[font=Tahoma]
[align=center]فرح الأسماع برخص السماع
الشيخ أبو المواهب الشاذلي التونسي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما
مقدمة المؤلف[/align]
[align=justify][قال سيدنا وسندنا المولى الكبير، والعلم الشهير المنير، الولي العارف، والمربي الملاطف، قطب وقته، وفريد عصره، أستاذ الزمان وبركة الوقت والأوان، إمام الحضرة والطريقة، ومعدن السلوك والحقيقة: محمد المالكي، الشاذلي، الوفائي، الشهير بأبي المواهب]:
الحمد لله الذي أباح وفسح مجال الغناء رغما لأنف أهل الجهل الأغبياء، وأراح به بواطن أهل السلوك من الصوفية الأصفياء، وجعله لهم معراجا للأرواح وراحة من كدورات الأطغياء وأنسوا به في غربة السير في عالم الأشباح مع إخوانهم الأتقياء، كيف لا؟ وهو عرس للأرواح للسادة الأولياء، يريح الأرواح، ويخفف الأشباح، ويذهب الأتراح، ويأتي بالأفراح [ويؤنس الإشراق ولمعان الضياء.]نحمده سبحانه وتعالى على ما فهمنا معاني، وأطلعنا على أسراره الخفية في مبانيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: شهادة شهود لكمال تفرد فردانيته، وتحققا بتنزيه جلال أحديته، وأشهد أن أكمل متبوع من الرسل والأنبياء سيدنا ومولانا محمد جامع دواير الكمال، من ألبسه الله حلة الجمال، وتوجه بتاج الوقار والجلال، ورضي الله عن الصحابة الكرام الأكابر، أيمة الهدى والإقتداء، [الأوائل والأواخر وسلم عليه وعليهم تسليما كثيرا].
أما بعد فهذه فوائد تتعلق بإباحة السماع والغناء، سبب جمعها إنكار الجهال، ووقوع الأندال في الأبدال [وحسد أهل الأكدار من الأغيار الأحبار الأبرار].
أقسام الغناء:
القسم الأول: بغير آلة ملحن بألحان
اعلم أن الغناء ثلاثة أقسام: قسم ساذج بغير آلة ملحن بألحان، فذهب قوم إلى إباحته من غير كراهة- وهو مذهب أكثر الفقهاء - مع أمن الفتنة والسلامة من المنكر.
قالوا رضي الله عنهم: ونقل هذا عن جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وعن جماعة من التابعين، فمن الصحابة:
عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبو عبيده بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو مسعود الأنصاري، وبلال وعبد الله بن الأرقم، وأسامة بن زيد وعبد الرحمان بن عوف وحمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر، والبراء بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وعمر بن العاص ومعاوية والنعمان بن بشير، وحسان بن ثابت، والمغيرة بن شعبة، وعائشة أم المؤمنين.
ومن التابعين: سعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الرحمان بن حسان، وخارجه بن زيد، وشريح القاضي، وسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الله بن أبي عتيق، وعطاء بن أبي رباح، وعمر بن عبد العزيز.
ومن غير التابعين من العلماء المجتهدين:
ابن جريج والعنبري، ونقل عن: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة، وقال به القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، وأبو بكر بن مجاهد، واختاره من الشافعية الأستاذ أبو منصور البغدادي، والأستاذ أبو القاسم القشيري والداركي، والحليمي، وإمام الحرمين والماوردي، والروياني ومحلي، وحكا الغزالي الاتفاق عليه، واختاره القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية، ذكر ذلك في أحكام القرآن له وفي كتاب العارضة: شرح له على الترمذي، وحكاه ابن رشيق في عمدته عن جماعة من المالكية، وقال القاضي: ناصر الدين بن المنير في فتواه: إذا كان بشرط في محله من أهله فالسماع صحيح.
واختاره من الحنابلة: الخلال: صاحب الجامع، واختاره صاحب المستوعب، عن جماعة منهم. وهو مذهب الظاهرية، حكاه ابن حزم وصنف فيه، وابن طاهر، ونقل إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل ابن قتيبة وتاج الدين الفزاري: مفتي الشافعية وشيخهم بدمشق: إجماع أهل الحرمين عليه. ونقله صاحب النهاية في شرح الهداية من الحنفية، وقال بعضهم: إذا كان لدفع الوحشة عن النفس فلا بأس به، وبه أخذ شمس الأيمة: السرخسي، واستدل عليه بأن أنسا: صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يفعل ذلك. واختاره من متأخري الأئمة: الإمام: عز الدين بن عبد السلام الشافعي الإمام: تقي الدين بن دقيق العيد الإمام: بدر الدين بن جماعة.
ومن العلماء من قسمه إلى: مباح ومستحب، وجعل من المستحب الغناء في العرس ونحوه، والمباح فيما سوى ذلك، قال الإمام عز الدين- في القواعد-:
من كان عنده هوى من مباح كعشق زوجته وأمته فسماعه لا بأس به.
ومن قال: لا أجد في نفسي شيئا. فالسماع- في حقه- ليس بمحرم.
وقال- في فتواه للشيخ أبي عبد الله بن النعمان-: سماع ما يحرك الأحوال السنية المذكرة للآخرة مندوب. وقاله الغزالي في الإحياء. وقال الإمام أبو بكر بن فورك:
من سمع الغناء والقول على تأويل نطق به القرآن أو جاءت به السنة، أو على طريق الرغبة إلى الله تعالى أو الرهبة منه، فهنيئا له، ومن سمعه على اعتقاد معنى في المسموع في الأنبياء والأولياء فحاله أتم ممن تقدمه وهو الذي يسمع في جاريته أو في زوجته، ومن سمعه على حظ نفسه في القينات- لاحظ روحه وقلبه- فليستغفر الله تعالى.
ولهذا قال الجنيد رضي الله عنه: الناس في السماع على ثلاثة أضرب:
العوام والزهاد والعارفون، فأما العوام فحرام عليهم لبقاء نفوسهم، وأما الزهاد فيباح لهم لحصول مجاهدتهم، وأما أصحابنا فيستحب لهم.
وإلى هذا ذهب أبو طالب المكي في القوت، والسهروردي في العوارف، وقال أبو طالب: لو أنكرنا السماع من غير تفصيل فقد أنكرنا على سبعين صديقا.
وقال السهروردي: المنكر للسماع. إما جاهل بالسنن والآثار وإما مغتر بما أتيح له من أعمال الأخيار وإما جامد الطبع لا ذوق له فيصر على الإنكار.
قال بعض العارفين: السماع لما سمع له، كماء زمزم لما شرب له. قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنما الأعمال بالنيات.
قال الأستاذ الكبير أبو القاسم الجنيد: [/align]
[align=center]وغنّى لي من قلبي وغنّيت كما غنّى وكنا حيثما كانوا وكانوا حيثما كنـا[/align]
[align=justify]القسم الثاني: في الغناء المقارن للدف والشبابة:
فقال أصحابنا المالكية: من السنة إعلان النكاح بالدف وحكاه شارح المقنع عن الحنابلة وأبو بكر العامري عن الشافعية.
وذهبت طائفة إلى إباحته مطلقا وعليه جرى إمام الحرمين، والغزالي ، وحكى غير واحد من الشافعية وجهين في غير النكاح والختان، وصحح الرافعي الجواز، وكذا القاضي أبو بكر بن العربي من المالكية.
وأما الشبابة- وهي القصبة المثقبة: قال أصحاب الموسيقى:
إنها آلة كاملة وافية بجميع النغمات- فاختلف العلماء فيها: فذهبت طائفة إلى التحريم وذهبت طائفة إلى الإباحة، وهو مذهب جماعة من الشافعية، واختاره الغزالي، والعامري، والرافعي- في الشرح الصغير- وقال: انه الأظهر، وقال- في الكبير-: إنه الأقرب، واختاره الإمام: عز الدين بن عبد السلام، والإمام تقي الدين بن دقيق العيد، والإمام قاضي القضاة: ابن جماعة: وقال تاج الدين الشريسي: إنه مقتضى المذهب، وقال الرافعي: إن نبي الله داود عليه الصلاة والسلام كان يضرب بها في غنمه، قال: وروى عن الصحابة الترخيص في الراعي.
قالوا: والشبابة تجري الدمع، وترقق القلب، وتحث على السير، وتجمع البهائم إذا سرحت، ولم يزل أهل الصلاح والمعارف والعلم يحضرون السماع بالشبابة، وتجري على أيديهم الكرامات الظاهرة، وتحصل لهم الأحوال السنية، ومرتكب المحرم- لا سيما إذا أصر عليه- يفسق به وقد صرح إمام الحرمين، والمتولي وغيرهما من الأيمة بامتناع جريان الكرامة على يد الفاسق. القسم الثالث: وهو سماع الغناء بالأوتار وسائر المزامير: أما العود- وهو معروف، ويقال إن أول من صنعه مالك بن آدم أبي البشر عليه السلام لما مات ولده، وقيل صنعه أهل الهند على طبائع الإنسان- فقد اختلف العلماء فيه وفيما جرى مجراه من الآلات المعروفة ذوات الأوتار، فالمشهور من مذاهب الأيمة الأربعة أن الضرب به وسماعه حرام وذهبت طائفة إلى جوازه، ونقل سماعه عن: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان وعمر بن العاص، وغيرهم.
ومن التابعين عن: خارجة بن زيد وعبد الرحمان بن حسان، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي، وابن أبي عتيق، وأكثر فقهاء المدينة، ونقل عن مالك سماعه وليس ذلك بالمعروف عند أصحابه، وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي- في كتابه شرح الترمذي الذي سماه بالعارضة لما تكلم على إباحة الغناء-: وإن زاد فيه أحد على ما كان في عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عودا يصوت عليه نغمة فقد دخل في قوله: مزمار الشيطان في بيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟! فقال: دعهما فإنه يوم عيد، وإن اتصل نقر طنبور به، فلا يؤثر أيضا في تحريمه، فإنها كلها آلات تتعلق بها قلوب الضعفاء وللنفس عليها استراحة وطرح لثقل الجد الذي لا تحمله كل نفس: ولا يتعلق به قلب، فإن تعلقت به نفس فقد سمح الشرع لها فيه العود يسمى طنبورا، وهو المعروف في اللغة.
وحكى إباحته الماوردي عن بعض الشافعية، ومال إليه الأستاذ: أبو منصور البغدادي، ونقل عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنه كان مذهبه ومشهورا عنه، وأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه أنكره عليه، حكاه ابن طاهر المقدسي عنه، وكان قد عاصر الشيخ، وحكاه عن أهل المدينة، وادعى أنه لا خلاف بينهم فيه، وكان إبراهيم بن سعد: من علماء المدينة يقول بإباحته، ولا يحدث حديثا حتى يضرب به، ولما قدم بغداد واجتمع بالخليفة هارون قال له: حدثنا يا إبراهيم حديثا، ائتني بالعود يا أمير المؤمنين، قال: أتريد عود المجمر أم عود الغناء؟ قال: لا، عود الغناء، فأحضره له فضرب به وغناه ثم حدثه.
وإبراهيم بن سعد أحد شيوخ الشافعي رضي الله عنه، وروى عنه البخاري، وهو إمام مجتهد مشهور، عدل بارز ثقة مأمون، ولما ضرب بالعود بين يدي هارون الرشيد قال له يا إبراهيم من قال بتحريم هذا من علمائكم؟ قال: من ربطه الله يا أمير المؤمنين.
وذكر الإمام ابن عرفة- في مختصره الفقهي عن إبراهيم بن سعد- إباحة الغناء بالعود، ونقل الإمام المازري من أصحابنا المالكية عن عبد الله بن عبد الحكم أنه مكروه، وحكي عن الإمام عز الدين بن عبد السلام أنه مباح، ثم اختلف الذين ذهبوا إلى تحريمه هل هو كبيرة أو صغيرة؟ والأصح- عند المتأخرين من الشافعية أنه صغيرة، وهو اختيار إمام الحرمين ولا ترد بسماعه شهادة وحكى المازري في شرح التلقين عن ابن عبد الحكم أنه قال: إذا كان في عرس أو صنيع فلا ترد به شهادة، قال الأستاذ: شرف الدين بن الفارض- رضي الله عنه:[/align]
[align=center]ولاتك باللاهي عن اللهو معرضا فهزل الملاهي جّد نفس مجدة.[/align] [align=justify]فصل في الرقص:
وقد اختلف فيه الفقهاء: فذهبت طائفة إلى الكراهة، منهم: القفال حكاه الروياني في البحر، وقال الأستاذ: أبو منصور: تكلف الرقص على الإيقاع مكروه. وذهبت طائفة إلى إباحته، قال صاحب العمدة من الشافعية: الغناء مباح أصله، وكذلك ضرب القضيب، والرقص، وما أشبه ذلك، وقال إمام الحرمين: الرقص ليس بمحرم، فإنه حركات على استقامة أو اعوجاج، ولكن كثيره يحرم المروءة، وكذلك قال: المحلي والعماد السهروردي والرافعي، واحتج عليه الرافعي بما يقتضي إباحته، وجزم الغزالي بإباحته. وقال الحليمي في منهاجه: إذا لم يكن فيه تثن وتكسر فلا بأس به.
وقال الإمام النووي- في المنهاج-: ويباح رقص ما لم يكن بتكسر وتثن كهيئة مخنث. والأمر فيه مختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأماكن، وذهبت طائفة إلى التفرقة بين أرباب الأحوال وغيرهم، فيجوز لأرباب الأحوال ويكره لغيرهم. وهذا القول هو المرتضى وعليه أكثر الفقهاء المسوغين لسماع الغناء وهو مذهب السادة الصوفية رضي الله عنهم أجمعين وبعض المتصوفة يفرق بين أن يشير به شيخ أم لا. فإن أشار به شيخ اعتمد. وإلا فلا.
واحتج من ذهب لإباحة الرقص بالسنة والقياس.
أما السنة فما روته عائشة رضي الله عنها- في الصحيح- من رقص الحبشة في المسجد يوم عيد، وأن الرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دعاها فوضعت رأسها على منكبه، قالت: فجعلت أنظر إليهم حتى كنت أنا التي أنصرف عن النظر إليهم.
وأن جعفر وعليا وزيدا حجلوا لما قال لهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما قال من الثناء عليهم. فقال لعلي- رضي الله عنه- أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت منا ومولانا.
والمشهور عن الإمام عز الدين بن عبد السلام أنه كان يرقص في السماع، ذكره غير واحد عنه في طبقات الشافعية كالأسنوي والسبكي، وغيرهما من الأيمة الثقات، وذكر ذلك عنه الشيخ العارف تاج الدين بن عطاء الله في كتابه: لطائف المنن.
وأما القياس فهو مساواة فرع لأصل في علة حكمه، فيقاس على الأصل: فعل الحبشة، وفعل علي حين حجل هو ومن شاركه في فعله من الصحابة، فافهم ذلك والله سبحانه أعلى وأعلم. فصل في من حضر السماع بالدف والشبابة من مشاهير العلماء المتأخرين من أهل المشرق ومن أهل المغرب. فمن أهل المشرق:
الشيخ عز الدين بن عبد السلام، حكاه عنه غير واحد من العلماء في كتبهم: ذكر ذلك الأدفوي في كتابه: الإمتاع بأحكام السماع.
قال الشيخ الإمام ابن القماح: سئل الشيخ عز الدين عن الآلات كلها: فقال: مباح: فقال الشيخ شرف الدين التلمساني: يريد أنه لم يرد دليل صحيح من السنة على تحريمه، يخاطب بذلك أهل مصر فسمعه الشيخ عز الدين، قال: لا، أردت أن ذلك مباح.
وحضر السماع بالدف والشبابة الشيخ: تاج الدين الفزاري شيخ دمشق ومفتيها وحضره غير مرة. قال في كتابه الذي سماه: نور القبس: إنه كان في عصره شيخ مقعد فإذا غشيه الحال في السماع قام منتصبا زمانا طويلا كأصح الرجال.
وحضر السماع الإمام الحافظ الورع المجتهد: تقي الدين بن دقيق العيد غير مرة بالشبابة والدف. قالوا: ولما حضر بإسنا عمل لأجله سماع بالشبابة والدف، وكان المغني يغني والشيخ تقي الدين والشيخ بهاء الدين القفطي- تلميذ والد الشيخ- والفقهاء العدول حاضرون، والفقراء يرقصون في السماع.
قال الأدفوي: فقيل للشيخ ابن دقيق العيد: ما تقول في هذا الأمر؟ قال: لم يرد حديث صحيح على منعه، ولا حديث صحيح على جوازه، وهذه مسالة اجتهاد: فمن اجتهد وأداه اجتهاده إلى التحريم قال به، ومن اجتهد وأداه اجتهاده إلى الجواز قال به، وأحضر أهل هذا السماع- الذي حضره الشيخ تقي الدين- الشيخ عليا الكردي نفعنا الله به، وحصل للجماعة حال وغيبة عظيمة، ثم حضرت الصلاة فتقدم بعض الجماعة للإمامة فقال الشيخ تقي الدين: حصل في نفسي شيء، فقلت: لو أنه توضأ؟ فلما فرغت الصلاة قال لي: الشيخ ما غاب غيبة يحصل بها نقض الوضوء.
وكذلك لما حضر بأخميم، وحضر لحضور الشيخ جماعة أيمة، قال شهاب الدين بن عبد الظاهر:
رأيت الشيخ تقي الدين وقد حصلت له غيبة وهو يتمشى ويقول: أرى السماع- لمثل هؤلاء- قربة.
وسأل الشيخ شهاب الدين الدشناوي الشيخ تقي الدين- وهو يومئذ قاضى القضاة-: ما تقول في السماع؟ فقال: هو مباح. قلت: بالشبابة والدف ؟! قال: إياه أعني.
وقال الشيخ شمس الدين القماح: سمعت الشيخ تقي الدين يقول- في درس جامع ابن طولون- حضرت سماعا وفيه فقير وأن القوال غنى قصيدة ابن الخياط التي أولها:[/align]
[align=center]خذِا من صبا نجد أمانا لقلبه فقد كاد ريّاها يطير بلبـه
إلى أن قال:
وفي الركب مطوي الضلوع على جوى متى يدعه داعـي الـغـرام يلـبّـه[/align]
[align=justify]وإن الفقير حط رأسه، وقال: لبيك، ومات رحمة الله عليه.
قالوا وسمعه غير مرة الإمام قاضي القضاة: بدر الدين بن جماعة بالشبابة والدف، وشاهد فيه من بعض الصلحاء أحوالا عظيمة وحضره شيخ الشيوخ والعلماء: شمس الدين الأصبهاني الشارح المصنف الشهير مرات كثيرة، والشيخ النقوشاني، والشيخ: علاء الدين التركماني، والشيخ شهاب الدين الكركي.
ومن المغرب: حضره السلطان أبو الحسن: سلطان فاس المحروسة مع مشاهير من المفتين والمصنفين، فمنهم الإمام أبو زيد وأبو موسى، ولم يكن لهما نظير في عصرهما، وحضره الإمام حافظ المغرب: أبو عبد الله: محمد السطي، والإمام أبو عبد الله الأبلي أحد شيوخ الإمام ابن عرفة، ولقي هذا الإمام- في سياحته- الخضر وأخذ عنه الأسماء الحسنى، والإمام: القوري. والإمام أبو عبد الله بن عبد الرزاق الجزولي والإمام أبو الفضل المردعي، والإمام أبو عبد الله الصفار، والإمام أبو عبد الله بن الحفيد السلوي والإمام حافظ عصره ومحدث وقته: أبو محمد عبد المهيمن الحضرمي، وهذا الإمام الحضرمي عبد المهيمن قال في حقه الأستاذ ابن حيان:[/align]
[align=center]ليس في المغرب عالم غير عبد المهـيمـن نحن في العلم أسوة أنا منه وهو مـنـي[/align]
[align=justify]بالتخفيف وهي لغة.
والإمام أبو عبد الله الرندي، وإمام بجاية وحافظها أبو عبد الله بن المسفر والإمام أبو محمد بن الكاتب، وإمام عصره أبو عبد الله بن عبد السلام: شارح ابن الحاجب، والإمام أبو عبد الله ابن هارون: المصنف الشهير، والإمام أبو عبد الله محمد الأجمي: قاضي القضاة، وكانت تبدو منه العجائب من الأحوال وقت السماع. قال الشيخ: وممن رأيته يغيب وتبدو منه أحوال ومكاشفات وكرامات- في السماع- الشيخ محمد النحاس. بالقاهرة المحروسة: قلت: وسمعت من غير واحد عن الشيخ الإمام قاضي القضاة: شمس الدين البساطي رحمة الله عليه أنه كان يرقص في السماع بالدفوف والشبابة، وأخبرني من شاهده وهو معتنق مع ولي الله الكبير الشهير سيدي: علي بن وفا: رضي الله عنه يرقصان بالدف والشبابة، وهذا مشهور عنه.
وعمل سماع بالشام أيام وفور الناس بها وحضره كل عالم ومفتي كان بها حتى قيل: لو وقع عليهم سقف لم يبق بها عالم ولا مفتي.
ومن له اتساع علم، وذوق ومشرب ورقة طبع أدرك معنى السماع، ومن حرم ذلك فهو حمار هالك، وما يعقلها إلا العالمون. حكاية:
قال عبد اللطيف بن أبي الطاهر بن هبة البغدادي الإمام: حضرت يوما في زاوية الجنيد ببغداد يقال لها: الشونيزية مع جماعة السادة الصوفي، وبينهم شخص يقال له: محمد الطوسي ومعهم شريف ولي من أولياء الله تعالى فأحضروا قوالا ينشد: فأنشدهم من الوافر:[/align]
[align=center]علاني من صدودك ما علاني وعاودني هواك كما بدانـي وأنت ضمنت أنّك لي محـبّ فديتك لم تحول عن الضمان؟ أليس الله يعلـم أن قـلـبـي يحبّك أيها القلب اليمـانـي لقد حكم الزمان علىَّ حـتّـى أراني في هواكم ما أرانـي لقد أسكنت حبَّكَ في فـؤادي مكانا ليس يعرفه جنـانـي كأنّكَ قد حكمت على ضميري فغيرك لا يمر على لسانـي[/align]
[align=justify]فقال الشيخ: إيه، وأنشد أبياتا أخر فقام الشريف الصوفي على رأسه والتفت أذياله على رجليه، وبقي قائما على رأسه إلى أن انتصف الليل، فحمل فإذا به ميت، قلت: فأين هذا الحال الصادق البعيد من غليظ الطبع المحروم؟! فإنا لله، وإنا إليه راجعون، نعوذ بالله من حالة الطرد، وسوء الحجاب، ونحمده سبحانه على التوفيق والإيمان ونسأله الأمان،آمين.
خاتمة :
ارتكاب الصغيرة لا يقدح في الولاية، وإن تكررت ورفعت إلى الحكام لا يعزرون عليها، لأنهم أولى من سترت عورته وأقيلت عثرته، قاله الإمام: عز الدين بن عبد السلام.
مسألة :
من ارتكب أمرا فيه خلاف لا يعزر عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: ادرؤوا الحدود بالشبهات.
قال الإمام الشافعي- رضي الله عنه-: إن الله لا يعذب على فعل اختلف العلماء فيه، ومعلوم من مذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة ممن آمن بالله ورسوله. واختلاف المذاهب رحمة في هذه الأمة .
قال الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: بعثت بالحنيفية السمحة، قال الله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج. أي: ضيق.
قال الإمام: عز الدين ابن عبد السلام: إن الله تبارك وتعالى لم يوجب على أحد أن يكون مالكيا ولا شافعيا ولا حنبليا والواجب عليهم اتباع الكتاب والسنة ومن اقتدى بقول عالم فقد سقط عنه الملام، والسلام. توضيح وبيان:
وتحرير بميزان: قد غلب الجهل على أهل هذا الزمان وفشا، ولم يصدق أحدهم إلا بما عليه نشا، فلهذا يسارع كل منهم إلى التكفير والنكير، وما علم المسكين ما فاته من العلم الكثير: فاسمع أيها الجاهل، تحرير العلماء الأكابر، ولا تلتفت إلى السفلة الأصاغر، وما هم عليه من عصبية الإنكار، سيما على الأولياء الكبار، حتى أن أحدهم يسفه بالمقال، ولم يدر حقيقة ما قال، وما مثل هؤلاء في تنطعهم في الغسل والوضوء ووقوعهم- بالأغراض-، إلا كما قال بعض الأكابر: ورع هؤلاء يسمى: الورع الكلبي: يرفع رجله عند البول: ويرتع بفمه في الميتة. وقديما قيل:[/align]
[align=center]سلاح الـلــئام قبـيح الـكـلام ولم تزل الأشراف مبتلين بالأطراف سنة الله قدم بقـدم فيمن تأخّر وتقدّم[/align]
[align=justify]وإذ قد علمت هذا، فاسمع التحرير من التحرير، سأل الإمام الأذرعي شيخ الإسلام: تقي الدين السبكي عن تكفير أهل الأهواء والبدع ممن خالف السنة. فقال:
اعلم أنا نستعظم القول بالتكفير لأنه يحتاج إلى أمرين عزيزين أحدهما:
تحرير المعتقد، وهو صعب من جهة الاطلاع على ما في القلب: وتخليصه عما يشيبه، وتحريره، ويكاد الشخص يصعب عليه تحرير اعتقاد نفسه فضلا عن غيره.
الأمر الثاني: الحكم بأن ذلك كفر، وهو صعب من جهة صعوبة علم الكلام ومأخذه، وتمييز الحق فيه من غيره، وإنما يحصل ذلك لرجل جمع صحة الذهن ورياضة النفس واعتدال المزاج، والتهذيب بعلوم النظر: والامتلاء من علوم الشريعة، وعدم الميل إلى الهوى، وبهذين الأمرين يمكن القول بالتكفير أو عدمه، ثم ذلك إما في شخص خاص، وشرطه- مع ذلك- اعتراف الشخص به، وهيهات أن يحصل.
وأما البينة- في ذلك- فصعب قبولها، لأنها تحتاج- في الفهم- إلى ما قدمناه. وإما في فرقة. فإنما يقال ذلك من حيث العلم الجملي، وإما على أناس بأعيانهم فلا سبيل إلى ذلك إلا بالإقرار أو ببينة ولا يكفي- في ذلك- أن يقال: هذا من تلك الفرقة لصعوبة ما قدمناه، والغالب على الفرق أنهم عوام لا يعرفون الاعتقاد، وإنما يحبون مذهبا ينتمون إليه من غير إحاطة بكنهه، فلو قدمنا على ذلك وحكمنا بتكفيرهم: جر ذلك فسادا عظما، وإن كنا نحكم من حيث الجملة على من اعتقد أنه كافر، والثاني: في تشخيصه، على أن التكفير صعب بكل حال، ولا ينكر إذا حصل شرطه.
ولقد رأيت تصانيف جماعة يظن بهم أنهم من أهل العلم، ويتعلقون بشيء من رواية الحديث، وربما كان لهم نسك وعبادة، وشهرة بالعلم تكلموا بأشياء ورووا أشياء تنبي عن جهلهم العظيم، وتساهلهم في نقل الكذب الصريح، ويقدمون على تكفير من لا يستحق التكفير، وما سبب ذلك إلا ما هم عليه من فرط الجهل، والتعصب، والنشأة على شيء لم يعرفوا سواه وهو باطل، ولم يشتغلوا بشيء من العلم حتى يفهموا، بل هم في غاية الغباوة، فالأولى الإعراض عمن هذا شأنه وإن وجدت أحدا يقبل الهدي هديته وتركت عموم الناس موكولين إلى خالقهم العام بسرائرهم، يجازيهم يوم يبعثهم. انتهى.[/align]
[align=justify]تتميم وتكميل:
من غلب على روحه سلطان المحبة والغرام، شطح ورقص وهام، وصاحب هذا المقام لا يفرغ عن السماع والاستمتاع في كل الأحايين، والأوقات، له أفراح وأوقات، بها يحيا ويقتات.
كان بعض الأولياء لا يقوم ولا يقعد إلا بالسماع حتى كان يقال في حقه من أهل بلده: الزنديق، لأنه كان إذا قرئ عليه القرآن لا يتواجد، ولا يستمع، وإذا غني له بالأشعار يستمع ويطيب، فلما حضرته الوفاة قال لأصحابه: إذا مت فغسلوني بالسماع، وإذا حملت على الأعناق فأقيموا السماع، وإذا نزلت إلى قبري كذلك، فلما مات حضر الأكابر من الفقهاء والرؤساء فاستحيى أصحابه أن يحضروا آلات الطرب.
فلما فرغ من غسله وأرادوا حمله في التابوت لم يقدروا على ذلك، وتكاثر الناس على حمله فلم يستطيعوا فقال بعض من حضر من الأكابر والفقهاء:
فهل أوصاكم الشيخ بوصية؟ قالوا: نعم، أوصانا أن لا نغسله إلا بالسماع، فلما حضرتم استحيينا منكم، فقالوا: افعلوا ما أوصاكم به، فحركوا الآلات وأنشدوا، فحمل بسرعة، وهذه حكاية مشهورة ذكرها صاحب: الوحيد في أخبار أهل التوحيد، وهنا سؤال وجواب عنه ، فإن قلت:
هلا كان الاستماع والتواجد على كلام الله تعالى الذي هو أفضل من كلام المخلوقين وأجل وأعظم، وفي سماعه ثواب؟
قلت الجواب: كلام الله سبحانه قديم، ومستمعه حادث، ولا جامع بين القديم والحادث في مناسبة حتى يحدث في سماعه طرب وإنما يحصل في سماعه الخشوع والهيبة والتعظيم، فافهم ترشد.
وبعض القوم يسمع السماع فرحا بمقام عرس الوصال، قال الله تعالى: فرحين بما آتاهم الله من فضله.
وإذا ثبتت الولاية ذهب الخوف والحزن جميعا، قال الله تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
[وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم الكافي والكفيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد: خاتم النبيين والمرسلين، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليما كثيرا، دائما إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.]
[تمت بحمد الله وحسن عونه][/align] [/font]
_________________ رضينا يا بني الزهرا رضينا بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا
يا رب
إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ
|