اشترك في: الجمعة إبريل 28, 2006 11:18 pm مشاركات: 4137 مكان: الديار المحروسة
|
الرقيمُ في قمرانَ
The Dead Sea Scrolls
قدَّر اللهُ سبحانَهُ وتعالى أنْ يكتشفَ رُعاةٌ مِنَ التعامرةِ الكرامِ ، القاطنينَ في جوارِ بيتَ لحـمَ ، أولَ مجموعةٍ مِنْ مخطوطاتِ قمرانَ في العامِ 1947م ؛ وقيلَ – وربَّما هوَ الأصَحُّ – في عامِ : 1946م . وإذْ إنَّ قمـرانَ ، منْ عشراتِ القرونِ ، مقفرةٌ موحشةٌ ، فقد كانتْ تمرُّ عليْها عشراتُ السنينَ دونَما طارقٍ مِنَ الناسِ . وأمَّا اليومَ – عامَ : 2002م - فتمرُّ بِها طريقٌ عامرةٌ تقودُ إلى مُتَنَـزَّهاتِ عَيْنِ الفَشْخَةِ ، حيثُ : "يَتَفَشَّخُ" الشُّطّاحُ ، ويتفسَّحُ السُّيّاحُ . ومنْ بعدِ عامِ 1946م ، فقدْ حدثتِ اكتشافاتٌ على جولاتٍ امتدَّتْ على زخمٍ إلى عامِ 1956م ، وكانتْ حصيلتُها : العثورَ على أحدَ عشرَ كهفاً أسينيّاً ، سُمِّيَتْ بالأرقامِ حسبَ تسلسلِ اكتشافِها . وأهمُّها الكهفُ الرابعُ المعثورُ عليهِ عامَ 1952م ، وآخرُها الكهفُ الحادي عشرَ المكتشفُ عامَ 1956 م . والكهفُ الرابعُ معَ الكهفِ الخامسِ الملاصقِ لهُ ، عبارةٌ عن شقةٍ سكنيةِ صالحةٍ لِلْأَوْيِ . وهوَ وحدَهُ كافٍ لاستيعابِ عشرينَ نائـماً وزيادةٍ ؛ وهو عندَ التدقيقِ ، يحققُ أوصافَ كهفِ الفتيةِ تمامَ التحقيقِ : منَ الانفتاحِ إلى الشرقِ والغربِ ؛ وكونِ مدخلِهِ في ظهرِهِ منَ الجهةِ الشماليةِ منهُ ؛ ومنْ وجودِ الفجوةِ والوصيدِ ؛ وغيرِ ذلكَ . وقدْ جاءَ منَ الكهفِ الرابعِ نفسِهِ ، نحوُ ثلُثَيِ المخطوطاتِ . وتلكَ المخطوطاتُ تشكلُ مكتبةً ضخمةً منْ نحوِ : 875 كتاباً ، رَقمَ الأسينيّونَ معظمَها على رِقاقٍ منْ جلودِ الماعزِ المدبوغةِ . وعلاوةً على المخطوطاتِ فقدْ عُثِرَ على أشياءَ ، وأشياءَ . فهلْ تُحَقِّقُ مكتشفاتُ قمرانَ للرقيمِ كلَّ ما قالَهُ فيهِ المفسرونَ ؟ نعمْ ، ففي مكتشفاتِ قمرانَ نجدُ ما يتوافقُ ويتطابقُ مَعَ جميعِ معانِي الرقيمِ في اللغةِ والتفاسيرِ . وسنأخذُ باستعراضِها ، على غيرِ توسُّعٍ ؛ فكنْ معنا قرينَ عونٍ ، ورفيقَ وفاقٍ .
حظٌّ في الخطِّ
جاءتْ كلمةُ "الرقيمِ" مِنَ الفعلِ الثلاثيِّ "رَقَمَ" ، ومِنْ معانيهِ البارزةِ المستعملةِ : خطَّ ، كتبَ ، رسمَ ، ختمَ ، طرَّز ، ونقشَ . ففي"لسانِ العربِ" لابنِ منظورٍ ، أنَّ للرَّقْمِ ستةَ معانٍ ، وهيَ : الخطُّ ، الكتـابةُ ، الختمُ ، الرسمُ ، النقشُ ، والتـطريزُ ، أيِ : الوَشْيُ . وواضحٌ جدّاً أنَّها معانٍ متقاربةٌ متداخلةٌ ، حتَّى لَكَأنَّها مترادفاتٌ . وفي صَرْفِ الكلامِ فإنَّ "الرقيمَ" ، هيَ مِنْ وزنِ : "الفَعيلِ" . وتجيءُ الفَعيلُ بِمَعْنى : المفعولِ . فالكسيرُ هوَ المكسورُ ، والجريحُ هوَ المجروحُ ، والحبيبُ هوَ المحبوبُ . وبوضوحٍ أعظمَ وأشملَ ، فإنَّهُ بِأَخْذِ الفعلِ "خطَّ"، معنىً للفعلِ "رَقَمَ" – يكونُ "الرقيمُ" ، هوَ المرقومَ ، ومعناهُ : المخطوطُ . وهذا المعنى ، هوَ – بلا ريبٍ - أقوى معانِي كلمةِ الرقيمِ . وجَمْعُ الرقيمِ ، هوَ الرُّقُمُ . عُرِفَتْ الوثائقُ التي عُثِرَ عليْها في قمرانَ بِاسمِ : "مخطوطاتِ قمرانَ" ، أوْ باسمِ : "مخطوطاتِ البحرِ الميتِ" : The Dead Sea Scrolls. وهذا يُبَيِّنُ وَيُمَتِّـنُ الربطَ بينَ معنى الرقيمِ ، وبينَ اسمِ الوثائقِ القمرانيةِ الآتي مِنْ رسِمها وصِفَتِها . وأهمُّ معانِي الرقيمِ عندَ ابنِ منظورٍ ، وغيرِهِ منَ العلماءِ ، هيَ : الكتابُ ، الدَّواةُ ، اللوحُ المكتوبُ ، واسمُ موضعِ الكهفِ .
الرقيمُ والكتابُ
وإذا تَمَـسَّكْنا بحرفيةِ الكلامِ ، واعتبَرْنا أنَّ الرقيمَ تَعْني الكتابَ بمفهومِهِ الخاصِّ المُخَصَّـصِ ، المتعلقِ بالتأليفِ ، فإنَّنا نجدُ أنَّ مكتشفاتِ قمرانَ تُحَقِّقُ هذا المعنى ؛ إذْ إنَّ مُعْظَمَ مخطوطاتِ قمرانَ هوَ : كُتُبٌ مرقومةٌ في صُحُفٍ جلديةٍ مسطورةٍ سطوراً سطوراً كسطورِ الدفترِ ؛ حيثُ الكلامُ المنسوخُ مخطوطٌ منْ أسفلِ هذهِ السطورِ ، وليسَ عليْها . وزِيدَ معنى الكتابِ تخصيصاً ، فقيلَ :
(1) الرقيم هوَ : الكتاب من شرعِ الفتية من دينٍ قبل عيسى عليه السلام (تفسير الألوسي). وبالنسبةِ لقمرانَ ، فقدْ وُجِدَ فيها أقدمُ نُسَخٍ مِنَ التوراةِ والزَّبورِ ؛ ومخطوطاتٌ في ملةِ الأسينِيّينَ . وأُذَكِّرُ أنَّ معظمَ مخطوطاتِ قمرانَ قد انتهى إلى حوزةِ اليهودِ ، ولم يقوموا بنشرِ محتوياتِ كثيرٍ منها ؛ و ذلكَ - على الأغلبِ – مخافةَ أنْ ينكشفَ ما فيها مِنَ التبشيرِ بالنبيِّ محمدٍ ، عليهِ السلامُ ؛ وما في أسفارِ العهدِ العتيقِ المتداولةِ – الآنَ – مِنَ التحريفِ والتزويرِ ؛ ولمِا فيها مِنَ المخالفاتِ والمعارضاتِ للفكرِ الصهيونيِّ المتوارثِ في المغضوبِ عليهِم ، ولِرَفْضِ كاتِبيها الاعترافَ بِهِ . وهذا ما يذكِّرُنا بجماعةِ حرَّاسِ المدينةِ المسَمّاةِ : "ناطوري كارتا" ، اليهوديةِ المعاصرةِ المكفِّرةِ والمحرِّمةِ للصهيونِيَّةِ . ولهذهِ الجماعةِ في العالمِ مركزانِ رئيسيّانِ : حيٌّ يعـرفُ باسمِ : "مِئاهْ شَعاريم" – مِئَهْ شَعاريم – أيْ : حيِّ مئةِ بوابةٍ ، في غربِ القدسِ ؛ والمركزُ الآخرُ في مدينةِ : "بْرُوكْلِن" في أمريكا . ويبدو لي أنَّهم الورثةُ المعاصرونَ لكثيرٍ مِنْ تعاليمِ ملَّةِ الأسينِيّينَ . 2) الرقيمُ هُوَ : كتابُ تِبيانِ الفتيةِ (تفسير الطبريِّ) . وبالنسبةِ لقمرانَ ، فقدْ عُثِرَ فيها على مخطوطٍ عظيمِ النفعِ والأهميةِ ، يُعْرَفُ باسمِ : "مخطوطِ النظامِ" ؛ لأنَّهُ يُبَيًّنُ ويشرحُ أنظمةَ الأسينِيّينَ . 3) وقيلَ عَنِ الرقيمِ بأنَّهُ كتابُ قَصَصِهمْ (تفسير الطوسيِّ) . وفي قمرانَ وُجِدَ مَرقومٌ عَنْ قصصِ الطائفةِ مَعَ قومِها ؛ ومرقومُ "سِفْرِ ناحوم" . والمرقومُ الأخيرُ يتحدَّثُ عنْ قصَّةِ الأسينٍيّينَ معَ "الكسندر جانيوس" (102 ق.م –76 ق.م) ، الملكِ المَـكَّابيِّ الشِّريرِ المفتري الذي اضطَّهدَهم بجبروتٍ رهيبٍ منقطِعِ النظيرِ .
الرقيمُ والدَّواةُ
الدواةُ هيَ : وعاءُ الحبرِ ، مِدادِ الكتابةِ والخطِّ . فالدواةُ : أداةٌ مِنْ أدواتِ الكتابةِ والرَّقْـمِ . وقد عُثِرَ في قمرانَ على ثلاثٍ مِنَ المحابرِ . وكانَ الأسينِيّونَ يستخرجونَ الحِبْرَ مِنْ حرقِ العظامِ ، ويخطُّونَ على الجلودِ التي يَدْبِغونَها بأَنفسِهم . وكان أفرادُهم جميعاً يُتْقِنونَ النَّسْخَ خيرَ إتقانٍ ، ويُعْنَوْنَ بالدراسـةِ والحفظِ . ويكتملُ عندَهم ما يجعلُهم يستحقونَ - بكاملِ الجدارةِ - أنْ يوصَفوا بِأصحابِ الرقيمِ . الرقيمُ واللوحُ المكتوبُ ذهبَ بعضُ المفسرينَ إلى أنَّ الرقيمَ لوحٌ مكتوبٌ . وجاءَ في نوعِهِ : أنَّهُ مِنْ نُحاسٍ ، أوْ أنّهُ مِنْ رصاصٍ ، أوْ أنَّهُ مِنْ حجرٍ . ولم يكتفِ بعضُهم بلوحٍ ؛ فذهبَ "القُمِّيُّ" إلى أنَّ الرقيمَ لوحانِ مِنَ النحاسِ المرقومِ . ورأى "الألوسيُّ" في "روح المعاني" ، أنَّ اللَّوْحَيْنِ كانا في فمِ الكهفِ . فماذا في قمرانَ ؟ عُثِرَ في قمرانَ على لوحيْنِ مِنَ النحاسِ المرقـومِ - نقراً بالإزميلِ - يُشَكِّلانِ معاً مخـطوطاً واحداً يُسَمّونـَهُ : "مخطوطَ الكنـزِ". وكانَ اللوحانِ في مدخلِ الكهفِ الثالـثِ . وما مدْخَلُ الكهفِ إلَّا فَمُهُ . فيا لَهُ مِنْ توافقٍ عجيبٍ !.. فهلْ كانَ المفسرونَ يُطْلِقونَ أقوالَهم ، في مثلِ هذهِ الأمورِ ، عَنْ علـمٍ ، أمْ عَـنْ رجمٍ بالغيبِ ؟.. أَلَـمْ يَقُـلِ القـرآنُ المجيدُ : "ما يعلمُهم إلَّا قليلٌ" ؟
الرقيمُ واسمُ الموضعِ
ذهبَ بعضُ المفسرينَ إلى احتمالِ أنْ يكونَ "الرقيمُ" اسماً لكلبِ الفتيةِ ، أو اسماً لمكانِ الكهفِ ، أو القريةِ التي هُمْ مِنْها . وبالرَّغْمِ منْ ضعفِ هذهِ الأقوالِ ، فإنَّهُ لا يَضيرُنا أنْ نعرفَ أنَّ اسماً مِنْ أسماءِ كلبِ الفتيةِ ، هوَ : حُمرانُ . وَإذِ النفسُ أمَّارَةٌ بالبحثِ عَنْ علاقةٍ ممكنةٍ بينَ حُمْرانَ الكلبِ ابنِ الكَلْبَةِ ، وبينَ قُمْرانَ موضعِ الخِرْبةِ - فَإنَّ خشيةَ الشوْكِ تنادي بالشوقِ : أنْ نحصلَ على تَذْكِـرَةِ ذَهابٍ بلا إيابٍ . حقّاً ، فَإنَّ حُمْرانَ وقُمْرانَ في "حق" لا يشتركانِ ! وقدْ يسألُ السائلونَ : وبِماذا حدَّثَ "معجمُ البُلْدانِ" عَنْ قمرانَ ؟.. ومتى بدأتِ المعرفةُ بِهـذا الاسمِ ؟.. فَيُسارعُ ياقوتٌ الحمويُّ إلى : "لا شيءَ" ؛ جواباً لِلسائلينَ . وأمَّا اسمُ خربةِ قُمْرانَ ، فَأصلُهُ في نظرِ الراصدينَ ، هوَ : قَمَرانِ ؛ فَمِنْ ذلكَ المكانِ في ليالي الصفاءِ ، إذا ما أطلَّ البدرُ بدا قمرٌ في المــاءِ ، وبدا قمرٌ في السماءِ ! .. وصحيحٌ أنَّ الظُّنونَ ذاتُ شُجونٍ وفُنـــونٍ ، ولكنَّ هذا هوَ ما سنراهُ يكونُ . والمكانُ الممتلِئُ بضياءِ القمرِ ، والمستنيرُ بهِ ، يقالُ لهُ : قَمْــرانُ . ومِنَ المفارَقاتِ أنَّ القَمْرانَ أيضاً، هوَ المكانُ الخِصْبُ بالعشبِ ؛ ولكنَّ قُمْرانَ أرضٌ جدباءُ ، وإنَّ جارَها هوَ البحرُ الميِّتُ "المسجورُ" . وهذا الكتابُ ملتزمٌ بالاسمِ المشتهرِ : "قُمْرانَ" ؛ رغمَ كاملِ الثقةِ بأنّهُ : قَمَرانِ ؛ فسورةُ الكهفِ مليئةٌ بالإشاراتِ إلى تلكَ المنطقةِ منْ خلالِ ما يدلُّ على قمريْنِ . وما دُمْنا في الحديثِ عَنِ الموضعِ ، فَلا يَجْدُرُ بِنا أنْ نُغْفِلَ رأياً يَرْبِطُ بينَ الرقيمِ ، وبينَ رَقْمَةِ الوادي . يقولُ الطبريُّ – رحِمَهُ اللهُ تعالى – في تفسيرِهِ : "يُقالُ : رقمتُ كذا وكذا إذا كتبتُهُ ، ومِنْهُ قيلَ للرَّقْمِ في الثوبِ : رَقَمٌ لأنَّهُ الخطُّ الذي يُعْرَفُ بِهِ ثَـمَنُهُ ؛ وقيلَ للحيَّةِ : أَرقمُ ، لِما فيهِ مِنَ الخُطوطِ والآثارِ . والعربُ تقـول ُ: عليك بِالرَّقْمَةِ ودَعِ الضفةَ الجانِبةَ ؛ وأرى أنَّ الذي قالَ : الرقيمُ هــوَ الوادي ، ذهبَ بهِ إلى رَقْمَةِ الوادي"..(كلامُ الطبريِّ). ورَغْمَ أنَّ مجيءَ الرقيمِ مِنْ رقمةِ الوادي ، يشكو مِنْ ضعفٍ وبُعدٍ ، إلَّا أنَّ واقعَ الكهفِ الرابعِ الذي أراهُ "فُنْدقَ" أصحابِ الرقيمِ ، يشهدُ أنَّهُ قائمٌ على رَقْمَـةِ وادٍ ، هوَ : وادي قمرانَ. حسناً ، إنَّ رَقْمَةَ الوادي هيَ الخطُّ المرتَسِمُ فيهِ مِنْ أثرِ مرورِ الماءِ أثناءَ سيلِهِ في الشتاءِ. وفي قمرانَ يقعُ الكهفُ الرابعُ ، والكهفُ الخامسُ الملاصقُ لَهُ ، وهما يُشَكِّلانِ معاً ، شقةً سكنيةً رائعـةً – على رقمةِ الوادي ؛ حيثُ يسيلُ الماءُ في فصلِ الشتاءِ مُتَجَمِّعاً مِنَ الجبالِ الوَعِـرةِ ، على بُعْدِ مئاتِ الأمتارِ إلى الغربِ مِنْ موضعِهما . ورغْمَ هذا فإنَّ محيطَ الكهفِ الرابِعِ : أرضٌ جُـرُزٌ ؛ فلا عشبٌ ، ولا شجرٌ ، ولا جزرٌ . وتشيرُ رواياتٌ عنِ الرسولِ الكريمِ ، عليهِ السلامُ ، إلى وجودِ الكهفِ في الرَّوْحاءِ ، أوْ في جِوارِها . ويبدو أنَّ الروحاءَ هيَ أريحاءُ ، أوِ الرَّيْحاءُ ، في فلسطينَ . فقد جاءَ في تَذْكِرَةِ العالمِ القُرْطبيِّ وتفسيرِهِ عَنِ الرسولِ – عليهِ الصلاةُ والسلامُ -: "لا تقومُ الساعةُ حتَّى يمرَّ عيسى بنُ مريَمَ بالرَّوْحاءِ حــاجّاً ، أوْ مُعْتَمِراً . أوْ لَيَجْمَعَنَّ اللهُ بينَ الحجِّ والعُمْرَةِ ، ويجعلُ حَوارِيِّيهِ أصحـابَ الكهفِ والرقيمِ ، فيمرّون حُجّاجاً فإنَّهم لمْ يَحُجّوا" . وباختصارٍ ، كانَ الأسينِيّونَ يتَّخِذونَ الكهوفَ ويتعاشرونَ فيها مِنْ أجلِ المخطوطـاتِ وحفظِها ؛ واشترَكوا في رَقْمِها ؛ وكانوا يجتمعونَ لتدارُسِها ؛ ويسهرونَ لتلاوةِ الأدعيةِ جماعيّاً مِنْها . حقّاً ، فَأولئكَ الأسينِيُّونَ هم : أصحابُ الرقيمِ مِلكيةً وتَعاشُراً .
الرقيمُ في مخطوطاتِ قمرانَ
رَقَم الأسينِيّونَ مُعظمَ مخطوطاتِهم بِلِسانٍ عبريٍّ . فماذا في العبريّةِ عَنِ الرقيمِ ؟.. وماذا في المخطوطاتِ عَنِ الرقيمِ ؟.. يأتي الفعلُ الثلاثيُّ العبريُّ : "رقَمْ" ، وُيلْفَظُ : "رقامْ" ، ويعني : خَطَّطَ أوْ طَرَّزَ ؛ تماماً مِثْلَما هوَ في العربيةِ . والمصدرُ مِنْهُ ، هوَ : "رْقيمَهْ"، ويُلفظُ هكذا : "رْقيمَاهْ" ، أوْ :"رْقيمَ" . ومَعْناهُ : الخطُّ ، أو التطريزُ . وقد عُثِرَ على مخطوطاتٍ قمرانيةٍ في لفائفِ كِتَّانٍ سمَّـوْها : "القِليم" ؛ لِما عليْها مِنْ خطوطٍ تُشَكِّلُ وَشْياً مُطَرَّزاً . وتُذَكِّرُنا "القِليم" المرتبطةُ بالخطوطِ بالتقليمِ ؛ فالثوبُ ذو الخطوطِ ، يوصَفُ بأنَّهُ "مُقَلَّمٌ" . ويُقالُ للقلـمِ : "مِرْقَـمٌ" ؛ لأنَّهُ آلةُ الرقمِ بمعنى : التقليمِ والتخطيطِ . وكلمةُ "الرقيمِ" حيّرتِ العلماءَ طويلاً ؛ حتَّى إنَّهُ قدْ نُسِبِ لابنِ عبَّاسٍ أنَّهُ لَمْ يعرفْ لها معنىً محدداً . ولم يُغْفِلْ بعضُ العلماءِ احتمالَ صلةِ "الرقيمِ" باللغةِ العبريةِ ؛ وخاصةً في ضوءِ قولِهم عَنِ الفتيةِ بأنَّهم منْ قومٍ يهودٍ . ففي كتـابِ : "الإتقان" للعالمِ السيوطيِّ ، أنَّ الرقيمَ منْ غريبِ المفرداتِ الآتيةِ منَ العبريةِ ، وأنَّ معناها في العبريةِ ، هوَ : المكتوبُ . والأَقربُ مِنْ كلِّ السابقِ رَشَداً وإثباتاً على صلةِ الرقيمِ بمخطوطاتِ خربةِ قمرانَ ، هوَ ما جاءَ في المخطوطاتِ مِنْ تسميةِ الأسينِيّينَ لكتبِ الشرعِ والدينِ باسمِ : روقْموتْ : Allegro J., Discoveries In The Judean Desert Of Jordan , volume 5 ,1968. ولا يخفى أنَّ كلمةَ "روقْموتْ" تعني : المرقوماتِ ؛ ولا ريبَ أن "الرقيمَ" ،هي أصلاً "المرقومُ" ، أوْ لِنَقُلْ : هيَ المرقوماتُ ؛ هيَ : "الروقْموت" ، روقموتُ الأسينِيِّينَ . فيا رقيمَ الروقموتِ ما أروعَكَ !.. ويا روقموتَ الرقيمِ ما أنفعَكِ !.. فإذا كنتَ أنتَ هيَ ، فما هيَ ؟! وقد ثبتَ أنَّ الأسينِيّينَ همْ أصحابُ كهوفِ قمرانَ ومخطوطاتِها ، وقدْ عُرِفُوا من عهدٍ بعيدٍ بأنَّهم : "طائفةُ الكهفِ"Cave Sect ، وعُرِفوا أيضاً بأنَّهم "المغائِرِيّونَ" ؛ لأنَّهـم - كما جاءَ في كتابِ : "تاريخِ الطوائفِ اليهوديّةِ" للقِرْقِزانِيِّ - كانوا يحتفظونَ بكتُبِهم في المغــائرِ ، أيِ الكهوفِ . ومِنَ الواضحِ جدّاً أنَّ جميعَ هذهِ الأسـماءِ والأوصـافِ ، يتوافقُ وينسـجمُ معَ قصــةِ : "أصحابِ الكهفِ والرقيمِ" . ومِنَ الغرابةِ بمكانٍ أنَّهُ لَمْ يَخْطُرْ ببالِ المؤلفينَ والمترجمينَ العربِ ، أنْ يعثروا بِاسمٍ للأسينِيّينَ في : "أهلِ الكهفِ" ، أوْ حتَّى في : "أصحابِ الكهفِ" . وإنَّ زُبدةَ كلِّ ما مَخَضْناه ، تستحقُ أنْ نقولَ بأنَّ "رقيمَ" أصحابِ الكهفِ ، هوَ : مخطوطاتُ الأسينِيّينَ في قمرانَ ؛ هوَ : " الروقْموتْ" ، "الروقموت" ……. فَـ"الروقموت" ؛ هوَ رُقُمُ هؤلاءِ الأطـهارِ الأبرارِ . وهذا الأخيرُ وحدَهُ ، يُثْبِتُ أنَّ أصحابَ الكهفِ أسينِـيّونَ ! .. وإذا ما ثبتَ أنَّ رقيمَ الفتيةِ ، هـوَ فعلاً : "روقموت" قمرانَ ، فإنَّهُ يثبتُ تلقائيّاً ، أنَّ الفتيةَ هـم مِـنْ أصحابِها ، أيْ : أنَّهم أسينِـيّونَ ، كانوا في قمرانَ . ولا أحسِبك ، أخي الكريمَ ، إلَّا مستشيراً عقلَكَ وفهمَكَ ، غيرَ ناظرٍ أنْ تفهمَ بعقلٍ هوَ لغيرِكَ ، وتُحيلَ حكمَكَ إلى حكمِهِ . . فما حكَّ عقلَكَ مثلُ فكـرِكَ ؛ فتولَّ أنتَ جميعَ فهمِكَ .
منقول:
http://www.aklaam.net/forum/showthread.php?t=9593
_________________ أنا الذى سمتنى أمى حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
|
|