العلامة ترتليان (160-240م تقريبًا):
ساد في القرون الأولى اعتقاد بأن هذا الإنسان يظهر بعد زوال الدولة الرومانية، وكانوا يتطلعون إلى الإمبراطورية كقوة مقاومة لظهوره. يقول العلامة ترتليان: [أي عائق له إلاَّ الدولة الرومانية، فإنه سيظهر الارتداد كمقاومٍ وضد المسيح].
كما يقول:[نلتزم نحن المسيحيون بالصلاة من أجل الأباطرة واستقرار الإمبراطورية استقرارًا كاملًا، فإننا نعرف أن القوة المرعبة التي تهدد العالم يعوقها وجود الإمبراطورية الرومانية. هذه القوة التي لا نُريدها، فنصلي أن يؤجل الله ظهورها... بهذا تظهر إرادتنا الصالحة لدوام الدولة الرومانية].
يرى أن ضد المسيح قد اقترب مجيئه جدًا، فيقول: [إنه الآن على الأبواب، يتوق إلى دم المسيحيين لا إلى الأموال].
* العلامة أوريجانوس:
يتحدث العلامة أوريجانوس عن الآيات الشيطانية التي تتبع ضد المسيح وجودها، لكنها آيات خادعة وعاجزة، إذ لا تقدر أن تغير طبيعتنا الفاسدة إلى طبيعة مقدسة، ولا أن تهب نموًا في الحياة الفضلي، بل أن الممارسين لها أنفسهم لا يسلكون في نقاوة.
يرى العلامة أوريجانوس أن إنسان الخطية وهو يحمل أعمال الشيطان بكل عنفها وخداعها إنما يمثل الكذب الذي لا يمكن أن يكون له وجود بإعلان ظهور مجيء المسيح، أي ظهور الحق.فظهور المسيح يسوع شمس البر في أواخر الدهور ويقضى تمامًا على ظلمة عدو الخير ويدفع بها إلى العذاب الأبدي، وإعلان الحق يحطم الكذب.
إذ اتبع العلامة أوريجانوس منهج التفسير الرمزي جاء تفسيره للأصحاح 24 من إنجيل متى (Comm. in Matthaeum on 24:3-4) رمزيًا، فيرى ضد المسيح هو التفسير الزائف للتعليم المسيحي والفضيلة المسيحية. أما أحداث الأزمنة الأخيرة فهي:
* المجاعة التي تسبق مجئ السيَّد المسيح هي مجاعة المسيحي للمعنى الذي هو تحت سطح الكتاب، أي المعنى الروحي أو الرمزي المختفي وراء الحرف.
* الأوبئة هي الخطابة المؤذية للنفس التي يستخدمها الهراطقة والغنوسيون.
* الاضطهادات هي التعاليم الباطلة التي يشوه بها المخادعون الحق المسيحي.
* رجسة الخراب في الموضع المقدس هو التفسير الخاطئ للكتاب المقدس.
* السحاب الذي يظهر عليه السيَّد المسيح هو كتابات الأنبياء والرسل التي تعلن عنه في النفس.
* السماء التي نتمتع بها هي الأسفار المقدسة التي تقدم لنا الحق.
* النصرة النهائية هي اعلان الانجيل في العالم.
استخدام العلامة أوريجانوس للتفسير الرمزي هنا لا يعني إنكار مجيء ضد المسيح كشخصٍ حقيقيٍ وذلك في أواخر الأزمنة.
* القديس هيبوليتس أسقف روما (القرن الثالث):
في مقاله "عن المسيح وضد المسيح De Christo et Antichristo" الذي اعتمد فيه على اقتبسات من العهدين: القديم والجديد، قال إن التاريخ سينتهي بظهور طاغيةٍ عنيفٍ، يقلد المسيح لكي يغلب كل الأمم لحسابه.
سيقوم ببناء الهيكل في أورشليم، ويكون أساسه السياسي هو مملكة روما (بابل الجديدة).
سيدعو ضد المسيح كل الشعب لتبعيته، ويغويهم بوعود باطلة، ويكسب الكثيرين إلى حين. ولكن إذ يبلغ الأمر إلى القمة يأتي الرب ويسبقه النبيان يوحنا المعمدان وإيليا ؛ يأتيان بمجدٍ، ويجمعان مؤمنيه معًا في موضع الفردوس.سيحدث حريق ويسقط رافضوا الإيمان تحت الحكم العادل. عندئذٍ يقوم الأبرار إلى الملكوت والخطاة إلى نارٍ أبدية.
يفترض القديس هيبوليتس أن ضد المسيح سيكون يهوديًا، ويحدد أنه من سبط دان، ويشترك القديس إيريناؤس معه في ذات الرأي.
وفي تفسيره سفر دانيالCommentary on Daniel الذي يُعتبر أقدم تفسير آبائي للسفربين أيدينا، يربط القديس هيبوليتس بين مملكة ضد المسيح ونهاية العالم التي تتم بعد 6000 عامًا من الخليقة حيث يستريح الرب في اليوم السابع.
* كوموديان Commodian:
توجد قصيدتان شعريتان باللاتينية ترجعان إلى النصف الثاني من القرن الثالث أو إلى القرن الرابع، وهما منسوبتان لكوموديان، أول مسيحي لاتيني شاعر، هما Carmen de Duobus populis, Instructions يتحدثان عن الأيام الأخيرة هكذا:
سيقوم نيرون من الجحيم كضد المسيح يُحارب الكنيسة، وسيقف أمامه إيليا النبي الذي يرجع إلى العالم. وأن المسيح الغاش هو إعادة حياة نيرون الذي سيصنع معجزات في اليهودية. وتشير القصيدة Carmen عن مجيء ضد آخر للمسيح في الشرق، بينما تُشير القصيدة الأخرى إلى ظهور ضد واحد للمسيح، وهو نيرون الذي يأتي إلى أورشليم بعد نصرته على الغرب وخداعه لليهود الذين يقبلونه بكونه المسيَّا.
* القديس أثناسيوس الرسولي (حوالي 295-373):
إذ ذاقت الكنيسة الأمرّين من أريوس، تطّلع البابا أثناسيوس إليه كضد المسيح، لكن لا بروح الخوف والقلق، بل بروح النصرة والغلبة على الشر. ففي رسالته الفصحية العاشرة يقول: [كيف يُذكى طول الأناة مالم تأتِ أولًا اتهامات ضد المسيح الباطلة والمخادعة؟!] دعي أريوس "السابق" لضد المسيح ، الذي يُهيء لمجيء ضد المسيح. وقد دافع عن حرم وعزل الكنيسة لأريوس أنه بإنكاره لاهوت السيَّد المسيح اقترب جدًا من ضد المسيح.
* القديس كيرلس الأورشليمي (تنيح عام 364م):
يُقدم لنا القديس كيرلس الأورشليمي حديثًا عن ضد المسيح في مقاله الخامس عشر الخاص بمجيء السيَّد المسيح في مجده، جاء فيه:
1. إن البغضة بين الإخوة هي الطريق الذي يُهيء لضد المسيح، وهو في هذا يتفق مع ما ذكره السيَّد المسيح أنه في الأيام الأخيرة تبرد محبة الكثيرين، كما يتفق مع ما ورد في الديداكية.
2 . تم الارتداد بظهور الهرطقات.
3. أرسل الهراطقة روّاده للضلال الجُزئي حتى يأتي لينقَض على الفريسة.
4. يُقيم نفسه إمبراطورًا على روما، فيخدع اليهود البسطاء المُنتظرين المُلك المادي، ويخدع الأمم بالعجائب المُخادعة.
5. مُدة حكمه ثلاث سنوات ونصف تنتهي بظهور السيَّد المسيح في مجده من السماء.
يقول: ["فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي في المكان المقدس. ليفهم القارئ" (مت 24: 15). وأيضًا "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا" (مت 24: 23).
إن كراهية الاخوة تفسح الطريق لمجيء ضد المسيح. لأن الشيطان يصنع الانقسام بين الناس حتى يقبلوا المزمع أن يأتي. لكن الله منع أي خادم من خدام المسيح أن يذهب إلى هنا أو هناك نحو العدو.
[وإذ يكتب الرسول بولس في هذا الأمر يُعطي علامة واضحة إذ يقول: "لأنه لا يأتي (هذا اليوم) إن لم يأت الارتداد أولًا..." (2 تس 2: 3-10).
هكذا كتب بولس، وقد تم الارتداد إذ ارتد الناس عن الإيمان المستقيم، فالبعض يتجاسر ويقول إن المسيح أُوجد من العدم. كان الهراطقة من قبل ظاهرين، أما الآن فالكنيسة مملوءة هراطقة مستترون، إذ ضل الناس عن الحق وصموا آذانهم (2 تي 4: 3). هل يوجد مقال مملوء اعتدادا؟! الكل ينصت إليه بفرح! هل توجد كلمة للإصلاح؟ الكل يتحول عنها!
تحول الغالبية عن الكلمات الصحيحة واختاروا بالأحرى الكلمة الشريرة بدلًا من الصالحة. هذا هو الارتداد، والعدو يتطلع إليه فقد أرسل جزئيًا رواده حتى يأتي فينقض على الفريسة.
اهتم بنفسك يا إنسان ولتكن نفسك في أمان.
الكنيسة تحملك المسئولية أمام الله الحيّ، فهي تخبرك عما يخص بضد المسيح قبل أن يأتي. وإننا لا نعلم إن كان يأتي في أيامكم أو بعدكم، لكن يليق بكم إذ تعرفون هذه الأمور أن تحترسوا.
[لكن كما أنه كان يليق به (بالمسيح) من قبل أن يأخذ الناسوتية وكان منتظرًا أن يولد الله من عذراء، فقد خلق الشيطان خداعًا بإيجاد روايات عن آلهة كذبة تلد وتولد من نساء، لكي بوجود الأكاذيب لا يُصدق الحق. وهكذا أيضًا إذ يأتي المسيح مرة أخرى، فإن المقاوم يستغل فرصة انتظار البسطاء خاصة الذين من أهل الختان، فيأتي رجل ساحر نابغ في فنون السحر والعرافة مخادع ماكر يأخذ لنفسه سلطان إمبراطور روما ويُنصب نفسه مسيحًا كذابًا، وتحت اسم المسيح يخدع اليهود المنتظرين مجيء المسيح ويغوي الأمم بأضاليله السحرية].
[هذا المسيح الكذاب السابق ذكره يأتي بعد انتهاء أزمنة إمبراطورية روما عندما تقترب نهاية العالم. سيقوم عشرة ملوك لروما ضد بعضهم، ربما يحكمون في مناطق مختلفة، لكنهم يقومون في زمن واحد، بعد هذا يأتي الحادي عشر أي الضد للمسيح الذي بخداعاته السحرية يغتصب القوة الرومانية، ومن هؤلاء العشرة ملوك الذين كانوا يحكمون سابقًا"
"يذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24) والسبعة يخضعهم لسطوته. في البداية يلبس مظهر اللطف والتعقل والحنو، وبالعلامات الكاذبة والعجائب السحرية المخادعة يخدع اليهود كما لو كان المسيح المنتظر. بعد هذا يُظهر كل أنواع الجرائم الوحشية والشرور، فيفوق كل الأشرار والملحدين الذين سبقوه، مستخدمًا روح قتال عنيفٍ جدًا ضد كل البشرية خاصة المسيحيين، فيكون بلا رحمة مملوء غشًا.
وبعد ثلاث سنوات وستة أشهر فقط تتحطم هذه الجرائم بالظهور المجيد لابن الله الوحيد ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الحقيقي من السماء، حيث يسحق ضد المسيح فمه ويلقيه في نار جهنم].
[لسنا نُعلم بهذا من اختراعنا، بل تخبرنا به الكتب المقدسة الإلهية التي في الكنيسة وخاصة ما جاء في نبوة دانيال التي قرأت منذ قليل، كما فسرها رئيس الملائكة جبرائيل قائلًا "الحيوان الرابع مملكة رابعة على الأرض تفوق سائر الممالك" (دا 7: 23). ومعروف في تقليد مفسري الكنيسة أنها مملكة الرومان. فكما كانت المملكة الأولى التي ذاع صيتها هي مملكة الآشوريين، والثانية هي مملكة مادي والفرس معًا. وبعد هذا المملكة الثالثة هي المقدونيون، والرابعة هي مملكة الرومان. ثم يستمر جبرائيل في التفسير قائلًا "قرونه العشرة هم عشرة ملوك سيقومون ويقوم بعدهم آخر الذي يفوق في الشر كل سابقيه: (ليس فقط يفوق العشرة بل كل سابقيه)". "ويذل ثلاثة ملوك" (دا 7: 24). واضح أنهم من العشرة ملوك السابقين... إنه "يتكلم بكلام ضد العليّ" (دا 7: 25). انه يكون مجدفًا وشريرًا، لا يأخذ المملكة عن آبائه بل يغتصبها بالسحر].
(من هو هذا؟ وما هو نوع عمله؟)
فسِّر لنا يا بولس. يقول "الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2 تس 2: 9). مظهرًا أن الشيطان يستخدمه كأداة عاملًا في شخصه، ومن خلاله. فإذ يعلم أن دينونته لن تتأخر بعد كثيرًا، يصنع حربًا ليس خلال وكلائه كعادته بل يصنعها علنًا من ذلك الحين فصاعدًا. مستخدمًا "آيات وعجائب كاذبة". لأن أب الكذب يعمل أعمال الكذب حتى يظن الناس أنها ترى الميت يقوم وهو لم يقم، والعرج يمشون والعمي يبصرون مع أنهم لم يشفوا حقيقة].
[يقول أيضًا "المُقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا أو معبودًا... حتى أنه يجلس في هيكل الله".
يجلس في هيكل الله".
أيّ هيكل هذا؟ لئلا يُظن أننا نفضل أنفسنا فإنه متى جاء لليهود على أنه المسيح راغبًا في أن يكون موضع عبادتهم، يعطي اهتمامًا للهيكل لكي يخدعهم تمامًا مُدعيًا أنه من نسل داود وأنه سيبني الهيكل الذي شيده سليمان هذا الذي متى جاء ضد المسيح لن يجد فيه حجر على حجر كما حكم بذلك مخلصنا...
إنه سيأتي "بآيات وعجائب كاذبة" رافعًا نفسه على كل الأصنام، فيتظاهر أولًا بمحبة الإحسان، لكن يعود فيظهر طبعه الذي لا يعرف الرحمة وخاصة ضد قديسي الله. إذ قيل "وكنت أنظر وإذا هذا القرن يُحارب القديسين" (دا 7: 21). وفي موضع آخر قيل "ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت" (دا 12: 1). مرعب هو هذا الوحش، تنين عظيم لا يهزمه إنسان، مستعد للافتراس، هذا لنا أن نتكلم عنه الكثير مما ورد في الكتب الإلهية، لكننا نكتفي الآن بهذا حتى لا نتعدى حدود المقال].
يتبع إن شاء الله.