موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: --( أفـــات اللســـان - الإمام الغزالى )--
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 28, 2009 9:51 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 12:00 pm
مشاركات: 1777
[align=center]
كتاب آفات اللسان
وهو الكتاب الرابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين


للإمام أبو حامد الغزالى
رضى الله عنه و أرضاه

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله،
وألهمه نور الإيمان فزينه وجمله،
وعلمه البيان فقدمه به وفضله،

وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله،
ثم أرسل عليه ستراً من رحمته وأسبله،

ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله،
ويكشف عنه ستره الذي أرسله،
وأطلق بالحق مقوله،
وأفصح بالشكر عما أولاه وخوله،
من علم حصله ونطق سهله،

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأن محمداً عبده ورسوله الذي أكرمه وبجله،
ونبيه الذي أرسله بكتاب أنزله،
وأسمى فضله وبين سبله،
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن قبله ما كبر الله عبد وهلله.

أما بعد:

فإن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبه،
فإنه صغير جِرمه،
عظيم طاعته وجُرمه،
إذا لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان
وهما غاية الطاعة والعصيان،

ثم إنه ما من موجود أو معدوم
خالق أو مخلوق
متخيل أو معلوم
مظنون أو موهوم
إلا واللسان يتناوله ويتعرض له بإثبات أو نفي،

فإن كل ما يتناوله العلم يعرب عنه اللسان
إما بحق أو باطل
ولا شيء إلا والعلم متناول له

وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء،
فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور،
والآذان لا تصل إلى غير الأصوات،
واليد لا تصل إلى غير الأجسام،
وكذا سائر الأعضاء.

واللسان رحب الميدان
ليس له مرد
ولا لمجاله منتهى وحد،
له في الخير مجال رحب
وله في الشر ذيل سحب،

فمن أطلق عذبة اللسان
وأهمله مرخى العنان
سلك به الشيطان في كل ميدان
وساقه إلى شفا جرف هار
إلى أن يضطره إلى البوار،

ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم

ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع،
فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة
ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله

وعلم ما يحمد فيه إطلاق اللسان أو يذم غامض عزيز،
والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير،
وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان
فإنه لا تعب في إطلاقه
ولا مؤنة في تحريكه

وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله
والحذر من مصائده وحبائله،
وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان.

ونحن بتوفيق الله وحسن تدبيره نفصل مجامع آفات اللسان
ونذكرها واحدة واحدة بحدودها وأسبابها وغوائلها.
ونعرف طريق الاحتراز عنها،
ونورد ما ورد من الأخبار والآثار في ذمها.

فنذكر أولاً فضل الصمت

ونردفه بذكر آفة الكلام فيما لا يعني،

ثم آفة فضول الكلام،

ثم آفة الخوض في الباطل،

ثم آفة المراء والجدال؛

ثم آفة الخصومة،

ثم آفة التقعر في الكلام بالتشدق
وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه
وغير ذلك مما جرت به عادة المتفاصحين
المدعين للخطابة،

ثم آفة الفحش والسب وبذاءة اللسان،

ثم آفة اللعن إما لحيوان أو جماد أو إنسان،

ثم آفة الغناء بالشعر
وقد ذكرنا في كتاب السماع
ما يحرم من الغناء وما يحل فلا نعيده-

ثم آفة المزاح،

ثم آفة السخرية والاستهزاء،

ثم آفة إفشاء السر،

ثم آفة الوعد الكاذب،

ثم آفة الكذب في القول واليمين،
ثم بيان التعاريض في الكذب،

ثم آفة الغيبة،

ثم آفة النميمة،

ثم آفة ذي اللسانين
الذي يتردد بين المتعاديين
فيكلم كل واحد بكلام يوافقه،

ثم آفة المدح،

ثم آفة الغفلة عن دقائق الخطأ في فحوى الكلام
لا سيما فيما يتعلق بالله وصفاته
ويرتبط بأصول الدين،

ثم آفة سؤال العوام عن صفات الله عز وجل
وعن الحروف أهي قديمة أو محدثة?
وهي آخر الآفات

و ما يتعلق بذلك
وجملتها عشرون آفة

ونسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه.
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: فضيلة الصمت
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس مايو 28, 2009 12:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 12:00 pm
مشاركات: 1777
[align=Right]
بيان عظيم خطر اللسان وفضيلة الصمت


اعلم أن خطر اللسان عظيم ولا نجاة من خطره إلا بالصمت،
فلذلك مدح الشرع الصمت وحث عليه

فقال صلى الله عليه وسلم "من صمت نجا"

وقال عليه السلام "الصمت حكم وقليل فاعله"
أي حكمة وحزم

وروى عبد الله بن سفيان عن أبيه قال:
قلت يا رسول الله أخبرني عن الإسلام بأمر

لا أسأل عنه أحداً بعدك
قال "قل آمنت بالله ثم استقم"
قال: قلت فما أتقي?
فأوما بيده إلى لسانه

وقال عقبة بن عامر: قلت يا رسول الله ما النجاة?
قال "أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وأبك على خطيئتك"

وقال سهل بن سعد الساعدي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من وقى شر قبقبه وذبذبه ولقلقه فقد وقى الشر كله"
القبقب: هو البطن والذبذب: الفرج، واللقلق: اللسان.

فهذه الشهوات الثلاث بها يهلك أكثر الخلق،
ولذلك اشتغلنا بذكر آفات اللسان
لما فرغنا من ذكر آفة الشهوتين البطن والفرج،

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أكثر ما يدخل الناس في الجنة
فقال "تقوى الله وحسن الخلق"
وسئل عن أكثر ما يدخل النار
فقال "الأجوفان: الفم والفرج"

فيحتمل أن يكون المراد بالفم آفات اللسان لأنه محله،
ويحتمل أن يكون المراد به البطن لأنه منفذه.

فقد قال معاذ بن جبل: قلت يا رسول الله أنؤاخذ بما نقول?
فقال صلى الله عليه و سلم
"ثكلتك أمك يا ابن جبل
وهل يكب الناس في النار على مناخرهم
إلا حصائد ألسنتهم?"

وقال عبد الله الثقفي:
قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به
فقال "قل ربي الله ثم استقم"
قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي?
فأخذ بلسانه وقال "هذا"

وروي أن معاذاً قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل?
فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لسانه
ثم وضع عليه أصبعه

وقال أنس بن مالك:
قال صلى الله عليه وسلم
"لا يستقيم إيمان العبد حتى يستقيم قلبه
ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه،
ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جاره بوائقه"

وقال صلى الله عليه وسلم:
"من سره أن يسلم فليلزم الصمت"

وعن سعيد بن جبير مرفوعاً
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إذا أصبح ابن آدم
أصبحت الأعضاء كلها تذكر اللسان
أي تقول اتق الله فينا
فإنك إن استقمت استقمنا
وإن اعوججت اعوججنا"

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
رأى أبا بكر الصديق رضي الله عنه
وهو يمد لسانه بيده
فقال له: ما تصنع يا خليفة رسول الله?
قال؛ هذا أوردني الموارد
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
"ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته"

وعن ابن مسعود أنه كان على الصفا يلبي
ويقول:
يا لسان قل خيراً تغنم
واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم،
فقيل له يا أبا عبد الرحمن أهذا شيء تقوله أو شيء سمعته?
فقال: لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
"إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه"

وقال ابن عمر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من كف لسانه ستر الله عورته
ومن ملك غضبه وقاه الله عذابه
ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره"

وروي أن معاذ بن جبل قال
يا رسول الله أوصني
قال "اعبد الله كأنك تراه
وعد نفسك في الموتى
وإن شئت أنبأتك بما هو أملك لك من هذا كله"
وأشار بيده إلى لسانه

وعن صفوان بن سليم قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن
الصمت وحسن الخلق"

وقال أبو هريرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت"

وقال الحسن
ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
"رحم الله عبداً تكلم فغنم أو سكت فسلم"

قيل لعيسى عليه السلام:
دلنا على عمل ندخل به الجنة
قال: لا تنطقوا أبداً
قالوا: لا نستطيع ذلك
فقال: فلا تنطقوا إلا بخير.

وقال سليمان بن داود عليهما السلام:
إن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب

وعن البراء بن عازب قال
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: دلني على عمل يدخلني الجنة،
قال "أطعم الجائع
واسق الظمآن
وأمر بالمعروف وانه عن المنكر
فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير"

وقال صلى الله عليه وسلم
"اخزن لسانك إلا من خير فإنك بذلك تغلب الشيطان"

وقال صلى الله عليه وسلم
"إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ علم ما يقول"

وقال عليه السلام
الناس ثلاثة: غانم وسالم وشاحب.
فالغانم الذي يذكر الله تعالى،
والسالم الساكت،
والشاحب الذي يخوض في الباطل

وقال عليه السلام
"إن لسان المؤمن وراء قلبه
فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره

بقلبه ثم أمضاه بلسانه،
وإن لسان المنافق أمام قلبه،
فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه

ولم يتدبره بقلبه"

وقال عيسى عليه السلام:
العبادة عشرة أجزاء:
تسعة منها في الصمت
وجزء في الفرار من الناس

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم
"من كثر كلامه كثر سقطه،
ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه،
ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به"

الآثار:

كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه
يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام،
وكان يشير إلى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد.

وقال عبد الله بن مسعود: والله الذي لا إله إلا هو ما شيء أحوج إلى طول سجن من لسان.

وقال طاوس: لساني سبع إن أرسلته أكلني.

وقال وهب بن منبه: في حكمة آل داود؛
حق على العاقل أن يكون عارفاً بزمانه حافظاً للسانه مقبلاً على شأنه.

وقال الحسن: ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه.

وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-
أما بعد: فإن من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير،
ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.

وقال بعضهم: الصمت يجمع للرجل فضيلتين؛
السلامة في دينه والفهم عن صاحبه.

وقال محمد بن واسع لمالك بن دينار:
يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.

وقال يونس بن عبيد:
ما من الناس أحد يكون منه لسان على بال إلا رأيت صلاح ذلك في سائر عمله.

وقال الحسن تكلم قوم عند معاوية رحمه الله والأحنف بن قيس ساكت

فقال له: مالك يا أبا بحر لا تتكلم?
فقال له: أخشى الله إن كذبت وأخشاك إن صدقت.


وقال أبو بكر بن عياش:
اجتمع أربعة ملوك؛ ملك الهند وملك الصين وكسرىوقيصر،
فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل،
وقال الآخر: إني إذا تكلمت بكلمة ملكتني ولم أملكها وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني،
وقال الثالث: عجبت للمتكلم إن رجعت عليه كلمته ضرته وإن لم ترجع لم تنفعه،
وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت.

وقيل: أقام المنصور بن المعتز لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة أربعين سنة.

وقيل: ما تكلم الربيع بن خيثم بكلام الدنيا عشرين سنة
وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاساً وقلماً
فكل ما تكلم به كتبه ثم يحاسب نفسه عند المساء.

فإن قلت: فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه?

فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان

من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش
والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل
والخصومة والفضول والتحريف والزيادة والنقصان
وإيذاء الخلق وهتك العورات.

فهذه آفات كثيرة وهي سياقة إلى اللسان
لا تثقل عليه ولها حلاوة في القلب
وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان،
والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان
فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب

فإن ذلك من غوامض العلم -كما سيأتي تفصيله-
ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة

فلذلك عظمت فضيلته،

هذا مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار
والفراغ للفكر والذكر والعبادة
والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة.

فقد قال الله تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد".

ويدلك على فضل لزوم الصمت أمر،
وهو أن الكلام أربعة أقسام:
قسم هو ضرر محض،
وقسم هو نفع محض،
وقسم فيه ضرر ومنفعة،
وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة.

أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه،

وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.

وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول
والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران،

فلا يبقى إلا القسم الرابع، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي الربع،
وهذا الربع فيه خطر
إذ يمتزج بما فيه إثم من دقائق الرياء والتصنع والغيبة وتزكية النفس
وفضول الكلام امتزاجا يخفى دركه
فيكون الإنسان به مخاطراً.

ومن عرف دقائق آفات اللسان -على ما سنذكره-
علم قطعاً أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصل الخطاب
حيث قال "من صمت نجا"

فلقد أوتى والله جواهر الحكم قطعا وجوامع الكلم
ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواص العلماء


وفيما سنذكره من الآفات وعسر الاحتراز عنها
ما يعرفك حقيقة ذلك إن شاء الله تعالى.

ونحن الآن نعد آفات اللسان ونبتدئ بأخفها ونترقى إلى الأغلظ قليلاً،
ونؤخر الكلام في الغيبة والنميمة والكذب فإن النظر فيها أطول

وهي عشرون آفة فاعلم ذلك

ترشد بعون الله تعالى.
[/align]


[align=Left]
يتبع بمشيئة الله تعالى و بركة حبيبه صلى الله عليه و سلم
[/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت مايو 30, 2009 9:16 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 12:00 pm
مشاركات: 1777


[align=center]من كتاب آفات اللسان
وهو الكتاب الرابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين

للإمام أبى حامد الغزالى
رضى الله عنه و أرضاه


الآفة الأولى

الكلام فيما لا يعنيك[/align]


[align=right]اعلم أن أحسن أحوالك أن تحفظ ألفاظك من جميع الآفات التي ذكرناها
من الغيبة والنميمة والكذب والرياء والجدال وغيرها،
وتتكلم فيما هو مباح لا ضرر عليك فيه وعلى مسلم أصلاً

إلا أنك تتكلم بما أنت مستغن عنه ولا حاجة بك إليه،
فإنك مضيع به زمانك
ومحاسب على عمل لسانك
وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير،

لأنك لو صرفت زمان الكلام إلى الفكر
ربما كان ينفتح لك من نفحات رحمة الله عند الفكر ما يعظم جدواه،
ولو هللت الله سبحانه وذكرته وسبحته لكان خيراً لك
فكم من كلمة يبنى بها قصراً في الجنة?

ومن قدر على أن يأخذ كنزاً من الكنوز
فأخذ مكانه مدرة لا ينتفع بها كان خاسراً خسراناً مبيناً.

وهذا مثال من ترك ذكر الله تعالى
واشتغل بمباح لا يعنيه
فإنه وإن لم يأثم فقد خسر حيث فاته الربح العظيم بذكر الله تعالى

فإن المؤمن لا يكون صمته إلا فكرا
ونظرة إلا عبرة
ونطقه إلا ذكراً
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم.

بل رأس مال العبد أوقاته
ومهما صرفها إلى ما لا يعنيه
ولم يدخر بها ثواباً في الآخرة
فقد ضيع رأس ماله.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"

بل ورد ما هو أشد من هذا
قال أنس:
استشهد غلام منا يوم أحد
فوجدنا على بطنه حجراً مربوطاً من الجوع
فمسحت أمه عن وجهه التراب
وقالت هنيئاً لك الجنة يا بني،
فقال صلى الله عليه وسلم
"وما يدرك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره?"

وفي حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا
فسأل عنه
فقالوا مريض
فخرج يمشي حتى أتاه
فلما دخل عليه قال "أبشر يا كعب"
فقالت أمه هنيئاً لك الجنة يا كعب
فقال صلى الله عليه وسلم "من هذه المتألية على الله?"
قال: هي أمي يا رسول الله
قال "وما يدريك يا أم كعب لعل كعباً قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه"

ومعناه أنه إنما تتهيأ الجنة لمن لا يحاسب
ومن تكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه وإن كان كلامه مباح
فلا تتهيأ الجنة مع المناقشة في الحساب
فإنه نوع من العذاب.

وعن محمد بن كعب قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة"
فدخل عبد الله بن سلام
فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبروه بذلك
وقالوا: أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به
فقال: إني لضعيف
وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر
وترك ما لا يعنيني

وقال أبو ذر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان"
قلت: بلى يا رسول الله
قال "هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك"

وقال مجاهد:
سمعت ابن عباس يقول:
خمس لهن أحب إلى من الدهم الموقوفة:

لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر،

ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً
فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه
فعنت،

ولا تمار حليماً ولا سفيهاً
فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك،

واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به،
وأعفه مما تحب أن يعفيك منه،
وعامل أخاك بما تحب أن يعاملك به،

واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالاحترام.

وقيل للقمان الحكيم: ما حكمتك?
قال: لا أسأل عما كفيت ولا أتكلف ما لا يعنيني.

وقال مورق العجلي:
أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه
ولست بتارك طلبه
قالوا: وما هو?
قال: السكوت عما لا يعنيني.

وقال عمر رضي الله عنه:
لا تتعرض لما لا يعنيك
واعتزل
وأحذر صديقك من القوم إلا الأمين،
ولا أمين إلا من خشى الله تعالى،
ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره
ولا تطلعه على سرك،
واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى.


وحد الكلام فيما لا يعنيك و سببه الباعث عليه و علاجه:.............................
[/align]
[align=left]يتبع بمشيئة الله تعالى و بركة حبيبه صلى الله عليه و سلم [/align]


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: حد الكلام فيما لا يعنى
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد مايو 31, 2009 6:41 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 12:00 pm
مشاركات: 1777


[align=center]من كتاب آفات اللسان
وهو الكتاب الرابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين

للإمام أبى حامد الغزالى
رضى الله عنه و أرضاه


تابع:الآفة الأولى

الكلام فيما لا يعنيك[/align]


[align=right]
وحد الكلام فيما لا يعنيك:

أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لم تأثم ولم تستضر به في حال ولا مال،

مثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار،
وما وقع لك من الوقائع،
وما استحسنته من الأطعمة والثياب،
وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم.

فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تستضر.
وإذا بالغت في الجهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان،
ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة،
ولا اغتياب لشخص
ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى
فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك

-وأنى تسلم من الآفات التي ذكرناها-

ومن جملتها أن تسأل غيرك عما لا يعنيك
فأنت بالسؤال مضيع وقتك
وقد الجأت صاحبك أيضاً بالجواب إلى التضييع،
هذا إذا كان الشيء مما لا يتطرق إلى السؤال عنه آفة،
وأكثر الأسئلة فيها آفات.

فإنك تسأل غيرك عن عبادته مثلاً فتقول له: هل أنت صائم?
فإن قال نعم، كان مظهراً لعبادته فيدخل عليه الرياء،
وإن لم يدخل سقطت عبادته من ديوان السر،
وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات،
وإن قال: لا، كان كاذباً،
وإن سكت كان مستحقراً لك وتأذيت به،
وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى جهد وتعب فيه.
فقد عرضته بالسؤال إما للرياء أو للكذب أو للاستحقار أو للتعب في حيلة الدفع،

وكذلك سؤالك عن سائر عباداته،
وكذلك سؤالك عن المعاصي وعن كل ما يخفيه ويستحي منه.
وسؤالك عما حدث به غيرك فتقول له: ماذا تقول? وفيم أنت?
وكذلك ترى إنساناً في الطريق فتقول: من أين?
فربما يمنعه مانع من ذكره،
فإن ذكره تأذى به واستحيا،
وإن لم يصدق وقع في الكذب وكنت السبب فيه.

وكذلك تسأل عن مسألة لا حاجة بك إليها
والمسئول ربما لم تسمح نفسه بأن يقول لا أدري،
فيجيب عن غير بصيرة.

ولست أعني بالتكلم فيما لا يعني هذه الأجناس،
فإن هذا يتطرق إليه إثم أو ضرر.

وإنما مثال ما لا يعني
ما روي أن لقمان الحكيم دخل على داود عليه السلام وهو يسرد درعاً
ولم يكن رآها قبل ذلك اليوم
فجعل يتعجب مما رأى
فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته فأمسك نفسه ولم يسأله،
فلما فرغ قام داود ولبسه ثم قال: نعم الدرع للحرب،
فقال لقمان: الصمت حكم وقليل فاعله،
أي حصل العلم به من غير سؤال فاستغنى عن السؤال.
وقيل أنه كان يتردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك من غير سؤال.

فهذا وأمثاله من الأسئلة إذا لم يكن فيه ضرر هتك ستر وتوريط في رياء وكذب،
هو مما لا يعني وتركه من حسن الإسلام
فهذا حده.

وأما سببه الباعث عليه
فالحرص على معرفة ما لا حاجة به إليه
أو المباسطة بالكلام على سبيل التودد أو تزجية الأوقات بحكايات أحوال لا فائدة فيها.

وعلاج ذلك كله
أن يعلم أن الموت بين يديه وأنه مسئول عن كل كلمة،
وأن أنفاسه رأس ماله.
وأن لسانه شبكة يقدر أن يقتنص بها الحور العين
فإهماله ذلك وتضييعه خسران مبين.

هذا علاج من حيث العلم وأما من حيث العمل
فالعزلة
أو أن يضع حصاة في فيه
وأن يلزم نفسه السكوت بها عن بعض ما يعنيه
حتى يعتاد اللسان ترك ما لا يعنيه،

وضبط اللسان في هذا على غير المعتزل شديد جداً.[/align]



[align=left]يتبع بمشيئة الله تعالى و بركة حبيبه صلى الله عليه و سلم [/align]



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين يونيو 01, 2009 8:02 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد ديسمبر 28, 2008 12:00 pm
مشاركات: 1777


[align=center]من كتاب آفات اللسان
وهو الكتاب الرابع من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين

للإمام أبى حامد الغزالى
رضى الله عنه و أرضاه


الآفة الثانية

فضول الكلام[/align]


[align=right]
وهو أيضاً مذموم،
وهذا يتناول الخوض فيما لا يعني
والزيادة فيما يعني على قدر الحاجة،

فإن من يعنيه أمر يمكنه أن يذكره بكلام مختصر،
ويمكنه أن يجسمه ويقرره ويكرره.

ومهما تأدى مقصوده بكلمة واحدة فذكر كلمتين فالثانية فضول
-أي فضل عن الحاجة-
وهو أيضاً مذموم -لما سبق-
وإن لم يكن فيه إثم ولا ضرر.

قال عطاء بن أبي رباح:
إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام
وكانوا يعدون فضول الكلام
ما عدا كتاب الله تعالى
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر،
أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها،
أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين عن اليمين وعن الشمال قعيد
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد،
أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدر نهاره كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه.

وعن بعض الصحابة قال:
إن الرجل ليكلمني بالكلام
لجوابه أشهى إلى من الماء البارد إلى الظمآن
فأترك جوابه خيفة أن يكون فضولاً.

وقال مطرف:
ليعظم جلال الله في قلوبكم
فلا تذكروه عند مثل قول أحدكم للكلب والحمار:الله اخزه وما أشبه ذلك.

واعلم أن فضول الكلام لا ينحصر
بل المهم محصور في كتاب الله تعالى

قال الله عز وجل
"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح الناس"

وقال صلى الله عليه وسلم
"طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه
وأنفق الفضل من ماله"

فانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك
فأمسكوا فضل المال
وأطلقوا فضل اللسان

وعن مطرف بن عبد الله عن أبيه قال:
قدمت على رسول صلى الله عليه وسلم في رهط من بني عامر
فقالوا:أنت والدنا وأنت سيدنا وأنت أفضلنا علينا فضلاً،
وأنت أطولنا علينا طولاً،
وأنت الجفنة الغراء وأنت وأنت
فقال:"قولوا قولكم ولا يستهوينكم الشيطان"
إشارة إلى أن اللسان إذا أطنب بالثناء ولو بالصدق
فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها.

وقال ابن مسعود:
أنذركم فضول كلامكم؛
حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته.

وقال مجاهد:
إن الكلام ليكتب حتى إن الرجل ليسكت ابنه فيقول أبتاع لك كذا وكذا.
فيكتب كذاباً.

وقال الحسن:
يا ابن آدم بسطت لك صحيفة
ووكل بها ملكان كريمان يكتبان أعمالك
فاعمل ما شئت وأكثر أو أقل.

وروي أن سليمان عليه السلام بعث بعض عفاريته
وبعث نفراً ينظرون ما يقول ويخبرونه،
فأخبروه بأنه مر في السوق فرفع رأسه إلى السماء
ثم نظر إلى الناس وهز رأسه
فسأله سليمان عن ذلك فقال:
عجبت من الملائكة على رؤوس الناس ما أسرع ما يكتبون!
ومن الذين أسفل منهم ما أسرع ما يملون!

وقال إبراهيم التيمي:
إذا أراد المؤمن أن يتكلم نظر فإن كان له تكلم وإلا أمسك،
والفاجر إنما لسانه رسلاً رسلا.

وقال الحسن:
من كثر كلامه كثر كذبه،
ومن كثر ماله كثرت ذنوبه،
ومن ساء خلقه عذب نفسه،

وقال عمرو بن دينار:
تكلم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر
فقال له صلى الله عليه وسلم "كم دون لسانك من حجاب؟"
فقال: شفتاي وأسناني،
قال "أفما كان لك ما يرد كلامك؟"

وفي رواية:
أنه قال ذلك في رجل أثنى عليه فاستهتر في الكلام
ثم قال:ما أوتي رجلاً شراً من فضل في لسانه

وقال عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه:
إنه ليمنعني من كثير من الكلام خوف المباهاة.

وقال بعض الحكماء:
إذا كان الرجل في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت
وإن كان ساكتاً فأعجبه السكوت فليتكم.

وقال يزيد بن أبي حبيب:
من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع إن وجد من يكفيه
فإن في الاستماع سلامة،
وفي الكلام تزيين وزيادة ونقصان.

وقال ابن عمر:
إن أحق ما طهر الرجل لسانه.

ورأى أبو الدرداء امرأة سليطة فقال:
لو كانت هذه خرساء كان خيراً لها.

وقال إبراهيم:
يهلك الناس خلتان:فضول المال وفضول الكلام.

فهذه مذمة فضول الكلام وكثرته

وسببه الباعث عليه وعلاجه ما سبق في الكلام فيما لا يعني.
[/align]



[align=left]يتبع بمشيئة الله تعالى و بركة حبيبه صلى الله عليه و سلم [/align]



أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 5 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 17 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط