مادة الدراسة .
استراتيجية الحرب تتوقف على طبيعة العدو وموقعه ومقدراته ونواياه الاستراتيجية ونقاط قوته وضعفه، وبالمقابل نقاط ضعفنا وقوتنا نحن .
في الحقيقة فإن ما وصف بالحرب على الإرهاب يتميز بكون طبيعة العدو مركبة، وليست واضحة الملامح والحدود فإنه من الضروري أن تنطلق استراتيجيتنا من دراسة طبيعة وطرق عمل الإرهاب وتتمحورحولها .
على أن هذه الحرب في دلالاتها العميقة تمثل تعبيرا لًأزمة تاريخية ومستشرية داخل العالم العربي الإسلامي،حيث إن ظاهرة الحداثة التي أسفرت عن حدوث انقلاب ضد الإسلام وكشفت عن مواطن ضعفه زج بها في دائرة الاتهام بوصفها السبب المبدئي لكل ما ألم بالعالم العربي الإسلامي .
وهكذا تتأكد حقيقة أن الصيغة الجيوسياسية التي تبلورت على أساسها دول المنطقة تعاني من الكثير من العلل.
بل الأسوأ من ذلك أن الصراعات والتناقضات الملازمة للإطار السياسي في المنطقة تفاقمت واستفحلت نتيجة عجز معظم حكومات المنطقة ونخبها السياسية عن تنفيذ سياسات داخلية بّناءة أو ممارسة سياسات صحيحة على الجبهة الخارجية .
إلا أن الدول العربية وبالشكل الذي اتخذته منذ بدايات تكوينها وبالطريقة التي عملت بها خلال أكثر من نصف قرن منذ استقلالها، لم تعمل على خلق الثروات ولا على تأمين الاستقرار.
كما أن غياب مظاهر الازدهار والرخاء أضعف أسس تحقيق الاستقرار الداخلي، الأمر الذي انعكس سلبًا على العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف القائمة بين دول المنطقة .
وفي الوقت الذي اضمحلت فيه العادات القديمة، لم يتم إحلال ممارسات بديلة محلها، خصوصًا أنه لا وجود لمؤسسات مستقلة أو مرجعيات بالإمكان الاستناد إليها لتشكيل الهوية أو الولاء الجماعيين.
ومن أجل تحقيق استمرارها واستدامتها تتطلب العادات الجديدة المحافظة على تدفق العائدات الهائلة من مبيعات النفط وفي ظل هذه الحالة من الشعور بالاستلاب وعدم الاستقرار تفقد شرائح واسعة من المجتمع مرتكزاتها الأساسية،حيث إن المؤسسات القائمة والقوى المنظمة فقدت قدرتها على المحافظة على ولاء الشعب أو تأمين ظروف تبعث على بلورة الحس بهوية جماعية معينة.
وفي مثل هذه الحالات وفي غياب إطار سياسي اجتماعي تنفلت الولاءات وُتفتح الأبواب على مصاريعها أمام اندفاع مشاعر شديدة وانفعالات قوية، وهو بالذات ما يحدد شروط ثورة الشعوب .