موقع د. محمود صبيح

فجأة وبلا مقدمات أو أسباب مفهومة اندلعت فتنة فى أسوان تلك المدينة الهادئة الطيبة، كما تندلع النار فى الهشيم، وسالت فيها دماء أبنائها أنهارا وبحورا فى مشهد مخيف ومرعب.

فرأينا لأول مرة فى مصر أكوام من الجثث تحمل على عربة كارو وكأننا فى ليبيا أو اليمن أو حتى العراق، وقد أصابني الحزن الشديد، حيث كنت عائدة منذ أسابيع قليلة من رحلة إلى تلك المدينة التى تحمل عبق التاريخ وروح مصر الأصيلة، لم أصدق وأنا أقرأ وأتابع التطورات أن هذا يحدث فى أسوان بالذات هذة المدينة التى تحتضن ويحتضنها النيل الذى يحمل دوما الخير لمصر، وقفز إلى ذهنى تساؤلات عديدة كان أهمها لماذا أسوان ولماذا الأن ؟

ولا أعلم لماذا استرجعت فورًا ما حدث فى عام 2011 وتحديدًا يوم 2 يناير أى قبل أحداث 25 بأسابيع قليلة، حيث قام المدعومحمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية بلقاء وفدً يضم ١٧ ناشطًا من لجان المتابعة النوبية فى القاهرة وأسوان والإسكندرية، للتعرف على مشاكلهم ومطالبهم الخاصة بعودتهم إلى أراضيهم، وطالبهم بإرسال خطاب بتوقيعاتهم إلى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فاو، يتضررون فيه من مشروع المنظمة التى تتولى تسكينهم فى أراضيهم، ليكونوا مبادرين بالمطالبة بحقوقهم، وأن يرسلوا إليه صورة من الخطاب ليقدمه بنفسه إلى المنظمة، كما طالبهم بألا يخافوا من اللجوء إلى المنظمات الدولية، وقال لهم: مفيش حاجة اسمها استقواء بالخارج، وأن من حقهم اللجوء للمحكمة الدولية وتدويل قضيتهم.

وقد يقول لى قارئ وما علاقة هذا الأمر بما يحدث من فتنة بين عائلتين، وسيكون ردى لقد أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن لا شيء يحدث بالصدفة، وأن كل الخيوط مربوطة ببعضها البعض، وأن مخطط تقسيم مصر هى رغبة محمومة لدى أعداء مصر ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه، ودعونا نستعرض سويًا عددًا من الخيوط والأحداث ثم نربطها ببعضها حتى تكتمل الصورة.

وسأبدأ بالمنظمات المدنية الأجنبية المنتشرة فى ربوع المحروسة، فما هو شعورك عندما تعلم أن فى أسوان فى منطقة لا تتعدى حيين (2 أحياء) يوجد بها 23 مدرسة ممولة بالكامل من منظمات ألمانية، تقبع هناك تراقب وتدرس خريطة القبائل والعادات والتقاليد وتتوغل فى عقول الشباب والأطفال؟ وهذا هو نفس الدور الذى كان يقوم به سفراء جهنم أقصد أمريكا بداية من ريتشارد دونى هذا السفيرالذى كان يتحدث العربية بطلاقة ويدعى عشقه لمصر فيتوغل وينتشر فى الموالد والأحياء الشعبية ليجلس مع أبنائها يتبادل الأحاديث والمعلومات.

أستكملت الدور السفيرة مارجريت سكوبى التى كانت تتخفى بعيدا عن أعين الأجهزة الأمنية فنجدها فى صعيد مصر ومناطق أخرى تدرس وتجمع المعلومات لتسلم للسفيرة آن باترسون خريطة كاملة وافية شافية عن القبائل والعائلات الكبيرة والمهمة فى الصعيد، هذا خيط، أما الخيط الأخر فهو عند إعلان خبر ترشح الإستبن الرئيس المعزول محمد مرسى للرئاسة كان أول لقاء له بأهل النوبة وأول مبايعة حصل عليها كانت من أهل النوبة، كما وعدهم بعد أن وصل لسدة الرئاسة بتخصيص 50 مليار دولار لهم من ال 200 مليار دولار منحة قطر المزعومة لمصر، وطبعا كان هذا كلامًا وهميا، ولكن إن دل عن شيء فيدل على محاولة دغدغة مشاعرهم واستقطابهم بأى ثمن.

وعلى ذكر قطر نأتى لزيارة الأمير تميم بن حمد للسودان ودعمه لها بمليار دولار قبل أيام قليلة من إندلاع الفتنة فى أسوان ولتقوم بعدها السودان بأعلان توقيع إتفاقية دفاع مشترك مع إثيوبيا، وتندلع شرارة الفتنة فى أسوان بأسباب واهية تشبة تلك الأسباب التى ساقوها حينما حاولوا زرع فتنة بين مسلمى ومسحيى الصعيد.

وقالوا أن صبىيا مسلمًا تحرش بفتاة مسيحية أو ما شابه ذلك، كما بدأت بعض الشخصيات البرلمانية السودانية فى ترديد نغمة أن النوبة هى إمتداد للسودان كما هى حلايب وشلاتين، إن من أشعل فتنة أسوان يعلم جيدا أن الدم هناك إذا سال بين أهلها يتوقف بصعوبة شديدة، وأن النوبى لا ينسى تاره ولو بعد مائة عام.

ثم نرى بعض شباب أسوان يصورون فيديوهات لهم وهم يهتفون ضد الداخلية (الداخلية بلطجية) فى سابقة هى الأولى لأهل هذه المدينة، إن ما يحدث فى أسوان ليس بالهين والبسيط واحتوائه ليس بالهين والبسيط ، لكنى على ثقة تامة فى قدرة وقوة مؤسسات الدولة السيادية والعسكرية لاحتواء هذه الأزمة ولم أستغرب أن أول وفد قابله المشير السيسى بعد إعلان نيته الترشح كان وفد من النوبة فى رسالة واضحة لمن يحاول أن يعبث بمقدراتنا أن هؤلاء جزء منا وسيظلون كذلك إلى يوم الدين.

إن المخاطر لا تزال محدقة بنا من كل حدب وصوب وزيارة الفريق صدقى صبحى للمنطقة الغربية العسكرية على الحدود الليبية منذ أيام هى رسالة أخرى أننا يقظين وفى قمة الاستعداد ، ولكن على الشعب المصرى الأصيل الذى أنقذ مصر من براثن الإخوان والصهيونية العالمية فى 30 يونيو، أن يدرك أن دوره لم ينتهى بعد، وأننا فى حرب حقيقية كلما إقتربنا من بر الأمان كلما زادت شراستها وكلما حاولوا إحكام شبكة العنكبوت حول حدودنا لمحاصراتنا وخنقنا.

لذا يجب أن نظل يقظين منتبهين حتى لا نقع فى شراك الشباك، وسنظل نذكرهم أن مصر ستبقى دوما هى مقبرة الغزاة، وأن من يحاول أن يقتحم بوابتها يفتح على نفسه أبواب جهنم وستخرج مصر من محنتها هذه أقوى مما كانت بل هى أقوى فرضت نفسها على الساحة العالمية بقوة ولن يوقفها أحد أو شيء مهما كانت مؤامراته.