وقال رضي الله عنه لسبطه سيدي إبراهيم الأعزب قدس سره : أي إبراهيم أوصيك بوصية إن أنت حفظتها وعملت بها حفظك الله تعالى في الدنيا والآخرة وأبرأك من الرياء والنفاق وعشت حميداً رشيداً مهيباً وحشرت مع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، فقال له : أي سيدي أوصني بما تشاء تجدني مستمعاً مطيعاً ، فقال له : أي إبراهيم أحب الفقراء وأكرمهم واخدمهم وانهض لهم واخفض لهم جناحك وأظهر لهم سماحك واغتنمهم واغتنم أدعيتهم واتخذ عنهم اليد فإن لهم غداً عند الله تعالى دولة وشفاعة كشفاعة الأنبياء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : يا أبا ذر لكل شيء مفتاح ومفتاح الجنة حب الفقراء والمساكين والدنو منهم وهم جلساء الله يوم القيامة ، يا أبا ذر الفقراء ضحكهم عبادة ومزاحهم تسبيح ونومهم صدقة وينظر الله إليهم في كل يوم ثلاث مرات . ثم قال له : أي إبراهيم عش فقيراً ومت فقيراً ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال : يا بلال عش فقيراً ولا تعش غنياً ، فقال بلال : ومن لي بذاك ولا النار . ثم قال : أي إبراهيم لا تحقر الفقراء ولا تزدريهم فإن الفقر شين عند الناس وزين عند الله ، أي إبراهيم تزي بزي الفقراء وكن منهم وتشبه بهم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تشبه بقوم فهو منهم ومن أحب قوماً حشر معهم . أي إبراهيم اخدم الفقراء وقف على رؤوسهم بانشراح صدر وفرح وسرور وتلذذ بخدمتهم وابذل جهدك برضاهم ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخادم في أمان الله ما دام في خدمة أخيه المؤمن وللخادم في الخدمة أجر الصيام بالنهار والقيام بالليل وكخادم المجاهدين في سبيل الله وكخادم الحاج وكخادم المرابطين في سبيل الله وكأجر كل بر في الأرض وطوبى للخادم يوم القيامة ليس على الخادم حساب ولا عذاب وللخادم شفاعة في مثل ربيعة ومضر ، فقالوا يا رسول الله وإن كان فاجراً ؟ فقال : خادم السوء أفضل عند الله من سبعين عابداً مجتهداً ومن معلم محتسب وللخادم مثل أجر من يخدمهم . ثم قال : أي إبراهيم لا تتواضع للأغنياء ولأبناء الدنيا ولا تنهض لهم ولا تقرب أبوابهم وإن دعوك ، أي إبراهيم أبناء الدنيا إن أكرمتهم أهانوك وإن أحببتهم أبغضوك وإن مازحتهم لا يهابونك وإن غبت عنهم اغتابوك وفي كل أحوالهم يعيبونك لأنهم لم يروا حبك لهم والسلام عليهم والتردد إلى أبوابهم والترحب إلا لأجل دنياهم وإنك محتاج إلى عزهم فأعز نفسك عن صحبتهم وخدمتهم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القرب منهم والتواضع لهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : لعن الله من أكرم الغني لغناه وأهان الفقير لفقره ومن فعل ذلك فقد سمي في السموات عدو الله وعدو الأنبياء لا يستجاب له دعوة ولا تقضى له حاجة ومن تواضع لغني لأجل غناه أكبه الله في النار على وجهه . ثم قال : أي إبراهيم إذا خدمت الغني زدته تكبراً وتجبراً ونقصت من عين الله وإذا خدمت الفقير جبرت قلبه وزدت في رغبته وعظمت عند الله تعالى وخدمتك الملائكة واستغفرت لك ، ثم قال : أي إبراهيم احفظ وصيتي لك ووص بها إخوانك الفقراء والمحبين والمريدين الراغبين ، ثم قال رضي الله عنه للسيد إبراهيم وأبيه السيد علي رضي الله عنهما : اشكرا الله تعالى على نعمته واصبرا على البلاء ونوازله ولا تأمنا عقوبة الله تعالى ومكره ولا تقنطا من رحمة الله واعلما أن ما أصابكما لم يكن ليخطئكما وما أخطأكما لم يكن ليصيبكما ولا تلتمسا رضا مخلوق بسخط الخالق ولا تؤثرا الدنيا على الآخرة ولا تبخلا على الإخوان بما في أيديكما وانظرا في أمر دينكما إلى من فوقكما وفي أمر دنياكما إلى من هو دونكما ولا تخالطا أهل الكبر ولا تقربا السلطان ودعا الباطل وأهله ولا تغضبا لأنفسكما إذا شتمتما وأدبا الأهل والولد وعلماهما الرشد والعلم والخير ولا تلعنا أحداً من خلق الله تعالى ولا تحلفا بالله كذباً ولا تشهدا بالزور لأجل قريب أو بعيد ولا تعملا بالهوى ولا تلعبا مع اللاعبين ولا تلهيا مع اللاهين ولا تقولا للقصير أي قصير ولا للطويل أي طويل تريدان به عيبه ولا تمشيا بالنميمة بين الإخوان وأكثر التهليل والتكبير وقراءة القرآن على كل حال ولا تدعا الجمعة والعيدين وانظرا فيما لا يرضيكما أن يقال به أو يصنع به ثم تسنداه إلى غيركما ، ثم قال : هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلمان وهي الآن وصيتي إليكما أطالبكما بها بين يدي الله تعالى .
وخرج السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في بعض البساتين ليتوضأ فنظر إلى نخلة والتمر معلق برأسها وكان معه الشيخ يعقوب بن كراز أكرمه الله بالإكرام والإعزاز فقال له : يا يعقوب انظر إلى هذه النخلة حيث رفعت رأسها جعل الله ثقلها عليها ولو حملت مهما حملت وأصل اليقطين حيث وضع نفسه وألقى خده على الأرض حمل ثقله غيره ولو حمل مهما حمل .
وقال رضي الله عنه للسيد إبراهيم الأعزب قدس سره : أي إبراهيم من تمشيخ لك فتتلمذ له ومن مد لك يده فقبلها ومن تقدم عليك فقدمه وكن آخر شعرة بالذنب فإن الضرب لا يقع إلا على الرأس .
وكان رضي الله عنه إذا رأى أحداً من الفقراء لبس ثوب صوف يقول له : أي ولدي أبصر بزي من تزينت وإلى من انتميت قد لبست لبسة الأنبياء وتحليت بحلية الأتقياء ، هذا زي العارفين فاسلك به سلوك المقربين .
وقال رضي الله عنه يوماً للفقراء : أي سادة أعينوني على أنفسكم بخمس خصال : أولها : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته كما قال لعائشة رضي الله عنها : " يا عائشة إن سرك اللحوق بي فإياك ومجاورة الموتى ومجالستهم ولا تضعي ثوباً حتى ترقعيه " . الثانية : موافقة السلف على حالهم . الثالثة : لباس ثوب التعرية من الدنيا والنفس . الرابعة : تحمل البلاء والاستسلام له . الخامسة : لباس الوفاء واجتناب الجفاء ، كما قال بعض الحكماء : انزع لباس الجفاء والبس لباس الوفاء وعليك بلبس المرقعة فإنها لباس الذل والانكسار والتواضع وعليك بقهر النفس والهوى وترك الدنيا وبغض الرياسة .
وقال رضي الله عنه لزوجته رابعة : أي بنت الشيخ ، إن سرك اللحوق بالقوم فأقلي الطعام واهجري المنام وصلي بالليل والناس نيام .
وكان رضي الله عنه يوقظها بالليل ويقول لها : أي بنت الشيخ ، قومي إلى وردك فإن العبد إذا سلك طريق القوم كان قريباً منهم .
وكان رضي الله عنه يقول : يحتاج الفقير منكم إن كان سالكاً في طريقه مقتدراً على نفسه أن يكون فيه ست خصال : أولها : فقد المعلوم المنقوش المدلي إلى البؤس . الثانية : الصبر والإياس من جميع الأشياء إلا من الله تعالى . الثالثة : كتمان السرائر حتى لا يشكو إلى مخلوق مثله . الرابعة : ترك المسألة لكيلا يهرب إلى الخلق من باب الله تعالى . الخامسة : أن يظهر الغنى في الفقر . السادسة : أن يعمل لله تعالى ولا يرى أنه يعمل شيئاً .
وقال رضي الله عنه : يكون الفقير جوال الفكر جوهري الذكر كثير حلمه عظيم حكمه جميل المنازع قريب المراجع أوسع الناس صدراً وأذلهم نفساً كثير العطاء قليل الأذى ضحكه تبسماً واستفهامه تعليماً مذكراً للغافل معلماً للجاهل لا يؤذي من يؤذيه ولا يخوض فيما لا يعنيه لا يشمت بمصيبة ولا يذكر أحداً بغيبة نازحاً عن المحرمات واقفاً على الشبهات عوناً للغريب أباً لليتيم بشره في وجهه وذكر الله تعالى في قلبه مسروراً بفقره مشغولاً بنفسه أحلى من الشهد وألين من الزبد وأصلب من الحديد لا يكشف سراً ولا يهتك ستراً لطيف الحركات حلو المشاهدات حسن المذاق لين الجناب طويل الصمت حليماً إذا جهل عليه صبوراً على من أساء إليه يبجل الكبير ويوقره ويرحم الصغير ويؤدبه أميناً على الأمانات بعيداً من الخيانات ألفه التقى وخلقه الحياء كثير الحذر قليل الزلل حركاته أدب وكلامه عجب راضياً وقوراً شكوراً لا نماماً ولا مغتاباً ولا حلافاً ولا خباثاً ولا كذاباً ولا عجولاً ولا طياشاً ولا فحاشاً ولا حقوداً ولا خؤوناً الفقير كلامه موزون ولسانه مخزون وقلبه محزون وفكره يجول فيما هو كائن ويكون والله الموفق لمن يشاء من عباده .
وقال رضي الله عنه : علامة الفقير الصادق إظهار الشبع وهو جائع والفرح عند الحزن والنشاط عند الكسل والذل بعد العز والفقر بعد الغنى وأن يصير مردوداً بعد أن يكون مقبولاً .
وكان رضي الله عنه يسر بأربعة أشياء وإذا نزلت بأصحابه يفرح لهم بها ويسأل الله تعالى لهم الصبر عليها ويقول : هي شعار الصالحين ، الجوع والعري والفقر والذل .
وقال رضي الله عنه : لما كنت على جبل عرفات بايعت الله تعالى على ترك النفس والعرض والمال .
وقال رضي الله عنه : أول ما ينبغي للإنسان أن يأمر نفسه بالمعروف فإن ائتمرت يأمر الناس بالمعروف وينهى نفسه عن المنكر فإن انتهت فينهى الناس وإلا فقد قال الله تعالى : " لم تقولون ما لا تفعلون " ( الصف 2 ) ، " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم " ( البقرة 44 ) .
وقال رضي الله عنه : للفقر والتصوف خصال معدودة محمودة أولها : تجريد التوحيد ثم الإيثار وإيثار الإيثار ثم حسن العشرة ثم فهم السماع ثم ترك الاختيار ثم سرعة الوجد ثم الكشف عن الخواطر ثم كثرة الصمت ثم ترك الاكتساب ثم تحريم الادخار .
وقال رضي الله عنه : علامة الفقير الصادق في جميع الحركات التقلل من المباحات والصمم عن كثير من المسموعات وأن لا يطلب المعدوم حتى يبذل الموجود وانقطاع الحيلة حتى لا يرى في كل أحواله وشدائده ورخائه وتقلبه غير خالقه ومكونه . وقال رضي الله عنه : الفقير متى نظر إلى ما يلبس التبس عليه أمره ومتى رأى الخلق دونه ظهرت عيوبه الفقير ابن ساعته لا يومه الفقير يرى كل نفس من أنفاسه أعز من الكبريت الأحمر يودع كل ساعة ما يصلح لها ولا يضيع من وقته لحظة الفقير مثله مثل المرآة ينظر فيها كل شيء .
_________________ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد . قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .
|