بعد ما شهدته البلاد أمس من إشتباكان بين رجال الشرطة الشرفاء وبين مجموعة من الألتراس المشاغبين.
أنقل لحضراتكم هذا المقال مع تحفظي على بعض ما ورد به .
الألتراس: التوجهات السياسية لجمهور كرة القدم في مصر
المصدر: الأهرام المسائى
بقلم: محمود عبده علي
حتي وقت قريب، كان الكثيرون ينظرون إلي كرة القدم باعتبارها احدي وسائل الانظمة السلطوية الناجعة لصرف مواطنيها عن السياسة، ومحاولة شغلهم بانتصارات وصراعات وهمية.
وكثيرا ما كانت توجه الانتقادات للاحتفاء الرسمي والاهتمام الشعبي المبالغ فيه بالانتصارات الرياضية علي حساب قضايا وطنية ملحة، غير ان هذا الاعتقاد سرعان ما تغير في مصر مع ظهور مجموعات الالتراس وانخراطها بشكل مباشر في الحياة السياسية، وهو ظهور طرح من التساؤلات الكثير.
فقد اصبح لمجموعات الالتراس بما لهم من قدرة واضحة علي التنظيم والحشد، ونتيجة للدور الذي لعبوه في الثورة المصرية ثقل كبير وحضور ملحوظ في العديد من الاحداث السياسية التي تشهدها مصر، خاصة في المظاهرات الأخيرة التي شهدها ميدان التحرير منذ الـ19 من نوفمبر 2011.
- نشأة فكرة الألتراس:
الالتراس ultras كلمة لاتينية تعني حرفيا الفائق أو الزائد علي الحد اما المعني الشائع لها فهو التعبير عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها الرياضية، وهناك خلاف حول تاريخ نشأة الفكرة، فالبعض يرجعها إلي ايطاليا عندما نشأ أول التراس رسمي عام 1963 والبعض الآخر يرجعها إلي البرازيل، حيث شهدت ظهور مجموعات الالتراس المسماة بالتورسيدا في اربعينيات القرن الماضي.
وهناك من يرجع نشأة الالتراس إلي المجر عام 1929، حينما اسس انصار نادي فرنسفاروش الشهير رابطة للمشجعين، ثم انتقلت الفكرة بعد ذلك إلي دول أمريكا الجنوبية، وكانت البرازيل اولي الدول التي شهدت نشأة الالتراس، حيث تم تأسيس اول التراس باسم تورسيدا في اربعينيات القرن الماضي.
وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلي اوروبا عبر جماهير نادي هايدوك سبليت الكرواتي اليوجوسلافي في ذلك الحين عام 1950 ثم في فرنسا في بداية الثمانينيات علي يد نادي
مارسيليا عبر التراس كوماندو ثم انتقلت الفكرة إلي بريطانيا وباقي البلدان الأوروبية، وتعد ايطاليا من ابرز الدول الأوروبية التي تشهد مجموعات التراس.
- بداية الظاهرة عربياً:
بدأت ظاهرة الالتراس في الدول العربية من خلال دول المغرب العربي، بداية من نادي الافريقي التونسي الذي شهد تأسيس اول التراس تحت مسمي الافريكان وينرز في عام 1995 ثم انتقل الأمر إلي باقي الاندية التونسية مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات انتقل الامر إلي باقي الاندية التونسية مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات التراس هي المكشخين ـ السوبراس ـ والبلود اند جولدي وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلي المغرب، حيث يضم اكثر من 50 مجموعة التراس تتقدمهم مجموعة الوينرز التي تشجع فريق الوداد والجرين بويز التي تشجع فريق الرجاء البيضاوي.
كان الاردن علي رأس الدول العربية الآسيوية التي شهدت ظاهرة الالتراس، وذلك عن طريق نادي الوحدات عبر التراس جرينز في عام 2008 ثم انتقلت الفكرة إلي سوريا علي يد جمهور نادي الكرامة من خلال رابطة بلو صن ولم تشهد مدرجات دول الخليج العربية مثل هذه الظاهرة بعد، وان كانت هناك بعض المحاولات التي لم يكتب لها النجاح.
وفي عام 2007 شهدت مصر اول ظهور لمجموعات الالتراس، من خلال التراس اهلاوي من مشجعي النادي الأهلي، والتراس الفرسان البيض white knights من مشجعي نادي الزمالك ثم التنانين الصفراء yellow dragons من انصار النادي الاسماعيلي والسحر الأخضر Green magic من مشجعي نادي الاتحاد السكندري، والنسور الخضراء green eagles من انصار النادي المصري.
- عقلية الالتراس:
تستخدم مجموعات الالتراس مصطلحات خاصة بها لايفهمها إلا اعضاء الالتراس، من بينها مصطلح الباتش Batch اي اللوجو الخاص بالالتراس وهو عبارة عن لافتة كبيرة يصل طولها إلي 10 امتار احيانا تحمل شعار المجموعة والوان الفريق v ويتم اختيار الشعار بعناية من قبل الاعضاء ويعلق بالمدرجات للتعريف بهم، وهناك مصطلح التيفو tifo وهي كلمة ايطالية تعني المشجع وهي عبارة عن دخلة تقوم بها مجموعة الالتراس لتعبر عن رأي أو فكر وغالبا تكون في بداية المباراة.
وهناك كذلك مصطلح روح الالتراس ultras spirit حيث تعتقد مجموعات الالتراس حول العالم في وجود ما يسمي بروح الالتراس، وهي روح يولد بها اعضاء الالتراس، ولايكتسبونها مهما يحدث ويصفونها بانها تلك الروح المقدامة المثابرة العاملة في صمت وجهد لتحقيق اهداف عظيمة لايتم انجازها، إلا اذا انصهرت ارواح افراد المجموعة في كيان واحد تحت علم ناديها ضد الجميع من وسائل الاعلام التي تهاجمهم باستمرار، وضد الفرق المنافسة واحيانا ضد المخربين من ابناء النادي انفسهم.
ولذا تطلق مجموعات الالتراس علي نفسها خط الدفاع الأخير، الذي يدافع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه، ويحملون علي عاتقهم الحفاظ علي الصورة المشرفة لجماهير ذلك النادي الذي عشقوه وترجموا هذا العشق بافعال يشهد الجميع بها.
ولا يوجد للالتراس رئيس، بل يتكون من مجموعة من المؤسسين الذين سرعان ما يتراجع دورهم بعد ان تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي ارض صلبة، ويدير العمل داخل الالتراس مجموعات عمل صغيرة top boys تختص كل منها بتنظيم انشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والاشراف علي مصادر تمويل المجموعة.
ويتميز الالتراس بالتركيز علي روح المجموعة باعتبارها كيانا واحدا لايتجزأ، ومن ثم تغيب اي نزعات او تطلعات فردية، فقيمة عضو الالتراس بما يقدمه للمجموعة من جهد وعطاء، ولذا يظهر افراد الالتراس عادة ملثمي الوجوه، بعيدين عن الظهور الاعلامي، فالاضواء المسموح لهم ان يكونوا تحتها فقط اضواء الملاعب خلف المرمي مشجعين فريقهم طوال الـ90 دقيقة من عمر المباراة.
وبصفة عامة، تشترك مجموعات الالتراس حول العالم في اربعة مبادئ رئيسة علي اساسها يتم الحكم علي المجموعة ان كانت التراس حقيقية من عدمه وهي:
1ـ عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال المباراة ايا كانت النتيجة، فللالتراس اسلوب فريد في التشجيع يتشكل حسب شخصية النادي وثقافة البلد، ففي الارجنتين والبرازيل ينتشر استخدام اعداد كبيرة من الطبول وآلات الايقاع التي تعزف الحانا اقرب إلي اغاني السامبا التي تشتهر بها أمريكا اللاتينية.
اما في أوروبا فتعتمد مجموعات الالتراس علي الاداء القوي للاغاني تتخلله حركات مميزة لإرهاب الخصوم، ويقود التشجيع عادة قائد تشجيع كابو capo والذي يكون مسئولا عن اختيار الاغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الايدي والتشكيلات وعادة ما يخصص بالاستادات مكان مرتفع للكابو ليتمكن المشجعون من متابعته والالتزام بتعليماته اثناء سير المباراة.
2ـ عدم الجلوس اثناء المباريات نهائيا، فالالتراس لا يحضرون مباريات فريقهم بغرض المتابعة والمتعة، فهما من افعال المشجعين العاديين، وانما يحضرون بهدف واحد هو التشجيع والمؤازرة المتواصلة حتي صافرة نهاية المباراة.
3-حضور جميع المباريات الداخلية والخارجية ايا كانت التكلفة والمسافة، حيث تقوم مجموعات الالتراس بتنظيم وحشد الجماهير لحضور المباريات خارج مدينة الفريق مستخدمة ارخص وسائل النقل، وتقوم ايضا بعمل موكب أو مسيرة cortege تضم افراد المجموعة في المدينة التي يلعب بها فريقهم، لتظهر لوسائل الاعلام ان لفريقهم مشجعين اقوياء يسافرون خلف فريقهم في اي مكان وايا كانت التكلفة.
4ـ الولاء والانتماء لمكان الجلوس في الاستاد، فتختار مجموعات الالتراس منطقة مميزة داخل المدرجات يبتعد عنها المشجعون العاديون وتنخفض فيها اسعار التذاكر، وتسمي المنطقة العمياء او الكورفا curva الايطالية، وتكون تلك المنطقة مكانا خاصا للتشجيع والمؤازرة وتعليق اللوجو الذي يحمل اسم وشعار المجموعة وكذلك يحمل شرف المجموعة نفسها.
- الالتراس كفاعل سياسي:
لم يقابل ظهور الالتراس في مصر بترحاب كبير، بل علي العكس شنت وسائل الاعلام الرياضية هجوما علي مجموعات الالتراس، واتهمتهم بالتعصب وفقدان الروح الرياضية، والتسبب في كثير من الصدامات بين مشجعي الاندية، ولم يختلف الحال كثيرا مع أجهزة الأمن.
فمنذ اللحظة الأولي نظرت تلك الاجهزة للالتراس بعين الريبة، واعتبرتهم تهديدا لها، اما بسبب خشيتها من ان تؤجج مجموعات الالتراس العنف في الملاعب، او نتيجة لقدرة الالتراس الكبيرة علي الحشد والتنظيم، وامكانية استغلال تلك القدرة في عالم السياسة.
ففي الوقت الذي كانت تحظر فيه اي تجمعات أو مظاهرات صغر حجمها ام كبر، وتقابل بعنف شديد من قبل اجهزة الأمن، كان الالاف من شباب الالتراس يتجمعون في المدرجات تحت سمع وبصر اجهزة الأمن.
ونتيجة للتضييق الذي تعرضت له في المباريات من قبل الأمن بمنعها من ادخال ادوات التشجيع من قبيل الاعلام واللوحات الضخمة وغيرها، اطلقت مجموعات الالتراس لقبا موحدا لقوات الأمن وهو acab اي all cops are bastards تعني ان كل رجال الأمن اوغاد باعتبارهم العدو الاول للالتراس.
لكن هذا العداء بين الالتراس واجهزة الأمن لم ينتقل إلي حيز السياسة قبل ثورة 25 يناير، فلم يكن للالتراس دور يذكر في الحياة السياسية المصرية، وحتي عندما ظهرت الدعوة لمظاهرات 25 يناير، اصدرت بعض مجموعات الالتراس، وتحديدا التراس اهلاوي، بيانا تؤكد فيها انها مجموعة رياضية فقط، وليس لها اية اتجاهات سياسية ايا كانت نوعيتها او انتماءاتها ومن ثم فانها لن تشارك في المظاهرات، او اي تظاهرات سياسية اخري.
وأشار البيان إلي ان كل عضو من اعضاء الالتراس حر في اختياراته السياسية لذا فمشاركة اي عضو في اية جماعة سياسية أو اي حدث سياسي هو امر خاص لادخل للالتراس به من اي ناحية، كما ان اي افكار للاعضاء خارج مجال الرياضة هو تعبير مستقل عن ذاتهم.
لكن مع تصاعد وتيرة المظاهرات اعتبر اعضاء الالتراس انفسهم جزءا فاعلا في احداثها ضد ممارسات الشرطة القمعية، وتحدثت بعض التقارير الصحفية عن دور ملحوظ لشباب الالتراس في ثورة 25 يناير، خاصة يوم جمعة الغضب في 28 يناير 2011 واحتلالهم الصفوف الأولي في مواجهة قوات الشرطة نظرا لخبرتهم الكبيرة في التعامل مع الشرطة خلال السنوات الماضية، ومعرفتهم بتكتيكات وتحركات قوات الأمن.
ومنذ ذلك الحين، تحولت ظاهرة الالتراس في مصر من ظاهرة رياضية تجمع مشجعي الاندية الرياضية وترغب في مساندة فرقها، إلي ظاهرة سياسية بامتياز، واكتسبت المنافسات الرياضية نكهة سياسية واضحة، ليس فقط بين الجماهير بعضها البعض، بل بين مجموعات الالتراس المختلفة من ناحية، وقوات الشرطة المصرية من ناحية أخري.
فكثيرا ما شهدت المباريات هتافات من قبل الالتراس تعتبرها الشرطة معادية، وتطور الأمر في بعض الحالات ـ كما حدث في مباراة الأهلي وكيما اسوان في 6 سبتمبر الماضي ـ إلي حدوث اشتباكات بين الطرفين.
وظهرت مجموعات الالتراس مجددا في العديد من الاحداث السياسية، حيث شارك الالتراس في حماية اسر الشهداء اثناء محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك كما شارك ايضا في العديد من المليونيات ابرزها مليونية 9 سبتمبر التي انتهت باقتحام لمقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
ولعب الالتراس دورا كبيرا في المظاهرات التي اندلعت مجددا في التحرير ابتداء من يوم 19 نوفمبر 2011، واحتلوا الصفوف الامامية في مواجهة قوات الشرطة والأمن المركزي.
ونتيجة لحالة الغموض التي تحيط بالالتراس وتحركاتهم السياسية، يعتبر البعض ان سلوكهم المائل للتصعيد والمواجهة في الفترة الأخيرة مع قوي الأمن ليس فعلا تلقائيا، وانما نتاج صفقة عقدها الالتراس مع بعض الاحزاب الجديدة بهدف اشاعة المزيد من الفوضي والتوتر الأمني، في مقابل قيام الحزب بتحمل جميع نفقات الالتراس.
ويذهب البعض الآخر بعيدا عندما يتهم الالتراس بعقد تحالف سري مع احد مرشحي الرئاسة يتحمل بموجبيها الأخير تكلفة شراء تذاكر المباريات مع كل ما يتطلبه حضور المباريات من نفقات للتجمع والانتقال واعداد اللافتات والشماريخ، غير انه لا يوجد ما يثبت صحة هذه الادعاءات خصوصا وان التصريحات المعلنة لمجموعات الالتراس تؤكد علي عدم انحيازها لاي قوي أو تيارات سياسية.
وبصفة عامة فان الجدل المثار حول دور الالتراس السياسي، والاتهامات الموجهة إليه بالعمل وفق اجندات قوي سياسية بعينها سيظل مرتبطا بحالة الغموض والضبابية التي تحيط بمجموعات الالتراس سواء عن قصد او عن غير قصد، وإلي ان تنكشف تلك الحالة، وتتم دراسة تلك الظاهرة الجديدة بعناية، سيظل كثير من التساؤلات بدون اجابات.
المصدر:
http://ahramonline.org.eg/Policy.aspx?Serial=790867