الكابالا Cabbalal أو cabala
منذ 6 قرون سبقت الميلاد وفي مدينة بابل كان هناك شاب اسمه حزقيال (من بني إسرائيل) يزعم أنه كان لديه رؤيا يتحدث فيها عن ريح عاصفة جاءت من الشمال وهي تحمل معها سحابة عظيمة من النار المتوهجة وفي وسط تلك النار كان هناك عرش يجلس عليه شخص كهيئة الإنسان حيث أعتقد حزقيال أنه صعد به إلى السماء فرأى الله على عرشه .
ذكرت تلك الرؤيا المزعومة في سفر حزقيال (1- 28) من الكتاب المقدس ويعتقد أنه كان لها أثراً بالغاً على مجموعة من المتعبدين اليهود الذين كان لديهم أمل أيضاً في رؤية الله يوماً ما من خلال دراستهم لتلك الرؤيا ويهدفون من وراء ذلك تتحد أرواحهم مع روح الذات الإلهية.
- وفي القرن الثاني بعد الميلاد كانت الإمبراطورية الرومانية تحكم سيطرتها على أرض فلسطين وكان اليهود الذين يمارسون شعائرهم الدينية علانية يلقون مصرعهم أو يتم نفيهم على أيدي الرومان مما ساهم في تحول عدد كبير من اليهود إلى التصوف (الفكر الباطني) جرياً وراء ” فهم إرادة الله ” بحسب زعمهم.
كان الحاخام شمعون بن يوحاي أحد الشخصيات التي كانت تبحث عن إجابات بعد أن تمكن من الفرار من الرومان الذين أرادوا إعدامه، ووفقاً لنصوص يهودية كان شمعون بن يوحاي متخفياً عن الرومان لمدة 13 سنة في كهفه وخلال مكوثه فيه كان يجري تأملاته في الله وفي الكون مسترشداً بالنصوص اليهودية ، حيث مهدت طرائقه الفريدة والمطورة إلى بروز فكرة الـ كابالا Cabbalalأوcabala- فيما بعد ولأول مرة في التاريخ.
وعلى غرار ما قام به الحاخام شمعون بن يوحاي حاولت أيضاً مجموعات صغيرة من المتعبدين اليهود الوصول إلى فهم أكبر لله وكانوا يحافظون على إبقاء نشاطاتهم سرية ويحذرون من أن القيام بها يشكل خطراً على الشخص العادي.
وفي هذا الصدد تروي الأساطير اليهودية عن أن شخصاً اسمه نافاسيز أصيب بالجنون أو حتى لاقى حتفه لأنه لم يكن مجهزاً كفاية للقاء “القوى الروحية العظمى” التي كشف النقاب عنها حيث يعتقد أنه إذا لم يكن الشخص طاهراً ونقياً بشكل كاف أو لم يكن قمة التواضع فعندئذ قد لا يقبله الله أو يدعه يذهب في الرحلة التي أراد هو القيام بها.
رحلة وجهتها عرش الله !
ومن خلال القيام بتلك التأملات يعتقد هؤلاء المتعبدون بأنهم يتمكنون من رؤية الله كما رآه نبيهم حزقيال من قبل، وفي تلك الرؤى تكون المداخل إلى السماء العليا محجوبة بسلسلة من البوابات وعلى المتعبد أن يمر عبرها قبل أن يرى الله، وتكون هذه البوابات محروسة بالملائكة التي تبقي أي شخص غير جدير خارجها.
وقبل أن يحاول المتعبد التقدم عليه أن يتعلم الأسماء المعقدة للملائكة، ومن ثم عليه أن يكرر كل اسم عدداً محدداً من المرات، وبزعمهم أنه يحصنهم من قوة الملائكة، إلى أن يصلوا إلى حجرة العرش فتأتيهم الرؤية التي يزعمون أنها تساعدهم على تعلم الأسرار فيفهمون أفكار الله.
كون مخلوق من أبجدية عبرية !
وفي تلك الفترة التاريخية سجل متعبد يهودي مجهول أفكاره في كتاب كان له أبلغ التأثير على رمزية الكابالا وكان يحمل عنوان “كتاب الخلق” أو ” سفر عزرا ” ويشرح فيه كيف أن الله خلق الكون مستخدماً 20 حرفاً من الأبجدية العبرية زاعماً أن الله ينطق باللغة العبرية وأن هذه الأبجدية هي أبجدية الخلق.
ومثال على ذلك الطريقة التي خلق فيها الحجر من خلال دمج ثلاثة أحرف عبرية אבן وهي (א) وتنطق ألف و (ב) وتنطق باء و (ן) وتنطق نون. فتكون الكلمة (أبن) وتعني الحجر باللغة العبرية.
وعلى هذا النحو يعتقد أن بقية الأشياء خلقت من تركيب الأحرف مع الأرقام ومن هنا يبرز الاهتمام بدراسة معاني الأحرف وتحويلها لأرقام كما هو مطبق في حساب الجمل و بناء الأوفاق في عمل السحر الذي له صلة مع الكابالا.
شجرة الحياة.
تقوم فلسفة الكابالا على شجرة يسمونها شجرة الحياة أصلها في السماء وفروعها في الأرض، أي أنها مقلوبة رأساً على عقب حيث تبدأ بالذات العليا في السماء وتنتهي بالعالم الدنيوي في الأرض، وتتكون من عشر طبقات تسافر فيها الروح عبر جسد الإله الذي يجسد تلك الشجرة حسب معتقداتهم والتي جاء بها نبيهم ومرشدهم الذي اختفى عن الأنظار مدة من الزمن في مغارة نائية ومن ثم خرج عليهم يقول بأن أسراراً قد كُشفت له، وأنه قد حصل له شكلاً من الكشف أو الوحي الإلهي .
وقد ظهرت مجموعة نصوص عندهم جمعوها في كتاب أو سفر سموه (هازوهار)(كتاب النور).
رأي الباحثين وأصل التسمية.
السبب التاريخي للتسمية غير معلوم ولكن البعض ينسبها إلى سليمان ابن جابرول 1021-1058 أو إلى القرن 13 كما أنه لا يوجد تعريف دقيق لها.
يقول مؤلف كتاب “مفتاح حيرام” :
” إن البحوث والحفريات التي قام بها فرسان المعبد قرب خرائب معبد سليمان لم تذهب هباءً بل حصلوا على أشياء معينة كانت كافية لتغيير نظرتهم في الحياة “ ، ويعتقد آخرون أن تسمية كابالا مشتقة من الآرامية ، و معناها القبول والتلقي ، أي تلقي الروايات الشفهية كما حدث في التلمود حيث يدعي أحبار اليهود أن موسى عليه الصلاة و السلام تلقاه شفهياً مباشرة من الرب.
- وعندما قام الباحثون والمؤرخون بالتنقيب عن أصل ” كابالا ” فوجئوا بان هذه التعاليم تستند إلى فلسفة وثنية كانت موجودة قبل التوراة ثم تسللت إلى الدين اليهودي، وإلى هذا يشير الماسوني التركي “مراد اوزكن أيفر Murat Ozgan Ayfer في كتابه ” ما الماسونية ؟” فيقول :
” لا أحد يدري على التحقيق كيف ومتى ولدت الـ كابالا ولكن المعلوم هو انه مرتبط بالدين اليهودي ويحمل صيغة ميتافيزيقية وتعاليم باطنية “، ومع أنه يذكر أن الكابالا باطنية يهودية، إلا أن معظم تعاليمها قديمة وكانت موجودة قبل ظهور التوراة.
- التوصل إلى فكرة الكابالا يعني التوصل إلى فرع من فروع الباطنية اليهودية السرية التي تم تبنيها مما أدى إلى الانحراف عن العقيدة اليهودية. وكابالا تضم نوعاً من أنواع التعاليم التي تبحث عن المعاني السرية والتصوفية الموجودة في التوراة، وفي المصادر الأخرى للدين اليهودي.
يتبع إن شاء الله.