مقدمة لابد منها
في 18 أكتوبر عام 1951 م وبعد 9 أشهر سابقة على هذا التاريخ من المفاوضات مع الجانب البريطاني حول تعديل معاهدة 1936م أعلن مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء المملكة المصرية في ذلك الوقت إلغاء معاهدة 1936 م .
كان هذا الإعلان الذي تم تحت قبة البرلمان المصري وسط تصفيق هستيري من نواب الحكومة والمعارضة قد تضمن ما يلي :
1- إلغاء المعاهدة وملحقاتها وأحكام الاتفاق الخاص بالإعفاءات والميزات التي تتمتع بها القوات البريطانية الموجودة في مصر.
2- إنهاء العمل بأحكام اتفاقيتي 19 يناير و 10 يوليو 1899م بشأن إدارة السودان (فيلغى الوضع الذي كان قائماً حين كان حاكم السودان إنجليزياً يصدر تعيينه مرسوم ملكي مصري).
3- تعديل المادتين 159 و 160 من الدستور لتعزيز الوضع الدستوري الجديد وتلقيب الملك - ملك مصر والسودان وتوحيد شطري وادي النيل.
تبع الإلغاء القانوني للاحتلال البريطاني إلغاء الملحقات وأحكام الاتفاق الخاص بالإعفاءات والميزات التي تتمتع بها القوات البريطانية الموجودة في مصر.
وده كان بيعني إلغاء جميع الإعفاءات المالية التي كانت ممنوحة للسلطات العسكرية البريطانية وتشمل الرسوم الجمركية على المهمات العسكرية والأسلحة والعتاد ومواد التموين وكذلك الرسوم المستحقة على السفن المارة بالمياه المصرية لخدمة القوات البريطانية وأجور النقل والاتصالات البرقية والتليفونية الخاصة بهذه القوات.
وكمان امتنعت الجمارك عن تقديم التسهيلات الجمركية الأخرى الخاصة بأولوية المرور والشحن والتفريغ.
كما امتنعت السكك الحديدية المصرية عن أداء أية خدمة للقوات البريطانية أو نقل أية مهمات أو عتاد لها.
كما حرمت الحكومة دخول الرعايا البريطانيين البلاد مالم يكونوا حاملين الجوازات عليها تأشيرات دخول من السلطات القنصلية المصرية في البلاد القادمين منها.
وكمان أنهت تصاريح الإقامة للبريطانيين الذين كانت إقامتهم بسبب الخدمة في القوات البريطانية وألغت العمل بالتصاريح التي كانت ممنوحة من قبل بموجب المعاهدة ومنعت هبوط الطائرات العسكرية البريطانية بالمطارات المصرية أو تزويدها بالبيانات الجوية الفنية أو بأي نوع من التسهيلات.
مش بس كده ، دا كمان اتخذ مجلس الوزراء بجلسته السرية في 21 أكتوبر مجموعة من القرارات تعبر عن جدية الحكومة في قرار الإلغاء وأهم هذه القرارات :
أولاً : اتخاذ كل السبل المؤدية إلى عدم تعاون العمال مع القوات البريطانية على أن تصرف لهم الحكومة أجورهم من يوم توقفهم عن العمل وأن تدبر لكل منهم ما يناسبه من عمل.
ثانياً : على الجيش المصري ألا يغادر السودان مهما كانت الظروف وعليه أن يقاوم كل محاولة لإخراجه لآخر رجل وآخر طلقة.
ثالثاً : مقاومة القوات البريطانية إذا ما اجتازت منطقة القناة مهما كانت النتائج والدفاع عن القاهرة إلى النهاية.
رابعاً : إرسال برقية إلى مجلس الأمن بتحميل الإنجليز مسئولية تهديد السلام العالمي من جراء اعتداءاتهم التي تزداد كل يوم على سيادة مصر وأراضيها وأهلها ومرافقها العامة.
مش دا وبس دا كمان الحكومة قامت بتسريح بعض ضباط الجيش والبوليس للقيام بتدريب كتائب التحرير وافتتاح معسكرات للتدريب.
ونتيجة استفزازات بريطانية - هنتكلم عليها بعدين - قامت الحكومة المصرية بسحب السفير المصري من لندن وطرد جميع الموظفين البريطانيين من خدمة الحكومة المصرية وإصدار تشريع بتوقيع عقوبات على المتعاونين مع القوات البريطانية ثم إعداد تشريع بإباحة حمل السلاح.[1].
طبعاً بغض النظر عن القدرة العملية على أرض الواقع التي تمتلكها الدولة المصرية في ذلك الوقت لإنفاذ تلك القرارات جميعها أو تحمل تبعاتها إلا أنو الواقع المرير للاحتلال وما يجره على البلاد جعل لا مناص من تلك المواجهة الشاملة.
وكان الوضع في ذلك الوقت على الساحة العالمية السائد فيه هو عملية إحلال الاستعمار القديم وتسلم وتسليم يتم بين القوى الاستعمارية القديمة والجديدة.
وكان المرشح بالنسبة لمصر أحد أمرين :
إما التمكن من تطويق وتطويع البلاد مرة أخرى والإبقاء على الاحتلال الإنجليزي في شكله القائم أو بأي صورة أخرى ومن ثم إدخال مصر في حظيرة الأحلاف الغربية ودا بيرجع لأهمية مصر وقاعدة قناة السويس بالنسبة للناتو والمعسكر الرأسمالي في مواجهة المعسكر الشيوعي.
وإما التغيير الشامل للشكل العام لمصر ظاهرياً ولكنه في الحقيقة يسير في طريق تحقيق المصالح الغربية وخصوصاً في مسألة استنزاف طاقات البلاد وهدرها فيما لايفيد وإن بدا في الظاهر خلاف ذلك ، ولكن النتيجة والمحصلة النهائية هتصب في هذا الاتجاه.
والقائمين على تلك الفكرة كانوا قسمين في الإدارة الأمريكية ودا كان ليه طريقين عندهم وكل طريق ليه أنصاره :
الطريق الأول إما التغيير بقيادة الملك فاروق - ملك مصر وقتها - وده يتم عن طريق دفعه للقيام بالعديد من الإصلاحات الداخلية لصالح طبقات من الشعب وقيادته البلاد للاستقلال وإجلاء الإنجليز عنها.
والطريق الثاني إما التغيير بدفع قوى أخرى للقيام بهذا التغيير.
وفي النهاية انتصر أصحاب الطريق الثاني نظراً لفشل الملك فاروق وعدم إمتلاكه القدرات اللازمة لإحداث هذا التغيير وفقاً لما تقرر لدى المسئولين عن ذلك .[2].
وأيا ما كان الأمر وسواء مصر هتمشي في الطريق الأول أو الثاني بأحد فرعيه كان لازم من إحداث ما يلزم لدفع الأمور وفق ذلك.
وكان ما استقر عليه الأمر هو ما عرف بحريق القاهرة في 26 يناير من عام 1952م.
وده تم وفقاً للوثائق البريطانية المفرج عنها بعد 30 سنة بالتعاون بين الإنجليز والملك فاروق.
وكان الأداة الفاعلة في تنفيذه السوس أو خونة الداخل أو العملاء بائعي الوطن أو سميهم كما تشاء.
ودول همة إلي بتلائيهم رأس الحربة في كل بلاء يصيب الوطن سواء في 52 أو 2011.
الأداة واحدة والحواضن هية هية وإن تغيرت الأسماء واختلفت معامل التفريخ والإنتاج الكمي لهم.
يتبع إن شاء الله.