موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: ترويض الأمم
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يناير 08, 2015 5:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد إبريل 15, 2012 12:39 pm
مشاركات: 10504

عبدالرحيم على يكتب.. الطريق إلى 25 يناير "الحلقة الثالثة"
78 6Google +0الأربعاء 07-01 - 09:28 م



- من ترويض النُّظم إلى ترويض الأمم
- الشعوب العربية في الأدبيات الأمريكية «همج» ويجب تأديبهم وتهذيبهم
- التدخل في الصراع بين القذافى ومعارضيه يكشف تعدى الأسلوب الأمريكى إلى تأديب النظم
- رايس بشَّرت بولادة شرق أوسط جديد ووصفت العدوان على لبنان بـ«آلام المخاض«
- بارنيت: أمريكا هي القوة الوحيدة القادرة على فتح باب التغيير في الشرق الأوسط

لا يمكن أن نبدأ حديثا عن 25 يناير وما حدث في مصر وعدد من الدول العربية بعد ذلك دون أن نتطرق إلى الحديث عن الأجندة الغربية تجاه الشرق الأوسط، والحديث هنا ليس حديثًا ثانويًا يمكن تجاهله أو تناوله بمعزل عما حدث ويحدث في المنطقة منذ سنوات، خاصة تلك التحولات والأحداث التي رسمت خرائط ما عرف بـ«الربيع العربى»، فأمريكا ودول الغرب تعلن صراحة عن رغبتها في مزيد من التفتيت للأمة العربية في ضوء اعتبارين: الأول: يتعلق بإدراكها لقدرات الجيوش العربية وقوتها، ومدى الخطر الذي يحيط بإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 والموقف العربى الموحد إبانها خاصة قوة الجيش المصرى التي ظهرت بوضوح أثناء الحرب.
والثانى: هو قيام الدول العربية بتوظيف سلاح النفط للضغط على أمريكا في موقفها تجاه إسرائيل، الأمر الذي مثل دافعًا مهمًا للسيطرة على تلك الثروات.
يهدف مشروع ترويض الأمم إلى وضع الدول العربية بالذات تحت وصاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالمعنى الفعلى لنظام الوصاية «De facto»، وإن لم يكن بالمعنى القانونى الدقيق «De juri» تتمثّل هذه الوصاية في التخطيط الدقيق لمعالم التغيير الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه في بنية المجتمعات العربية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، ولا تقتصر المسألة على التخطيط فقط، ولكنها تتعدى ذلك إلى الإشراف الدقيق على التنفيذ، من خلال الإدارة الأمريكية والأوروبية مباشرة.
وبصرف النظر عن فشل هذا المشروع، فهناك أهمية لتعقب أصول النزعة الأمريكية للتدخل في شئون الدول، ويمكن فهم هذا من خلال أحد المراجع العميقة في الموضوع للدكتور «نوثروب» أستاذ الفلسفة والقانون في جامعة «ييل«Yale ، بعنوان «ترويض الأمم: دراسة في الأسس الثقافية للسياسة الدولية»، الذي نشرته دار «ماكميلان» عام ١٩٥٤، وهذا الكتاب من أعمق ما يمكن في التحليل الثقافى للعلاقات الدولية، ويتضمن نقدًا جَسورًا لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في آسيا وإفريقيا، في فرض هيمنتها ولجوئها إلى سلاح المساعدات الاقتصادية لإخضاع الدول النامية.
وكلمة «الترويض» في العنوان لها أكثر من دلالة، ذلك أن الكلمة في معناها الأصلى تنصرف إلى ترويض الوحوش ونزع سلوكها العدوانى وإخضاعها حتى تصبح ألعوبة في يد المروِّض، أما في العلاقات الدولية، فترويض الأمم يعنى ببساطة أن المروِّض- وهو هنا «الدولة العظمى القادرة»- سيتجه إلى الشعوب الهمجية أو البربرية، لو استخدمنا لغة الأنثروبولوجيا الاستعمارية في القرن التاسع عشر، أو الدول المارقة Rogue Countries بلغة الخطاب الأمريكى الرسمى الآن، لكى يفرض عليها الالتزام بالنظام وفق القيم التي تؤمن بها كأنها قيم عالمية وليست قيمًا إمبريالية.
وإذا كان عنوان «ترويض الأمم» تعبيرًا دبلوماسيًّا عن نزعة الهيمنة الأمريكية، فإن مرجعًا آخر كان أكثر صراحة في التعبير عنها، فوضع عنوانًا هو «تأديب الأمم»، وله عنوان فرعى هو «ثورة الحقيقة في تغيير الثقافات»، وألّف الكتاب دارو ميللر، وستانت بوترلى، ومما يلفت النظر بشدة، أن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس جورج بوش الابن تحاشت استخدام هذه المفاهيم التي تكشف عن فجاجة التدخل الأمريكى وعدم مشروعيته، ولذلك لجأت إلى مصطلح ذائع في علم السياسة، وهو بناء الأمم «nation building»، لتشير إلى سياسات التدخل الأمريكى في أفغانستان والعراق.
والواقع أن مَن يراقب التدخل المباشر لحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الدموى الذي دار بين نظام العقيد معمر القذافى المتهاوى وقوى المعارضة، يجد أن أنسب عنوان لهذه المرحلة ليس «ترويض الأمم» ولكن «تأديب النظم»، ويمكن لنا أن نعبر عن دهشتنا البالغة لأن الرأى العام العربى لم يستنكر بالقدر الكافى تدخل حلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في الصراع الليبى بين المعارضة والنظام الاستبدادى لمعمر القذافى، فكان لا بد من إدانة هذا التدخل، انطلاقًا من مبدأ رفض التدخل الأجنبى في الشئون الداخلية العربية، حتى ولو كان ذلك لنصرة المعارضة ضد نظام استبدادى، لأن معنى ذلك إضفاء الشرعية العربية على نزعة التدخل الدولى في شئون الدول، وفى مقدمتها الدول العربية، والتي ينبغى على قوى المعارضة فيها أن تعتمد على نفسها لاقتلاع النظم السلطوية من جذورها.


الفوضـــى الخلاقــــة

في شهر سبتمبر عام ٢٠٠٢، أعلنت «كونداليزا رايس»، مستشارة الأمن القومى الأمريكى، أن الولايات المتحدة تريد تحرير العالم الإسلامى، ونشر الأسلوب الديمقراطى في ربوعه أولًا، وتريد ثانيا تغيير الأنظمة السياسية العربية، وفى السابع من أغسطس ٢٠٠٣ عادت كونداليزا رايس مرة أخرى لتتحدث عن المشروع الأمريكى الخاص بالتغيير في الشرق الأوسط وذلك عبر مقال لها في صحيفة «واشنطن بوست» بعنوان «تأملات في التحول المنتظر بالشرق الأوسط» جاء فيه أن الولايات المتحدة سبق لها أن تعهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بقليل، بتحويل أوروبا في المدى البعيد وقد التزمت بذلك مع الأوروبيين بالديمقراطية والازدهار، «وهو ما تمكنّا من تحقيقهما اليوم، والآن يتعين على الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها العمل من أجل تحقيق تحول في المدى البعيد في جزء آخر من العالم وهو الشرق الأوسط.«
وعادت «رايس» لتبشر بولادة «شرق أوسط جديد»، سينمو ليحقق «حلًا سحريًّا» لعلاج أزمات المنطقة المزمنة، حيث وصفت العدوان على لبنان بأنه «آلام مخاض لولادة شرق أوسط جديد»، ووضحت عبارتها بالآتى: «حان الوقت لوجود شرق أوسط جديد.. حان وقت القول لمن لا يريدون «شرق أوسط» جديدا إن الغلبة لنا».
ثم تعترف رايس بأن مسيرة تحول الشرق الأوسط لن تكون سهلة، وستأخذ وقتًا من جانب الولايات المتحدة وأوربا، ووفقا لتصريحات كبار المسئولين الأمريكيين، فإن إدارة الرئيس الأمريكى بوش دعت في يونيو ٢٠٠٤ الحكومات العربية وحكومات دول جنوب آسيا لتبنى إصلاحات سياسية كبرى ومنها إقامة نظم للمحاسبة فيما يتصل بانتهاكات حقوق الإنسان وبالذات ما يتصل منها بحقوق المرأة، وكذلك العمل على طرح بعض الإصلاحات الاقتصادية.
وفى أبريل عام ٢٠٠٥ وفى إجابتها عن سؤال وُجه لها، عن الفوضى التي يمكن أن يولّدها التدخل الأمريكى في «الشرق الأوسط»، قدمت رايس الفرضية التي تقوم عليها نظريتها، وهى: «أن الوضع الحالى ليس مستقرًّا، وأن الفوضى التي تنتجها عملية التحول الديمقراطى في البداية، هي فوضى خلاقة، ربما تنتج في النهاية، وضعًا أفضل من الذي تعيشه حاليًّا».
وفى حديثه عن الفوضى الخلاقة حدد «توماس بارنيت»، أحد أهم المحاضرين الرئيسيين في وزارة الدفاع، منطقة «الشرق الأوسط»؛ للبدء بتطبيق الاستراتيجية الجديدة بها، ورأى أن الدبلوماسية لا تعمل في منطقة، لا تكمن مصادر التهديد الأمنية فيها في علاقات الدول البينية، بل هي في داخل دول المنطقة- ذاتها- ثم وصل بارنيت إلى مرحلة الفوضى الخلاقة، إذ تصور شكلًا معينًا لحدوثها، من نوع الانهيار الكبير، أو التفكك الإقليمى.
وينظر «بارنيت» إلى التدخل المباشر من قوى خارجية باعتباره العامل المساعد الأعظم من أجل حدوث الفوضى الخلاقة، إذ يقول: «إن الشىء الوحيد الذي سيغير المناخ الشرير، ويفتح الباب لفيضان التغيير، هو أن تتدخل قوة خارجية لتفتح باب التغيير، ونحن الدولة الوحيدة، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي يمكنها ذلك»، ثم يحسم حدود هذه النظرية، بالقول: «إن هدف هذه الاستراتيجية، هو انكماش الثقب، وليس مجرد احتوائه».
هذه الفكرة، أكدها «جار هارت»، الخبير في الاستراتيجية والأمن القومى، عندما أشار في كتابه «القوة الرابعة»إلى أنه «يجب على ناشر الديمقراطية أن يأخذ في الحسبان هذا العصر الثورى، وأن يأخذ في الحسبان أن الحقيقة الواقعة الثورية السياسية الجديدة، هي سيادة الأمة الدولة»، أي أن مفهوم (الأمة - الدولة)، يجب أن يطغى على مفهوم (الدولة - الأمة) (١).


الاستراتيجيـــة والأدوات

استندت الاستراتيجية الغربية في تحقيق هدفها إلى مرحلتين:
المرحلة الأولـــى: تكشَّفت- كما تذهب إليها نظرية الفوضى الخلاقة- في العراق، حيث حقق الأمريكان هدفًا مزدوجًا؛ فقد دمروا جيشًا عربيًّا قويًّا وأشعلوا حربًا أهلية، ودقوا نزاعًا بين السنة والشيعة كان له تأثير سيئ على امتداد المنطقة، كما تدخل الغرب لتقسيم السودان إلى نصفين، وخلقوا دولة جديدة في الجنوب في حالة عداء ومواجهة مع العرب والمسلمين في الشمال، وفى ليبيا، ودمر الناتو جيشًا عربيًّا آخر، حتى إن الأسلحة الغربية غذَّت الخصومة بين الميليشيات المتصارعة التي تقاسمت ما تبقى من الدولة الليبية.
المرحلــة الثانيــة: جاءت مع التمويل الغربى للحركات الثورية التي تتكون من ناشطى الإنترنت والمنظمات غير الحكومية وناشطى حقوق الإنسان، الذين ساهموا في تفريخ الفتنة في الوطن العربى، ومع تشظى الأنظمة العربية وسقوطها، جاءت القوى الغربية لتضخيم حالة الاضطراب، وهذه المرحلة تتضمن عددًا من الإجراءات، أهمها: الخروج في تظاهر جماعى، واستفزاز الأمن من قبل عناصر مندسة أو من قبل مخترقين من جهاز الأمن نفسه، سقوط الأمن في انهيار مفاجئ، شيوع الفوضى، هجوم جماعى من الخارجين عن القانون لترويع الآمنين بشكل متزامن في طول البلاد وعرضها، والانقضاض على بقايا من جهاز الأمن وسحقه بشكل متزامن ومترابط، والدعوة لاستمرار التظاهر لتغييب المتظاهرين عما يحدث في الواقع، والدفع ببعض الرموز التي يتعلق بها المتظاهرون لحثه على الاستمرار، واللعب بعقول المتظاهرين وتضخيم دورهم لكى يدفعهم هذا لتوهم أنهم يحصلون على مكاسب، وشغل الجهات القادرة على إحداث التوازن مثل الجيش بقضايا فرعية لشغله عن مهمته الأساسية التي هي الدفاع عن الوطن ضد التهديدات الخارجية، ومحاولة زعزعة النظام والجبهة الداخلية، وإفساد أي محاولات للتهدئة لكى يبقى الوضع كما هو عليه لكى تسقط الدولة في انقسامات مما يؤدى إلى ثورة عارمة(٢).

من هنا، قرر الغرب وأمريكا الابتعاد عن «القوة الخشنة «Hard Power والاتجاه إلى «القوة الناعمة «Soft Power التي ستمكنها من تنفيذ المخططات بالكامل دون أي خسائر بالأرواح والأموال من جانبها لذلك فقد عمدت إلى تغيير الأنظمة عبر تحريك الشارع العربى من خلال وكلائها والمتدربين على التنظيم السياسي والجماهيرى لديها وكيفية التأثير في الرأى العام وإعداد الدورات والتدريبات خارج بلدانهم للشباب المتطوع من خلال منظمات المجتمع المدنى مثل «معهد أينشتاين» لمؤسسة جين شارب Gene Sharp، الذي قام بدور كبير في هذا المجال، من خلال إعداد مجموعة من القيادات الشابة حول أساليب التأثير غير العنيف «كفاح اللاعنف» كما يطلق عليه، إضافة إلى التدريب على الوسائل التقنية الحديثة في وسائل الاتصال الجماهيرى من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، وأكاديمية التغيير برعاية قطرية.
لكن الأهم هو ما جاء في مقال المخرج «رواريد أرو» المنشور بإحدى الصحف العربية والذي تحدث فيه عن دور الخبير الأمريكى في الثورات السلمية «جين شارب «Gene Sharp الذي لعبت كتاباته وأفكاره وبخاصة كتابه «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية» دورًا مؤثرًا وخطيرًا في تفجير الثورات في العالم، من صربيا مرورًا بأوكرانيا وتايلاند وصولًا إلى إندونيسيا، والذي يعتبر واجهة لجهاز الاستخبارات الأمريكية، تساند هذه التحركات الإعلام المسخَّر والمستأجَر لهذا الغرض لتغطية الأحداث وتقديم الدعم الإعلامي الكامل لهذه التحركات من خلال الفبركة الإعلامية وشهود العيان مدفوعى الثمن(٣).

وبهذا المفهوم، فإن «الفوضى الخلاقة» استمرت (كأداة) وليست هدفًا، وعندما تتعثر «الفوضى الخلاقة» سياسيا، وهى في بدايتها متعثرة، كما حدث في مصر وأنقذ الجيش المصرى الوطن، فإنها تقرر استخدام وسلوك سبل أخرى بعد التعثر؛ منها: الأعمال العسكرية المباشرة، والأعمال العسكرية غير المباشرة، والضغوط السياسية والاقتصادية، واستخدام (الإعلام) كديكتاتور أكبر يجمل وحشيته، ويعيث فسادًا في العقول ويضع «التشابك والفوضى والتفكيك» كحالة عقلية وفكرية ونفسية أمام الشعوب، ودعم وتزعم معظم حركات المجتمع المدنى من وراء ستار(٤).



لمــــاذا الإسلاميــون؟

قبل أكثر من ثلاثين عامًا تقريبًا وفى ذروة الحرب الأفغانية الروسية تسرب تقرير استخباراتى أمريكى يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في التيارات الإسلامية بديلًا محتملًا للحكومات في المنطقة العربية، اليوم وبعد أكثر من عقد من الزمن في محاولة تنفيذ مصطلح الفوضى الخلاقة يجد العرب أنفسهم أمام أزمات فكرية وسياسية وثقافية ساهم فيها الربيع العربى كما يسميه العرب ونظرية الشرق الأوسط الجديد كما يسميه الغرب، ولعل السؤال المهم: كيف استطاع الغرب تمرير هذه الفكرة الاستعمارية مستغلًا جمودًا سياسيًّا وأوضاعًا اقتصادية ساهم هو أساسًا في صعودها؟
في الحقيقة، فإن الواقع السياسي للعالم العربى مقارنة بالغرب يعتبر محفزًا رئيسيًّا للشعوب للمغامرة، تحت أي نظرية يمكن أن تسهم في إحداث التغيير في تلك الدول، ولأن الوعى الفكرى والثقافى عملية شبه مفقودة في عالمنا العربى فإنه أصبح من السهل إيهام الشعوب العربية بأن شكلًا ديمقراطيًّا يشبه الغرب يمكن أن يقوم في المنطقة العربية بمجرد إحداث الفوضى وتغيير القيادات السياسية.
ولذلك، فإن نقص الوعى السياسي هو الذي جعل منظمة الإخوان المسلمين تحتل المركز الأول في الاختيارات التي وضعها الغرب لتنفيذ نظرية الشرق الأوسط، ولعل الأسباب لذلك كثيرة ومنها: أن تعطش تنظيم الإخوان للحكم يجعل منه مستعدًا للموافقة على جميع التنازلات السياسية وهذا ما حدث فعلًا، فعلى سبيل المثال قامت الجماعة وقبل أن تصل للحكم بعشر سنوات تقريبًا ومن خلال مرشدها في ذلك الوقت مهدى عاكف الذي صرح لوكالة «أسوشيتد برس» بأن الجماعة ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل في حال وصولها للحكم(٥).


لماذا الإخوان؟

إن جماعة الإخوان المسلمين الخيار الأنسب لتحقيق الفوضى الخلاقة بالنسبة للغرب وتكشف ضعفًا فكريًّا ساهمت فيه السياسة العربية، والتي تعتقد أن تديّن الشعوب الجاهلة هو المسار الوحيد للسيطرة عليها، وهذا خطأ إستراتيجي يصعب الخلاص منه اليوم(٦)، كما أنها، على مستوى التنظيم، تأخذ شكل شبكة، وهى منظمة دولية (٧) تطرح نفسها بأنها ذات توجه إسلامى، مما يجعلها أداة مناسبة لتنفيذ ذلك المخطط، وفقًا لارتباطاتها السابقة بالإنجليز وغيرهم في تجارب عديدة، ووفقًا لاستعدادهم لتقديم أي تنازلات مطروحة في سبيل ذلك.
إن الإخوان المسلمين جماعة تعتمد على هامش كبير من المراوغة والمرونة والتحول، وهى في تنظيمها تشبه نمط الجمعيات الماسونية السرية، فهى أبدت تعاونًا وعلاقات بالمخابرات البريطانية والأمريكية منذ عام ١٩٢٨، وحسب ستيفن دوريل، مؤلف كتاب «إم آى ٦: داخل العالم الخفى للاستخبارات السرية لصاحبة الجلالة»، فإن المخابرات البريطانية نجحت في تأسيس اتصالات وثيقة مع الإخوان المسلمين بعيدًا في الماضى منذ عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الثانية حلّت محلها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA دون أن يعنى ذلك بأى شكل تقليص الاتصالات مع البريطانيين، على العكس تمامًا، إذ إن صلات الإخوان مع «سى آى إيه» و«إم آى ٦» تعززت عندما وصل جمال عبد الناصر للسلطة عام ١٩٥٤.

وقد استخدمت أمريكا الإسلاميين والإخوان في تحقيق أهدافها في محاربة الاتحاد السوفييتى في أفغانستان في الثمانينيات، وحاربوا روسيا المعاصرة في الشيشان وداغستان، وفى عام ٢٠١١ لعب الإخوان المسلمون دورًا فعالًا في القفز على الثورة في مصر وإسقاط معمر القذافى في ليبيا، ثم تعميق الأزمة السورية(٨).

ولكن لكل ذلك قاعدة قام عليها، فبعد عام ١٩٩١، تراجع الإخوان المسلمون إلى الخلفية، وأتصور أن متغيرًا مهمًّا حدث في نفس اللحظة فكّ كثيرًا من الإشكاليات التي كانت تطرحها مسألة السماح للإسلاميين المعتدلين بالمشاركة السياسية وما تثيره من احتمال وصولهم للسلطة في حال حدوث أي انتخابات حرة نزيهة في العالم العربى، وكان المتغير قد فرضه نجاح تجارب إسلامية كانت معتدلة ومقبولة غربيًّا، وعلى رأسها التجربة التركية، وبدرجة أقل التجربة المغربية.
هارت
الفوضى الخلّاقة تحققت في العراق بعد أن دمروا جيشًا عربيًّا قويًّا وأشعلوا حربًا أهلية.. وتعطُّش «الإخوان» للحكم جعلهم مستعدين للموافقة على جميع التنازلات السياسية لصالح الغرب.
جار هارت في كتابه «القوة الرابعة»: يجب نشر الديمقراطية على طريقة سيادة «الدولة - الأمة»
القذافى - رايس
نقص الوعى السياسي هو الذي جعل منظمة الإخوان المسلمين تحتل المركز الأول في الاختيارات التي وضعها الغرب لتنفيذ نظرية الشرق الأوسط
بارنيت
هوامش
(١) د. سعد بن عبدالقادر القويعى، سياسة الفوضى الخلاقة.. والشرق الأوسط الجديد!، جريدة «الجزيرة.«
http://www.al-jazirah.com/٢٠١٣/٢٠١٣٠١٠٦/ar٤.htm
(٢) مركز الشرق العربى، قسم الترجمة، الإيكونومست، نظريات المؤامرة: المؤامرة الغربية لقهر العرب، السبت ١٣ محرم ١٤٣٥.
(٣) وثيقة استراتيجية إسرائيلية للثمانينيات.
(٤) فائز البراز، الفوضى الخلاقة والمجتمعات الدولية، مجلة الطيعة، ٢٧/١١/٢٠٠٦، موقع (ديمقراطية شعبية).
(٥) وهذا ما شرحتْه لاحقًا الرسالة الشهيرة للرئيس محمد مرسي في ١٩ يوليو ٢٠١٢م والتي وجهها إلى السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل وعنونها بقوله (عزيزى وصديقى العظيم).
(٦) د. على بن حمد الخشيبان، نظرية الفوضى الخلاقة.. لماذا اختارت الإخوان المسلمين لتنفيذها؟ جريدة «الرياض»
http://www.alriyadh.com/٩١٨٧٠٦
(٧) تضمّ في صفوفها حماس في فلسطين، وحزب جبهة العمل الإسلامى الأردنى وغيرهما، ولديها فروع في سوريا والعراق ولبنان والسودان وحتى في دول وسط أسيوية مثل كازاخستان وأوزبكستان، وتمثل مناصبها القيادية ثلاثين بلدًا حول العالم… وهى تعتبر منظمة إرهابية في روسيا والعديد من الدول الأخرى.
(٨) إيغور إيغاتشنكو، د. إبراهيم علوش (ترجمة)، الصراع المميت في أرض الفراعنة، شبكة البصرة». (تمت ترجمة هذه المادة من موقع «الثقافة الاستراتيجية» الروسى الذي يصدر بالروسية والصربية والإنجليزية، ورابط المادة الأصلية في نهاية الترجمة).
Igor Ignatchenko، The Mortal Combat in the Land of Pharaohs، ٢٠/٦/٢٠١٢.
http://www.strategic-culture.org/news/٢٠١٢/٠٦/٢٠/the-mortal-combat-in-the-land-of-pharaohs.html
للمزيد، انظر: إيهاب شوقى، الشرق الأوسط الجديد بين الإشاعة والحقيقة وواقعية التنفيذ، شبكة الأخبار العربية.
http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=٤٠٩١٤
78 6 0


http://www.albawabhnews.com/1039336


_________________
أبا الزهراء قد جاوزت قدري *** بمدحك بيد أن لي انتسابا

سألت الله في أبناء ديني *** فإن تكن الوسيلة لي أجــابا


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ مشاركة واحده ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 15 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط