بعد إذن الفاضل سهم النور سأقوم بتكملة الكتاب
كلام الحافظ بن دحية والرد عليه
وقال القرطبي ذكر الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية أن الحديث في إيمان أمه وأبيه موضوع يرده القرآن العظيم والإجماع قال تعالى {وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ} [النساء: 18] وقال: { فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: 217] فمن مات كافرا لم ينفعه الإيمان بعد الرجعه بل لو آمن عند المعاينة لم ينفعه فكيف بعد الإعادة.
وفي التفسير أنه عليه الصلاة والسلام قال ليت شعري ما فعل أبواي فنزل {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [البقرة: 119]
قال القرطبي وفيما ذكره ابن دحية نظر وذلك أن فضل النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه لم تزل تتوالى وتتابع إلى مماته صلى الله عليه وسلم فيكون هذا مما فضله الله تعالى به وأكرمه وليس إحياؤهما وإيمانهما به ممتنعا عقلا ولا شرعا
فقد ورد في الكتاب العزيز إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى.
وكذلك نيبنا صلى الله عليه وسلم أحيا الله على يديه جماعة من الموتى.
وإذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته وفضله مع ما ورد من الخبر في ذلك ويكون ذلك مخصوصا بمن مات كافرا وقوله فمن مات كافرا إلى آخر كلامه مردود بما روى في الخبر أن الله تعالى ردَّ الشمس على نبيه بعد مغيبها حتى صلى علىًّ رضي الله تعالى عنه ذكره الطحاوي وقال إنه حديث ثابت فلو لم يكن رجوع الشمس نافعا وأنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه فكذلك يكون نافعا لأبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قبل الله تعالى إيمان قوم يونس عليه السلام وتوبتهم مع تلبسهم بالعذاب كما هو أحد الأقوال وهو ظاهر القرآن.
وأما الجواب عن الآية فبكون ذلك قبل إيمانهما انتهى كلام القرطبي.
قلت ... استدلاله على تجدد الوقت بقصة رجوع الشمس في غاية الحسن ولهذا حكم بكون الصلاة أداء وإلا لم يكن لرجوعها فائدة إذ كان يصح قضاء العصر بعد الغروب
وقد ظفرت باستدلال أوضح منه وهو:
ما ورد أن أصحاب الكهف يبعثون في آخر الزمان ويحجون ويكونون من هذه الأمة تشريفا لهم بذلك وروى عن ابن عباس مرفوعا (أصحاب الكهف أعوان المهدي) أخرجه ابن مردويه في تفسيره فقد اعتد بما يفعله أصحاب الكهف بعد إحيائهم بعد الموت.
ولا بدع في أن يكون الله تعالى كتب لأبوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمرا ثم قبضهما قبل اسيفائه ثم أعادهما لاستيفاء تلك اللحظة الباقية وآمنا فيها فيعتد به ويكون تأخير تلك اللحظة الباقية بالمدة الفاصلة بينهما لإستدراك الإيمان من جملة ما أكرم الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم كما أن تأخير أصحاب الكهف هذه المدة من جملة ما أكرموا به ليحوزوا شرف الدخول في هذه الأمة.
ثم إن تعليل ابن دحية للحديث بمخالفة ظاهر القرآن ليس على طريقة أهل الحديث فقد ذكر الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي في كتابه "الإيضاح" تعليل ابن حزم لحديث الإسراء الذي أخرجه البخاري وحكمه عليه بأنه موضوع لمخالفة ما ثبت في أحاديث الإسراء الصحيحة ثم تعقبه بأن ابن حزم وإن كان إماما في علوم شتى إلا أنه لم يسلك طريق الحفاظ في تعليل الحديث وذلك أن الحفاظ إنما يعللون الحديث من طريق الإسناد الذي هو المرقاة إليه وهذا الرجل علله من حيث اللفظ انتهى.
يتبع إن شاء الله