2 - سقوط الشعب المختار وطرحه خارج الملكوت
تصور اليهود ومن سار على دربهم من مفسري المدرسة التدبيرية وغيرهم، كما بينا في الفصل السابق، أن اليهود هم محور التاريخ البشرى ومحور كل نبوات الكتاب المقدس، خاصة العهد القديم، باعتبارهم شعب الله المفضل والمختار، وتصوروا أن المسيح سيأتي منهم " كوارث للعالم أو ملكا عليه لينزع منه الأوثان والوثنيين والطغاة ويجعل الله معبود الباقين الأوحد وحاكمهم الأعلى الذي إياه وحده يعبدون ويطيعون ".
ولكن بسبب خطايا يعقوب وأولاده قضى الله عليهم بالعبودية في مصر ثم بالسبي في بابل والسقوط تحت حكم دول مختلفة.
ولما رفضوا المسيح ملكهم رفضهم الله كشعبه ومملكته وسلمهم للسيف وللأمم، فترة تسمى بأزمنة الأمم، ولكن في المجيء الثاني يرد الله الملك لإسرائيل ويورثهم الأرض!!
ويقسم هؤلاء تاريخ شتات اليهود وأزمنة الأمم إلى 12 مرحلة أو فترة ويدعمون أقوالهم بآيات من العهد القديم، ولكن هذه الآيات التي يستخدمونها كانت تشير لأحداث حدثت وتمت بالفعل في العودة من السبي البابلي على أيدي كل من زربابل وعزرا ونحميا (فيما بين 536 وحوالي 450 ق م). وعلى سبيل المثال يقولون أن الله سبق أن أنبأ بهذا الشتات كما أنبا بالعودة منه في الآية التالية: " ويبددك الرب في جميع الشعوب من اقصاء الأرض إلي اقصائها وتعبد هناك آلهة أخرى لم تعرفها أنت ولا آباؤك من خشب وحجر. وفي تلك الأمم لا تطمئن ولا يكون قرار لقدمك بل يعطيك الرب هناك قلبا مرتجفا وكلال العينين وذبول النفس وتكون حياتك معلقة قدامك وترتعب ليلا ونهارا ولا تأمن على حياتك " (تث 64: 28 – 66).
وكما هو واضح من نص الآية فهي تشير إلى الشتات المرتبط بالسبي البابلي الذي عبدوا قبله وأثاؤه الأوثان، في حين أن اليهود لم يعودوا مطلقا لعبادة الأوثان بعد العودة من السبي البابلي، ولم يذكر مطلقا أنهم عبدوا الأوثان بعد صلبهم للمسيح ودمار الهيكل وحتى الآن (سنة 1999م)، بل على العكس تماما فقد تمسكوا بديانتهم اليهودية وجادوا من أجلها بدمائهم وأرواحهم وهلك منهم الملايين عبر حوالي 1900 سنة!!
ففي سنة 70م قتل ومات منهم 1,100,00 وسبى منهم الرومان 97,000 نسمة! وفى سنة 115م مات منهم مئات الآلاف في ثورتهم ضد الرومان، في مصر والقيروان وقبرص وما بين النهرين، وفيما بين سنة 132 وسنة 135م قتل ومات منهم 500,000 نفس، وذهب الآلاف إلى السبي وبيع الآلاف كعبيد، في عصيانهم الذي قادهم فيه شخص يدعى " باركوبا " أدعى أنه المسيح وصدقة الآلاف منهم، وفيما بين سنة 379 وسنة 395 م عانوا اضطهادا شديدا على يد الملك ثيؤدوسيوس، وفى سنة 613 عانوا اضطهادا شديدا في أسبانيا بسبب رفضهم للعماد، كما عانوا من الاضطهادات المتواصلة في معظم الدول الأوربية وقُتل منهم الآلاف طوال فترة الحروب الصليبية وما بعدها من سنة 1096 إلى سنة 1903، وقتل منهم حوالي 6,000,000 على أيدي هتلر وجنوده في فترة الاحتلال النازي لأوربا.
ولا يزالوا حتى اليوم لا يعبدون سوى الله الواحد حسب أسفار العهد القديم وعلى رأسها شريعة موسى.
ولكن قصد الله لم يكن كما يتصورون ويزعمون، فلم يكن في هذا الشعب أية ميزة تميزه على بقية الشعوب الأخرى، فقد اختارهم وهم في صلب إبراهيم وأسحق ويعقوب، ولكنه أختارهم بنعمته واحبهم فضلا، بقصد واضح وهدف محدد، ليحقق من خلالهم مشورته الإلهية لخلاص العالم كما سبق أن وعد إبراهيم وأسحق ويعقوب، يقول الكتاب " لأنك أنت شعب مقدس للرب إلهك إياك قد اختار الرب إلهك لتكون له شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. ليس من كونكم اكثر من سائر الشعوب التصق الرب بكم واختاركم لأنكم اقل من سائر الشعوب، بل من محبة الرب إياكم وحفظه القسم الذي اقسم لآبائكم أخرجكم الرب بيد شديدة وفداكم من بيت العبودية من يد فرعون ملك مصر " (تث6: -8).
فقد وجد هذا الشعب وقام على أساس لاهوتي ولهدف سامي كان في قصد الله. وكانت بركاته بركات روحية لا جسدية، سماوية وليست أرضية، وهذا ما فهمه وأدركه إبراهيم وجميع الآباء. يقول الكتاب " بالإيمان إبراهيم لما دعي أطاع أن يخرج إلي المكان الذي كان عتيدا أن يأخذه ميراثا فخرج وهو لا يعلم إلي أين يأتي.
بالإيمان تغرب في ارض الموعد كأنها غريبة ساكنا في خيام مع اسحق ويعقوب الوارثين معه لهذا الموعد عينه، لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسيات التي صانعها وبارئها الله 000 في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها واقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض.
فان الذين يقولون مثل هذا يظهرون انهم يطلبون وطنا، فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه لكان لهم فرصة للرجوع، ولكن الآن يبتغون وطنا افضل أي سماويا
لذلك لا يستحي بهم الله أن يدعى إلههم لأنه اعد لهم مدينة " (عب8: 11- 16).
كما كان وعد الله لإسرائيل مشروطا بعبادة الله وحده وطاعته والسير بحسب شريعته ووصاياه " وأن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها اشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة كالشعوب الذين يبيدهم الرب من أمامكم كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم " (19: 8،20)، " وأن سمعت سمعا لصوت الرب إلهك لتحرص أن تعمل بجميع وصاياه التي أنا أوصيك بها اليوم يجعلك الرب إلهك مستعليا على جميع قبائل الأرض " (تث28: 1)، " ولكن أن لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحرص ان تعمل بجميع وصاياه و فرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم تأتى عليك جميع هذه اللعنات وتدركك " (تث28: 15)، " وتأتى عليك جميع هذه اللعنات وتتبعك وتدركك حتى تهلك لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك لتحفظ وصاياه و فرائضه التي أوصاك بها " (تثنية 28: 45)، " فتبقون نفرا قليلا عوض ما كنتم كنجوم السماء في الكثرة لأنك لم تسمع لصوت الرب إلهك " (تث8: 62).
ولكن الشعب المختار لم يسمع كلام الله ولم يطع وصاياه وعبد الأوثان في مراحل كثيرة من تاريخه، حتى في اللحظة التي كانوا يعلمون أن الله كان يكلم موسى فيها، فأرسل الله إليهم العديد من الأنبياء ولكنهم، كما يقول الكتاب " لم يرجعوا عن طرقهم الردية " ؛ " واشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راء قائلا ارجعوا عن طرقكم الردية واحفظوا وصاياي فرائضي حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم والتي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء، فلم يسمعوا بل صلبوا اقفيتهم كاقفية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم، ورفضوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم وشهاداته التي شهد بها عليهم وساروا وراء الباطل وصاروا باطلا وراء الأمم الذين حولهم الذين أمرهم الرب أن لا يعملوا مثلهم، وتركوا جميع وصايا الرب إلههم وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين وعملوا سواري وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل، وعبروا بنيهم وبناتهم في النار وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لأغاظته.
فغضب الرب جدا على إسرائيل ونحاهم من أمامه ولم يبق إلا سبط يهوذا وحده. ويهوذا أيضا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم بل سلكوا في فرائض إسرائيل التي عملوها. فرذل الرب كل نسل إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد
ناهبين حتى طرحهم من أمامه " (2مل13: 17-20)، " من اجل انهم لم يسمعوا لكلامي يقول الرب إذ أرسلت إليهم عبيدي الأنبياء مبكرا ومرسلا ولم تسمعوا يقول الرب " (ار29: 19).
ولما ظنوا أن مجرد كونهم يهود ومجرد نسبهم لإبراهيم كاف للإبقاء على هويتهم وكونهم الشعب المختار، قال لهم يوحنا المعمدان "يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي فاصنعوا أثمارا تليق بالتوبة ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أبا لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم. والآن قد وضعت الفأس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع و تلقى في النار " (مت7: 3-10). ولما قالوا للسيد المسيح " " أننا ذرية إبراهيم ولم نستعبد لأحد قط 000 أجابهم يسوع الحق الحق أقول لكم أن كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية 000 فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا. أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم لكنكم تطلبون أن تقتلوني لان كلامي لا موضع له فيكم 000 انتم تعملون أعمال أبيكم، فقالوا له أننا لم نولد من زنا لنا أب واحد وهو الله. فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله 000 لماذا لا تفهمون كلامي لأنكم لا تقدرون ان تسمعوا قولي. انتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب " (يو33: 8 – 44).
وفى مثل الكرامين الأردياء أعلن السيد المسيح أن ملكوت الله سينزع منهم نهائيا ويعطى لأمة أخرى تعمل أثماره " لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لامة تعمل أثماره " (مت21: 43).
وهكذا رفضهم الله نهائيا وصار كل من يؤمن بالمسيح هو ابن الله وعضوا في ملكوت الله الروحي، إسرائيل الروحي، يقول الكتاب " لان ليس جميع الذين من إسرائيل هم إسرائيليون ولا لأنهم من نسل إبراهيم هم جميعا أولاد بل باسحق يدعى لك نسل. أي ليس أولاد الجسد هم أولاد الله بل أولاد الموعد يحسبون نسلا 000 فماذا أن كان الله وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك ولكي يبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد التي أيضا دعانا نحن إياها ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضا كما يقول في هوشع أيضا سأدعو الذي ليس شعبي شعبي والتي ليست محبوبة محبوبة ويكون في الموضع الذي قيل لهم فيه لستم شعبي انه هناك يدعون أبناء الله الحي " (رو6: 9-26).
وهكذا أكد السيد المسيح لهم قائلاً " وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان " (مت 11: 8-12).