في الستينات سرت موجة انقلابات عسكرية في العالم العربي واستطاع العسكريين في دول عربية كليبيا واليمن وسوريا والعراق من الوصول إلى الحكم .
والصومال لم يكن استثناء .
وكان على موعد مع الحكم العسكري في 3 نوفمبر 1969م .
ففي ذاك العام تم اغتيال الرئيس الصومالي عبد الرشيد شرماركي على يد أحد حراسه الشخصيين في حادثة غامضة لم تعرف أسبابها .
وبعد عدة ايام استمر فيها الجدل بين البرلمانيين على التوافق حول رئيس جديد أعلن الجنرال سياد بري قائد الجيش الصومالي
تشكيل مجلس لقيادة الثورة أي ثورة انقلابه علي الحكم .
ثم ترآس هذا المجلس واستولى بموجبه على مقاليد الحكم في البلاد .
وعندما تولى سياد بري الحكم كان في مقديشو 88 حزب متصارع وكانت البلاد تقترب من صراع قبلي فتدخل الزعيم القائد سياد بري ومعه الجيش فنهضت الصومال وتقدمت إلى مستوى مشهود ، والأرقام لا تكذب .
فقد قام علي الفور بإلغاء الدستور وحلّ الاحزاب والبرلمان ومنع الكثير من السياسيين العمل ، واستطاع هو وحكومته العسكرية من تحقيق الاستقرار والأمن في البلاد المضطربة والمزدخرة دوما بالصراعات والحروب الأهلية .
وقد امتد حكم سياد بري إلى عام ١٩٩١وكان قد تبنى نظاماً اشتراكياً مدعوماً من دول الاتحاد السوفيتي ، وقد اتسم عهده بالصرامة وسلطة الرجل الواحد .
واجه حركات تمرد في شرق وشمال غرب الصومال فقابلها بالقبضة الحديدية للجيش الصومالي .
ونجح في توحيد بلاده .
وبعد وقت قصير من وصوله إلى السلطة جعل سياد بري اللغة الصومالية اللغة الرسمية وقاد مشروع كتابة اللغة الصومالية التي كانت تنطق ولا تكتب .
وانخفضت الأمية في عهده بشكل كبير .
وجعل الولاء والإخلاص للوطن وللثورة ، وتم إصدار عدة قوانين تحظر القبلية .
وقام في فترة السبعينات والثمانينات بمشاريع مهمة في الصومال مثل:
إنشاء شبكة من البنوك والأسواق التجارية في كل المدن الرئيسية .
وضم الصومال لمنظمة المؤتمر الإسلامي 1970م .
وإنشاء التليفزيون الصومالي بدعم من الكويت.
وربط جميع المدن الرئيسية بشبكة من الطرق الحديثة بدعم من الصين .
وتوصيل الكهرباء والماء والمدارس والمراكز الطبية والاتصالات لجميع المحافظات .
وتبني حملات لدعم الثقافة والفنون وحقوق المرأة .
وابتعث الألوف من الطلبة للجامعات العربية والأجنبية .
واستقدم المئات من الخبراء من مصر والهند وإيطاليا وأمريكا .
كما قام بتطوير المطارات و الموانىء .
وازدهرت الشركة الوطنية للملاحة وشركة الطيران الصومالي .
واستطاعت الصومال في بداية الثمانينات أن تحقق اكتفاءً ذاتياً من الأطباء والممرضات والمهندسين والمدرسين وفائضاً من المواد الغذائية .
وقامت بتصدير اللحوم والخضروات والفواكه والسكر والأسماك وكانت أكبر مصدر لهذه المنتجات في العالم .
كما لعب سياد بري دوراً مهماً في استقلال جيبوتي أو الصومال الفرنسي ١٩٧٧م .
وسعى نحو المصالحات بين الدول الأفريقية .
وعارض المقاطعة العربية لمصر بعد كامب ديفيد بشدة حينما قاطعت جميع الدول العربية الرئيس أنور السادات .
فقد تمتع بعلاقات قوية و وثيقة مع أنور السادات .
كان سياد بري رجلاً وطنياً غيوراً علي وطنه ومحافظاً عليه .
فكان الرجل الوحيد الذي يمكن أن يقال عليه أنه أرسي قواعد الدولة في الصومال وسعي بها إلى حظيرة المجتمع الدولي .
ولأن الصومال دولة قد قويت شوكتها بزعامة سياد بري فلابد إذن أن تستعد الدول العظمى في الانقضاض عليها وتفتيتها كما هو الحال دوماً مع أي دولة تتجه نحو النهوض .
ففي عام 1977م كانت الحرب الصومالية الإثيوبية ، والتي شكلت مرحلة مفصلية في حكم سياد بري .
فقد قرر سياد بري تحرير إقليم أوجادين الإقليم الخامس لدولة الصومال .
والذي تنازلت عنه بريطانيا لإثيوبيا كمكافأة قبل رحيلها إبان فترة الاستعمار بسبب دعم إثيوبيا للحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وشجعت سياد بري الدول العربية وعلي رأسها مصر دخوله هذه الحرب لاستعادة ارض بلاده .
وفي 12 يونيو 1977 شنّت الصومال بالتعاون مع جبهة تحرير الصومال الغربي هجوماً على قوات إثيوبيا في أوجادين والتي لم تتوقع هجوماً كهذا وبالتالي لم تكن مستعدة للتصدي له .
وحين وجدت الولايات المتحدة أن الصومال يحقق تقدماً ملحوظاً في القتال أعلنت فجأة دعمها له بتزويده بالأسلحة وبعد أيام قلائل من هذا الإعلان تبعتها بريطانيا وفرنسا .
وظن الصومال أن في الإعلان الامريكي ضوءاً أخضراً للمضي قدماً نحو تحرير أوجادين .
ولكن بعد أن تمكنت القوات الصومالية من التغلغل وتحرير ما يقارب 90% من أراضي أوجادين تخلت أمريكا وتبعتها بريطانيا وفرنسا في أوائل سبتمبر 1977م عن تعهداتها السابقة .
ورفضت أي تسليم فوري للأسلحة إلى الصومال مشترطة لهذا التسليم انسحاب القوات الصومالية من أوجادين .
نلاحظ هنا المكر الغربي في إدارة تدخلاته حيث قامت أمريكا بإغراء الصوماليين بالأسلحة وبناءً على ذلك سعى الصوماليون إلى تحرير أوجادين ظناً منهم أن الغرب معهم .
وعندما توغل الصوماليون في الأراضي الإثيوبية ووصلوا إلى مرحلة يصعب فيها التراجع أعلن الغرب عدم تسليم الأسلحة للصومال وحجة الغرب في ذلك أنه لا يريد تصعيد الحرب بتسليح القوات الصومالية .
وأن نجاح الصوماليين في أوجادين قد يشجعهم علي ضم جيبوتي وإقليم النفدي الواقع تحت السيطرة الكينية .
وفجآةً أيضاً أعلنت الولايات المتحدة لدعمها لإثيوبيا .
و تدارك الإثيوبيون الهزيمة ، وشنّوا هجوماً مضاداً ليس فقط بدعم من الولايات المتحدة ولكن بدعم الاتحاد السوفييتي أيضاً 'الحليف القوي لسياد بري !!!!!!!!!
حيث أعلن الاتحاد السوفيتي عن غضبه من سياد بري لقراره دخول حرب أوجادين دون استشارته !!!!
فشكل الدعم السوفيتي لإثيوبيا ضربة قاصمة لنظام سياد بري ،الذي لم يفلح في الحفاظ على مكتسباته الأولية في الحرب بالرغم من دعم مصر ودول الخليج له .
وتابعت القوات الصومالية تراجعها وانسحابها حتى عادت خالية الوفاض إلى مقديشيو .
كان من تداعيات هذه الحرب انتهاء "شهر العسل" بين السوفييت وسياد بري .
فأوقف السوفييت إمداد الصومال بالذخائر والأسلحة ، وطرد سياد بري كل الخبراء والمواطنين السوفييت من الصومال ومزق معاهدة الصداقة والتعاون .