وهذا كتاب الفجر المنير في بعض أقوال الرفاعي الكبير للسيد محمد أبي الهدى الصيادي الرفاعي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أيد آل الرسول بأوليائهم المتسلسلين جيلاً بعد جيل ورفع منارهم فوق الناس على الإجمال والتفصيل وجعل حبهم ديناً وودهم حصناً حصيناً ، والصلاة والسلام على علة الوجود وبحر الكرم والجود سيد المخلوقين وتاج النبيين وعلى آله الطاهرين وأصحابه أئمة الدين الهادين المهديين وعلى الأولياء الواصلين وأتباعهم والمحبين ، أما بعد :
فقد وفق الله شيخنا الفاضل وسيدنا المرشد الكامل صاحب الشرف والسماحة والفضائل قدوة العلماء والمشايخ الأفاضل الذي وقع على فضله الاتفاق ولمع شعاع عرفانه في الآفاق ، السيد الشيخ محمد أبا الهدى أفندي الصيادي الرفاعي الخالدي نقيب الأشراف بحلب الشهباء لجمع شتات هذا الكتاب الذي عذب وطاب فقد أحيا به أثر جده أبي العلمين وغوث الثقلين ، فيا لها من منقبة للآباء جدد ذكرها الأبناء ذرية طيبة تسنمت ذروة العلياء وشجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء أدام الله بهم نفع المسلمين ووقاهم من كيد الحاسدين بحرمة جدهم سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين ، كتبه خويدمهم ومحبهم السيد محمد علوي الرفاعي غفر الله له آمين .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على حبيب الله وعلى آله وأصحابه المهتدين بهداية الله وبعد ، قد وفق الله كثيراً من الأفاضل فدونوا كتباً مخصوصة في فضائل سيدنا ومولانا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه ، وسنذكر إن شاء الله البعض مختصراً من سيرته السنية وأحواله المباركة المرضية .
قال في جلاء الصدا في فضله وحاله خاصة رضي الله عنه : ما أتى من زمرة الأولياء مثيل له في السلف ولا يكون له نظير في الخلف .
شعر :
هيهات أن يأتي الزمان بمثله
إن الزمان بمثله لبخيل
أحسن أهل زمانه خلقاً وأوسعهم صدراً وأكثرهم حلماً ، نهج بمنهج الفقراء الصابرين وسلك بمسالك الأئمة الزاهدين ، قضى الأيام بين ذكر وخشوع وأمضى الليالي بين صلاة وخضوع ، دخل على الله من باب الذل والانكسار وخلع بسيره رداء العظمة والاستكبار ، ومال عن الدنيا حتى كأنه لم يكن من أهلها وأعرض عنها بكليته فلم يلمس بيده المباركة شعرة من حبلها ، قام بأوامر الله سبحانه مؤتمراً وبلطف الله عز وجل مستظهراً ، وفتح باب الإرشاد والتكميل وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر بالقول الحسن الجميل ، أحيا مراسم الطريقة النبوية وأعلى معالم الحقيقة المصطفوية ، فأضحت السنة السنية مؤسساً بنيانها بوجوده وأمست الشرعة العلية موضحاً برهانها بسعوده ، أنفذ الله تعالى أمره في الملك والملكوت فدعا الخلق إلى ذي العزة والجبروت ، فأقبل عليه من وفقه الله تعالى من الخلائق وعلموا أن الاعتصام بحبل ولايته من أعظم الوثائق ، فأخرجهم بنور إرشاده من جميع الظلمات وأوصلهم إلى عالي الرتب ورفيع الدرجات وسلك بهم مسلك الهدى والتحقيق وأنقذهم من الردى بنور التوفيق ، فزاد الله ببركته لتلك الفتية شرفاً وقربى فطوبى لهم ثم طوبى لهم ثم طوبى .
وقال تقي الدين الواسطي حين وصفه في كتابه قرة العين الذي عطر بذكر الغوث المشار إليه قدس الله سرهما : أنه هو حضرة الولي السيد السند والصفي المؤيد المستند ، ذو الشرف الراجح والقدر المعلى الذي هو على ممالك الولاية مولى ، القطب الشامل ببركته وجوده ، ذو القرب في حظائر القدس والكمال ، المحبوب لحضرة الألوهية والمسلوب عما سوى الله بالكلية ، سيد أهل المعارف والمعاني ذو الري من كئوس التداني ، صاحب المنزل الأرفع والقدر الأسمى ، محمود الطرائق وممدوح أهل الأرض والسماء ، قاموس علوم الطريقة وناموس غيوب الحقيقة المخصوص من الله بأخص الخصائص والمستغاث به في المهلكة المنصوص من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عروس المملكة ، المجمع على جلالة قدره وعلو شأنه الذي كانت السلطنة في مقام الولاية آية في شأنه موئل كمل العارفين ومرجع وصل الأصفياء الواصلين .
شعر :
مفاخره تأبى عن الحصر أنه
إذا مر منها مفخر جاء مفخر
هو في إهداء السالكين كالبدر المنير سلطان العارفين وبرهان الواصلين همه إرشاد المؤمنين وتنبيه الغافلين من المسلمين وشغله في جميع حركاته وسكناته الذكر والفكر والتلهب والأنين .
وقال صاحب الترياق : كان سيدي أحمد الرفاعي رضي الله عنه يسكت حتى يقال إنه لا يتكلم ، فإذا تكلم بل بعذوبة كلامه الغليل وداوى العليل ، ترك نفسه زتواضع للناس من غير حاجة ، وكظم غيظه من غير ضجر ، وكان لين العريكة هين المؤنة ، سهل الخلق كريم النفس ، حسن المعاشرة ، بساماً من غير ضحك ، محزوناً من غير عبوس ، متواضعاً من غير ذلة ، جواداً من غير إسراف ، اجتمعت فيه مكارم الأخلاق ، كان فقيهاً قارئاً مجوداً محدثاً وله إجازات وروايات عاليات إذا تكلم أجاد وإذا سكت أفاد ، يأمر بالمعروف لأهله وينهى عن المنكر وفعله ، كان كهف الحرائر ومكفي المحتاجين وكعبة القاصدين ، أباً للأرامل والأيتام يعطي من غير سؤال ويمنح من غير إهمال ، إذا قال قولاً أتبعه بصحة الفعل وصدق القول ولم يخالف قوله فعله قط .
شعر :
علم العراق وشمسه
في المغربين قد استنارت
قطب الورى بركاته
بجميع أرض الله دارت
وذكر الشيخ نور الدين علي أبو الحسن بن الكامل الشيخ يوسف الهمداني رحمهما الله في كتابه الذي جمعه في سيرة الشيخ الأعظم أبي محمد باز الله الأشهب مولانا عبد القادر الجيلي رضي الله عنه المسمى ببهجة الأسرار ومعدن الأنوار حين نوه بذكر الشيخ أحمد بن أبي الحسن الرفاعي رضي الله عنه : هذا الشيخ من أجلاء مشايخ العراق وأجلاء العارفين وعظماء المحققين وصدور العارفين المقربين ، صاحب المقامات العلية والحالات العظيمة والكرامات الظاهرة والحقائق الزاهرة ، وهو أحد من خرق الله له العادات وقلب له الأعيان وأظهر على يديه العجائب وأنطقه بالمغيبات وصرفه في الوجود وأقامه حجة على المسلمين ونصبه قدوة للسالكين وأوقع له القبول العظيم عند الخاص والعام وهو أحد أركان هذه الطريقة علماً وعملاً وحالاً وتحقيقاً وأحد لأفراد هذا الشأن وأئمة ساداته وسادات الدعاة إليه وهو أحد من يذكر عنه القطبية وهو الذي يقول : الشيخ من يمحو اسم مريديه من ديوان الأشقياء ، له مناقب طويلة جليلة ، إلى أن قال : أخبرنا الشيخ أبو يوسف يعقوب بن بدر أن ابن منصور الأنصاري قال : سمعت شيخنا الشيخ الإمام العالم العارف تقي الدين علي بن المبارك بن الحسن بن أحمد بن باسويه الواسطي يقول : جلس سيدي الشيخ أحمد الرفاعي رضي الله عنه على الشط وأصحابه حوله فقال : نشتهي أن نأكل سمكاً اليوم مشوياً ، فلم يتم كلامه حتى امتلأ الشط سمكاً من أنواع شتى ووثب منها شيء كثيراً إلى البر ورأوا في ذلك الوقت بشط أم عبيدة من الأسماك ما لم ير مثله ، فقال الشيخ : إن هذه الأسماك كلها تسألني بحق الله تعالى على أن آكل منها ، فصاد الفقراء منها شيئاً كثيراً وشووه وقدموه سماطاً عظيماً في طواجن فأكلوا حتى شبعوا وبقي في الطاجن من هذه السمكة رأسها ، ومن هذه ذنبها ، ومن هذه بعضها ، فقال له رجل : يا سيدي ما صفة الرجل المتمكن ؟ قال : هو أن يعطى التصريف العام في جميع الخلائق ، قال له : وما علامة ذلك ؟ قال : أن يقول لبقايا هذه الأسماك قومي بإذن الله تعالى واسعي فتقوم وتسعى ، ثم أشار الشيخ إلى تلك الطواجن بيده وقال : أيتها الأسماك التي في هذه الطواجن قوموا واسعوا بإذن الله تعالى ، فلم يتم كلامه حتى وثبت تلك البقايا في البحر أسماكاً صحيحة وذهبت في الماء من حيث أتت .
وهو رضي الله عنه بطائحي المنشأ منسوب إلى من اسمه رفاعة ، وسكن أم عبيدة قرية بأرض البطائح إلى أن مات بها في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وقد ناهز الثمانين وقبره ظاهر بها يزار .
قال رضي الله عنه قبل موته : أنا شيخ من لا شيخ له أنا شيخ المنقطعين أنا مأوى كل شاة عرجاء انقطعت في الطريق .
وكان رضي الله عنه شافعي المذهب فاضلاً ظريفاً ولا تصدر في مجلس ولا جلس على سجادة تواضعاً ، هذا ما قاله صاحب البهجة .
وأما ما ذكره الشعراني قدس سره في طبقاته وما ترجمه به شيخ الإسلام تاج الدين عبد الوهاب السبكي الشافعي والإمام الهمام قاسم بن الحاج في كتابه الذي دونه بجمع فضائله قدس سره وسماه أم البراهين ، والإمام اليافعي في تاريخه وغيره من أهل الكمال والعارفين في كتبهم وما بينوه من شأنه وحلمه وعلو مقامه أكثر من أن يذكر وأجل من أن يحصر .
والذي اتفق عليه عند السادة الرفاعية وغيرهم أنه رضي الله عنه أنه ولد في سنة خمسمائة واثنتي عشرة ، وتوفي في سنة خمسمائة وثمان وسبعين ، وقالوا : إن تاريخ مدة عمره لله باعتبار كون الطبيعي ألفاً ، وسألوا من الشيخ تقي الدين الواسطي عن شغل السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه في مدة عمره فقال : شغله تاريخ عمره وهو الله وهذا الاسم المبارك بحساب الجمل عدده ستة وستون .
وقالوا : إن تاريخ ولادته جاء يد سر الرب .
فلينظر لهذه الدقائق والمراتب الغامضة التي من الله بها على هذا السيد الجليل والعلم الطويل رضي الله عنه وأرضاه وجعلنا في جواره تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، وما أحسن ما قاله سيدنا إبراهيم الكازروني قدس الله سره في مولانا صاحب هذه الترجمة والكتاب رضي الله عنه :
إذا نظرت إلى الدنيا وهيئتها
فانظر إلى ملك في زي مسكين
إن كان يصلح للدنيا سواه فتى
فذاك يصلح للدنيا والدين