موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 123 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9  التالي
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 27, 2012 5:11 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث الثالث والثلاثون

أخبرنا شيخنا القاضي المقري القدوة الشيخ أبو الفضل علي الواسطي رضي الله عنه ، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن علي ، قال : أنبأنا عمر بن أحمد ، أنبأنا شاهين ، قال: أنبأنا عبد الله البغوي ، قال : أنبأنا عبد الله بن عمر القواريري ، قال : أنبأنا زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال :

" اللهم بارك في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ".

في هذا الحديث الشريف معان كثيرة ، منها طلب فسحة الأجل لصالح العمل ليكون العمر لله والعمل فيه لله ، وكذلك مقاصد العارفين بالله الوارثين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا حال أهل التقوى.

أَي بَني ، اعلم أن التقوى على وجهين: خاص وعام ، فأما التقوى للخاص فالاتقاء بالسر عن الهمة والمنْية من غير ذات الله تعالى ، حيث قال الله تعالى : " اتَُّقوا اللهَ حقَّ ُتَقاته " ، وأما تقوى العام فالاتقاء بالظاهر عن جميع ما كره الله تعالى ، قال الله سبحانه " ومن يتَّق اللهَ يكفِّر عنْه سيئَاته " ، والله تعالى جعل الَفرج والمخْرج من الهموم واليسر والسعة في التقوى ، لقوله تعالى : " ومن يتَّق اللهَ يجعلْ َله من أَمره يسرًا " ، وقوله تعالي : " ومن يتَّق اللهَ يجعلْ َله مخْرجًا " الآية. قيل في معناه: ومن يتق الله في أداء الطاعة يجعل له مخرجًا من غبار الذنوب والزلات ويرزقه النجاة من العقوبات ، من حيث لا يحتسب ، ومعنى آخر: ومن يتق الله عند الإنابة بالحجة ، يجعل له مخرجًا من شدة المحاسبة ، ويرزقه سلامة الدارين من حيث لا يحتسب ، ومعنى آخر : يجعل له مخرجًا من جميع الاشتغال بغير الله ، ويرزقه حياة طيبة ، من حيث لا يحتسب ، ومعنى آخر: من يتق الله بترك المحارم والشبهات ، يجعل له مخرجًا من الإرادات والشهوات ، ويرزقه حلاوة الطاعة من حيث لا يحتسب ، ومن يتق الله عند قول الحق ، ولا يخاف لومة لائم ، يجعل له مخرجًا من مكر الناس ومكائدهم ، ويرزقه الظََّفر من حيث لا يحتسب ، ومن يتق الله بترك التعّلق بغير الله يجعل له مخرجًا من عبودية ما سواه ، ويرزقه الصدق والإخلاص من حيث لا يحتسب.

يروى أن أبا هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إذا كان يوم القيامة يقول الله تعالى : يا أيها الناس إني جعلت نسبًا ، وأنتم جعلتم نسبًا ، إني جعلت أكرمكم أتقاكم ، وأنتم جعلتم أكرمكم أغناكم ، وإني أرفع اليوم نسبي وأضع نسبكم ، فأين المتقون ، اليوم لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ".

وقال صلى الله عليه وسلم : " الحلال بين ، والحرام بين ، وبينهما أمور متشابهات ، لا يعلمها كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات سلم دينه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

وقال عيسى عليه الصلاة والسلام : لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار ، وصليتم حتى تكونوا كالحنايا ، ما قبل منكم إلا بورع صادق ، وقال وهب بن منبه: من وضع شهواته تحت قدميه ، فر الشيطان من ظله ، ومن غلب عقُله هواه فذاك الصابر الغالب.

وقيل لرجل من أهل التقوى: من أين جئت ؟ قال : ما سؤالك عن شيء لا ينفعك معرفته ولا يضرك جهله ، فاشتغل بما يعنيك عما لا يعنيك ، فقيل له: ما رأس التقوى ؟ قال: أن تحفظ نفسك من الشهوات وحلقك من اللذات وقلبك من الغفلات ، وقال: اتق الله الذي أخذ آدم بلقمة ، وموسى بلطمة ، وداود بنظرة ويوسف ِبهمة ، ونوحًا بدعوة ، ومحمدًا بخطرة ، صلوات الله عليهم أجمعين.

وقال عبيد بن عمير: لا ينبغي لمن تزين بلباس الورع والتقوى أن ينظر إلى زهرات الدنيا ، ويتكلم بما لا يعنيه.

وقال جعفر الخلدي: بلْت في أصل حائط ، فهتف بي هاتف : تدعي التقوى وتبول في أصل حائط غيرك ؟

وحكي أن ابن المبارك ارتحل من مرو إلى الشام ، من أجل قلم كان قد استعاره فلم يرده إلى صاحبه ، وفي الخبر: لا تفضلوا أحدًا على أحد إلا بالورع والتقوى ، لأنهما أفضل الأعمال.

وقال أُبي بن كعب رضي الله عنه : ما من أحد ترك شيئًا لله إلا آتاه الله ما هو خير له منه من حيث لا يحتسب ، وقال ابن سيرين : حرام على كل قلب فيه حب الدنيا أن تسكن فيه التقوى ، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: القليل من الورع ، خير من صلاة أهل الدنيا.

وروي أن موسى عليه الصلاة والسلام قال : إلهي خلقت آدم بيدك ، وأدخلته الجنة ، وفعلت به ما فعلت من الإحسان ، ثم أخرجته منها بزلة واحدة. فقال: يا موسى أما علمت أن جفاء الحبيب شديد ، لا يحتملُ من الأحباء ما يحَتملُ من الأعداء.



ولست أرى السعادَة جمع مال

ولـكـن الـتقي هو الـسعيـد


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء نوفمبر 27, 2012 8:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث الرابع والثلاثون

أخبرنا شيخنا القاضي القدوة أبو الفضل علي الواسطي ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد ، قال : أنبأنا أبو عبد الله الحسين ، قال : أنبأنا أحمد بن بكير بن حامد ، عن حماد العسكري ، عن إسحاق بن سيار ، عن حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن برد بن سنان ، عن مكحول ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ولد له مولود فسماه محمدًا تبركًا به ، كان هو ومولوده في الجنة ".

في هذا الحديث الشريف من سر الحب له صلى الله عليه وسلم ما يفهمه أهل الخصوصية ، فإنهم بذكر اسمه المبارك ترتاح هممهم للتخلق بأخلاقه الزكية ، وللتشبث بأذياله ، فتراهم لا تقف هممهم في طريق متابعته وقفة المشغول بالدنيا ، بل هم متنبهون خاشعون ، ومن الله خائفون ، ولنبيهم متبعون ، وبسنته عاملون ، وأولئك هم العارفون.

أَي بَني ، اعلم أن أهل المعرفة يبكون إذا ضحك أهل الغفلة ، ويحزنون إذا فرح أهل الغرة ، قال الله تعالى : " وجوه يومئِذ َناضرةٌ * إلى ربها َناظرةٌ " وقوله : " وجوه يومئِذ مسفرةٌ * ضاحكةٌ مسَتبشرةٌ " ، وأن الله تعالى ذكر من دلائل المعرفة ومن علامات العارفين كثرة البكاء وسيل الدموع ، قال : " ويخرون لِلأَذَْقان يبكون " وذم أهل الغفلة بالضحك وترك البكاء في قوله " أََفمن هَذا الحديث َتعجبون " الآية.

واعلم أن البكاء بكاء العين ، وبكاء القلب وبكاء السر ، فأما بكاء العين فهو لأهل المعرفة من المنيبين ، وأما بكاء القلب فهو لأهل المعرفة من المريدين ، وأما بكاء السر فهو لأهل المعرفة من المحبين.

واعلم أن لأهل المعرفة همومًا مخبوءة تحت أسرارهم ، مستورة عن أفكارهم ، فكلما هاج من أسرارهم رياح خشية الهيبة ، ومن قلوبهم لهب نيران الأحزان ، أحرقت ما عليها من هشيم الغفلة والنسيان.

والبكاء على خمسة أوجه: بكاء الحياء ، مثل بكاء آدم.

وبكاء الخطيئة ، مثل بكاء داود.

وبكاء الخوف مثل بكاء يحيى بن زكريا.

وبكاء الفقد ، مثل بكاء يعق وبكاء الهيبة ، مثل بكاء سائر الأنبياء ، وهو قوله تعالى : " إَِذا ُتتَْلى عَليهم ءايت الرحمن " الآية.

بكاء سادس: مثل بكاء شعيب ذلك بكاء الشوق والمحبة ، بكى شعيب حتى ذهب بصره ، ثم رد إليه بصره ، فبكى حتى ذهب بصره ، ثلاث مرات ، فأوحى الله تعالى إليه: أن يا شعيب إن كان بكاؤك من مخافة النار فقد أمنتك من النار ، وإن كان بكاؤك من أجل الجنة فقد أوجبت لك الجنة. فقال: لا يا رب ولكن من الشوق إلى رؤيتك ، فأوحى الله إليه: أن يا شعيب حقَّ لِمن أرادني أن يبكي من شوقي ، إنه ليس لهذا دواء غير لقائي.

ويروى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :" لو أن عبدًا بكى من خشية الله في أُمة لرحم الله تلك الأمة ببكائه " .

وقالت رابعة : بكيت عشر سنين عن الله ، وعشر سنين بالله ، وعشر سنين إلى الله ، فأما ما هو بالله فالرجاء به وأما ما هو عن الله فالخوف منه ، وأما ما هو إلى الله فالشوق إليه.

وقال بعضهم: دخلْت على رابعة البصرية فإذا هي ساجدة ، فجلست عندها حتى رفعت رأسها ، فإذا في موضع سجودها ماء واقف من دموعها ، فسلمت عليها فردت علي السلام ، وقالت : ما حاجتك ؟ قلت : أريد زيارتك ، فبكت ثم صرفت وجهها عني ، وكانت تبكي وتقول : ُقرَة عيني لابد لي منك ، فالعجب ممن عرفك كيف يشتغل بغيرك ، والعجب ممن أرادك كيف يريد غيرك ؟.

وكان عطاء السلمي كثيرًا ما يقول في بكائه: اللهم ارحم انقطاعي إليك ، وإعراضي عن سواك ، وغربتي في بلادك ، ووحشتي بين عبادك ، ووقوفي بين يديك.

وقال الفضيل بين عياض: بينا أنا في الطواف ، إذ أنا برجل قد تغير لونه ، ونحل جسمه ، وهو يبكي ويدندن مع نفسه ، فدنوت منه ، فإذا هو يقول: إلهي قد اسَتأَْنستْ بك قلوب المحبين ، واستراحت إليك قلوب العارفين ، فلا تقطع منك آمال المشتاقين ، قال: فسمعت هاتفًا يقول: يا ولي لقد أبكيت السموات السبع ، اسكت فإن لك ما سألت.

وروي أن آدم عليه الصلاة والسلام لما نزل من الجنة ، بكى حتى نبت من دموعه النبات ، فأوحى الله إليه: هذا البكاء على فوت الجنان ، فأين البكاء على ترك خدمتي ؟ ففزع آدم إلى كلمة الإخلاص ، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك ، قال الله تعالى : " َفَتَلقَّى ءادم من رِبه َ كلمات َفَتاب عَليه " .

وقال ذو النون: رأيت بمكة رجلا يبكي بكاء العارفين ، فدنوت منه وقلت : ألك حبيب ؟ قال: نعم ، قلت: حبيبك قريب أم بعيد ؟ قال : قريب ، قلت: موافقٌ لك أم مخالف ؟ قال: بل موافق لي ، قلت: سبحان الله فلم تبكي ؟ قال: أما علمت أن عذاب القرب والموافقة ، أشد من عذاب البعد والمخالفة ؟

وحكي أن رابعة كانت تمر يومًا في بعض طرق البصرة ، فقطرت عليها قطرةٌ من الميزاب ، فسألت عنها ، فقيل : أنها من بكاء الحسن ، قالت: قولوا للحسن لو ازددت بالدموع ، حتى تصل العرش محبة له لكان قليلاً ، وقيل لعبادة بن شميط بن عجلان: هل يبكي المنافق ؟ قال : أما من الرأس فنعم ، وأما من القلب فلا.

قال الفضيل : إذا رأيت الرجل يبكي ، وقلبه ساه فهو بكاء منافق ، وإن البكاء بكاء القلب ، قيل لمالك بن دينار: ألا تجئ بقارئ يقرأ بين يديك ؟ فقال : إن الثكلى لا تحتاج إلى النائحة.

وقال كعب الأحبار: لأن أبكي دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بجبل من الذهب ، وكان مالك بن دينار كثيرًا ما يبكي ويقول : يا نفس تريدين أن تجاوري الجبار ، وتشاهدي المختار ، بأي شهوة تركتها ، بأي بعيد قربته إلى الله ، بأي ولي أحببته لله ، بأي عدو أبغضته لله ، بأي غيظ كظمته لله ، لا والله لولا عفو الله ورحمته ، ثم يغشى عليه ، وروي أن الله تعالى قال لموسى عليه الصلاة والسلام : لن يتقرب إلي المتقربون بمثل البكاء من خشيتي.

وقال ثابت النساج رحمه الله: ما شرب داود عليه الصلاة والسلام شربة من الماء بعد الخطيئة ، إلا وكان نصفه دموعه حتى لحق بالله عز وجل ، فقال يومًا من الأيام فيما رأى من كثرة دموعه : أما ترحم بكائي يا إلهي ؟ فنودي من السماء يا داود َتذْكر دموعك ، ولا َتذْكر ذنبك ؟ فأخذ برمض النار من الرماد ، وصار يجعله على رأسه ، ويقول: ذهب ماء وجهي عند ربي.

وقيل : كان في عهد الحسن البصري رضي الله عنه رجلٌ كان له ابنة تبكي حتى عميت عيناها ، فجاء الرجل إلى الحسن ودعاه ليعظها ، لعلها ترفق بنفسها ، فأتاها الحسن وقال لها: ارفقي ، فقالت : أيها الأستاذ إن عيني لا تخلو من وجهين ، إما أن تصلح لرؤية ربي أو لا تصلح ، فإن لم تصلح فحق لها أن تعمى ، وإن كانت تصلح فألوف مثل عيني فداء لرؤيته ، قال الحسن: جئت مداويًا فصرت مداوى ، وأتيت مطببًا فوجدت طبيبًا.

وقالت سلمة بنت خالد المخزومي رحمها الله : كانت امرأة من الشام ببيت الله الحرام ، ويقال لها حزينة ، أبدًا تبكي من غلبة الشوق ، وكلما نظرت إلى باب الكعبة ، قالت : بيت ربي ، بيت ربي ، فُفتح باب الكعبة يومًا من الأيام ، فرأت فيها طائفين يبكون ، ويقولون: مليكنا وقرة أعيننا ، طال شوقنا متى تكون ملاقاتنا ، فسمعت تلك المقالة ، فصاحت صيحة وخرت مغشيًا عليها ، ولم تزل تضطرب حتى ماتت.

وقال يحيى بن أصفر : دخلنا مع جماعة من أصحابنا على عفيرة العابدة ، وكانت عمياء من كثرة بكائها ، فقال واحد منا: ما أشد العمى بعد البصيرة ، فسمعت ذلك فقالت: يا أبا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين ، وددت لو أن الله أعطاني ُكنه محبته ، ولم يبق لي جارحة إلا أخذها مني :



الـلـيـلُ داج والـعـصـاُة نـيــام

والـعـارفـون لـدى الجـلـيـل قيـام


يتلون آيات الهدى ودموعهم

تجري ، ومنها قد تفيض سجام

لا يصبرون سويعة عن ذكره

شـوقًـا ولـيـس لـمـن يحب مـنام


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 30, 2012 8:28 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث الخامس والثلاثون

أخبرنا شيخنا خالي أبو المكارم منصور الباز الأشهب البطايحي رضي الله عنه ، قال أنبأنا أبو علي الحسن بن شاذان ، قال : أنبأنا أبو نصر أحمد بن محمد بن أشكاب النجاري ، قال : أنبأنا الحسن بن محمد بن موسى الُقمي ، قال : أنبأنا عبد الرحيم بن جندب ، عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله، عن سفيان ، عن ليث ، عن طاووس ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أدى حديثًا إلى أمتي لُتقام به سنة أو لُتثَلم به بدعة فله الجنة ". ومن هذا الحديث الشريف يعلم أن أهل الجنة القائمون بإقامة السنة ، وإثلام البدعة ، تجردًا لله تعالى ، وتوكلاً عليه ، وإيمانًا به ، وحبًا له.

أَي بَني ، اعلم أن حبيب القلوب سبحانه إذا أحب عبدًا أَطَْلع سره على جلال قدرته ، وحرك قلبه بمراوح ذكر مّنته ، وسقاه َ شربة من كأس محبته ، حتى يسكره به عن غيره ، وجعله من أهل أُنسه وُقربه وصحبته ، حتى لا يصبر عن ذكر ربه ، ولا يختار أحدًا عليه ، ولا يشْغلَ بشيء دون أمره ، وقال الشيخ أبو بكر الواسطي رحمه الله: منزلة الحب أقدم من منزلة الخوف ، فمن أراد الدخول في عصبة أهل المحبة ، فليحسن الظن بالله وليعظِّم حرمَته.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام: أن يا داود أحبني ، وأحب أحبائي ، وحببني إلى عبادي ، فقال داود: إلهي أحبك وأحب أحباءك ، فكيف أحببك إلى عبادك ؟ فقال: َ ذكِّرهم آلائي وحسن لطائفي ، وفي الخبر " إذا أحب الله عبدًا من عباده نادى جبريل عليه الصلاة والسلام: يا أهل السماء والأرض ، يا معشر أولياء الله وأصفيائه ، إن الله تعالى يحب فلانًا فأحبوه " .

وقال أبو عبد الله النساج كل عمل لم يكن فيه محبة الله لم يقبل . وقال : من أحبه الله ابتلاه بالمحن ، فمن التفت منه إلى ما سواه صار محجوبًا عنه ، وسقط عن بساط أهل المحبة ، وقال عبد الله بن يزيد مررت برجل نائم في الثلج ، وعلى جبينه قطرات من العرق ، فقلت له: يا أبا عبد الله ، أما تجد البرد ؟ فقال: من شغله حب مولاه لا يجد البرد ، قلت: وما علامة المحب ؟ قال : استقلال الكثير من نفسه ، واستكثار القليل من حبيبه ، فقلت له: أوصني ، فقال: كن لله يكن الله لك.

وقال محمد بن الحسين دخلت سوق النخاسين لأشتري جارية ، فرأيت جارية مشدودة على وجنتيها عصابة ، مكتوب عليها: من أرادنا أفلسناه ، ومن هرب منا وسوسناه ، فقلت: كذا قال الله تعالى لعباده : إن طلبتموني أنسيتكم بنفسي عن غيري ، وأفنيتكم بي عن أنفسكم ، حتى لا تروا شيئًا دوني ، قال : قرع واحد باب محبوبه ، فقال من داخل الباب: من أنت ؟ قال: أنا أنت ، فقال يا أنا ادخل :


عجبت منك ومني

أفنيتني بك عني


أدنيتني منك حتى

ظـننـت أنـك أّني


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الجمعة نوفمبر 30, 2012 9:35 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث السادس والثلاثون

أخبرنا شيخنا العارف بالله على القاري الواسطي ، قال : أخبرنا أبو بكر الوراق ، قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن صاعد ، عن أحمد بن عبد المؤمن ، عن علي ابن الحسن المروزي ، عن أبي حمزة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : " سمع الله لمن حمده قال: ربنا ولك الحمد " . في هذا الحديث من أسرار الموافقة لداعي الله ، الذي يرد شأنه على كل لسان ، ما يفهمه أهل الذوق من أرباب المحبة.

أَي بَني ، قيل لواحد : ما حقيقة المحبة ؟ قال: الموافقة: قال النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك ، والعمل الذي يبلغني حبك ، واجعل حبك أحب الأشياء إلي" ، وقال الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه: من ذاق من خالص حب الله استوحش عمن سواه ، وترك لأجله كل ما يهواه ، ويقال : جفاء العدو غم نازل ، وجفاء الحبيب سم قاتل.

وكان ذو النون المصري كثيرًا ما يقرأ القرآن ، ثم بعد ذلك يشتغل بالحديث ، فسمع في المنام:



إن كنت تزعم حبي

فـلم هـجـرت كتـابي


أمـا تدبـرت ما فـيه

مـن لـطيـف عـتابي



قال : فترك الحديث ، وأقبل على قراءة القرآن.

وروي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام: لا تجعل بيني وبينك عالِمًا مفتونًا في الدنيا وأهلها ، فيصدك عن طريق محبتي ، أولئك قطاع الطريق على عبادي.

ويقال : أصل المحبة هو المحو ، إلا أنها على ثلاثة مدارج : العام ، والخاص ، وخاص الخاص ، فأما العام فمحو القلب عن حب الذنوب والمعاصي ، والخاص محو القلب عن حب الدنيا وأهلها ، وخاص الخاص محو القلب عن حب ما دون الله تعالى.

وقال يحيى بن معاذ في بعض مناجاته : إلهي لا تعذب قلبًا أنت حبيبه ، إلهي إن تعذبني عذَّبت من أحبك ، وإن أهنتني أهنت من أحبك ، وإن أكرمتني أكرمت من أحبك.

وحكي أن أبا يزيد تكلم يومًا بكلام أهل المحبة ، فجاء طائر فلم يزل يدنو منه حتى جلس بين يديه ، ثم ضرب بمنقاره على الأرض وسال منه الدم حتى مات.

وحكي أن واحداً من العارفين ، مر برجل من العيارين ، يضرب عبدًا له بعود ، والعبد يضحك في وجهه ، فقيل له: يا هذا يضربك السيد بالسياط وأنت تضحك ، قال: من حلاوة حبه لا أجد ألم الضرب ، فصاح العارف ، وخر مغشيًا عليه.

وقال يحيى : ليس بصادق في حبه من لم يحفظ حدوده ، ولم يعظم حرمته ، ولم يعرف منَّته ، وحكي أن رجلاً جاء إلى عبد الواحد بن زيد فقال: أخبرني بأقرب الأعمال إلى الله تعالى ، وأعظمها عنده زلفى ، فقال : أن تحب ما يحب الله ، فقال : اشرح لي صفة المحبة ، فبكى عبد الواحد وقال : أتحتمل ؟ قال: ما شاء الله ، فوصف له شيئًا من المحبة وحقائقها ، فغشي على الرجل ، فلما أفاق قال: سبحان الله من يستأهلُ هذا ، أومن يطيق الاستقامة على تحقيق المحبة ؟ فقال: رب قلب قصد محبوبه قصدًا لا يدركه الريح العاصف ولا البرق الخاطف حتى وصل إلى محبوبه ، قيل: أو هل يكون للمحب علامة ؟ قال: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، وكذلك المحبة إذا دخلت القلب تلاشت النفس بكل ما فيها عن صفات الإنسانية تحت سلطانها فاحترق ما في القلب من غير الله بنيرانها.

قيل لبعضهم: ما بال المحبين كالمبهوتين ؟ قال: لأنهم ذاقوا حلاوة محبته وسمعوا أصوات عجائب حسن دعوته ، حتى طارت عقولهم وقلوبهم إليه ، هيهات أين الحب ، وأين صفوة الحب ، وأين حقائق الحب ، وأين من يستحق الحب ؟ ألا إن من أحبه لا يصبر عنه طرفة عين.

إن المحب نهاره مستوحشٌ
بيـن العباد يسيـر كالمتفـرد
فالـعين منه قـريـرةٌ بحبيِبـه
يرجو لقاء الواحد المتوحد
يا حسن موكبهم إذا ما أقبلوا
نحو الإله مع النبي محمد


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 01, 2012 5:26 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث السابع والثلاثون

أخبرنا شيخنا أبو المكارم باز الله الأشهب خالي الشيخ منصور الأنصاري الحسيني برواقه في نهر دقلى ، قال : أنبأنا أبو الحسن أحمد اشُتهر بابن الصلت ، قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي ، قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي ، قال : حدثنا الفضيل بن موسى الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " .

أمر صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث الشريف بقمع النفس ، ومحق ثورتها ، وصفعها بنعل الهمة إذا تعدت طورها بشأن إخوانها المسلمين ، وألزم بالمحبة الخالصة وجعلها عماد الإيمان لأنها لله سبحانه وتعالى ، وعلَّمنا وهو معلم الخير صلى الله عليه وسلم ، أن إفشاء السلام منتج للمحبة ، وأهل الحق ممتحنون بأهل الباطل ، ولكن لا تنحرف هممهم عن الحق ، اعتمادًا عليه سبحانه وتعالى.

أَي بَني ، اعلم أن الله تعالى خلق الدنيا ، وجعلها دار المحنة ، ومحل الأخطار والأشرار ، ثم خلط فيها الأبرار والفجار ، وأهل المحبة بأهل البطالة ثم يقلبهم من حال النعمة إلى حال الشدة ، ومن حال الشدة إلى حال النعمة لإظهار من يعبده على بساط المحنة ، ممن يعبده على بساط النعمة ، ومن يعبده على رؤية المعطي ، ممن يعبده على رؤية العطاء.

قال الله تعالى : " ومن النَّاس من يعبد اللهَ عَلى حرف " الآية ، وفي الخبر : "إن الذهب َليجرب بالنار ، والعبد الصالح َليجرب بالبلاء" ، والحكمة في امتحان الله تعالى عباده الصالحين ، إظهار ما في ضمائرهم من صدق الدعوى وكذبه وحقيقة المعنى وبطلانه ، ليكون فيه ظهور مرتبة الصديقين وافتضاح غيرهم أما ترى أنه لا يسع للحاكم أن يحكم للخصم على إحاطة علمه في تصديق دعواه وبطلانه ، من غير أن يظهر لغيره ذلك ، قال تعالى : " ألم * أَحسب النَّاس أَن يتْر ُكوا " الآية ، وقال تعالى : " َفاصِبر كما صبر أُوُلوا العزِم من الرسل " ، وقال الله تعالى : " لِيحق الحقَّ ويبطلَ الباطلَ " ، ثم اختلفوا ، فقال بعض العلماء: من يعبده على بساط النعمة أولى ممن يعبده على بساط المحنة ، لأن منزلة الشكر أفضل من منزلة الصبر ، وذلك لأن الشكر على النعمة طاعةٌ على بساط الفراغة والصبر على الشدة طاعةٌ على بساط الشغل ، وليس من عبد اللهَ فارغًا كمن عبده مشغولاً.

وقال بعضهم: من يعبده على بساط المحنة أفضل ، لأن الأنبياء أفضل مرتبة ممن دونهم فامتحن الله عامتهم بأنواع المحن والبلاء ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن أشد الناس بلاء الأنبياء" الخبر ، وأن الكفرة هم أهون الخلق على الله وعيش عامتهم بأنواع النعم ، وليس من طلبه بنفي الحجاب كمن طلبه من وراء الحجاب ، والشاكر يطلبه من وراء الحجاب ، والصابر يطلبه دون الحجاب والشاكر يطلبه على حظ نفسه ، والصابر يعبده على حب ربه ، والشاكر مفتخر بملكه ، والصابر مفتخر بمليكه ، والشاكر حبس نفسه مع النعمة ، والصابر حبس قلبه مع المنعم ، والشاكر يقول: ما دامت النعمة معي لا أبالي إن أصابني ما أصابني ، والصابر يقول: ما دام المنعم معي لا أبالي إن أصابني ما أصابني قال الله تعالى : " الذين إَِذا أَصابتْهم مصيبةٌ َقالوا إِنَّا للهِ وإِنَّا إَِليه راجعون " ، وإن الله تعالى أوجب للشاكر الزيادة ، ونفى عن أجر الصابر النهاية ، حيث قال : " إِنَّ ما يوفَّى الصاِبرون أَجرهم ِبغير حساب " ، وقال : " واللهُ يحب الصاِبرين " .

أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إني قدرت في أم الكتاب ، أني إذا أحببت عبدًا جعلته للبلاء غرضًا ، وألبسته جلباب الفقر.
وفي الخبر : أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام : قل لأوليائي وأصفيائي وأهل محبتي ، أن لا يدخلوا مداخل أعدائي ، ولا يسكنوا مساكن أعدائي ، ولا يطعموا مطاعم أعدائي ، فيكونوا أعدائي ، كما أولئك أعدائي.

وقال وهب : إنا نجد في كتاب الله المنزل : أن عبادي المخلصين كانوا إذا سلكوا طريق الشدة والبلاء فرحوا واستبشروا ، ويقولون : الآن يتعهدنا ربنا.

وفي الحديث القدسي : أن البلاء أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه.

حكي أن ذا النون المصري سمع مريضًا يقول: أخ أخ ، فقال: ليس هذا بصادق في حبه ، فقال المريض : أنيني من وجدان اللذة ، لا من وجدان الشدة.
وحكي أن فتحًا الموصلي ، أصابته الحمى فصلى ألف ركعة شكرًا لله على ذلك ، وقال: أمثلي يذكره الله من فوق عرشه ، وعلم أن لي ذنبًا فأراد طهارتي.

وقالت رابعة: ما عرفت البلاء منذ عرفت الله.

أَي بَني ، الخلق صنفان: ولي وعدو ، والحال حالان: شدة ونعمة ، فربما تصل الشدة إلى الولي كرامة له ، كما وصلت إلى الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وربما تصل اللذة إلى العدو خسرانًا له ، كما قال الله سبحانه : " وَلُنذيَقنَّهم من العَذاب الأَدَنى دون العَذاب الأَكْبر " ، ربما تصل النعمة إلى الولي استدراجًا وتنبيهًا له ، وربما تصل النعمة إلى العدو وهو حظه من الآخرة ، كما قال الله تعالى : " ُقلْ َتمتَّعوا َفإِن مصير ُكم إَِلى النَّار " .

ثم الابتلاء على نوعين: إكرام وإهانة ، فكل بلاء يقربك من المولى فهو في الاسم بلوى وفي الحقيقة زلفى ، وكل بلاء يبعدك عن المولى فهو في الحقيقة بلوى ، ألا ترى أن الله تعالى ابتلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام وكان سبب ابتلائه الخلة والُقربة ، وابتلى إبليس وكان سبب ابتلائه اللعنة والفضيحة ، فقال إبراهيم في البلوى: حسبي ربي ، وقال إبليس : حسبي نفسي ، فنودي لإبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخلة ، ولإبليس باللعنة.


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 02, 2012 4:47 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث الثامن والثلاثون

أخبرنا ابن عمي العبد الصالح السيد سيف الدين عثمان ، قال: حدثني أبوك السيد علي بن يحيى الرفاعي صاحب المشهد المنور بالجانب الشرقي من بغداد ، قال : حدثني ابن عمي السيد حسن ، قال : حدثني السيد يحيى ، قال: حدثني السيد ثابت ، عن أبيه السيد علي الحازم ، ويكنى بأبي الفوارس ، عن أبيه السيد علي ، عن أبيه السيد رفاعة الحسن المكي ، عن أبيه السيد أبي القاسم محمد ، عن أبيه السيد الحسن الرئيس ، عن أبيه السيد الحسين عبد الرحمن الرضي المحدث ، عن أبيه السيد أحمد الأكبر ، عن أبيه السيد موسى ، عن أبيه السيد إبراهيم المرتضى ، عن أخيه الإمام علي الرضا صاحب طوس ، عن أبيه الإمام موسى الكاظم ، عن أبيه الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه الإمام محمد الباقر ، عن أبيه الإمام زين العابدين علي ، عن أبيه الشهيد المظلوم الإمام الحسين ، عن أبيه أمير المؤمنين علي المرتضى رضي الله عنه وعنهم أجمعين ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما أُسري بي إلى السماء رأيت رحمًا معلقة بالعرش تشكو رحمًا إلى ربها أنها قاطعة لها ، قلت: كم بينك وبينها من أب ؟ قالت : نلتقي في أربعين أبًا " .

وفي هذا الحديث الشريف من الإلزام للعبد بالرحمة ، ما يقيد نفسه عن جموحها إذا أدرك وكان من الموفقين ، وقد بلغني عن بعض العارفين أنه كان يقول في مناجاته: إلهي بأرحام اتصلت ، وبقلوب بك اشتغلت.

أَي بَني ، اعلم أن المحبين في طرائق العبودية وأوقات المناجاة على أصناف شتى ، فمنهم من ناجاه على لسان الاعتذار ، ومنهم من ناجاه على لسان التحير والاضطرار ، ومنهم من ناجاه على لسان الطرب والافتخار ، ولو علم أهل الغفلة ما فاتهم في كل َنَفس.

قال النبي صلى الله عليه وسلم في مناجاته : " إلهي إذا قرت أعين أهل الدنيا من دنياهم ، فأقر عيني بك ، واقر عيني بلذائذ أنسك ، والشوق إلى لقائك " .

وكذا يقول من يحب: يا خير مؤنس وأنيس ، يا خير صاحب وجليس ، طوبى لمن اكتفى منك بك ، اللهم لبيك لبيك يا حبيب القلوب ، لبيك يا سرور القلوب ، لبيك لبيك يا مَنى القلوب لبيك ، اللهم آليت بك عليك أن لا تصرفني بك عنك ، ولا تحجبني بك عنك.

إلهي لو دعوتني إلى النار لأجبتك وافتخرت بك ، فكيف وقد دعوتني إلى نفسك ، إلهي إن قربتني منك فمن الذي يبعدني ، وإن أعززتني بك فمن الذي يذلني ، وإن رفعتني إليك فمن الذي يضعني ، إلهي من أرهب وأنت مولاي ولمن أرجو وأنت مناي ، وبمن أستأنس وأنت جليسي ، فبك عليك أن تتفضل بإتمام فضلك ، يا نعم المولى ونعم النصير ، إلهي سري عندك مكشوف ، وأنا إليك ملهوف ، وأنت بالجود معروف ، وبالكرم موصوف.

إلهي أنت أنيس المستأنسين من أحبائك ، ومأوى الموهوبين من أصفيائك وجليس الملهوفين من أوليائك ، إلهي ما أطيب معرفتك في قلوب العارفين ، وما أحلى ذكرك في أفواه الذاكرين ، وما أحلى مودتك في أسرار المحبين ، إلهي أنت الذي لا تبطل أمل الآملين ، لا يخفى عليك أحوال المريدين ، ولا يخيب لديك رجاء المنيبين.

إلهي أنت سروري إذا نظر ت منك إليك ، وأنت حسبي إذا استكفيت بك منك ، وأنت أنيسي إذا نزلت منك بك ، اللهم ارحم انقطاعي إليك وانفرادي بك ووحشتي عمن سواك ، فيا خير مؤنس وأنيس ويا خير صاحب وجليس ، كن دليلي منك وإليك ، إلهي اجعل أجلَّ العطايا في قلبي حياءك ، وأعذب الكلام على لساني ثناءك ، وأحب الساعات إلي ساعة يكون فيها لقاؤك.

إلهي ما أوحش قلبًا ليس فيه ذكرك ، وما أخرب قلبًا ليس فيه خوفك ، وما أقل سرورًا ليس في حبك ، إلهي لا صبر لي في الدنيا عن ذكرك ، فكيف أصبر في الآخرة عن رؤيتك.

إلهي أشكو إليك غربتي في بلادك ، ووحشتي بين عبادك ، إلهي ما لمرادنا غيرك ، ولا لبغيتنا دونك ، وما لحاجتنا سواك ، إلهي هذه لذائذ المناجاة ، فكيف لذائذ الملاقاة ، إلهي هذا شكري وشكر شكري ، إلهي هذا سروري وسرور سروري ، إلهي هذا ودي وود ودي ، إلهي أُنسي بك أوحشني من خلقك ومعرفتي بك تمنعني عن مناجاة غيرك.

إلهي كيف أشغل لساني بذكر غيرك ، أم كيف أشغل بصري برؤية غيرك، أم كيف أشغل قلبي بحب سواك ، وأنا لا أعرف غيرك.

إلهي على من أُثْني وأنت وليي ، ومن أرجو وأنت مناي ؟ يا خير معروف مذكور ، أعززتني بولاية معرفتك ، فلا ُتذلَّني يا سيدي بعدها بمن سواك ، إلهي عجبت ممن يعرفك كيف لا يستغني عمن سواك ، إلهي عجبت ممن أنس بك كيف لا يستوحش من غيرك.

إلهي عجبت لمن أرادك كيف يريد سواك ، إلهي هذا سروري بك في دار الفناء ، فكيف سروري بك في دار البقاء ، إلهي هذا سروري بك في قراطق الخدمة ، فكيف سروري بك في غلائل النعمة.

إلهي هذه لذائذ المحبة فكيف لذائذ الرؤية ، إلهي هذه لذائذ المؤانسة فكيف لذائذ الزيارة ، إلهي من لم يكن مسرورًا بك فمن أي شيء يكون له سرور ، إلهي سقيتني بكأس الحب حتى أسكرتني فالحب يقتلني والشوق يحرقني ، إلهي أريتني حبك فأرني وصلك ، إلهي طال بك حسن ظني على أن لا تردني خائبًا فلا تخيب ظني بك ، يا معروفًا بالمعروف ، إلهي ليس لي عنك صبر ، ولا فيك حيلة ، ولا منك بد ، ولا عنك مهرب ، ولا مع سواك أُنس.

إلهي أحييتني بمعرفتك فلا ُتمتني ِبُنكْرتك ، إلهي أريتني وصالك فلا ُترني فراقك ، إلهي إن لم تفعل ما نريد فصبرنا على ما تريد ، إلهي فرغ قلبي لذكر عظمتك ، وأطلق لساني بوصف منتك ، وَقوني على شكر نعمتك ، إلهي ارحمني فأنا عاجز عند النصب ، جاهل بالسبب ، حيران في الطلب ، إلهي جعلت سبب ما تعطي رجاءك ، وسبب ما يجمع بين أوليائك تأليفك بين قلوبهم.

إلهي فأعطني المرجو كما وهبت الرجاء ، واجمع بيني وبين أوليائك كما ألفت بين القلوب ، كيف يفتقر من أنت حظه ، أم كيف يستوحش من أنت أنيسه ، أم كيف يذل من أنت حبيبه ، أم كيف يحزن من أنت نصيبه ؟ إلهي همك أبطل عني الهموم وحبك حال بيني وبين الرقاد ، وشوقي إليك منعني اللذات ، وأُنْسي بك أوحشني عمن سواك.

إلهي أنت ُتوالي من يعاديك ، فكيف ُتعادي من يواليك ، إلهي معرفتي بك دليلي عليك ، وحبي لك وسيلتي إليك ، إلهي عرف المحبون كمال ربوبيتك والمذنبون صنيعك وكمال قدرتك ، فاستسلموا وانقادوا لك ، إلهي اجعلني ممن لا يتخذ دونك خليلاً ، ولا يلتمس إلى سواك سبيلاً ، ولا يرجو من غيرك فتيلاً.

إلهي لا تجعلني ممن صرفت عنه وجهك ، وحجبت عنه عفوك ، وأغلقت عليه بابك ، وقطعت عنه أسباب عصمتك ، ووكلته إلى نفسه ، إنك على كل شيء قدير.

قال مالك بن دينار: رأيت جارية متعلقة بأستار الكعبة تقول :


إليك جئنا وأنت جئت بنا

وليس شيء سواك يحيينا


منك طلبنـا وأنت تملكنـا

وليس شيء سواك يؤتينا


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 02, 2012 9:34 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث التاسع والثلاثون

أخبرنا شيخنا منصور الرباني رضي الله عنه ، عن أبيه سيدي يحيى النجاري ، عن سيدي أبي محمد الشنبكي الأنصاري ثم الحسيني الحسني ، عن الشيخ أبي بكر بن هوار البطايحي ، عن سيدي سهل بن عبد الله التستري ، عن الشيخ ذي النون المصري ، عن الشيخ إسرافيل المغربي ، عن الإمام موسى الكاظم ، عن أبيه الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه الإمام محمد الباقر ، عن أبيه الإمام زين العابدين علي عن أبيه الإمام الحسين عن أبيه الإمام علي المرتضى رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نظر الولد إلى والديه عبادة ".
قلت: وفي هذا الحديث الشريف ، من إعظام شأن الحب لله ، ما يرفع بهمم المحبين إلى الله ، فإن النظر في الله عبادة.

وكذلك ، أَي بَني ، فاعلم أن عالِم أسرار المحبين ، والمطلع على همة المشتاقين ، طيب الدنيا للعارفين بذكر الخروج منها ، كما طيب الجنة لأهلها بذكر الخلود فيها ، ولا شيء أحب إلى المحب من لقاء المحبوب ، ولولا الآجال التي كتبها الله على المشتاقين لماتت أرواحهم في أبدانهم لشدة الاشتياق إليه.

قال أنس: قيل يا رسول الله ، لو شاء الله أن يدوم البقاء لأوليائه في الدنيا فقال : " يأْبى اللهُ أن يجعل الخلود لأوليائه في الدنيا ، بل اختار لأوليائه وأحبائه ما عنده من جزيل كراماته ، أما تعلمون أن الحبيب يشتاق إلى الحبيب ، فطوبى لمن كان روحه وراحته في لقاء الله " .

وحكي أن أبا هريرة قال لرفيق له : أين تذهب ؟ فقال: أشتري شيئًا لأهلي فقال أبو هريرة له: إن قدرت أن تشتري الموت لي فافعل ، فإنه طال شوقي إلى ربي ، وإن الموت أحب إلي من شرب الماء البارد للعطشان ، وأحلى من العسل ثم بكى بكاء شديدًا ، وقال : واشوقاه إلى من يراني ولا أراه ، وغشي عليه.

قيل لأويس كيف أصبحت ، قال: كيف يصبح من إذا أصبح لا يشتهي أن يمسي ، وإذا أمسى لا يشتهي أن يصبح ، وطال شوقه إلى منى قلبه.

قال مالك بن دينار: كنت أسير في بعض حيطان البصرة ، فرأيت شابًا مريضًا ، أشعث أغبر، مستقبلاً للقبلة ، يقول : ُقرَة عيني طال شوقي إليك ، وما آن أن ألقاك ، فإلى متى تحبسني عنك ، فقلت : يا شاب أهذا الوقت الذي يطلب فيه الأحبة محبوبهم ؟ ، فقال : الحبيب في كل الأوقات موجود ليس بمفقود ، بل هذا الوقت الذي ُتظْهر الأحبة احتراقهم بحبيبهم ، ويكشف المشتاقون كتمان سرائرهم بهيجان نيران الاشتياق إلى مناهم.

وحكي أن رجلاً من أهل البصرة بكى على شوقه حتى ذهبت عيناه ، ثم قال: إلهي إلى متى لا ألقاك ، فبعزتك لو كانت بيني وبينك نار تلتهب ، ما رجعت عنك بعونك وتوفيقك ، حتى أصل إليك ، ولا أرضى منك بدونك.

قيل : كان لفتح الموصلي ابنتان عارفتان فخرجتا إلى الحج ، فلما وقعت أعينهما على البيت ، قالت إحداهما للأخرى : يا هذه أهذا بيت ربي ؟ فقالت الأخرى : نعم ، فصاحت صيحة وماتت من ساعتها وقالت الأخرى : إلهي أشكو من نفسي إليك ، وقد طال شوقي إليك آه آه آه ، وتقولها حتى ماتت.

وقيل لأبي بكر الواسطي رحمه الله: ما حظيرة القدس ؟ قال: هي حظيرةٌ جعلها الله لاستماع كلامه ومناجاته والنظر إلى وجهه ، حيث شاؤوا ومتى شاؤوا ، وتلا قوله : " وَلكم فيها ما َتشَْتهي أَنُْفسكم " .

قال إبراهيم بن أدهم د َخلْت جبل لبنان فإذا أنا بشاب قائم يقول: يا من قلبي له محب ، ونفسي له خادمة ، وشوقي إليه شديد ، متى ألقاك ؟ فقلت: رحمك الله ما علامة حب الله ؟ قال: حب ذكره ، قلت : فما علامة المشتاق ؟ قال: أن لا ينساه في كل حال.

بعض أهل المعرفة حضرته الوفاة ، فبكت امرأته ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : كيف لا أبكي وأنا أبقى منك فردًا ، قال: يا هذه أنا منذ أربعين سنة بكيت شوقًا إلى هذا اليوم ، فإنه يوم وصلتي وأُلَْفتي وراحتي ، فمرحبًا به.

وحكي أن الحسن البصري رضي الله عنه حضرته الوفاة ، وكانوا يلقنونه الشهادة ، ففتح عينيه وقال : إلى متى تدعونني إليه وأنا محترق به منذ عشرين سنة.

وسئل سهل بن علي عن خفقان قلب الخليل ، وأزيز قلب المصطفى صلى الله عليهما وسلم ، فقال: خفقانه من الخوف ، وأزيزه من الشوق.

وبكت رابعة العدوية عند موتها ، وضحكت من ساعتها فقيل لها في ذلك فقالت: أما بكائي فمن مفارقتي الذكر آناء ليلي ونهاري ، وأما ضحكي فمن سروري بلقائه ، وماتت من لحظتها.

ومرض أبو الدرداء رضي الله عنه فقيل له : ألا ندعو لك طبيبًا يداويك ؟ فقال: الطبيب أمرضني ، طال شوقي إلى ربي ، وإلى قرة عيني محمد صلى الله عليه وسلم ، وإلى إخواني الذين مضوا من قبلي ، وإني أخاف أن أَُفرق عنهم.

وكان ذو النون يقول ليلة إلى الصباح: المستغاث المستغاث ، ثم دخلته السكينة ، فقيل له في ذلك ، فقال: نظرت البارحة بعين السر ، في ملاحظة الحق حتى بسط إلى بساط محبته ، وغلبني الاشتياق إليه ، فاستغثت إليه بالخروج من الدنيا ، كما يستغيث أهل النار بالخروج منها ، ثم نظرت إلى سرور المجتهدين في الدنيا ، ومؤانسة المريدين في ُظَلِم الليالي ، وافتراشهم الجبهة بين يدي علام الغيوب بصفاء القلوب ، فدخلتْ علي السكينة.

قال عقبة بن سلمة : ما من ساعة يكون العبد أقرب إلى الله من حين يخر ساجدًا ، وما من َ خصلة في العبد أحب إلى الله من الشوق إلى لقائه.

وفي الخبر : " نعم التحفة للمؤمن لقاء مولاه " . قال محمد بن يوسف لو خيرت بين أن أعيش في الدنيا مائة سنة أعبد الله تعالى لا أعصيه طرفة عين ، وبين أن أموت لاخترت الموت ، قيل: ولم ذلك ؟ قال: من شدة اشتياقي إليه.


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين ديسمبر 03, 2012 4:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

الحديث الأربعون

حدثنا شيخنا الشيخ القدوة علي الواسطي رضي الله عنه قال : حدثني أبو الفوارس طراد بن محمد الزينبي ، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن زرقويه ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن يحيى الطائي ، قال : أخبرنا جد أبي علي بن حرب بن محمد الطائي ، عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" التسبيح للرجال والتصفيق للنساء" ، هذا الحديث يشير إلى الجد في الأعمال والاستهلاك للحركات والسكنات في الله تعالى.

وقد ترى جماعة من العارفين يضربون للإشارات في الحالات ولدي الحضرات كفًا بكف ، فإياك أن تظن أن إشارتهم هذه من التصفيق فتزلق ، إنما هي استهلاك حركة لله ، في حركة أخرى لله ، فإنهم ماتوا بالله حالة كونهم أحياء فلذلك أحياهم الله حالة كونهم أمواتًا.

أَي بَني ، اعلم أن لله تعالى عبادًا قد ملئَتْ قلوبهم بمحبة ربهم ، ينتظرون الموت اشتياقًا إلى حبيبهم ، ويكرهون طول المكْث في هذه الدنيا ، لا راحة لهم دون الخروج منها ، وهم مغمومون بطول البقاء فيها ، وشوقهم إلى الخروج أشد من شوق العطشان إلى الماء الزلال ، فإذا َقرب أجُلهم أتاهم ملك الموت مع سبعين ألف ملك من الله بالتحية والسلام ، كما قال تعالى : " الَّذين َتَتوفَّاهم الملائِكة طيِبين يُقوُلون سلام عَليكم " الآية ، وكذلك يجيء الملك للمؤمن على أطيب ريح وأحسن صورة ، فيقول المؤمن له: مرحبًا لأي أمر جئت ؟ فيقول له : لقبض روحك ، على أي حال تحب أن أقبض روحك ؟ فيقول : إذا كنت في السجود فيفعل ذلك ملك الموت ، فيأتيه حافظاه ويقول أحدهما لصاحبه: كان لنا صاحبًا وأخًا قد حان له الفراق ، فيقولان له جزاك الله خيرًا ، وغفر لك ، فنعم الأخ كنت ، لقد كنت أيسر مؤمن ونعم ما قدمت لنفسك : " يأَيَُُتها النَّفْس المطْمئِنَّة ارجعي إَِلى ربك راضية مرضية " بالروح والراحة ، وتقول روحه لجسده: جزاك الله عني خيرًا ، كنت تحب الخير وأهله ، وتبغض الشر وأهله ، أستودعك الله.

مر بجنازة على أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه فقال : مسَتريح أو مسَتراح من نصب الدنيا وإيذاء أهلها ، فلقي رحمة الله عليه والمسَتراح منه الفاجر ، إذا ما استراح منه العباد والبلاد.

وقال مأمون السلمي رحمه الله: لما توفي أبو عبد الله بن مقاتل غسلَْناه وكفََّناه ودفناه ، فهتف بنا هاتف من السماء : الحمدلله الذي أوصل الحبيب إلى الحبيب راضيًا مرضيًا.

وقال رجل من أصحاب أبي عبد الله : رأيته في المنام بعد موته كان يتبختر في حظيرة القدس ، فقلت له : ما هذا التبختر يا أبا عبد الله ، أليس قد ُنهينا عنه ؟ فقال: هذا مشي الخداِم في دار السلام عند الملك العلاَِّم.

ورؤي ذو النون بعد موته في المنام ، فقيل له : ما حالك ؟ قال: سألت الله أربع مسائل ، فأعطاني اثنتين ، وأنتظر اثنتين ، فقيل: وما هن ؟ قال: قلت إلهي إن قبضت روحي فلا تكلني إلى ملك الموت ، وإن سألتني فلا تكلني إلى منكر ونكير ، وإن أهتني فلا تكلني إلى مالك ، وإن أكرمتني فلا تكلني إلى رضوان.

وحكي أن داود العجمي لما مات حملَ إلى قبره فإذا هو مفروش بالريحان ، فأخذ الذي يدفنه شعبة من الرياحين ، وكان الناس ينظرون إليها تعجبًا سبعين يومًا لم يتغير حالها ، فأشخص الأمير وأخذها من الرجل ، فُفقدت فلا يدري كيف ذهبت.

وقال عمار بن إبراهيم : رأيت المسكينة الطاوية بعد موتها في المنام وكانت تحب مجلس الذكر ، فقلت: مرحبًا يا مسكينة ، فقالت: هيهات يا عمار ، ذهبت المسكنة ، وجاء الغنى ، قلت: هنيئًا لك ، فقالت : وما تسأل عمن أبيحت له الجنة بحذافيرها ، قلت : بماذا ؟ قالت: بمجالس الذكر ، فقلت : فما فعل الله بعلي بن زادان ؟ فضحكت وقالت : كساه حلة البهاء ، وقيل له: يا قارئ اقرأ وارق.

وقال ابن أبي الحواري: رأيت الواصلي بعد موته في المنام ، كأنه قائم في الهواء ، وقد امتلأ الهواء من نوره ، فقلت له: ما فعل الله بك ؟ قال : نعم المولى مولانا ، غفر لنا وأكرمنا ، وفعل بنا ما هو أهله ، قلت له : أوصني ، قال : عليك بمجالسة الذاكرين ، فإنهم عندنا في الرفيع من الدرجات.

ولما حضر معاذًا الموت أُغْمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : ألحقوني بالذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ، ثم ضحك وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله الحمد لله ثم مات.

وحكي أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها ، فصلت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم سجدت فلم تزل تقول واشوقاه ، فلم ترفع رأسها حتى ماتت.

وقال جعفر الضبي: حضرت زيارة قبر مالك بن دينار ، فقلت : ليت شعري ما فعل الله بمالك؟ فسمعت صوتًا من فوق مالك يقول: مالك نجا من المهالك ، ومن وعثاء المسالك ، وصار إلى دار السرور بمجاورة الرب الغفور ، فقلت: الحمد لله.

وقال ابن بكار: صلينا الغداة يومًا بالمصيصة ، فلما سلم الإمام قام رجل وقال : يا أيها الناس إني رجل من أهل الجنة وإني أموت اليوم ، فمن كانت له حاجة فليأت ، فلما صلينا العصر مات الرجل في سجوده.

وحكي أن الحارث بن عمرو الطائي مرض بإرمينية ، فيومًا من الأيام استقبل القبلة وصلى ركعتين ، ثم قال في آخر سجوده : اللهم إني أسألك باسمك الذي هو قوام الدين ، وبه ترزق العالمين ، وبه تحيي العظام وهي رميم ، إن كان لي خير عندك فعجل قبضتي ، ثم سكت فحركوه فإذا هو ميت.

وقال مالك بن دينار رضي الله عنه : كان لي رفيق ، وكان والله من العارفين فمرض فحضرته لأعوده ، فإذا هو رافع طرفه نحو السماء ، وقال : اللهم إن كنت تعلم أني أحبك فبارك لي في لقائك ، فلم يتم كلامه حتى مات.

وحكي أن رجلاً رأى مالك بن دينار رضي الله عنه كأنه في قصر معلق في الهواء بحيث لم يصف الواصفون حسنه فقال : ما فعل الله بك يا مالك ؟ فقال : أنزلني ربي في هذا القصر كما ترى ، وأباح لي أن أنظر إليه كلما اشتقت إلى رؤيته بلا كيف ولا شبيه ، والحمد لله رب العالمين.

ولما حضرت الوفاة سيدي الشيخ منصور بكينا حوله فأفاق من غشيته وقال :


موت المحب حياةٌ لا انقطاع لها

قد مات قوم وهم في الناس أحياء



ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقضى نحبه رضي الله عنه وعن عباد الله الصالحين أجمعين.

تم الكتاب الجليل وبالخير عم والحمد لله رب العالمين صاحب المنة .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 04, 2012 11:17 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وهذا كتاب النصيحة القدسية للسيد / محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي رضي الله تعالى عنه .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً يرفع بأكف القبول إلى حضرة القدس الأمنع والصلاة والسلام على عبد الله ونبيه ورسوله سيدنا وسيد المخلوقين محمد الحبيب الأكمل المشفع وعلى آله وأصحابه وأشياعه وأحزابه إلى يوم الدين ، أما بعد :

فيقول العبد الراجي من الله القبول والرضا محمد أبو الهدى بن السيد أبي البركات حسن وادي آل الخزام الصيادي الرفاعي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين إنه البر المعين ، هذا سفر حسن المضمون تقربه من أهل الألباب الطاهرة العيون سميته النصيحة القدسية تلقيت جمله الشريفة ونصوصه المنيفة جملة جملة من شيخنا وسيدنا وملاذنا علامة الزمان قطب الوقت والأوان ، بركة الإسلام شيخ الخواص والعوام الغوث الكامل بحر العوارف والفضائل غريب الغرباء وقدوة الأولياء والعلماء الإمام النحرير مولانا السيد بهاء الدين محمد مهدي آل خزام الصيادي الرفاعي الشهير رضي الله عنه وعنا به ونفعنا والمسلمين بعلومه وإرشاداته وآدابه آمين .

وها أنا سأورد جملها بنصوصها لينتفع بها المحبون ويهتدي بها السالكون ويطيب بشذى نفحاتها المسلمون ، ولمثل هذا فليعمل العاملون ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، فإن هذه الجمل السعيدة نصبت للقرب الإلهي معراجاً وبسطت للطريق الحق منهاجاً يزداد بها نور المنتهى ويتصل إن شاء الله ببركتها حبل المبتدى ولا حول ولا قوة إلا بالله وفي كل حال حسبنا الله ولا إله إلا الله .

قال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : الشريعة أقوال والطريقة أعمال والحقيقة أحوال والمعرفة كمال ، فمن الأقوال إرائة الطريق ومن الأعمال التمحض بالحق الحقيق ومن الأحوال صحة الانفراد إلى الله ومن المعرفة الخوف من الله بكمال الأمن من الله ، قال تعالى : " لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا " ( الزمر : 53 ) ، هذا لتوطيد الأمن في قلب المؤمن مع بقاء الخوف فيه ، قال تعالى : " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى " ( النازعات : 40 ) ، وأن القلب لمحل نظر الله تعالى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم " ، فمن هذا السر الأعظم يجب على العاقل تنقية القلب من أدناس الطوية وإفراغ نور الاطمئنان فيه بحسن النية ، وهذا أول قدم يضعه السالك في باب الله وحسبنا الله .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : الطريق الذي أكثر فيه الناس الأقوال لا كما يزعم الكثير من الذين يخلطون الدرر بالمدر والذهب بالحجر إنما هو الاهتمام بإفراغ أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم في النفس والأهل والولد والجار والصديق والقريب والبعيد لوجه الله ولإعلاء كلمة الله في ملك الله ، لا يريد فاعل ذلك بذلك اشتهاراً ولا ظهوراً ولا جزاء من أحد ولا شكوراً ، قال الله تعالى : " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " ( البينة : 5 ) ، ففي هذه الآية الكريمة علمنا الله سبحانه وتعالى ما أمرنا به وما ذلك إلا أن نعبد الله مخلصين لأن الدين له سبحانه وأن نقيم الصلاة ونؤتي الزكاة وهذا هو الدين الذي لا عوج فيه ، وحيث إن الدين له ففي إعلاء شأنه وإفراغ حكمه وحكمته في القلوب تخلق بخلق النبي صلى الله عليه وسلم ، وشرط ذلك الإخلاص والمبلغ لذلك الأمر إنما هو رسول الله عليه أكمل صلوات الله ، ونحن مأمورون بامتثال أوامره الشريفة واتباعه ، ولم يكن بعد من زيادة لا في الأقوال ولا في الأعمال ولا في الأحوال على أن الأقوال أقواله والأعمال أعماله والأحوال أحواله صلى الله تعالى عليه وسلم .

وكل قول وحال وعمل يخامر النفس ولم يكن عنه صلى الله عليه وسلم فهو من الباطل وحقيقته عربدة ظلمة تغشى القلب من استلذاذ النفس يحبب التطهر منها والتباعد عنها ولو رأها الرجل بباصرة رأيه من القربات فهي دين ريب من القاطعات ولا ينبغي للعارف أن يشادد الدين فما شادد الدين أحد إلا وغلبه ولا رهبانية في الإسلام ولم يكن من النهج المحمدي الانقطاع للعبادة عن الأهل والخلان في شواهق الجبال ، وإنما النهج المحمدي أن يقف العالم المرشد معلماً للمسلمين أخلاق النبي الأمين عليه صلوات رب العالمين .

روى ابن ماجة وغيره من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من بعض حجره فدخل المسجد فإذا هو بحلقتين ، أحدهما يقرؤن القرآن ويدعون الله عز وجل ، والأخرى يتعلمون ويعلمون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل على خير ، هؤلاء يقرؤون القرآن ويدعون الله فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم وهؤلاء يتعلمون ويعلمون وإنما بعثت معلماً فجلس بهم " ، فالذي ينبغي لطالب الحق أن يكون متعلماً أو معلماً أو مستمعاً وهكذا نهج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والطريق المبارك هو السير على منوال السلف الصالح ، وأما ما يراه الرجل الحازم الآن من أحوال أناس يزعمون سلوك الطريق ويأخذهم رأيهم للخوض في الذات والصفات ويغلب عليهم مشهد الحلول والاتحاد والشطح وأنواع الفساد ، فما أولئك إلا سلاك طريق النار ولبئس القرار ، وقد يرى آخرين ينهمكون على مطالعة كتب من سلف من الصوفية أهل الأخلاق الذين غلبتهم أحوالهم أو دس عليهم في كتبهم ما لم يكن منهم فيرون في مكتوباتهم وأساطير عباراتهم ما تلتفت إليه نفوسهم من عجائب الإشارات وغرائب النكات فيقف الواحد منهم عندها وكأنها آية من كتاب الله أو حديث صح عن سيد خلق الله عليه أفضل صلوات الله ويقيم لها في نفسه تأويلاً ويحدث له منها أسلوباً طويلاً ويذهب إليه ويمشي عليه فينزل ويضل ، ومن سر الله في مثل أولئك أن يلبسهم الله كسوة حمق تهز عقولهم بصرعة نقصان فترى أحدهم يتكلم بكلام العاقلين وهو من حمقاء المجانين والحق أحق أن يتبع ، أما طريق أهل الحق فهو فتوة ومروة ودين وعلم رصين وقدم مكين ووقوف مع الحق وانطلاق في طريق الحق إلى الحق ، وبعد عن أهل الزيع والضلال وصدق في الأقوال والأفعال ولسان عذب وطبع هين وقول لين وصعوبة على المارقين ، ورأفة بالمؤمنين وشفقة على خلق الله أجمعين تحت نظام الشرع المبين ، ووقار بلا كبر وانجماع بلا هجر ومكنة في الأمر وصفاء في السر والجهر ، ووعظ وذكر وصحة فكر ومحبة للعلماء ورحمة للفقراء وبشر للضعفاء ، وترفع عند أهل الغرور وتبصرة شرعية في الأمور ، وانقياد للحق وأهله وابتعاد عن الباطل ومحله ، وشغف بالقرآن العظيم ووقوف في أحكامه مع تفسير المفسر الأعظم الكريم عليه أفضل الصلاة والتحية والتسليم وتلاوته بالإيقان اعتقاداً بحكم المراد منه عند الله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن سمات الحدوث جرياً على ما جرى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه والسلف الصالح من الأمة عليهم رضوان الله تعالى أجمعين ، وإعظام لشأن الأولياء أهل الله الذين اختارهم الله لنبيه نواباً ولحضرة قدسه أبواباً وفتح ببركتهم أقفال القلوب وكشف حرمة لوجوههم غياهب الكروب والولاية إيمان وتقوى والتقوى خوف الله في الأقوال والأفعال والأحوال وابتعاد عن المزالق التي توقع العبد والعياذ بالله في وهدة الضلال والطريقة المحمدية في البحبوحة الوسطى لا تفريط ولا إفراط ولا غلو يوجب العلو ولا إهمال يستلزم الإسقاط وفاء بالعهود ورضاء بالموجود وصبر على المفقود ووقوف عند الحدود ، وفي كل هذه الأساليب والسطور فمن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور وإلى الله تصير الأمور .
وقال شيخنا رضي الله تعالى عنه وعنا به : قد يقوم بشقشقة اللسان أناس يدعون إلى الدين وما هم منه بشيء يخبطون في الأحكام ولا يميزون بين الحلال والحرام يريدون جعل الأحكام طوع آرائهم يتزلفون للمخالفين والخصوم بلقلقة من منطوق ومفهوم يحرفون بها الكلم عن مواضعه يستندون عن رأي إلى آية أو حديث أو خبرهم عن كل فحاويها بمعزل الحقيقة بمنزل وهم بمنزل إياك إياك أي طالب الحق أن تلفت نظرك إلى سطورهم فهي دون أساطير الأولين أو أن تستهوي عقلك لآرائهم فإنهم من الضالين ، وعليك بجماعة المسلمين أهل العلم المتبع والحق المبين الذين وافقوا بالإجماع وخالفوا أهل الابتداع وابتعدوا عن الرعاع وقاموا لنصرة الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فعملوا بما علموا انقياداً لقوله صلى الله عليه وسلم : " من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم " .

واعلم أن القوم رضي الله عنهم لم يشادد أحد منهم الدين ولم يعمل حتى يسأم فيذهب عمله هباء منثوراً ولم يترفع بالعمل فيزق ظرف فكره منه استعلاء وغروراً ولم يبصر لنفسه على غيره مزية ولم يتوهم بلية الأفضلية والفوقية على أحد من البرية ، الخلق كلهم على طبقاتهم وبنسبة درجاتهم عنده مكرمون ولديه موقرون يريد للقريب الزيادة وللبعيد القرب والسعادة ، وبهذا يرضى الله ولا يعدو على أحد من خلق الله وإذا عورض في أمر يؤول إلى الله فعارض جعل المعارضة تحت قاعدة الدفاع لا على شوط الاندفاع والدفاع مقرر بقوله تعالى : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " ( البقرة : 194 ) ، واتقوا الله أي إن تجاوز نخوتكم الحد فإن ذلك يخالف أمر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : الرياضة نوعان ، رياضة جسم ورياضة قلب فرياضة الجسم جوع وسهر ورياضة القلب ذكر وفكر ولا ريب أن رياضة القلب أهم من رياضة الجسم بالجوع والسهر والتقشف يؤمر به من طغت نفسه وثارت نخوته وإن الموعظة من لسان الحكيم المحمدي العارف العالم المتحقق بحال النبي صلى الله عليه وسلم أشد تأثيراً على القلب والنفس والعقل من رياضة الجسم وتلك تكون كاملة ، أعني الموعظة نيرة التأثير ببركة الصحبة ، ولهذا أمرنا بمخالطة الحكماء ومجالسة الكبراء والعلماء ولا يكمل شأن الصحبة للمصاحب إلا بالنظر الصحيح ، وشروطه ثلاثة : الأدب الجامع ، يعني أدب القلب واللسان والتسليم الكامل لأذواق القوم وأفهامهم لا لكليمات خبط بفهمهن الرجل فظن أنه علم وكمل والصمم والخرس ، أي يصم السمع عن كل كلمة تصدر من منتقص للقوم أو منتقد ويخرس عن إفشاء أسرار آدابهم الرقيقة إلا بإذن منهم وأمر صادر عنهم وإلا فالجوع بلا أدب يقدر عليه الكلاب ، بل الكامل يأكل ويشرب ولا يسرف في كل أحواله في الحضرة الوسطى لا يعلو ولا يسقط وسيره لله وهمته إلى الله وغاية أمله الله وعزيمة عزمه طيارة إلى إعلاء دين الله على ما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وباب الله مسدود على السالكين كبيرهم وصغيرهم ، وعلى المسلكين هينهم وخطيرهم في غير الدعوة إلى شريعة الرسول وآدابه وإعلاء كلمة الله على ما شرع صلى الله عليه وسلم .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضي عنه : " لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم " ، فإذا دل المسلك السالك على الأخلاق المحمدية ولفت قلبه إلى إعلاء شأن الشريعة المصطفوية واجتذبه إلى التحلي بالأحوال النبوية ، فقال الحق وصار مع الحق وزهد قلبه ولو كانت الدنيا ملء يده ونفع الناس وعطف القلوب إلى العدل والرأفة والرحمة وترك الغفلة والذكر والفكر والوله العظيم بمحبة الدليل الأعظم معلم الخير صلى الله عليه وسلم وشغل قلبه بمحبة آله وأصحابه والتخلق بأخلاقهم والتحقق بأحوالهم ومعالي خصالهم من بر ومعروف وصدق وعلو همة ونصرة مظلوم وكف يد ظالم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وقرب من محق وابتعاد عن ذي زيغ ملموز العقيدة ولو أعجب السامع قوله وتودد للمخلوقين وانتصار للحق ولو خالف ما في نفسه وجرى على لسان عبده أو خصمه وأوقفه مع الأعمال الصالحة ودفعه عن الأعمال السيئة وقادة لتعظيم أحباب الله وإجلال رجال الله وزرع في سره حبة المحبة بالإعلاء لشيخه وأستاذ طريقته فيعرف له ما لا يعرف لغيره من المشايخ والأساتذة فهنالك يكون قد نشر على رأسه لواء الوصول إلى المأمول ورفع عليه بإذن الله راية القبول في باب الله والرسول صلى الله عليه وسلم .

ومما يوجب لتصحيح الحال في هذه الخلال إسقاط ثائرة النفس عن حب الدرهم والدينار مع الصدق في معاملة الناس فإن من غش مسلماً أو آذى مخلوقاً في ماله حري بأن يؤذيه في نفسه ودينه ومن كان كذلك لا يجيء منه شيء .

ومما يوجب تصحيح الحال أيضاً عدم الخوض في المسلمين وعدم الثورة لبغض أحد من الخلق بغير حق ، والله تعالى قال : " ولا تقف ما ليس لك به علم " ( الإسراء : 36 ) .

ويجب على العاقل أن لا يقف بين الخالق والمخلوق إلا فيما ظهر له ولا ينهمك بإظهار ما بطن ، أعني لا يتتبع عورات الناس ففي الآثار من تتبع عورات الناس فضحه الله ولو في جوف رحله ، ورب عمل صالح ظاهره قام في باطن عامله نزع نخوة أو رياء أو رؤية تفوق ففعله وانقلب قطيعة وبعداً ، ورب عمل سيء ظاهره قام في باطن عامله خوف من الله وخشية فذل لله وانكسر لسلطان عظمته ورجع عما هو فيه وتاب وأناب فصلح أمره وانقلبت صدمة بعده قرباً وقد يفعل الله ذلك تعززاً بربوبيته وتفرداً بألوهيته له الحكم وإليه ترجعون .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : طرق العبادة بعد الإجماع الأخير أربعة ، قررها علماء الدين بموافقة أقوال الأئمة الأربعة المجتهدين ، إمامنا الأعظم محمد بن إدريس الشافعي المطلبي رضي الله عنه ، والإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه ، والإمام الأكمل مالك رضي الله عنه ، والإمام الأجل أحمد رضي الله عنه ، فهؤلاء صدور السلف وأئمة الخلف لا يشذ عنهم إلا من صرعه جهله أو غلبته نخوة نفسه فرأى لها شيئاً وهو لا على شيء وما موافقتهم إلا تقييد وصورته تقليد إذ في الحقيقة التقليد لا يكون إلا للمعصوم صلى الله عليه وسلم .

وإنما قيدنا أفهامنا بالموافقة لأفهامهم لعلمنا العلم اليقين إنهم أعلم منا بشريعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحالة قربهم من مشارقة نور الرسالة ووجود الأئمة في الأمة فقد أجمعوا عليهم وسلموا أزمة الإمامة في المذاهب إليهم فهم في مقام الموافقة المتبعون ، وفي تبليغ الحكم المقلدون وإلا ففي الحكم فالمقلد سيد الكل في الكل وإمام دولة الرسالة في العقد والحل صلى الله عليه وسلم ولنا الأخذ في بعض الأحيان بقول : من لم نوافقه تقييداً تقليدياً في الأعمال منهم علماً بأنهم كلهم على هدى ولكن لا نلفق فنهدم حكم الإجماع ونحدث مذهباً تلفيقياً تركن إليه من أهل الغي الطباع ، فإن التلفيق شأن من لم يكن على عهد حكم الدين بوثيق ولا نضيق على الأمة فنخلط الجائز بالمستحيل فإن من يلعب في الدين على هذا الوجه ما هو إلا ضليل ، والذي قضى به الحق الموفق المعين إنما هو اتباع سبيل المؤمنين وإن أضر الناس على الدين وأهله إنما هم شراذم منهم شرذمة تزعم التصوف والطريق المبارك وهم على مناهج مختلفة منهم وهم أقبحهم أهل الوحدة المطلقة والحلول وأرباب الزيغ والفضول ، ومنهم من يكذب على الله وعلى رسول الله عليه أفضل صلوات الله ، فيزعم أن الله أطلعه على غيوبه والحال هو أعمى عن عيوبه ، ومنهم من يزعم رؤية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والكلام معه والأخذ والرد وما ذلك إلا من الزيغ والصد والقطيعة والرد والعياذ بالله ، ومنهم من يتبجح بالشطحات الكاذبات والكلمات الباردات ويسندها للقوم الكرام ويجعلها سلماً لما في مخيلته الفاسدة من الأوهام ، ومنهم من يشتغل بالمنامات وهو عن بركة المنى مات ويدعي الكرامات وهو تحت طي الكرى مات ، ومنهم من يغش المسلمين في عقائدهم فيقول عن غير علم بتأثير المخلوقين استبداداً ويحدث في الدين فساداً يفرح بطقطقة النعال حوله ويمزج بالزور والبهتان شهره وحوله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن الشراذم المضرة أناس يزعمون العلم وأنهم من حملة الشريعة الغراء يخبطون في الأحكام الشرعية ويصرفون أسرار الشرع الشريف بمقتضى أفهامهم السقيمة لكل وجهة وهمية يريدون بذلك لفت أنظار العوام الذين لا يعقلون ، وجلب أولي الشقاشق من القوم الذين لا يعلمون ولا يشعرون يمرقون من الدين ويضرون بالمسلمين وكل وقت ، ولهم قول وقولهم وبولهم سواء طغام كالأنعام ضالون مضلون " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " ( الشعراء : 227 ) .

ومن الشراذم المضرة السحارون والمنجمون أولئك هم الكاذبون ، ومثلهم المقيدون عن الحق بأبائهم وأجدادهم السالفين من الصالحين تقيداً بالاسم وما لهم من حالهم نصيب فإن مثلهم في وهدة القطيعة يرتعون وهم عن الحق مبتعدون وفي الخبر يفسد هذا الدين عالم وابن ولي لما يخزن في قلب كل منهما من الغرور والكذب والكبر وحب التعالي والجرآة على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى إيذاء المسلمين والضرر للمخلوقين ولا ريب فمثل ذلك الرجل مفسد للدين ولا عدوان إلا على الظالمين .

وقال شيخنا رضي الله تعالى عنه وعنا به : طريقتنا العمل بالمأمورات والنتهاء عن المنهيات والإتيان مهما أمكن بالمثوبات وعدم الإكثار شرها من المباحات والأكل من الطيبات وإظهار نعمة المنعم للشكر لا للعلو بها على الناس والصبر على أوامر الله تعالى بالملاحظة الصحيحة ليصان القلب من الغفلة ورؤية المنعم أي ذكره قبل النعمة وزيادة الحب للنبي صلى الله عليه وسلم والصدق الخالص في كل عمل وقول والانبتات عن روية النفس وحفظ الوقار لأن العزة أولاً لله سبحانه ثم لرسوله صلى الله عليه وسلم ثم للمؤمنين ولا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، أي فيما يؤول لغير الله وإنما الذل لله سبحانه يؤل إليه وكذا دأب العارفين.

ومن طريقنا عدم نسيان الموت لتسكن زفرة النفس بذلك مع النفع العام لكل ذرة مخلوقة في الكيان تحت دائرة الإمكان والانقياد للتقدير مع حفظ قانون التدبير على ما شرع البدر المنير صلى الله عليه وسلم وحكم ذلك أن يأخذ المرء بالتدبير معتقداً نفوذ التقدير في الأمر مع السر والجهر ولله الأمر من قبل ومن بعد ، فيكون تدبير البشر لاستكشاف سر القدر ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : من آداب طريقتنا دوام الذكر مع ترادف الأنفاس ملحق بالصلاة والسلام على سيد الأنام صلى الله عليه وسلم فيكون السالك دائماً رطب اللسان بذكر الله مضمخاً بعطر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشمله حينئذ الولاية الخاصة بعد الولاية العامة من الجناب النبوي وإنا لنعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم في قبره الكريم حي الحياة البرزخية يفيض بفيض الله ويحسن بإحسان الله ويعطي بالله ويمنع بالله وله اليد على كل ذرة مخلوقة في ملك الله علمت أو لم تعلم ، فهمت أو لم تفهم ، وقد ينتفع الدواب والحيتان والنبات والكثير من الإنسان والهواء والماء والشمس والليل ولا يعرف قدر ذلك النفع ولا من أين جاء وكذلك فشر الدواب منهم الذين لا يعرفون الحق المعلم الخير والذي بث نور العدل في الأمم من العرب والعجم ، وأخرج الناس من الظلمات إلى النور وأزال ظلم الجاهلية وظلمتها الأولى ، وأقام في عوالم القلوب العلم والحكمة وذكى النفوس وطهرها من الغي وجعل في الحقوق والعبادات الأمير والمأمور والمالك والمملوك والفقير والغني في مرتبة واحدة وبعث رحمة للعالمين وهادياً للضالين ونوراً للمتقين وإماماً للمرسلين وقبلة للغر المحجلين عليه صلوات الله في كل وقت وحين ، فإذا جهل شأن فضله المحجوب بظاهر هذه الكثرة المنقطع عن صحيح العبرة فقد جنى على نفسه وهو الملوم ولكل أجل معلوم والموعد الله ولا إله إلا الله .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : بالذكر مع الإخوان يطيب بالجهر تمتزج الأنفاس بالأنفاس ، ولم تعلم النفحة الربانية تحف أي لسان ولم يعلم الإخلاص الأكمل يبرز على أي ناطقة ، وما أحسن الترنم بالذكر فإنا أمرنا أن نحسن القرآن بأصواتنا وذلك لتطيب النفوس وترتاض به القلوب وتحن إليه الهمم ، والذكر شيء من معاني القرآن الكريم فإذا ترنم الذاكر بذكر الله فرحاً بالله طابت نفسه وارتاض قلبه وحنت همته ورجعت إليه همم إخوانه وسامعيه فطابت نفوسهم ، وارتاضت قلوبهم وعم نفع الذكر ، والله تعالى قال : "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ( الذاريات : 55 ) ، وأشرف ما يذكر به المذكر إنما هو ذكر الله سبحانه ، كيف لا ولذكر الله أكبر .

وأما ذكر الرجل وحده ، أعني ذكر ورده فيقتضى فيه الإخفاء لأنه من معاملة العبد مع ربه وهذا حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف ذلك من له أدنى شمة من علم الشرع الشريف ولا يلتفت لمحرف حسد القوم فخلط صالح الجماعة بالطالح ، وحمل المسلمين على السوء وهو غيبة الزور والبهتان وخزانة العيب والنقصان وملعبة الشيطان وللمسلم حمل المسلمين على الصالح في أقوالهم وأفعالهم التي لم تصادم نصاً ولهم هذه الحرمة في الشريعة الغراء هذا إلا إذا هدمت أقوال البعض حكماً أو صادمت نصاً فينظر لحال القائل في قوله والفاعل في فعله ، هل يقبل التأويل الصحيح وهل هو ممن يليق أن يتأول له لصلاح فيه وعلم لديه واشتهار بمروءة وحسن طريقة فإن كان ذلك أولنا له ما أمكن التأويل وإذا نأى التأويل نصحناه فإن أصر خذلناه وفارقناه لوجه الله وإن لم يكن من أهل هذه المنزلة الشريفة والحال الصالح رددنا قوله على وجهه وضربنا بزعمه الحائط والكلمة المطاعة كلمة الله ولا تبديل لكلمات الله .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : نحن قوم نجرد همم المحبين لخدمة الجناب المحمدي على السنن المبارك الأحمدي نصرف من أحوال القوم ما لا يلتبس علينا أخذاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ، ولا نشغل السالك إلا بتصفية الأخلاق ولا يتم له ذلك إلا بمصاحبتنا ومطالعة كلماتنا وكلمات مشايخنا ، فإن هذا المشرب الكريم كاد ينحصر في طريقتنا العلية أيد الله برهانها وأعلى في ملكه وملكوته شأنها وخذل من شأنها وأن مطالعة كلماتنا وكلمات مشايخنا والعمل بها والتخلق بنصوصها والتحقق بمعانيها هي الولاية الكبرى لا يجهل ذلك إلا لكع لا يفرق بين الدر والذر بسم الله بسم الله نفحة الحق تتنزل إلى القلب من حيث لا مكان وترى في جميع القالب فتصير كثائفه لطائفاً ولجج جهله معارفاً وتطير الهمة إلى الحق فهنالك ترى من جعله الله مظهراً لتلك النفحة يكره الباطل وأهله ويحب الحق وأصحابه ، وينفر من أهل البدعة ويرتضي الحق حاكماً يصفع نفسه بنعل الأدب فلا يهملها لتعلو بشقاشقها فتظن بها علواً وتزعم لها سمواً .

نعم هو للدجاجة ريش جنح
[align=left]ولكن لا تطير مع الحمامة



ومتى أسعف العبد بالنظر الإلهي بواسطه الجناب المحمدي لأن قلبه عليه الصلاة والسلام محل التنزل المطلق في مقام الجمع الأتم فقد وصل إلى مقام القرب وهو أشرف المقامات عند من يعرف حكم الحقيقة ويطلع على أسرار الطريقة ولا يطلب الفوز بغير هذا السنن الذي نحن عليه إلا جاهل سمع رنين الطبل وما عرف محل الحفلة يروم التطفل بالتطبل وما له من طريق موصل ولا من شأن ملحق وأن الله اختارنا اليوم لإفراغ سر الحال المحمدي في قلوب الموفقين وستلمع شارقة شمس علمنا المحمدي في الأكوان وتسطع في أبراج عالم الكيان وتتجلى في كل حضرة علوية وسفلية بسيطة وكروية قريبة وبعيدة شارقة تتجلى عليها أنوار الذات المقدسة منعكسة من أطلس الغيب إلى القلب المحمدي المنزه عن الشك والريب فتصلح قلوباً وتذكي أنفساً وتطهر أخلاقاً وتعمر من أهل الدين أركاناً وتشيد للشرع الأطهر بنياناً ، واقفة الركب مع الحق لا لعلو ولا لغلو ولا لأمر ولا نهي ولا لعلة دنيوية ولا لبغية نفسية بل هي لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم خدمة دين وتجارة حق ويقين أقامها في عالمها الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين والحمد لله رب العالمين .

وقال شيخنا رضي الله عنه وعنا به : التحدث بالنعمة تحت القاعدة الشرعية دين الله الذي شرع لنبيه صلى الله عليه وسلم ، ومنه أقول : أن الله تعالى امتن علي بنعمة التجديد فأنا الوارث المحمدي والنائب النبوي لي حكم هذه المرتبة لا ينازعني فيها منازع لا من المشارق ولا من المغارب طوق منة من الله تعالى طوق به عنقي أنا في مرتبة الفرد الجامع القطب الغوث المحبوب المرشد المتجرد في منزلتي لإعلاء كلمة الله تقوم كلمتي وآية حكمتي بعدي بإعانة الله وتطوف بلاد الله يرفعها إلى القلوب والعقول أناس أحبهم الله فأحبوه ونصرهم فنصروه واستبدلوا تلك الرقائق العرفانية والدقائق المصطفوية والحقائق المحمدية من قلبي منصبة في قلب نائب لي يرث كلمة عرفاني وينطوي فيه برهاني يأخذ مني وينوب عني فيبرز بحقيقتي وينشر في ملك الله علم طريقتي ويكون عيني ولا فرق بينه وبيني بيد أني في منزلة خفاء وهو في منزلة ظهور ، أيد الله به الشرع والطريقة والحق والحقيقة وأقر به عين الشارع العظيم وجلببه برداء ستر من براهين القرآن الكريم ليكون أمين الجناب مبارك الرحاب مصون الوجه والجاه مؤيداً بكلمات الله وقد تلتف به طيبة الخواطر أمم من الآل ومن كرام الرجال يقومون لنشر الطريقة بنظر البركة والسعادة ملحوظون " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " ( يونس : 62 ) .
قلت : إلى هنا وانتهى ما أردنا التشرف بكتابته من نصائح شيخنا رضي الله عنه ، وكفى بالله ولياً والحمد لله رب العالمين .
[/align]

_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 3:52 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وهذا كتاب الفجر المنير في بعض أقوال الرفاعي الكبير للسيد محمد أبي الهدى الصيادي الرفاعي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أيد آل الرسول بأوليائهم المتسلسلين جيلاً بعد جيل ورفع منارهم فوق الناس على الإجمال والتفصيل وجعل حبهم ديناً وودهم حصناً حصيناً ، والصلاة والسلام على علة الوجود وبحر الكرم والجود سيد المخلوقين وتاج النبيين وعلى آله الطاهرين وأصحابه أئمة الدين الهادين المهديين وعلى الأولياء الواصلين وأتباعهم والمحبين ، أما بعد :

فقد وفق الله شيخنا الفاضل وسيدنا المرشد الكامل صاحب الشرف والسماحة والفضائل قدوة العلماء والمشايخ الأفاضل الذي وقع على فضله الاتفاق ولمع شعاع عرفانه في الآفاق ، السيد الشيخ محمد أبا الهدى أفندي الصيادي الرفاعي الخالدي نقيب الأشراف بحلب الشهباء لجمع شتات هذا الكتاب الذي عذب وطاب فقد أحيا به أثر جده أبي العلمين وغوث الثقلين ، فيا لها من منقبة للآباء جدد ذكرها الأبناء ذرية طيبة تسنمت ذروة العلياء وشجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء أدام الله بهم نفع المسلمين ووقاهم من كيد الحاسدين بحرمة جدهم سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين ، كتبه خويدمهم ومحبهم السيد محمد علوي الرفاعي غفر الله له آمين .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على حبيب الله وعلى آله وأصحابه المهتدين بهداية الله وبعد ، قد وفق الله كثيراً من الأفاضل فدونوا كتباً مخصوصة في فضائل سيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ، وسنذكر إن شاء الله البعض مختصراً من سيرته السنية وأحواله المباركة المرضية .

قال في جلاء الصدا في فضله وحاله خاصة رضي الله عنه : ما أتى من زمرة الأولياء مثيل له في السلف ولا يكون له نظير في الخلف .


شعر :

هيهات أن يأتي الزمان بمثله

إن الزمان بمثله لبخيل



أحسن أهل زمانه خلقاً وأوسعهم صدراً وأكثرهم حلماً ، نهج بمنهج الفقراء الصابرين وسلك بمسالك الأئمة الزاهدين ، قضى الأيام بين ذكر وخشوع وأمضى الليالي بين صلاة وخضوع ، دخل على الله من باب الذل والانكسار وخلع بسيره رداء العظمة والاستكبار ، ومال عن الدنيا حتى كأنه لم يكن من أهلها وأعرض عنها بكليته فلم يلمس بيده المباركة شعرة من حبلها ، قام بأوامر الله سبحانه مؤتمراً وبلطف الله عز وجل مستظهراً ، وفتح باب الإرشاد والتكميل وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر بالقول الحسن الجميل ، أحيا مراسم الطريقة النبوية وأعلى معالم الحقيقة المصطفوية ، فأضحت السنة السنية مؤسساً بنيانها بوجوده وأمست الشرعة العلية موضحاً برهانها بسعوده ، أنفذ الله تعالى أمره في الملك والملكوت فدعا الخلق إلى ذي العزة والجبروت ، فأقبل عليه من وفقه الله تعالى من الخلائق وعلموا أن الاعتصام بحبل ولايته من أعظم الوثائق ، فأخرجهم بنور إرشاده من جميع الظلمات وأوصلهم إلى عالي الرتب ورفيع الدرجات وسلك بهم مسلك الهدى والتحقيق وأنقذهم من الردى بنور التوفيق ، فزاد الله ببركته لتلك الفتية شرفاً وقربى فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى .

وقال تقي الدين الواسطي حين وصفه في كتابه قرة العين الذي عطر بذكر الغوث المشار إليه قدس الله سرهما : أنه هو حضرة الولي السيد السند والصفي المؤيد المستند ، ذو الشرف الراجح والقدر المعلى الذي هو على ممالك الولاية مولى ، القطب الشامل ببركته وجوده ، ذو القرب في حظائر القدس والكمال ، المحبوب لحضرة الألوهية والمسلوب عما سوى الله بالكلية ، سيد أهل المعارف والمعاني ذو الري من كئوس التداني ، صاحب المنزل الأرفع والقدر الأسمى ، محمود الطرائق وممدوح أهل الأرض والسماء ، قاموس علوم الطريقة وناموس غيوب الحقيقة المخصوص من الله بأخص الخصائص والمستغاث به في المهلكة المنصوص من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عروس المملكة ، المجمع على جلالة قدره وعلو شأنه الذي كانت السلطنة في مقام الولاية آية في شأنه موئل كمل العارفين ومرجع وصل الأصفياء الواصلين .


شعر :

مفاخره تأبى عن الحصر أنه

إذا مر منها مفخر جاء مفخر



هو في إهداء السالكين كالبدر المنير سلطان العارفين وبرهان الواصلين همه إرشاد المؤمنين وتنبيه الغافلين من المسلمين وشغله في جميع حركاته وسكناته الذكر والفكر والتلهب والأنين .

وقال صاحب الترياق : كان سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه يسكت حتى يقال إنه لا يتكلم ، فإذا تكلم بل بعذوبة كلامه الغليل وداوى العليل ، ترك نفسه زتواضع للناس من غير حاجة ، وكظم غيظه من غير ضجر ، وكان لين العريكة هين المؤنة ، سهل الخلق كريم النفس ، حسن المعاشرة ، بساماً من غير ضحك ، محزوناً من غير عبوس ، متواضعاً من غير ذلة ، جواداً من غير إسراف ، اجتمعت فيه مكارم الأخلاق ، كان فقيهاً قارئاً مجوداً محدثاً وله إجازات وروايات عاليات إذا تكلم أجاد وإذا سكت أفاد ، يأمر بالمعروف لأهله وينهى عن المنكر وفعله ، كان كهف الحرائر ومكفي المحتاجين وكعبة القاصدين ، أباً للأرامل والأيتام يعطي من غير سؤال ويمنح من غير إهمال ، إذا قال قولاً أتبعه بصحة الفعل وصدق القول ولم يخالف قوله فعله قط .



شعر :

علم العراق وشمسه

في المغربين قد استنارت


قطب الورى بركاته

بجميع أرض الله دارت



وذكر الشيخ نور الدين علي أبو الحسن بن الكامل الشيخ يوسف الهمداني رحمهما الله في كتابه الذي جمعه في سيرة الشيخ الأعظم أبي محمد باز الله الأشهب مولانا عبد القادر الجيلي رضي الله عنه المسمى ببهجة الأسرار ومعدن الأنوار حين نوه بذكر الشيخ أحمد بن أبي الحسن الرفاعي رضي الله عنه : هذا الشيخ من أجلاء مشايخ العراق وأجلاء العارفين وعظماء المحققين وصدور العارفين المقربين ، صاحب المقامات العلية والحالات العظيمة والكرامات الظاهرة والحقائق الزاهرة ، وهو أحد من خرق الله له العادات وقلب له الأعيان وأظهر على يديه العجائب وأنطقه بالمغيبات وصرفه في الوجود وأقامه حجة على المسلمين ونصبه قدوة للسالكين وأوقع له القبول العظيم عند الخاص والعام وهو أحد أركان هذه الطريقة علماً وعملاً وحالاً وتحقيقاً وأحد لأفراد هذا الشأن وأئمة ساداته وسادات الدعاة إليه وهو أحد من يذكر عنه القطبية وهو الذي يقول : الشيخ من يمحو اسم مريديه من ديوان الأشقياء ، له مناقب طويلة جليلة ، إلى أن قال : أخبرنا الشيخ أبو يوسف يعقوب بن بدر أن ابن منصور الأنصاري قال : سمعت شيخنا الشيخ الإمام العالم العارف تقي الدين علي بن المبارك بن الحسن بن أحمد بن باسويه الواسطي يقول : جلس سيدي الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه على الشط وأصحابه حوله فقال : نشتهي أن نأكل سمكاً اليوم مشوياً ، فلم يتم كلامه حتى امتلأ الشط سمكاً من أنواع شتى ووثب منها شيء كثيراً إلى البر ورأوا في ذلك الوقت بشط أم عبيدة من الأسماك ما لم ير مثله ، فقال الشيخ : إن هذه الأسماك كلها تسألني بحق الله تعالى على أن آكل منها ، فصاد الفقراء منها شيئاً كثيراً وشووه وقدموه سماطاً عظيماً في طواجن فأكلوا حتى شبعوا وبقي في الطاجن من هذه السمكة رأسها ، ومن هذه ذنبها ، ومن هذه بعضها ، فقال له رجل : يا سيدي ما صفة الرجل المتمكن ؟ قال : هو أن يعطى التصريف العام في جميع الخلائق ، قال له : وما علامة ذلك ؟ قال : أن يقول لبقايا هذه الأسماك قومي بإذن الله تعالى واسعي فتقوم وتسعى ، ثم أشار الشيخ إلى تلك الطواجن بيده وقال : أيتها الأسماك التي في هذه الطواجن قوموا واسعوا بإذن الله تعالى ، فلم يتم كلامه حتى وثبت تلك البقايا في البحر أسماكاً صحيحة وذهبت في الماء من حيث أتت .

وهو رضي الله عنه بطائحي المنشأ منسوب إلى من اسمه رفاعة ، وسكن أم عبيدة قرية بأرض البطائح إلى أن مات بها في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وقد ناهز الثمانين وقبره ظاهر بها يزار .

قال رضي الله عنه قبل موته : أنا شيخ من لا شيخ له أنا شيخ المنقطعين أنا مأوى كل شاة عرجاء انقطعت في الطريق .

وكان رضي الله عنه شافعي المذهب فاضلاً ظريفاً ولا تصدر في مجلس ولا جلس على سجادة تواضعاً ، هذا ما قاله صاحب البهجة .

وأما ما ذكره الشعراني قدس سره في طبقاته وما ترجمه به شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب السبكي الشافعي والإمام الهمام قاسم بن الحاج في كتابه الذي دونه بجمع فضائله قدس سره وسماه أم البراهين ، والإمام اليافعي في تاريخه وغيره من أهل الكمال والعارفين في كتبهم وما بينوه من شأنه وحلمه وعلو مقامه أكثر من أن يذكر وأجل من أن يحصر .

والذي اتفق عليه عند السادة الرفاعية وغيرهم أنه رضي الله عنه أنه ولد في سنة خمسمائة واثنتي عشرة ، وتوفي في سنة خمسمائة وثمان وسبعين ، وقالوا : إن تاريخ مدة عمره لله باعتبار كون الطبيعي ألفاً ، وسألوا من الشيخ تقي الدين الواسطي عن شغل السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في مدة عمره فقال : شغله تاريخ عمره وهو الله وهذا الاسم المبارك بحساب الجمل عدده ستة وستون .

وقالوا : إن تاريخ ولادته جاء يد سر الرب .

فلينظر لهذه الدقائق والمراتب الغامضة التي من الله بها على هذا السيد الجليل والعلم الطويل رضي الله عنه وأرضاه وجعلنا في جواره تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وما أحسن ما قاله سيدنا إبراهيم الكازروني قدس الله سره في مولانا صاحب هذه الترجمة والكتاب رضي الله عنه :


إذا نظرت إلى الدنيا وهيئتها

فانظر إلى ملك في زي مسكين


إن كان يصلح للدنيا سواه فتى

فذاك يصلح للدنيا والدين


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: السبت ديسمبر 15, 2012 9:58 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد سيد المرسلين وإمام النبيين وأفضل خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :

فهذا كتاب الفجر المنير في بعض ما ورد عن لسان الغوث الجليل مولانا السيد أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه ، أن سيدنا وملجأنا ومولانا ومفزعنا الإمام الهمام الجليل آية الإرشاد والتكميل ، شيخ مشايخ المشارق والمغارب الشامل ببركاته الأباعد والأقارب ، الذي حارت الأفكار في بلوغ جاهه من ربه وتاهت الأنظار في مطالع مقامه وقربه جامع آيات الولاية ورافع رايات الهداية ، سلطان أجلة العارفين وبرهان أدلة الواصلين ، شيخ الطائفة الأحمدية ولاثم يد الحضرة المحمدية ، رئيس موكب الأصفياء وتاج هامات الأولياء ، محيي الدين أبو العباس السلطان السيد أحمد الكبير بن أبي الحسن علي بن يحيى بن الثابت بن الحازم بن أحمد بن علي بن الحسن المعروف برفاعة بن المهدي بن أبي القاسم محمد بن الحسن بن الحسين بن موسى الثاني بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام المشهور زبدة سادة الأئمة وعمدة قادة الأمة الذي امتحن بأنواع المحن والبلاء أمير المؤمنين أبي عبد الله الحسين الشهيد بكربلاء بن إمام أئمة الأولياء وقائد أزمة الأصفياء السيد الضرغام الذي كل مقام شريف له ممنوح المشبه بكبار الأنبياء كآدم وإبراهيم ونوح الذي قدره كاسمه حسن وعلي أمير المؤمنين أبي الحسن رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين .

قال رضي الله عنه للشيخ الإمام الكبير والسيد العارف الخبير سيدي إبراهيم الأعزب قدس الله سره حين ضربه عمه السيد عبد الرحيم قدس سره وجاء إليه وهو يبكي من ضربة عمه قدس سره : أي ولدي لا تبك ، ثم أدناه منه ومسح دموعه بيده وقال له : أي إبراهيم لا علي ضرار ولا عليك ضرار وحق العزيز سبحانه وتعالى قبض العزيز جل جلاله من نور وجهه قبضة فخلق منها سيدنا المصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم فرشحت فخلقني منها وخلقك ، لا علي ضرار ولا عليك ضرار أي لا علي بأس ولا عليك بأس .

وقال أيضاً رضي الله عنه للسيد إبراهيم الأعزب قدس سره : اعلم أني لما دعيت إلى هذا الأمر حملت إلى قبلة هذا البلد وشق صدري ملك من الملائكة المقربين فأخرج منه شيئاً مظلماً وغسله بماء الحيوان من الرياء وسوء الخلق وكل ما كان للشيطان فيه نصيب كل ذلك وأنا أنظر بعيني كما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فمن أين يكون لحميد طاقة على هذا الأمر .

وقال رضي الله عنه لرجل قال له : أي سيدي هل يكون بعد هذا مثل هذا الجمع ومثل هذا القدم ، فقال : نعم يكون ولكن قصير ما تشد إليه الرحال وآخر الأمر يؤخذ منه سيف الولاية ويعلق في هذا الباب أبداً .

وقال رضي الله عنه قال الرب جل جلاله : من دعي إلى ضيافة فليجب ولا يلبس الثوب الرقيق .

وقال رضي الله عنه : اتفق أئمة الهدى في الدين أن لا يتكلفوا في لباسهم ليقتدي بهم الأغنياء ولا تنكسر قلوب الفقراء .

وقال رضي الله عنه : من رق ثوبه رق إيمانه .

وقال رضي الله عنه : سموا أولادكم أحمداً ومحمداً ومنصوراً فإنه ليس في هذه الأسماء للشيطان نصيب .

وقال رضي الله عنه : أنا اخترت الخدمة فكيف يكون للخادم خادم .

وقال رضي الله عنه للشيخ يعقوب حين قصد زيارته والتبرك به من واسط أناس كثير وهو يعجب من كثرة الجمع : أي يعقوب هذا لعب إبليس يريد ثبور هذه النفس وكذلك ما يظن ، ثم أخذ قبضة من تراب وقال : أي يعقوب من هو مخلوق من هذا من أين له قدرة ولسان ينطق به ؟ أي يعقوب إن قال لك قائل إن في مملكة الرحمن مخلوقاً هو أضعف من هذا اللاش حميد فلا تصدقه .

وقال رضي الله عنه : إيش أنا ومن أنا وإيش قدري ، أنا إن صلحت كنت ملاحاً في سفينة الشيخ منصور الرباني قدس سره .

وقال رضي الله عنه : في الكف عرق متصل بالقلب إذا أخذ به شيء من الدنيا تسري آفتها إلى القلب وهذه آفة عظيمة مخفية لا يطلع عليها الخلائق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حب الدنيا رأس كل خطيئة " .

وقال رضي الله عنه لأهل بيته : بعدي يفتح الله عليكم .

وقال رضي الله عنه وقد اجتمع الفقراء والمشايخ من كبار الجمع حوله وهو على الكرسي بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أصحابه رضي الله عنهم وأثنى عليهم : أي فقراء إذا كان يوم القيامة وحشر العالم في صعيد وحكم الله بين خلقه بما علم وقسم الجنة وقسم النار فتهب على أهل الجنة نفحة من روائح الأمر قبل دخولهم الجنة فيسكرون ما شاء الله ثم يصحون فيقول لهم الحق سبحانه وتعالى وهو أعلم بهم : يا عبادي هل بقي عندكم من حزن الدنيا وخوفها وصبها فيقولون : لا يا ربنا ، فيقول لهم : ادخلوها بسلام آمنين ، ثم إنه يرسل على أهل النار نفحة الغضب قبل دخول النار فيسكرون من شدة نتنها ولهبها وجيفتها فيسألون : هل بقي عندكم شيء من نعيم الدنيا ولذاتها التي شغلتكم عني ، فيقولون : لا يا ربنا ، فيقول لهم : ادخلوا النار لا يخفف عنهم العذاب ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة وحكم الله بين خلقه فتفرق أهل الجنة فرقة وأهل النار فرقة ، فأما أهل الجنة فتهب عليهم ريح من تحت العرش فتمر على كثبان المسك فتنثرها عليهم فتسكرهم ثم ينادي لهم مناد من قبل الرحمن : هذه الجنة فادخلوها بسلام آمنين ، فيدخلون وينعمون ، وأما فرقة أهل النار فإن جهنم تزفر عليهم زفرة وتنفس عليهم نفساً فيصيبهم ذلك الريح الخبيث النتن فيسكرهم بجيفته ونتنه وينادي لهم منادي الغضب من قبل الحق عز وجل " هذه جهنم التي كنتم توعدون " ( يس 63 ) ، " ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها " ( الزمر 72 ) فيدخلون النار وهم صاغرون ، ثم أنشد رضي الله عنه :



يا نوم الليل في لذته

إن هذا النوم رهن بسهر


ليس ينساك وإن نسيته

طالع الدهر وتصريف الغير


إن ذا الدهر سريع مكره

إن علا حط وإن أوفى غدر


أوثق الناس به في أمنه

خائف يقرع أبواب الجدر


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء ديسمبر 19, 2012 6:36 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وقال رضي الله عنه للشيخ يعقوب : وحق العزيز سبحانه وتعالى ما وجد أحد من الفقراء باطناً أو ظاهراً أذى إلا وجدت ألمه في قلبي ولا هبت ريح حارة على قسطنطين العليا إلا وجدت لهبها بين جنبي وغداً يطالبني العزيز سبحانه وتعالى بكل من تمسك بي ودعاني وأخذت عليه عهد أمتي ومن ذريتي .

وقال رضي الله عنه لترجمان الحكمة سيدي إبراهيم الأعزب حين سأله : أي سيدي هل لمخلوقات الله تعالى حد ؟

أي إبراهيم استغفر الله مما خطر لك وتب إليه ، أي إبراهيم كما ليس لذات العزيز سبحانه وتعالى حد ولا لصفاته حد ولا لكيفيته حد ليس لمخلوقاته ولا لمملكته حد ولا لعطاياه حد ولا لقدرته حد ولا لأمره حد ، أي إبراهيم ما هلك من هلك إلا بكاف الكيف .

وقال رضي الله عنه للفقراء حين سألوه : أي سيدنا الله من قبل الولي أو الولي من قبل الله تعالى ؟

أي سادة الولي من قبل الله سبحانه وتعالى بإقامة الفرائض وأداء الحقوق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورد الشارد واتباع الشريعة المحمدية ، والحق سبحانه وتعالى من قبل الولي بإجابة الدعوة والانتصار له على من عاداه وأن يغير عليه وله فيأخذ له بحقه ممن يتعدى عليه وينتقم له ممن يظلمه من حيث لا يعلم ويجيب دعاءه ويقضي له الحوائج ، أي فقراء فلو لم يكن الحق سبحانه وتعالى من قبل الولي على هذا الوجه في سائر أحواله بإظهار إشارته وتبيان كرامته لما قامت هيبة النبوة من هيبة الله تعالى ولما كان الولي من قبل الله مطيعاً له ولما كان الله من قبله مجيباً له لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أطاع الله أطاعه كل شيء ومن كان مع الله كان الله معه حيث كان وحيث توجه " ، ولقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حين رجع من سفر كان فيه فوجد جماعة على الطريق فقال : ما هذه الجماعة ؟ فقالوا : الأسد قد قطع الطريق عليهم ، فنزل عن دابته ومشي إليه فأخذ بأذنه ونحاه عن الطريق ، ثم قال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما سلط على بني آدم من خاف غير الله ولو أن ابن آدم لم يخف غير الله لم يسلط عليه غيره ، وإنما وكل ابن آدم إلى رجائه ولو أن ابن آدم لا يرجو غير الله لم يكله إلى غيره " ، وهذا حال الولي مع ربه لم يرج أحداً سواه ولم يعتمد على غيره فكان الله له كافياً وكالئاً وصار من قبله في سائر أحواله . وأنشد :



كان لي قلب أعيش به

ضاع مني في تقلبه


رب فاردده إلي فقد

ضاق صدري في تطلبه


وأدنني ما دام لي رمق

يا غياث المستغيث به



وقال رضي الله عنه : من ليس له شيخ فشيخه الشيطان وإن المريد ينال من الله سبحانه وتعالى ببركة شيخه بقدر ما تأدب له وحفظ الحرمة وراقب السر ، وينبغي للمريد أن يعرف لشيخه الحق بعد وفاته كما كان يعرف له الحق بحال حياته ويعلم أن السماع له باطن غير هذا الظاهر وأنه لا يصح إلا لأربابه وأدناه ذكر الصمت للحق فيه وأعلاه سيران الهمة إلى العزيز جل وعلا وإن أرباب الطريق فيه متفاوتون منهم أقوام لا يدركون حقيقته وإذا لم يعلموا ذلك يغرقون في جهلهم ويحملون على مركب الشرع الظاهر إذ لم يكونوا من أهله وما هو إلا لأصحاب القلوب والنهضة والرغبة إلى جناب علام الغيوب وأن الداخل فيه لا يخلو من ذكر الله ولا يلهو ولا يغلو ولا يشتغل بغير معاملة سره ومعاينته ومشاهدته لتخويفه ورده عن الأدنى إلى الأعلى وجذبه إلى الآخرة من الأولى وتأسفه على ما فات منه إلا من استعمال الأشياء المقربة إلى الله سبحانه وتعالى ومن الأولياء والأتقياء .

وقال رضي الله عنه : إن للحق سبحانه وتعالى كلاماً لا يسمع من شيطان وإن صاحب الخطاب يستلذ بذلك بسمعه كما يجد لذاذة معناه بقلبه وأن في الناس من يطلبه فيجده بقلبه وسره بعيداً من الأوهام والتخيلات حتى أنه يجد ذلك في النوم ومنهم من يشاهد آثاره في مجالس الذكر وفي المساجد الخالية وفي وقت قراءة القرآن ووقت التواجد في السماع ومشاهدة الآثار .

وقال رضي الله عنه : من أتم الرجال حالاً وقبولاً من إذا رفع القصة جاءه الجواب ، وقد اختلفوا أيضاً في ذلك فمنهم من يأتيه جواب إلهام ومنهم من يأتيه جواب اختصاص ومن القوم من له شهود يفهم منه المقصود فيا طوبى لمن يكون له هذا السر في الحقيقة مشهوداً .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس ديسمبر 20, 2012 7:55 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وقال رضي الله عنه : إن الولي الكامل في غالب أموره لا يعمل عملاً إلا عن إذن سماوي وإنه يبلغ إلى حال من ربه أنه يعطي لله ويمنع لله ويغني لله ويفقر بالله ويمسك بالله ويطلق بالله فإن مواهب الله تعالى لهم مختلفة على قدر قربهم منه ، فمنهم من يكون له حماية خمسين فرسخاً ومائة فرسخ وألف فرسخ ، وكذلك تفاوتهم بالنظر ، ومنهم من يكون له حماية كذا وكذا سنة وكل ذلك بقدر معلوم وحد محدود ولاية مقسومة وأرزاق مفهومة مكتوبة في اللوح المحفوظ .

وقال رضي الله عنه : إن الحق سبحانه وتعالى يغير للولي فيقبل عليه وينظر إليه فيرحمه وينظر إلى المسيء إليه فيعاقبه ، وقد جاء في الخبر عن سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم حاكياً عن ربه : " من آذى لي ولياً فقد نازعني في ملكي وباء بغضبي وحق عليه سخطي وحق غضبي على من أغضب من لم يجد لنفسه ناصراً غيري " .

وقال رضي الله عنه : إن ذرية الأولياء منظور إليهم بعين الرحمة في الغالب وإن ذرية الظالم منظورة بعين الغضب والسخط في الغالب إذا أراد الله بعبده خيراً أبغض إليه الدنيا وأهلها وحبب إليه الآخرة وأهلها .

وقال رضي الله عنه للفقراء : غلبكم طول الأمل فإنه يوجب تقليل العمل وتأخير التوبة .

وقد روي أن أسامة بن زيد اشترى وليدة بمائة دينار إلى شهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا ترون إلى أسامة اشترى إلى شهر إنه لطويل الأمل والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي إلا وظننت أن جفني لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي ولا رفعت طرفي فظننت أني واضعه حتى أقبض ولا لقمت لقمة إلا ظننت أني لا أسيغها حتى أغتص بها " .

وقال رضي الله عنه : عليكم بالإصلاح بين الناس فقد روي عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلك على حسنة يحب الله موقعها ، قلت : بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فقال : تصلح بين الناس فإنها فضيلة يحب الله موقعها " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بخير لكم من الصدقة والصيام ، قالوا : بلى ، قال : إصلاح ذات البين وإياكم والبغضة فإنها الحالقة " .

وقال رضي الله عنه : إياكم والتحريش بين الناس والإفساد .

وقال رضي الله عنه للفقراء : تفرغوا لشهر رمضان وقيام ليله عسى أنكم تظفرون في ليلة القدر فإنها جليلة القدر وشدوا مئزراً لحزم خصوصاً في العشر الأخير .

عن عائشة رضي الله عنها وعن أبويها قالت : قلت يا رسول الله إذا أنا رأيت ليلة القدر فما أسأل الله سبحانه وتعالى ، فقال لها : " قولي اللهم إنك عفو غفور تحب العفو فاعف عنا " .

وقال رضي الله عنه : قال سيدي الشيخ منصور الرباني قدس الله سره ليلة القدر ليلة عظيمة ما يراها إلا أصحاب القبول والعناية ، وأنشد رضي الله عنه :



وليلة وصل بات منجز وعده

حبيبي فما بعدت طول مطالي


سقيت بها قلباً أبل غليله

زماناً فكانت ليلتي بليال



وقال رضي الله عنه للفقراء : عليكم عند الإفطار من الصوم بالدعاء الذي دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم لك صمت وبك آمنت وعليك توكلت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " .

وقال رضي الله عنه للفقراء : وعليكم بالإفطار على التمر فإن لم يوجد فعلى الماء .

قال أنس رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من وجد تمراً فليفطر ومن لم يجد فعلى الماء فإنه طهور " .

وقال رضي الله عنه : أجد قلبي في ليالي رمضان بخلاف غيره من الشهور ، وأنشد :



أراني إذا ما أظلم الليل أشرقت

بقلبي من نار الغرام مصابيح


أصلي بذكراكم إذا كنت خالياً

ألا إن تذكار الأحبة تسبيح


يشح فؤادي أن يخامر سركم

كذلك بعض الشح في المرء ممدوح


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد ديسمبر 23, 2012 12:09 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وقال رضي الله عنه للشيخ شمس الدين محمد قدس سره : أي محمد لا يصل المريد إلى مراده حتى يخرج عن نفسه ومألوفات حسه ويترك جميع الشهوات المباحات وغيرها ويصرفه الله في كون وجوده وعوالمه وإذا صرفه في كون وجوده وعوالمه صرفه تعالى في الكون المطلق وإذا صرفه في الكون المطلق صار أمره بأمر الله تعالى إذا قال للشيء كن فيكون وإذا التفت إلى هذا النهر الجاري وقال لأسماكه : أجيبوا طائعين مطبوخين مشويين فيطلعون بإذن الله تعالى ويطيعونه ولا يخالفون أمره .

قال عمر الفاروئي له رضي الله عنه : أي سيدي هذا الرجل الذي ذكرته لم يكن مخلوقاً بل يكون رباً ثانياً ، فغضب رضي الله عنه غضباً شديداً وقال : تأدب يا عمر لا أفلح من كفر وحاشا وكلا ثم حاشا وكلا أن يصل المخلوقات إلى مرتبة الربوبية ، بل لله أسماء وصفات فإذا تخلق العبد بأسماء ربه وصفاته فينظر إليه الحق بعين قربه فيصير فعله فعل ربه عز وجل .

وكان رضي الله عنه يقول : الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فضاء الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها إلى فيضه ثم يتصادف نوره منعكساً بضوئه على صفاء القلب ، ثم يترقى ساطعاً إلى عالم العقل فيتصل به اتصالاً معنوياً أثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق القلب على إنسان عين السر فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه ودق عن الأفهام تصوره واستتر عن الأغيار مرآته .

وكان رضي الله عنه يقول : الزهد أساس الأحوال المرضية والمراتب السنية وهو أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل والمنقطعين إلى الله والراضين عن الله والمتوكلين على الله فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصلح له شيء مما بعده .

وكان رضي الله عنه يقول : الفقراء أشراف الناس لأن الفقر لباس المرسلين وجلباب الصالحين وتاج المتقين وغنيمة العارفين وميتة المريدين ورضا رب العالمين وكرامة لأهل ولايته .

وكان رضي الله عنه يقول : الأنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته وصفا ذكره واستوحش من كل ما يشغله عن الله تعالى فعند ذلك آنسه الله به وأراده بحق حقائق الأنس فأخذه عن وجد طعم الخوف لما سواه .

وكان يقول : المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين وحق اليقين .

وكان يقول : التوحيد وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل والتشبيه .

وكان يقول : لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد ولسان المحبة يدعو إلى الفناء والمحو ولبيان التوحيد يدعو إلى الإثبات والحضور من أعرض عن الأعراض أدباً فهو الحكيم المتأدب .

وكان يقول : لو تكلم الرجل في الذات والصفات كان سكوته أفضل ولو خطا من قاف إلى قاف كان جلوسه أفضل .

وكان يقول : لما مررت وأنا صغير بالشيخ العارف بالله تعالى عبد الملك الخرنوتي أوصاني وقال : يا أحمد احفظ ما أقول لك ، فقلت : نعم ، فقال رضي الله عنه : ملتفت لا يصل ومتسلسل لا يفلح ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان ، فخرجت من عنده وجعلت أكررها سنة ، ثم رجعت إليه فقلت : أوصني ، فقال : ما أقبح الجهل بالألباء والعلة بالأطباء والجفاء بالأحباء ، ثم خرجت فجعلت أرددها سنة فانتفعت بموعظته .

وكان يقول : أكره للفقراء دخول الحمام وأحب لجميع أصحابي الجوع والعري والفقر والذل والمسكنة وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك .

وكان يقول : الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الله تعالى .

وكان يقول : إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاء أدعو لكم فإن لي حينئذ أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ يعقوب رضي الله عنه خادمه : نظر سيدي أحمد رضي الله عنه يوماً إلى النخلة فقال لي : يا يعقوب انظر إلى النخلة لما رفعت رأسها جعل الله تعالى ثقل حملها عليها ولو حملت مهما حملت ، وانظر إلى شجرة اليقطين لما وضعت نفسها وألقت خدها على الأرض جعل الله ثقل حملها على غيرها ولو حملت مهما حملت لا تحس به .

وكان يقول : الصدقة أفضل العبادات البدنية والنوافل .

وكان يقول : أخوك الذي يحل لك أكل ماله بغير إذنه هو الذي تسكن نفسك إليه ويستريح قلبك به .

وكان إذا رأى على فقير جبة صوف يقول له : يا ولدي انظر بزي من تزييت وإلى من انتسبت قد لبست لبسة الأنبياء وتحليت بحلية الأتقياء هذا زي العارفين فاسلك فيه مسالك المقربين وإلا فانزعه .

وكان يقول : إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار والأنوار والملائكة وإذا فسد صار مهبط الظلم والشياطين .

وكان يقول : إذا صلح القلب أخبرك بما وراءك وأمامك ونبهك عن أمور لم تكن لتعلمها بشيء دونه ، وإذا فسد حدثك بباطلات يغيب عنها الرشد وينتفي معها السعد .

وكان يقول : من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه أعز من الكبريت الأحمر فيودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس .
وكان يقول : السفر للفقير يمزق دينه ويشتت شمله .

وكان يقول لمن شاوره في التزوج : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تزوج لله كفي ووقي " .

وكان يقول : من لم ينتفع بأفعالي لم ينتفع بأقوالي .

وكان يقول : الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون ، وإن كل أخ لا ينفع في الدنيا لا ينفع في الآخرة .

وكان يقول : إذا تعلم أحدكم شيئاً من الخير فليعلمه الناس يثمر له الخير .

وكان يقول : طريقنا مبنية على ثلاثة أشياء : لا نسأل ولا نرد ولا ندخر .

وكان يقول : من علامات المريد أن لا يتعب شيخه في تربيته بل يكون سميعاً مطيعاً للإشارة وأن يفتخر شيخه به بين الفقراء لا أنه يفتخر هو بشيخه .

وكان يقول : الفقير إن غضب لنفسه تعب وإن سلم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرة ولا أهل .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: من المكتبة الرفاعية
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء ديسمبر 25, 2012 6:57 pm 
غير متصل

اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 30, 2007 4:26 pm
مشاركات: 3907
مكان: في حضن الكرام

وكان يقول : ما من ليلة إلا وينزل فيها نثار من السماء إلى الأرض يفرق على المستيقظين ويحرم النائمون .

وكان يقول : ما لي خيرة إلا الوحدة ، فيا ليتني لم أعرف أحداً ولم يعرفني أحد .

وكان يقول : ما نظر أحد إلى الخلائق ووقف مع نظرهم في العبادات إلا سقط من عين الله تعالى .

وكان يقول : من شرط الفقير أن لا يكون له نظر في عيوب الناس .

وكان يقول : إياكم وتعاطي أسباب الشهرة والفرح بالمحبين والمعتقدين فكم طيرت طقطقة النعال حول الرجال من رأس وكم أذهبت من دين .

وكان يقول : من تمشيخ عليكم فتلمذوا له فإن مد يده لكم لتقبلوها فقبلوا رجله ومن تقدم عليكم فقدموه وكونوا آخر شعرة في الذنب فإن الضربة أول ما تقع في الرأس .

وكان يقول : وعدني ربي أن لا أعبر عليه وعلي شيء من لحم الدنيا .

قال يعقوب الخادم رضي الله عنه : ففنى لحمه بأجمعه قبل خروجه من الدنيا .

وكان يقول : إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله وصارت همته خادمة السبع السماوات وصارت الأرضون كالخلخال برجله وصار صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيء وصار الحق يرضى لرضاه ويسخط لسخطه .

قال : ويدل لما قلناه ما ورد في بعض الكتب الإلهية ، يقول الله عز وجل : " يا بني آدم أطيعوني أطعكم واختاروني أختركم وارضوا عني أرض عنكم وأحبوني أحبكم وراقبوني أراقبكم وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون ، يا بني آدم من حصلت له حصل له كل شيء ومن فته فاته كل شيء " .

وكان يقول : إذا أراد الله عز وجل أن يرقي العبد إلى مقامات الرجل يكلفه بأمر نفسه أولاً فإذا أدب نفسه واستقامت كلفه جيرانه وأهل محلته فإن هو أحسن إليهم وداراهم كلفه جهة من البلاد فإن هو داراهم وأحسن عشرتهم وأصلح سريرته مع الله تعالى كلفه ما بين السماء والأرض فإن بينهما خلقاً لا يعلمهم إلا الله تعالى ، ثم لا يزال يرتقي من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث ثم ترتفع صفته إلى أن يصير صفة من صفات الحق تعالى فيطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة ولا تخضر ورقة إلا بنظره ويتكلم هناك عن الله بكلام لا تسعه عقول الخلائق لأنه بحر عميق غرق في ساحله خلق كثير وذهب به إيمان جماعة من العلماء فضلاً عن غيرهم .

وكان يقول لولده صالح : إن لم تعمل بعملي فلست لك أباً ولا أنت لي ولداً .

وكان يبتدئ من لقيه بالسلام حتى الأنعام والكلاب .

وكان إذا رأى خنزيراً يقول له : أنعم صباحاً ، فقيل له في ذلك فقال : أعود نفسي الجميل .

وكان يقول : لا يحصل لعبد صفاء الصدر حتى لا يبقى في قلبه شيء من الخبث والبغض لأحد من المؤمنين وهناك تأنس به الطيور والوحوش ولا تنفر منه .

وكان يقول : إن القلب إذا انجلى من محبة الدنيا وشهواتها صار كالبلور وأخبر صاحبه بما مضى وبما هو آت من أحوال الناس ، وإذا صدئ قلب الفقير حدثه بأباطيل يغيب معها رشد الرجل وعقله .

وكان يقول : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وأقربها الذل والانكسار .

وكان يقول : الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وأقربها وأوضحها وأيسرها وأصحها وأرجاها وأحبها إلى الله تعالى الذل والانكسار والحيرة والافتقار .

وكان يقول : من طلب الطريق بنفسه تاه في أول قدم فمن أريد به الخير دل على الطريق ، فطوبى لمن كان قصده ربه دون غرض من أغراض الكون .

وكان يقول : المعرفة أن تعرف الله بكمال الربوبية وتعرف نفسك بنعوت العبودية وتعلم أنه تعالى أول كل شيء وبه يقوم كل شيء وبه يصير كل شيء وعليه رزق كل شيء .

وكان يقول : إذا بدت الحقائق سقطت آثار العلوم والفهوم وبقي لها الرسم الجاري بمحل الأمر وسقط عنه حقائقها .

وكان يقول : عارف الحق لا يخلو ظاهره من بوائق الشرع وباطنه من نيران المحبة .

وكان يقول : الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الرحمن .

وكان يقول : صحبة الفقراء تزيد في اليقين .

وكان يقول : ما سعد من سعد إلا بالاجتهاد ، ولا شقي من شقي إلا بالعناد .

وكان يقول : الصدق سلم العناية والتقوى بيت الهداية والتسليم عين الرعاية والإخلاص حصن الوقاية والانكسار لله هو الولاية .

وكان يقول : الحكمة خوف الله والرباط التوكل على الله والتدبير التفويض إلى الله والتسليم العمل بسر قل كل من عند الله .

وكان يقول : القلب جوهرة مظلمة مغمورة بتراب الغفلة جلاؤها الفكر ونورها الذكر وصندوقها الصبر .

وكان يقول : الذكر حفظ القلب من الوسواس وترك الميل إلى الناس والتخلي عن كل قياس وإدراك الوحدة بالكثرة وحسن ملاحظة المعنى .


_________________
( بسم الله الرحمن الرحيم ) قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد .
قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . ومن شر غاسق إذا وقب . ومن شر النفاثات في العقد . ومن شر حاسد إذا حسد .


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 123 مشاركة ]  الانتقال إلى صفحة السابق  1 ... 4, 5, 6, 7, 8, 9  التالي

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 26 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط