اشترك في: الخميس يونيو 14, 2007 2:19 pm مشاركات: 5970
|
مراقبة القاهرة من واشنطن
http://www.alwafd.org/%D9%85%D9%82%D8%A ... 8%B7%D9%86
تحت هذا العنوان، نشر الباحث بمجلس شيكاغو للشئون الدولية نبيل خورى مقالاً على قناة الشرق الأوسط فى 6/9 يوضح كيف يفكر العدو الأمريكى وكيف يقيّم ما يحدث فى مصر بعد انهيار مخططه الاستعمارى بتقسيم الشرق الأوسط من جديد إلى دويلات،
والذى كان عملاء أمريكا من الإخوان المسلمين رأس الحربة فيه، يقول «خورى»: قامت أمريكا فى السنوات الأخيرة بإجراء اختبارات صعبة للوضع فى مصر، هل كانت أحداث 25 يناير سنة 2011 ثورة؟ هل كان انتخاب الرئيس الإخوانى محمد مرسى رئيساً هو بداية ثورة من نوع مختلف؟ هذه الأسئلة لم تكن أكاديمية، وبصفتى مدير المخابرات والبحوث للشرق الأوسط فى وزارة الخارجية الأمريكية فى السنوات الأخيرة، رأيت عن قرب أن حكومتنا كانت مشغولة بهذه الأسئلة فى أعلى مستويات الحكومة، وكان عجزنا عن إجابة هذه الأسئلة حتى لأنفسنا يصيبنا بالشلل، كانت مشكلتنا الكبرى هى اتخاذ قرارات صعبة من سوريا إلى إيران إلى مصر، والآن نعود لمصر، ففى كل حالة كانت المبادرة الواجبة من جانبنا تؤجل حتى تاريخ مستقبل، وعندما يحل التاريخ كنا نتخذ القرار فى أسوأ الأوقات مناسبة، عندما لم يكن التأجيل ممكناً.
والحقيقة أن المحللين فى الحكومة فوجئوا بالأحداث فى تونس ومصر عندما وقعت فضخامة ما حدث فى تونس أدهشت أعماقنا تفكيراً، وعند اليوم الثالث للأحداث فى مصر 2011 كنا واثقين أن حسنى مبارك سيسقط، كنا نشاهد على شاشات التليفزيون الانعدام الكامل للخوف بين المتظاهرين وهم يطاردون عربات البوليس المحترقة، أدركنا أن شيئاً جذرياً قد تغير، وكان المسئولون لدينا الذين لم يروا فى أحداث ميدان التحرير ثورة ينصحون الحكومة بالصمود عمن واقع ولائهم لمبارك، ولحماية مصالح أمريكا الأمنية من المجهول الذى قد يحدث لو سقط مبارك، ولكن القيم الأمريكية والتحليل الدقيق للأوضاع هما اللذان انتصرا لحسن الحظ، وتخلينا عن مبارك الذى وقف فى وجه إرادة شعبه. ثم اتجهنا إلى فكرة أن انتخابات حرة هى الحل الأمثل لصالح مصر والمنطقة وأمريكا، وتوقعنا فوز الإخوان المسلمين فى هذه الانتخابات، ليس لأنهم الأغلبية ولكن لأنهم كانوا أكبر المجموعات السياسية وأكثرها تنظيماً، كما توقعنا أن العسكريين لن يحرموا الإخوان من الفوز، كما لم يقفوا فى وجه الثورة ضد مبارك، وكان تحليل الدوائر السياسية لدينا هو أن الإخوان سيحترمون بعض الخطوط الحمراء، خاصة فى السياسة الخارجية ومسائل الأمن الإقليمى، وكانت هذه الخطوط الحمراء هى أمريكا وإسرائيل والسعودية والجيش المصرى، وفى المقابل سيسمح الجيش للإخوان بالحكم، وكانت نسبة الـ20٪ التى حصل عليها السلفيون مفاجأة لنا تماماً، ولكنها لم تكن مفاجأة تمنع الإخوان المعتدلين من الحكم بأسلوب وسطى يوازن بين طرفى خصومهم السياسيين على الجانبين.
وصعد «مرسى» للسلطة كرئيس، كنا فى البداية معجبين بمسلكه، فقد قام بخطوات عملية فى مجال السياسة الخارجية، مثل قبوله للترتيبات الأمنية مع إسرائيل، وزيارته لإيران، مع احتفاظه ظاهرياً على الأقل باحترامه للسعودية، ولكن لم يعجبنا دخول «مرسى» فى صراع كريه مع مؤسسة القضاء ومع البيروقراطية، كان يعين ويفصل الموظفين دون أى قيود، وبدا أن مكتب إرشاد الجماعة كان صاحب هذه القرارات، وكان زملاؤنا الذين لم يعتبروا 25 يناير سنة 2011 ثورة أكثر من استاء من تصرفات «مرسى»، خاصة عبثه بمؤسسة القضاء ذات التاريخ العريق فى الحرفية.
ولمعرفته بالتاريخ العدائى الطويل بين الجيش والإخوان، ولأن كبار الموظفين كانوا كلهم ممن عينهم مبارك، كان طبيعياً أن يحاول مرسى التخلص من أعمدة النظام السابق، ولا شك أن دارسى الثورات سيتذكرون أن أليندى، رئيس شيلى، ارتكب خطأ قاتلاً بمحاولة التعاون مع النظام الذى أسقطته الثورة، ودعوته لأقطابه لمشاركته فى الحكم، فمنح الفرصة للبيروقراطيين وزعماء العمال والعسكر فضلاً عن الدور الأمريكى فى التآمر ضده وإسقاطه، ولذلك فلا يمكن لوم «مرسى» على محاولة بناء نظام جديد بأشخاص جدد أكثر ولاء للثورة منهم لمبارك ولكن خطأه الواضح كان ظنه أن الـ52٪ الذين انتخبوه يمكنونه من بناء حلم الإخوان الطويل فى دولة إخوانية، وتجاهله التام للنصف الآخر فى مصر.
افترض «مرسى» أنه كرئيس فإنه يملك الشرعية كلها، ولم يدرك مدى حاجته الماسة لحلفاء من خارج حزبه ليسير حكمه فى سلام، وأن مصر الجديدة لا يمكن أن تكون صورة إخوانية صرفة، وأن واجبه كان إشراك الثوريين من غير الإخوان الذين كان لهم دور رئيسى فى إسقاط مبارك.
لعب الجيش فى مصر اللعبة ببراعة، لكسب الوقت، وربما العمل من وراء الكواليس كما لاحظ أصدقاؤه فى أمريكا وأوروبا، انتظر اللحظة المناسبة لإسقاط «مرسى»، وقد عبر الكوميدى المصرى باسم يوسف عن ذلك بتصوير «مرسى» فى صورة ثور لا يدرى ما يجرى حوله وفى النهاية لا يصلح لحكم مصر، ولكن إلى أين يأخذ العسكر الدولة المصرية بعد أن أخذوا مفاتيحها من الإخوان وجلسوا وراء عجلة القيادة؟ طبعاً لا يتصور أنهم يفكرون فى إعادة مبارك للحكم، ربما كان الإفراج عن مبارك مقابل وعد من العسكر للسعودية مقابل 12 مليار دولار وعد من السعودية بمعونة لمصر، (ولم يتم دفعها للآن حسب علمنا).
فى عالم عاقل فإن الإخوان والعسكر وأركان حكم مبارك، وحتى المثاليين من حركة 6 أبريل وغيرهم من المعارضة المدنية الليبرالية يجب أن يجلسوا جميعاً معاً ويجمعوا أفكارهم بأمانة، كما فعل الآباء المؤسسون لأمريكا منذ ثلاثمائة عام ليتفقوا على بناء دولة حديثة ديمقراطية، ولكن المزاج العام فى الشارع المصرى حالياً شديد التنافر بما لا يسمح بإجراء حوار وطنى عام، لقد وضع الفيلسوف السعودى الراحل والمنفى طبعاً، عبدالله القسيمى كتاباً عن هذا الوضع مقترحاً الحل من عنوان الكتاب نفسه وهو «العالم ليس عاقلاً»، ففى العالم الواقعى الذى نعيشه، فإن ما يحدث فى مصر وفى الشرق الأوسط عامة ليس طريقة عقلانية لإعادة كتابة العقد الاجتماعى، ولكنه صراع وحشى على السلطة، إن الإخوان المسلمين لا يستطيعون المشاركة فى جهد إعادة بناء الدولة ولهم أكثر من ألفى شخص من قياداتهم خلف القضبان، ويبدو أن «السيسى» مُصر على إبقائهم خلف القضبان، والاحتمال الأكبر أنه بدلاً من الوصول لتوافق قومى عام، فإن مختلف الأحزاب فى مصر ستستمر فى تحقيق مصالحها الأنانية مهما كان الثمن الذى يدفعه المواطن العادى.
والسنون المقبلة لا تبشر إلا بالدم والعرق والدموع كما قال تشرشل يوماً، وماذا يكون موقف أمريكا وحلفائها فى هذه الحالة؟ لم يتوقع أحد انفجار ثورة الربيع العربى، لا فى توقيتها ولا فى عمقها، وعندما اشتعلت الثورة كان يجب علينا أن نكون أكفأ وأسرع ونعد بدائل ونتنبأ بالنتائج، كان يجب علينا التنبؤ بتدخل الجيش نظراً لأخطاء مرسى الفادحة، وقد استغرقنا ثلاثة أسابيع لتقرير ما إذا كان ما حدث انقلاباً، وهو أمر لا يليق بدولة عظمى.
وأحد أسباب تخبطنا بالنسبة لحالة مصر هو قبولنا لسنوات طويلة تجديد حقنا فى تقديم النصيحة لمصر، كما فرض مبارك علينا، إن الخطأ ليس فى تسارع الأحداث، بل فينا نحن، إن أمريكا والعالم لا يستطيعون الاكتفاء بالمشاهدة، بينما تتفجر الأحداث الدموية فى أكثر الدول العربية سكاناً، وذات موقع فريد على النيل وعلى حدوده كل من إسرائيل وقطاع غزة، إن المليارات السعودية فى حد ذاتها لن تحل مشاكل مصر فى المدى الطويل، وقطع المعونة الأمريكية عن مصر كأداة ضغط لن يجدى فى هذه المرحلة المتأخرة من اللعبة السياسية، إن مصر تحتاج قبل كل شىء لتسامح سياسى، وإلى خطة اقتصادية جريئة على مدى عدة سنوات، وبالنسبة لأمريكا ففى ضوء سوء السمعة الشديد وسط معظم المصريين، فإنها لا تستطيع القيام بهذه المهمة وحدها،إننا نستطيع بل ويجب علينا المساعدة فى وضع برنامج لتحالف من المانحين يضم الاتحاد الأوروبى واليابان وحتى روسيا والصين إذا قبلتا الاشتراك، وذلك للضغط تحت راية الأمم المتحدة نحو إجراء حوار قومى جاد بين القوى السياسية فى مصر، وتكون الجزرة المغرية التى نلوح بها لمصر هى مشروع مارشال دولى لإخراج مصر من هذه الكارثة الاقتصادية الحالية بها.
وإلى هنا ينتهى التقرير الأمريكى عن نظرة أمريكا لوضع مصر، والغضب الشديد الذى يعتريها لعجزها عن توجيه الأحداث للوجهة التى تراها كما اعتادت أن تفعل طوال حكم مبارك وسنة حكم مرسى المشئومة، والإصرار المحموم على إبقاء الإخوان المسلمين على الساحة، رغم كل الجرائم التى يقومون بها، وكل الإرهاب الذى يمارسونه هم وحلفاؤهم فى عصابات حماس بغزة والقاعدة التى مكن مرسى مجرميها من التسلل لسيناء، وأخيراً التلويح بجزرة الإنقاذ الاقتصادى عن طريق حلف دولى تقوده أمريكا، ومفهوم من السياق أن من لا يقبل الجزرة فليس لها إلا العصا، ولكننا نقول للمحلل الأمريكى: شكراً على اهتمامك ونصائحك غير المقبولة منا، ونؤكد له أن مصر ستقوم من كبوتها الاقتصادية والسياسية على سواعد وأكتاف أبنائها، وفى حراسة جيشها الوطنى الشريف الذى يقوم حالياً بسحق الإرهاب فى سيناء وفى الوادى سواء رضيت أمريكا وحلفاؤها الغربيون أم لم يرضوا.
_________________ ومن دخل حصن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يضام
|
|