جريج قال: ما سمعت من الزهري شيئًا، إنما أعطاني الزهري جزءًا فكتبته وأجازه لي ) . ا هـ.


وقد أورد صاحب المسند المستخرج على مسلم (2/440): (بما أخرجه من طريق عبد الله بن محمد ومحمد بن إبراهيم جاء فيه ثنا سعيد بن يحيى الأموي ثنا أبي قال ابن جريج أخبرني الزهري عن عمر بن عبد العزيز ... )، فقد ورد في تلك الرواية أخبرني والله أعلم، علمًا بأن الزهري قد ولد في سنة ( 51هـ ) وتوفي البراء في سنة (72هـ).


وما أوردت لك ذلك أيها القارئ الكريم إلا ليتضح لديك أن المعترض ليس له مستمسك جلي يعول عليه في سقوط النسخة المعنية حتى يحكم بوضعها، لأن الاحتمال قائم كما بيناه ، والوضع يحتاج إلى جزم لا شك فيه، والأمر إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال .
النقطة الثالثة : زعم المعترض بأن الحديث رقم (9) فيه عن سالم بن عبد الله عن أم معبد ، فسنده مركب حيث إن سالمًا لم يدرك أم معبد أصلاً.

فجوابه أخي القارئ :

أن ذلك حاصل ، وقد طفحت كتب الرواية بالأحاديث المرسلة والمنقطعة ، فلم يحجم عن روايتها ، ولم يتهم أربابها بالتزوير ، بل أخذ بالمرسل والمنقطع ، فليس ثمة إشكال إذًا ؛ إذ لم يصرح سالم بن عبد الله بالسماع ، فالإسناد فيه انقطاع ، فيسقط تعويل المعترض بإسقاط النسخة بهذه الشبهة ؛ إذ بها تسقط معظم كتب السنة ، فليتق الله قائله .



ي

النقطة الرابعة : أما تهجم المعترض على الصوفية الأبرار أمثال الإمام الجزولي ، واتهام كاتب الجزء المفقود من مصنف عبد الرزاق أنه متأثر بأحزاب الصوفية ، وأنه أخذ أحاديث من دلائل الخيرات للجزولي ، كما زعم أن كلمة : (الآل) غريبة عن الصحابة والصدر الأول خارج جلسة التشهد .


فجوابه أخي القارئ :
أن دعوى المعترض ضرب من الباطل وجهل بين ، حين زعم أن الصحابة لم يصلوا على آل النبي خارج الصلاة : فاستمع أخي القارئ لما أخرجه البخاري 3/1233: (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: بل فاهديه لي، فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة عليكم أهل البيت ، فإن الله علمنا كيف نسلم ، قال: (قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد )، وقد جاء هذا الحديث بعدة روايات في البخاري ومسلم وغيرهما مطلقًا دون تقييد بالصلاة.


فلا أدري من أين استوحى المعترض ذلك الإشكال ! فتأمل أخي القارئ .


سيما وأن ابن بشكوال قد ساق في كتاب (القربة إلى رب العالمين بالصلاة على محمد سيد المرسلين) روايات عدة في الصلاة على الآل منها : حديث رقم (12) : قالوا يا رسول الله قد علمنا السلام ، فكيف الصلاة وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: (( قولوا اللهم صل على محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على آل إبراهيم )) . وحديث رقم (14) قال : ((قولوا اللهم اجعل صلاتك وبركاتك على محمد وآل محمد .... الحديث)) ، وكلا الحديثين صحيح الإسناد.


وأما زعم المعترض بتأثر الرواة بالأحزاب الصوفية فانظر حديث (87) من كتاب ابن بشكوال في صلاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : (( اللهم داحي المدحوات وبارئ المسموكات ، وجبار القلوب على فطرتها، شقيها وسعيدها ، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك ورأفة تحننك على محمد صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك الخاتم لما سبق ، والفاتح لما أغلق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ جيشات الأباطيل كما حمل ، فاضطلع بأمرك لطاعتك مستوفزًا في مرضاتك بغير نكل في قوم ولا وهي في عزم ، واعياً لواجبك حافظا لعهدك ...)) الحديث ، وهو عند الطبراني في الأوسط (9089) ، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار ( الجزء المفقود المطبوع، برقم 352) وغيرهم . فما قولك بعد هذا؟ هل هذه الألفاظ صوفية منقولة من دلائل الخيرات ؟ أم هي دعاوى بثها المعترض؟! سامحه الله وبصره .


وكذلك ذكر مثلها الإمام المحدث ملا علي القاري في (الحزب الأعظم والورد الأفخم في أذكار ودعوات سيد الوجود صلى الله عليه وسلم) ، روايات مرفوعة وموقوفة على الصحابة والتابعين وغيرهم في صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، لو اطلع عليها المعترض لعدها من أوراد الصوفية وقد أخرجها البيهقي، والطبراني وابن أبي عاصم، وسعيـد بن منصور، وابن أبي شيبة، والطبري وغيرهم من أئمة الحديث.


أما عن السيادة:
فقد زعم بأن السلف لم يعرفوها، فاعلم أخي القارئ أن ذلك محض افتراء، فقد أخرج السخاوي في القول البديع ص126 بتحقيق الشيخ عوامة والحديث حسن كما ذكره المحقق : عن ابن مسعود قال رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا صليتم عليَّ فأحسنوا الصلاة، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يُعرَض عليَّ، قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، عبدك ورسولك، إمام الخير، وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه المقام المحمود يغبطه به الأولون والآخرون))، أخرجه ابن ماجه والقاضي إسماعيل ص58 والطبراني في الكبير (9/115) والبيهقي في الدعوات (57) كما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس له هكذا ، ورواه ابن أبي عاصم في حديث التشهد، فهل بتلك المزاعم المفتراة من المعترض تسقط النسخة؟!! .


النقطة الخامسة: زعم المعترض بأني جاهل في علم الرواية وأخبط خبط عشواء مستشهدًا على ذلك بقولي: إن ابن أبي زائدة هو يحيي ، ويدعي أنه صوب لي بأن ابن أبي زائده هو زكريا والد يحيي لأنه من شيوخ معمر!!! فسترى أخي القارئ من هو الأحق بتلك التهمة .


اعلم أخي القارئ :

أن يحيي بن زكريا قد أدرك معمرًا فقد توفي معمر 153هـ وولد يحيي سنة 121هـ ، وتوفي يحيي سنة 184هـ ، فيكون بذلك قد عاصر يحيي معمرًا وأدركه ، فتكون هذه الرواية من رواية الأكابر عن الأصاغر ، وإن سلمنا بأن بن أبي زائدة هو زكريا فلا غضاضة ، فالأمر جلي بلا ريب .


النقطة السادسة : قد زعم المعترض أن معمرًا لم يرو عن ابن جريج كما في حديث رقم (10) .

فجوابه أخي القارئ :
أن هذا زعم مفضوح مفترى ، فقد روى عبد الرزاق في تفسيره (3/13) ما نصه : عبد الرزاق قال : أنا معمر عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عائشة .... الحديث .
فانظر أخي القارئ إلى جهل المعترض وافترائه ! .

النقطة السابعة : قد زعم المعترض بأن رواية معمر عن سالم عن أبي هريرة فيهما تركيبان: رواية معمر عن سالم ، ورواية سالم عن أبي هريرة .


فجوابه أخي القارئ :
أن زعم المعترض في رواية معمر عن سالم أنه لا يجئ ، وهو تركيب في نسختنا المحققة كما يزعم المعترض ، فهو ظاهر البطلان .


أعجب من المعترض حينما يستبيح لنفسه ما لا يستبيحه لغيره، فقد ذكر في تراكيب الأسانيد تلفيقها أنه قد نظر في كتب العلل وأورد عن ابن أبي حاتم أن عكرمة عن أنس ليس له نظام ، والحسن البصري عن سهل بن الحنظلية لا يجئ ، وكذلك الزهري عن أبي حازم لا يجئ ، وكأنه يقدم لهذه النقطة التي قد أغلق بابها لخلو عصرنا من الجهابذة في هذا الفن !! .


وأستفسر من المعترض هل رأى التركيبين اللذين اعترض عليهما الحفاظ من متقدمين ومتأخرين أم فاتتهم حتى اكتشفها جنابه؟! ، علمًا بأن السير في هذا المهيع ليس بيسير . وقد انتقدَنا وعرّض بالدكتور محمود سعيد ممدوح عند حديثه عنه اختلاق المتابعات في حديث رقم (20) بأن متابعة الزهري فاتت على المتقدمين والمتأخرين حتى أدركناها، علمًا بأن هذا الأمر لم يغلق بابه حتى قيام الساعة ، فانظر أخي القارئ كيف يتناقض المعترض في أقواله ويصدق عليه المثل العربي : رمتني بدائها وانسلتِ .


ولقد أورد ابن عبد البر في التمهيد 11/111 بسنده قال : حدثنا خلف بن سعيد قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم: قال : أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن سالم عن ابن عمر.... الحديث .

ونقل ابن حزم الظاهري رحمه الله في المحلى (8/10) في كتاب النذور : وقالت طائفة من نذر أن يتصدق بجميع ماله في المساكين فعليه أن يتصدق به كله، صح ذلك من طريق عبد الرزاق عن معمر عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه..... الحديث
وقد نوهنا في نفس الحديث بأن رواية معمر عن سالم بها انقطاع.

أما زعمه في رواية سالم عن أبي هريرة بأنها مركبة وأنه لا يجئ فهو كذلك باطل.

فانظر أخي القارئ :
ما أخرجه مسلم في باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (4/2057) ، وحدثنا ابن نمير وأبو كريب وعمرو الناقد قالوا حدثنا إسحاق بن سليمان عن حنظلة عن سالم عن أبي هريرة . وانظر تهذيب الكمال (10/145) رواية سالم بن عبد الله عن أبي هريرة.


ورحم الله الإمام مسلمًا حين ساق هذا السند في باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ، وإنها كرامة لمسلم رحمه الله حينما يقع الحافر على الحافر فيجئ زعم الزاعم ومن لف لفه في هذا الأمر ، فيبين أن الزاعم وأنصاره أرباب الفتن ومأرز الجهل بمعنى الكلمة ! عافانا الله مما ابتلى به كثيرًا من خلقه، وأشكره سبحانه إذ ألبسنا ثوب فضله وألبسهم ثوب عدله .


النقطة الثامنة: قد زعم المعترض على حديث رقم (36) أن الليث ليس من شيوخ معمر، وهذا منه وقوع في التحريف وغش الأمة وعدم الأمانة العلمية التي ينادي بها ويتهمنا بضدها...!! .


والجواب:
لقد وقع المعترض بكلامه في هذا المهيع حين حرف النقل فقال: (الليث) والسند الذي في تحقيقنا عبد الرزاق عن معمر عن (ليث) وليس الليث، ولو كان المعترض من أهل العلم لوفق في النظر فيما ينقله فإن ليثًا شيخ معمر وقد طفح المصنف بالرواية عنه فانظر إلى ترجمة ليث في تحقيقنا ص 92 وإلى كتاب تهذيب الكمال للمزي (24/ 279ـ 288) ، وهو كما أثبتناه ولكن ليس للظالم من برهان !.


أضف إلى أن ترجمتنا لرجال الإسناد زيادة في البيان، وإلا فهذا الحديث لا يقع تحت شرطنا الذي وضعناه في المقدمة (إذا لم أجد الحديث مخرجًا، قمت بدراسة السند، والحكم عليه) ، وهذا الحديث لا يقع تحت الشرط وقد أخرجه ابن أبي شيبة كما هو مبين.


النقطة التاسعة : أما زعم المعترض في حديث (20) بأن المتابعة التي في الحديث قد وقف عليها المحقق وقد فاتت على الحفاظ، واعتبر ذلك من الدلالات على عدم مصداقية الجزء المفقود كما هو ديدنه.

فجوابه أخي القارئ:
ليس في زعم المعترض دليل على ما ذهب إليه، فقد فاتنا أمر السند، وللأمانة العلمية لابد من بيان ذلك، ومع هذا فليس في ذلك مطعن في مصداقية النسخة، فعبد الرزاق يروي عن معمر عن الزهري عن أبي سعيد، فقد سقط من الناسخ (ابن) وهو ربيح أو سعيد كما بين في التحقيق، ولا شك أنه عاصر الزهري، فإن أبا ربيح قد أدرك الزهري، وذلك أن الزهري توفي 125هـ ووالد ربيح توفي سنة 112هـ ، فيكون الزهري قد أدرك والد ربيح ، ولكن المشكلة مع المعترض أنه إذا لم ير في تهذيب الكمال راويا في من روى أو روي عنه لم يعتبره...! وهذا منهج لم يعرفه أهل هذا الفن، فإن استقراء الإمام المزي في تهذيب الكمال ليس استقراء تامًا لأن العادة تحول دون ذلك، فإذا لم يجد المحقق اسمًا من رجال السند فيمن روى أو روي عنه لجأ إلى معرفة وفاة السابق وولادة اللاحق ، وهذا المنهج نص عليه الحفاظ كالخطيب وابن الصلاح وغيرهما، ثم إن الإمام المزي واضع كتاب الإكمال لرجال الستة فقط .


أما عن تهكم المعترض وزعمه بأن المتابعات قد فاتت على الحفاظ فهذا تألٍ على العلم ، فالحافظ الزبيدي وقف على متابعات لم يقف عليها الحفاظ، وكذلك حال العلماء قبله، ووقف السادة الغمـارية كالمحدث أحمد بن الصديق على شواهد ومتابعات لم يقف عليها العلماء قبله ، فهل يصدق على هؤلاء ما ألقيته عليّ وعلى المحدث الشيخ محمود سعيد ممدوح؟ هذا بهتان عظيم ، والنسخة كما ذكرنا نادرة يصح فيها مثل ذلك.


وأعجب من غمز المعترض لي في اعتراضه بين فينةٍ وأخرى بالمحدث محمود سعيد ممدوح حيث اعتبرني جاهلاً في هذا الفن ، وكأن العمل في المصنف عمل الدكتور محمود سعيد ممدوح ، علمًا بأن سماحة الشيخ لا دخل له في تحقيق المصنف وتوثيقه لا من قريب ولا من بعيد ، ولكنه استشير كما استشير غيره من أهل العلم، فطلبت منه مقدمة فتفضل بها مشكورًا ليس إلا .


ثـامنًا : وأما الادعاء بأن في الكتاب أحاديث نقلت من مصنف ابن أبي شيبة فهذا والله لهوٌ ولعب ، ويمكن أن يقال ذلك عن أي متابعة تامة نقلت من كتاب كهذا، والصواب أن وجود أحاديث في الكتاب بمتابعات معتبرة دليل على الوثوق بالمخطوط الذي بين أيدينا، ولكن المعترض يقلب المدح ذمًا ويفضح نفسه ، وكما قال الشاعر:



وعين الرضا عن كل عيب كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا




تـاسعًا: وأما الادعاء بأن في الكتاب أسانيد مركبة مستدلاً على دعواه بقوله: (إن الجزء المعني مركب الأسانيد من طريق مالك والزهري ومعمر، وأمثالهم من أئمة الحديث، في القرون الأولى، الذي من شأن هؤلاء وأمثالهم أن يجمع حديثهم ويتسابق طلبة العلم إلى حفظها).


أقول لك أخي القارئ :

أن العلماء عرَّفوا الحديث الصحيح بأنه ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، ولم يشترطوا أن لا يكون فردًا مطلقًا أو نسبيًا، ولم يتوقفوا في أسانيد الثقات حتى يجدوا متابعات لها ، ولم يقولوا كل فرد فهو ضعيف ، وقد امتلأت الصحاح بالأفراد المطلقة والنسبية برواية الأئمة وقد اتفق الحفاظ على صحتها، نعم الإسناد المشرق إذا انفرد به مجهول أو ضعيف أو تالف وكان متنه منكرًا ساقطًا فإن ذلك من علامات الوضع ، وهذا مالم نجده في نسختنا، ولله الحمد.

عـاشرًا: وأما عن القول بوضع حديث جابر وزعمه بأنه موضوع وأن ألفاظه مركبة كما أبدى ذلك أيضا بعض الحانقين ، ومن لف لفهم ، والاعتراض علينا بحكم بعض علماء الأشراف الغماريين على الحديث .


فجوابه أخي القارئ :

أن كلامهم على حديث جابر شأن يخصهم ويخص أضرابهم، ولنا شأننا الخاص بنا ومعنا من السادة الأشراف الغمارية والكتانية وجمهور الأمة ممن يؤيدنا في ما ذهبنا إليه كالشيخ الأكبر محي الدين بن عربي وابن سبع، وابن أبي جمرة، وزروق ، والقسطلاني ، والهيتمي ، والقصري ، والعقيلي ، والمناوي ، والقرافي ، وغيرهم جمع كثير .


أما عن زعم المعترض بأن حديث جابر مدخول في كتب الشيخ الأكبر مع عدم توثيقه للشيخ محي الدين والطعن في توثيق السادة الغمارية له ، فهذا محض افتراء ، فقد طفحت كتابات الشيخ الأكبر قُدس سره بحديث جابر وتفسيره له كما في كتاب الوعاء المختوم على السر المكتوم والمملكة الإلهية وكتاب الدوائر ، وتلقيح الفهوم وعنقاء مغرب.

وقد بينت في كتاب نور البدايات صحة حديث عبد الرزاق دون رواية المصنف، وذكر الشيخ الحلواني في كتاب (مواكب ربيع): أن الرواية أخرجها البيهقي بلفظ آخر في دلائله والحاكم في مستدركه وصححها بلفظ: "يا عمر أتدري من أنا... ؟" كما في رواية الطُبني في فوائده.

وكوننا لم نعثر على الروايتين في المراجع المذكورة لا يعني أنهما غير موجودتين، لأن (الدلائل) الموجودة للبيهقي بها نقص، وكذلك (المستدرك)، وأرجو أن تستمع لكلام أهل العلم، فهذا العلامة المحدث محمد بن جعفر الكتاني في كتابه الذي طبع أخيرًا، (جلاء القلوب من الأصداء الغينية) يقول ما نصه - بعد سرد حديث جابر ورواية الطُبني - : (فإن العلماء العاملين والصوفية المخلصين وأولياء الله المفلحين كلهم أو جلهم قد تلقوا معناه بالقبول والتسليم ، وتناولوه في مصنفاتهم وأسفارهم وكتاباتهم، جازمين به من غير تردد أو بحث ، والمعنى إذا تُلقي بالقبول حكم بصحته ، وإن لم يكن له إسناد ولا دليل ظاهر، لأنهم يُحملون على أنهم وقفوا على شواهد تثبته وإن لم تصل إلينا أو نعلمها)، اهـ . ثم ذكر شواهد تقويه (خ أ ب 2/243) ، سيما وقد أيد حديث جابر الإمام المحدث الخركوشي ، والديلمي ، وجمع من العلماء كما تقدم .


وقد ذكر ابن تيمية في فتاواه أن المسألة إذا اختلف فيها أهل العلم فالأمة فيها على سعة ، كلَّ يحمل على محمل حسن ، فقد قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله "ما أودُّ أن الصحابة لم يختلفوا....." ، وقال الحافظ ابن حجر فيما نقله الإمام الزبيدي : (لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنـزل لا يلزم من نفي الثبوت ثبوت الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة فلا ينتفي الحكم ) ، انظر (1/296) من تخريج أحاديث إحياء علوم الدين .


حـادي عشر: أما عن دعوى المعترض الثاني على رواية القسطلاني لحديث جابر والتي تفيد بأن السموات خلقت قبل الأرض وزعمه بأن ذلك يعارض القرآن مستدلا بقوله تعالى:{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } [ فصلت : 11].


فجوابه أخي القارئ :


بداية أشكر هذا المعترض على حسن أدبه !، ولكن أحب أن ألفت نظره بأن يكون على وعي تام في مخاطبة العقلاء ، وأن الذي تخاطبه ليس أعرابيًا ولا حديث عهد على موائد العلم ، بل هو من بيت مشهود له بالتقوى والعلم، اجتمعت فيه خصائص ، لم تجتمع في غيره، فقرابتي لأمي حنابلة المذهب وقرابتي لأبي مالكية المذهب، معظمهم حفظة لكتاب الله ، تربيت في أكنافهم على الفضيلة ، واستننت على سيرة خال أبي العلامة الفقيه اللَّوذعي المحدث الشيخ مبارك بن علي الشامسي، وأصولنا بين أشراف وأنصار وحمير ، ولست من المولدين الذين حذر منهم السلف كما في حديث سنن ابن ماجه ( رقم 56) بسند ضعيف عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : (( لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولّدون أبناء سبايا الأمم ، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا)) ،

ولست من المنافقين المفتاتين على الموائد كما يقذف في روع المعترض الذي لا يعرف للأدب سبيلاً، فإن ما قاله غير صحيح ، وأعتذر لك بأنك ربما كتبته على عجالة ! ولكن مثل هذه الأمور كما تعلم لا يستعجل فيها، ولكنك أردت والله أراد ، ولينصر الله محقق المصنَّف عيسى بن عبد الله المتهم بالتسرع في تحقيق المصنف من قبلكم ، ولا أدري من المتسرع أهو الذي بين يديه كتاب الله ، وكتب التفسير تبين ما ذهب إليه أم من...!!! .

وها هو كتاب الله يقول:{ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [ النازعات : 28-30] ، قال الإمام الفخر الرازي في تفسيره نقلا عن الواحدي ومقاتل : بأن السماء خلقت قبل الأرض قبل الدحو أما بعد الدحو فالأرض خلقت قبلا.

ونقل الألوسي الأمر مفصلاً في روح المعاني ( 24/ 108 ) عند تفسير قوله تعالى: (ثم استوى إلى السماء وهى دخان ) فقال : (يدل على ذلك إيجاد الجوهرة النورية والنظر إليها بعين الجلال المبطن بالرحمة والجمال وذويها وامتياز لطيفها عن كثيفها وصعود المادة الدخانية اللطيفة وبقاء الكثيف هذا كله سابق على الأيام الستة، وثبت في الخبر الصحيح ولا ينافي الآيات، واختار بعضهم أن خلق المادة البعيدة للسماء والأرض كان في زمان واحد وهي الجوهرة النورية أو غيرها ، وكذا فصل مادة كل عن الأخرى وتمييزها عنها أعني الفتق وإخراج الأجزاء اللطيفة وهي المادة القريبة للسماوات وإبقاء الكثيفة وهي المادة القريبة للأرض ، فإن فصل اللطيف عن الكثيف يستلزم فصل الكثيف عنه وبالعكس، وأما خلق كل على الهيئة التي يشاهد بها فليس في زمان واحد بل خلق السماوات سابق في الزمان على خلق الأرض ، ولا ينبغي لأحد أن يرتاب في تأخر خلق الأرض بجميع ما فيها عن خلق السموات كذلك ، ومتى ساغ حمل (ثم) للترتيب في الإخبار، هانَ أمر ما يظن من التعارض في الآيات والاخبار هذا والله تعالى أعلم) ا هـ.


وقال القرطبي ( 1 / 255 – 256 ) في تفسير الآية بعد أن استعرض آراء أهل العلم في سورة البقرة : (يظهر من هذه الآية أنه سبحانه خلق الأرض قبل السماء وكذلك في حم ( السجدة) وقال في النازعات: (أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا) فوصف خلقها ثم قال: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) فكأن السماء على هذا خلقت قبل الأرض، وقال تعالى:{ الحمد لله الذي خلق السموات والأرض } وهذا قول قتادة أن السماء خلقت أولاً حكاه عنه الطبري ... ثم قال رحمه الله : وقول قتادة يخرج على وجه صحيح إن شاء الله تعالى، وهو أن الله تعالى خلق أولاً دخان السماء ثم خلق الأرض ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسواها ثم دحى الأرض بعد ذلك) ا هـ .


وقد ذكر الإمام العيني في كتاب عمدة القارئ (15/109) بأن الأولية (أمر) نسبي ، وكل شيء قيل فيه إنه أول فهو بالنسبة إلى ما بعده .
وقال العلامة ملا على القاريء في المورد الروي ص 44: (فعلم أن أول الأشياء على الاطلاق النور المحمدي ثم الماء ثم العرش ثم القلم، فذكر الأولية في غير نوره صلى الله عليه وسلم إضافية).

وقال العلامة الفقيه ابن حجر الهيتمي في مرقاة المفاتيح (1/166) : (اختلفت الروايات في أول المخلوقات وحاصلها أن أولها النور الذي خلق منه النبي عليه الصلاة والسلام ثم الماء ثم العرش) .

وقـال مثل ذلك الإمام القسطلاني والإمام المحدث سهل بن عبد الله الديلمي في كتابه عطـف الألـف المـألوف على اللام المعطوف حيث قال ما نصه : ( وخلق آدم من نور محمد ....) ، فلينظر في كتابنـا نور البـدايـات وختـم النهايات ص54.


وكذلك رواية ابن أبي حاتم في تفسيره بسند حسن (7/231) ، في الحديث القدسي في الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ( هو الأول والآخر) وهي رواية صحيحة، وكذلك رواية المخلص : (هو أول وآخر) وهي رواية صحيحة، ورواية البيهقي في الدلائل: (هو الأول والآخر) وهي رواية صحيحة لم يرتضها محقق كتاب الأوائل لابن أبي عاصم ولم يوفق في نقله حينما نقل رواية ابن أبي عاصم أن آدم عليه السلام حينما رأى نورًا في سرادق العرش قال ياربي ما هذا النور قال نور ابنك... الحديث) . قال محقق كتاب الأوائل لابن أبي عاصم : نور داود ، ولم ينقل رواية المخلص ولا حتى البيهقي والسند واحد، فلم ذلك العداء البين من فرقتكم على حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم.


الثاني عشر: وأما عن قول المعترض بأن حديث جابر كحديث عرق الخيل .


فجوابه أخي القارئ:

أن حديث عرق الخيل فهو من كنانتهم لا من كنانتنا ! ولهم أن يسألوا السجزٍي وأضرابه ينُبؤوهم عنه، واتق الله ولا تقارن حديث جابر بأحاديث الزنادقة والمارقين والمجسمة الحانقين فذلك سخفٌ مشين وظلم عظيم .

الثالث عشر: طعن المعترض في تخريجاتي الحديثية ، وربط خروج المصنف بتطاول أهل البغي (الدنمارك) على الحضرة النبوية .


فجوابه أخي القارئ :

إن الناظر إلى هذا الزعم يرى فيه العجب وينكر، وليسأل القارئ المعترض عن القاسم المشترك بين خروج الجزء المفقود من المصنف وبين تطاول أهل البغي والضلال على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اللهم إلا إذا اعْتَبَر أن عملنا هذا سخف وهرج ، فلا أقول له إلا قول الله تعالى ردًا على الجاحدين الكافرين الذين تصوروا عبثية الخلق :{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [ الدخان : 38-39] ، وقوله سبحانه وتعالى: { هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ...} [الجاثية : 29] .


وانظر أخي القارئ مدى السخرية والاحتقار من المعترض لغيره من المسلمين ، ومدى الجرأة على الله عندما يسوي بين تعزير وتوقير المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما نجتهد في تتبع ما كتب في حقه صلى الله عليه وسلم، ونشره ، لإبراز مكانته صلى الله عليه وآله وسلم حتى يزداد الناس حبًا وتوقيرًا وتعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وآله سلم، وبين تهكم أعداء الإنسانية والدين!!.
وكأن المعترض يساوي مخالفيه من أهل الملة بالكفرة والملاحدة ، وهذا ليس بمستغرب منه ، لأن الشيء لا يستغرب من معدنه ، فالمعترض وأهل مدرسته ينظرون إلى غيرهم من المسلمين بأنهم أكفر من اليهود والنصارى !! كما صرح بذلك الشيخ عبدالله عبد اللطيف آل الشيخ والشيخ إبراهيم عبد اللطيف آل الشيخ في كتاب ( إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة الجهمية )!! ، يعني بهم أهل دبي وأبو ظبي وساحل عمان (الباطنة) .


ولكن يصدق عليه قول الله سبحانه وتعالى: { وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[المائدة : 41] .


أما عن اعتراضه على تخريجاتي الحديثية فتخريجاتي الحديثية على الأصول المعروفة في هذا الفن ، ولا ينكرها إلا جاهل أحمق ، ويصدق عليه المثل العربي : ((ليس هذا عشك فادرجي)) !! .


الرابع عشر: شهادة السيد أديب الكمداني التي استدللتم بها ضدي .


فجواب ذلك أخي القارئ :

إن أديب الكمداني قد رد على المعترضين ونفى عنا اتهامهم الباطل برسالة بعنوان (براءة الشيخ عيسى بن مانع ومحمود سعيد ممدوح مما نسب إليهما) ، وقد نشرت في موقع ملتقى أهل الحديث وغيره فلتنظر ، والذي أرجوه من أخي أديب أن لا ينجرف وراءكم بالتخبط دون تريث وتعقل، وأن يصون الود الذي بيننا.


الخامس عشر: أما زعمه بأن إتقان الناسخ غير صحيح.


فجوابه أخي القارئ:

أن هذه المسألة نسبية، ولا مدخل للتزوير فيها، فالمصحف الشريف، قد يكتب بخط غير متقن أو متقن، ولا مدخل للناسخ في صحة الأصل ، أما اتهامه بالتحريف في المخطوط بقولك إن إتقان الناسخ غير صحيح فظلم سافر، وتسرع سيء ممقوت ! ، فالمؤلف والكاتب والمحقق ليسوا بمعصومين من الخطأ، فهذا الإمام الشافعي يقول: ما كتبت كتابا وألفته إلا وجدت خطأ فأصلحته أبى الله أن يصح إلا كتابه . ولو وجد على الكاتب خطأ فهذا جارٍ وليس بمستنكر ، ولكن علينا بالجل والمضمون.


السادس عشر: أما طعنه في توثيق السادة الغمارية للعارف بالله المجدد سيدي محيي الدين بن عربي الحاتمي قدس سره .


فجوابه أخي القارئ:

أن طعن المعترض على توثيق السادة الغمارية لا مسوغ له، فسادتنا الغمارية علماء أفذاذ لا يتحدثون إلا بحجة ودليل ، لا أنهم يهرفون بما لا يعرفون كما يعلمه المعترض وغيره .


فاعلم أخي القارئ أن الشيخ الأكبر محي الدين رحمه الله أجل من أن يذكر في موطن التجريح أو التعديل لأنه عالي القدر ذائع الصيت بعيد الصوت مجمع على جلالة قدره وعلو كعبه ورسوخ قدمه من أهل التحقيق ، وذلك ما ستعرفه من أقوال أهل العلم، والذي أجزم به ولا أرتاب فيه أن المعترض ومن لف لفه قد غرهم ما أورده الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال وتابعه ابن حجر رحمه الله في لسان الميزان بإدراج الإمام الأكبر محيي الدين وغيره ممن ليس من أهل الرواية في كتابيهما اللذين وضعا لأهل الرواية كما هو الشرط في خطبة كتاب الميزان ، وقد انتقد الإمام السبكي ذلك عليهما وتابعه شيخنا العلامة خاتمة المحدثين سيدي عبد العزيز بن الصديق في كتابه السوانح (خ ل495 ب )، وعلاوة على ذلك فسترى أخي القارئ خلاصة رأي الذهبي وابن حجر من خلال كتابيهما المذكورين وغيرهما من الكتب .


أما عن ما أورده الإمام الذهبي رحمه الله في سيره في ترجمة الشيخ محيي الدين وإيراده مقالة العز بن عبد السلام عن ابن دقيق العيد في تجريح محيي الدين فهو كلام مردود عري عن الصواب ، وليس هو التحقيق بل التحقيق ثناء ابن عبد السلام على الشيخ الأكبر كما هي عبارة العقد الثمين ، ونفح الطيب ، والشذرات عن مقالة الإمام رحمه الله .


وإليك أقوال أهل العلم في ذلك :


1ـ فقد نص الذهبي على توثيقه فقال بما نصه : (وقولي أنا فيه إنه يجوز أن يكون من أولياء الله الذين اجتذبهم الحق إلى جنابه عند الموت وختم له بالحسنى ) الميزان 3/660.


2ـ كما وقد نص رحمه الله في تاريخ الإسلام في الطبقة الرابعة والستين: (ص 358ـ 359) على توثيقه بما نصه: "ولابن العربي توسع في الكلام وذكاء وقوة حافظة، وتدقيق في التصوف وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات في كلامه وشعره لكان كلمة إجماع...." ا هـ .


3ـ وكذلك قد وثقه الحافظ ابن حجر رحمه الله كما سترى أخي القارئ من عبارته في اللسان ، فقد ختم ترجمة الشيخ الأكبر بما نصه : عن الحافظ اليونيني قال: (وبالجملة فكان كبير القدر من سادات القوم وكانت له معرفة تامة بعلم الأسماء والحروف وله في ذلك أشياء غريبة واستنباطات عجيبة ) ، انظر اللسان (6/405) ا هـ.


4ـ اعلم أخي القارئ أن الذين أثنوا على الشيخ الأكبر وعظموه كثيرون منهم الحفاظ : المنذري ، وابن الأبار ، وابن النجار ، وابن مسدي ، والصلاح العلائي ، وابن نقطة ، وابن الزملكاني ، واليافعي ، وابن العديم ، وسبط ابن الجوزي ، وصلاح الدين الصفدي ، وسعد الدين الحموي ، وابن حجر الهيتمي في الفتاوي الحديثية (ص 335) وغيرهم كثير .

والتحقيق الذي يصار إليه أن العز بن عبد السلام من المعظمين له، كما قد تقرر من إيرادات أهل العلم في حقه رحمه الله كما جاء في رسالة الحافظ الجلال السيوطي الشافعي الشاذلي رحمه الله (تنبيه الغبي على تنزيه ابن عربي) الكتاب المسمى بـ (الاغتباط بمعالجة ابن الخياط)، تأليف شيخ الإسلام قاضي القضاة مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد الشيرازي الفيروزأبادي الصديقي صاحب القاموس، قدس الله تعالى روحه، الذي ألفه بسبب سؤال سئل فيه عن الشيخ سيدي محيي الدين بن عربي الطائي قدس الله تعالى سره العزيز في كتبه المنسوبة إليه ، ما صورته :

ما تقول السادة العلماء شد الله تعالى بهم أزر الدين، ولَمَّ بهم شعث المسلمين، في الشيخ محيي الدين بن عربي في كتبه المنسوبة إليه كالفتوحات والفصوص، هل تحل قراءتها وإقراؤها ومطالعتها ؟ وهل هي الكتب المسموعة المقروءة أم لا؟ أفتونا مأجورين جوابًا شافيًا لتحوزوا جميل الثواب، من الله الكريم الوهاب، والحمد لله وحده.


فأجابه بما صورته :

الحمد لله، اللهم أنطقنا بما فيه رضاك، الذي أعتقده في حال المسؤول عنه وأدين الله تعالى به، أنه كان شيخ الطريقة حالا وعلمًا، وإمام الحقيقة حقيقة ورسمًا، ومحيي رسوم المعارف فعلاً واسمًا :



إذا تغلغل فكر المرء في طرف *** من بحره غرقت فيه خواطره


وهو عُباب لا تكدره الدلاء، وسحاب لا تتقاصر عنه الأنواء، وكانت دعواته تخترق السبع الطباق، وتفترق بركاته فتملأ الآفاق، وإني أصفه وهو يقينًا فوق ما وصفته، وناطق بما كتبته، وغالب ظني أني ما أنصفته :



وما علي إذ ما قـلت معتقدي *** دع الجهول يظن الجهلَ عدوانا
والله تالله بالله العـظيم ومـن *** أقامـه حـجة لله بـرهـانا
إن الذي قلت بعضٌ من مناقبه *** ما زدت إلا لعلِّي زدتُ نقصانا


وأما كتبه ومصنفاته فالبحار الزواخر، التي لجواهرها وكثرتها لا يعرف لها أول ولا آخر، ما وضع الواضعون مثلها، وإنما خص الله سبحانه بمعرفة قدرها أهلها، ومن خواص كتبه أن من واظب على مطالعتها والنظر فيها، وتأمل ما في مبانيها، انشرح صدره لحل المشكلات، وفك المعضلات، وهذا الشأن لا يكون إلا لأنفاس من خصه الله تعالى بالعلوم اللدنية الربانية ، ووقفت على إجازة كتبها للملك المعظم فقال في آخرها: وأجزته أيضًا أن يروي عني مصنفاتي، ومن جملتها كذا وكذا، حتى عد نيفًا وأربعمائة مصنف، منها التفسير الكبير الذي بلغ فيه إلى تفسير سورة الكهف عند قوله تعالى: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } [ الكهف : 65] ، وتوفي ولم يكمل ، وهذا التفسير كتاب عظيم ، كل سفر بحر لا ساحل له، ولا غرو فإنه صاحب الولاية العظمى ، والصديقية الكبرى، فيما نعتقد وندين الله تعالى به....) . ا هـ نفح الطيب 2/176ـ 177، شذرات الذهب 7/ 331.



وشرح هذا يطول ويخرجنا عن المقام، وبالجملة فهو عندنا ثقة ومن تكلم فيه فلرأي رآه يتولى الله أمره ، وهو في نظر مشايخنا ونظرنا ثقة فقد كان حجة ظاهرة وآية باهرة، ثم الجرح بالرأي ليس بشيء فنستصحب الأصل ونزيد عليه علومه الزاخرة ونضم إليهما شهادات الأئمة الذين عظموه وفيهم كثيرون من الحفاظ والفقهاء ، ونخلص إلى أنه ثقة، سيما وأنه أجل من أن يوثق ، رضي الله عنه.

وبعد: فهذه أهم النقاط التي أثارها المخالفون ، وقد أجبت عنها بدون تكلف.

ثم إن كل باحث وطالب للحقيقة بالخيار ، فمن حصلت عنده قناعة بالقطعة التي طبعتها من مصنف عبد الرزاق ووثق بها فهو وشأنه، ومن عارضها فهذا رأيه، ولا أجبر أحدًا على الاستسلام لما رأيته صوابًا، ولو كان عكس ذلك .
ويجدر بي قبل الختام أن أقول بأني قد اجتهدت في طلب الصواب ، ولكل مجتهد نصيب ، فمن اجتهد وأخطأ فله أجر ، ومن اجتهد وأصاب فله أجران.



وأسأل الله العلي القدير أن يوفقنا للصواب، وإني لدؤوب قبل هذا البيان في البحث المجد عن قِطع أخرى لذلك الجزء المفقود ، وإنني على وشك العثور عليه بإذن الله تعالى.



وليعلم أخي القارئ أن هذه النسخة أخرجتها إثراء للمكتبة الإسلامية واحتياج الباب لها ، وهي عندي بمثابة الحديث الضعيف الذي ليس في الباب غيره كما ذكرنا في المقدمة ، ولم يثبت لدي حتى هذه الساعة ما ادعاه المعترضون في تسرعهم في القول بوضعها دون نظر وتريث ، ومثل هذه المسائل لا يجازف في إنكارها ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والتسرع بالتكفير والتضليل والتبديع والتكذيب ضمن مقاييس ظنية ظلم عظيم !! .


وقد بينت لك أخي القارئ أن المعترض قد أثار الغبار في بيداء لا قرار له فيها, ولو ثبت لي بالطريقة العلمية عدم صحة نسبة الجزء المحقق إلى عبد الرزاق لكنت أول المتبرئين منه . كما إنني لم أرد بهذا الرد المراء واللجاج ولا التشنيع وبث البغضاء ولكني أردت الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم هو حسبي ونعم النصير.



وإني أشكر كل منتقد انتقادًا علميًا يفيدني فيه ، فكلنا طالب حق وباحث عن حقيقة، ولكني أرفض السباب والتعسف والتحجر الذي عدّه ابن رجب الحنبلي وثنية فكرية.


نتائج البحث :

1- الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر ، وقرر العلماء أن النفي مع وجود شيء من الصحة حرام ، وكذلك تصحيح ما فيه شيء من الكذب حرام ، فلا يحل لي ولا لغيري التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يحل للمعترض أن يرمي إخوانه بالعظائم انتصارًا للمعتقد دون التثبت والأخذ بقاعدة صوابنا يحتمل الخطأ وخطأ غيرنا يحتمل الصواب .

2- قد اتهمني المعترض مع الدكتور محمود سعيد ممدوح بأننا وضعنا تلك النسخة المعنية ! وهذا باطل ما كنا نتوقعه من أقل الناس إيمانا فكيف بمن شرفه الله بعلم الحديث كما يدعي ، ثم عارض المعترض نفسه ونفى نسبة الوضع لنا.

وخلاصة الأمر أن النسخة كما أسلفنا جلبت لنا من بلاد الأفغان ، واجتهدنا في إخراجها ليس إلا من باب إظهار العلم ولاحتياج الباب لأحاديث النسخة المفقود للمكتبة الإسلامية كما ذكرنا.


3- إثبات نسبة الجزء المفقود لدي بحسب المعايير العلمية كنسبة النسخة النادرة وما أكثرها في تراثنا، وعندي كما ذكرت أن حال نسبتها كحال الحديث الضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره ، وللقارئ الكريم أن يأخذ ما اقتنع به ويترك ما لم يقتنع به .



4- إذا ثبت لدي حسب المعايير العلمية التي تسقط بها النسخة فلن أتردد لحظة في بيان حالها ، فالسند دين والعلم يقين .


5- إن جميع ما أثاره المعترض محل نظر وتأويل كما بينته لا يثبت به سقوط النسخة ؛ لأن القول بالرد لا يقل خطورة عن الإثبات ، والإثبات أرجح لأن كفة النفي لم تتحقق بها شواهد الرد .


6- لم أتعرض في تحقيقي إلى إسناد من أسانيد النسخة المحققة من الجزء المفقود ما دام قد خرجه الأئمة في كتبهم ، وذلك شرط أشرت إليه في مقدمة التحقيق ، فلماذا يتجاهل المعترض ما اشترطته ويهول المسألة دون التقيد بأصول النقد وهذا أمر مفضوح لا يجهله المبتدأ من طلبة العلم عوضًا عن الناقد!!! .


7- أنصح المعترض أن لا يستبدل لهجة أهل العلم بالسباب والشتائم ، فالمؤمن أخو المؤمن لا يظلمه ولا يسلمه ، وأن يسامحني إذا ظهرت له بعض عبارات الشدة في الرد فإني لم أقصد النيل منه ولكن المقام يتطلبه .

8- أرجو من القارئ الكريم أن يعذرني إذا وقف على أخطاء في النسخة المطبوعة وعدم زيادة تحقيق في بعض النصوص وذلك لكثرة انشغالي ولطبيعة البشر فإن الإنسان ليس بمعصوم من الخطأ ولا من الزلل ، فقد حصل خلل في النسخة المطبوعة أثناء الطبع ، وألحقنا المطبوعة بتصويبات مهمة فلتنظر .


9- أشكر المعترضين على ما أبدوه رغم غلظتهم عليّ ، فإنهم قد وجهوني إلى البحث والتنقيب فعشت أيامًا بين الكتب باحثًا ومحققا، ووفقنا الله للذود عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ولي التوفيق .


10- قد أرسلنا رسلاً عدولاً إلى البلاد التي جلب منها المخطوط والتي يحتمل فيها الوقوف على الأصول ، وقد التقيت مع جالب النسخة وأخذت منه بخطه طريقة جلب النسخة (وهي مرفقة وسنتبع تقريرًا وافيًا عن النسخة من علماء الأفغان)، وأرسلت رسلا للتحقق من تعهده ، وسأبث ما يتحصل لدي عبر الموقع، حرصًا مني على الدقة في الأمانة العلمية ، والله ولي التوفيق . نموذج رقم (4)



وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
23/5/1427هـ الموافق 19/6/2006م


***

انتهى البحث
ــــــــــــــ
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

_________________
صلوات الله تعالى تترى دوما تتوالى ترضي طه والآلا مع صحب رسول الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: [AhrefsBot] و 9 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط