موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: حروب الأشباح السجل الخفي لـ «سي. آي. إيه»
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 07, 2015 7:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14708
مكان: مصـــــر المحروسة

هل خلقت الـ «سي. آي. إيه» حركة طالبان وتنظيم القاعدة، وهل عزفت الولايات المتحدة على وتر طالبان كورقة للترهيب أو التأديب. أسئلة يجيب عليها كتاب حروب الاشباح -السجل الخفي للـ «سي.اي إيه».. لإفغانستان.. ولابن لادن.. لمؤلفه ستيف كول .. كتاب يتجلى فيه الدور غير الاعتيادي للـ «سي.اي إيه» في قصص بيع الصواريخ وإعادة شرائها..

وقصص ضباط وكالة الاستخبارات الامريكية.. وصراعاتهم التي تفسر الحروب السرية التي سبقت «11/سبتمبر».. وتورط رؤساء.. ودبلوماسيين.. في فرع جديد يُسمى مكافحة الأرهاب ..

فهذه مقتطفات من هذا الكتاب الحائز على جائزة بوليتزر المرموقة مرتين.. وهو من أكثر الكتب مبيعاً في العالم..

جلس رجل امريكي ضخم البنية وواسع الوجه داخل مقصورة طائرة متداعية تابعة لخطوط أريانا الجوية الأفغانية، تحلّق فوق البنجاب في اتجاه كابول، وتتوزع فيها الحمولات في كل حدب وصوب. كان رجلاً ودوداً في أوائل الخمسينيات من العمر، يتكلم بلهجة الغرب الأوسط الباردة، وقد أشار أحد معارفه إلى أنه يوحي بأنه طبيب أسنان. خدم غاري شروين لستة وعشرين عاماً كضابط في الخدمات السرية لوكالات الاستخبارات الامريكية. ك

ان في ذلك الحين -أىلول/ سبتمبر 1996م- رئيساً لمركز الوكالة في إسلام أباد، عاصمة باكستان، كان يتحدث الفارسية واللغة الشبيهة بها، المعروفة باسم داري، وهي إحدي اللغتين الأساسيتين في أفغانستان. في مصطلحات قاموس الجاسوسية، كان شروين مشغلاً.

كان يستخدم عملاء الاستخبارات المأجورين، ويديرهم، ويقود عمليات تجسس، ويشرف على الأعمال السرية ضد الحكومات الأجنبية والمجموعات التي تسمها الإدارة الامريكية بصفة «الإرهابية». وقبل بضعة أسابيع، بموافقة من مقرّ وكالة المخابرات في لانغلي، في فرجينيا، اتصل عبر وسطاء بأحمد شاه مسعود، القائد الأفغاني الشهير للعمليات الحربية ضد السوفيات، والذي بات وزير دفاع في حكومة أفغانية تمزقها الحرب، وتتداعى من الداخل. طلب شروين موعداً، وحظى بموافقة مسعود.

لم يكونا قد تبادلا الكلام منذ خمس سنين. في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات، كانت الولايات المتحدة والمجاهدون الأفغان حلفاء يقاتلون قوات الاحتلال السوفياتي وعملاءهم الشيوعيين والأفغان، وقد ضخت وكالة الاستخبارات الامريكية مساعدات مالية وصلت إلى «002» ألف دولار شهرياً، إلى مسعود ومجموعاته الإسلامية المقاتلة، بالإضافة إلى تزويده بالأسلحة وغيرها من المؤن. وما بين العامين «1989-1991م سلم شروين شخصياً بعض الأموال.

لكن المساعدات توقفت في كانون الأول/ ديسمبر 1991م مع اندثار الاتحاد السوفياتي. قررت حينها الحكومة الامريكية انه لم يعد لها من مصالح في افغانستان.

كانت البلاد في هذه الأثناء، تنهار. فكابول التي كانت ذات يوم مدينة أنيقة واسعة الشوارع، ومكتسية بالحدائق المزروعة بشكل يُبهر النظر بين المرتفعات الصخرية القاحلة، قد تحولت بفعل أمراء الحرب فيها، إلى دولة لم يسلم فيها بشر أو حجر من الدمار أو البؤس، حتى باتت تعد بين أسوأ أماكن الأرض على الاطلاق.

كانت الفصائل المسلحة تنبت موسمياً ضمن المليشيات المسلحة في معارك مدينية شرسة تتفجر داخل مربعات مبنية من الاسمنت، واحدة تلو الأخرى، وذلك سعياً وراء مكاسب تكتيكة لا يراها عادة أحد سواهم.

وكانت الميليشيات، بقيادة رجال دين إسلاميين يختلفون في العمق على تفاصيل صغيرة، تتسبب في مقتل مئات من أسرى الحرب بسبب الحرارة بعد حجزهم داخل مستوعبات شحن قديمة. كانت المدينة محرومة من الكهرباء منذ العام 1993م. ويعتمد مئات الآلاف من أبنائها والقاطنون فيها، للحصول على خبزهم اليومي والشاي، على الجهود الكبيرة، لكن المحدودة، لمنظمات الإغاثة الدولية. وفي بعض أجزاء الريف، مات آلاف اللاجئين المهجرين بسبب سوء التغذية والأمراض القابلة للشفاء لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى العيادات ومحطات التغذية.

هذا كله بينما الدول المجاورة- باكستان، إىران، الهند، السعودية تسلم كميات ضخمة من الأسلحة والأموال إلى عملائها الأفغان. لقد سعت حكومات هذه البلدان إلى مكاسب على الأرض أمام جيرانها.

وتدفقت الأموال والأسلحة أيضاً من أشخاص أو جمعيات خيرية إسلامية تسعى الى توسيع نفوذها المعنوي ونفوذها السياسي، عبر التحول المذهبي لدى أبناء البلاد.

بقى أحمد شاه مسعود أشهر القادة العسكريين في أفغانستان، بات هذا الرجل القوي البنية، والخفيف الذقن، وصاحب العينين السوداوين الثاقبتين، قائداً شعبياً محبوباً، وخصوصاً في شمال شرق افغانستان، فهناك قاتل وفاوض بالقدرة التخيلية نفسها في الثمانينيات، حيث راح يعاقب الجنرالات السوفيات ويسبب لهم الإحباط. نظر مسعود إلى السياسة والحرب على أنهما صنوان. كان تلميذاً نبيهاً لماو وغيره من القادة التاريخيين والأسطوريين للمجموعات المقاتلة.

تساءل البعض مع مرور الوقت،إذا كان بإمكانه ان يتخيل الحياة من دون صراع مسلح. إلا أنه أثبت أيضاً، عبر مختلف المجالس والتحالفات، أنه قادر على الحصول على السلطة من خلال المشاركة فيها. وفي خلال حقبة الاحتلال السوفياتي المرعبة، بات مسعود يرمز، بالنسبة إلى الكثير من الأفغان -وخصوصاً أبناء قومه من الطاجيك- إلى الروح والقدرة للمقاومة الباسلة.

كان قبل كل شئ رجلاً مستقلا. أحاط نفسه بالكتب. كان يصلي بخشوع، ويقرأ الشعر الفارسي، ويدرس العلوم الدينية الإسلامية، وأغرق نفسه في تاريخ حروب العصابات. انجذب إلى عقائد الإسلام الثوري والسياسي، لكنه أثبت نفسه أيضاً كقومي أفغاني منفتح الذهن ومتسامح.

إلا أنه في شهر أيلول/ سبتمبر ذاك، سقط صيت مسعود إلى درك سفلي. فانتقاله من التمرد في الثمانينيات إلى الحكم في التسعينيات، قد تطور بشكل كارثي. بعد انهيار الحقبة الشيوعية الأفغانية، استلم حقيبة الدفاع في التحالف الاسلامي المنتصر حديثاً، وغير المستقر في الوقت نفسه.

وقد تعرض لهجوم مسلح من خصومه في باكستان، فلم يتوان عن شن هجوم مضاد، وأصبح بذلك يمثل قوة ملطخة بالدم، تقف خلف حكومة فاشلة تقدم أسباب انهيارها بنفسها.

راح حلفاؤه في الشمال يهربون الهيرويين. كان عاجزاً عن تحقيق الوحدة أو السلم في البلاد. وأظهرت قواته انضباطاً ضعيفاً، وراح بعضها يرتكب المجازر بدون رحمة بحق الخصوم، حين كانت تقاتل للسيطرة على أحياء كابول.

وابتداء من العام 1994م، راحت ميليشا جديدة تتقدم من جنوب أفغانستان، متوعدة بتطهير الأمة من أمراء الحرب فيها، بمن فيهم مسعود نفسه. وأعلن قادتها، معتمروا العمامات، ومكحلو العيون، ان القرآن سيبيد أسد بانشير، وهو لقب مسعود- حيث فشلت جميع الوسائل الأخرى.

كانوا يتنقلون خلف رايات بيضاء مرفوعة باسم مدرسة صارمة، بشكل غير مسبوق في الإسلام، تدعو إلى قواعد مضنية وغريبة للسلوك الشخصي. بات هؤلاء «الطالبان» أو التلامذة الدينيون، كما كانوا يطلقون على أنفسهم، يسيطرون على مناطق واسعة من غرب أفغانستان وجنوبها. أصيب مسعود بالصدمة من قوتهم المتنامية، كان الطالبان يتنقلون في شاحنات تويوتا رباعية الدفع، كبيرة الحجم، جديدة وبراقة، ويقتنون أسلحة حديثة، وكميات هائلة من الذخائر، وقد تمكنوا بشكل غامض من إعادة صيانة طائرات سوفياتية مقاتلة قديمة العهد، والإقلاع بها، بالرغم من الخبرة العسكرية البدائية لدى قادتهم.

كانت السفارة الامريكية في كابول مقفلة لأسباب أمنية منذ كانون الثاني/ يناير 1989م، لذا لم يتوافر مركز لوكالة المخابرات الامريكية يمكن منه جمع المعلومات حول الطالبان، أو مصادر قوتهم الناشئة حديثاً. لم يعد المركز الأقرب، في إسلام آباد، قادراً على الأهتمام بالمصالح الامريكية داخل افغانستان، ضمن التوجيه التشغيلي الخاص به، وهو اللائحة الرسمية لأولويات جمع المعلومات المرسلة كل سنة إلى مراكز وكالة الاستخبارات المركزية في أنحاء العالم.

ومن دون الموافقة الرسمية من التوجيه التشغيلي، كانت تنقص رئىس مركز، مثل غاري شروين، موارد الموازنة الضرورية لتجنيد العملاء، وتأمين معدات التواصل لهم، وإدارتهم في الميدان، ومعالجة تقاريرهم المخابراتية.

أبقت وكالة الاستخبارات على مجموعة من العملاء المأجورين في أفغانستان، لكن معظم هؤلاء كانوا مخصصين لتعقب مير آمال قاضي، وهو شاب باكستاني متمرد، عمد يوم 25 كانون الثاني/ يناير 1993م إلى فتح النار على موظفي وكالة الاستخبارات المركزية عند وصولهم إلى مقرها في لانغلي.

تسبب قاضي في مقتل ثلاثة وجرح اثنين، ثم هرب إلى باكستان. بات الاعتقاد سائداً بحلول العام 1996من، انه يتنقل دخولاً وخروجاً إلى افغانستان،لاجئاً في المناطق القبلية، حيث لا تستطيع الاستخبارات الامريكية وجواسيسها وعملاؤها العمل بسهولة.

لم يرفع عملاء الوكالة الذين كانوا يطاردون قاضي، تقارير حول حرب طالبان المتنامية ضد أحمد شاه مسعود، إلا بشكل عابر. كانت مهمة جمع المعلومات عن التطورات العسكرية والسياسية في أفغانستان، متروكة لمقر وكالة المخابرات الامريكية في فرجينيا البعيدة، وإحدى المهمات العامة لقسم الشرق الأدنى لمديرية العمليات.

بالكاد كان ذلك يشكل تطوراً غير اعتيادي بين الوكالات الحكومية الامريكية. كانت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية قد أقفلت برنامجها الأفغاني للمساعدة الإنسانية العام 1994م.

لم يكن لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، سياسة أفغانية اكثر من تمن غامض للسلام والازدهار. وكانت وزارة الخارجية أكثر انخراطاً في الشؤون الأفغانية، لكن في المستويات المتوسطة حصراً من بيروقراطيتها. وبالكاد علق وزير الخارجية وارن كريستوفر حول أفغانستان في خلال «4» سنين من عهده.

أرسل مسعود مستشاراً مقرباً إليه يدعى مسعود خليلي، لمواكبة غاري شروين إلى داخل كابول. وقد عمدت شركة أريان الجوية الأفغانية إلى انتزاع معظم مقاعد الركاب لافساح المزيد من المساحة للحمولات الضرورية جداً، فامتلأت الأروقة بالصناديق والمستوعبات، ولم تكن أي منهما موثقة أو في وضع آمن. وقد طمأن خليلي شروين قائلاً: «لم يسبق أن تحطم أي منها».

ومع دخول أجواء افغانستان، مرت طائرتهم فوق القمم القاحلة السمراء النائمة، الواحدة على كتف الأخرى، امتدت الأرض العارية من أي أشجار في الأسفل متكتلة في لوحة مصبوغة بالبنى الرملي والأحمر الصلصالي. وفي اتجاه الشمال، راحت الأنهار تشق خطوطاً عميقة في قلب جبال هندوكوش. وارتفعت في اتجاه الجنوب، قمم على علو «11» ألف قدم بشكل حلقة فوق وادي كابول الذي يصل ارتفاعه إلى أكثر من ألف قدم. وعلى طول الطرق المحيطة، تركت الهياكل الصدئة لدبابات، وناقلات جند مدرعة، محترقة ومهجورة، وقد اصطفت على طول المضمار بقايا هياكل محطمة لطائرات مقاتلة وطائرات نقل.

استقبل مسؤولون في جهاز استخبارات مسعود الطائرة بآليات رباعية الدفع، اصعدوا إلى داخلها ضيفهم الأمريكي، لتبدأ رحلة تنخر العظام عبر سهول شومالي في اتجاه كابول. وفوجئ بعضهم بأن شروين ظهر ومعه مجرد حقيبة صغيرة على كتفه، من دون معدات اتصال ولا أمن شخصي، انبهروا بتصرفه المسترخي، وقدرته علي تكلم الداري، ومعرفته المفصلة بأفغانستان.

كان شروين معروفاً بظهوره في الماضي حاملاً حقائب مليئة بالدولارات الامريكية، ولهذه الناحية، يسهل عليه وعلى زملائه في الوكالة كسب ود المقاتلين الأفغان. وقد مرت ست عشرة سنة والوكالة تلاحق أهدافها في أفغانستان بواسطة صناديق كبيرة من الأموال. وشعر بعض ضباط الاستخبارات لدى مسعود، بالإحباط، إذ يبدو أن الوكالة تعتبر دائماً أن مسعوداً ورجاله محفزون بالمال.

قد تكون حربهم الأهلية معقدة وضارية، لكنهم كانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مقاتلون من أجل قضية وطنية، يجرحون ويقتلون كل يوم، مخاطرين بالقليل الذي يملكونه. تدفق ما يكفي من الأوراق النقدية غير القابلة للتعقب إلى منظمة مسعود عبر أعوام طويلة إلى درجة تكفي لتأمين تقاعد مريح لهم إن رغبوا في ذلك. وبرغم ذلك، فإن العديد منهم ما زالوا هنا في كابول، إلى جانب مسعود. بالرغم من المخاطر الكثيرة والحرمان الشديد. تساءل بعضهم باستياء لماذا كانت الوكالة غالباً تبدو أنها تعاملهم كأن المال أهم من القرابة والوطن. بالطبع، لم يكن معروفاً عنهم أيضاً رفضهم المال.

رافقوا غاري شروين إلى أحد المنازل الخفية التي يحتفظ بها مسعود في كابول. انتظروا استدعاء القائد الذي ورد قبل حوالي ساعة من انتصاف الليل. وتم اللقاء داخل منزل كان في السابق مسكناً لسفير النمسا، قبل ان تدفع المعارك بالأسلحة والصواريخ، معظم البلوماسيين الأوروبيين إلى الهرب إلى خارج البلاد.

كان مسعود يرتدي رداء أفغانياً تقليدياً أبيض، ويعتمر طاقية صوف خاصة بالبانشيريين. كان طويل القامة، لكن طلته لم تكن مهيبة، كان هادئاً ووقوراً، يشع وجهه، وتشي حركاته بقوة الشخصية.

سكب مساعده الشاي. جلسوا في ظل اضاءة خفيفة حول طاولة اجتماعات موقتة. تحدث مسعود بلغة الداري مع خليلي حول ضيفهما وخلفيته وما يعرفه خليلي عنه.

بدأ مسعود شكاكاً حول طلب الوكالة هذا اللقاء. كانت الوكالة الامريكية قد تجاهلت ما نظر إليه مسعود ورجاله على أنه تهديد متنام تمثله طالبان المتشددة.

كان البعض في دائرة مسعود يشك في ان الوكالة قد مررت السلاح والمال بشكل سري إلى طالبان. صحيح ان امريكا كانت صديقة لمسعود على مدى سنين، لكنها صديقة متقلبة. فما الذي تريده الوكالة الآن؟

بدأ شروين حديثه مذكراً «بات لنا سجل أنا وانت، بالرغم من أننا لم نلتق وجهاً لوجه أبداً». لم يكن سيبدأ بإطلاق الاتهامات، لكن في الحقيقة، لم يكن ذلك السجل بمفرح، بشكل عام.

ذكر شروين مسعود بأن الوكالة كانت تعمل عن كثب مع القائد في شتاء العام 1990م. كان مسعود يعمل وقتئذ في جبال شمال شرق أفغانستان. كانت كابول تحت سيطرة الرئىس نجيب الله، وهو رئيس سابق للشرطة السرية، وشيوعي يتميز بضخامة بنيته وبشاربيه، وقد بقى صامداً في السلطة بالرغم من انسحاب القوات السوفياتية في العام 1989م.

دعمت موسكو نجيب الله، بينما سعت السياسة الامريكية إلى هزيمته بالقوة العسكرية. وزود السوفيات عميلهم بكميات كبيرة من المساعدات العسكرية والاقتصادية، براً وجواً. وفي فصل الشتاء ذاك، توصلت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية بالتعاون مع المخابرات العسكرية الباكستانية، إلى خطة لإطلاق هجمات متزامنة على خطوط الإمداد الأساسية حول أفغانستان.

كان ضباط الوكالة قد خططوا لدور حاسم لمسعود، لأن قواته كانت متمركزة قرب طريق سالانغ السريعة، وهي الطريق الأساسية بين الجنوب والشمال، المؤدية من الاتحاد السوفيتي إلى كابول.

سافر غاري شروين في شهر كانون الثاني/يناير1991م، إلى بيشاور في باكستان، حيث كان أحد أشقاء مسعود، ويدعى أحمد ضياء، يملك مجمعاً مجهزاً بنظام اتصال لاسلكي بمقرمسعود الشمالي الشرقي. تحدث شروين على الجهاز مع مسعود عن خطة هجوم الـ «سي. آي. إيه»: لقد أرادت الوكالة من أسد بانشير ان يتجه غرباً، ويقفل طريق سالانغ للشتاء.

وافق مسعود، لكنه قال إنه يحتاج إلى المساعدة المالية. سيضطر إلى شراء ذخيرة جديدة لقواته وملابس للشتاء لجنوده. وكان بحاجة إيضاً إلى نقل القرويين الذين يسكنون المكان من منطقة الهجمات لئلا يكونوا عرضة لأعمال انتقامية من قوات النظام. وقد طلب مساعدة لتسديد ثمن هذا كله، هي عبارة عن دفعة كبيرة فوق مساعدته الشهرية من الـ «سي. آي. إيه». توافق شروين والقائد الأفغاني على دفعة واحدة كاملة لمبلغ «500» ألف دولار امريكي نقداً. ولم يتأخر شروين في تسليم المال يداً بيد إلى شقيق مسعود في بيشاور.

مرت أسابيع. وقعت بعض الاشتباكات المحدودة، وأقفلت طريق سالانغ لبضعة أيام، لكنها سرعان ما فتحت من جديد. وبحسب ما حددته الـ «سي. آي. إيه»، لم يحرك مسعود أياً من قواته الأساسية، كما تم الاتفاق علىه. وقد اشتبه ضباط الـ «سي. آي. إيه» المعنيون، في أنهم تعرضوا للخداع، ولسرقة بقيمة نصف مليون دولار.

كانت سالانغ مصدراً حيوياً للتجارة والإىرادات بالنسبة إلى المدنيين في شمال أفغانستان، وقد تردد مسعود في الماضي في إقفال هذه الطريق خوفاً من خسارة أتباعه المحليين، وخاصة أن قواته كانت تجبي الضرائب على طولها.

وفي تبادلات لاحقة مع ضباط الـ ««سي. آي. إيه» دافع مسعود عن نفسه قائلاً: إن قادته المساعدين قد باشروا الهجمات المخطط لها، كما تم الاتفاق عليه ذاك الشتاء، لكنهم واجهوا إعاقات بسبب الشتاء ومشاكل أخرى. لم تجد الـ «سي. آي. إيه»أي إثباتات تدعم أقوال مسعود. وبحسب ما توصل عناصرها إليه، فإن قادة مسعود فضلوا البقاء خارج المعارك في سالانغ. أما الآن، فقد ذكر شروين مسعود باتفاقهما قبل ست سنين، وذكر أنه سلم شخصياً شقيقه مبلغ «500» ألف دولار.

«كم؟» سأله مسعود.

«خمسمائة ألف»، أجاب شروين.

بدأ مسعود ومساعدوه يتبادلون الأحاديث في ما بينهم. قال أحدهم بهدوء، بلغة الداري «لم نتلق 500 ألف دولار».
كرر مسعود دفاعه السابق أمام شروين.

كان المناخ مريعاً في شتاء 1990م ذاك، فعجز عن تحريك قواته بالفعالية التي كان يأملها. كانت تنقصه الذخيرة المناسبة، بالرغم من المبلغ الكبير المدفوع.

«بات هذا كله من الماضي»، أجابه أخيراً شروين.

أطلق مسعود شكواه الخاصة. كان متحدثاً مقنعاً وطلقاً، واضحاً وقوياً، لا يرفع صوته أو يكثر من الإشارات. قال إن الولايات المتحدة والـ «سي. آي. إيه» قد تخلتا عن أفغانستان، تاركتين شعبها لمصيره. نعم، كان مسعود ورفاقه ممتنين للمساعدة التي أمنتها الولايات المتحدة في سني الاحتلال السوفيتي لكنهم باتوا يشعرون بالمرارة إزاء ما نظرو إليه على أنه قرار أمريكي بالتخلي عن بلادهم.

«انظروا، نحن هنا»، أجاب شروين. «نريد إعادة فتح العلاقات. يتزايد الاهتمام الامريكي بأفغانستان». حاول تبرير تخلي بلاده عن أفغانستان، متذرعاً بأنه قد تمر سنة أو ربما سنتان، لكن الـ «سي. آي. إيه» ستعود. قال ان الأمور تتحرك علي هذا المنوال. فها قد بدأ يبرز هم واحد بالتحديد الإرهاب.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حروب الأشباح السجل الخفي لـ «سي. آي. إيه»
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأربعاء إبريل 08, 2015 5:32 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14708
مكان: مصـــــر المحروسة

قبل أربعة أشهر، في شهر إيار/مايو 1996م، وصل أسامة بن لادن- وهو الابن السابع عشر لملياردير سعودي- إلى افغانستان على متن طائرته الخاصة عبر الخطوط الجوية الأفغانية، أريانا.

وعلى خلاف الـ «سي. آي. إيه»، كان باستطاعة بن لادن استئجار طائرة للاستخدام الشخصي.

أحضر معه مجموعات من الإسلاميين العرب المتشددين، تؤججهم رؤى حرب إسلامية عالمية.

وصل في البداية إلى جلال آباد، وهي عاصمة مقاطعة تقع شرقي كابول ويغمرها الغبار، فكان هناك موضع ترحيب أمراء الحرب المحليين الذين عرفوا بن لادن متبرعاً لحركة المقاومة ضد السوفيات، ومقاتلاً في بعض المناسبات، في خلال الجهاد ضد السوفيات.

عاد إلى افغانستان هذه المرة لأن خياراته كانت محدودة، عاش في السودان في السنين الأربع الأخيرة، لكن حكومة البلاد في الخرطوم قد طردته منها.

وقد اشتكت بلدان عدة، ومنها الولايات المتحدة ومصر والجزائر، من إن ابن لادن مول مجموعات إسلامية في أنحاء الشرق الأوسط. وقد طلب السودانيون من بن لادن الرحيل سعياً وراء الرضاء الدولي.

كان بلده الأصلي -المملكة العربية السعودية- قد جرده من الجنسية. وباتت أفغانستان أحد الأماكن القليلة التي يمكن ان يجد فيها ملجأ، ذلك أن حكومتها بالكاد كانت موجودة، وأمراء حربها الإسلاميون كانوا يسرحون ويمرحون. ويرتكبون الفظائع بحرية، وشعبها الغارق في الفقر يرحب بشيخ ميسور يحمل الهدايا والأموال.

كانت هذه المساكن أقسى بكثير من المجمعات المدينية والمكاتب الإدارية المكيفة التي تمتع بها ابن لادن في الخرطوم. حين وصل إلى أفغانستان، بدا في مزاج كرب، وكان يستشيط غضباً ضد اولئك المسئولين عن نفيه.

وشهد ذاك الصيف أول موافقة علنية لابن لادن على القيام بموجة عنف واسعة النطاق ضد الامريكيين.

وفي آب/اغسطس، أصدر دعوته إلى «حرب مفتوحة ضد احتلال الامريكيين لأرض الحرمين الشريفين»، أي السعودية، حيث يرابض أكثر من خمسة آلاف عسكري بري وجوي امريكي. طلب ابن لادن من أتباعه مهاجمة الاسرائىليين والامريكيين، والتسبب لهم في أكبر قدر ممكن من الأذى.

يتبع إن شاء الله.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة: Re: حروب الأشباح السجل الخفي لـ «سي. آي. إيه»
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 09, 2015 5:45 pm 
غير متصل

اشترك في: الأحد سبتمبر 18, 2005 12:40 am
مشاركات: 14708
مكان: مصـــــر المحروسة

الرصد، والرصد المضاد بين ضباط (السي آي إيه) وأتباع ابن لادن في شوارع الخرطوم..!

تنبه ضباط «السي. آي. إيه» إلى أن رجال ابن لادن قد باشروا تحضير «حزاماً ناسفاً، قاتلاً» بالقرب من السفارة الأمريكية، ولم يتمكنوا من معرفة ما إذا كان الهجوم سيتم على شكل إختطاف او تفجير سيارة، أو كمين مع هجوم بالبنادق، الا أنهم تمكنوا من رؤية جماعة بن لادن تتدرب على العملية في شارع في الخرطوم.

ومع مرور الأسابيع، أصبحت المراقبة والمراقبة العكسية أكثر فأكثر حدة. ففي إحدى المرات، وجدوا أنفسهم عرضة لملاحقة متواصلة ولصيقة، وفي أخرى رفع ضباط وكالة الاستخبارات المركزية السلاح في وجه العرب الذين كانوا يلاحقونهم.

وفي النهاية أرسل بلاك السفير الأمريكي، ليشتكي أمام الحكومة السودانية، وحين وجد المخططون انه تم اكتشاف أمرهم، تراجعوا».

أثناء اجتماع في البيت الابيض في أوائل العام 1995م، شبه محللو «السي. آي. إيه». مقر بن لادن الرئيسي في الخرطوم بمؤسسة فورد للأصولية السنية الإسلامية، ومصدر هبات مالية للعمليات العنيفة، كان الأصوليون المصريون والجزائريون والتونسيون والإسلاميون الآخرون، يقدمون اقتراحات إلى بن لادن بشأن العمليات.

وفي حال وافق بن لادن، كان يسلمهم أموال التمويل. ومع حلول العام 1995م ، لم يعد لدى مركز الوكالة في الخرطوم أي شك في أن مساعدي بن لادن لديه، يضمنون قتلة ملتزمين ومدربين. وتساءل بلاك وزملاؤه متى ستواجه الولايات المتحدة بن لادن بشكل مباشر، ومتى قد يحصل ذلك.

وقف براين بار في الظلمة الى جانب طائرة شحن عسكرية أمريكية على مدرج مطار إسلام آباد المدني والعسكري. كان بار عسكرياً، يعمل في الخدمات السرية منذ ست سنين وتم تعيينه في قوات مكافحة الإرهاب المشتركة التابعة ل «الأف. بي. آي» في نيويورك.

كان خبيراً في نقل السجناء الخطرين. وقد تم استدعاؤه قبل أربع وعشرين ساعة إلى واشنطن، حيث طُلب منه السفر بسرعة الى باكستان اقتربت «جائزته» في عربة يقودها ضباط الجيش والاستخبارات الباكستانية.

حصل ذلك مساء 8 فبراير العام 1995م نزل رمزي يوسف من مؤخرة العربة مرتدياً بذلة مظلي عسكرية خردلية اللون، بينما عُصبت عيناه وكُبلت يداه ورجلاه بسلسلة التفت حو ل خصره. قام بار وعميلا «الأف. بي . آي» برادلي غاريت وتشارلز ستورن، بمرافقة يوسف إلى الطائرة الأمريكية.

في اليوم السابق، اقتحم ضباط الاستخبارات الباكستانية والمارينز الغرفة 61 في منزل سوكاسا داخل إسلام أباد، واعتقلوا يوسف بينما كان يهم بمغادرة العاصمة.

وافقت حكومة باكستان مباشرة على تسليم يوسف إلى الولايات المتحدة ليواجه اتهامات بتفجير مركز التجارة العالمي.

امتنع الباكستانيون عن تنفيذ الإجراءات الرسمية لتسليم المتهم، فتقنية «التسليم» هذه، التي يتم من خلالها نقل إرهابي محتجز من دولة إلى أخرى من دون الظهور في المحكمة، أصبحت مؤخراً الطريقة التي تفضلها «السي. آي. إيه».

فقد سمحت للوكالة بنقل المشتبه فيهم إلى دول حليفة من أجل إستجوابهم، أو إعادتهم إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم، وذلك وفق هواها.

واستقطبت هذه الممارسة، التي تعتبر غير قانونية في الولايات المتحدة، والتي تسمح بها الدول، سياسة الأمن القومي التي تعود إلى عهد إدارة ريغان، والتي أعاد الرئيس كلينتون الالتزام بها. وإحياءها من جديد.

حين أصبحوا على متن الطائرة، قام فريق «الأف. بي. آي» بتعرية يوسف من ملابسه، ثم تفتيشه وتصويره.

كشف طبيب عليه، وأعلن أنه بصحة جيدة. عاد العملاء وقاموا بإلباسه زيه من جديد، ثم قيدوه وأخذوه إلى حجرة في آخر الطائرة.

تم تجهيز غرفة إستجواب موقتة حيث غطوا الجدران والأرضية ببطانيات وجهزوها ببعض المقاعد.. كان يوسف قد بدأ بالتحدث إلى عدد من عملاء مكتب «الأف. بي. آي». كان يتكلم الإنجليزية بطلاقة، وبدأ عليه الارتياح.

أراد الاطلاع على الإجراءات الأمريكية القانونية، وكان متحمساً لأن يعتبروه إرهابياً مبدعاً. وحين سأله غاريت إن نفذ عملية تفجير مركز التجارة العالمي، أجاب يوسف: «لقد كنت العقل المدبر وراء الانفجار».

تحدثوا لست ساعات أثناء الرحلة التي استمرت أربعاً وعشرين ساعة.

استجوب غاريت وبار يوسف حول دوافعه.

فقد تناقشت «الأف. بي. آي» و «السي. آي. إيه». حول الموضوع تكهنتا لمدة سنتين بشأن الدور الذي لعبه يوسف في عملية تفجير مركز التجارة العالمي:

هل كان عميلاً حكومياً؟ أم جزءاً من شبكة من الإسلاميين الأصوليين؟ أم ماكراً منعزلاً؟ أم مزيجاً من جميع هذه الصفات؟

وأخيراً، تمكنوا من سماع الإجابة من يوسف وحده. فسّر السجين أن بعض القادة المسلمين يؤمن بفلسفات شبيهة بفلسفته، إلا أنه اعتبر نفسه عاملاً مستقلاً. لقد استوحى من القادة المسلمين، إلا أن أحداً لم يسيطر على عمله.

سأله غاريت عن القادة الذين يتحدث عنهم، لكن يوسف رفض الإجابة.

قال يوسف إنه لم يفرح بقتل المواطنين الأمريكيين، وشعر بالذنب تجاه الضحايا المدنيين.

إلا أن ضميره كان مثقلاً برغبته القوية في وضع حد للجنود الإسرائيليين الذين يقتلون العرب.

وقال: «الأمر ليس شخصياً»، لكن تفجير الأهداف الأمريكية كان «الطريقة الوحيدة لإحداث التغيير».

فقد استنتج أن التصرفات المتطرفة هي وحدها القادرة على تغيير عقول الأشخاص وسياسات الشعوب.

وذكر، كمثال، التفجير الانتحاري في ثكنة البحرية الأمريكية في لبنان في العام 1984م، الذي أدى في نهاية المطاف إلى إنسحاب الجنود الأمريكيين من ذلك البلد.

وكمثال ثانٍ، ذكر التفجير الأمريكي النووي في هيروشيما ونجازاكي، الذي كان بمثابة تكتيك مفاجيء أجبر اليابان على الاستسلام المباشر.

وقال يوسف إنه «يود لو كان الأمر مختلفاً»، لكن العنف الرهيب وحده قادر على فرض هذا النوع من التغيير السياسي المفاجيء. قال إنه يؤمن فعلاً بأن تصرفاته كانت منطقية وواقعية، وهدفت إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.

ولم يأت على ذكر أي دوافع أخرى خلال تلك الرحلة، ولم يتحدث عن أية مسألة أخرى قد تهمه في السياسة الأمريكية الخارجية.

أطلعهم على رغبته في تدمير أحد برجي مركز التجارة العالمي فوق الآخر، واعتبره عملاً بطولياً قد يحصد (250) ألف ضحية.

لكن، لم تتوافر لديه الأموال والمواد المناسبة لصنع متفجرة قوية تكفي لتدمير البرج الأول، كما اشتكى من نوعية حلفائه. سأله عملاء «الأف. بي آي» لم أعاد أحد شركائه سيارة مستأجرة واستلم الوديعة بعد التفجير، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله. فأجاب يوسف مع ابتسامة ساخرة، «لأنه غبي».

اعترف بأنه حين هرب من باكستان، اشترى تذكرة في الدرجة الأولى، لأنه اكتشف أن ركاب الدرجة الأولى يخضعون لتدقيق أقل من ركاب الدرجة الثانية.

كان حذراً حين تحدث عن الأشخاص الذين ساعدوه. لكن في شقة في مانيلا، حيث اختبأ يوسف كلاجيء، وجد المحققون بطاقة عمل تعود إلى محمد خليفة، وهو قريب أسامة بن لادن. وقال يوسف إن أحد زملائه قد أعطاه البطاقة في حال احتاج إلى أية مساعدة. سأل العملاء يوسف عما إذا كان سمع باسم أسامة بن لادن، فقال إن بن لادن أحد أقرباء خليفة.

ورفض أن يقول أكثر من ذلك. في النهاية، علم المحققون الباكستانيون بأن يوسف عاش في فندق باكستاني صغير ممول من قبل بن لادن لمدة أشهر بعد تفجير مركز التجارة العالمي. ونقلوا هذه المعلومة إلى «الأف. بي.آي» و «السي. آي. إيه».

سأل يوسف في تلك الليلة أكثر من مرة، عما إذا كان سيواجه حكم الإعدام في الولايات المتحدة. قال إنه يتوقع إعدامه. أما همه الوحيد فكان الحصول على وقت كافٍ لتأليف كتاب حول أعماله «البطولية».

كانت الخطة من البداية تقضي بمحاكمة يوسف علناً. قدّمت ماري جووايت، محامية الإدعاء الأمريكي المشرفة على الدعاوى القضائية الإرهابية في مانهاتن، دليلاً ضد يوسف إلى هيئة محلفين فيدرالية كبرى.

ومع كشف هذه التحقيقات وغيرها، جمعت «السي. آي. إيه» و «الأف. بي. آي» وقائع أخرى حول شبكة دعم يوسف المتعددة الجنسيات.

اكتشفتا بين أمور أخرى، أن يوسف وشركاءه في المؤامرة قد صبوا تركيزهم على الطائرات والمطارات لمدة سنتين بعد الاعتداء على مركز التجارة العالمي.

ظهر الدليل على هذه الاعتداءات الجوية باديء الأمر في الفيلبين. فقد عملت الشرطة على إخماد نيران شبت في فندق تيفاني في مانيلا في 7 يناير 1995م كانت الشقة ملك خالد شيخ محمد، الإسلامي من بلوشستان وعم يوسف.

وجدت الشرطة داخل الشقة أحد أفراد جماعة يوسف، واسمه عبد الحكيم مراد. كما وجدت بقايا مواد كيميائية استخدمت لصنع المتفجرات، وحواسيب محمولة في داخلها ملفات مشفرة.

اعترف مراد بأنه كان يعمل مع يوسف على عدد من الاعتداءات الإرهابية التي تقضي بتفجير حوالي عشر طائرات تجارية أمريكية فوق المحيط الهادي، واغتيال الرئيس كلينتون أثناء زيارة الفيلبين، واغتيال البابا حين يزور مانيلا، والسطو على طائرة تجارية وتحطيمها في مقر «السي. آي. إيه». الرئيسي.

أما تخطيط تفجير طائرات الركاب الأمريكية فوق المحيط الهادي، فقد كان في مراحله الأخيرة. اخترع يوسف جهاز توقيت مستخدماً ساعة يد وخليطاً من المتفجرات لا تستطيع شاشات أمن المطار اكتشافها.

وقد خطط لتحميلها على متن عدد من الرحلات المدنية. أراد أن يضع المتفجرات في الطائرة، ويضبط الوقت، ثم يخرج قبل انفجار القنبلة أثناء توقف الرحلة في المطار.

وقد تسبب في وقت سابق في مقتل رجل أعمال ياباني عندما انفجرت قنبلة صغيرة تجريبية كان قد وضعها تحت أحد مقاعد الطائرة، بينما خرج هو من الطائرة أثناء توقفها في المطار.

ولو لم تتعطل خطته الكبرى، للقي آلاف الأمريكيين حتفهم في الهجمات خلال الأشهر الأولى من العام 1995م.

أما خطة تحطيم طائرة في مركز «السي. آي. إيه». الرئيسي، فقد تم وصفها في تقرير كتبته شرطة مانيلا وأرسلته إلى المحققين الأمريكيين.

قال مراد إن الفكرة خطرت له أثناء محادثة أجراها مع يوسف. وكتبت الشرطة الفيلبينية ذلك الشتاء، أن مراد قد خطط «الركوب أية طائرة تجارية أمريكية، مدعياً أنه راكب عادي، ومن ثم السطو على الطائرة والسيطرة على ركن الطيار، ثم توجيهها نحو مركز «السي. آي. إيه» الرئيسي.

لم يكن ينوي استخدام المتفجرات في تنفيذه عمليته هذه، فهي ليست سوى عملية انتحارية، وهو على أتم الاستعداد لتنفيذها».

لم تكن هذه الأحداث التي حصلت في أوائل العام 1995م وحدها الدليل على أن الولايات المتحدة بصدد مواجهة تهديد قوى جديد نابع من العالم الإسلامي السني.

فقد انتشر في جميع أنحاء العالم عنف إسلامي مرتبط بالمقاتلين العرب الذين حاربوا أثناء مرحلة الجهاد الأفغاني.

إختلفت الاعتداءات، وبقى مرتكبوها غامضين في معظم الأحيان. كما أصبحت العمليات الانتحارية حافزاً أكثر شيوعاً. شنت الاعتداءات بطريقة متزايدة من قبل مجموعات متمردة في شمال أفريقيا ومصر والسودان وباكستان. كما ظهرت أدلة تفيد بأن الراديكاليين الإسلاميين قد قاموا بتجارب على أسلحة الدمار الشامل.

وبالإضافة الى ذلك، لاح أسامة بن لادن في خلفية الاعتداءات بصفته مصدر إلهام أو داعماً مالياً أو الاثنين معاً.

في شهر أغسطس من العام 1994م، قام ثلاثة أشخاص متخفين من شمال أفريقيا بقتل سائحين إسبانيين في فندق في مراكش.

وقد تابع المعتدون ورعاتهم التدريبات في أفغانستان. وأظهرت التحقيقات في قضية تفجير مترو باريس، في وقت لاحق من ذلك العام، أن المفجرين هم من الجنسية الجزائرية، وقد تم تدريبهم في المعسكرات الأفغانية.

وفي ديسمبر 1994م، قام أربعة جزائريين تابعين للجماعة الإسلامية المسلحة بخطف طائرة تابعة للطيران الفرنسي. كانت الخطة تقضي بالسفر إلى باريس، وصدم الطائرة ببرج إيفل، إلا أن السلطات الفرنسية تمكنت من خداع الخاطفين، فأقنعتهم بأنه لا يوجد في الطائرة وقود كافٍ ليصلوا الى باريس. عند ذلك قاموا بتحويل اتجاههم إلى مرسيليا، حيث قُتلوا أربعتهم عندما أطلق الجنود الفرنسيون النار عليهم.

وفي مارس 1995م، أمسك محققون بلجيكيون بكتيب تدريب إرهابي حصلوا عليه من محاربين جزائريين، وضّح كيفية صنع متفجرة عن طريق إستخدام ساعة يد كمؤقت، بينما كانت مقدمة الكتيب مهداة إلى بن لادن.

وفي أبريل، قام جنود فيلبنيون أولياء لقائد المجاهدين الأفغان عبد الرب رسول سياف، بنهب مدينة إيبل في جزيرة مينداناو، فقتلوا ستة وثلاثين شخصاً، وسرقوا أربعة مصارف، وأخذوا ثلاثاً وخمسين رهينة، ليقتلوا في ما بعد حوالي عشرة منهم.

وفي 26 يونيو 1995م، قام مصريون تابعون للجماعة الإسلامية، بمحاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أثيوبيا.

وبعد شهر تقريباً، قال أحد أعضاء الجماعة المصرية المتطرفة التي يُطلق عليها اسم الجهاد، أثناء مقابلة منشورة، إن بن لادن اطلع في بعض الأحيان على عملياتهم الإرهابية المحددة ضد الأهداف المصرية.

وفي 31 نوفمبر من العام 1995م، انفجرت سيارة محملة بحوالي (311) كيلوجراماً من المتفجرات قرب مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق، وهو المقر الرئيسي لمكتب مدير البرامج التابع للحرس الوطني السعودي في الرياض.

وأدى الانفجار إلى قتل خمسة أمريكيين وجرح ثلاثة وأربعين. وبعد مضي بضعة أشهر، اعترف أحد مرتكبي الجريمة في بث عبر التلفزيون السعودي، بأنه تأثر بابن لادن والجماعات الإسلامية المصرية، وأنه عرف كيفية تحضير متفجرة السيارة بسبب «خبرة التفجير التي إكتسبتها أثناء مشاركتي في عمليات الجهاد الأفغاني».

وبعد أسبوع على عملية التفجير في الرياض، قاد إسلاميون شاحنة متفجرات انتحارية إلى داخل السفارة المصرية في إسلام أباد، فتسببوا في مقتل خمسة عشر شخصاً وجرح ثمانين.

كانت خطة المستقبل مطبوعة في هذه الاحداث. تعرف مركز مكافحة الإرهاب التابع ل «السي. آي. إيه» والوحدات التحليلية التابعة ل «الأف. بي. آي» إلى أجزاء رئيسية من النمط الجديد، الا أنها لم تتمكن من التعرف إلى هذا النمط ككل.

لم يلق إعتراف مراد بمخطط خطف طائرة مدنية وتحطيمها بمبنى «السي. آي. إيه». اهتماماً كبيراً من قبل «الأف. بي. آي» التي لم تعتبر المخطط جزءاً من القضية الإثباتية التي كان المكتب يبنيها من أجل المحاكمة.

وكانت «الأف. بي. آي» متحيرة، فقد تفوق الإرهاب المحلي على الاعتداءات الإسلامية خلال العام 1995م.

وفي أبريل، فجّر تيموثي ماك فاى شاحنة مفخخة خارج المبنى الفيدرالي في مدينة أوكلاهوما، مسبباً قتل مائة وستة وثمانين شخصاً، وجرح مئات آخرين.

لقد صدم التفجير إدارة كلينتون وحثها على التركيز على الإرهاب، إلا أن التحقيق الطويل استنزف مصادر «الأف. بي. آي»، ولم يُجر المكتب اي تحقيق مفصل حول خطة تفجير الطائرة الانتحارية.

استمرت «السي. آي. إيه» بالتركيز على التهديدات الإيرانية والمنظمات الشيعية. وفي وقت لاحق من العام 1994م، كتب مركز الوكالة في الخرطوم، تقريراً حول قيام عملاء إيرانيين وحلفاء لهم شيعة سعوديين أصوليين بمراقبة أهداف أمريكية داخل المملكة.

سافر ولسي إلى المملكة في شهر ديسمبر واجتمع مع الأمير تركي، فناقشا الخطط المشتركة لمراقبة التهديد الإيراني وتعطيله في الشهور المقبلة.

وواصلت «السي. آي. إيه» كتابة تقارير حول التهديدات الممولة من إيران داخل السعودية خلال العام 1995م.

وفي أكتوبر، تلقى البيت الأبيض معلومات تفيد أن منظمة حزب الله المدعومة من إيران والتي يسيطر عليها الشيعة اللبنانيون، قد أرسلت فرقة لاغتيال مستشار الأمن القومي طوني لايك الذي انتقل مؤقتاً من منزله إلى منازل آمنة في واشنطن.

ويذكر الأمير تركي أن إنفجار الرياض الذي نفذه أفغان متأثرون بابن لادن في نوفمبر «قد أتى من حيث لا ندري»، لأن الاستخبارات السعودية قد صبت تركيزها على الشيعة.

لقد استمرت إيران حتى بعد ذلك الاعتداء بتشكيل تهديد كبير، فحصدت الإهتمام ووجهت المصادر بعيداً عن بن لادن وأتباعه.

كان قسم الشرق الأدني التابع لمديرية العلميات في «السي. آي. إيه» والمسؤول عن متابعة قسم كبير من دول العالم الإسلامي السني، ورصد الحركات الإسلامية فيها، منهمكاً بالعراق.

وكانت عملياته السرية الطموحة التي تقضي بطرد صدام حسين من شمال العراق، قد بدأت بالانهيار ذلك الربيع.

استمر هذا الاضطراب الكبير لأسابيع وشهور عقب إعتقال يوسف، ما أمّن للمحققين مخزوناً غنياً من الأدلة.

بقيت الأسئلة التحليلية الأساسية على حالها لأعوام طويلة.

هل يجب اعتبار الإرهابيين أمثال رمزي يوسف منظمين منفردين، أم عملاء ضمن حركة أكبر؟

أين تكمن نقاط اللقاء الرئيسية بين القيادة ودعم المصادر؟

هل مبدأ «لغرض ما بالذات» الذي قدمه محلل «السي. آي. إيه»، بول بيلار، ما زال ملائماً حتى الآن، أم أن الولايات المتحدة تواجه الآن دائرة أكثر تنظيماً وفعالية من الجهاديين المسلمين السنة المنكبين على الاعتدادات المذهلة؟

بالكاد تمكن أحد في واشنطن أو لانغلي من رؤية كامل أهمية بن لادن وتنظيم القاعدة. وعندما وقع الرئيس كلينتون على الأمر التنفيذي الرقم 74921 في 23 يناير من العام 1995م، فارضاً العقوبات على اثنتي عشرة مجموعة متهمة بالإرهاب، بسبب دورها في تعطيل عملية السلام في الشرق الأوسط، لم تكن القاعدة أو بن لادن ضمن تلك اللائحة.

عكست هذه النقاط المبهمة عند محللي «السي. آي. إيه» الأدلة الناقصة والمتناقضة التي توجب عليهم العمل بها.

وأظهرت برقيات كوفر بلاك التي أرسلها من الخرطوم، تنوع حلفاء بن لادن الذين كانوا من مختلف الجنسيات.

وكان واضحاً ان شبكة بن لادن لم تعمل كمجموعة هرمية تقليدية. تمسك عدد كبير من المحللين الأمريكيين بأفكار مسبقة حول من يجب إعتباره حليفاً وفياً، ومن يجب إعتباره عدواً، وهدفت الاستراتيجية الامريكية التي صدق عليها الرئيس كلينتون في العام 1995م، الى إحتواء إيران والعراق وإحباطهما.

واعتُبرت المملكة العربية السعودية في هذه المهمة حليفاً مراوغاً، لكن دورها كان أساسياً.

رأت سياسة الولايات المتحدة الخارجية أنه يستحيل إدارة العراق وإيران دون تعاون السعودية.

لقد تمتعت السعودية بنفوذ حاسم داخل أسواق النفط العالمية، فترددت واشنطن كثيراً في شأن تحدي العائلة المالكة السعودية بسبب تمويلها الأصوليين الإسلاميين، أو استرضائها الدعاة الإسلاميين المعادين لأمريكا، أو حتى نشرها حملة الدعوة الإسلامية في كافة أنحاء العالم.

لم تكن أمريكا تملك دوافع كثيرة للتراجع وطرح أسئلة كبيرة وغير مريحة، عما إذا كانت الجمعيات الخيرية السعودية تشكل تهديداً أساسياً على الأمن القومي الأمريكي.


_________________
رضينا يا بني الزهرا رضينا
بحبٍ فيكمو يرضي نبينــــا



يا رب

إِن كَانَ لاَ يَرجُوكَ إِلاَّ مُحسِــــنٌ
فَمَن الَّذِى يَدعُو وَيرجو المُجرِمُ


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 3 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 7 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط