موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: الرباط
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء سبتمبر 26, 2012 7:09 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14745
مكان: مصـــــر المحروسة

الرباط في اللغة :

[(ربط) ر ب ط : رَبَطَهُ شدّه وبابه ضرب ونصر والموضع مَرْبَطٌ بكسر الباء وفتحها و ارتبَطَ بمعنى ربط و الرِّبَاطُ بالكسر ما تُشد به الدابة والقربة وغيرهما والجمع رُبْطٌ بسكون الباء و الرِّبَاطُ أيضاً المُرَابَطَةُ وهي مُلازمة ثغر العدو و رِبَاطُ الخيل مُرابطتها ويقال الرِّبَاطُ الخيل الخمس فما فوقها].[1]

[الرِّبَاطُ: الشيْءُ الذي يُرْبَطُ به، والجَميعُ الرُّبُطُ، رَبَطَ يَرْبطُ ويَرْبطُ رَبْطاً. والربَاطُ: مُلاَزَمَةُ ثَغْرِ العَدُو، ورَجُلٌ مُرَابِطٌ. والمُرَابِطَاتُ: جَمَاعَةُ الخُيُوْلِ الذين رابَطُوا. وقَوْلُه عَز وجَل: " اصْبِرُوا وصابِروا ورَابِطُوا " من رِبَاطِ الجِهَادِ. وقيل: واظِبُوا على الصَلاَةِ في مَوَاقِيْتِها، والرِّبَاطُ: المُدَاوَمَةُ على الشيْءَ. وقَوْلُه عَزَوجَل: " ومِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ " هي الخَمْسُ فما فَوْقها، وجَمْعُها الرُّبُطُ. ورَبَطَ اللّهُ وَجَعَه عنه: أي أبْرَأه من مَرَضِه.وفُلان رابِطُ الجَأشِ. ورَبَطَ جَأشَه: اشْتَد قَلْبُه. ومنه قَوْلُهم: رَبَطَ اللَهُ على قَلْبِه بالصَّبْرِ. لاذا وُضِعَ التَمْرُ في الجِرَارِ فَصبَ عليه الماءُ فهو: الربِيْطُ. والمُتَرَابِطُ من الماء: الذي لا يَخْرُجُ من مُجْتَمَعِه].[2]

[ر ب ط رَبَطَهُ ، أَي الشَّيْءَ يَرْبِطُهُ ، بالكَسْرِ : ويرْبُطُه ، بالضَّمِّ ، وهذه عن الأَخْفَشِ ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ ، رَبْطاً : شَدَّهُ ، فهو مَرْبُوطٌ ورَبِيطٌ ، يُقَالُ : دابَّةٌ رَبيطٌ ، أَي مَرْبُوطَةٌ . والرِّبَاطُ ، بالكَسْرِ : مَا رُبِطَ به ، أَي شُدَّ به ، وفي العُبَاب والصّحاح : مَا تُشَدُّ به القِرْبَةُ والدَّابَّةُ وغيرهما ، ج : رُبُطٌ ، بضمٍّ فسُكونٍ ، والأَصْلُ فيه ككُتُبٍ ، والإِسْكان حائزٌ عَلَى التَّخْفيفِ ، قالَ الأَخْطَلُ ، يَصِفُ الأَجِنَّةَ في بُطُونِ الأُتُنِ : ( مِثْل الدَّعامِيص في الأَرْحامِ غائِرَةً سُدَّ الخَصاصُ عليها فهو مَسْدودُ ) ( تَموتُ طَوْراً وتَحْيا في أَسِرَّتِها كما تَقَلَّبُ في الرُّبْطِ المَرَاوِيدُ ) كذا في الصّحاح والعُبَاب ، ويُرْوَى : كما تَفَلَّتُ ، وهكذا وُجِدَ في دِيوانِ الأَخْطَلِ بخَطِّ أَبي زَكَرِيَّا . والرِّبَاطُ : الفُؤادُ ، كأَنَّ الجِسْم رُبِطَ به . والرِّبَاطُ : المُواظَبَةُ عَلَى الأَمْرِ . قالَ الفارِسِيُّ : هو ثَانٍ من لُزُومِ الثَّغْرِ ، ولُزُومُ الثَّغْرِ : ثانٍ من رِباطِ الخَيْلِ . والرِّبَاط : مُلازَمَةُ ثَغْرِ العَدُوِّ ، كالمُرابَطَةِ ، كما في الصّحاح . ورِبَاطُ الخَيْلِ : مُرابَطَتُها ، ورُبَّما سُمِّيَ الخَيْلُ رِبَاطاً . أَو الرِّبَاطُ : الخَيْلُ الخَمْسُ مِنْها فما فَوْقَها ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ . وأَنْشَدَ للشَّاعرِ ، وهو بُشَيْرُ بنُ أَبي حُمَام العَبْسِيُّ : ) ( وإِنَّ الرِّبَاطَ النُّكْدَ من آلِ داحِسٍ أَبْيَنُ فما يُفْلِحْنَ يومَ رِهَانِ )كما في الصّحاح . وفي اللّسَان : دُونَ رِهَان . ورِوايَةُ ابنُ دُرَيْدٍ : جَرَيْنَ فلمْ يُفْلِحْنَ . وزادَ الجَوْهَرِيّ : يُقَالُ : لفُلانٍ رِبَاطٌ من الخَيْل ، كما تقول : تِلاَدٌ ، وهو أَصْلُ خَيْلِه . والرِّبَاطُ أَيْضاً : واحِدُ الرِّبَاطَاتِ المَبْنِيَّةِ ، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ . أَو المُرَابَطَةُ في الأَصلِ : أَنْ يَرْبُطَ كلٌّ من الفَرِيقَيْنِ خُيُولَهُم في ثَغْرِهِ ، وكلٌّ مُعِدٌّ لصاحِبه ، فسُمِّيَ المُقامُ في الثَّغْرِ رِبَاطاً . قالَهُ القُتَيْبِيُّ ، عَلَى مَا نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ . وفي اللّسَان : ثمَّ صارَ لُزُومُ الثَّغْرِ رِبَاطاً ، وربَّما سُمِّيَت الخَيْلُ أَنْفُسُها رِبَاطاً ، ومِنْهُ قَوْله تَعَالَى اصْبِروا وصَابِروا ورَابِطُوا جاءَ في تَفْسيرِه : اصْبِروا عَلَى دِينِكم ، وصابِروا عَلَى عَدُوَّكُم ، ورابِطوا ، أَي أَقيموا عَلَى جِهادِ عَدُوِّكُم بالحَرْبِ وارْتِباطِ الخَيْل ، أَو مَعْنَاهُ المُحافَظَةُ عَلَى مَوَاقيتِ الصَّلاة ، وقِيل : المُواظَبَةُ عليها ، وقِيل انْتِظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ، لقوله صَلّى اللهُ تعالَى عليه وسَلّم فيما رواه عنه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْه : أَلا أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَمْحُو الله بهِ الخَطايا ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ قالوا : بلَى يا رَسُولُ الله ، قالَ : إِسْباغُ الوُضوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وكَثرَةُ الخُطَا إِلَى المَساجِدِ ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ ، فذلِكُم الرِّبَاطُ ، فذلِكُم الرِّبَاطُ ، فذلِكُم الرِّبَاطُ فشبَّهَ مَا ذَكَرَهُ من الأَفعالِ الصَّالِحَةِ به . والقَوْلانِ ذَكَرَهُما الأّزْهَرِيّ . قُلْتُ : فيَكونُ الرِّبَاطُ : مصدَرَ رابَطْتُ : أَي لازَمْتُ ، وقِيل : هو هاهُنا اسمٌ لما يُرْبَطُ به الشَّيْءُ ، أَي يُشَدُّ ، يَعْني أَنَّ هذه الخِلالَ تَرْبِطُ صاحِبَها عن المَعَاصِي ، وتَكُفُّه عن المَحارِم] . [3]

[قال الخليل : الرباط ملازمة الثغور ، ومواظبة الصلاة أيضاً ، قال : والرباط الشيء الذي تربط به ، وتربط (أيضاً). وقال أبو حاتم ، عن أبي زيد : الرباط من الخيل ، الخمس فما فوقها ، وجماعة ربط ، وهي التي ترتبط ، يقال منه : ربط يربط ربطاً ، وارتبط يرتبط ارتباطاً ، ومربط الخيل ، ومرابط الخيل.

قال الشاعر:



أمر الإله بربطها لعدوه في الحرب إن الله خير موفق



وقالت ليلى الأخيلية:



لا تقربن الدهر آل محرق إن ظالما أبدا وإن مظلوماً
قوم رباط الخيل حول بيوتهم وأسنة زرق تخلن نجوماً



وينشد لابن عباس - رضي الله عنه - من قوله:



أحبوا الخيل واصطبروا عليها فإن العز فيها والجمالا
إذا ما الخيل ضيعها أناس ربطناها فشاركت العيالا
نقاسمها المعيشة كل يوم ونكسوها البراقع والجلالا



وقال مكحول بن عبد الله:



تلوم علي ربط الجياد وحبسها وأوصى بها الله النبي محمدا



وقال الأخطل:



ما زال فينا رباط وفي كليب رباط اللؤم والعار].[4]



[والرِّباطُ والمُرابَطةُ مُلازمةُ ثَغْرِ العَدُوِّ وأَصله أَن يَرْبِطَ كلُّ واحد من الفَريقين خيلَه ثم صار لزومُ الثَّغْرِ رِباطاً وربما سميت الخيلُ أَنفُسها رِباطاً والرِّباطُ المُواظَبةُ على الأَمر قال الفارسي هو ثانٍ من لزومِ الثغر ولزومُ الثغْر ثانٍ من رِباط الخيل وقوله عزَّ وجلَّ وصابِرُوا ورابِطُوا قيل معناه حافِظُوا وقيل واظِبُوا على مَواقِيت الصلاة وفي الحديث عن أَبي هريرة أَن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال أَلا أَدُلُّكم على ما يَمْحو اللّهُ به الخَطايا ويَرْفَعُ به الدرجاتِ ؟ قالوا بلى يا رسول اللّه قال إِسْباغُ الوُضوءِ على المَكارِه وكثرةُ الخُطى إِلى المساجِد وانْتِظارُ الصلاةِ بعد الصلاة فذلِكم الرِّباطُ الرِّباطُ في الأَصل الإِقامةُ على جِهادِ العدوِّ بالحرب وارتِباطُ الخيل وإِعْدادُها فشبَّه ما ذكر من الأَفعال الصالحة به قال القتيبيّ أَصل المُرابَطةِ أَن يَرْبطَ الفَرِيقانِ خيولها في ثَغْرٍ كلٌّ منهما مُعِدّ لصاحبه فسمي المُقامُ في الثُّغور رِباطاً ومنه قوله فذلكم الرِّباطُ أَي أَنَّ المُواظبةَ على الطهارة والصلاة كالجهاد في سبيل اللّه فيكون الرِّباطُ مصدرَ رابطْتُ أَي لازمت وقيل هو ههنا اسم لما يُرْبَطُ به الشيء أَي يُشَدُّ يعني أَنَّ هذه الخِلال تَرْبِطُ صاحبها عن المعاصي وتكفُّه عن المحارم وفي الحديث أَنَّ رَبِيطَ بني إِسرائيل قال زَيْنُ الحَكيِم الصمْتُ أَي زاهِدهم وحكِيمهم الذي يَرْبُطُ نفسه عن الدنيا أَي يَشُدُّها ويمنَعُها وفي حديث عديّ قال الشعبي وكان لنا جاراً ورَبيطاً بالنهْرَيْنِ ومنه حديث ابن الأَكواع فَرَبَطْتُ عليه أَسْتَبْقِي نفْسِي أَي تأَخرت عنه كأَنه حبَس نفْسَه وشدّها قال الأَزهري أَراد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بقوله فذلكم الرِّباطُ قوله عزّ وجل يا أَيها الذين آمنوا اصْبِرُوا وصابِرُا ورابِطُوا وجاءَ في تفسيره اصبروا على دِينكم وصابروا عدوَّكم ورابطوا أَي أَقيموا على جهاده بالحرب قال الأَزهري وأَصل الرِّباط من مَرابِطِ الخيل وهو ارْتِباطُها بِإِزاء العدوّ في بعض الثغورِ والعرب تسمي الخيل إِذا رُبطت بالأَفنية وعُلِفَتْ رُبُطاً واحدها رَبيطٌ ويجمع الرُّبُطُ رِباطاً وهو جمع الجمع قال اللّه تعالى ومن رِباطِ الخيل تُرهبون به عَدُوَّ اللّه وعدوَّكم قال الفرّاء في قوله ومن رباط الخيل قال يريد الإِناث من الخيل وقال الرِّباطُ مُرابَطةُ العدوِّ وملازَمةُ الثغر والرجلُ مُرابِطٌ والمُرابِطاتُ جماعات الخيول التي رابَطَت ويقال ترَابَط الماءُ في مكان كذا وكذا إِذا لم يبرحْه ولم يخرج منه فهو ماءٌ مُترابِطٌ أَي دائمٌ لا يَنْزَحُ]. [5]

الرباط والمرابطة والمرابط في الاصطلاح.

[اختلفوا في معنى قوله ورابطوا ، فقال جمهور الأمة : رابطوا أعداءكم بالخيل ، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم ، ومنه قوله تعالى:{ومن رباط الخيل}.

وفي الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجاً ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله تعالى يقول في{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}آل عمران200.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو يرابط فيه . رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه.

واحتج أبو سلمة بقوله - عليه السلام - : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط " . ثلاثا ، رواه مالك.

قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله . أصلها من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطاً ، فارساً كان أو راجلاً. واللفظ مأخوذ من الربط. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فذلكم الرباط ) إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله ، والرباط اللغوي هو الأول ، وهذا كقوله : ليس الشديد بالصرعة ، وقوله ليس المسكين بهذا الطواف إلى غير ذلك.

قلت : قوله " والرباط اللغوي هو الأول " ليس بمسلم ، فإن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها قد قال : الرباط ملازمة الثغور، ومواظبة الصلاة أيضاً ، فقد حصل أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة ، كما قال - صلى الله عليه وسلم -.وأكثر من هذا ما قاله الشيباني أنه يقال : ماء مترابط أي دائم لا ينزح ، حكاه ابن فارس وهو يقتضي تعدية الرباط لغة إلى غير ما ذكرناه.

فإن المرابطة عند العرب : العقد على الشيء حتى لا ينحل ، فيعود إلى ما كان صبر عنه ، فيحبس القلب على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة.

ومن أعظمها وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله كما نص عليه في التنزيل في قوله: {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ} على ما يأتي.وارتباط النفس على الصلوات كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه أبو هريرة وجابر وعلي ولا عطر بعد عروس.

الرابعة والعشرون : المرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ، قاله محمد بن المواز ورواه .

وأما سكان الثغور دائماً بأهليهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك ، فهم - وإن كانوا حماة - فليسوا بمرابطين ، قاله ابن عطية.

وقال ابن خويزمنداد : وللرباط حالتان : حالة يكون الثغر مأموناً منيعاً يجوز سكناه بالأهل والولد . وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال ، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسترق ، والله أعلم].[6]

[قال الحسن البصري ، رحمه الله : أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم ، وهو الإسلام ، فلا يدعوه لسراء ولا لضراء ولا لشدة ولا لرخاء ، حتى يموتوا مسلمين ، وأن يصابروا الأعداء الذين يكتمون دينهم . وكذلك قال غير واحد من علماء السلف.

وأما المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات.

وقيل : انتظار الصلاة بعد الصلاة ، قاله ابن عباس وسهل بن حنيف ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم.

وروى ابن أبي حاتم هاهنا الحديث الذي رواه مسلم والنسائي ، من حديث مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، مولى الحرقة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدرجات ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط ، فذلكم الرباط."

وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد ، حدثنا موسى بن إسحاق حدثنا أبو جحيفة علي بن يزيد الكوفي ، أنبأنا ابن أبي كريمة ، عن محمد بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أقبل علي أبو هريرة يوماً فقال: أتدري يا ابن أخي فيم نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}؟
قلت : لا .
قال : أما إنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه ، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد ، يصلون الصلاة في مواقيتها ، ثم يذكرون الله فيها ، فعليهم أنزلت : ( اصبروا ) أي : على الصلوات الخمس ( وصابروا ) [ على ] أنفسكم وهواكم ( ورابطوا ) في مساجدكم ( واتقوا الله ) فيما عليكم ( لعلكم تفلحون.

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق سعيد بن منصور بن المبارك عن مصعب بن ثابت ، عن داود بن صالح ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة – بنحوه.

وقال ابن جرير : حدثني أبو السائب ، حدثني ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن جده ، عن شرحبيل ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا ؟ إسباغ الوضوء على المكاره ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط."

وقال ابن جرير أيضاً : حدثنا موسى بن سهل الرملي ، حدثنا يحيى بن واضح ، حدثنا محمد بن مهاجر ، حدثني يحيى بن يزيد ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن شرحبيل ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب ؟ " قلنا : بلى يا رسول الله . قال : " إسباغ الوضوء في أماكنها ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباط."

وقال ابن مردويه : حدثني محمد بن علي ، أنبأنا محمد بن عبد الله بن عبد السلام البيروتي ، أنبأنا محمد بن غالب الأنطاكي ، أنبأنا عثمان بن عبد الرحمن ، أنبأنا الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي أيوب ، رضي الله عنه ، قال : وقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :" هل لكم إلى ما يمحو الله به الذنوب ويعظم به الأجر ؟ " قلنا : نعم ، يا رسول الله ، وما هو ؟ قال : "إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة."

قال:"وهو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فذلك هو الرباط في المساجد "وهذا حديث غريب من هذا الوجه جداً.

وقال عبد الله بن المبارك ، عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ، حدثني داود بن صالح قال :قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي ، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ؟
قال : قلت : لا .
قال : إنه - يا ابن أخي - لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، ولكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة . رواه ابن جرير ، وقد تقدم سياق ابن مردويه ، وأنه من كلام أبي هريرة ، فالله أعلم.

وقيل : المراد بالمرابطة هاهنا مرابطة الغزو في نحور العدو ، وحفظ ثغور الإسلام وصيانتها عن دخول الأعداء إلى حوزة بلاد المسلمين].[7]

[قال السيوطي : الرباط بكسر الراء وبالموحدة الخفيفة ملازمة المكان بين المسلمين والكفار لحراسة المسلمين منهم ، وقال بعض الشراح من علمائنا : الرباط المرابطة ، وهو أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغرهم وهؤلاء خيولهم في ثغرهم ، ويكون كل منهم معدا لصاحبه مترصداً لمقصده ، ثم اتسع فيها ، فأطلقت على ربط الخيل والاستعداد بغزو العدو ، والحديث يحتمل المعنيين.

وكأنه أخذ من قوله تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}الآية . ويدل عليه إطلاق قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ} الآية.

وروى البخاري عن أبي هريرة ، عنه - صلى الله عليه وسلم -:"من احتبس فرساً في سبيل الله ; إيمانا بالله وتصديقا بوعده ، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة."

وفي النهاية : الرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها ، والمرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدا لصاحبه ، وسمي المقام في الثغور رباطاً ، فيكون الرباط مصدر رابطت ; أي لازمت ، وفي المقدمة : الرباط ملازمة الثغر للجهاد ، وأصله الحبس ; كأن المرابط حبس نفسه فيه على الطاعة ، والثغر ما يلي دار العدو].[8]

[وأما قوله ( ورابطوا ) ففيه قولان:

الأول : أنه عبارة عن أن يربط هؤلاء خيلهم في الثغور ويربط أولئك خيلهم أيضاً ، بحيث يكون كل واحد من الخصمين مستعداً لقتال الآخر ، قال تعالى {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [ الأنفال:60] وعن النبي صلى الله عليه وسلم :" من رابط يوماً وليلة في سبيل الله كان مثل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينتقل عن صلاته إلا لحاجة."

الثاني : أن معنى المرابطة انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ويدل عليه وجهان:

الأول : ما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ، وإنما نزلت هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة.

الثاني : ما روي من حديث أبي هريرة حين ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ثم قال:"فذلكم الرباط " ثلاث مرات.

واعلم أنه يمكن حمل اللفظ على الكل ، وأصل الرباط من الربط وهو الشد ، يقال لكل من صبر على أمر : ربط قلبه عليه ، وقال آخرون : الرباط هو اللزوم والثبات ، وهذا المعنى أيضاً راجع إلى ما ذكرناه من الصبر وربط النفس ، ثم هذا الثبات والدوام يجوز أن يكون على الجهاد ، ويجوز أن يكون على الصلاة والله أعلم] .[9]

مواضع الرباط.

[واختلف المشايخ في المحل الذي يتحقق فيه الرباط ، فإنه لا يتحقق في كل مكان ، ففي النوازل أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام ; لأن ما دونه لو كان رباطاً ، فكل المسلمين في بلادهم مرابطون ، ويؤيدها في حديث معاذ بن أنس رضي الله عنهما ، عنه عليه الصلاة والسلام:"من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تبارك وتعالى متطوعاً لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم ، فإن الله تعالى يقول : {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}. رواه أبو يعلى. لكن ليس يستلزم كون ذلك باعتبار المكان ، فقد وردت أحاديث كثيرة ليس فيها سوى الحراسة في سبيل الله].[10]

[ومن توابع الجهاد الرباط وهو الإقامة في مكان يتوقع هجوم العدو فيه لقصد دفعه لله تعالى ، والأحاديث في فضله كثيرة واختلف في محله ، فإنه لا يتحقق في كل مكان ، والمختار أن يكون في موضع لا يكون وراءه إسلام].[11]

فضل المرابط.

(وإن مات) : أي المرابط بدلالة الرباط في ذلك المقام ، أو في تلك الحالة (جرى عليه عمله) : أي ثواب عمله (الذي كان يعمله) : أي في حياته ، والمعنى أنه يصل إليه ثواب عمله أبداً.

قال النووي : هذه فضيلة مختصة بالمرابط لا يشاركه فيها غيره ، وقد جاء مصرحاً في غير مسلم : كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة.

(وأجري عليه) : بصيغة المجهول ; أي أوصل إليه (رزقه) ; أي من الجنة قال الطيبي : ومعنى جرى عليه عمله كقوله جرى عليه القضاء ; أي : يقدر له من العمل بعد الموت ، كما جرى منه قبل الممات ، فجرى هنا . بمعنى قدر ، ونحوه في المريض قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ، ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً.

قلت : وكذا ورد في المسافر والشيخ الكبير . قال : ولما كان قوله - صلى الله عليه وسلم - :" وأجري عليه رزقه " تلميحاً إلى قوله تعالى : ( يرزقون ) أجري مجراه في البناء للمفعول].[12]

[قال السرخسي وقوله:{أجري عليه عمله} نمى له عمله ، وذلك في كتاب الله تعالى{وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ}-وقال عليه الصلاة والسلام "{من مات في طريق الحج كتب له حجة مبرورة في كل سنة} " فهذا هو المراد أيضا في كل من مات مرابطاً أنه يجعل بمنزلة المرابط إلى فناء الدنيا فيما يجرى له من الثواب ; لأن نيته استدامة الرباط لو بقي حياً إلى فناء الدنيا والثواب بحسب النية.

قلت : ومقتضاه أن المراد بإجراء العمل دوام ثواب الرباط كما صرح به في حديث آخر ذكره السرخسي{ومن قتل مجاهداً أو مات مرابطاً فحرام على الأرض أن تأكل لحمه ودمه ولم يخرج من الدنيا ، حتى يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وحتى يرى مقعده من الجنة وزوجته من الحور العين وحتى يشفع في سبعين من أهل بيته ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة}وظاهره أن من مات مرابطا يكون حياً في قبره كالشهيد وبه يظهر معنى إجراء رزقه عليه].[13]

فضل الرباط في سبيل الله.

روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي ، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها."

حديث آخر : روى مسلم ، عن سلمان الفارسي ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان."

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح ، أخبرني أبو هانئ الخولاني ، أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره : أنه سمع فضالة بن عبيد يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ميت يختم على عمله ، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبر."

وهكذا رواه أبو داود ، والترمذي من حديث أبي هانئ الخولاني . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وأخرجه ابن حبان في صحيحه أيضاً."

حديث آخر : وروى الإمام أحمد أيضا عن يحيى بن إسحاق وحسن بن موسى وأبي سعيد [وعبد الله بن يزيد] قالوا : حدثنا ابن لهيعة حدثنا مشرح بن هاعان ، سمعت عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل ميت يختم له على عمله ، إلا المرابط في سبيل الله ، فإنه يجري عليه عمله حتى يبعث ويأمن من الفتان."

وروى الحارث بن محمد بن أبي أسامة في مسنده ، عن المقبري وهو عبد الله بن يزيد ، به إلى قوله : " حتى يبعث " دون ذكر " الفتان ". وابن لهيعة إذا صرح بالتحديث فهو حسن ، ولا سيما مع ما تقدم من الشواهد."

حديث آخر : قال أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه في سننه : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، حدثنا عبد الله بن وهب ، أخبرني الليث ، عن زهرة بن معبد عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات مرابطاً في سبيل الله ، أجري عليه عمله الصالح الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه ، وأمن من الفتان ، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع."

طريق أخرى : قال الإمام أحمد : حدثنا موسى ، أنبأنا ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من مات مرابطاً وقي فتنة القبر ، وأمن من الفزع الأكبر ، وغدا عليه وريح برزقه من الجنة ، وكتب له أجر المرابط إلى يوم القيامة."

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن أم الدرداء ترفع الحديث قالت من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام ، أجزأت عنه رباط سنة."

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا كهمس ، حدثنا مصعب بن ثابت ، عن عبد الله بن الزبير قال : قال عثمان ، رضي الله عنه - وهو يخطب على منبره - : إني محدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها."

وهكذا رواه أحمد أيضا عن روح عن كهمس عن مصعب بن ثابت ، عن عثمان . وقد رواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن مصعب بن ثابت ، عن عبد الله بن الزبير قال : خطب عثمان بن عفان الناس فقال : يا أيها الناس ، إني سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكم به إلا الضن بكم وبصحابتكم ، فليختر مختار لنفسه أو ليدع . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها."

طريق أخرى عن عثمان [ رضي الله عنه ] قال الترمذي : حدثنا الحسن بن علي الخلال ، حدثنا هشام بن عبد الملك ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد ، عن أبي صالح مولى عثمان بن عفان قال : سمعت عثمان - وهو على المنبر - يقول : إني كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني ، ثم بدا لي أن أحدثكموه ، ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل."

ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ، قال محمد - يعني البخاري - : أبو صالح مولى عثمان اسمه بركان وذكر غير الترمذي أن اسمه الحارث ، فالله أعلم وهكذا رواه الإمام أحمد من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة وعنده زيادة في آخره فقال - يعني عثمان - : فليرابط امرؤ كيف شاء ، هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد.

حديث آخر : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، حدثنا محمد بن المنكدر قال : مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط ، وهو في مرابط له ، وقد شق عليه وعلى أصحابه فقال : أفلا أحدثك - يا ابن السمط - بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

قال : بلى . قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"رباط يوم في سبيل الله أفضل - أو قال : خير - من صيام شهر وقيامه ، ومن مات فيه وقي فتنة القبر ،ونما له عمله إلى يوم القيامة."

تفرد به الترمذي من هذا الوجه ، وقال : هذا حديث حسن . وفي بعض النسخ زيادة : وليس إسناده بمتصل ، وابن المنكدر لم يدرك سلمان.

قلت : الظاهر أن محمد بن المنكدر سمعه من شرحبيل بن السمط وقد رواه مسلم والنسائي من حديث مكحول وأبي عبيدة بن عقبة ، كلاهما عن شرحبيل بن السمط - وله صحبة - عن سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :"رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان " وقد تقدم سياق مسلم بمفرده.

حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة ، حدثنا محمد بن يعلى السلمي ، حدثنا عمر بن صبيح ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، عن مكحول ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لرباط يوم في سبيل الله ، من وراء عورة المسلمين محتسباً ، من غير شهر رمضان ، أعظم أجرا من عبادة مائة سنة ، صيامها وقيامها . ورباط يوم في سبيل الله ، من وراء عورة المسلمين محتسباً ، من شهر رمضان ، أفضل عند الله وأعظم أجرا - أراه قال - : من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها ، فإن رده الله تعالى إلى أهله سالماً ، لم تكتب عليه سيئة ألف سنة ، وتكتب له الحسنات ، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة.

هذا حديث غريب ، بل منكر من هذا الوجه ، وعمر بن صبيح متهم.

حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا عيسى بن يونس الرملي ، حدثنا محمد بن شعيب بن شابور ، عن سعيد بن خالد بن أبي طويل ، سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة : السنة ثلاثمائة وستون يوماً ، واليوم كألف سنة."

وهذا حديث غريب أيضاً وسعيد بن خالد هذا ضعفه أبو زرعة وغير واحد من الأئمة ، وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال الحاكم : روى عن أنس أحاديث موضوعة.

حديث آخر : قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن الصباح ، أنبأنا عبد العزيز بن محمد ، عن صالح بن محمد بن زائدة ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله حارس الحرس."

فيه انقطاع بين عمر بن عبد العزيز وعقبة بن عامر ، فإنه لم يدركه ، والله أعلم.

حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا أبو توبة ، حدثنا معاوية - يعني ابن سلام عن زيد - يعني ابن سلام - أنه سمع أبا سلام قال: حدثني السلولي : أنه حدثه سهل ابن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، فأطنبوا السير حتى كانت عشية ، فحضرت الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل فارس فقال : يا رسول الله ، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا ، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين ، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال :"تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله [تعالى]".

ثم قال : " من يحرسنا الليلة ؟ " قال أنس بن أبي مرثد : أنا يا رسول الله . فقال "فاركب" فركب فرساً له ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:" استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه ولا يغرن من قبلك الليلة " فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال:" هل أحسستم فارسكم ؟

"قال رجل : يا رسول الله ، ما أحسسناه ، فثوب بالصلاة ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي يلتفت إلى الشعب ، حتى إذا قضى صلاته قال:" أبشروا فقد جاءكم فارسكم " فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب ، فإذا هو قد جاء ، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما ، فنظرت فلم أر أحداً.

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هل نزلت الليلة ؟ " قال : لا إلا مصلياً أو قاضياً حاجة ، فقال له :" أوجبت ، فلا عليك ألا تعمل بعدها".

ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن محمد بن كثير الحراني ، عن أبي توبة وهو الربيع بن نافع به.

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا زيد بن الحباب : حدثنا عبد الرحمن بن شريح ، سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول : سمعت أبا عامر التجيبي . قال الإمام أحمد : وقال غير زيد : أبا علي الجنبي يقول : سمعت أبا ريحانة يقول : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ، فأتينا ذات ليلة إلى شرف فبتنا عليه ، فأصابنا برد شديد ، حتى رأيت من يحفر في الأرض حفرة ، يدخل فيها ويلقي عليه الجحفة - يعني الترس - فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس نادى:" من يحرسنا في هذه الليلة فأدعو له بدعاء يكون له فيه فضل ؟

"فقال رجل من الأنصار : أنا يا رسول الله . فقال : " ادن " فدنا ، فقال : " من أنت ؟ " فتسمى له الأنصاري ، ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء ، فأكثر منه . فقال أبو ريحانة : فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أنا رجل آخر .

فقال : " ادن " . فدنوت . فقال : من أنت ؟ قال : فقلت : أنا أبو ريحانة . فدعا بدعاء هو دون ما دعا للأنصاري ، ثم قال : " حرمت النار على عين دمعت - أو بكت - من خشية الله ، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله."

وروى النسائي منه : " حرمت النار . . . " إلى آخره عن عصمة بن الفضل ، عن زيد بن الحباب به ، وعن الحارث بن مسكين ، عن ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن شريح ، به ، وأتم ، وقال في الروايتين : عن أبي علي الجنبي.

حديث آخر : قال الترمذي : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، حدثنا بشر بن عمر ، حدثنا شعيب بن رزيق أبو شيبة ، حدثنا عطاء الخراساني ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " عينان لا تمسهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ."

ثم قال : حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن رزيق قال : وفي الباب عن عثمان وأبي ريحانة قلت : وقد تقدما ، ولله الحمد.

حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، عن زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه معاذ بن أنس ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً لا بأجرة سلطان ، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، فإن الله يقول :{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}[مريم : 71].

تفرد به أحمد رحمه الله [ تعالى].

حديث آخر : روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة ، إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبرة قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع."].[14]

معنى "الفتان".

[(الفتان).بفتح الفاء وتشديد التاء ; أي عذاب القبر وفتنته ، أو الذي يفتن المقبور بالسؤال فيعذبه ، وقيل : أراد الدجال ، وقيل : الشيطان فإنه يفتن الناس بخدعه إياهم وبتزيين المعاصي لهم.وفي نسخة بضم الفاء.

وقال شارح للمصابيح من علمائنا : ويروى الفتان جمع فاتن ; أي نار محرقة ، أو الزبانية الذين يعذبون الكفار.

قال النووي : ضبطوه من وجهين . أحدهما : بفتح الهمزة وكسر الميم ، والثاني أومن بضم الهمزة وإثبات الواو ، والفتان رواية الأكثرين بضم الفاء جمع فاتن ، ورواية الطبراني بالفتح ، وفي سنن أبي داود وأمن من فتنة القبر.

قال الطيبي : إذا روي بالفتح فالوجه ما قيل : من أن المراد منه الذي يفتن المقبور بالسؤال فيعذبه ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم - : " فيقيض له أعمى أصم" وإن روي بالضم فالأولى أن يحمل على أنواع من الفتن بعد الإقبار من ضغطة القبر والسؤال والتعذيب في القبر ، وبعده من أهوال القيامة].[15]

لطيفة.

[روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك من طريق محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة قال : أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس ، وودعته للخروج ، وأنشدها معي إلى الفضيل بن عياض في سنة سبعين ومائة ، وفي رواية : سنة سبع وسبعين ومائة:



يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا وهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب



قال : فلقيت الفضيل بن عياض بكتابه في المسجد الحرام ، فلما قرأه ذرفت عيناه وقال : صدق أبو عبد الرحمن ، ونصحني ، ثم قال : أنت ممن يكتب الحديث ؟
قال : قلت : نعم.
قال : فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا.
وأملى عليّ الفضيل بن عياض : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أن رجلا قال : يا رسول الله علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله فقال :"هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر وتصوم فلا تفطر ؟"
فقال : يا رسول الله ، أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فوالذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت المجاهدين في سبيل الله أوما علمت أن الفرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك الحسنات"].[16]

هامش :

[1] مختارالصحاح – الرازي (1 / 267).

[2] المحيط في اللغة – الصاحب بن عباد .(2/ 319).

[3] تاج العروس من جواهر القاموس للمرتضى الزبيدي (19 / 298 :300).

[4] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (205 ، 206)- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر.

[5] لسان العرب – ابن منظور (7 / 302).

[6] تفسير القرطبي (4 / 303 : 305) - محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي.

[7] تفسير ابن كثير (2/ 195 : 197) - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي.

[8] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(2457 ، 2458) - علي بن سلطان محمد القاري.

[9] التفسير الكبير (1 /127) - الإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل.

[10] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(2457 ، 2458) - علي بن سلطان محمد القاري.

[11] البحر الرائق شرح كنز الدقائق (5 /77) - زين الدين بن إبراهيم (ابن نجيم).

[12] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(2457 ، 2458) - علي بن سلطان محمد القاري.

[13] رد المحتار على الدر المختار (4 /121 ، 122) - محمد أمين بن عمر (ابن عابدين).

[14] تفسير ابن كثير (2/ 197 : 200) - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي.

[15] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح(2458) - علي بن سلطان محمد القاري.

[16] تفسير ابن كثير (2/203) - إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: الرباط
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس سبتمبر 27, 2012 6:56 am 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14745
مكان: مصـــــر المحروسة

الصوفية والرباط.

بداية الزوايا والرُّبط .

أنشيء أول رباط ـ زاوية ـ صوفي في المشرق في عبادان، أنشاه عبد الواحد بن زيد في حوالي سنة 150 هـ ، أما في المغرب وبالشمال الأفريقي عموماً فكان أول رباط فى عام 180هـ تقريبا بالمنستير، وتلاه رباط سوسه بتونس 206 هـ ، ثم انتشرت الربط خلال القرن الثاني والثالث والرابع والخامس .

وظيفة الرُّبط وانتشارها.

نظراً لأنَّ الرباط قصد به في المقام الأول الدفاع عن الثغور ضد هجوم النصارى من البحر، فإنَّنا نجد هذه الربط لم تنتقل من سواحل شمال أفريقيا إلى سواحل المغرب الأقصى إلا فيما بعد، لتركز الهجمات المسيحية على شاطيء المتوسط ، وأيضاً لقتال المرتدين من سكان البلاد، فكان الرباط عبارة عن قلعة متقدمة وملجأ للسكان المسلمين المجاورين في حالة هجوم الأعداء .

وقد انتشرت هذه الربط كما قلنا على طول الساحل الأفريقي، وكانت وسائل الإنذار فيما بين هذه الحاميات هي إشعال النيران لتعلم بقية الربط فتقدم النجدة والعون، ولهذا نلاحظ وجودها على أعلى مرتفع في المنطقة عادة وأقربه إلى البحر.

ثم ومع بدايات القرن الخامس الهجري ابتدأ الرباط يتطور ويضاف إلى مهامه مهام أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، فقد أصبح معهداً لتعليم المسلمين، وخلال سبعة قرون من التطور أصبحت الزوايا والرُّبط جامعات علمية أكاديمية تنشر العلم الإسلامي وتخرج كبار العلماء، وتقدم المأوى والقرى لطلاب العلم وعابري السبيل، وتنشر الأمان على طول الطريق.

والأهم من هذا كله نشر الدين الإسلامي ومحاربة المرتدين، ولعلنا نلاحظ أن جميع مشركي ووثني شمال أفريقيا باستثناء أقلية ضئيلة من اليهود دخلوا الإسلام ، وهذا لاشك لكثرة الزوايا بهذه المنطقة، إذ لم توجد هذه النسبة المرتفعة من الانتشار حتى في الشام والعراق رغم وجود الخلافة بها .

صور من الزوايا.

وقد أنشأ الزاوية الدلائية الشيخ أبو بكر بن محمد الدلائي جد مؤلف كتاب ( نتائج التحصيل) فى أواخر القرن العاشر، وقد بلغت هذه الزاوية الغاية من التقدم فى العلوم، وخرّجت فطاحل العلماء ونوابغ الفقهاء، بل وكانت بمستوى جامع القرويين، فكان بها نزل مجاني للطلبة به له ما يزيد على ألف وأربعمائة مسكن حول الزاوية، وكثر المدرسون بها من مقيمين وزائرين، وشبهت مكتبتها بمكتبة المستنصر الشهيرة بالأندلس .

وهناك الزاوية العياشية التي أنشأها العياشي في (1044 هـ) المعروفة الآن بزاوية سيدي حمزة، وتقع على وادي زيز ، وكانت بمستوى الزاوية الدلائية بل وكانت منافساً شديداً لها .

والزاوية العيساوية التي أنشأها العارف بالله الشيخ محمد بن عيسى في أوائل القرن العاشر الهجري بمكناس، وكانت تدرس العلوم الإسلامية وتقدم القرى والمأوى لعابري السبيل، وكانت مأوى الرعية من جور الحكام وكهفهم الذي يلوذون به من استبداد الوزراء والأمراء من دولة بني مرين ، والزاوية التي أنشأها أبو المحاسن الفاسي في 988 هـ .

والزاوية الناصرية في وادي درعة تامكروت ، أسسها عمر الأنصاري في 983 هـ ، وكان شيخها في فترة من الفترات سيدي محمد بن ناصر الدرعي العالم المشهور .

والزاوية التي أسسها الشيخ عبد السلام الأسمر بزليتن فى الثلث الثاني من القرن العاشر، وكانت تحتوي على مكتبة كبيرة، وكانت مدرسة علمية كبيرة بالمنطقة حافظت رغم كل الظروف على كيانها ومنهجها عبر القرون، وهي أكبر معهد لتحفيظ القرآن بليبيا الآن .

والمئات غير هذه الزوايا، ويلاحظ أن كل هذا النشاط كان بالإضافة إلى قراءة القرآن الكريم، وتلاوة الأذكار، وتربية المريدين التربية الإسلامية الصحيحة.

رحلة ابن بطوطة.

ويخرج ابن بطوطة فى رحلة من طنجة عام 725 هـ ليظل ولمدة 28 عاماً في تنقل وأسفار، طاف فيها بآسيا وأفريقيا والأندلس ، وليضع كتاباً يذكر فيه ما يقرب من مائة وثلاثين زاوية كانت تقدم الطعام وتقري الضيف، وتقدم للمسافر الأمن والطمأنينة، بل وتعطيه الزاد والثياب في طول البلاد الإسلامية وعرضها وحتى غرب آسيا .

زوايا مصر.

وتضاف في مصر لبعض الزوايا مهمة جديدة ، وهى إيواء النساء اللاتي طلقن أو هجرن ولا مأوى لهن، حتى يتزوجن أو يرجعن إلى أزواجهن في أقسام خاصة صيانة لهن، بفضل ما كان فيها من شدة الضبط وغاية الاحتراز والمواظبة على الطاعات، وإشراف من قبل نساء مؤهلات على غرار المدارس النسائية الداخلية في عصرنا هذا .

المصدر : كتاب الحجة المؤتاة للشيخ أحمد سالم القطعاني.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 2 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 8 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط